أنا دافئ صباح هذا اليوم، بكل ما في الكلمة من معنى، مع كل شيء حولي دافئ وأمين، راض عن نفسي، وبطعم سعادة جزئية أحسّ، لا ينقصني إلا هي، امرأة دافئة تشاركني قهوتي، لذيذة قهوة هذا الصباح، أسند ظهري على مقعدي المريح، هو مقعد قديم رافقني أربعين عاماً غلا ثلاثاً، صامد قوي، خشبه صلب فيه بقية من لمعان ولون جاذبين، أحب لونه الدافئ، أحسست بنور الشمس الواصل لنا من زجاج النافذة في يوم من أربعينيات الشتاء لهذا العام، فعلب نورها نور الغرفة الكهربي،وأحسست بمزيد من الدفء، قهوتي دافئة، وما هو حولي وأمامي تزيدني راحة ودفئاً، حبات من موز بلدي، وعلى المنضدة أمامي قطعة كبيرة من الجبن القشقوان، هي الجبن التي أفضلها، او لنقل هي التي آكلها في العامين الأخيرين، وأشرب جرعة من القهوة خالية من السكر، يسمونها نسكافيه، لا أدري من الذي سماها، ومن الذي اخترع طريقة تصنيعها، تذوب في الماء الساخن بسرعة، وللتقليل من مرارتها اخترعوا مبيضاً نباتياً نخلطه بها، فنستسيغ مرارتها، لا بل أحس أنها ضرورية لحلقي، اعتدت عليها كل صباح منذ سنوات طويلة، ولا أقل من قرن موز معها، أو قطعة من حلوى، أي حلوى تقليدية أو عربية بعضها شامي، ومنها الحلبي، وأهمها ما يصنعه الفلسطينيون والأردنيون، وأنا زائر في عمان الأردن في الشهور الخمس الماضيات، وأسائل نفسي، كيف أكون زائراً وأنا مقيم في منزلي الدافئ في عمان؟ والأهل والزوجة والبنون والبنات كلهم يعيشون في أمريكا؟ يستعجلونني للعودة لهم، نسيت نداءاتهم صباح هذا اليوم، والساعة تشير إلى العاشرة، وأنا دفيء، أحب كل شيء حولي، وصديق له، والغرفة التي تضمني واسعة مفروشة بسجاد جميل، فألوانه الفاتحة وزهوره وأشكاله الهندسية جاذبة وصديقة، وحدي بين جدران وتداخلات وسط بيت واسع على أسرة متوسطة، فكيف به مع فرد عجوز واحد؟ والصور على الجدران تعيد ذكرى الشباب، وتزيد الثقة في نفسي، أبتسم وأنا أذكر والدي حين كان يطلب مني شراء سيخ من الشحم المشوي الرخيص من المدينة التي كنت أدرس بها، تلميذ طفل لا أملك ثمن سيخ اللحم التي يشتهيها والدي، عجوز مقعد فقير معدم، لا يقوى على النهوض والعمل، صابر على أمل أن أكبر وأعيله، ولا يملك ثمن اللحم الذي يشتهيه، بل لا يباع اللحم في القرية إلا مرات قليلة كل عام، وتمتد يدي لتكمل المزيد من الدفء، فأضم بين أصابعي ما يقارب عشر حبات من لب اللوز النيئ، مع قطعة صغيرة من جبن القشقوان، أتبعها بجرعة قهوة دافئة، يتبعنها قرن موز بلدي صغيرة، لا يسد مكان لقمة واحدة في الفم، والشمس تسطع ثانية في الغرفة، وتذكرني بكثرة الملابس التي ارتديتها صباح هذا اليوم، وقبل خروجي من غرفة المنام، دفء جميل ووحدة غير مملة، لا حركة ولا أنفاس في البيت الواسع إلا مني، هدوء غير حذر، وصمت لا يخالطه أي همس، إلا الطبيعة التي أحسها خير جليس،وأشيائي وأثاث منزلي التي أتحسس أنسها بوجودي بينها، فالتلفاز مطفأ وأخرس، وجهاز الكمبيوتر لا أقدام له ولا يدين حتى ينبهني عن أي طارئ فيه، والمذياع أصبح مودة قديمة، يحتاجه الكثيرون من المستوحدين، أما أنا فقلمي هو الرفيق الأمين، حين تتعثر الأفكار أو تتوالد، لم أنس الحلوى البلدية، فأمامي علبة من الهريسة المغمورة بالكثير من المكسرات والفستق الحلبي، على طريقة أهل حلب، لكنها صنعت في عمان، ومن محلات (حبيبة)، تزيد الدفء دفئاً مع قهوتي الدافئة، نعمة كبيرة يسرها الله لي كل صباح تقريباً، هذا الإحساس يزيدني دفئاً وأشكر الله وأرضى من نفسي وجهودي التي وفرت لي كل هذا الدفء والأمان والصحة في السادسة والسبعين من عمري
nazekdhamra1@hotmail.com
ابو خالد نازك ضمرة اديب فلسطيني مقيم في الولايات المتحدة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق