رغم السقوط «النظرى» لجهاز أمن الدولة عقب سقوط نظام السابق الرئيس المخلوع حسنى مبارك وإطاحة ثورة يناير به، وإصدار وزير الداخلية السابق اللواء منصور العيسوى قراره بحل الجهاز وتشكيل جهاز الأمن الوطنى بديلا له فى 15 مارس 2011، أى بعد ما يزيد على الشهر بقليل، فى أعقاب تنحى الرئيس السابق مبارك، وهجوم المتظاهرين على مقار «أمن الدولة» بمختلف المحافظات، فإن الواقع العملى يؤكد أن «الجهاز البديل» الذى وصفته قيادات الداخلية وقت إنشائه بأنه «جهاز معلوماتى» يختص بحماية الوطن من مخاطر الإرهاب والجاسوسية، خصص إدارات لمراقبة «الثوار» و«المعارضين» ونشطاء الحركات السياسية ومتابعة أنشطتهم، خاصة على صفحاتهم بمواقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك وتويتر» ومواقع «يو تيوب، وماى سبيس، وفيلكر»، وذلك بهدف جمع قاعدة معلومات عن المشتركين المعارضين للسياسات التى تتخذها الدولة.
الجهاز خصص أيضا إدارات لمراقبة النشاط الدينى، ورصد الفكر الشيعى فى مصر وإدارة للإعلام والفكر، فيما تظل إدارة متابعة شبكة الإنترنت الأكثر نشاطاً فى «جهاز الأمن الوطنى» أمن الدولة سابقاً، حيث يقوم فريق كامل من أعضاء الأمن الوطنى بتحليل ومراقبة آلاف الرسائل والتدوينات التى ينشرها النشطاء فى مصر على الشبكتين الأشهر «فيس بوك، وتويتر» وغرف المحادثة «الشات» والمدونات على الإنترنت، بهدف تجميع المعلومات والتقارير الحية عن اتجاهات الرأى العام نحو قضايا مختلفة.
وبحسب مصادر فإن ضباط الأمن الوطنى يقومون بمراقبة صفحة «كلنا خالد سعيد» وهى الصفحة الأوسع انتشاراً بين مجتمع النشطاء السياسيين على شبكة «فيس بوك» والتى يتجاوز أعداد المشتركين فيها أكثر من 2 مليون عضو ويشرف عليها الناشط السياسى وائل غنيم، ومنها تنطلق دعوات للمسيرات الاحتجاجية الرافضة لسياسات المجلس العسكرى وقرارات الحكومة، كما يراقب ضباط الأمن الوطنى، الصفحة الخاصة بـ«الاشتراكيين الثوريين» إحدى الحركات الثورية التى تصدرت المشهد فى المظاهرات الاحتجاجية والتى يدعو أعضاؤها إلى التظاهرات غير السلمية، كما أنها صاحبة الدعوات إلى الاحتكاك بجنود الجيش فى المسيرات والمظاهرات الاحتجاجية، كما يركز ضباط الأمن الوطنى على مراقبة صفحات «6 إبريل» و«الجبهة الحرة للتغيير السلمى» و«شباب من أجل العدالة والحرية»، و«حركة الائتلافات الثورية الإسلامية».
وعلى صعيد مراقبة الصفحات الخاصة بالأحزاب والتيارات الدينية التى تأتى فى المرتبة الثانية بعد الحركات الثورية، يركز ضباط الأمن الوطنى على مراقبة الصفحات الرسمية لحزب «النور» الذراع السياسية للدعوة السلفية والصفحة الرسمية لحزب «الحرية والعدالة» الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، وصفحات الشباب الإسلامى مثل صفحات شباب الدعوة السلفية وصفحات الشباب الإخوانى والتى دائماً ما تأتى المواد المنشورة بها بناء على توجيهات من التظيم الإدارى لجماعة الإخوان المسلمين، وهو ما ظهر مؤخرا مع إثارة شائعات عن حل مجلس الشعب، حيث ظهرت صفحات الإخوان فى مظهر المعارض للمجلس العسكرى وانتشرت الكتابات الرافضة لبقاء المجلس العسكرى والتى تدعوه للرحيل الفورى، فيما يقوم ضباط الأمن الوطنى بمراقبة الحسابات الشخصية أيضا للنشطاء البارزين أمثال: وائل غنيم وعلاء عبدالفتاح ونوارة نجم ووائل عباس على موقع «تويتر».
خطة أخرى يتبناها ضباط الأمن الوطنى وتقوم على إنشاء حسابات شخصية وهمية لأشخاص غير حقيقيين وإرسال طلبات صداقة إلى أعضاء الحركات السياسية والائتلافات الثورية حتى إذا ما وافق الأعضاء على طلب الصداقة يكون بإمكان ضباط الأمن الوطنى التعرف على كل جديد داخل الحركات والائتلافات الثورية، كما يقوم الضباط بإرسال طلبات التتبع والتعقب، «فولو» على شبكة «تويتر» لرصد كل جديد يحدث على الشبكة الأكثر تداولاً على نطاق شبكات التواصل الاجتماعى بعد «فيس بوك».
من ناحية أخرى يبدو أن جهاز الأمن الوطنى وعى الدرس جيدا باستحداثه وتطويره آليات متابعة المشهد السياسى، وأدرك الجهاز ما تغافلت عنه قيادات جهاز أمن الدولة المنحل فى عهد الرئيس السابق ووزير داخليته حبيب العادلى من تقارير حذرت من أن انفجارا يوشك أن يقع فى البلاد، فلم يكن يخطر ببال رجال مباحث أمن الدولة فى المقار الأربعة الأكثر شهرة سواء فى رئاسة الجهاز بمدينة نصر أو فى مقر قطاع القاهرة بلاظوغلى بوسط القاهرة، أو فى ضاحية الدقى فى مقر جابر ابن حيان، أو أحدث مقارهم فى 6 أكتوبر أو على مستوى كل فروع الإدارات بالمحافظات أو حتى المكاتب المختلفة بالمراكز والأقسام، أن يكون «أ- ه» الضابط الذى لم يتجاوز منتصف الثلاثينيات من عمره على حق عندما خلص من تقريره الذى حمل على غلافه عبارة «هام جدا وسرى للغاية»، أن الخطورة القادمة على مصر وعلى نظامها القائم فى ذلك الوقت قادمة من مجموعة من الشباب لا تزيد أعمارهم على منتصف العشرينيات، ويلجأون فى تجمعاتهم إلى آلية جديدة هى غرف الدردشة الإلكترونية والتى تطورت فيما بعد، بظهور أكبر وأهم موقع اجتماعى هو فيس بوك، ومن بعده تويتر، ثم فليكر وغيره من المواقع.
التقرير رصد فى سطوره قيام العديد من الشباب باستخدام آليات جديدة مع حركة التطور التكنولوجى فى مجال الاتصالات من استخدام الدردشة والتواصل الاجتماعى فى تبادل الأفكار السياسية المختلفة، وأشار إلى أن مجموعات من الشباب بدأت تتواصل بعد النجاح الذى حققوه من خلال الدعوة إلى إضراب 6 إبريل عام 2008، كما لفت إلى أن الخرائط الاجتماعية الخاصة بالشباب بدأت تتغير، وبدا واضحا أن المستخدمين من طبقات اجتماعية ثرية، وكانوا فى مرحلة البحث عن آلية جديدة تتيح لهم نشر ما يرون أنه معبر عنهم ويعكس آراءهم بكل وضوح، حيث اكتشفوا فى البداية أن إنشاء موقع إلكترونى خاص بهم لنشر أفكارهم ربما تكون كلفته المالية فوق طاقتهم، فضلا عن أنه حتى لو توافرت هذه التكلفة فإنه يفترض أنهم كانوا سيلجأون لإحدى شركات الاتصالات لإنشاء الموقع، والتى هى بالأساس على اتصال «بدوائر أمنية» بحكم عملها، إلى جانب أنه من السهل الوصول إلى الموقع الإلكترونى والتأثير عليه، إما بحجبه أو التشويش عليه، فكانت فكرة اللجوء إلى «المدونات» أو البلوجز، وهى عبارة عن صفحات إلكترونية مبسطة يمكن التعامل معها وكتابة آراء ورفع صور عليها، وكانت أشهر المدونات آنذاك «منال وعلاء»، و«الوعى المصرى»، وغيرها، وبالتوازى كانت هناك مجموعات من الشباب تقوم بالبحث والتواصل مع آخر مستجدات التكنولوجيا للوقوف عليها وكيفية تحقيق أكبر انتشار لأفكارهم.
جهاز الأمن الوطنى يسعى إلى تعظيم وتأكيد ما كان قد بدأه جهاز أمن الدولة قبل عدة سنوات من تثقيف ضباطه، حسب معلومات أكيدة من خلال حضورهم دورات حول الأيديولوجيات المختلفة حال متابعتهم لأحزاب أو حتى قراءاتهم فى أدبيات جماعة الإخوان، حتى إن بعضهم كان يطلق لحيته، ويؤم المصلين فى صلاة الفجر فى بعض المساجد التى كانت تتم متابعتها بشكل دقيق، ودراسة تأثير الفيس بوك ومواقع التواصل الاجتماعى كمصادر للمعلومات المهمة، وأصبح آلية قوية للتحرك وحشد الأنصار وكسب المؤيدين من خلال استحداث بعض الإدارات بما يضمن مواكبة حركة التقدم المرعب فى عالم الاتصالات والتكنولوجيا، وهو ما كشفته الوثائق التى جرى العثور عليها داخل الجهاز، ولم يتم إتلافها بمعرفة الثوار الذين اقتحموا مقار أمن الدولة، وفى النهاية ظل الهدف واحدا من أمن الدولة إلى الأمن الوطنى، وضع مصر كلها تحت المراقبة.
نقلا عن اليوم السابع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق