وصفت صحيفة يديعوت احرنوت في افتتاحيتها اليوم شخصا اسمه حسن يجلس على كرسي بلاستيك، بجوار كشك المشروبات خاصته في مدخل زقاق خرب في القاهرة. على يافطة القماش المعلقة بين البيتين الاسمنتيين البائسين، يطل الوجه الملتحي لمرشح الاخوان المسلمين والى جانبه كتب 'محمد مرسي، رئيس مصر 2012'. وعندما يراني حسن أسحب كاميرا يصرخ بفزع: 'ماذا تصور هنا؟'. جنون الاضطهاد في مصر مطلق هذه الايام. الكل يشك بالكل، ولا سيما بالاجانب. كل شخص غير معروف مشتبه به على الفور كعميل لشبكة استخبارات أجنبية، وعلى رأسها، بالطبع، الموساد.
ولكن عندما أشرح لحسن بالعربية بان في نيتي أن أصور فقط يافطة انتخابات مرسي، يهدأ. 'صور كما تشاء'، يدعو بائع المشروبات بابتسامة واسعة 'الحكومة لا تريده، ولكن الشعب كله معه. نحن سننتخبه رئيسا'.
أفلا تخاف انتصار الاخوان المسلمين؟
'بصراحة لا. الاخوان هم في خدمة الشعب. هم روح الثورة'.
فقراء القاهرة ومصر كلها هم معقل قوة الحركات الاسلامية. وقد اتحدت في تأييدها لمرسي كي تضمن انتصاره في الانتخابات ونقل الحكم النهائي من يد الجيش الى ممثل الاسلام المتطرف. ولكن حتى في التجند لمؤيدي مرسي، الذين سارعوا الى الوقوف بجموعهم في الطوابير لصناديق الاقتراح حتى قبل أن يبدأ يوم الاقتراع الاول، لا يبدد خوفهم من مخططات قادة الجيش.
'نتائج هذه الانتخابات محددة مسبقا'، يدعي بمرارة عبدالله، معلم ابن 40 صوت لممثلي الاخوان المسلمين. 'الجيش لن يسمح لمرسي بالانتصار. قرار المحكمة الدستورية العليا الغاء نتائج الانتخابات للبرلمان هو الدليل القاطع على ذلك. الجيش سيزور النتائج كي ينتصر مرشحه، أحمد شفيق، في الانتخابات. امريكا واسرائيل ايضا معنيتان بذلك. هو مرشحهما. اذا حصل هذا، فسيسفك هنا مرة اخرى دم في الشوارع'.
المقر الانتخابي لمرسي سارع أمس الى اتهام الجيش بارسال جموع الجنود الى صناديق الاقتراع لترجيح الكفة في صالح شفيق، الذي يعتبر مرشح النظام السابق. خيرت الشاطر، نائب الزعيم الروحي للاخوان المسلمين حذر من أن 'الشعب سيعود الى الميادين، والثورة القادمة ستكون أكثر عنفا من سابقتها'.
'مسرحية واحدة كبير'
الشباب العلماني أيضا، الذين بدأوا الثورة التي أسقطت مبارك، مقتنعون بان الانتخابات التاريخية للرئاسة لن تنتهي بالخير. 'المرشحان لا يمثلان أفكارا ديمقراطية'، يقدر عدنان (32) معد للدكتوراة في الفكر السياسي. 'مرسي يتظاهر بالاعتدال، ولكن اولئك الذين يمسكون بالخيوط من خلفه معنيون بالتطبيق التدريجي لاحكام الشريعة الاسلامية. من جهة اخرى اذا انتخب شفيق، فالدولة بكاملها ستنفجر مرة اخرى. حتى لو بدا بان الثورة تعبة والناس يريدون العودة بسرعة الى الحياة العادية التي سادت قبلها، فانه اذا بقي النظام بيد الجيش فان مصر ستحترق'.
صحفي مصري، طلب عدم ذكر اسمه، يعبر عن احساس العديد من المصريين فيقول: 'كل هذا التصويت هو مسرحية واحدة كبرى. هذه لعبة مباعة. منذ قبل بضعة اسابيع تقرر أن ينتصر شفيق في الانتخابات. كل المؤشرات تدل على ذلك. شفيق رفض عدة مرات، وترشيحه اقر رغم ذلك المرة تلو الاخرى. الجيش سمح للمتطرفين المسلمين بالانتصار في الانتخابات للبرلمان، وهكذا اظهر للمصريين كم هم هؤلاء المتطرفون غير قادرين على ادارة شؤون الدولة. البرلمان الذي حل كان مهزلة لا تنتهي. 'الاخوان أخطأوا بوهم أن الحكم سيقع في ايديهم بسهولة، ولكن الجنرال طنطاوي يفضل أن يصوب لرأسه رصاصة على أن يؤدي التحية لرئيس من الاخوان المسلمين. الخصومة بين الجيش والاخوان عتيقة الزمن. طنطاوي يريد رئيسا من أوساط زملائه بحيث يمكنه أن يفعل كل ما يروق له دون برلمان ودون دستور'.
لا يثقون بالجيش
رغم التقارير عن الصدامات بين الاسلاميين وجنود الجيش في صناديق الاقتراع المختلفة في أرجاء مصر، فقد جرى التصويت بالاجمال في أجواء هادئة نسبيا. مئات الاف الجنود والشرطة انتشروا في مراكز التصويت لضمان الحفاظ على النظام والتأكد من الا يستطيع أحد الادعاء بعد ذلك بان النتائج زيفت. ومع ذلك فان العديد من المصريين لم يعودوا يثقون بالجيش: الكثيرون جلبوا معهم من بيوتهم أقلاما كي يستخدموها في التصويت لمرشحهم، بعد أن نشرت شائعة بان الحبر في الاقلام التي وزعت على صناديق الاقتراع تتطاير بعد بضع ساعات.
اذا كان الجيش اعتبر في بداية الثورة حليف الشعب، فالان يسود في أوساط اجزاء واسعة من الجمهور المصري عداء ظاهر تجاهه. الاحساس السائد هو أن الجنرالات لا يعتزمون التنازل عن الحكم كما وعد. المظاهرات الجماهيرية وان كانت فقدت من حجمها، الا ان الغضب على قادة المجلس العسكري ومرشحهم للرئاسة شفيق يصرخ من على جدران منازل القاهرة. الشعارات على الحيطان تدعو الى ابعاد الجيش بالقوة عن قيادة الدولة. في يافطات عديدة رسمت نجمة داود على صورة شفيق.
'الناس يشعرون بان هذه الدولة تسير نحو مصيبة حقيقية'، يقدر حامد، من نشطاء المعارضة الديمقراطية لشباب الثورة. 'الجيش خلق في الاشهر الاخيرة فوضى في أرجاء الدولة وزاد بين الناس الاحساس بان مصر تحتاج الى زعيم قوي. نحن نقترب بسرعة من وضع يرغب فيه الناس بدكتاتور يمكنه أن يضمن الاستقرار والهدوء'.
حتى لو لم تكن اسرائيل الموضوع الرئيس في حملة الانتخابات للرئاسة فان كل المعسكرات المتخاصمة تواصل التحريض المناهض لاسرائيل واللاسامي كي تشهر بالطرف الاخر وتجند المؤيدين. في الشوارع نرى أقنعة حركة الاحتجاج الفوضوية 'انونيموس'، ولكن ايضا صور أدولف هتلر. في احدى البسطات في ميدان التحرير، حيث لا تزال تباع هدايا تذكارية من عهد الثورة، أجد الى جانب القمصان مع صورة ناصر، تشي جيفارة واحمد ياسين بطاقة معايدة يلعب فيها الطاغية الالماني دور النجم. وعلى البطاقة اقتباس عن كتاب 'كفاحي': 'كنت أستطيع ابادة كل اليهود في العالم ولكني ابقيت بعضهم كي تعرفوا لماذا أبدتهم'.
مجلة اكتوبر تبلغ في عددها الجديد، الذي ينشر هذا الصباح بان اسرائيل تخطط لحملة حربية سريعة في سيناء كي تقيم في شبه الجزيرة حزاما أمنيا وكجزء من خطة امريكية لاعادة تقسيم الشرق الاوسط. 'حكومة الجنرالات والحرب التي اقامها نتنياهو لا تختلف عن حكومة اشكول وديان في العام 1967'، كما تثير المجلة الخواطر. الهدف واضح: جهد مكشوف لتوحيد الشعب خلف الجيش وشفيق، قبل الايام الصعبة التي قد تعصف بمصر بعد صدور النتائج الرسمية للانتخابات المصرية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق