20 يونيو 2012

عمار يا مصر أم خراب!



محمد أبو رمان - كاتب عربي
اختار المصريون محمد مرسي، أو بعبارة أدق جماعة الإخوان المسلمين، في انتخابات الرئاسة المصرية، بالرغم من المرارة الشديدة التي شعر بها كثير من الناس بعد جولة الإعادة، وحالة الغضب العميق من أخطاء وخطايا "الإخوان" في الأشهر الماضية، وأخطرها في الجولة الأولى لانتخابات الرئاسة، مما مهّد الطريق لـ"الدولة العميقة" أن تحضّر الرأي العام وتحرّض الشارع ضد الإخوان، وحتى ضد ما أنجبته الثورة، وتلميع أحمد شفيق بوصفه ملاذ الاستقرار والأمن.
أدهشنا المصريون أمس؛ فمن كان يراقب الإعلام القومي والأدوات السياسية وحالة التعبئة والتحشيد السياسيين، والتلاعب بأفكار الناس عبر الأذرع الأمنية خلال الفترة بين جولتي الإعادة، ربما يصل إلى قناعة بأنّ "الدولة العميقة" الفاعلة في مصر نجحت في القيام بغسل مخ للشعب، وترهيبه من الإخوان وشيطنتهم!
كنت في القاهرة قبل أيام من الإعادة، وأكثر ما أقلقني بالفعل، وأصابني بكآبة، هو أنّ الدعاية السوداء استطاعت اختراق شريحة واسعة من المجتمع المصري، بخاصة العاملين في حقل السياحة والتجارة، وبنت لديهم قناعة بأنّ اختيار مرسي والإخوان يعني خراب مصر، وتهديداً لِلُقمة عيشهم على بساطتها، وخطراً على الأقليات والفن والأدب والدولة المدنية، وفرضا لمنطق ديني حديدي على الناس. وساعد خطاب الإخوان وسلوكهم خلال الفترة الماضية على منح "قوة" لهذه الدعاية. 
مع ذلك، أدرك المصريون اللعبة جيّداً، وعرفوا أنّ الاختيار هو بين التغيير، مهما كانت النتيجة مختلفة عن مطالبهم، والنظام القديم بحلّة جديدة، فأعلنوا على الملأ أنّه مهما كان "التغيير" قريباً أو بعيداً عن مواقفهم وتوجهاتهم السياسية، فلن يقبلوا بعودة الوضع السابق ولا النظام الفاسد الذي أوصل البلاد والعباد إلى الحالة المزرية التي كانت عليها قبل الثورة.
قبل أيام، قرأت مقالاً للأديب الرائع علاء الأسواني، عما يسميه "المواطن المستأنس"، ويمثل شريحة اجتماعية واسعة أصبحت مستأنسة بالحكم الفاسد والمستبد، وقابلة بما يأتي به القدر، وتخشى التغيير، ولا تدرك معنى الحرية، وهي الشريحة التي تفاجأت بالثورة، كما تفاجأ بها النظام المصري، فلم تشارك فيها، فأصبحت هذه الشريحة هدفاً لحملة الدعاية السياسية والإعلامية لتدعيم حملة شفيق، ما يفسر مستوى المنافسة الكبير بينه وبين مرسي.
قرار المصريين بانتخاب مرسي هو رسالة  تاريخية  لكل الناس، ليس باختيار مشروع الحرية والعدالة أو الإخوان أو الانحياز لخطاب أيديولوجي معين، بل هو انحياز للحرية والديمقراطية وصندوق الاقتراع ولنظام جديد يقوم على المواطنة والنزاهة والتعددية وتداول السلطة، وهذا باختصار حلمنا الديمقراطي جميعاً! المهم أن نكرّس اليوم سيرورة التغيير والتحول، ونقشع هذه النخبة الحاكمة التي تريد أن تحتال على الثورات والانتفاضات العربية وتعود بعد أن تغير ألوانها وجلدها، وتتخلص من أثقالها إلى سدّة الحكم، فهذا المخطط باختصار لم ينجح في الضحك على الشعب المصري، برغم مما وضع فيه من أفكار شيطانية مذهلة.
ما قالته شريحة واسعة من المصريين أمس، ليست بالضرورة مؤيدة للإخوان، أنّنا لن نقبل بأن نعود إلى المربع الأول، وتصوير المعركة وكأنّها بين طموحنا بالحرية والديمقراطية والتغيير وبين تهديد الاستقرار والأمن ولقمة العيش. وحتى إن وصلت إلى هذا الحدّ الخطير، فسنختار الحرية والكرامة، مهما كان الثمن!
لعلّ من يراهن بأنّ الشارع يتوق إلى زمن زين العابدين بن علي ومبارك والقذافي يدرك أنّ ذلك وهم كبير، فالناس قد ملّت من الفاسدين وقرفت من فوقيتهم، ومن إعلام النفاق وثقافة المقاولات، ومن الوصاية على الحرية وحق الناس في الاختيار وتقرير المصير!

m.aburumman@alghad.jo

ليست هناك تعليقات: