محمد عبد المجيد
وأما الأحد عشر متواطئاً فجريمتهم هي أم الجرائم بدون مفاضلة بينهم، الناصري والينايري والمارق عن الإخوان والإسلامي والأمني و ....
كانوا يعرفون أن المنافسة غير شريفة حتى لو قام ملائكة مسوّمون على كل صندوق اقتراع لحمايته، فالفلوليان قفزا فوق الأخلاق والقانون والثورة وكل القيم النبيلة والسامية، وبدلا من أن يكونا في زنزانة باردة بها جردل أصفر باهتٌ لونُه لقضاء الحاجة، ترشــّـحا نيابة عن المخلوع، وركلا كل أبناء النيل في مُنتهى مجراه على مؤخراتهم. أما الدولة والمجلس العسكري ومجلس الشورى والقضاء( النزيه!) والنخبة والصفوة وقِرَدة الإعلام ورجال العدالة وحُماة القيم في المؤسستين الدينيتيـّـن، الأزهر والكنيسة فصفقوا للمسرحية .. المذبحة!
جريمة الأحد عشر مرشحاً للرئاسة تستحق نورمبرج أخلاقية ليجيبوا على السؤال الأهم: ألم تعرفوا أن الثاني عشر والثالث عشر مشتركان، ومتواطئان، وتلميذان، ومنتـَـجان طـِـبـْـق الأصل لقاتل أولادكم، ومنتهك حرماتكم، ومغتصب بناتكم، ومعذب شبابكم، وفاقئ عيون درة فلذات أكبادكم؟
أفهم أن شهد السلطة لا تعادله حلاوة ولو كانت حلاوة الإيمان في القلب، لكن أن يصل الغدر وحلم سيادة القصر بكم إلى الصمت والخنوع والسكوت فتدخلون سباق الترشح مع أهم تلامذة المخلوع طمعاً في صوت الناخب، وثقة في النزاهة الوهمية، وإيماناً بواقع حُكم المجلس العسكري فأحسب أنكم تستحقون مئة جلدة على مؤخرات عارية وفي قلب ميدان التحرير وبكرباج مليء بمسامير صغيرة!
لماذا لم يتكاتف الأحد عشر متواطئاً، لو كانوا مخلصين، بالدعوة إلى عشرين مليونية في كل ميادين مصر الحرة لرفض عمرو موسى وأحمد شفيق، على الأقل ليصبح صوت الناخب حلالاً في الدنيا والآخرة رغم أن المجلس العسكري لم يكن ليسمح لأيٍّ منكم أن يصبح رأسُه أعلى من رؤوس الجنرالات!
كتبت عشية الانتخابات في مقال لي بعنوان ( حوار بين المشير والسفيرة الأمريكية ) وانتهيت فيه إلى أن هناك إعادة بين محمد مرسي وأحمد شفيق، وظن كل من يعرفني أن صاحبه مجنون، فقد اخترت مَنْ أجمع كل المحللين في مصر أنهما سيحصلان على أقل الأصوات، ولم أكن أكثر ذكاء من غيري، لكن المشهد بتفاصيله كان يشي بهذه النتيجة ولو استضافت الفضائيات كل نجوم الشاشة الصغيرة الذي صدَّعوا رؤوسنا بنتائج استطلاعات لا تقنع طفلا من أطفال شوارع القاهرة قضى حياته تحت كوبري أو في موقف سيارات.
الناخب المصري يبتسم وهو يدخل المصيدة، وينظر بخيلاء وهو يدلي بصوته كأن المشير همس في أذنه باسم الفائز بالرئاسة، ويظن الناخب أنه صاحب الكلمة الفصل، ويقسم لكَ أنها انتخابات نزيهة لأن الفضائيات دخلت عشرين دائرة إنتخابية، ونام في ألف من الثلاثة عشر ألف لجنة مندوبون عن الإخوان وبعض المرشحين الآخرين!
لم يدر بذهني قط أن أفاضل بينهم، وأتمنى نجاح أحدهم، فالأحد عشر متواطئاً تلوثوا بدماء من كان مبارك مثلهما الأعلى، وأنا لست مع الترشح أو مع عدم الترشح، وأنا مناهض للتصويت وأيضا ضد عدم التصويت، لكن الزمن توقف بي عند الحادي عشر من فبراير عام 2011، وكل مؤسسة عسكرية او برلمانية أو أمنية أو رئاسية أو قضائية أو إعلامية لا تمثل لي غمسة بعوضة ما لم تكن مَطالبُ الثورة على رأس أولوياتها.
ومضى عام ونصف العام والدولة كلها متواطئة ضد الثورة، ورجال مبارك يرتعون، ويعملون في البزنس، ويديرون رؤوس أموالهم كما يديرون رؤوسهم، وسوزان مبارك مبرئة تماما من جرائم زوجها وولديهما رغم دورها المسموم في التوريث والصمت ومساندة القتلة.
عام ونصف العام وسارقو الثورة يلتهمونها أمام الشعب، ويعيدون انتاج النظام العفن، ويحتفظون بعدة آلاف من أبناء شعبنا في سجون مبارك الجديد، ويخفون تحت حمايتهم كل القتلة وقناصة العيون والبلطجية وأصحاب السوابق، ومع ذلك فشعبنا يقف في صفوف طويلة مبتهجاً بديمقراطية العسكر، وواثقاً أنه سيُحسن الاختيار كما فعل مع انتخابات مجلس الشعب التي وضعت لنا تحت قبة البرلمان فضيحة بكل المعايير.
النخبة والصفوة وبائعو الكلام ومنسقو التعبيرات الفضائية والضيوف ذوو ربطات العنق قرروا، ولو عن غير قصد، تضليلَ الشعب، فازدادت الحيرة، وخرج الدكتور البرادعي، كالعادة، من مطار القاهرة الدولي دون أن يوجه عُشّاقه ومريديه، وكان على يقين من أن عودته بعد انتهاء ( مولد سيدنا الريّس) ستحمل أتباعه على اعتبار كل سكناته وحركاته وسفره وقعوده عبقرية لا مثيل لها.
لم يكن الأمر في حاجة قبل الانتخابات بوقت طويل لشعرة ذكاء لنعرف أن هناك إعادة، وأنها ستكون بين محمد مرسي وأحمد شفيق.
يسألني الكثيرون عمن أتمنى أن يحكم مصر من بين ممثل أيمن الظواهري وتلميذ حسني مبارك، فيزداد غضبي لأنني لست مشاركاً في التواطؤ على شعبنا، ولم أتمنى واحداً من الثلاثة عشر، وأن تقزيم وتحجيم وتصغير وتحقير مصر ليس من شيمتي، فمصر العريقة أكبر منهم مجتمعين أو منفردين.
يدخلون السباق خلسة، ويراهنون على لون الحصان وليس على قدرته، وفي النهاية يطلبون مني أن أختار بين حصان سيتحول إلى ذئب، وبين حصان سيصبح ضبعاً!
كلنا قتلة، ومتواطئون، وجبناء، وساذجون، وصامتون على انتهاك كرامتنا، وضاربو المثل للعالم كله أننا أحمق ثوار فيغضبون، وينتصرون، وعندما يتحدث العالم عن بطولتهم، يقدمون كأس الفوز لأوفى رجال السفاح المخلوع.
أيها المصريون،
لمن بقي في كرامته بعض الروح قبل النزع الأخير، قوموا إلى صلاتكم، يرحمكم الــله، وصلاتكم، ويتساوى فيها المسلم والقبطي، لا تجوز إلا في ميدان التحرير وميادين مصر كلها، ومطالب الثورة تعرفونها كما تعرفون أبناءكم، وصلاتُكم مشروطة برفع خمسة ملايين حذاء قديم في الهواء، وبرفض أي شعار آخر غير الهوية المصرية.
ولأن الفلول والعسكر والإسلاميين والمتغطرسين والواثقين أن صوتهم في صناديق الاقتراع معصوم من الخطأ، فإن الاستجابة لندائي ستجد آذانا صمّاء كما وجدتْ طوال سنوات مريرة.
أو قدّموا مصر على مذبح السذاجة والمصلحة والطائفية وقداسة الزعماء وكراهية الآخر وذبح ثورة جاءت لتحريركم، فأعطيتم لخصومها السلسلة والرقبة لاستحماركم ثلاثة عقود جديدة.
قفوا في صفوف طويلة من حلايب إلى الإسكندرية، واجلسوا بعدها فوق صناديق الاقتراع بعدما تصوّتوا لحلمكم القادم بين اثنين يمسك كل واحد منهما كرباجَه الخاص، ولكن الكلمة الأخير والفصل للمشير والمجلس العسكري بموافقة ضمنية أو صريحة من النائب العام ومجلس الشعب ومجلس الشورى والمجلس الاستشاري والجنرالات والنخبة والصفوة ومبرري جَلــْـد الشعب الباحث عن فرعون جديد.
الثورة سيستردها أبناؤها بخمسة ملايين حذاء قديم في مشهد بديع وحر ومصري ومستقل يجعل الدنيا تشهق شهقة الدهشة على قدرة شعب مصر على التمسك بثورته ووطنه.
خمسة ملايين حذاء قديم ترتفع في الهواء في يوم واحد، ولحظة منفردة تشرق فيها أم الدنيا.
أو عشرون مليونا من السلاسل الغليظة يوم الإعادة، نستمتع بلفها حول أعناقنا، ثم نهيل التراب على ثورتنا.
لا أظن أن هناك خياراً ثالثا بين الـله و .. إبليس، فاختاروا بين العلي القدير في ميادين مصر كلها، أو الشيطان في صندوق الانتخاب!
طائر الشمال
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق