فهمى هويدى
شىء جيد أن يتم ترميم العلاقات بين القاهرة والرياض، وإن تمنيت أن يتحقق ذلك الهدف بأسلوب آخر أكثر لياقة واحتشاما، فيه من احترام الذات بقدر ما فيه من الحرص على الآخر. حيث أزعم بأن الأمر كان فيه من الاندفاع غير المبرر بأكثر ما فيه من الحصافة وحسن الترتيب. فمعلوماتى أن مصر كانت قد أبلغت رسميا بأن استدعاء السفير السعودى إلى الرياض هو إجراء مؤقت لن يستغرق يومين أو ثلاثة، سيعود بعدها إلى مقر عمله بالقاهرة. وقال لى مصدر وثيق الصلة بتلك الاتصالات أن الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية أبلغ من حدثه هاتفيا من القاهرة، بأن الدافع الرئيسى للاستدعاء هو ما تردد من معلومات أشارت إلى أن بعض الذين تظاهروا أمام السفارة قد يتطاولون على شخص السفير أو رجال السفارة، بعدما تحرشوا بالمبنى.
أيا كان الأمر، فالسلطات المصرية كانت تعلم أن السفير السعودى غادر مصر لأيام معدودة، خصوصا أن العلاقات بين البلدين على الصعيد الرسمى مستقرة وطيبة، وأن السبب الحقيقى للاستدعاء كان الاحتجاج والعتاب على سلوك بعض المتظاهرين الذين تجاوزوا الحدود فى التعبير عن الغضب، وبعض الإعلاميين الذين تجاوزوا حدود اللياقة فى التضامن مع المحامى المصرى الذى احتجز فى مطار جدة. خصوصا أن تلك الأصداء صدرت قبل أن يتم التثبت من معلومات قضيته، التى ترددت بشأنها شائعات لم يتم التأكد منها.
هذه الخلفية إذا صحت فهى تعنى أن التعامل الرصين مع الموقف لم يكن يقتضى حشد جيش من الرموز المصرية على طائرة خاصة، قيل إن أحد رجال الأعمال المصريين استأجرها من حسابه، لكى يتوجهوا إلى الرياض لإصلاح ما أفسده التوتر العارض. ذلك أن الأمر لم يكن يتطلب اتخاذ هذه الخطوة من الأساس، حيث كان التفاهم حول الموضوع مستقرا من الناحية الرسمية. وإذا كان لابد من سفر وفد شعبى، فربما أدى الغرض وحقق المراد سفر رئيس مجلس الشعب وعدد محدود من أعضاء المجلس المنتخبين للقاء المسئولين فى الرياض. ولم تكن هناك حاجة لحشد ذلك الجيش، وكأن البلدين بصدد الدخول فى حرب بين بعضهما البعض. لذلك تمنيت أن يتحقق الهدف النبيل بوسيلة كريمة، تحفظ لكل طرف قدره وكبرياءه.
أثار انتباهى فى هذا الصدد أن عملية سفر الوفد الشعبى المصرى إلى الرياض تزامنت مع اتصالات جارية الآن لتشكيل وفد شعبى عربى لحلحلة قضية الحدود المغلقة بين المغرب والجزائر منذ أكثر من أحد عشر عاما، والتى بسببها يخسر البلدان سنويا ما يعادل عشرة مليارات من الدولارات. المبادرة شعبية خرجت من الرباط، ويقترح الداعون إليها أن تنطلق مسيرة الوفد العربى فى أواخر الشهر الحالى أو أوائل الشهر المقبل. والعملية لا تزال فى طور الترتيب والتواصل مع العواصم العربية. وكان بعض المنظمين قد زاروا القاهرة فى الأسبوع الماضى لهذا الغرض.
مثل هذه المبادرات الشعبية ليست بعيدة عن أجواء الربيع العربى، التى استدعيت فى ظلها الشعوب العربية إلى السياسة بعد طول إقصاء، فارتفع صوتها على نحو نرجو أن يكون تمهيدا لاستعادة عافيتها وتعزيز مشاركتها فى صناعة مصيرها. وهو أمر يستحق الحفاوة والتقدير لا ريب، الأمر الذى شجعنى على الدعوة إلى فتح ملف «المثلث الذهبى» الذى يضم مصر والسودان وليبيا، واقتراح تحريك الإسهام الشعبى فى التعامل معه، حيث أزعم أنه يمثل مدخلا مهما للإسهام فى النهوض العربى، حيث لا أشك فى أن نجاحنا فى إحياء ذلك المثلث وتفعيله يمكن أن يضعنا على عتبة تحقيق حلم الوحدة العربية.
الجهد الرسمى فى إحياء ذلك المثلث مهم لا ريب. ومعلوماتى أن ثمة تفاهما بين السودان وليبيا حول تطوير علاقات البلدين، كما أن هناك اهتماما مصريا رسميا بالوضع فى السودان عبرت عنه زيارة وزير الخارجية إثر التوتر الأخير بين الخرطوم وجوبا. لكنى أتحدث هنا عن جهد شعبى يكمل ويحفز وربما يقود ويضغط على المسار الرسمى لكى يصبح أكثر إيجابية.
أدرى أن ثمة تفاصيل كثيرة فى الموضوع، تحتاج إلى دراسة وترتيب، لكنى انتهزتها فرصة لكى أذكر بالأهمية الإستراتيجية القصوى لإحياء فكرة ذلك المثلث الذهبى الذى تتكامل فى ظله الدول الثلاث للانطلاق نحو مستقبل أفضل وأرحب. وهى مهمة تتطلب العناية والإحياء من جانب القوى الوطنية والهيئات الشعبية فى تلك الدول.
لقد انكفأنا على ذواتنا طويلا، حتى غيبنا عن محيطنا ومستقبلنا الذى أصبح غيرنا يخطط له ويوظفه لصالحه وأحيانا لصالح أعداء أمتنا. وقد آن الأوان فى ظل الربيع العربى أن نصوب خطايا الأنظمة التى ظلمت حاضرنا ومستقبلنا. إذ بغير ذلك لن تقوم للربيع قائمة، حتى لا ينطبق علينا قول من قال: كأنك يا أبوزيد ما غزيت!
هناك تعليق واحد:
كل هذا التنازل كان مجانيا .. بما ذا عادوا؟ ومن أجل ما ذا ذهبوا؟ أم هي مجرد قفزة في المجهول؟ شيء يحتار بشأنه العقل .. كل هذا الوفد وكل هذه الشخصيات الكبيرة ذهبت لمجرد الذهاب؟ .. أو لتقديم فروض الطاعة والولاء والاعتذار كأنهم هم الذين احتجزوا رعية سعودية؟ وراحوا يردونها إلى أهلها ملتمسين العذر والعفو والصفح عن الخطأ الكبير الذي اقترفوه؟ كل هذا ولا حديث عن السبب عن المحتجز عن الجيزاوي .. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
إرسال تعليق