بقلم د . رفعت سيد أحمد
ونحن على أبواب استقبال رئيس جديد للبلاد بعد إجراء أول انتخابات رئاسية تعددية فى تاريخ مصر الحديث ؛ دعونا نضع الضمانة الرئيسية لبناء جمهورية ثالثة حقيقية قادرة على البقاء ، وأعنى بها قيمة (العدل) ، فماذا نعنى بها هنا ؟ .
* بداية يروى أن أحد الولاة فى اليمن أرسل لخليفة المسلمين عمر بن عبد العزيز يستأذنه فى جباية بعض الأموال من المسلمين لتحصين مدينته وتعزيز أسوارها فى مواجهة ما تتعرض له من مخاطر وتهديدات فكان رد أمير المؤمنين عليه جملة من ثلاث كلمات ، كانت أبدع ما قيل فى أصول الحكم والأمن القومى ، قال عمر بن عبد العزيز : (حصن ديارك بالعدل) .
* فإذا ما أسقطنا هذا القول البليغ على حال مصر اليوم مع رئيسها المنتظر ، بعد ثورة نبيلة فى تضحياتها فريدة فى مسارها فإنه يصلح قاعدة استراتيجية ثابتة للحكم سواء جاء (الدستور) أو لم يجىء، خاصة إذا ما فهم هذا (العدل) على أوجهه الصحيحة ، ولم يقتصر الفهم فقط على الجانب الاقتصادى كما هو شائع .
فأولاً : مطلوب من رئيسنا القادم أن يحصن جمهوريته الوليدة بـ(العدل السياسى) فى أبهى صوره وأدق معانيه ، والذى يعنى أن تتفتح على يديه كل أزهار الحرية وألا يقمع أصحاب الرأى السياسى مهما اشتطوا ، طالما أنهم لم ينقلوا (شططهم) إلى حركة على الأرض تعطل نهضة الوطن ومسيرته ، ومن العدل السياسى إلغاء المفاهيم البالية للاستبداد السياسى والتى كان الرئيس المخلوع مبدعاً فيها ، فمن تزوير فاضح لإرادة الأمة إلى قهر منظم للأفراد والقوى الجادة الراغبة فى الإصلاح مروراً بمشروع التوريث لابنه ، وتضخم الدور السياسى لزوجته وأصهاره ، وانتهاء بإبداع كل أساليب قتل السياسة وإماتتها فى البلاد وفى كافة المجالات . إن العدل السياسى ، المطلوب من الرئيس الجديد ، هو أحد أوجه تحصين جمهوريتنا الثالثة الجديدة .
ثانياً : مطلوب تحصين (مدينتنا) الجديدة بالعدل ، فى مجال العلاقات مع العروبة ، ذلك النسيج الذى ننتمى إليه ، شئنا أم أبينا ، والعروبة تبدأ بمياه النيل وتمتد إلى سوريا التى نسينا محنتها بل وشارك إعلامنا – على نظاق واسع – فى تزييفها لصالح مخطط تفكيك تقوده واشنطن وباريس وأسطنبول ومشيخات الخليج المحتل ؛ العدل فى العروبة يعنى مع الرئيس الجديد ألا يخضع لابتزاز جماعات دينية متشددة تريد أن تربط مصر فقط بدول البداوة السياسية والفكرية وبمشروع الشرق الأوسط الأمريكى الجديد ، والذى يروج له باعتباره (ثورات للربيع العربى) وهو غير ذلك تماماً ، فلا ثورات حقيقية فى كل ما عشناه خلال عام 2011 ، سوى ثورتى مصر وتونس والباقى أشواق للإصلاح تم ركوبها من قِبَل أمريكا وإسرائيل ولعب فيها الغرب دوراً لصالحه أو لصالح الكيان الصهيونى ؛ مطلوب عروبة تحصن مصر المستقبل من عدوى التفكيك الذى تقوده بعض دويلات الخليج بالتنسيق مع واشنطن وتل أبيب ، فهل يقدر الرئيس الجديد على ذلك ؟! .
ثالثاً : على الرئيس الجديد أن يحصن مصر ، وجمهوريته الوليدة بالعدل ، فى مجال علاقاته مع الكيان الصهيونى وألا يتخلى أبداً عن حقيقة كونه عدو ، وأن ما بيننا وبينه من اتفاقات ومعاهدات ليس سوى هدنة مؤقتة فرضتها ظروف ماضية كان الحكام فيها يوالون واشنطن وتل أبيب أكثر من موالاتهم لله ؛ إن الموقف الحازم من إرهاب الدولة الذى تمارسه إسرائيل صباح مساء على الفلسطينيين والعرب ؛ وعلى المصريين أنفسهم يفرض على الرئيس الجديد أن يضع على رأس أولويات عدله ، تعديل وربما إلغاء معاهدة السلام الموقعة منذ (1979) والتى خرقتها إسرائيل أكثر من 40 مرة سواء بالتجسس (35 شبكة تجسس) أو بالعدوان المستمر على البلاد العربية (لبنان – فلسطين – سوريا) أو باختراق مصر عبر المخدرات والجواسيس ، وتدمير الاقتصاد والسياحة ، إن تحصين مصر خارجياً يمر عبر (العدل) القائم على المصلحة القومية فى مواجهة عدو لا يحترم ، ولن يحترم هذه المصلحة لمصر .
رابعاً : تحصين مدينتنا بالعدل ؛ يكون بخطط وسياسات داخلية فى الاقتصاد والصحة والتعليم، تقترب من الفقراء والمرضى والمحرومين ؛ ونحسب أن على الرئيس الجديد ، الذى أفرزته انتخابات الأربعاء 24/5/2012 ، أن يبنى مشروعاً قومياً شاملاً يكون هدفه الأعلى وغاياته الكبرى هو ملح الأرض ، فقراء مصر الذين عانوا خلال الخمسين عاماً الماضية ، ودفعوا من أرواحهم ودمائهم الكثير من أجل هذه اللحظة التاريخية، ونظن – وليس كل الظن إثم – أن رئيس مصر الجديد ، إذا لم يحصن مدينته – أو جمهوريته الوليدة – بهذا العدل ، فى الداخل والخارج ، فإن الفشل سيكون حليفه ، وستنطلق وفى أقل من عام على رئاسته ، وفى مواجهته ثورة جديدة ، لن ينفع معها معسول القول ، أو فتاوى التهدئة ، فلقد خرج الشعب ، وكسر المحرمات ، ولن تستطيع جماعة أو حزب أو رئيس ، مهما امتلكوا من قدرات (كلامية) على خداعه ثانية ، فإنتبهوا يا أولى الألباب !! .
E – mail : yafafr@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق