فاز الفريق أحمد شفيق في الانتخابات من خلال ما يشبه المعجزة , فبعد تفتيت أصوات المرشحين الثوريين في الجولة الأولى وانسحاب المرشح الأخواني من جولة الإعادة بسبب وعكة صحية خطيرة ألمت به أصبح الفريق أحمد شفيق هو أول رئيس جمهورية لمصر بعد الثورة.
أعلنت النتيجة وسط ذهول المراقبين المؤيدين للثورة وبين احتفالات ضخمة انطلقت من أقسام الشرطة ومعسكرات الجيش ومقرات الحزب الوطني المنحل التي تم فتحها وتعليق صور الرئيس السابق مبارك على أبوابها, وملأت مئات السيارات الشوارع وهي ترفع صورة الرئيس السابق مبارك احتفالا بفوز الفريق شفيق , وحدثت بعض المناوشات والصدامات بين الرافضين لتوليه السلطة وبين أنصاره انتهت بانسحاب الرافضين له بعد تحول غضب الشارع ووسائل الإعلام ضدهم بشكل كبير.
أصيب العديدون من أهالي الشهداء والشباب الثوري بصدمة فوز الفريق الذي وعد في أول خطاب له بعد تولي منصب الرئاسة بعودة الحقوق لأصحابها وأكد على أن كل من أهين أو ظلم بسبب تلك الاضطرابات التي أضرت بالاستقرار في مصر منذ 25 يناير 2011 سوف يعود إلى منصبه وسيتم تكريم كل من قبض عليه أو نقل من منصبه اعتباطيا بدون جريمة سوي انتماءه للنظام السابق.
وقال ضاحكا في خطابه, "الشعب اختار النظام السابق اللي حاولوا العملاء والخونة أنهم يشوهوه, ومفيش مبرر لاستمرار بهدلة الناس بتوعنا ظلم وافترا إرضاء لحفنة من المخربين".
أعلن أيضا سيادة الرئيس في لفتة طيبة عن تقديره لتضحيات وقوة احتمال الرئيس الأب مبارك في تلك العاصفة التي ألمت بالبلاد وقال أنه ليس من الرجولة أو الشهامة استمرار حبسه وتفريق شمل عائلته خصوصا بعد صدور الحكم ببراءته من جميع التهم التي وجهت إليه, وأعلن الفريق الرئيس عن تخصيص أحد القصور الرئاسية للرئيس السابق وعائلته مع وعد بعدم رجوعهم للتدخل في الشأن السياسي العام.
ثم قام في حفل مهيب بتكريم أعضاء المجلس العسكري وضباط وجنود القوات المسلحة الذين احتملوا مالا يطاق في خلال عام ونصف حتى تسليم السلطة لسلطة مدنية منتخبة وأعلن عن أطلاق أسماء أعضاء المجلس العسكري على عدد من الشوارع الهامة في القاهرة وزيادة مخصصات قوات الأمن في الميزانية الجديدة.
كان من أول قرارات السيد الرئيس أحمد شفيق هو المواجهة الحازمة لأي من المخربين الرافضين لنتائج الانتخابات ودعا الشعب صاحب السيادة والقرار "للتصدي لأولئك المخربون المدفوعون من الخارج والذين عادوا للخارج" – في إشارة لقرار البرادعي بالرحيل نهائيا عن مصر وقرار العديد من رموز الثورة بالسفر خوفا من حملة انتقامية يدبرها لهم الرئيس الجديد.
قتل في أحد المصادمات بين المؤيدين والمناوئين له ثلاث أشخاص قيل أنهم ضباط شرطة اتهموا بقتل ثوار من مدينة السويس ولم يتم التحقيق معهم كما اندلعت أيضا اشتباكات بالأسلحة النارية بين مؤيدين للفريق ومعارضي فوزه في بعض مدن الصعيد.. وكان عبد الرحيم الغول هو المتهم الرئيسي في حادث سقوط خمس قتلى من المتظاهرين برصاص مجهولين وهو ما زاد من سخونة الأحداث حتى تدخل الجيش لحفظ الأمن واعتقال مثيري الشغب.
دعت بعض الحركات الثورية للتظاهر في ميدان التحرير احتجاجا على قتل المتظاهرين السلميين في قنا ورفضا لقراره بتغيير اسم محطة مترو الشهداء.. وعودتها لأسمها الأصلي "محطة مبارك" وهو القرار الذي برره بأنه لا يصح أبدا الخضوع للابتزاز لتزييف التاريخ ووعي الشعب الأصيل الذي يحفظ لمبارك جميله وتضحياته لكن قام الجيش - وسط ارتياح شعبي - بالهجوم على تجمع الشباب الذين قرروا التظاهر في ميدان التحرير وإخلاء الميدان تماما بالقوة في رسالة واضحة عما ستؤول إليه الأحوال في المستقبل.
ألقى شاب بنفسه من برج القاهرة وترك خطابا يقول أنه لم يعد يطيق الحياة بعد فشل الثورة التي فقد أحد رفاقه عينيه الاثنتين فيها.. وأشعل آخر النار في نفسه أمام مبنى البرلمان تذكيرا بتضحيات من قتلوا في الثورة وقبلها وهي الاضطرابات التي واجهها الفريق شفيق بحزم وبثبات حيث أمر بعودة جهاز أمن الدولة – الذي كان وصفه في حوار تليفزيوني قبل الانتخابات بأنه مثل المستشفى لا يجوز الاستغناء عنه بسبب بضع أخطاء فيه – لكامل قوته وجعل له ميزانية خاصة تتبعه مباشرة لتتبع أي من مثيري الشغب والفتن وهو ما تزامن مع عودة الأمن بشكل ملحوظ واختفاء حالات البلطجة ووصول مليارات الدولارات كمساعدات من دول الخليج لمصر وحدوث انفراجة اقتصادية أعترض نواب البرلمان وثاروا على قرارات شفيق الجديدة الخاصة بعودة أمن الدولة ووصفوها بأنها ردة إلى الوراء وعودة للنظام القديم وهدد بعضهم بالاعتصام في البرلمان لوقف عمليات الاعتقال العشوائية والمداهمات لشباب شارك في الثورة , وهو ما رد عليه الرئيس بأن خرج في خطاب للشعب يتهم فيه البرلمان بمحاولة عرقلة مجهوداته في عودة الأمن للبلاد ثم فوجئ أعضاء البرلمان بمسيرات حاشدة من مؤيدين الرئيس أحمد شفيق تحاصر البرلمان وترفع صور الرئيس مبارك وعمر سليمان وتطالب بحل البرلمان الذي أفسد مصر.
خرجت العديد من الرموز الليبرالية لتدافع عن شرعية قرار الرئيس شفيق بحل البرلمان ووصفوه بأنه البرلمان الذي شوه صورة مصر الجميلة وأفسد صفو الحياة السياسية فيها وكان على رأسهم نفس الرموز التي كانت قد طالبت في السابق بمد الفترة الانتقالية واستمرار الجيش في السلطة لفترة أطول.
حضر الآلاف من أنصار جماعة الأخوان المسلمين للتظاهر أمام البرلمان احتجاجا على قرار الحل الوشيك ولكنهم فوجئوا بقوات الجيش تمنع دخول من أتى منهم من خارج القاهرة على مشارف القاهرة بينما اصطدم المؤيدين للرئيس بالمؤيدين للبرلمان أمام البرلمان.. مشاجرات بالأسلحة البيضاء والنارية وإشعال النار في السيارات مما أدى لنزول الجيش لتفريق المشتبكين وإعلان محيط البرلمان منطقة حظر تجول كان المانشيت الرئيسي للأهرام في اليوم التالي – والذي يرأسها السيد عبد الله كمال - يتحدث عن "القرار الصعب الذي أتخذه الرئيس في لحظة الخطر".
وكان المقصود بذلك هو قرار حل البرلمان واعتقال قيادات جماعة الأخوان المسلمين - الذين أسماهم بالإخوان المتمردين – ومعهم العديد من رموز المعارضة للنظام السابق مع قيادات المنظمات العميلة المناهضة للديمقراطية حفاظا على الأمن العام.. وكان من أبرز الأسماء المقبوض عليها الدكتور سعد الكتاتني الرئيس السابق للبرلمان والمهندس خيرت الشاطر والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح المرشح السابق لرئاسة الجمهورية ورئيس حزب مصر القوية الذي تم إعلانه بعد الانتخابات.
أسفرت تلك العملية عن مقتل وإصابة العديد من قيادات جماعة الأخوان والحركات الثورية في مواجهة قوات مكافحة الإرهاب التي اقتحمت مكاتبها والتي كانت قد استمرت لشهور في متابعتها وتجميع كل المعلومات عنها بشكل سري دءوبكما هوجمت مقرات العديد من القنوات التلفزيونية والصحف في وقت واحد من ميليشيات مدنية موالية للفريق شفيق لمنع تلك القنوات والصحف من تشويه صورة مصر بالخارج واختفى العديد من الإعلاميين المزعجين للنظام وهو ما وصفه وزير الإعلام السيد عماد أديب بالهروب الكبير للعملاء خارج البلاد بينما أكدت عائلات أولئك الإعلاميين أنهم لم يغادروا البلاد ولا يعرفون إلى أين ذهبوا وان رجح البعض أن يكونوا قد اختطفوهم.
استخدام تكنولوجيا حجب المواقع الإباحية - والتي اقرها برلمان الثورة - في إغلاق المواقع التي تغذي الفتنة مثل تويتر وفيسبوك والمدونات بوصفها خطرا على الاستقرار في مصر هنا يمكن تصور سيناريوهين : السيناريو الأول هو سيناريو الحسم كان اليوم التالي لذلك هو يوم الحسم فرغم قيام الشرطة خلال ثلاث شهور – منذ اللحظة الأولى لتولي الرئيس أحمد شفيق مقاليد الأمور - بإعادة بناء وتسليح قطاع الأمن المركزي حتى وكأنه بدا جزءا من القوات المسلحة وليس الشرطة ورغم تهديدات وزارة الداخلية والأمن الوطني وقوات الجيش لأي عمليات تخريب أو خروج عن الشرعية إلا أن خروج الملايين للشوارع في جميع مدن ومحافظات مصر والصدام المباشر مع أجهزة الشرطة والجيش أدى لسقوط النظام أسرع مما سقط في 25 يناير الأولى ولكن بثمن أكثر دموية حيث قتل مالا يقل عن خمسة آلاف شخص بطول مصر وعرضها في مدة وصلت إلى أسبوع كامل .
السيناريو الثاني هو سيناريو الاستنزاف قبض على قيادات الأخوان وعلى رأسهم رئيس مجلس الشعب السابق بتهمة التحريض على قلب نظام الحكم والخروج على الشرعية بينما خرج المرشد ليدعو الجميع إلى التهدئة وضبط النفس.. قبض على العديد من قيادات العمل الطلابي والحزبي وخرجت العديد من الاحتجاجات التي تصدت لها قوات الأمن المركزي باحترافية بينما انهالت خطابات التأييد لتك الخطوة من مؤيدين النظام في مدن وقرى مصر المختلفة في سجن - كان قد بدأ بناؤه قبل تولي شفيق السلطة –
تجمع آلاف المعتقلين السياسيين من أقصى اليسار لأقصى اليمين وإعطاء كل منهم بطاقة تحوي جميع بياناته التي جمعتها عنه الأجهزة الأمنية خلال العام والنصف الذي تلي الانقلاب على الرئيس مبارك لم يحدث صدام كبير رغم الاعتقالات وبدا شفيق مسيطرا على مقاليد الأمور.. واستطاع قمع جميع الاحتجاجات التي خرجت ضده في الثلاث شهور الأولى وتشتيتها وهو ما أدى ببساطة بالعديد من الشباب الثائر للتحول للعمل السري العنيف ونشرت الصحف لأول مرة اسم كتائب الشهيد مينا دانيال في خبر شمل خطف وقتل عدد من ضباط أمن الدولة المتورطين في أعمال القمع المستمرة منذ تسلم شفيق للسلطة وخبر آخر عن قيام مجموعة الثوري الحر باغتيال أحد رموز الحزب الوطني الذين خرجوا من السجون ليعودوا لمناصبهم السابقة ثم صارت مع الأيام أخبار الاغتيالات والاحتجاجات والغارات الأمنية أخبارا اعتيادية لا تلفت انتباه أحد حتى أستطاع أحد الشباب المتحمسين اقتناص رأس السلطة في احتفالات عيد الشرطة 25 يناير 2013 .
نقلا عن البديل الاليكترونى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق