20 مايو 2012
للأسف مازالت أعتقد أن الانتخابات الرئاسية المصرية المقرر عقدها داخل مصر خلال أقل من أسبوع - وعلى الرغم مما تحمله من أهمية تاريخية ومصيرية – تمثل كما هو الحال في الانتخابات التشريعية امتداد لمرحلة انتقالية معيبة تحشد المصريين في المسار الخطأ وتقودهم جميعا إلى عملية مغامرة جماعية سياسية كبرى أو قفز جماعي إلى المجهول السياسي.
والسبب بسيط وهو أن مختلف القوى السياسية المصرية الكبيرة منها والصغيرة غير مستعدة لتولي السلطة حاليا وتفتقر للخبرات والكفاءات اللازمة والكافية لتولي السلطة ولمواجهة قوى النظام القديم في مختلف مؤسسات الدولة بسبب سنوات التجريف السياسي التي مارسها نظام مبارك.
وكان الأولى بتلك القوى بدلا من منافسة بعضها على الكراسي في معارك طاحنة يخرج منها المنتصر والمهزوم أن تتوحد حول اتفاق لاقتسام السلطة فيما بينها يجعل لكل منها دور - ولو بسيط - في إدارة شئون البلاد، حتى لا تتحول بعض الأطراف إلى معارضة شرسة لقوى سياسية هشة وغير مستعدة لتولي السلطة، وبهذا يتحول الوضع السياسي في مصر لصراع مرضي بين أطراف ضعيفة وعاجزة عن القيادة وحدها أو تقديم بديل.
ولكن لسبب غير معلوم يسئل عنه المجلس العسكري أولا ثم القوى السياسية الوطنية انساق الجميع وراء مسار انتقالي معيب وضع القوى السياسية المصرية الضعيفة في مواجهة بعضها البعض.
وللأسف دار بين القوى السياسية صراعات ايدلوجية وسياسية وجماهيرية طاحنة في استفتاء مارس 2011، تكررت في انتخابات مجلسي الشعب والشورى، ويبدو أن الصراعات نفسها تتكرر ولو بمعدلات أقل في انتخابات الرئاسة الراهنة.
وسبب اعتقادي بفتور حدة التناحر السياسي هذه المرة هو حالة القنوط التي أصابت عدد لا بأس به من المصريين بسبب أخطاء المجلس العسكري والقوى السياسية منذ الثورة وسوء إدارتهما للفترة الانتقالية.
فالقوى السياسية انساقت وراء سيناريو الفترة الانتقالية المعيب وحشدت ملايين المصريين في معركتي تعديلات الدستور وانتخابات مجلسي الشعب والشورى، ليفاجئ الناخبون بعد ذلك بالقوى السياسية الفائزة تقول لهم أن البرلمان ناقص الصلاحيات، وبفشل القوى السياسية في صياغة الدستور بشكل سريع رغم استخدامه كقضية انتخابية مركزية، هذا إضافة إلى ضعف مستوى عدد لا بأس به من النواب الجدد.
وبهذا بدأ الشعب يدرك أنه تم استخدامه في عملية مغامرة أو مقامرة سياسية كبرى، فالقوى السياسية الخائفة حشدت الجماهير في معارك سياسية هائلة لم تحقق سوى منح تلك القوى سوى مزيد من أوراق الضغط أو اللعب في أيديها.
ومازالت بعض القوى الرئيسية ترفض حتى تسجيل أنفسها بشكل قانوني أو الفصل بينها وبين أحزابها، فهي باختصار تشعر بأن المقامرة لم تنته بعد، وأنها لا تعرف ما قد يحدث لها، ولا تثق في قواعد اللعبة القائمة ولا في مختلف اللاعبين، وتفضل الاحتفاظ بجميع الأوراق في يديها كما هي خوفا من انقلاب القواعد فجأة.
لذا تفضل الجماعة السياسية الأكبر في مصر حاليا – الإخوان المسلمون - أن تسيطر على الحزب والبرلمان والحكومة والرئاسة في نفس الوقت حتى لو كان ذلك يعني أن غالبية القوى السياسية لن تسيطر على شيء في المقابل وستتحول لموقع المعارضة للجماعة وسياساتها، وحتى لو لم تمتلك الجماعة الكفاءات اللازمة لقيادة كل تلك المؤسسات مرة واحدة واضطرت وحدها مواجهة قوى النظام القديم.
وعلى المنوال نفسه تسير مختلف القوى السياسية فهناك قوى تؤيد بعض رموز النظام السابق في الانتخابات الرئاسية خوفا من قوى التيار الديني، وهناك قوى تحتمي بالمجلس العسكري، حتى قوى التيار الديني منقسمة، لدرجة أن أكبر حزب سلفي – النور - أعلن أن من بين أسباب دعمه للدكتور عبد المنعم أبو الفتوح في انتخابات الرئاسة خوفه من تمركز السلطات في يد جماعة الإخوان المسلمين.
وفي ظل لعبة القمار السياسي الكبرى الجارية حاليا في مصر يخوض 13 مرشحا الانتخابات الرئاسية وغالبيتهم أو أهمهم - فيما عدا الدكتور محمد مرسي مرشح الإخوان - لا يمتلكون حزبا معينا، وبالطبع يصعب تصور كيف يمكن أن يحكم هؤلاء المرشحون مصر في الأول من يوليو وليس لديهم حتى الآن مؤسسات يمكنهم الاعتماد عليهم في إمدادهم بعدد كافي من القيادات لحكم البلاد وتحقيق القطيعة المطلوبة مع النظام السابق أو حتى الانتقال السلس للسلطة.
هذا يعني أن في حالة فوز أي منهم سوف تطول عملية انتقال السلطة ذاتها، وقد تصل لشهور وربما سنوات، لأن المرشح ببساطة لا يمتلك فريق عمل كافي، وأن عملية الإحلال والتبديل ستتم ببطء شديد وسط مواجهة قوية من قوى النظام القديم المسيطرة على مؤسسات الدولة والقوى الوطنية المهزومة في الانتخابات والتي لا تجد لأنفسها دورا في النظام الجديد.
أما في حالة فوز الدكتور محمد مرسي فسوف نكون في حالة انفراد الإخوان - الذين يمثلون حوالي 40% من أصوات المصريين - بالسلطتين التنفيذية والتشريعية، وهذا يعني أن غالبية الشعب سوف تكون في موضع المعارضة.
ويبدو أن القوى السياسية المقامرة تعيش حالة عدم ثقة كبيرة في بعضها، وتفضل الاحتكام لصناديق الاقتراع في حسم خلافاتها لأنها عاجزة عن التعامل مع تلك الخلافات بنضج، وتبقى المشكلة في أن صناديق الانتخابات لا تكفي لتحقيق مطالب الثورة والمصريين، لأنها تصعد بقوى سياسية غير مستعدة لتولي السلطة، وبدون نقاش أو استعداد كافي، وبدون خطة واضحة لمشاركة الآخرين في السلطة في هذه المرحلة الهامة.
أما الشعارات المرفوعة في الحملات الانتخابية على غرار الوحدة والجماعة والخبرة وبرامج الإصلاح والنهضة وغيرها فتبقى شعارات لأنها لم تأخذ حقها من النقاش وتغطي على حقيقة افتقار مختلف القوى السياسية للكفاءات اللازمة لتطبيق شعاراتها أو برامجها الوليدة.
فحتى جماعة كالإخوان وهي الجماعة السياسية الأكبر في مصر حاليا تقول أن إعدادها للمسودة الأولى لمشروع النهضة استغرق عاما كاملا وأنها مازالت في حاجة إلى تعديله بعد طرحه على أكبر عدد من المتخصصين، وبالطبع لم ينل المشروع حقه الكافي من النقاش لأنه لم يطرح للنقاش إلا من أسبوعين تقريبا وفي ظروف الانتخابات الرئاسية المزدحمة للغاية.
وللأسف لم يعد أمام المصريين بدائل كثيرة، فعدم المشاركة في مسرحية الانتخابات الرئاسية ترسل رسالة سلبية للعالم مفادها عدم استقرار الأوضاع في مصر وتعثر العملية الانتقالية، وسوف يكون ذلك تأثيرات سلبية على الاقتصاد المصري المتعطش للاستثمارات الأجنبية وتدفق السائحين، كما أنها قد تسمح بصعود قوى مساندة للنظام السابق.
يبقى أن المشاركة نفسها هي ضرب من المقامرة حتى لو فاز أحد مرشحي القوى الوطنية، فالفوز لن يحسم عملية انتقال السلطة والتي أمامها مشوار طويل.
لذا أعتقد أن الحل يكمن في أن نخلط المشاركة بضغط شعبي يطالب جميع القوى السياسية بترتيب أوراقها واحترام قواعد اللعبة وإعلانها وإشراك أكبر عدد من الفاعلين السياسيين فيها والتوقف فورا عن لعبة الفائز والمهزوم، والبحث عن صيغة لاقتسام السلطة ولو حتى ضمن فريق يمثل 60% من القوى السياسية المعبرة عن المصريين.
وحقيقة لا أدري إذا كانت القوى السياسية سوف تستجيب لتلك الرسائل أم لا، فحتى الآن تطغى مخاوف القوى السياسية على قدرتها على التفكير الاستراتيجي بعيد المدى، وقد يتطلب الأمر ضغطا شعبيا كبيرا على الجميع حتى تنتهي المقامرة السياسية، فالشعب في النهاية هو صاحب المقدرات التي تقامر بها القوى السياسية، وهو من ثار وضحى، وهو من يمتلك حق وضع قواعد اللعبة لحماية نفسه ومصالحه.
لذا أعتقد أن على الشعب مطالبة جميع القوى السياسية بالوصول إلى صيغة مقبولة لاقتسام السلطة بين أكبر عدد منها وتهدئة الجميع وإشراكهم في بناء مصر الجديدة على اساس من الكفاءة والتنظيم والتعبير عن أصوات الناس وحجم القوى السياسية الحقيقي على الأرض قدر الإمكان، وتجنيب البلاد تكلفة الصراعات السياسية الجارية والمتوقعة، والله أعلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق