الولد الجنوبي يتحدث عن تجربته الشعرية والثقافية بمناسبة صدور ديوانه «صدفة بغمازتين»
محمود المغربي: جمهورنا.. يتفرج!
أنور الخطيب
الولد الجنوبي، الولد الفوضوي، الشاعر الأسمر، كلها ألقاب يحملها الشاعر المصري محمود المغربي، الفائز بجائزة أخبار الأدب في الشعر عام 1995، وصاحب دواوين (صمت الوقت، أغنية الولد الفوضوي، العتمة تنسحب رويدا، تأملات طائر، وناصية الأنثى)، وصدر له حديثا ديوان “صدفة بغمازتين” عن بورصة الكتب للنشر والتوزيع، ينظر إلى الشعر على أنه (الفعل الخلاق في حياتي)، وتتجلى بدايته الحقيقية مع الشعر كما يراها، في مشاركته لجماعة “رباب الأدبية” عام 1980، التي كان يشرف عليها الشاعر أمجد ريان في فترة وجوده في محافظة قنا بصعيد مصر، حيث تعرّف في هذا المناخ، كما يقول، “على الكبار مثل أدونيس وسعدي يوسف وعبد المعطي حجازي والبياتي وصلاح عبد الصبور والسياب وأمل دنقل والأبنودي، وعرفت بأن هناك شعراً مختلفاً غير ما درسناه في المدرسة”.
الولد الجنوبي
يقول الشاعر المغربي عن تسميته بالولد الجنوبي: “إن مفردة الجنوبي تجعلنا نستعيد الجنوب، صعيد مصر، بكل تفاصيله الثرية؛ شعراء أميون ومتعلمون، بالجلباب والبنطال، حنان الجنوب وقسوته، مفردة الجنوب تجعلني أرى “المغربي الصبي” حاديا خلف المحراث، يشدو بالمواويل، يؤنس نفسه وروحه المنفردة في الحقول البعيدة عن المدينة في القيلولة، أتذكره مندهشا ومصغيا إلى عازف الربابة الشجي، الذي يجيء مثل غيره في وقت حصاد محصول القمح، إلا أن “الجنوبي” يبقى مرتبطا بشعراء وأدباء كثيرين مثل: أمل دنقل، وعبد الرحمن الأبنودي، وبهاء طاهر، ويحيى الطاهر عبد الله، وعبد الرحيم منصور، وغيرهم، وفي الجنوب أتذكر أنه في عقد الثمانينات كان المناخ فياضا بروح العطاء والتلاحم والاحترام في كل مجالات الفنون من أدب ومسرح وفنون شعبية وتشكيلية وغيرها، حيث كانت الحقبة غنية بالأمسيات والندوات، كما كنا نجد في قرى الجنوب ما يسمّى بـ”ظاهرة المنادر” التي كانت تستقبل الشعر والشعراء وتتفاعل الجموع مع الكلمة.. كل هذا اندثر تقريبا وبات المشهد بائسا، نحن الآن أمام جمهور تحوّل من “القراءة” إلى “الفرجة” وطبعا هناك أسباب أخرى عديدة ساهمت في ذلك.
ويقول عن لقب الولد الفوضوي: “إن مفردة الفوضوي تكررت في مجموعتي الشعرية الأولى “أغنية الولد الفوضوي”، الذي أعتبره جواز مروري الحقيقي لعالم الشعر الغني والمدهش والسحري، فقد صدرت المجموعة عن سلسلة الكتاب الأول بالمجلس الأعلى للثقافة المصرية 1998 ووجدت صدى طيبا جدا في الصحف والمجلات، وتمت مناقشتها في فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب ضمن برنامج المقهى الثقافي، ونوقشت في أبحاث مؤتمر أدباء مصر من خلال الناقد الدكتور مجدي توفيق، كما نوقشت في دراسات موسعة في المجلات والصحف المصرية من أهمها دراسة تحت عنوان “الحداثة النقيض في شعر محمود مغربي” للأديب والناقد عبد الجواد خفاجي وكتب عنها آخرون أمثال فتحي عبد السميع ومحمود الأزهري وغيرهم.
غمازتان وقمصان
صدر للشاعر المغربي حديثا ديوان “صدفة بغمازتين” وتميزت أجواؤه بالتكثيف وقصائده بالأحجام القصيرة، فهل اتسعت الرؤية فضاقت العبارة؟ يجيب على هذا بقوله: “اترك الإجابة هنا للنقاد بالتأكيد، وان كنت أقول نفس قولك (اتسعت الرؤيا وضاقت العبارة) نعم، أنت أيضا مبدع وشاعر أقدره ويقدره القارئ العربي، وتعلم جيدا الوقت لم يعد براحا مثلما كان قديما، وتحديدا في بداياتنا مع الكتابة والقراءة والتأمل، الوقت يتسرب من بين أصابعنا، السنوات تمرق، أنا ابلغ الآن السنة الأولى في الخمسين يا الله! لا اصدق كل هذا العمر تسرب بكل هذه السرعة، ولكن عندما أتأمل تفاصيل حياتي أشعر ببعض الراحة، لأنها حياة أثرت وتأثرت، عاشت وتعيش روح العالم، تنعم بتفاصيل صالحة لإثارة الدهشة كثيرا، ومازلت أعيش الدهشة وسأظل، لان الدهشة هي القصيدة التي نظل نبحث عنها، تظل المعشوقة دائما، والخلاص الحقيقي لعالم أرحب وفضاءات لم تلوث بالأزيز.
حديث الشاعر المغربي عن الوقت ذكرني بجملتين شعريتين وردتا في ديوانه “العتمة تنسحب رويدا” وهما (للوقت قمصان، اختر ما يوقظ جلدك) هنا يصبح السؤال مشروعا عن الوقت: لماذا كل هذا التأمل بالوقت يا محمود، وما يعنيك به؟ يجيب محمود: “الوقت هو نحن الذين نكتب ومن نكتب لهم، وأشكرك لاختيارك المقطع (للوقت قمصان، اختر ما يوقظ جلدك)، وسعيد لأن البيت وجد له آذانا صاغية من شباب مصر، وانضم لهم الجميع، لقد استيقظت الجلود التي هي مركز الإحساس والفعل، لندخل في مرحلة التغيير والنهوض، وسعيد بأني أعيش هذا التغيير وأتعايش معه بصدق، وحتما هذا سيجعلنا نصعد سلماً شفافاً وعطوفاً لنستعيد الضياء، ومن جانب آخر أرى علاقتي بالزمن جيدة في مجملها، دائما أعيش التفاؤل، والمستقبل بيد الله سبحانه وتعالى، فقط كل ما أدركه تماما أن عليّ أن أسعى بلا توقف، أنا أحد هؤلاء القابضين على جمر الكتابة، المعرفة، الحب، الحياة في صعيد مصر منذ الثمانينات، الصعيد الذي ظل منسيا وهملا ومهمشا، لم ارحل للعاصمة مثل غيري وظللت قابضا أيضا على المكان (قنا) حيث مولدي ونشأتي، وقدر لنا بفضل ثورة المعلومات وشبكة الانترنت أن نتواصل مع العالم المحيط في كل مكان في المشرق والمغرب، وأيضا في الغرب الأجنبي، أنا لا أخشى شيئا، فقط الخشية من الله سبحانه وتعالى وحده، وأدرك تماما بأنه دائما يكافئ المخلص دائما، وحتى لو بعد حين، وازعم بأني أحد المخلصين لوطني وللوطن العربي الكبير، أقدم ما في استطاعتي دائما دون تردد.
إدمان الكتابة
ترى ماذا يحدث للغة بعد إدمان طويل على الكتابة مع تقدم العمر؟ هل يألفها الشاعر، هل تتوالد بين يديه؟ يرى الشاعر المغربي بأن اللغة هي من أهم أدوات الشاعر والمبدع عموما، هي فاتحة الكتاب والحياة والتقدم، وهي سر السعادة، شعارنا المرفوع في كل الثورات، اللغة هي الحياة في اجلّ تفاصيلها وعنفوانها، وكلما تقدم العمر بالشاعر، عانق حرفه أكثر، ليصبح هو واللغة وجهين لعملة واحدة، ساعتها فقط، لابد أن يستعيد الشاعر كل الضياء الدفين في روح العالم، من خلال قصيدته وسحره المدهش.
صدر ديوان محمود المغربي “صدفة بغمازتين” بعد مرور عام عن (ثورة 25 يناير)، إلا أن الديوان كان بعيدا عن الحدث، ترى ما هو السبب؟ يجيب الشاعر المغربي: “الديوان الأخير “صدفة بغمازتين” هو حصاد قصائدي من عام 2008 إلى 2011 ماعدا القسم الأخير “تجليات”، كتبت في 2012، هذه القصائد بينها رابط مشترك: المرأة، اللغة، القصيدة، اللغة الشاعرة، ولكن تظل المرأة تحتل النصيب الأكبر، أما الثورة المصرية (ثورة 25 يناير)، شاركت فيها من خلال قصيدة بالعامية المصرية عنوانها (صورة صورة) مهداة إلى الشباب في بر مصر المحروسة، وعلى ذكر العامية فأنا أكتب أيضا شعر العامية ولي مجموعة لم تنشر.
السؤال الذي يفرض نفسه الآن هو: ما هي التحديات التي يواجهها المبدع المصري الآن، في ظل هذا الحراك السياسي والاجتماعي؟ يقول المغربي: “المبدع المصري شأنه شان العربي، يحاول أن يلحق بركب الثقافة العالمية من خلال المحلية التي يتفاعل معها، والمشهد الآن داخليا يحتاج إلى التكاتف الخلاق والتعاون، مازالت هناك فجوات وفوارق علينا أن نزيلها لنلتحم جميعا، وليخرج الصوت قويا ومؤثرا، وعلى الدول والحكومات أن تدرك جيدا بأن المثقف والمبدع هو ثروة قومية يجب الحفاظ عليها، وعلى الكاتب والمبدع ألا يقف متفرجا بل عليه المشاركة، وكان الشعر من أكثر الفنون حضورا في الحراك العربي، واكتشفت الشعوب العربية صوت الشعر من خلال البيت الشهير للشاعر التونسي أبو القاسم الشابي (إذا الشعب يوما أراد الحياة)، وفي الوقت نفسه على الدولة أن تهيئ المناخ السليم للمشاركة الحقيقية والتعددية والبعد عن وجهة النظر الأحادية.
من مصر إلى الإمارات
كان الشاعر محمود المغربي ضمن وفد أدبي كبير زار الإمارات منذ عامين تقريبا، يقول عن هذه الزيارة: “الإمارات هي أول دولة عربية أزورها، وزيارتي كانت مهمة على مستويات عديدة، هي الأولى التي أغادر فيها ارض مصر بلدي وموطني إلى بلد عربي آخر، وأول ما لفت نظري في الشارقة، هذه الإمارة العربية الراقية، التي تستقبلك بحفاوة بدءا من أسماء شوارعها المسماة بأسماء زعماء عرب، هي مدينة تحافظ على نسقها الحضاري العربي، وهذا ليس غريبا بالتأكيد، فحاكمها وأميرها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي شخصية عربية مرموقة، تدعم الثقافة والإبداع، وتنشد الجمال والخير، وجدت في أيام فعالياتها مظاهر عديدة من تجاور المبدعين العرب منهم السوري والعراقي والفلسطيني واللبناني والمصري بحميمية تدل على رحابة صدر المكان وأهله بهم، وجدت في الإمارات أيضا بعد تجوالي في مدينة دبي بأنها ذات طابع عالمي في فخامة عمرانها وحداثتها، وفي أبوظبي أيضا تجولت بصحبة أصدقاء لي وراق لي روح المدينة وتفاصيلها ونمنماتها العربية وبحرها، وهناك تفاصيل أخرى يصعب سردها، ولكن كل ما يمكن قوله أنها زيارة حميمة أتمنى أن تتكرر لبلد له مكانة عند كل المثقفين العرب والعالم وهناك جوائز مهمة، مثل جائزة مؤسسة العويس ومسابقة الشارقة للإبداع العربي، ولا أنسى مؤسسة جمعة الماجد الثقافية، شعرت أنه لا يزال هناك حارس للثقافة في وطننا العربي، باختصار دولة الإمارات بلد يحتفي بالثقافة والفنون وبالشعر بشكل خاص ويقيم له مهرجاناته السنوية ذائعة الصيت، والتي عادت بالشعر والشعراء إلى الأضواء ليستعيد الشاعر مكانة لائقة في حياتنا وإعلامنا.
اقرأ المزيد : المقال كامل - محمود المغربي: جمهورنا.. يتفرج! - جريدة الاتحاد الاماراتية
http://www.alittihad.ae/details.php?id=35997&y=2012&article=full#ixzz1tk4WNO2Y
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق