ابراهيم الحبيب*
الحدث في سوريا اليوم، لم يكن مفاجأةً، بل كان حلقةً من حلقات التآمر الذي نسجت خيوطه في مطابخ الامبرياليين والصهيونية والقوى الرجعية الاقليمية وفي مقدمتها بلدان الخليج بالتنسيق مع العملاء المحليين، الحلقة الأولى من سلسلة التآمر الامبريالي – الصهيوني، على الامة العربية واخضاع شعوب المنطقة للهيمنة الامبريالية المباشرة، حين بدأ الهجوم العاصف على بغداد السلام ودكت البوابة الشرقية لأول مرة في ربيع عام 1991 حيث فتحت أجواء ومياه واراضي الاشقاء أمام الزحف الاجنبي وتسهيل مهمة المتحلين الذين فرضوا هيمنتهم على العراق في اليوم التاسع من نيسان الاسود عام 2003، والحلقة الثانية في هذه السلسلة التي تم تنفيذها على ليبيا واحتلالها واسقاط نظامها الوطني بواسطة الهجوم المتوحش الذي نفذته الامبريالية الغاشمة باستخدام آلتها العسكرية (الناتو) العدواني، مباشرةً، ولم يكن مفاجأةً لنا كشف خيوط الحلقة الثالثة واعلان الهجوم على سوريا، والحبل على الجرار، لتمكين اسرائيل من فرض هيمنتها على المنطقة العربية وتنفيذ مشروعها الشرق أوسطي الجديد .
إن المتتبع السياسي الواعي، لما يحدث في سوريا، اليوم، يستطيع وبسهولة ان يتوصل الى مفاصل ربط حلقات التآمر الامبريالي – الصهيوني بخيوط الرجعية العربية ودهاقنة الخليج الذين تآمروا على العراق وليبيا، وإن المسلمات وبديهيات علم السياسة تفضي بالضرورة الى ان هناك شبكات تخريبية اجرامية اخترقت الحدود السورية تقوم اليوم بالتنسيق مع الرجعية السورية بصناعة الموت وتدمير البنية التحتية للاقتصاد السوري وتزرق الموت والارهاب في ربوع سوريا الحبيبة، بل ان نداءاتهم موجهة، مباشرةً، الى الاحلاف العسكرية الاجنبية للتدخل العسكري من اجل سحق الشعب السوري وتدمير بنيته الاقتصادية والاجتماعية، واستنساخ ما فعله الاحتلال ورموز الطائفية البغيضة في العراق، وزج سوريا في أتون حرب طائفية واستنساخ الارهاب في العراق، لتسويقه في سوريا، وقد سجلت المنظمات الدولية الانسانية، على هذه المجموعات المارقة في سوريا، ممارسات الارهاب والخطف والتعذيب الوحشي ضد ابناء الجيش السوري واجهزة الامن، من اشكال القتل والتعذيب الوحشي، ورمي الجثث في العراء مشوهة، مع ان هؤلاء المتمردون مسلحون بأسلحة اسرائيلية واسلحة مختلفة مضادة للدروع ويطلقون (الآر بي جي) عشوائيــاً ليحصــد أرواح الابريــاء، بدون تعيين، واستهداف مباني ومراكــز الدولة بالتفجير والقتل الجماعي المروع، وينتشر القناصة المدربين القادمين من الخارج في جميع انحاء المدن السورية لاصدياد الابرياء من الاطفال والنساء والشيوخ، بلا تعيين، لاثارة الفوضى والرعب، من جهة، واتهام السلطات الوطنية السورية، من جهة، لكنهم من جانب آخر يستخدمون اسلوب هتلر بخداع الرأي العام وتضليله باستخدامه الاعلام على طريقته، أي هتلر، اكذب ثم اكذب وانشــر على صفحـات الصحف بالمانشيتات العريضـة حتى يصدقك الناس، وهكذا ارتفع ضحايا (بابا عمرو)، حسب بياباتهم، الى ما يزيد على سكانها بعشرين مرة، وتهدمت منازل وعمارات في بابا عمرو حسب تصريحاتهم الى ما يناهز مباني مدينة باريس! مع ان حي بابا عمرو لا زال قائماً شامخاً، رغم ان المتمردين قد تحصنوا داخله مستخدمين سكانه الابرياء دروعاً بشرية، ولا احد يستطيع ان ينكر الفبركة واستخدام الفوتوشوب واساليب التكنولوجيا الحديثة في صناعة الفلم المتحرك لصور مصطنعة لوسائل التعذيب، مع ان عاقلاً واحداً لا يمكنه ان يصدق ان اجهزة الامن تقوم بتصوير التعذيب لمعتقلين لديهم! ولا نسقط اللقطات المثيرة لمظاهرات وهمية تشترك فيها أجهزة اعلامية مأجورة من امثال محطة تلفزيون الجزيرة، آل ثاني، ومحطة تلفزيون العربية، السعودية، المأجورتين المأجورتين لتمرير المؤامرة الاسرائيلية الكبرى على الامة العربية .
نهاية الحرب الباردة وخروج الاتحاد السوفيتي "السابق" من دائرة الصراع العالمي، يعد كارثة كونية تتعرض لها شعوب الارض، اليوم، وفي مقدمتها عالمنا العربي، الزاخر بالثروات الطبيعية وبالاخص الطاقة، كان الحلقة الاقوى في سلسلة الصراع العالمي، بين المعسكر الاشتراكي الذي تتمثل فيه جبهــة الشعــوب المكافحة من اجل حقها في الحيــاة الحـرة الكريمــة المتمثلــة في استقلالها السياسي وتنمية مواردها الاقتصادية والبشرية وضمان مستقبل اجيالها، من جهة، والقوى الامبريالية العالمية، قوى الشر والعدوان، قوى النهب العلني الغير مشروع لثروات الشعوب، وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية، من جهة أخرى، وبعد ان هوت دولة العمال والفلاحين في الشرق بفعل مخططات ودسائس مخابرات وجواسيس قلعة الرأسمال العالمي، وانفلتت الرياح الصفراء المسمومة، لتلف الكرة الارضية بالموت والنهب، وانطلقت اساطيلها تنشر الموت في كل مكان، واحرقت الاخضر واليابس، ونهبت ما في باطن الارض وما فوقها، ونشرت الموت الزؤام بين البشر الآمنين وحولت حياتهم الى جحيم .
وينبغي ان نشير الى ان قوى الارهاب العالمي وجيوشها الغاشمة، المتمثلة بقوى الاحتلال الامبريالية، لا بد وان تبحث عن ادوات لها يمكن تحريكهم باصدار الفتاوى والتلاعب بالالفاظ ليصبح الاحتلال (تحرير!) وابناء الوطن (محتلين!) كما حصل في العراق وليبيا وبما يمكن تطبيقه على سوريا اليوم!. ويتصاعد التكبير تحت دوي مدافع النيتو وازيز طائراته، بل ويقيمون الصلاة تحت خيمة طيران الاحتلال الامبريالي الاجنبي، ويمكن ان يلوذون بالدين الاسلامي فيحللون التعامل مع الاجنبي المحتل البغيض تحت شعار (( فمن أضطر منكم فلا باغَ ولا إثم عليه)) وهكذا تطوع (القوم المسلمون!) ليكونوا ادواتاً بيد الاحتلال الغاشم، ويمكن للقوى الامبريالية واجهزتها المخابراتية ان تجند القطط السمان التي تربت في مطابخ الامبرياليين ليكونوا (بروباجنده اعلامية) مهمتها النباح بطلب التدخل الامبريالي العسكري، هكذا يرفع اعداء الشعب اصواتهم علناً بلا خجل ولا وجل ( الناتو احنا انريده!) هكذا علينا ان نقبل ببمطايا آخر زمن! واذا ما تمكنا من جمع هذا الشتات من اعداء الشعب، شذاذ الآفاق، فلن نجد فيهم غير عملاء وأدلاء وخدم للاجنبي المحتل، فإن حصتهم مضمونة حين يشكلون غطاءً لنهب البلاد بعد الاحتلال، من جهة، وعملاء لاسرائيل لتمرير مخططاتها وطمس حقوق الشعب الفلسطيني، من جهة أخرى، ويمكننا القول بأن قوى الاحتلال وعملائهم وحدة واحدة لا تتجزأ .
من المسلمات ان طبيعة العلاقـت الامريكية – الاسرائيلية، هما وجهان لعملة واحدة، وان كل ما يضر بالمصالــح الاسرائيلية، ومشروعها الشرق اوسطي الجديـد، واحلامها المستقبلية في الهيمنة على المنطقة العربية، إنه، ايضاً، ضرر بالغ الخطورة بالمصالح الامريكية، بل والمصالح الامبريالية العالمية، وتصبح مراكز القوى، في المنطقة التي تزعج اسرائيل والامبرياليين وحلفائهم، مصدر خطر يحسب له الف حساب .
من اللافت ان المقاومة الوطنية الاسلامية في جنوب لبنان، قد اسقطت مفهوم الجيش الاسرائيلي الاسطورة التي لا تقهر، وادمعة عين اسرائيل واجبرتها على الانسحاب من الجنوب اللبناني، بل وانزلت فيها الضربات الموجعة في العمق الاسرائيلي، وهي التي اشعلت النيران في البوارج العسكرية الاسرائيلية في عرض البحر الابيض المتوسط واصابتها اصابات دقيقة، كما ان المقاومة الفلسطينية التي هزمت اسرائيل في غزة واجبرتها على الانسحاب، بل واركعتها، ونالت من كبريائها، واجبرتها على قبول تبادل الاسرى بشاليط، إنه يرسم بوادر نصر مؤزر بفضل دعم التحالف المعادي للولايات المتحدة الامريكية وربيبتها المدللة اسرائيل .
مما تقدم نستطيع ان ندرك عمق الحقد الاسرائيلي – الامريكي على سوريا، باعتبارها آخر قلاع حركة التحرر الوطني والقومــي العربـــي، قلب العروبـــة النابض، والجســـر الداعــم لحركــة التحرر الوطنــي الفلسطيني، من جهة، والمقاومة الوطنية في جنوب لبنان، من جهة أخرى، وستبقى سوريا سوطاً يلهب ظهور عملاء اسرائيل والحلف الامبريالي الصهيوني العالمي، في عموم منطقتنا العربية .
يمكننا ان نلقي الضوء على طبيعة الصراع العربي – الاسرائيلي، وابعاد المشروع الشرق – اوسطي الاسرائيلي الذي يرسم خارطة اسرائيل الكبرى وحلمها، من النيل الى الفرات، من جهة، وهيمنتها على منابع الثروات العربية، من جهة أخرى، وقيام جبهات وتحالفات اقليمية، في ظل ضعف الحكومات العربية وعدم قدراتها على الدفاع عن النفس كالمملكة العربية السعودية وقطر والبحرين والكويت، وعدم قدرتها على بلورة مشروع عربي للدفاع عن النفس، فقد وجدت هذه البلدان في الانضواء تحت خيمة المشروع الاسرائيلي – الامريكي، سفينة نجاة أمام هواجس الخطر الايراني، لذلك حسمت منظومة بلدان الخليج العربي موقفها وانحازت الى جانب المشروع الامبريالي – الصهيوني، بلا رجعة، وكشرت عن انيابها ورضت لنفسها ان تكون ذليلةً امام اسرائيل وتحولت الى اداة طيعة بيد الصهيونية، ووكلاء لتنفيذ مشاريعها في المنطقة .
كما يمكن لنا ان نلقي الضوء على التحالف الاسرائيلي – التركي، حليف الناتو ومضيفة لقواعده العسكرية، ووجود معاهدة دفاع مشترك بين تركيا واسرائيل، فقد وجد التحالف الامبريالي – الصهيوني في تركيا باعتبارها دولة مسلمة بقيادة حزب العدالة والتنمية الاسلامي، أداةً لاستكمال مشروعها الامبريالي، كما وجد هذا التحالف العدواني في بلدان الخليج مطيةً لهذا لتحالف الامبريالي – الصهيوني، وهكذا انحاز (سود اﻟﻌﮔل بيض الدشاديش) الى المشروع الامبريالي – الصهيوني ووقفوا بكل وقاحة الى جانب قوات الناتو وايدوا بقوة مشروع احتلال سوريا وضرب المقاومة الفلسطينية واللبنانية، وطي صفحة الوجود العربي والى الأبد .
مما تقدم نستطيع تعريف جبهة الاعداء في منطقتنا العربية التي يمكن ان تنحصر في القوى الامبريالية وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية وترسانتها العسكرية ( حلف الناتو ) والرهط الاسرائيلي، وحليفتهم تركيا، وعملاؤها في المنطقة، عرابي مشاريعها التوسعية، شيوخ قطر وحكام آل سعود، وهذه الجبهة عدوة الشعوب ينضم اليها الاسلام السياسي، اصحاب شعارات ( تكبير!!!) و (الله اكبر!!!) و (إرحمونا يا إسلام!!!) واسلامهم هذا هو الناتو والرهط الاسرائيلي، وهؤلاء هم اعداء الشعب .
كما علينا ان ندقق في البحث في معاني الكلمات التي اطلقها السيد سعود الفيصل بدعوته الى تسليح المعارضين في سوريا، ولا ندري كيف يفوت على هذا الثائر العبقري، المذابح التي تقترفها اسرائيل بحق الشعب الفلسطيني الذي يتعرض الى التجريف والتشريد يومياً على ايدي حكام اسرائيل، بلا رحمة ولا هوادة، ألا يستحق هذا الشعب التفاتة من هذا الثائر ليشمل شعب فلسطين بدعوته للتسليح!؟ أو ليس من حقنا ان نسأل سعود الفيصل، عن الجيش والدروع والمجنزرات بكامل ملاكاتها العسكرية التي ارسلتها حكومته لقمع انتفاضة الشعب البحريني!؟ كيف حدث ذلك؟ ولماذا لم يقدم السلاح الى المعارضة البحرينية؟ أو ليس من حقنا أن نشاطره الرأي في توجيه النداء الى بلدان العالم، كل العالم، لتزويد المعارضة في القطيف والمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية، بالسلاح!؟
وماذا عن دموع التماسيح التي يذرفها السيد اوردكان على الشعب السوري!؟ وأين هو من المجازر الدموية التي يرتكبها بحق الشعب الكردي، كردستان تركيا، يومياً، وهو يلاحقهم بلا رحمة عابراً الحدود العراقية، حيث آلاف الضحايا يسقطون يومياً برصاص جنوده، الم يسأل نفسه عن سجونه وكم اعداد سجناء الرأي يئنون خلف جدران تلك السجون والمعتقلات الرهيبة!؟ ألم يعلم السيد اردوكان عن عدد ضحايا الاضراب عن الطعام في السجون التركية!؟ والتصفيات الجسدية لسجناء الرأي والفكر!؟ والمقابر المجهولة تبق وصمة عار في جبين حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، ألم يرتكب النظام التركي جرائم بحق اطفال اعتقلتهم اجهزة الامن وتمت تصفيتهم تحت التعذيب ودفنوا في قبور مجهولة بعيداً عن انظار ذويهم!؟.
ومن اللافت، أن نهاية الحرب الباردة، مهدت لدخول قوات الامبرياليين منطقة الخليج، التي لم يكن مقدراً لجندي امريكي واحد ان يدخلها، في ظل وجود الاتحاد السوفيتي، آنذاك، وإن الهجوم الامبريالي العاصف، الذي شنته الولايات المتحدة الامريكية وحلفاؤها بتأييد ومساندة من عملائها، كانت باكورته العراق (البوابة الشرقية!) ثم، وبكل وقاحة من قبل جبهة الاعداء بجميع فصائلها، بما فيها، آلتهم العسكرية، الناتو، جرى الهجوم على ليبيا وتدميرها ثم احتلالها، ولم تخلو انتفاضتي الشعبين الشقيقين المصري والتونسي من تدنيس الامبرياليين والصهاينة، فقد بات واضحاً التفاف القوى الرجعية ويمين الانتفاضة الى جانب بقايا النظامين المنهارين بدعـم وتأييد الامبرياليين وحلفائهــم، كمحـاولات يائســة لدعــم اقطــاب قــوى الردة، وادوات (السي آي أي) من أمثال (محمد البرادعي) على سبيل المثال، لا الحصر، محاولة تلميع صورته البائسة، الذي سوغ للعدوان على العراق وتدميره، بتلفيق تقارير اتهم بها العراق بحيازته على اسلحة الدمار الشامل، التي كانت تعد، بحق، اكذوبة العصر، هذا الأفاق من مرشحي الرئاسة المصرية، الذي تقف من ورائه، اصوات بائسة من مرتزقة الموساد والسي آي أي، وهذه الافعال من قبيل وضع العصي في عجلة الثورة، التي ستنتصر حتماً، سواء في تونس أو في مصر .
ويجري تدريجياً تضييق دائرة حركة التحرر العربي، ووضع سوريا في مرمى المدفعية، القلب النابض لحركة التحرر العربي القومي والوطني، اتي ترتكز على ثناياها اعمدة الاسناد لحركة التحرر الوطني الفلسطينية ومقاومتها الباسلة والمقاومة الوطنية والاسلامية في جنوب لبنان، وسوريا تستمد قوتها من التحالف الشعبي (الجبهة الوطنية) التي تمثل النسيج الاجتماعي السوري، ضمن اطار الجبهة القومية المناهضة للامبريالية والصهيونية وعملاؤها المحليون، هذه الجبهـة التي تمثل الاطــار الوطني والقومي لجميع حركات التحرر الوطني والقومي العربي، من جهة، كما ترتبط سوريا في جبهة تحالفات دولية معادية للامبريالية، ضمن اطار التحالفات مع روسيا والصين وايران، وهذا التحالف المعادي للامبريالية العالمية يلقى التأييد والاسناد من لدن جميع الحركات الثورية وحركات التحرر الوطني في العالم اجمع، ومن الجدير بالذكر، فإن المؤتمر الأممي للاحزاب الشيوعية والعمالية وحركات التحرر المعادية للامبريالية في جميع انحاء العالم، الذي انعقد في الفترة ما بين 3 و5 آذار/ مارس 2012 حيث أعلنت الوفود المشاركة تأييدها لسوريا، ووقوفها الى جانب الشعب السوري في معركته ضد الامبريالية والصهيونية والرجعية في المنطقة .
ومن نافلة القول فإن ايران الثورة الاسلامية، تواجه تحدياً امبريالياً وصهيونياً، وبحكم معاداتها للامبريالية الامريكية واسرائيل فإن حركــة التحــرر الوطني والقومي العربية تجــد فيهــا حليفــاً ستراتيجياً في معركتها المصيرية ضد الاحتلال الامريكي – الصهيوني، لكنها، أي إيران، تواجه موقفاً محفوفاً بالضبابية والتعقيد مع اطراف معينة في حركة التحرر الوطني العربية، واشكالية هذا الموقف ذو بعدين، الأول منهما، الموقف من حقوق الشعب العربي في الاحواز، وحقه الثابت في تقرير مصيره، الذي تضمنه منظمات حقوق الانسان والمنظمات الدولية ومبادئ حق الامم في تقرير مصيرها، مع ان ايران كدولة تضم عدداً غير قليل من الشعوب، كالكرد والبلوش والعرب والتركمان، لكن مصالح هذه الشعوب لا يربطها رابط مع المصالح الامبريالية وتقف الى جانب جميع الشعوب وحركات التحرر الوطني العالمية المعادية للامبريالية العالمية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الامريكية، فهي متضامنة مع الدولة الايرانية في كفاحها وتصديها للامبريالية، لكنها لا تسقط حقها في تمسكها بحقوقها القومية والثقافية، ويمكن ان نستعير تجربة الشعب العراقي الثرية، فإن الوطنيين العراقيين وفي مقدمتهم الشيوعيين كانوا يواجهون الموت في كفاحهم الوطني من اجل الحريات العامة والديمقراطية، بينما كان النظام آنذاك يلاقي الدعم العسكري والدولي من لدن المعسكر الاشتراكي وفي المقدمة الاتحاد السوفيتي طليعة الاحزاب الشيوعية، ووقف الشيوعيون العراقيون ببسالة في نضالهم ضد الامبريالية وشجب الاحتلال .
وأما البعد الثاني من هذه الاشكالية هو التدخل الفاضح في الشؤون الداخلية العراقية والتحكم في مفاصل الدولة ومواصلة العدوان على الاراضي العراقية، إن الموقف المتوازن من هذه المسألة يتطلب اعادة النظر في العلاقات الايرانية – العراقية على أســس، حسن الجوار والمصالح المتبادلة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، لتكون مقدمة موضوعية لعقد حلف مقدس بين حركة التحرر الوطني والقومي العراقية وايران في معركتنا المصيرية مع الامبريالية والصهيونية في المنطقة .
وقد تؤخذ السياسية في جوانب منها بالحكمة والموضوعية، وتعرف السياسة في فلسفتها وتاكتيكاتها بفن الممكنات، وقد يتقن المعسكر الامبريالي فنون هذه الممكنات، الا اننا ندخلها، اي السياسة، من الابواب المغلقة، ولكن يمكن ان يكون استكشاف المخططات الامبريالية - الصهيونية وتلمس خيوط سيناريوهاتها المعدة مسبقاً، مدخلاً موضوعياً لاستشراف المستقبل، ولعلنا نجد المبررات الكافية في النهج السياسي واستنباط مبادئ التوافقات والتحالفات الستراتيجية .
ومن المؤكد ان الرئيس بشار الأسد لم يكن معصوماً، وإن الخطاب العروبي السوري لم يكن الوصفة الجاهزة لحل جميع المعضلات، ولكن الاصلاح السياسي ضرورة ملازمة لجميع التحولات الاجتماعية – الاقتصادية ومتطورة مع تطور المجتمع والدولة، ولم تكن مطلباً جماهيرياً، بل واقعاً تفرضه المتغيرات السياسية الداخلية والدولية، لكن المبادئ الاساسية لسلطة الشعب تبقى ثابتة لأنها حق شرعي للشعب، هذه هي المبادئ التي لا يمكن للرئيس بشار الاسد ان يساوم عليها، وهو قائد حزب سياسي وطني قومي ديمقراطي ثوري، حزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا بتحالفه مع الشيوعيين والقوميين والديمقراطيين والمستقلين ضمن اطار الجبهة الوطنية، يجد فيها، اي الجبهة، صمام الامان لعهد جديد من الانفتاح والتعددية والتداول السلمي للسلطة، وضمان لمستقبل حركة التحرر الوطني والقومي العربية .
النصر المؤزر لسوريا وقيادتها الحكيمة والخزي والعار لوكلاء الامبريالية والصهيونية .
*كاتب وباحث عراقي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق