31 مارس 2012

زنا ( المحارم ) في قمة بغداد


صلاح المختار
كثيرا ما نرى الاشياء على غير حقيقتها لأننا نكتفي بقراءة العنوان "مثل أمريكي"
 تعمدت ان لا اكتب عن قمة الجواسيس قبل انعقادها لكي لا يقال اننا نستبق الاحداث رغم علمنا بتلك الاحداث مسبقا ، لان للشيطان اسم واحد وهو الشيطان مهما بدل ملابسه ومكياج وجهه ، وسواء رقص بعصا عمر البشير او بسيف امير قطر فهو يبقى كما كان شيطانا رجيما . ولعل ابرز الجواسيس خونة الشعب والامة هو عمر حسن البشير الذي تعمد حضور القمة في حين ان الاغلبية الساحقة من الملوك والامراء والرؤوساء لم يحضروا وارسل بعضهم سفيرا الا ان البشير حضر شخصيا القمة في خطوة لا يمكن فصلها عن تاريخه وخياناته الوطنية والان يرتكب الخيانات القومية .

البشير خائن مزدوج : خائن للامانة حيث غدر برفاقه بخسه واهان معلمه ومربيه حسن الترابي ، فقدم مؤشرا على انه مستعد لفعل اي شيء يحقق له الفائدة وليس للسودان ، وخائن للامة لانه قبل ان يبيع العراق بحضوره قمة العار . باع جنوب السودان بموافقته المسرحية على الانفصال رغم انه ربط شرعيته طوال سنوات طويلة بالمحافظة على وحدة التراب السوداني . فمن يخون السودان ويغدر بمعلمه ورفاقه لا يمنعه شيء من الغدر بالابعدين . واشكر الله انني لم انشر مقالا كتبته دفاعا عن البشير حينما طلبته المحكمة الجنائية الدولية لانني كنت وقتها متشككا بدوره وميالا الى الاعتقاد بانه دمية امريكية صهيونية ولكن بدون حسم ، اما بعد انفصال الجنوب وبمباركته الشخصية وحضورة الشخصي احتفالات الانفصال فانني تيقنت انه جاء للسلطة بدعم امريكي وصهيوني ليحقق واحدا من اهم اهداف اسرائيل وهو فصل جنوب السودان ثم بعد ذلك يلعب دوره الخياني على المستوى العربي .

الان علينا ان نعيد النظر بتقويم كل ماحصل في الوطن العربي في ضوء ما يجري الان من احداث اذ ليس من الحكمة ان لا نقوم بتحليل ما حدث واستخلاص الدروس خصوصا وان العدو لا يتورع عن الاعلان رسميا عن خططه وخطواته ، والبشير وكما اكدت مواقفه خصوصا الموافقة على فصل جنوب السودان لم يكن الا حصان طروادة مدعوم امريكيا وصهيونيا من اجل تمزيق السودان اولا ثم اداء دور تخريبي في الوطن العربي .

ولذلك لم يكن غريبا ان ينفرد هو دون غيره من كل الرؤساء والملوك بحضور قمة العار في بغداد المحتلة ، فبالرغم من ان غيره رفضوا الحضور ، مع ان بعضهم اقدم من البشير في العمالة لامريكا والصهيونية ، فانه بصلافة من يريد ان يثبت انه بيدق بيد امريكا حضر القمة ولم يتابعه اوكامبو الذي كان يهدد باعتقاله كلما سافر ، ولكن هذه المرة لم نسمع اي صوت لاوكامبو وهو يطلب من حكومة المالكي تسليم البشير لسبب معروف حتى للجاهل وهو ان البشير حقق ويحقق الكثير من اهم اهداف امريكا واسرائيل وفي مقدمتها فصله لجنوب السودان والان توسع نطاق خيانته الوطنية لتصبح خيانة قومية بحضوره لمؤتمر الزنا بالمحارم في بغداد .

مع رفع شعارات دينية في السودان والمطالبة بتطبيق الشريعة الاسلامية على جنوب السودان غير المسلم بدأت مؤامرة تقسيم السودان تتحول الى عمل ممكن التنفيذ بعد ان كانت هدفا بعيد التحقق ، فقط عندما اصبح الجنوب تحت التهديد باسلمته بالقوة ونفذ التهديد بحرب ضروس تحولت حركة الجنوب من الحالة المطلبية الاصلاحية ضمن حدود السودان الى المطالبة بالانفصال لتجنب الاسلمة . هذه حقيقة تاريخية لا مجال لانكارها ، وتحت غطاء اضطهاد اهل الجنوب من غير المسلمين تحولت قضية الجنوب الى قضية عالمية مدعومة من اطراف عديدة وليس من قبل اسرائيل فقط . والسؤال المهم هنا هو التالي : من حقق هذه التحول الخطير ؟ انه وصول الاسلامويين للحكم في السودان بانقلاب دبره احد اقدم ( رجالات ) الغرب والصهيونية حسن الترابي وتلاميذه وعلى راسهم الضابط عمر حسن البشير ، فهؤلاء حالما وصلوا للسلطة بدأوا بمحاولة اسلمة الجنوب بالقوة ، وسالت الدماء واحرقت الثروات وارتكبت مجازر كانت وظيفتها الاساس هي جعل بقاء الجنوب ضمن السودان امرا مستحيلا .

الاسلامويون بقيادة الترابي هم مهندسوا تقسيم السودان ، ورغم توزيع الادوار بين الترابي وتلاميذه بعد الانقلاب الذي قاده البشير ضد الترابي وعزله عن الحكم ، الا انهم حققوا تكامل ادوارهم ، فالترابي اخذ يدعو لدعم الانفصال نكاية بالبشير تلميذه العاق ، والبشير قبل بالانفصال للحصول على المباركة الامريكية والاسرائيلية وتجنب اسقاط نظامه ، وهكذا راينا البشير والترابي يعملان سوية ومن موقعين مختلفين لاجل ضمان فصل الحنوب . هنا لابد من التذكير بان فصل جنوب السودان هو احد اركان المخطط الصهيوني القديم ، فقد كانت اسرائيل منذ تاسيسها تعمل على فصل جنوب السودان ، ولكن هذا الهدف لم يتحقق في ظل الانظمة غير الدينية في السودان التي كانت وبغض النظر عن طبيعتها لا تميز بين مسلم ومسيحي ووثني ، ولذلك كانت مطاليب اهل الجنوب هي المساواة مع اهل الشمال لا غير ، وهنا جاء دور الاسلامويين لتحقيق الهدف الاسرائيلي عبر ممارسة ضغوط شديدة باسم تطبيق الشريعة الاسلامية على اهل الجنوب ، فوجد من ارتبط باسرائيل الحجة والسبب للانتقال من مطلب المساوة ضمن السودان الى مطلب تقسيم السودان ، اذن لولا حكم الاسلاموييين لما حصل هذا التحول الخطير ، ذلكم هو الدرس الكبير وتلك هي الحقيقة المرة المدمرة .

هل يذكرنا هذا بشيء خطير اخر ؟ نعم انه يذكرنا بان الفتن الطائفية في الاقطار العربية لم تظهر وتتفجر وتكبر الا بعد وصول خميني للسلطة واصراره على نشر ما اسماه ب ( الثورة الاسلامية ) التي تسببت في اشنع حرب بين بلدين اسلاميين هما العراق وايران ، ثم نشرت الفتن الطائفية من خلال اصرار ايران الملالي على نشر التشيع الصفوي بكافة الوسائل ، مما قدم كل المبررات للطرف الاخر ، وهو الطرف الطائفي السني ، لخوض صراع طائفي الطبيعة والهدف ، وهكذا دخلت الامة العربية مرحلة التورط في صراعات ثانوية بين الطوائف والاديان وغيب ذلك الصراع الحقيقي والرئيس بين حركة التحرر الوطني العربية والاستعمار الغربي والصهيونية . وبعد غزو العراق توفرت ادلة عملية ووثائق ومواقف تثبت بان التيارات الاسلاموية كانت خيول طروادة للاحتلال بعد ان قامت بدور الداعم الرئيس للاحتلال في العراق ومنها تشكلت كل حكومات الاحتلال ، وبميليشياتها دعم الاحتلال واستمر طوال التسع سنوات الماضية وابيد اكثر من مليوني عراقي وشرد اكثر من سبعة ملايين عراقي من ديارهم بعد ان بدا القتل على الهوية الطائفية والعرقية في العراق .

ان محاولة تقسيم العراق ونشر الفتن الطائفية كانت من عمل التيارات الاسلاموية سنية وشيعية بدعم وتشجيع امريكيين واضحين جدا ، وان فصل جنوب السودان ما كان له ان يحصل وتتوفر البيئة التي تدعمه لولا وصول الاسلامويين للسلطة في السودان بقيادة حسن الترابي ، وهذه حقائق لم يعد احد يستطيع انكارها او القفز من فوقها ، وهي تقدم لنا الدليل الحاسم على ان امريكا واسرائيل لهما مصلحة اساسية وستراتيجية في وصول الاسلامويين للسلطة في الاقطار العربية لس لانهم عملاء ، فهذا موضوع اخر ، بل لان تكوينهم الفكري وتربيتهم الطائفية تجعلهم اسرى نزعات متطرفة دينية وطائفية تتغلب على المصلحة الوطنية والقومية وتدفعهم لتصفية اي طرف اخر ينافسهم وتوفر لديهم الاستعداد لقبول دعم اي طرف يعدهم بدعم وصولهم للحكم ، كما حصل ويحصل في مصر وتونس الان .

بعد كل هذا هل نطلب من البشير الذي كان ومازال اداة تقسيم السودان الرئيسة ان يكون حريصا على العراق وشعبه وهويته ؟ ان البشير بعقلية المرعوب من المحكمة الجنائية الدولية بعد وضعه تحت تهديد كبير اصبح يريد باي طريقة استبعاد التهديد بما في ذلك تقديم تنازلات كان لا يتوقع انه سيقدم عليها حتى في الكوابيس ، لكن شبح اوكامبو وتهديدات امريكا واوربا حركت في البشير الاحساس بضرورة الحفاظ على النفس حتى لو كان ذلك على حساب الوطن والدين . والبشير بموقفه الخياني في السودان وبموقفه الخياني على المستوى العربي يؤكد بان الاسلام يستخدم غطاء لتقسيم الاقطار العربية ودعم غزوات اعداء العرب والمسلمين بكافة الونهم واشكالهم .

ان الدرس الاكبر لخيانة البشير والترابي اللذان تغير كل شيء فيهما الا الخيانة والاصرار على تمزيق السودان ، هو ان التيارات الاسلاموية بغالبتها تشكل الاحتياطي الستراتيجي الاهم لامريكا والصهيونية . لذلك على الاسلاميين الوطنيين ، وهم الاغلبية الساحقة ، تبني موقف يميزهم عن الخونة من الاسلامويين عن طريق اختيار سياسات واضحة في وطنيتها وقوميتها دون التخلي عن الاسلام ، وهذا ما تفعله فصائل مجاهدة في العراق التي تقاتل الاحتلال وتصون وحدة العراق الوطنية وهويته القومية تحت الراية المشتركة والثنائية راية العروبة والاسلام التوأمان اللذان لا يمكن فصلهما ، وان فصلا اصطناعيا بدأ مسلسل الكوارث .
 Almukhtar44@gmail.com
* شبكة المنصور

ليست هناك تعليقات: