محمد عبد المجيد
لم أكن أحب أنْ أكتب هذه الكلمات لمثقفي مصر وإعلامييها ومفكريها وشرفائها الذين يكتشفون الواحد تلو الآخر أنها كانت مَصْيَدة، وأن الثورة بين فكيّ المجلس العسكري، وأنَّ المصريين كلهم دُمىَ في مسرح العرائس.
أكتب بانتظام منذ خمسة وثلاثين عاماً، وضد الطاغية المخلوع لربع قرن، ويوميات الثورة قبل اندلاعها، ورؤيتي التفصيلية لما بعد الثورة.
لا أخفي مقالاتي ولكنني أبعثها إلى معظم المثقفين والكُتــّـاب والإعلاميين وكبار الأقلام التي قتلتنا بحثا، وتحليلاً، وإفاضة، وتشريحاً، ويقرأونها، ثم يغضون الطرف وكأنهم في حالة ( اقتلوهم بالصمت!).
ومنذ نجاح الثورة وأنا أكاد أتفرغ للكتابة، والتحذير، ووضع النقاط فوق الحروف، ودعم الثورة، وعرض مطالبها، وتبيان زيف صناديق الاقتراع المتحالفة مع العسكر وإبليس.
لكن غرور وكبرياء وخيلاء مثقفينا تمنعهم من الإشارة ولو لمرة واحدة خشية أن يكتشفوا أنهم مخطئون.
في كل لحظة أقرأ لمثقف أو إعلامي أو سياسي عن المفاجأة التي صدمته وكأنه خارج لتوه من صحبة أهل الكهف، رغم أنه لم تكن هناك أي مفاجآت منذ الحادي عشر من فبراير 2011.
صندوق الانتخاب، تبرئة المجرمين، المحكمة العبثية، سيطرة المشير على كل مفاصل الدولة، وصولية الإخوان المسلمين، حيرة الأقباط ثم انحيازهم للنظام البائد، ذاكرة الشعب المثقوبة، تحريك وسائل الإعلام بالروموت كونترول من مكتب المشير، حماقة فكر السلفيين، التأكد من أن البلطجية يعملون لدى السلطة الحاكمة، عجز المستشار أحمد رفعت أخلاقيا ولغويا فهو موظف يأتمر بأوامر الشياطين وليست توجيهات العدالة السماوية.
لم تكن هناك مفاجأة لأي عاشق لمصر أعطاه اللــه الرؤية الشفافة والمخلصة، وتمكن من تأمل تفاصيل المشهد الكارثي لمصرنا الحبيبة.
لم تـُـشر جهة واحدة في مصر كلها من مجلس الشعب القندهاري إلى الناصريين والاشتراكيين والعلمانيين والليبراليين أن المشير من الفلول، حتى مجلس الشعب الذي يزعم أعضاؤه أنهم الأقرب إلى الله من الآخرين خرسوا، وصمتوا، وبلعوا كرامتهم، وسنـّـوا قوانين العزل التي تـُـبعد المشير عن أي تهمة.
لم اشعر في حياتي بالغثيان من أي مشهد ثقافي أو إعلامي كما شعرت به في الشهور القليلة المنصرمة، فالنخبة تلف الحبل حول عنق المواطن المسكين، والمرشحون للرئاسة يلعبون مع الذئب، ثم يأتوننا عِشاءً يبكون لأنهم لم يكونوا على علم أنه مفترس و.. شرس.
إذا كان المجلس العسكري قد سرق الثورة لحساب امتداد حُكم مبارك، فإن المصريين كلهم ساهموا في قتل ثورتهم.
نحن في سنة صفر سياسة، لهذا ما إنْ يظهر على الساحة كبير أو زعيم أو رئيس حزب أو مرشد روحي حتى تتكون جماعة من الساذجين تطلق على نفسها ( محبي الرجل الأصلح للقيادة).
كل الوجوه القديمة المهترئة الكرتونية التي تلونت سبعين مرة تعود بأقنعة جديدة، وتستضيفها الفضائيات، ولا يحاسبها أحد على تصريح فائت، أو رأي مضى عليه زمن واعتنق صاحبــُـنا عكسَه،ويُفلس المفكر، وتبهت كلمات المثقف، ويكتب ويقول نفس الكلام لا يختلف إلا في تركيب الجملة أو ترتيب الفقرة أو إضافة كلمة جديدة لم يستخدمها منذ عدة سنوات.
يدخلون إنتخابات مُشيرية وهم يعلمون مسبقاً أن الكلمة الفصل جنرالية تُخرج نياشينــُـها وأوسِمَتـُـها ونجومُها ألسنتــَـها لنا بعد الفرز، ثم يلطمون وجوهَهم على الشهداء والأحكام الظالمة وتبرئة المجرمين.
أبحثُ عن مثقف أو إعلامي أو مفكر أو ضيف فضائي دائم.. يبكي أمامنا على الشاشة الصغيرة، ثم يخلع حذاءه ويضرب به نفسه وهو يَسُب ويلعن في غبائه، وحماقته، ومئات الساعات من التزييف والتغييب والتخدير التي مارسها ضد أبناء شعبه الذين يجلسون مُتَسمّرين أمام تحليلات لم تمر على العقل أو تشم ريحَه.
أبحث عن مرشح للرئاسة يعقد مؤتمراً صحفياً ويُقسم للجماهير أنه كان عبيطاً، وساذجاً، ووصولياً، وطامعاً إلى منصب سيّد القصر رغم أن أبسط قواعد التحليل السياسي للمشهد المصري تؤكد أنه كان دُمية يلعب بها العسكر، وأنه ضرب بعُرض الحائط كل القيم والمباديء السامية فلعب مع سارقي الثورة لعلهم يمنحونه بعضا من فتات ما استولوا عليه، ثم يغادر المؤتمر الجماهيري، ويلقي بنفسه في نهر النيل!
وأخيرا أبحث عن ثوار، أطهار، أشراف، ما تزال فيهم نفخة من روح الله، يُعيدون الثورة دون أن يرفع أحدهم صورة أو شعاراً لأي مسؤول مصري أو زعيم أو مرشح رئاسي ناجح أو فاشل.
شباب يدخل الجنة لأنه كفر بكل محلل وسياسي ومثقف ومفكر وإعلامي مصري، وهذا الكفر هو عين الإيمان.
معذرة، فأنا لست مؤمنا بزعيم أو مرشح أو عسكري أو قاض أو محام أو مسؤول كبير أو جنرال أو رجل دين مسلم أو مسيحي..
اشعر بأنني قريبا سأقذف أقدم أحذيتي لتنفجر الشاشة الصغيرة عندما يظهر أحدهم، ويمتدح الثورة والثوار والشعب وهو ألدّ الخصام.
أي مفاجأة تلك التي يتحدثون عنها فالعقل والمنطق والتحليل وأبسط مباديء العمل السياسي والثقافي والفكري تؤكد بقرائن لا تدع ذرَّة من الريب في الصدور أنْ المشهد المصري منذ سرقة الثورة في 11 فبراير لم تكن به أي مفاجأة، حتى أحكام المستشار أحمد رفعت أو جولة الإعادة بين محمد مرسي والفريق أحمد شفيق لم تحمل أصغر قــَـدْرٍ من المفاجأة.
أيها المصريون،
لا فائدة في كتاباتي فأنا أرى بوضوح الملايين يتجهون مبتهجين إلى صناديق الاقتراع وقد عصبوا عيونهم لتتحقق لذة مازوخية من مصيدة رفضوا تصديق وجودها.
وسلام الله على مصر
طائر الشمال
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق