إذا كان الشارع المصري قد شهد من بعد ثورة 25 يناير تزايدا في ظاهرة أطلق عليها تعبير البلطجة علي نحو لم يكن مألوفا من قبل في المجتمع بما يتضمنه تلك الظاهرة من ترويع للمواطنين وتهديد صارخ للامتهم وسلامتهم فقد بات لزاما علي المشرع إن يتدخل لمواجهة تلك الظاهرة الخطيرة حفاظا علي امن المجتمع وسلامة إفراده صحيح إن قانون العقوبات قد اشتمل علي نصوص تؤثم بعض الجرائم التي يكون استخدام القوة أو العنف أو التهديد احد أركانها أو ملحوظا في ارتكابها إلا أنها لم تعد كافية في حد ذاتها للحد من هذه الظاهرة إذ هي نصوص مقصورة علي أنواع معينه من الجرائم من جهة ولا تفرض لها العقوبات المناسبة لمواجه9ة الخطورة الكامنة في مرتكبيها وردعهم من جهة أخري فضلا عن تصاعد هذه الظاهرة هو أمر طارئ وغريب علي هذا المجتمع المسالم الآمن
إن المسجلين خطر على الرغم من خطورتهم يمكن الاستفادة منهم وتوجيههم بحيث يتحولون إلى قوى فاعلة في المجتمع بعد إعادة تأهيلهم. صفوها أكثر من 92 ألف مسجل خطر في مصر فما أصعب أن تعيش في منزل أو عمارة أو شارع أو ميدان يوجد به مسجل خطر. ان البلطجة بعد الثورة اختلفت عنها قبل 25 يناير، وأصبحت «مرتبة تديرها عقول متعلمة مثقفة» وأن ما حدث من أعمال عنف وبلطجة على فندق «نايل بلاذا» أول أيام تولى اللواء أحمد جمال الدين، منصب وزير الداخلية، مقصود وهدفه رسالة واضحة أرادت مجموعة من البلطجية توصيلها إليه تؤكد أنهم موجودون وقادرون على ارتكاب أي فعل في دقائق، وأنهم اختاروا فندقاً معروفاً في منطقة شهيرة حتى يهتم الإعلام بالواقعة، للان هدف البلطجية دائماً إحداث حالة من الإرباك في خطة «الداخلية»، ما سيؤثر سلباً على قطاع الساحة. إن البلطجية يعرفون حركة المرور ويخططون لارتكاب أعمالهم وهم على دراية بأن وصول القوات يستغرق من نصف ساعة إلى ساعة تقريباً، وأنهم يرتكبون جرائمهم في مدة لا تزيد على 10 دقائق،
ومن ناحية أخري كشف أحدث تقرير للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، عن ارتفاع نسبة عودة المسجلين خطر إلي الجريمة والبلطجة مرة أخري، إلي ما يزيد على 55% من إجمالي المسجلين البالغ عددهم رسميا 92 ألفا و680 شخصا خطيرا علي المجتمع، وذلك وفق البيانات الصادرة عن الأمن العام بوزارة الداخلية بشأن حركة الأنشطة الإجرامية بجميع مديريات الأمن بمختلف المحافظات، خلال السنوات العشر الماضية، بخلاف غير المسجلين في الأوراق الرسمية.
إن المسجلين خطر يعاقبون مرتين الأولي بالقانون والثانية وهي العقوبة الأكبر والأشد وتتركز في نفور المجتمع منهم مما يجعلهم مؤهلين للعودة مرة أخرى إلى ارتكاب الجرائم لا سيما أن الناس يرفضون التعامل معهم وينظرون إليهم على أنهم وصمة عار وذلك منذ الغلطة الأولى.المسجل خطر: سرقات.. مخدرات.. قتل.. اغتصاب.. نصب. كلها بمثابة مرض معد يهرب منه الناس في كل مكان حتى لا ينالهم منه ضرر أو يعدي أبناءهم أو أشقاءهم الصغار الذين يمكن أن يقعوا فريسة لهؤلاء البلطجية وخاصة بعد ما تفشت ظاهرة البطالة وغياب القدوة والوازع الديني لدي الكثيرين منهم. إن هناك ثلاث فئات للتسجيل الجنائي وهم الفئة أ والفئة ب والفئة ج ويتم تسجيلهم وفق نشاطهم الإجرامي وكثرته سواء كان هذا النشاط سرقة أو نشلاً أو قتلاً أو نصباً أو مخدرات. ويعتبر بأن التسجيل والتصنيف يسهل علي رجال الأمن متابعة المسجلين والحد من خطرهم أو ضبطهم متلبسين وتكوين تلك القاعدة من المعلومات يعد إنجازاً لرجال الداخلية لأنها مفتاح الحل للعديد من الجرائم التي تهدد الأمن العام.
ويعتبر الشق التعليمي في ظاهرة البلطجة والمسجلين خطر من أهم الجوانب التي تتطلب الكثير من البحث والدراسة لأن الدراسة أكدت علي أن المسجلين خطر أكثرهم أميون لا يجيدون القراءة أو الكتابة بل إن الدراسة أشارت إلي أنه كلما ارتفع مستوي التعليم قلت عدوي الإجرام بين الشباب فالجامعيون أقل نصيباً في قائمة المسجلين خطر. أن تكريس مفهوم القدوة والأبطال الوطنيين لدي النشء الصغير له مردود كبير علي أفكار وطموح الشباب الصغار بحيث يكون هؤلاء الشباب نماذج مشرفة تسعي لتقليد العظماء من أبناء هذا الوطن. أن القانون الحالي يكفي لردع المجرمين والمسجلين خطر حيث إن الكثير من المواد القانونية تشدد العقوبات علي بعض الجرائم الشائعة ولكن تكمن المشكلة في توابع تطبيق القانون حيث يجب أن تتضافر الهجود من أجهزة الدولة لعلاج أسباب الإجرام وليس نتائجه بحيث يكون للحكومة وللأحزاب والجمعيات الأهلية ورجال الأعمال دور في مكافحة تلك الظاهرة.
المشكلة في أسباب الجريمة حيث إن الدافع للجريمة موجود والحل يكمن في تخطي تلك الدوافع وحلها من كل أجهزة الدولة والمؤسسات المدنية والأحزاب ورجال الأعمال الذين يجب عليهم استقطاب النماذج التي تسعي إلي العيش الحلال منهم حيث إن العوامل الاقتصادية والفقر والبطالة وارتفاع الأسعار فضلا عن المشاكل الاجتماعية ونقص الوازع الديني وغياب القدوة وتفشي ظاهرة المخدرات بين الشباب هي الموبقات التي يجب علينا حلها.
إن الأسباب الحقيقية لارتفاع معدل الجريمة هو تفشي ظاهرة البطالة وعدم توفير وظائف للشباب الخريجين الذين يضيعون عمرهم في الدراسة ولكنهم لا يجدون الوظيفة المناسبة التي يحلمون بها فضلا عن انتشار الفساد والرشوة والمحسوبية التي تحرم أصحاب الحقوق من حقوقهم والجهاز الأمني ليس مسئولا وحده عن مكافحة تلك الظاهرة فالعلاج يتطلب وضع خطط عاجلة وأخري آجلة فالعاجلة ينبغي أن تستهدف الحد من الظاهرة الإجرامية من خلال تطبيق القانون تطبيقا حازما وعادلا لتحقيق الردع العام والخاص أما الخطط الآجلة كما يقول فيجب أن تكون نهضة شاملة للعملية التعليمية التدريبية حسب متطلبات السوق والعمل علي خلق عمالة علي درجة من المنافسة سواء علي مستوي السوق المحلي أو العالمي.
أن المسجلين خطر هم الذين قضوا عقوبات في جرائم ارتكبوها وخرجوا للحياة العامة بقناعتهم وأفكارهم الهدامة التي تحتاج إلي علاج اجتماعي ونفسي واقتصادي فضلا عن المراقبة الأمنية وخاصة للمدرجين علي الفئة "أ" والتي تعد الأشد خطورة.
إن تواجد المجرمين بين المواطنين يشكل خطورة دائمة علي المجتمع ولذلك يجب أن تتوافر الجدية لمتابعتهم ويجب إن تكون تقارير المتابعة الشهرية بناء علي تحريات دقيقة يقوم ضباط المباحث برصد جميع تصرفات المجرمين بشكل مباشر ومن خلال مرشدين أمناء بحيث تكون التقارير صحيحة ومعبرة عن الواقع سواء فيما يتعلق بتغيير المسجل لنشاطه أو التوقف عن نشاطه الإجرامي.
أن الإحصائيات والتصنيف التي تقوم بها إدارات الأمن العام في المحافظات المختلفة هو أساس بناء منظومة الأمن في هذا الوطن حيث يقوم ضباط وموظفو الأقسام والمراكز المختلفة برصد المسجلين خطر وتصنيفهم وفق أنشطتهم وخطورتهم. إن تجربته في قطاع الأمن العام تقوم علي بناء قاعدة معلومات مفصلة عن المجرمين الذين يروعون الآمنين وتصنيفهم بشكل جيد بحيث يسهل علي الضباط وضع أيديهم بشكل مباشر وسريع علي المتهم في أي قضية أو جريمة بشكل سريع وكذلك العمل بشكل جيد علي تفكيك العصابات والمجموعات الخطرة للحد من جرائمها وإجهاضها قبل وقوعها.. وكذلك السيطرة علي المسجلين من خلال متابعة تحركاتهم وتصرفاتهم أولاً بأول وتشجيع من يسعي منهم إلي التخلي عن الجريمة وتوفير لهم وسيلة عيش شريفة لهم. والأمر الذي يثير الرعب أن تفشي ظاهرة البلطجية في المجتمع المصري في السنوات الأخيرة أثمر 10 ملايين قضية بلطجة منظورة أمام القضاء المصري وتراكم مليون و300 ألف حكم قضائي أمام شرطة تنفيذ الأحكام التابعة لوزارة الداخلية.
مما جعل المواطن البسيط يفقد الثقة في حصوله علي حقه بالوسائل القانونية المشروعة وأدي إلي ظهور ما يعرف بشركات الأمن والاستشارات القانونية الخاصة تضم بين موظفيها عددا من مفتولي العضلات المدججين بالأسلحة الخفيفة لتنفيذ الأحكام بنفسها بدلا عن وزارة الداخلية.
ولعل أخطر ما في ظاهرة البلطجة أن المواطنين العاديين بدلا من أن يلجأوا إلي أقسام الشرطة في نزاعاتهم وخلافاتهم حول المسائل المادية والشخصية بدأوا يستأجرون البلطجية للحصول علي نتيجة سريعة لصالحهم بدلا من الانتظار سنوات طويلة أمام أبواب المحاكم والشرطة ولا عزاء لدولة القانون!
وقد أكدت إحصائيات رسمية عن وزارة الداخلية أن مصر تضم 92 ألفا و680 بلطجيا ومسجل خطر وهم الخارجون عن القانون المرتبطون بجرائم عنف متكررة ما بين القتل العمد أو الشروع في القتل والاغتصاب والبلطجة وجرائم الخطف والحرق والتبديد والضرب المسبب لعاهات مستديمة والضرب المفضي إلي الموت.
ونشأة دولة البلطجة في مصر كشفتها الوثائق التي عثر عليها في أمن الدولة أخيرا فمع بداية تولي اللواء حبيب العادلي وزير الداخلية الأسبق المسئولية عام 1997 اتجهت إدارتا مباحث أمن الدولة والمباحث العامة بوزارة الداخلية إلي إتباع سياسة تجنيد فئة من البلطجية والمسجلين خطر في نقل المعلومات عن حركة بيع المخدرات والأسلحة وكذلك أماكن الفارين من الأحكام القضائية وهم من عرفوا بين العامة باسم (المرشدين) ويكون المرشدون غالبا من المجرمين الذين يعملون في معاونة رجال المباحث مقابل غض النظر عن تحركاتهم ومصالحهم الشخصية. لكن هؤلاء المرشدين تحولوا مع الوقت إلي شركات خاصة يديرها رجال المباحث من داخل مكاتبهم، حيث تورد بلطجية للضرب أو هتيفة بالساعة في موسم الانتخابات لصالح الحزب الوطني أو كومبارس لحضور المؤتمرات الانتخابية أو سيدات مسجلات خطر للتحرش بالسيدات المؤيدات للمرشحين المنافسين في الانتخابات ومعاونين في قمع وبهدلة وسحل المعارضين ومنفذين للمظاهرات الوهمية ومتظاهرين ومعتصمين وهميين مهمتهم الاندساس وسط المضربين والمعتصمين ونقل أخبارهم إلي المباحث وإجهاض الإضرابات وقت الحاجة عن طريق افتعال المشاجرات وقلب الاعتصام أو المظاهرات إلي معركة بلطجية. وبذلك تحولت طائفة البلطجية إلي تنظيم سري شبه عسكري له سلطة قانونية يمارس كل مخالفاته القانونية من بلطجة واتجار وفرض سيطرة بحماية من القانون أو بحماية القائمين علي تنفيذ القانون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق