28 مايو 2012

صحوة الثورة بقلم: سري سمور




انتخابات الرئاسة المصرية ليست شأنا مصريا خالصا، فهذه الخطوة التاريخية التي جاءت نتاجا لثورة شعبية عارمة، سيكون لها ما بعدها، ومن الطبيعي أن نكون نحن أهل فلسطين متابعين ومراقبين لها، لأن قضيتنا ستتأثر من تبعاتها؛ فنحن لم ننسى أن عربدة إسرائيل في بغداد(قصف مفاعل تموز) ثم لبنان(اجتياح الجنوب في 1978م واجتياح وحصار بيروت في 1982م) وصولا إلى تونس كانت بعد خطوة السادات المشئومة أو نـتيجة طبيعية لهذه الخطوة الكارثية؛ وهنا لا بد من التأكيد أن إعادة إنتاج نظام المخلوع، ليس خسارة لفصيل أو قوة فلسطينية بعينها، مثلما تحاول بعض وسائل الإعلام تصوير الأمر بـطريـقة ساذجة وسطحية، فيقع البعض في الـفـخ؛ بل إن هذا معناه خسارة فادحة للقضية الفلسطينية وللشعب الفلسطيني بكل قواه الإسلامية والوطنية بلا استثناء، وهذا المقال ليس دفاعا عن قوة أو حزب أو جماعة أو مرشح بـقدر ما هو انعكاس لحالة الخوف الفطري على الثورة المصرية العظيمة من الانكفاء، واستشراف للأمل رغم ما قد نعتبره كبوة ستعبرها مصر بعون الله.

 (1)لا داعي للتشاؤم

من الخطأ بث روح التشاؤم التي امتلأت بها وسائل الأعلام، لا سيما شبكات التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت كالفيس بوك وتويتر، بعيد ظهور نـتيجة –غير نهائية وغير رسمية-  لانتخابات الرئاسة المصرية، وحصول أحمد شفيق (آخر رئيس وزراء في عهد المخلوع) على حوالي 23% من أصوات الناخبين؛ لأنه لو نظرنا إلى الأمر من زاوية أخرى فإن حوالي 60% مع التغيير ويرفضون العودة إلى الوراء مطلقا.
وسبق وأن قلت في مقال سابق أن من حكموا عشرات السنين لن يتنازلوا بسهولة وسيبذلون قصارى جهدهم لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، مع أن الصيرورة التاريخية ليست في صالحهم على المديين المتوسط والبعيد؛ فحتى السلطان صلاح الدين وجد في مصر دسائس ومؤامرات وصلت لدرجة محاولة قتله، ومع هؤلاء الذين فقدوا مواقعهم وتراجعت مكانتهم أو انتهت يوجد فسيفساء سياسي واجتماعي وطابور من المنتـفعين وأصحاب الأهواء والمصالح، ومن يشايعهم ممن رأوا أن مصالحهم الاقتصادية تضررت بعيد الثورة، ومن الطبيعي انصهارهم في بوتـقة واحدة بهدف وقف قطار التغيير وإجهاض الثورة، والظهور بأنهم هم الذين يحملون مشروع الأمن والخلاص والرفاه للشعب، ولا يجوز الخوف والتشاؤم لأن نسبة هؤلاء في كل المجتمعات متساوية تـقريبا، فعيب أن يلجأ البعض حتى إلى الطعن في جموع الشعب المصري بسبب نسبة محدودة منه.
أما العامل الخارجي فلا ينبغي استبعاده، ولنتذكر أن الثورة الفرنسية كان ألد أعدائها هم حكام أوروبا الذين لم يرق لهم أن يصيب لويس وماري أنطوانـيت وطبقة النبلاء ما أصابهم، فسعوا بكل ما بيدهم من قوة إلى قتل الثورة الفرنسية ففشلوا، وفي الحالة المصرية كلنا يعلم حجم القوى التي لا تريد لمصر خيرا وما تمتلكه من أوراق تأثير وضغط، ومع هذا لم تتمكن من حسم النتيجة، فهذا يدعونا إلى التفاؤل وليس العكس!
طبعا لن أتطرق إلى مسألة احتمال وجود عمليات تزوير، لأن القضاء سيبت بالطعون المقدمة من المحامين وبعض المرشحين، إلا أننا لو أضفنا هذا الاحتمال إلى العوامل السابقة، لخرجنا بنتيجة مطمئنة، وزال تشاؤمنا من مسار الثورة والتغيير.
  
(2)تثمين مواقف

لقد ساءني محاولة منع رواية د.علاء الأسواني «شيكاغو» وما رافق المحاولة من هجوم على الرجل من بعض الإسلاميين، والذين أولا نسوا أن مشكلة رئيسة من مشكلاتنا معشر العرب هي العزوف عن القراءة فليت كل الناس يقرءون للأسواني أو غيره؛ وثانيا غاب عن هؤلاء أن الرواية عالجت أوضاع المصريين لا سيما المغتربين وفضحت النظام الحاكم وممارساته، حتى وإن احتوت على ما قد يعتبر خادشا للحياء، فهو خدش لا يذكر أمام ما تبثه فضائيات الرقص والطرب، التي لم تـفضح أنظمة ولم تزرع الوعي في عقول الناس، وكذا روايته الأشهر «عمارة يعقوبيان» التي دخلت على كل طبقات المجتمع المصري وفضحت أجهزة أمن نظام المخلوع وجرائمها بحق الشعب المصري، وكشفت جوانب التآمر الذي اعتاش منه الحزب المنحل، والله لقد كان حريّا بالإسلاميين اعتبار هذه الأعمال الروائية وغيرها مراجع وحجج في مواجهتهم للطاغوت.
على أية حال فإن الدكتور الروائي علاء الأسواني كان صريحا بعد ظهور النتيجة التي احتل فيها أحمد شفيق المرتبة الثانية فقال:«لنتحد،الإخوان فصيل لا ينفصل عن الوطن وشفيق سيفصل الجميع عن الوطن.. واجبنا في حماية الثورة يفرض علينا عمل جبهة وطنية واسعة لكي ندعم الإخوان ضد نظام مبارك الفاسد الدموي، ويجب تكوين فريق رئاسي مع مرسى وأخذ ضمانات على الإخوان واضحة وملزمة ثم خوض المعركة لمنع عودة نظام مبارك للحكم... فلنتحد جميعا ليبراليين وإسلاميين من أجل إسقاط شفيق تابع مبارك الملطخة يداه بدماء الشهداء.. إما أن نتحد أو تضيع الثورة منا».
وموقف الإعلامي يسري فودة الذي قال صراحة أن الخلاف مع الإخوان ومرسي سياسي بينما يوجد بين المصريين ومبارك دماء...وموقف الصحافي وائل الأبراشي والصحافي بلال فضل وغيرهم التي لا بد من تثمينها والاعتزاز بوطنية أصحابها...وهذه المواقف تعيدنا إلى مسألة قديمة جديدة وهي علاقة المثـقفين والأدباء والمفكرين بالإسلاميين؛ فهي أحيانا دافئة يسودها التعاون والتفاهم، وفي أحيان أخرى يشوبها الشك المتبادل والاتهام والتوجس، فوجب تـقديم الحالة الأولى على الثانية من ناحية، ووجب على الإسلاميين بحكم حجمهم وتأثيرهم أن يتسع صدرهم لهؤلاء وأن يتغاضوا عن نـقاط الخلاف، فيما وجب على المثقفين والأدباء عدم النظر من زاوية واحدة إلى الإسلاميين قائمة على الخوف من مشروعهم وبرنامجهم، ولعل نتيجة الانتخابات المصرية قد حققت فعلا هذا الهدف أو الأمنية.

(3)أفاق الثوار

وبشتى مشارب الثوار الفكرية رأينا وسنرى في قادم الأيام بمشيئة الله صحوة واستفاقة في صفوفهم، ووعي كامل لما ينتظرهم في حال تمكن فلول النظام البائد من العودة إلى الحكم، وقد أدركوا أن خلافاتهم مع بعضهم وما صاحبها من حملات تشكيك واتهام كانت سببا في تمكن الفلول من التجمع والحشد والاستعداد للانقضاض عليهم، وقد أدرك الثائر الإسلامي والليبرالي والاشتراكي والقومي والمستقل أنه لا بد من العمل سويا والتنسيق المستمر لقطع الطريق على الثورة المضادة.
فلا داعي ولا مبرر للخوف واليأس؛ فمصر الكنانة محال أن تخذل الشهداء وأهلهم وزملاءهم، وحركة التاريخ تـقول بأن العودة إلى الوراء في بلاد النيل تعاكس مجرى هذا النهر العظيم...استفاق الثوار جميعا والصحوة جددت دماءهم وحيويتهم وأدركوا أن فرقتهم معناها خسارتهم ثم استئصالهم وعودة أمن الدولة لهتك أعراضهم، وربما وجب تـقديم الشكر لشفيق لأنه لولاه لما رأينا مثل هذه الصحوة السريعة لثورة ما زالت جذوتها مشتعلة...حمى الله مصر من كل شر وسوء.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
الأحد 6 رجب-1433هـ ، 27/5/2012م
من قلم:سري سمور(أبو نصر الدين)-جنين-أم الشوف/حيفا-فلسطين

ليست هناك تعليقات: