10 يناير 2013

اللاجئون الفلسطينيون: بين حق العودة ومأزق التعويض - بقلم عادل سمارة


توطئة: 
"قدمت هذه الورقة، قبل الإضافات الحالية إلى مؤتمر اللاجئين الأول في بيت لحم يوم 3 تموز 1996، ونشرت في مجلة رؤية أخرى، العدد 6 السنة 4، آب 1996 ص ص 3-8). ونعيد نشرها مع بعض الإضافات في أعقاب قرار الكونجرس الأميركي مؤخراً إثارة ما تسمى قضية "اليهود العرب في إسرائيل".
تبنى الكونجرس الأميركي في شهر آذار من هذا العام 2008 قراراً غير ملزم للإدارة الأميركية طالب باعتبار اليهود الذين هاجروا من البلدان العربية واستوطنوا فلسطين، لاجئين مطرودين من بلدانهم. أما والقرار غير ملزم، فهذا لا يقلل قط من خطورته، وهي خطورة لا تكمن في احتمال تحويله إلى قرار ملزم! بل إن خطورته كامنة في طبيعة الطبقة الحاكمة في الولايات المتحدة، وقيامها باختلاق متواصل لمبررات عدوان على الأمة العربية عامة وعلى الشعب الفلسطيني خاصة. وهذا يعني أن الحرب الأميركية على الأمة العربية هي حرب دائمة.
 ليست هذه المرة الأولى التي تثار فيها مسألة استيطان اليهود/العرب في فلسطين[1]. وهي إثارة لها علاقة قوية بهزيمة خطاب الهزيمة الذي طرحته الأنظمة العربية المهزومة في حرب 1967، (سواء المهزومة في المشاركة في الرد على العدوان الصهيوني أو المهزومة لأنها لم تشارك في الدفاع القومي عن قطر عربي). وهو نفسه خطاب الهزيمة الذي تبنته م. ت. ف أي إزالة آثار عدوان 1967 في موقف إسقاطي لحقالعودة. لقد أدى إصرار اللاجئين الفلسطينيين والذاكرة الجمعية العربية على حق العودةإلى عودة مشكلة احتلال 1948 إلى الواجهة، وهو امر يقلق الكيان الصهيوني قلقاً وجودياً، ويجعل من مختلف اتفاقات التسوية مجرد بازار تنازلاتي رسمي عربياً وفلسطينياً.
 قبيل مؤتمر انابوليس الذي عقد في أواخر عام 2007 تنادت جماعة من اليهود اطلقت على نفسها "العدالة لليهود في الدول العربية"، وهي منظمة تشكلت قبل خمس سنوات، تزعم ان هناك 850 ألف يهودي غادروا بيوتهم في دول عربية بعد إعلان دولة إسرائيل عام 1948.
وقال ستانلي أورمان، مدير الجماعة، ان هذه الجماعة اعادت انتاج نسخ من مسودة قانون اعدته الجامعة العربية عام 1947 دعت فيه إلى اتخاذ إجراءات ضد اليهود الذين يعيشون في دول عربية، وتمتد الإقتراحات من السجن ومصادرة الممتلكات إلى التجنيد القسري في الجيوش العربية والضرب والتحريض على العنف والمذابح. وكانت مسودة الجامعة العربية قد أعدت ردا على التصويت الذي جرى في الجمعية العامة لتقسيم فلسطين...واستشهدت المنظمة بأرقام من الأمم المتحدة تظهر أن 856 ألف مواطن يهودي غادروا الدول العربية[2] عام 1948 (القدس 7-11-2007). ورغم أن أورين كوتلر وزير العدل الكندي وهو متحدث رئيسي باسم هذه المنظمة، رغم أنه لم يطالب بشطبحق العودة مقابل عدم عودة يهود الوطن العربي، فإن هذا لا يعني انه هو أو غيره لن يفعلا ذات يوم!.
 في هذا السياق، كنت كتبت مقالة عام 1996، تناولت فيها احتمال قيام الصهاينة (يهودا و/أو أميركيين، وربما عرباً كذلك) بإثارة هذه المسألة كآلية لتقويض حق العودة، أو عرقلته على الأقل.
ما يلي هو نص المقال:
هناك مقدمات ثلاث أساسية لا يمكن لفكرة التعويض أن تستقيم بدون التعريج عليها، وهي:
1- فك الارتباط القومي بين القضية الفلسطينية والعمق العربي يعود هذا الفك الى حقبة تاريخية تمتد (على الأقل) الى العقود الثلاثة الماضية. فقد شهدت هذه الفترة تراجع المد القومي على صعيد الوطن العربي بأسره، مما فتح الطريق أمام نشاط الأيديولوجيات السياسية الإقليمية (القطرية)، والنزعات الطائفية في الوطن العربي. إن غياب الدور المركزي لمصر بعد الناصرية، باعتبارها الدولة العربية المركزية هو الذي جعل من الممكن للقوى الإقليمية/القطرية القيام بما تقوم به حالياً. أما على الصعيد الفلسطيني، فقد نقلت وحصرت العلاقة القومية الشعبية العربية من القضية الفلسطينية الى مستوى العلاقة الرسمية بين قيادة المنظمة وبين الأنظمة العربية الرسمية، وبالتالي جرى التحييد التدريجي للشعب العربي لتحل الأنظمة محله. وإذا وضعنا بالاعتبار طبيعة هذه الأنظمة العربية ما بعد 1967، والتي هي إما أنظمة هزمت في المعركة القومية مع المشروع الامبريالي الصهيوني والكمبرادوري العربي، وأما أنظمة تشكل جزءاً من وأداة للمشروع الإمبريالي الصهيوني نفسه، فان حلول تحالف البرجوازيات الرسمية التابعة من القضية الفلسطينية محل الموقف القومي الشعبي العربي، قد فك حقيقة هذه القضية عن عمقها القومي.
ترافق مع هذا بالطبع تراجع في طبيعة العلاقة بين القوى السياسية الفلسطينية والقوى السياسية العربية حيث حلت العلاقات البرجوازية الرسمية محل العلاقات الحزبية الكفاحية على نطاق قومي.
وقد استكمل هذا التوجه، بقدرة الإمبريالية والرأسمالية التابعة في مصر على إخراج مصر من الصف القومي العربي في النضال من أجل تحرير فلسطين، وتوريط مصر في صفقة تسوية منفردة مع إسرائيل كتمهيد لتوريط فلسطين ذاتها في هذا الحل، وهو ما حصل باتفاق أوسلو.
2- حصول عملية التسوية نفسها وقيام الفلسطينيين بذلك منفردين.
بمرور السنوات تكشَّف للشرائح الرأسمالية الفلسطينية الثلاث، التي شاركت أخيراً في التسوية أنها ليست الحاملة المناسبة أو القادرة على تحرير فلسطين. وهذه الشرائح هي:-
-الرأسمالية المحلية المرتبطة باقتصاد الاحتلال على شكل تعاقدات من الباطن، والتي تولدت وكبرت ضمن هذا الدور[3].
-الرأسمالية الفلسطينية المالية في الشتات، والتي كانت ولا تزال تهدف الى الحصول على مناخ وموقع آمن لتهيمن عليه اقتصادياً متشبهة في هذا بالرأسمالية اليهودية التي بدأت مبكراً في فلسطين[4].
-الراسمالية البروقراطية ممثلة في قيادة المنظمة (الجناح اليميني اساساً) والمتحالفين معه (مباشرة أو لا مباشرة على اشكال فردية في الغالب9 من قيادات اليسار).
ولا ننسى الإشارة الى وجود فرقتين من المثقفين الفلسطينيين يساريين سابقاً، ومن المثقفين والأكاديميين ذوي الاتجاهات الغربية، حيث دعم هؤلاء التسوية ولا يزالون عبر المفاوضات، أو إقامة مؤسسات ممولة من الغرب لمأسسة التسوية نفسها تحت أغطية علمية وبحثية.
وكلما أمعنت الرأسمالية الفلسطينية أكثر في مشروعها الإقليمي أدركت عجزها عن انجاز مشروع التحرير، وبالتالي فإنها تولد قوة دفع إضافية لمشروعها القطري مبدعة الكثير من الشعارات الغوغائية من طراز السلطة الفلسطينية في كل شبر يتم تحريره، والقرار الفلسطيني المستقل، أما المآل الطبيعي لمسيرة هذه الشرائح الثلاث، فكان وصولها الى القبول بتسوية مدريد- أوسلو كبديل عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني فيالعودة أساسا وتقرير المصير. ولعل اكبر خسارة حاقت بالقضية الفلسطينية جراء هذه التسوية هي كونها، أي التسوية، تشطب الوطن الفلسطيني وتحول قضيته القومية الى قضية لاجئين يحصل البعض منهم على حق العودة كمنحة من إسرائيل وليس كحق لهم.
3-وقف وكالة الغوث عن دورها المتعلق باللاجئين الفلسطينيين
صحيح ان وكالة الغوث هي مؤسسة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين. ولكن في وضعنا الفلسطيني تحديداً، فان هذه الوكالة مرغمة على ما تقوم به، لأن كافة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة هي التي عجزت عن فرض قراراتها على إسرائيل بتنفيذها. وهنا، لا بد من التفريق بين الموقف الثوري المنادي بعدم الاعتماد المعيشي على بطاقة التموين، وبين حقنا في ذلك لأنه دليل أساسي على إن الحق المستلب لم تجر استعادته.
بهذا المعنى، فان وجود وكالة الغوث هو تأشير واضح على أن هناك حقاً قومياً سياسياً لا يُلغى بإعادة عشرات اللاجئين في هذه المناسبة أو تلك وهي إعادة قاصرة تبدو في نظر العالم وكأنها منة إسرائيلية على شعبنا.
كما يرتبط وجود وكالة الغوث بعدم وجود سيادة على الأرض للشعب الفلسطيني. وعليه، فان الوضعية المميعة للحكم الذاتي هي وضعية خادعة، حيث يمكن ان يستنتج البعض بموجبها أنها سيادة للفلسطينيين، وبالتالي، فان الفلسطينيين قد استعادوا حقوقهم مما يجعل وجود وكالة الغوث غير مبرر.
وصولاً الى إنهاء دور وكالة الغوث هذا، كان لا بد من مقدمات مثل التحويل الخبيث لوكالة الغوث الى مؤسسة "تنمية" وذلك ليس الى جانب الاستمرار في تقديم الخدمات المفترضة للاجئين، والتي هي على أي حال في تلاشٍ مستمر، وإنما لتحل محل هذه الخدمات. أي أن في هذا مناخاً للهروب من الالتزام بقضية اللاجئين كقضية قومية سياسية عبر التخلي عن الإغاثة، ولبوس رداء أكثر بريقاً، هو التنمية.
في الفترة التي كانت تعاني فيها ميزانية وكالة الغوث من عجز كبير في ميزانية الإغاثة ( مثلاً عام 1992، والمقدر بـ 100 مليون دولار، وقيام سكرتيرها العام السيد إلتر تركمان بالاستغاثة بالدول العربية النفطية لتقديم المساعدات للوكالة، في عملها الاغاثي) كان نفس الرجل يدفع الأمور باتجاه إقامة ما تسمى بالمشاريع المدرة للدخل للاجئين الفلسطينيين في المناطق المحتلة
والأردن ولبنان وسوريا. وقد تم هذا بدعم من ما تسمى بالدول المانحة التي هي في الحقيقة نفس الدول الامبريالية التي صاغت التسوية. وعليه قفزت ميزانية هذه المشاريع من 25 مليون دولار عام 1992 الى قرابة 100 مليون دولار عام 1993 ضمن ما اسمي برنامج تطبيق السلام الذي بدأ بعد أوسلو عام 1993.
الى جانب الدول المانحة، يقف البنك الدولي والذي خصص لوكالة الغوث 240 مليون دولار من أصل 1044 مليون دولار لكي تنفقها في مشروعها "تطبيق السلام"[5].
كما خصص للمرحلة الثانية من " برنامج تطبيق السلام" أي في عام 1994 مبلغ 311 مليون دينار. وهذه بالتنسيق مع إدارات السلطة الفلسطينية ذات العلاقة. وهنا نجد أنه إلى جانب الدول المانحة ووكالة الغوث والبنك الدولي، تدخل السلطة الفلسطينية لتصبح أحد مكونات الصورة التي نتيجتها الأخيرة هي حل القضية على أساس أنها قضية لاجئين وليس على أساس الحق الثابت والتاريخي للشعب الفلسطيني. ومن هنا أصبح من المحتمل أن يجري تسليم مهمات الأونروا إلى السلطة. وبالطبع تعمل الولايات المتحدة على قدم وساق لتقويض دور الاونروا ونقل قضية اللاجئين من الأمم المتحدة إلى المفاوضات الثنائية الفلسطينية – الإسرائيلية، لأن هذا هو المرتكز الأساس لتحويل قضية الشعب إلى مجرد تعويضات حتى ضمن المفاوضات وليس ضمن نطاق يشمل كافة اللاجئين، لذا تدور في أروقة الأمم المتحدة مؤامرة بقيادة أمريكا (لاحظ أمريكا) راعية مشروع التسوية، من أجل إيقاف عمل الأونروا. 
"صوتت اللجنة السياسية وإنهاء الاستعمار التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الخميس على قرار يدعو إلى تمديد ولاية وكالة الغوث لمدة ثلاث سنوات أخرى على الرغم من معارضة الولايات المتحدة لصيغة مشروع القرار الخاص بها[6]". 
لاحظ أن مجرد التمديد يعني عدم ربط وجود الوكالة بحل القضية الفلسطينية وبالتالي فإن التمديد يعني إمكانية إنهاء خدماتها بمعزل عن حل القضية نفسها.
 "وعلم من مصادر دبلوماسية مطلعة أن الولايات المتحدة طلبت من بعثة فلسطين المراقبة لدى الأمم المتحدة أن لا يتضمن مشروع القرار أي فقرة تشير إلى قرار الأمم المتحدة رقم 194 الخاص بعودة اللاجئين الفلسطينيين أو منح من لا يريد العودة إلى فلسطين تعويضات والاكتفاء بالفقرة 10 التي تدعو إلى تمديد ولاية الأونروا حتى 30 حزيران 1999، وإلغاء الفقرة التي تقول بأن الجمعية العمومية تلاحظ مع الأسف أنه لم تتم بعد إعادة اللاجئين إلى ديارهم أو تعويضهم على النحو المنصوص عليه في الفقرة 11 من قرار الجمعية العمومية رقم 194[7]"
نلاحظ مما تقدم أن الولايات المتحدة تعمل حتى على تضييع حق التعويض. وإذا ربطنا هذا الأمر مع دور الولايات المتحدة الأساسي في التسوية وقدرتها على إرغام السلطة الفلسطينية على أمور عديدة، فإن هناك خطراً حقيقياً بأن تحول أمريكا حتى دون مناقشةحق التعويض (انظر لاحقا). 
"وبررت الولايات المتحدة موقفها بأنها لا يمكن أن تصوت لصالح قرار يدعو إلى عودة اللاجئين الذي هو موضوع مطروح للمفاوضات الثنائية بين سلطة الحكم الذاتي وإسرائيل في المرحلة النهائية، إلى جانب الاكتفاء بإزالة الفقرة التي تشير إلى القرار 194 فإن الحكومة الأمريكية تستطيع تمريره في الكونغرس للحصول على المساعدات المالية المقررة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين[8]".
وهكذا فإن أمريكا تكون من جهة قد نجحت في حصر موضوع اللاجئين كبند صغير في المفاوضات الثنائية لا يتعدى حجمه حجم قضية بيت الشرق في القدس ومن جهة ثانية فإنها لكي تقدم بعض السيولة المالية لوكالة الغوث المأزومة، فإنها تستغل الحاجة لهذا المبلغ التافه لاستبداله بإلغاء نقاش موضوع حق العودة وحتى التعويض.
"ومن المعروف أن الولايات المتحدة قد دأبت منذ العام 1950 ليس على تكرار التصويت لصالح قرار تمديد ولاية وكالة الغوث ولكن بتولي تقديم مشروع القرار الذي يتضمن الإشارة إلى القرار 194 إلى أن توقفت عن ذلك منذ التوقيع على اتفاق أوسلو في أيلول 1993 بحجة أن موضوع اللاجئين أصبح موضوعاً ثنائياً بين سلطة الحكم الذاتي وإسرائيل[9]".
في مبدأ التعويض:
ان الحق الأساسي للشعب الفلسطيني هو في العودة إلى وطنه. أما التعويض فهو حالة استثنائية تشكل خياراً لمن لا يريد (نظرا لظروفه) الخاصة أن يعود إلى وطنه. كما أنالتعويض لا يمكن طرحه مقابل وطن، مقابل قضية شعب برمتها. بل يمكن طرح التعويضعن حالات محدودة من الأضرار إلا أن الأمر أبعد من هذا.
فطالما انحطت القضية إلى قضية لاجئين يصبح التعويض تطوراً طبيعياً لها. وهذا يعني أن الحق الثابت والتاريخي للشعب قد تفتت إلى شظايا صغيرة طبقاً للأفراد، فحل الحق الفردي محل الحق القومي، تماماً كما تحول الوطن من وطن بالمفهوم العام والشامل إلى بضعة دونمات تجري محاولات للحفاظ عليها من هذا الطريق الالتفافي أو ذاك، وكما تحولت السيادة من سيادة على الوطن إلى الحفاظ على بيت في القدس (بيت الشرق) أو بضعة بيوت في الخليل. على أية حال، ليس هذا هو ما يهم الفرد الذي يحلم بالحصول على مبلغ من المال قد يقدره ببضعة آلاف الدولارات أو بضعة ملايين، كل حسب ما يعتقد أنه هو أو أبويه كانا يملكان في فلسطين، ولكن هذا الحلم الذي يبدو مشروعا في نظر البعض بناء على القول التالي: طالما أن القضية قد جرت تصفيتها، فلماذا لا أكسب على الأقل حقي الفردي على أساس الملكية الخاصة الموروثة لي!. قد يبدو هذا مستساغاً من قبل البعض في ظروف استدخال الهزيمة. ولا يبدو أنه بدون وضعية الاستنهاض يمكن لأفراد من هذا الطراز أن يستمعوا لدعوات الصمود واعتبار القضية الوطنية والقومية فوق مكاسب صغيرة محدودة. ولكن هناك مخاطر حقيقية وجادة تحف بمسألة التعويض، حتى لو كانت هذه المسألة قيد الاحتمال أمام الرفض الأمريكي القاطع لها. ولكن هناك مخاطر حقيقية وجادة تحف بمسألة التعويض على أكثر من صعيد (السلطة الفلسطينية، والأنظمة العربية، واسرائيل).
مخاطر التعويض على صعيد السلطة الفلسطينية:
إن السلطة الفلسطينية هي وليدة مناخ التسوية. وعليه، فإن تحديد طبيعة هذه السلطة وتوجهاتها وسياساتها لابد أن يستند لمناخ الولادة وليس إلى ما يقوم عليه تقييم سلطة ولدت على أرض وطنها وفي ظروف عادية وطبيعية سواء كانت هذه السلطة في بلد موهوب ثرواتيا أو بلد فقير. تعني شروط التسوية أن تكون السلطة الفلسطينية إحدى آليات تحويل القضية القومية إلى قضية لاجئين. وإذا ربطنا هذا الأمر مع قرار أمريكا بتصغير قضية اللاجئين إلى بند في المفاوضات الثنائية، وتأثير أمريكا على السلطة الفلسطينية، وفقر هذه السلطة للموارد، مع عدم قيام الدول المانحة بتقديم مساعدات لهذه السلطة ذات طابع "استثماري تنموي إنتاجي"، بل مساعدات تورطها في مديونية كبيرة، وذلك بهدف جعل هذه السلطة عاجزة على مستويين: الأول، العجز عن تمويل نفقات الاستهلاك الجاري لهذه السلطة. الثاني، العجز عن تسديد أقساط وخدمات الديون، فإن النتيجة ستكون قيام السلطة بتقديم خدمات سياسية وقومية للدائنين الذين هم في الأساس حلفاء إسرائيل، ولابد أن تكون قضية اللاجئين في قمة أجندة هذه التنازلات.
طبقاً لآخر أرقام متوفرة، فإن مديونية السلطة الفلسطينية قد وصلت إلى 760 مليون دولار[10]. ولو افترضنا فائدة بمقدار 10 بالمائة، فإن هذا المبلغ سوف يتضاعف في عشر سنوات، هذا إذا لم تستدن السلطة الفلسطينية أية مبالغ أخرى. لنلاحظ إذن، أن الدين أصبح ثلاثة أرباع مليار دولار في ثلاث سنوات (أي حتى عام 1996) ، وهذا أمر لا يبقي قيمة لإدعاء البعض بأن من مميزات السلطة الفلسطينية أنها بدأت بدون مديونية. فها هي تقفز إلى رقم قياسي أي بعد سنوات ثلاث من عمرها وعلى ضوء كونها فقيرة الموارد، فلماذا كل هذه الجرأة على الاستدانة من جهة، ولماذا تقرر الدول المانحة تسليفها رغم أن هذه الدول تتحفظ جداً على تسليف البلدان الفقيرة أو غير ذات القدرة على السداد؟
يمكننا القول إذن أن العوامل المدرجة أعلاه سوف تشجع السلطة الفلسطينية على القبول بمبدأ التعويض، لأنه إضافة إلى ما ذكر يحقق لها دخلاً يساعدها على الخروج من مأزقها الاقتصادي[11]، وحتى لو ترددت السلطة في قبول مشروع التعويض، فإن الدول المانحة ومعها البنك الدولي سوف تلوح لها بإيقاف المساعدات لكي تلجأ إلى قبولالتعويض[12]. لكن الأمر لا يقف عند هذا السيناريو ببساطة. فهنا سوف تقوم المشكلةبين السلطة وبين المواطن نفسه، وتحديداً اللاجئ. ويمكن أن تحاول السلطة وضع يدها على أموال التعويض (إن توفرت، انظر لاحقا) بحجة أنها سلطة وليدة، وأنها تقدم خدمات لعامة الشعب وبالتالي فإن للحق العام أولوية على الحق الخاص. كما يمكنها القول، إن معظم اللاجئين قد تمأسست أوضاعهم، وبالتالي فإنهم ليسوا بحاجة لأموال التعويض هذه وأن السلطة سوف تقيم صناعات وتقدم تحسينات في البنية التحتية لعامة الشعب. وربما يذهب جزء قليل من التعويضات إلى الأفراد. وهذا مختلف طبعاً عن كيفية تصريف أموال تعويضات ألمانيا لضحايا النازية حيث قسمت هذه إلى مستويين عام وخاص.
مخاطر التعويض على صعيد الأنظمة العربية:
على هامش عملية التسوية تكونت لجان للتفاوض حول اللاجئين. لاحظ بالطبع، ليس حول حق العودة وعليه فقد تكونت هذه اللجان من ممثلين عن عدة أطراف هي السلطة الفلسطينية والأردن ومصر وإسرائيل. وإذا كان معروفاً أن ممثلي السلطة الفلسطينية يتحدثون باسم اللاجئين الفلسطينيين، وأن ممثلي إسرائيل يمثلون إسرائيل التي اغتصبت الوطن، فما معنى وجود لجنة أردنية وأخرى مصرية، إذا كان المقصود هو تواجد اللاجئين الفلسطينيين على أراضي تلك الدول، فإن من حق معظم دول العالم أن تكون مشاركة نظراً لوجود لاجئين فلسطينيين فيها. 
بدورها، فإن الحكومة الأردنية قد أعلنت مؤخراً أنها تطالب بتعويضات عن "ما قدمته" للاجئين الفلسطينيين تقدر ببضع عشرات مليارات الدولارات. وبغض النظر عن الطريقة التي حسبت بها السلطات الأردنية تلكم المبالغ، فإن هذا يعني أن هناك شركاء للاجئين في تعويضاتهم حتى من خارج السلطة الفلسطينية نفسها. وهنا، يدخل العمق القومي مرة ثانية ولكن في غير صالح النظام الأردني. فالنظام الذي أدعى استضافة اللاجئين الفلسطينيين بناء على روابط قومية، عاد اليوم ليطالب بتعويضات عن ذلك، ولاشك أن هذه التعويضات مطلوب اقتطاعها من تعويضات اللاجئين المتوقعة وليس من إسرائيل التي طردتهم من أرضهم.
وأما السؤال فهو: هل هناك حقوق لأي بلد استضاف اللاجئين الفلسطينيين ولاسيما الأردن؟ فالأردن هو البلد العربي الوحيد الذي جرد الفلسطينيين من هويتهم الوطنية وجعل منهم مواطنين أردنيين بغض النظر عن درجة المواطنة. وهو بهذا قد فقد حق إدعاء الاستضافة، فالبلد لا يستضيف مواطنيه. لقد نزح الفلسطينيون إلى شرقي فلسطين وإلى شرقي الأردن ليس كلاجئين (عالة على بلد)، وإنما وهذا الأساس كقوة عمل بأقل حد من الأجرة. ولذا فقد خضعت قوة العمل هذه لاستغلال بشع للغاية من قبل كبار ملاك الأراضي من العائلات الفلسطينية والأردنية التي كانت تحظى بدعم من السلطة الأردنية، حيث شغلتها في إعمار الأراضي وزراعتها في ظروف أشبه ما تكون بقنانة الأرض في أوائل المرحلة الإقطاعية. وبالتالي، فقد كان هؤلاء اللاجئون عبارة عن قوة عمل أجيرة في مختلف قطاعات الاقتصاد الأردني، سواء الخدمات أو الصناعة أو الزراعة أو الإنشاءات أو الجيش، الخ. أما التموين الذي كانوا يحصلون عليه من الأونروا، فكان هو التعويض الذي يجعل من الممكن لصاحب العمل الأردني أن يشغل الفلسطيني بأجرة أقل لا تكفيه حد الكفاف، ولكن هذا الحد يجري تعويضه من ما تقدمه الوكالة. إلا أن الخطورة لا تكمن في حاجة النظام الأردني في هذا الصدد، وإنما تكمن في استعداد إسرائيل والدول التي "تهندس" عملية التسوية (ولاسيما أمريكا) لتسهيل المطالب الأردنية كمكافأة للنظام هناك على دوره في التسوية. وبالتالي، فإن من سيحصل على تعويض في هذا الوضع ليساللاجئون. أما إذا ادعى الأردن أن اللاجئين الفلسطينيين الموجودين على أراضيه سواء من 1948 أو 1967 أو 1990 إثر حرب الخليج هم عبارة عن مواطنين أردنيين، وإن كانوا من أصل فلسطيني، فإنه سوف يشاركهم في الحصول على حصة من التعويضات (إن حصلت) كما ستشارك السلطة الفلسطينية اللاجئين الموجودين في الضفة والقطاع. تجدر الإشارة إلى أن ما كانت تنفقه وكالة الغوث على اللاجئين في الضفتين الغربية والشرقية كان يشكل مصدراً من مصادر الدخل القومي في الأردن، وليس بالتالي عبئاً على الأردن.
مخاطر التعويض على صعيد السلطة الإسرائيلية:
إلا أن الخطر الأكبر في موضوعة التعويضات هو الكامن في دور السلطة الإسرائيلية التي سوف تحاول التهرب من مبدأ التعويض نفسه. ولاشك أن إسرائيل لن تعدم الحجج لدعم موقفها. فهي سوف تنطلق من ما يمكننا أن نسميه "مسلّمات التسوية"، مثل الادعاء أن هذه أرض إسرائيل، وأنها إذا ما قبلت بتعويض بعض اللاجئين، فذلك كحالات فردية، أو إعادة البعض ضمن عملية جمع الشمل التي هي حالات محدودة، أي أن هناك أفراداً أو في أحسن الأحوال مجموعات غير يهودية أو إسرائيلية عملت في هذه الأرض وامتلكت ممتلكات وأنه يمكن تقديم تعويضات لها. كما يمكن أن تدعي أنها تقدم التعويضات لدوافع إنسانية أو حقوقية فردية وحسب. المهم أنها سوف تنكر الحق القومي. وعلى أية حال فإن إسرائيل لا تستثني موضوع التعويضات كلياً كأحد الاحتمالات، وإن كانت تصوغه كما ترى، فطبقاً لأقوال وزير القضاء الإسرائيلي السابق فإن إسرائيل قد رصدت 13 مليار دولار لتدفعها كتعويضات للفلسطينيين، أما مدير مخابراتها السابق يهوشع ساجي، فقد قدر ما يمكن دفعه لكل أسرة فلسطينية بـ 10 آلاف دولار.
ولكن حتى في الحالات الفردية، أو الجماعية التي ستقام على أساس أنهم لاجئون وليسوا شعباً له قضيته السياسية القومية، فإن إسرائيل سوف تقوم بطرح قضية اليهود – العرب في مقابل العرب الفلسطينيين [13]. أي أنها سوف تعارض حالة تشتيت الشعب الفلسطيني التي قامت بها في مواجهة "عملية تجميع اليهود العرب" التي قامت بها الأنظمة العربية لصالح إسرائيل. وهنا تدخل الاعتبارات العددية والمهنية في الحساب. وإذا كان لنا أن نعتمد الإحصاءات الإسرائيلية، فإن عدد اليهود القادمين للاستيطان في فلسطين (والمولودين لهؤلاء) من عدد من البلدان العربية هو على النحو التالي (بالآلاف): المغرب 285.5، اليمن 158.9،
والعراق 508.8، والجزائر وتونس 126.8، وليبيا 75.2 ، ومصر 63.5. ويبلغ المجموع الكلي لهؤلاء 1.231.900 شخص. هذا دون أن نضيف من هاجروا من باقي البلدان العربية، ناهيك عن الإسلامية. دعنا نقول أن عدد المهاجرين من البلدان العربية يقارب مليون ونصف المليون شخص[14].
وهكذا، فإنه في أكثر محاولات تقييم حقوق اللاجئين الفلسطينيين عدالة، فإن إسرائيل سوف تضع هذا العدد من اليهود في مقابل اللاجئين الفلسطينيين الموجودين في الخارج والذين يفترض أن عددهم هو ثلاثة ملايين لاجئ على الأقل. وبهذا تعتبر إسرائيل أن المستوطنين اليهود القادمين من البلدان العربية قد طردوا من هناك وجردوا من أملاكهم. وهنا يخضع الأمر لأشكال متعددة من التقديرات والحسابات والتي يمكن لإسرائيل استخدام معايير رأسمالية دولية تكون عملياً لصالحها مما يفقد الفلسطينيين الكثير من الحقوق. فمثلاً: يمكن لإسرائيل الادعاء أن اليهود في البلدان العربية كانوا في الغالب مهنيين وفنيين وتجاراً، الخ. وبالتالي فإن الاستثمار الاجتماعي المنفق على الفرد منهم أعلى بكثير من ذلك المنفق على فلاح فلسطيني. كما أن بإمكانها الادعاء أن محلا تجارياً في بغداد يساوي مئات أضعاف دونم أرض في النقب، الخ.
وباختصار، فإن إسرائيل سوف تعمل على تبيان أن عدد المستوطنين اليهود القادمين من البلدان العربية وممتلكاتهم وخسائر إنتاجيتهم كمهنيين وفنيين تتساوى، إذا لم تزد عن حقوق الفلسطينيين الأفراد في فلسطين (حتى لو كان ضعف عدد اليهود). أي طالما أن المسألة لن توضع على أرضية حساب مختلف هو اغتصاب وطن شعب بأكمله. وطالما أن المسألة هي مسألة لاجئين، أي أفراد ومجموعات وليس شعباً ووطناً، فإن بوسع إسرائيل (ولاسيما بعد الاعتراف بها) أن تطالب العرب بتعويضات لها عن الحروب التي دارت بينها وبين العرب، حيث أنها سوف تعتبر هذه الحروب اعتداءات عربية عليها، وأنها كانت تحارب دفاعاً عن النفس[15]. ويكفي أن نشير إلى أن تقديرات إسرائيل لخسائرها جراء حرب أكتوبر 1973 وحدها هي أربعين بليون دولار، أو ما يعادل ميزانيتها لذلك العام. 
قد يقول البعض، إن حقوق اللاجئين الفلسطينيين مطلوبة من إسرائيل، بينما حقوق المستوطنين اليهود مطلوبة من البلدان العربية. وإذا كان لنا أن نوافق على هذا المنطق ، فإن بوسع إسرائيل والحالة هذه أن ترهن دفعها التعويضات إلى الفلسطينيين بدفع العرب تعويضات للمستوطنين اليهود، أو أن تحيل الفلسطينيين على العرب. كما يمكن لإسرائيل أن تثير أمراً آخر لصالحها وهو بيوعات الأراضي سواء البيوعات التي قام بها فلسطينيون، أو التزوير والاحتيال الذي نجحت فيه خلال فترة الاحتلال، ولعل أحد المراجع المهمة في هذا الشأن كتاب كينث شتاين الذي يحوي ثبتاً ببيوعات الأراضي في الفترة ما بين 1919-[16]1939، ويظل هذا صحيحاً إلى أن يُفنَّد من قبل باحثين عرب ومن قبل ورثة المتهمين بالبيع. على أن مسألة بيوعات وتزوير بيوعات الأراضي لا تقف عند الفترة المذكورة بل هي مستمرة حتى اللحظة. ولعل ما نخشاه، أن تكون فترة التسوية هي أكثر فترات بيع الأرض "نشاطاً" على اعتبار أن التسوية بما هي على هذا الحال تدفع اللاجئين دفعاً إلى استدخال الهزيمة. ومع أن موقف كاتب هذه الورقة هو موقف ضد موضوع التعويض من حيث المبدأ لأن القضية قضية وطن، وأما التعويض فهو لمن لا يريد العودة، إلا أن من قد يقوم بطرح هذا الأمر، والدخول في مفاوضات بشأنه، وطالما أنه غير مسلح بالموقف القومي الرافض لاستبدال الوطن بنقاش حول دونمات وأبنية، فإنه يجب أن يكون مسلحاً بدراسة علمية اقتصادية وإحصائية دقيقة لضمان حقوق ذلك العدد المحدود ممن لا يستطيعون العودة (مثلاً، اسر لم تعد موجودة). في هذا الصدد يمكن للمفاوض أن يطرح أموراً عدة منها[17]:
1.عدم الربط بين التعويض للفلسطينيين والتعويض لليهود المستوطنين من الوطن العربي، وأن يستبدله بحق العودة.
2.الإحصاء الدقيق للموجودات الفلسطينية.
3.تقدير الإنتاجية الضائعة لكل فلسطيني طرد من أرضه، وكل من أصبح من أبنائه في عمر العمل والمدة التي أعقبت وصوله إلى عمر العمل.
4.تقدير استثمار هذه الإنتاجية الضائعة ودورها في تطوير الاقتصاد والمجتمع الفلسطيني.
5.المداخيل التي حصلت عليها إسرائيل من استخدام الأرض والممتلكات.
6.مداخيل إسرائيل من السيطرة على الأماكن الدينية والسياحية كأماكن تمتاز بمنفعة مقارنة.
7.الحيف الاقتصادي والمعنوي والإنساني الذي أصاب كل لاجئ فلسطيني وأسرته النووية والممتدة منذ الطرد وحتى اللحظة، وتقدير ذلك رقمياً ليدخل في نطاق التعويض، وهنا يمكن أخذ مستوى الخدمات التي قدمتها إسرائيل للمستوطن اليهودي كمعيار للقياس عليه.
8.الحيف والإعاقة التي أصابت كل فلسطيني خلال الفترة منذ 1948 في المجال الدولي، حيث يمنع أو يعاق سفره نظراً لعدم وجود وثيقة سفر البتة أو عدم وجودها أصلاً.
9.مطالبة بريطانيا بالتعويض عن الخسائر التي أصابت الشعب الفلسطيني أثناء الاستعمار البريطاني لفلسطين وأثناء تقويضها للاقتصاد الفلسطيني وتدعيمها للاقتصاد اليهودي.
10. مطالبة الأمم المتحدة بتعويضات عن آثار عجزها عن تنفيذ قراراتها المتعلقة بفلسطين.
الخلاصة:
تدل مختلف المؤشرات التي عولجت في هذه الورقة على أن هناك مخاطر كبيرة وجدية تحيط بكل من حق العودة، وحتى تعويض اللاجئين الفلسطينيين. لا بل إن أي خلل في واحد منهما لابد أن يقود إلى خلل في الآخر، ولاشك أن هذه المخاطر يمكن أن تقود الكثيرين إما إلى المطالبة بالتعويض ضمن موقف عام (مع أن ما أشرنا إليه أعلاه سوف يفرغ هذا الحق من محتواه، ناهيك عن كونه خيانة قومية ووطنية )، أو إن البعض سوف يحاول الحصول على تعويض بطريقته "الخاصة" وهذا أكثر خطورة.
ما دلت عليه الوقائع، وبالتالي ما نعتقده بناء عليها أنه لا حق العودة ولا التعويض مطروح على أجندة أحد من أطراف التسوية. وعليه، يصبح المطلوب تحويل قضية اللاجئين الفلسطينيين برمتها إلى مؤتمر العودة الذي هو قيد التشكل للاجئين الفلسطينيين في مختلف بلدان العالم وأن يكون هذا المؤتمر وحده المخول ببحث قضية اللاجئين وعودتهم وعبر الأمم المتحدة وليس عبر المفاوضات الثنائية أو غير الثنائية مع إسرائيل.
تطورات خطيرة نوعياً
 منذ كتابة المقال أعلاه 1996 وحتى اليوم عصفت بالقضية الفلسطينية تطورات في منتهى الخطورة، ومن ضمنها زيادة التآمر الرسمي على حق العودة. فرغم حراجة تجربة أوسلو، وما حاق بالشعب الفلسطيني من مصادرة ارض ومجازر وزرع مستوطنات وغيرها، إلا ان المتمسكين بأوسلو ازدادوا تمسكاً. لا بل انخرط معظم الحركة الوطنية في الانتخابات الثانية وهو امر لا يمكن إخفاء أنه تماهٍ مع اوسلو. وأوسلو بلا مواربة لا ترقى عن المطالبة بتعويض " لِ –لاجئين"! لعل أحد أهم مؤشرات التطورات السلبية ان أميركا والغرب الراسمالي والعديد من أنظمة الكمبرادور العربي قد طالبت حركة حماس بوضوح بأن تعترف ب الكيان الصهيوني. وهذا بلا مواربة شطب لحق العودة. لم يكن هذا الشرط مطلوباً من اي مشارك في انتخابات الحكم الذاتي من قبل!
 لقد واصلت التسوية تدحرجها لتدخل فيها قطريات عربية مثل موريتانيا، ومحاولة اليمين الكمبرادوري في لبنان إدخال لبنان في التسوية لولا صمود الحركة الوطنية وخاصة حزب الله. كما أن معظم قطريات الخليج اقامت علاقات "فعلية- وإن- لا معلنة" مع الكيان الصهيوني. 
في زيارته لرام الله في نهايات عام 2007، تحدث الرئيس الأميركي بكل صلف أمام رئيس السلطة الفلسطينية بأن الأمم المتحدة قد خرجت من القضية الفلسطينية، وأن الأمر الآن بين الفلسطينيين والإسرائيليين برعاية أميركية. وليس هناك أخطر على اية قضية أن تُخرج من ايدي الأمم المتحدة –على هشاشة وضعها- لتوضع بيد الولايات المتحدة. وهذا مؤشر لا غبار عليه بأن الولايات المتحدة عازمة على شطب حق العودة.
 وعلى الأرض، تدخل السلطة الفلسطينية والدوائر المحيطة بها من أكاديميين وأنجزة وراسماليين في صفقات تطبيع تضع لنفسها أو توضع لها، او كليهما معاً، هدف شطب حقالعودة. على سبيل المثال، ومما هو معلن، فما بالك بالخفي والمخفي، هناك مجموعة يُطلق عليها "إكس" والإسم يشي بالدور كما يبدو. لها لجنتها التوجيهية المكونة من بروفيسور جلبيرت بن حيون، صائب بامية، سمير حزبون، رون باندك، التقت مع كوشنير في باريس، واطلعته على نتائج بحثها المتعلق بالقدس واللاجئين، والتعاون في المواصلات والكهرباء وبعض المشاكل الآنية، مثل العمالة والتجارة ووادي الأردن. يأتي هذا الاجتماع مع وزير الخارجية الفرنسي ضمن سلسلة اجتماعات تعقدها المجموعة مع صناع القرار الفلسطينيين والإسرائيليين خاصة. وتضم مجموعة من الخبراء المحليين والعالميين من مختلف التخصصات والمنظمات الدولية، ذات العلاقة بالقضايا االدولية وذات العلاقة بالقضايا الاقتصادية. كما ستستمر اللجنة التوجيهية في عقد اللقاءات المختلفة خاصة لاكتشاف متطلبات المرحلة المقبلة. (القدس 16-2-2008 ص 2)
 ما الذي سيخرج من هكذا لجنة مشتركة أميريكة صهيونية وتسووية فلسطينية فيما يخص حق العودة تحديداً؟ فاللجنة مستمرة في "عملها" بينما المجازر مستمرة في قطاع غزة والضفة الغربية. لا علاقة، برأي اللجنة، بين هذا وذاك! ما الذي ستقوله هكذا لجنة بشأن اللاجئين أكثر مما يقوله النظام الرسمي العربي: "حل متفق عليه". اي لا عودة.
في الجانب الراسمالي للتطبيع وخلق آليات لشطب حق العودة وإنْ من الأبواب المواربة، 
تقول صحيفة القدس: 
"أطلق أمس مجلس الأعمال الفلسطيني الإسرائيلي في الأردن على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي الذي يبدأ اعماله على شاطىء البحر الميت غربي المملكة. وقال منظمو المنتدى في بيان المنتدى الذي يضم نخبة من رجال الأعمال الفلسطينيين والإسرائيليين سيعمل على تعزيز العلاقات بين قطاعي الأعمال في فلسطين وإسرائيل ودعم الجهود الرامية إلى تحقيق السلام والوجود المشترك. واضاف البيان أن المجموعة الجديدة ستعمل على تشجيع القطاعين الاقتصاديين في المجتمعين الفلسطيني والإسرائيلي وعلى تطوير جدول أعمال يدعو الى العقلانية والحوار لدعم إعادة البناء والإصلاح الاقتصادي في المنطقة... وقال وليد النجاب الرئيس المشارك لمجلس الأعمال من الجانب الفلسطيني... نحن لسنا بصدد تقديم حلول سياسية
ولكننا نشكل مجموعة يمكنها ان تقدم توجها من شانه المساعدة في حل القضايا التي تؤثر على منطقتنا. وقال عاموس شابيرا الرئيس المشارك من الجانب الإسرائيلي : " اننا لا نتعامل مع القضايا السياسية ولا نحاول إيجاد حلول لها. والى جانب ادراكنا للماضي إلا اننا اكثر اهتماماً بالمستقبل" (القدس 19-5-2007).
 يبدو أن الرأسماليين لم يدركوا بعد أن استخفاف الأنظمة الحاكمة بالوعي الشعبي أصبح مفهوماً لمختلف المواطنين، وبالتالي، فإن ما يقومون به هو تطبيع اقتصادي ليشطب الكيانية السياسية للشعب الفلسطيني وخاصة حق العودة. فهل من يقيم مشروعات اقتصادية مع العدو المحتل يمكن أن يضحي بتدفق أرباحه لصالح عودة اللاجئين! وكما ذكرت القدس، شارك في المؤتمر ومجلس الأعمال المشترك عبد المالك جابر، وسمير حليلة ، ومنيب المصري وحسن ابو لبدة ووليد النجاب، وعودة شحادة...الخ. 
ولا حاجة بنا لتكرار ما قاله رأسماليون آخرون عن تشوقهم للتطبيع الاقتصادي مع العدو، أمثال طلال ناصر الدين، وعبد المالك جابر، وغيرهما، وما قاله نظراؤهم الصهاينة، لذا نحيل القارىء على ما نشرناه في مجلة كنعان الإلكترونية العدد 1227 في 26 تموز [18]2007.
 بقي أن نؤكد بأن ما أقره الكونجرس مؤخراً بالإجماع، لا يمكن رده، سواء فُعَّل أم لا، إلا بموقف شعبي عربي يرفض التسوية والتعويض، ويعيد الصراع ليقف على قدميه بدل راسه، اي ان الكيان الصهيوني لم يكن ليوجد دون خلقه على يد المركز الرأسمالي الغربي (أوروبيا وأميركيا)[19]، ولم يكن ليستمر لولا الأنظمة العربية التي وضعت مصالح الطبقات الحاكمة قطرياً فوق المصير القومي. لذا، فإن الحفاظ والتمسك بحق العودة يستلزم بلا مواربة نضالاً مزدوجاً ضد العاملين على تصفيته فلسطينيين وعرباً وصهاينة وغربيين وربما غيرهم. وهذا يعني استمرار باب الصراع مفتوحاً.
 أما الزعم بأن اليهود العرب طُردوا من البلدان العربية، فأمر يُرغم أنظمة الكمبرادور على التعاطي مع الصراع رغم أنفها. فهي ليست مخولة بمبادلة اللاجئين الفلسطينيين بالمستوطنين اليهود العرب. هي انظمة لا تمثل حتى الشعب في قطرياتها. كما لا تمثل دولة عربية موحدة. وبالطبع لا تمثل الفلسطينيين. ولا شك أن الشعب العربي سوف يرحب بعودة اليهود العرب إلى اوطانهم الحقيقية. بل يجب أن يُعلن هذا فوراً، وأن تتكون جمعيات ومؤسسات لإعادتهم. وأن يتم الإنفاق العربي على إعادتهم. وإذا كانت بعض الأنظمة العربية قد تآمرت مع الصهاينة على ترحيل يهود عرب، فلماذا لا يدفع ورثاؤها ثمن ذلك[20]. هذا الحديث يفتح بالضرورة على وجوب إبقاء القضية الفلسطينية بيد الأمم المتحدة، وإخراجها من المهلكة الأميركية الإسرائيلية /السلطة الفلسطينية.

هوامش:
1-قد يكون من المفيد إثارة قضية استيطان مختلف انواع والوان وقوميات المستوطنين اليهود في فلسطين، إثارة "حقهم" في العودة إلى بلدانهم الأصلية. لعل هذه قضية جديدة يمكن تبنيها كحل للصراع العربي الصهيوني. فهل تقبل بلدان الأصل أن يعود إليها يهودها؟ وقد تكون ألمانيا أكثر بلد يجب أن يقوم بذلك لإعادة اليهود الألمان خاصة إلى بافاريا. نسوق هذا على ضوء تصريحات مستشارة ألمانيا ميركل مؤخراً في تل أبيب، بأن من يهدد امن إسرائيل يهدد أمن ألمانيا! لا شك ان الحرص الحقيقي على اليهود، وليس على إسرائيل، هو في إعادتهم إلى وطنهم، وليس المشاركة في مجزرة معولمة يذهب ضحيتها الشعب العربي الفلسطيني . 
2- هل غادر هؤلاء البلدان العربية دون علم سلطاتها! هذا محال طبعاً. ومن يدري، فلماذا لا تكون حكومات هذه البلدان العربية قد سهلت هجراتهم بناء على طلب الكيان الصهيوني ورغبة وضغط حكومات بريطانيا وفرنسا واميركا. هل هناك وثائق،
أعتقد بالضرورة. إنما السؤال، هل يمكن الكشف عنها؟ فالكشف عنها يحرج الأنظمة العربية من جهة، ويقوضَّ ادعاء الصهاينة بأن هؤلاء اليهود العرب مطرودون. ولكن إذا كانت الوثائق سوف تحرج الطرفين بله الأطراف كلها فمن الذي بوسعه الحصول عليها ونشرها! يتطلب هذا ثورة بلشفية لوضع اليد على الأرشيفات السرية الوسخة ومن ثم فضحها كما حصل مع اتفاق سايكس-بيكو لتقسيم الوطن العربي الذي فضحته حكومة البلاشفة عام 1917. نعم، إن التاريخ لا يرحم.
3- أنظر بهذا الصدد: عادل سمارة، مأزق مالي سياسي، أم راس المال يعيد اصطفافه الطبقي، منشورات مركز المشرق/العامل للدراسات الثقافية والتنموية، 1993.
4- لاحظ أن راس المال المالي الفلسطيني (راسمالية الشتات) قد صرحت كثيراً وكُتب عن رغبتها في الاستثمار الكثير في الصحف المحلية، ولكن لم يحصل شيئ ملموس بعد. لعل هذا منوط بالقاعدة المألوفة أن راس المال يستثمر ليربح اضعافاً مضمونة بل وغير محدودة، ولا يتبرع لمجرد وجود شعارات وطنية أو قومية. 
5- Draft for Discussion Purposes Only, November 11, 1993. A World Bank Report, p.14
6- أنظر جريدة القدس 3-12-1995 ص 3.
7- نفس المصدر.
8- نفس المصدر.
9- نفس المصدر.
10 - Rex Brynen, The Very Political Economy of the West Bank and Gaza: Learning Lessons about Peace –Building and Development Assistance, p2. A paper Presented in “ The Palestinian Economy Towards a vision”, in Beirzeit University 9-12 June 1996. The Conference was sponsored by the World Bank, the German Agency for Technical Cooperation and the Arab Economists Association, p.2
).
11- يلجأ الكثير من أنظمة الكمبرادور في المحيط لبيع اصول قومية لتغطية ديونها او عجز ميزانياتها المنهوبة أو لنهب حصة للطبقة الحاكمة نفسها. 
12- كان فوز حماس في انتخابات مجلس الحكم الذاتي دليلاً فاضحاً على كشف الدور التوريطي للمانحين. هو الفوز الذي قررت الدول المانحة بسببه وقف مساعداتها للسلطة الفلسطينية. 
13- تحقيقاً لهذا التوقع، قام، هذه المرة، الكونجرس الأميركي بطرح الموضوع، كما اشرنا أعلاه. 
14- Statistical Abstract of Israel, 1993, pp90-91
15-لقد توقعنا ان يقوم الكيان الصهيوني بهذا منذ أن بدأ الحديث عن التسوية الحالية. أنظر بهذا الصدد كتابنا، الرأسمالية الفلسطينية: من النشوء التابع إلى مأزق الاستقلال، منشورات مركز الزهراء، القدس، 1991، (خاتمة الكتاب ص ص 280-298).
16-Kenneth W. Stein, The Land Question in Plestine, 1917-1939 Appendix 3. the 
University of 
North Carolina Press, Chapel Hill and 
London 1987:128-239
17-يقول سلمان ابو ستة إن فاتورة تعويض اللاجئين قد ارتفعت
من 10 بلايين دولار عام 1948 إلى 55 بليون دولار هذه الأيام.( القدس 21 -1-2008سلمان أبو ستة).
18- انظر مقالة عادل سمارة : من الشرعية إلى القداسة، في مجلة كنعان العدد، 131 تشرين اول 2007، ص ص
15-31.
19- من اللافت أن اتفاقية سايكس-بيكو البريطانية الفرنسية لتجزئة المشرق العربي إلى قطريات، ترافق معها ومن ضمنها إقامة الكيان الصهيوني. اي قطرية استيطانية استعمارية إلى جانب قطريات عربية تابعة. فالولادة وشهادة الميلاد والمُنجِبْ للجميع هو المركز الراسمالي!
20- لعلها مفارقة مدهشة أن نأخذ حالة العراق. ففي كتابه : إغواء صهيون 
The Lure of Zion
يؤكد عباس شبلاق أن اليهود العراقيين أُرغموا على الهجرة للاستيطان في فلسطين من خلال تفجيرات في محالهم. وأن حكومة نوري السعيد في العراق قد سهلت لهم الهجرة. فماذا لو قيل اليوم لحكومة المالكي العميلة أن عليها استقبال هؤلاء العراقيين ؟ ماذا ستقول لأسيادها الأميركيان؟

ليست هناك تعليقات: