واضح أن غياب قضية الاستقلال عن أمريكا والخلاص من الهيمنة الغربية وراء هذه الفوضى التي نراها على الساحة السياسية.
إن تعمد الكثير من القوى السياسية استبعاد الاستقلال كأساس لأي تحالف أو توافق سياسي هو الذي جعل الأحزاب في حالة عداء مع بعضها البعض، والابتعاد عن العدو الحقيقي.
غياب فكرة التحرر من الهيمنة أو تغييبها يأتي بسبب ارتباط معظم السياسيين الجدد بالسفارة الأمريكية والوقوع في أسر الأمركة.
بعض السياسيين تسيطر عليهم ذات الفكرة التي سيطرت على الرئيس المخلوع وكانت سببًا في نهاية حكمه وهي أن رضا أمريكا شرطٌ ضروريُ للوصول إلى السلطة، ولكي ترضى أمريكا فالباب هو استرضاء اليهود الأمريكيين ثم تطورت الفكرة الشيطانية إلى استرضاء إسرائيل.
هذه الفكرة العقيمة يبدو أنها مازالت تسيطر على بعض السياسيين النائمين الذين لم يستيقظوا حتى الآن رغم التغييرات الاستراتيجية التي حدثت في العالم منذ سبتمبر 2001.
فأمريكا كدولة إمبراطورية انتهت بعد تحطيم جيشها وجيوش الغرب في العراق وأفغانستان، وبسبب هذه الحروب ضد المسلمين إنهار الاقتصاد الأمريكي والاقتصادات الأوروبية.
أمريكا الآن مجرد دولة قوية مثلها مثل فرنسا وبريطانيا وانتهى حلم الإمبراطورية الأمريكية الذي توهموه في بداية الألفية، ولن تقدر الولايات المتحدة على الدخول في مغامرات عسكرية جديدة بعد خسائرها الفادحة في أفقر دولتين إسلاميتين، ولم يعد معها الكثير من الأوراق التي تستخدمها في إرهابنا.
أمريكا لم تستطع مساعدة الكيان الصهيوني الذي هزم في غزة منذ أسابيع بعد أن امتلك الفلسطينيون الصواريخ التي حققت الردع الذي حرموا منه منذ احتلال فلسطين.
ولكن رغم تهاوى أمريكا عسكريًا واقتصاديًا فإن الدبلوماسية الأمريكية تعمل بنشاط، وتقوم السفيرة الأمريكية بجولات يومية للتواصل مع الأحزاب والمنظمات، وللأسف تجد تجاوبًا يجعل السفارة الأمريكية وكأنها هي التي تحكم مصر.
الدبلوماسيون الأمريكيون خرجوا على القوانين والأعراف الدولية وراحوا يرتبون اللقاءات والاجتماعات داخل مقر السفارة وفي مقار الأحزاب والمنظمات ومكاتب السياسيين، وتنظم السفارة الأمريكية – بشكل مباشر وغير مباشر- مؤتمرات وورش عمل، ودورات تدريبية، داخليًا وخارجيًا للتجنيد، ولجمع الفرقاء الذين أنشأت معهم علاقات لتكوين طبقة جديدة توافقت على الأرضية الأمريكية، وتلميعهم إعلاميًا من خلال الإعلام الممول أمريكيًا وصهيونيًا ويسيطر على الساحة الإعلامية المصرية.
وفي ضوء هذا المناخ الفاسد فإن السفيرة الأمريكية تمسك -بنسبة كبيرة- بخيوط اللعبة السياسية، وهي التي تحرك أحزابًا وقيادات سياسية كقطع الشطرنج وفقًا لما تخطط له المخابرات المركزية الأمريكية.
للأسف لقد نجحت السفارة الأمريكية في اختراق أحزاب وتجنيد سياسيين بدرجات متفاوتة.
وإن استمر هذا الوضع المخزي سنشهد حالات واسعة من التفكيك للكيانات والجبهات الوطنية وتفشيل للتحالفات الجادة لا يعلم الناس أسبابها، وأيضًا سنشهد إقامة تحالفات تضم كل المتناقضات لا يعرف الناس لها تفسيرًا.
مصر تحتاج إلى جيل جديد من السياسيين يتحمل المسئولية بوعي ويخرج من التقسيم الحالي الذي فرضته علينا أمريكا وأذنابها.
المعركة الآن ليست بين الإسلاميين والعلمانيين (فهم جزء صغير من الجبهة المعادية)، وليست بين الإسلاميين والقوميين رغم ما بينهم من خلافات.
إن المعركة الكبرى الآن بين الإسلاميين والوطنيين المطالبين بالاستقلال وبين الحلف الأمريكي الصهيوني والأحزاب والشخصيات المتحالفة معه.
فالتحالف والعمل الجبهوي الذي تنتظره مصر يجب أن يجمع دعاة الاستقلال ضد المشروع الأمريكي الصهيوني، ويستبعد المتعاونين والمتعاملين مع أمريكا وسفارتها.
مصر تحتاج إلى دعاة الاستقلال وبناء مصر الجديدة على الإسلام كأساس، وتبني نهضتها بالاعتماد على نفسها.
مصر تنتظر المشروع الإسلامي الذي ينهي هذه الفوضى، ويقطع علاقة التبعية لأمريكا، ويوظف الطاقات التي لم تستغل حتى الآن.
aamermon@alarabnews.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق