بعيداً عن تفارق الاجتهادات بأن الكونفدرالية الثنائية ولاحقا الثلاثية وأكثر لتحل محل المشرق العربي أو لتغطي الهلال الخصيب، أي قول البعض بأنها طبخة على النار يتم التحضير لها وقول البعضالآخر أن الأمر ليس مطروحاً قط. وقد يكون السياق التاريخي والسياسي ومعيار القوة وحدود التبعية هي التي ترجح هذا الاجتهاد أو ذاك. أو تاتي بآخر.
ليجادل البعض كما يريد، وليلقي كثيرون بالونات الإعماء /الإعلام كما اعتادوا، ولكن السؤال الذي لا جدال فيه: هل خلا سابقاً، ليخلو حالياً، المناخ السياسي من هذا المشروع أو شبيهاً له؟
بعد أشهر قليلة من احتلال 1967 تقدم د. حمدي التاجي الفاروقي بمشروع جوهره التقاسم الوظيفي بين الأردن والكيان، وهذا يعني ان الرجل كان على تنسيق مع الأردن والكيان[1] ، ورُفض ذلك من القوى الوطنية، وطُويت صفحة المقترِح والمقترَح. فرغم هزيمة حزيران، كان المناخ الوطني والقومي عالياً بما لا يسمح بأية مساومة. أقول الوطني والقومي لأن هذا توجه الأكثرية الشعبية على امتداد الوطن العربي بأكمله حينها قبل أن ينخر الإيدز الثلاثي (التسوية والنيولبرالية والوهابية) قطاعات واسعة.. لم يكن هناك دور لفصائل من قوى الدين السياسي ولا التحريفية السوفييتية ولا سيما في الكفاح المسلح. كما لم تكن البرجوازية الكمبرادورية (وهي قًطرية في انتمائها ومعولمة في مصالحها) قد تسلمت اية سلطة في الدول قومية الاتجاه، سوريا ومصر والعراق والجزائر. اذكر هذه الأنظمة لأن بقية الأنظمة لم تضع فسطين على أجندتها، بل إن كثيرا منها وخاصة الخليجية كانت ولا تزال مشغولة ضد القومية العربية. مختصر القول هنا: أن الهزيمة كانت عسكرية لا عقيدية وطنية، ولكن خطورتها بالطبع أنها لم تكن اشتباكات حدود بل فقدان جغرافيا مع عدو مشروعه الدائم سحق الحيز الفلسطيني والعربي وإعادة تشكيله كتجهيز لسحقه مجدداً وأبداً.
ولكن، منذ هزيمة 1967 ظل مشروع التقاسم الوظيفي يطفو ويغطس طبقاً لتطور الأحداث وميزان القوى. ففي عام 1978 قدم يجآل ألون (من حزب العمل الإسرائيلي) مشروعه الذي جوهره التخلي إداريا وسكانيا عن أجزاء من الضفة الغربية للأردن على أن يحتفظ الكيان بما أُسمي حزام آلون، أي منطقة الأغوار على امتداد نهر الأردن بحيث تبقى بيد الكيان الصهيوني. ومنذ تلك الفترة بدأ الاستيطان في الأغوار لفرض واقع ديمغرافي عسكري على اي حل مستقبلي. وبالطبع كان ألون في حزب العمل (الذي يسميه كثير من اللبراليين الفلسطينيين والعرب يساراً- أي معسكر الولايات المتحدة في عمق وطننا) وأقصد هنا أن هذا الحزب هو الذي بدأ الاستيطان في الضفة الغربية وقطاع غزة.
أما القاعدة العامة فتقول بأنه ما من مشروع يُدفن إلى الأبد لدى المركز الإمبريالي والصهيونية فكثيراً ما تُدخل مشاريع مع أخريات. وسواء نُفذت المشاريع أم جُمِّدت فإن ما تُدفن هي الأدوات الفلسطينية والعربية التي تخدم هؤلاء وإن كانت كاحتلال الأرض تبقى آثارها السيئة طويلاً. لا تاريخ صلاحية للمشاريع الاستسلامية سوى بحدوث توقيت وتاريخ جديد هو انتصار المقاومة والممانعة ضمن حاضن قومي عربي.
لكنه نصف قرن!
مضى نصف قرن تقريباً على سقوط كامل فلسطين، وتداعي القوى القومية العربية إثر ذلك، وقوى اليسار غير التحريفي على صعيد الوطن العربي بأسره. وخلال هذه الفترة لم يتوقف الصراع في الوطن العربي متخذاً حالة الدفاع بل الإنزواء وحتى الردة لدى قطاعات عديدة منها من قبل قوى الثورة والهجوم من الثورة المضادة التي حققت "انتصارات" هائلة بكل المقاييس أخطرها الاعتراف بالكيان الصهيوني الإشكنازي علناً وشبه علني وسراً سواء من تحريفيين وكمبرادور وقوى دين سياسي، أما اللبراليون فهم ضمانة هذا الكيان بداية ونهاية، وتعمُّقت الكيانات القُطرية إلى درجة الزعم بشرعيتها أو تخيل البعض بأنها المقدمة للوحدة وتبددت إصلاحات الأنظمة التقدمية سواء الزراعية أو الصناعية والمحاولات الاشتراكية وتحولت أنظمة هذه الإصلاحات من انقلابات وطنية وثورية وتقدمية إلى حالات ديكتاتورية تحافظ على نفسها بالمشروع الأمني الذي لم ينفع فكان سقوط مصر أولاً ثم تدمير العراق وليبيا والمغول اليوم على أبواب سوريا. وعلى جبهة الثورة المضادة تفجر الريع النفطي ليرفع حكام تلك المنطقة إلى واجهة السياسة العربية مما مكَّنها من تشريع التبعية للإمبريالية إلى درجة تسليم أرضها لقواعد وجيوش الأخيرة ونشر ثقافة الدين السياسي التي تدعو بأن الحياة ممكنة بلا عمل ولا استقلال ولا إنتاج ولا حداثة ولا قومية ولا حقوق للمرأة، فالنفط هنا وبمال النفط أو ريعه يمكن شراء كل شيء. ولا عجب أن يردد الكثيرون هناك: "ولماذا نشتغل، فنحن ندفع للغربيين ليشتغلوا" أما الغربيين فيرددون الكلمة الفصل: " كيف حصل أن انتقل نفطنا لباطن أرضهم!How did our oil get under their soil?. ليس هذا كل شيء فقد تحولت أنظمة النفط إلى أدوات تعتدي على الأقطار العربية ذات الأسس القومية وتدمرها نباية عن الصهيونية والمركز الرأسمالي الغربي. وهذا تأكيد بأن الخيار دوماً، إما الثورة المضادة وإما الثورة. لقد تم مسح إنجازات الأنظمة القومية سواء الإصلاح الزراعي أو التصنيع، أو التعليم المجاني أو الطبابة المجانية ورفض الاعتراف بالكيان ودخول حروب لتحرير فلسطين ومعاداة الإمبريالية ورفض التطبيع وتوسيع نطاق العلمانية والمساواة للمرأة...الخ وصُوِّرت كمجرد استبداد بحت بينما جرت التغطية المطلقة على الأنظمة الملكية والأميرية والمشيخية المطلقة والمرتبطة بالمركز الإمبريالي والمحايدة تجاه الصراع العربي الصهيوني إن لم تكن متورطة لصالح الكيان نفسه[2].
وهكذا، يُختتم ما يقارب نصف القرن وقد وصل الصراع إلى حشدين:
· بدايات تبلور معسكر المقاومة والممانعة متواصلا مع قوى إقليمية وعالمية صاعدة
· وانفلات متغول من الثورة المضادة لوأد هذا الوليد بأي ثمن.
ومن قِبل المشروعين يتم التجاذب على ما يسمى الربيع العربي الذي يقرأه كل بلغته ويحركه حسب احتشاده، مما يجعل المعركة الحالية هي الأقسى في التاريخ العربي الحديث.
في هذا المناخ، يتجدد الحديث عن الكونفدرالية بين المناطق المحتلة والأردن، بمعنى أن هذا المشروع ليس كما يريده الشعبان اساساً كما أنه ليس على مقاس وبقرار الحكام ولن يكون.
ولكن، بل بداية: في حالة غياب او تغييب الشعب العربي وخاصة الفلسطيني، وفي حالة تصفية الأنظمة التقدمية واتساع الهجمة من الثورة المضادة، اين يقع هذا المشروع ومن هو الطرف المقرر والذي بيده الحسم حتى اللحظة على الأقل؟ هل هو غير الإمبريالية والصهيونية؟ ومن هو الطرف المستهدَف: هل هو غير الشعب وقوى المقاومة والممانعة؟
لا بد أن نذكر بداية أن الأنظمة العربية لم تسحب مبادرتها "للسلام" منذ عشر سنوات رغم أن الكيان رفضها بازدراء. وكان ولا يزال واضحاً أن عدم سحب المبادرة هذه يرتد إلى أن هذه الأنظمة ليست بصدد اعتماد أي خيار آخر من المتوفرة والممكنة عربياً، بل ابعد من ذلك، فقد تبنت الجامعة العربية استرايجية المركز الرأسمالي والصهيونية بإعلان الحرب على بقايا الدولة قومية الاتجاه اي ليبيا وسوريا[3]. علاوة على أن كل نظام بل حتى كل سياسي عربي يبدأ نهاره ويختمه بأن فلسطين هي القضية الأولى. ولعل آخر من قال هذا في نهاية 2012 الرئيس التونسي الذي يعمق ربط بلاده بالغرب ويفتح بلاده للتطبيع عبر رشى خليجية ويرفض وضع نص في الدستور التونسي بتحريم التطبيع.
والأخطر من حديث المرزوقي كانت زيارة نبيل العربي إلى رام الله حيث قدم للكيان اعتراف كل الأنظمة العربية بالكيان دفعة واحدة وبلا مواربة. ولا يمكن رؤية هذا بعيدا عن موافقتها، ما عدا سوريا، طالما ارتضته أمينا عاماً وأكد العربي لا مباشرة على جوهر المبادرة العربية حيث قال إن على العرب القيام بشيى ما.
ما هو هذا الشيء طالما أن:
· الأنظمة العربية مفككة واسوأ من السابق؟
· مصر وتونس في الطريق السابق في علاقتهما بالمركز الرأسمالي العالمي وبالاستجداء من المؤسسات المالية الدولية هروباً من متابعة واسترداد الثروة المسلوبة محليا ودولياً، وكل هذا بقيادة قوى الدين السياسي التي هي لبرالية فيما يخص الارتباط بالنظام الرأسمالي العالمي، وظلامية فيما يخص الحريات وخاصة حرية المرأة والعبادة ولا قومية فيما يخص الكيان الصهيوني.!
· القرار صهيو/اميركي
· والأهم طالما أن المشروع الفلسطيني والعربي في حالة من السكر بالوهابية والتسوية والخنوع القطيعي المعلن. وإلا ما معنى أن ما من أحد في كافة الأراضي المحتلة رمى حجراً على هذا القادم للركوع تحت أقدام الكيان باسم كل العرب!
ليس صحيحاً أن أحداً لم يتنبه لزيارة العربي بمضمونها اللاقومي. ولكن هذه الزيارة أتت في مرحلة تشريع التطبيع وتكثيف المد الطائفي والقُطري والوهابي خاصة. وعليه، فإن الاهتمام بفلسطين هو موقف قومي، وهذا الموقف خارج أجندة اللحظة حتى في عقل القطيع الجماهيري الذي لم يتحرك. حينما جاء بورقيبة إلى الأردن 1965 ودعى العرب للاعتراف بالكيان اهتزت الأرض من حراك الناس، وحينما جاء السادات إلى الكيان وقفت حتى دول ضده، أما اليوم حين يأتي رجل باسم كل الأنظمة لم يقل أحد شيئاً. هل يعني هذا غير أن "إسرائيل برأيهم دولة شرعية"!
في ضوء هذا، هل يمكننا تجاهل أن مجيئ العربي كان امتدادا: لزيارة الملك الأردني لرام الله، ثم زيارة نتنياهو إلى عمان ومن ثم زيارة العربي لرام الله؟
هل الأمر بعيد عن ترتيب صفوف معسكر التسوية سواء لدعم نتنياهو في انتخابات الكنيست، والقبول بالحل الذي قدمه منذ أمد وهو لا سلام سوى السلام الاقتصادي لأنه يخدم الكيان وحسب في مشروع الاندماج المهيمن في الوطن العربي. وهنا يكون البنلوكس الثلاثي (الأردن والكيان والحكم الذاتي) والذي يجد جذوره في التقاسم الوظيفي الذي طرحه الكيان من هزيمة 1967.
ماذا عن الدوافع؟
يفتح هذا على دوافع الزيارات المتبادلة ويفتح على مشهد الارتباك ايضاً. فسلطة أوسلو في مأزق سياسي وليس مالي. هي في مأزق الضغط الأمريكي والخليجي والعربي الرسمي للتسليم بدولة يهودية. ولتمرير هذا فهي مهددة بإقامة إمارة إسلامية في غزة. فلكي تحول دون ذلك عليها رفع الأيدي مطلقا إلى أعلى. وربما مشكلتها أنها لن تفعل شيئاً إذا ما خُدعت كما خُدع الحسين بن علي والحاج أمين الحسيني! وفي الشأن السوري لم يكتفي الغرب ونتنياهو بالهجمة التي يمارسها الإعلام/الإعماء الفلسطيني ضد الدولة السورية لصالح الهجمة الأممية الوهابية/الغربية والصهيونية بل يريدون أكثر دائماً.
والنظام الأردني يتعرض لتجويع كي ينخرط بجيشه ضد سوريا أو على الأقل للقيام بما تقوم به تركيا. وليس مؤكداً أن المخابرات الأردنية لم تقم بشيء من هذا، ولكن المطلوب حرب قُطرية طائفية بتصميم ومعايير المركز والصهيونية. وكما يبدو وصل الوضع في الأردن إلى حالة جمود مؤقت، فلم يتورط النظام علانية، وفتح بعض العلاقات مع العراق بهدف تكتيكي، ولوَّح بتجديد الفدرالية مع الحكم الذاتي، وتزامن هذا مع زيارة نتنياهو إلى عمان والعربي ووزير خارجية مصر إلى رام الله. وتزامن مع كل هذا تورط كثيراً من الفصائل الفلسطينية في طعن الشعب السوري في مخيم اليرموك بهدف المساهمة في تدمير سوريا.
هذا وكأن كل الملفات بانتظار التطورات في سوريا، بل كل هذا الطراز من الملفات ضد سوريا. وقد يكون هذا المشهد وحده كافٍ ليرى كل ذي أخلاق وبصيرة أن سوريا حقا تدافع وبقوة وصبر عن آخر معقل قومي عربي وعن المقاومة الحقيقية، لأن المقاومة التي تشارك العدوان الوهابي الغربي الصهيوني ليست مقاومة بل مجاميع بدون عمود فقري تلتوي ذات اليمين وذات الشمال وتنتهي إلى الوراء إلى الثورة المضادة وهنا يكون مال الريع اساسي في استداراتها.
صحيح أن المأزق الاقتصادي في الضفتين أنهما تعتمدان كثيرا على الريع. ولكن صحيح كذلك أن من قرارات إقامتهما ككيانين أن يكون الريع مكوناً اساسياً. فما الذي اختلف حتى جفت مصادر الريع؟ إن كانت قد جفت حقاً لا تمثيلاً.؟ وبغض النظر عن حقيقة الأمر، فإن تكوين الكيانين الأردني والفلسطيني هو سياسي قبل أن يكون اقتصادي وتوظيفهما دوماً واليوم سياسي كذلك.
لذا في مجرى التسوية وإنهاء القضية يمكن أن يتم سحب ملف الكونفدرالية عن الرف والشغل عليه. وحين يبدأ التعامل جدياً معه، سيكون بعد ظهور نتائج الصمود السوري ضد الغزاة.
ويالطبع فإن المأزق الاقتصادي الجاري هو من مقدمات الهتاف للفدرالية والكونفدرلية وتتبعه أغاني وحدة الشعبين وتزاوج الشعبين وأخوة الشعبين. هذا بعد عقود من ضخ القطرية والإقليمية والأردنة والفلسطنة، واللاجىء والمواطن...الخ. وملخص هذا أن لا أحد يستشير الشعب هنا أو هناك. فالمشروع من صنع "القَدَرْ" الأرضي أي الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، ومن تمويل نفط الغرب المخزون والمستخرج من الخليج!.
متى يكون للكونفدرالية معنى؟
دعونا نبدأ من سوريا والجولان. فقد تنطح كثير من مثقفي أوسلو-ستان ومن يزعمون أنهم مارسوا الكفاح المسلح ثم يئسوا لأنهم اكتشفوا أن القيادات كما يصفونها: خائنة، فاسدة، مصلحية، تافهة...الخ . لكن هؤلاء ما أن اندلعت أحداث سوريا حتى تحولوا إلى ابطال يُدينون سوريا بعدم تحريرالجولان[4]. لنقل لا بأس، سوريا لم تحرر الجولان، ولها مشاكلها وتقصيراتها وكذلك استراتيجيتها التي ربما يجوز لي الاستنتاج بأنه في غياب واقع عربي وحدوي لا فرصة لتحرير الجولان أو فلسطين ولذا يجب حماية سوريا ببناء توازن استراتيجي وهو ما نراه اليوم بحائط الصواريخ، والذي ربما لولاه لدخلت قوى الغدر لتطحن سوريا كما طُحنت كميونة باريس أو دولة القرامطة.
وهذا يفتح على الأردن، أليس الأردن مسؤولا عن استرجاع الضفة الغربية على الأقل؟ ألم تكن جزءاً من الأردن؟ وأنا نفسي لست ضد ذلك طالما هو على أرضية عدم الاعتراف بالكيان الصهيوني. ولكن، ما معنى التنازل عن كل فلسطين والاعتراف بالكيان ثم تكوين كونفدرالية على أرضية موافقة الكيان والاعتراف به ولاحقا انضمامه لها كونفدرالياَ! أي أن كل هذا لا يقوم لا على أرضية أخوَّة الشعبين في الضفتين ولا على أرضية القومية والتحرير؟ ألا يعني هذا أن هذه الفدرالية والكونفدرالية هي في سياق اندماج الكيان في الوطن العربي اندماجاً مهيمناً؟ أليس هناك فارقا بل فالقاً بين من لا يستعيد الجولان ويبني سوريا ويرفض الاعتراف بالكيان وبين من يعترف بالكيان ويصفي المقاومة وينتهي في كونفدرالية مع الكيان؟ فمن هذه الزاوية يجب النظر إلى هذا المشروع.
فأي مشروع وجودي بين الضفتين يجب ان يقوم على اساس قومي لا قطري ولا إقليمي ولا طائفي وبهدف بقاء الفلسطيني على هويته إلى أن يتم التحرير. وبغير هذا سوف تتم مشاغلة الناس في صراعات إقليمية بينية هدفها اقتلاع اي تفكير في فلسطين والاندماج في المكان الجديد والصراع عليه كمكان لقطيع بدل وطن لشعب. نأمل أن تفهم الطبقات الشعبية في الوطن العربي وخاصة في الأرض المحتلة أن أي مشروع خارج سياق تحرير فلسطين هو مشروع يهدف استلاب الفلسطينيين الذين بقوا في 1948 و 1967 استلاب صمودهم في الوطن وعدم لجوئهم!
ما معنى الالتفاف على السيادة؟
الأردن دولة ذات سيادة بمفهوم الأمم المتحدة. وهو مفهوم صممته دول المركز الإمبريالي على مقاسها مما يوجب رفضه شعبيا من الشعوب التي تعرف بالحد الأدنى ما هي الأمم المتحدة. لأن من صاغوا هذا المفهوم منحوه للكيان الصهيوني وهو على أرض ليست له[5]. وهذا بالمناسبة للذين يكرهون فلاديمير إيليتش لينين هذا مركز رفضه لدولة لليهود في رده على البوند وهم التيار الصهيوني أو اليهودي في حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي قبل الثورة البلشفية 1917 حيث قال لهم لا يمكن تصور وجود قومية أو دولة قومية بلا أرض لها تقام عليها دولتها. ما فعلته الأمم المتحدة عكس هذا وهو ما اعترفت به حتى أنظمة عربية. فقد أيد عبد العزيز آل سعود إعطاء فلسطين لليهود عام 1918. فمن هو العربي لينين أم إبن سعود! الشيوعية الحقيقية أم الوهابية؟ ومن الأنظمة العربية التي اعترفت بالكيان الأردن وسلطة الحكم الذاتي، وهذا يلقي ضوءاً على مضمون ودور الفدرالية والكونفدرالية.
إن الأردن وكافة القطريات العربية ليست ذات سيادة بالمفهوم القومي العربي. ولكن للإنصاف، فإن للأردن سيادة ما بمفهوم الأمم المتحدة. إنما اين السيادة لدى الفلسطينيين؟ فكيف يمكن إقامة وحدة بينهما؟ اليس الأمر هو تمرير عدم حصول الفلسطينيين على سيادة لأن هذا مرفوض من الصهيونية والغرب الرأسمالي وهذا يصب في التقاسم الوظيفي. لذا، رفضت الولايات المتحدة حتى الدولة الافتراضية لفلسطينيي احتلال 1967، لأنها تؤمن بأن الضفة هي للكيان، هذا رغم أن الدولة الافتراضية يمكن استخدامها لتمرير الكنونفدرالية. صحيح أنها لا تعلن ذلك، ولذا، فإن الحد الأدنى لديها هو كونفدرالية تحفظ للكيان سيطرة حقيقية على الأرض وللأردن وسلطة أوسلو سيطرة على الناس. وبالمناسبة هذا يتقاطع مع أطروحات الحاخامات اليهود[6] الذين يعتبرون اي جزء كدولة مستقلة للفلسطينيين هو تقسيم "لأرض إسرائيل" وهذا بنظرهم "حرام"، وإذا رددنا الموقف الأميركي إلى الأصول البروتستانتية فهي من النهج نفسه حيث تعتبر الولايات المتحدة شكلا من هدايا الله إلى "شعب الله المختار وأرض الميعاد" وبهذا جرى ذبح سبعين مليون من شعوب شمال أمريكا، ولا يختلف ما قام به الإسبان والبرتغال في جنوب أمريكا من مذابح لم تُحصى كما يجب بعد، فالكاثوليكية بإهاب الاستعمار لا تختلف عن أدعياء شعب الله المختار، بل إن كل من بيده قوة استعمارية هو "شعب مختار"!!.
إن تمرير لا سيادة على اية بقعة من فلسطين يغدو ممكناَ عبر الفدرالية والكونفدرالية. ولا ننسى أن الولايات المتحدة ضمن سياق سياساتها لا تزال تعتبر الضفة والقطاع مناطق متنازع عليها.
بناء على غياب السيادة في حالة الضفة الغربية وقطاع غزة، هل هناك معنى لشعار "القرار الوطني المستقل"؟ بل هل يمكن الحديث عن قرار حر في حالة كهذه؟ وهل هذا هو السبب الحقيقي الكامن وراء توقيع اتفاق أوسلو دون العودة للشعب؟ وهل سيكون تنفيذ الفدرالية والكونفدرالية بالرجوع إلى الشعب؟ هذا إذا كان الرجوع إلى الشعب الفلسطيني ممكناً من أجل أي مشروع. ولأنه حقا ليس ممكنا لوجستياً على الأقل، فإن ما هو ممكنا هو النضال الوطني بكل اشكاله طالما بعيدة عن الاعتراف بالكيان، فالنضال لا يحتاج لاستشارة ولا استفتاء[7].
موقع الإقتصاد في القرار السياسي:
أُقيمت إمارة شرقي الأردن منذ بداية عشرينات القرن الماضي إثر قرار أبلغه وزير خارجية المستعمِر البريطاني ونستون تشرشل للأمير عبد الله. وبقيت الإمارة ومن ثم المملكة مرتبطة سياسيا واقتصاديا ببريطانيا لتكون سوراً شرقياً لحماية الكيان، هذا على الأقل ما هدفت منه بريطانيا ، وكانت هذه حصة الأمير عبد الله من تقطيعات اتفاق سايكس-بيكو. ولذا كان يحصل الأردن دوماً على مساعدات مالية من بريطانيا لتمويل الجيش والأمن وحتى مصلحة السجون وقد بلغت هذه المساعدات 10 مليون دينار سنويا في خمسينات القرن الماضي. وحينما قام الأردن بإعفاء الضابط البريطاني جلوب باشا (ابو حنيك) من قيادة الجيش العربي الأردني 1956 أوقفت بريطانيا المساعدات فتعهدت بها مصر عبد الناصر وسوريا شكري القوتلي (للقارىء أن يقارن اليوم حيث تجوع مصر وقد تردت للاعتماد على الولايات المتحدة وقطر حتى تأكل بينما سوريا تعيش رغم حرب عالمية عليها. فهل نفهم من هذا خطورة رجال الطوائف ومثقفي الطوائف)؟
تبلغ المساعدات السنوية الأميركية، التي حلت محل البريطانية 360 مليون دولار سنويا وصلت عام 2012 كحالة استشنائية إلى 400 مليون دولار. وهذه المساعدات لا تخرج عن كونها إبقاء النظام الأردني ضمن الحظيرة الأميركية. وعليه، إذا كان هناك من معنى سياسي للمال السياسي أي الريع مقابل الارتباط السياسي الذي يستحيل الفكاك منه فهذا هو المعنى. وإذا اراد الأردن طريقاً حقيقياً طالما ليس بوسعه الاعتماد على نفسه ذاتياَ، فإما وحدة مع سوريا والعراق أو إحداهما وبغير هذا يكون البقاء على أبواب ضواري الإمبريالية. هذه صورة مُرَّة تصلح للأدب، ولكنها حقيقية.
ليس هذا موضوعاً في الاقتصاد الأردني، ولكن اللافت أن الحديث في موضوع الكونفدرالية تواكب مع أزمة اقتصادية في الأردن، وعدم توفير مساعدة خليجية له من جهة ومع الحرب على سوريا من جهة ثانية. وكان الأردن قد قطع شوطاً في تنفيذ توصيات الخبراء الاقتصاديين الغربيين مما جعل فرصة مواجهة الأزمة وتحديداً الشح المالي بموارد محلية أو بقيم موجودات محلية أو باستدانة جديدة أمراً صعبا. فقد وصلت الخصخصة حتى إلى وضع أجزاء اساسية من اقتصاده بيد الاجنبي كالفوسفات والاسمنت والبوتاس والمصارف...الخ وهذا يجعل القدرة على المناورة في خانة صفرية. أما وهذا هو الحال، فلا غنى عن التمويل الأسود. لذا يجب أن يستمر الأردن في علاقات التطبيع مع الكيان والتعاون مع المخطط السياسي الأميركي للمنطقة .
في سياق التبعية والاعتماد على التمويل الأجنبي حصل الأردن من 1970-2003 على 19 مليار دولار. وقد بلغت حصة التمويل الأجنبي في الفترة 1975-80 نسبة 30% من الإنتاج المحلي الإجمالي[8].
لا يختلف حال مناطق الحكم الذاتي عن الأردن، فقد حصلت السلطة على تمويل أجنبي في الفترة ما بين 1993-2012 ما قيمته 24 مليار دولار، ولكنها تعلن اليوم حالة الإفلاس كما صرح رئيس مجلس الوزراء يوم 8 كانون ثان 2013.
وهناك مخاوفُ في الأردن من ارتفاع حجم الديون لتتجاوز مستوى الـ 70% من الناتج المحلي الإجمالي البالغ قرابة 29 مليار دولار بعد أن بلغت هذه الديون 19 مليار دولار في نهاية أغسطس هذا العام. كما يُتوقع أن يرتفعَ العجز في الموازنة إلى 7.5 % من الناتج المحلي الإجمالي من 7.1% في عام 2011، وكان قد بلغ في نهاية سبتمبر 1.7 مليار دولار أي ما يعادل 5.9% من الناتج المحلي الإجمالي
ومن الطرافة بمكان أن يتم إطراء الانتفاخ المالي الناتج عن الريع على أنه نمواً! فهو من مصادر خارجية سواء التمويل الأجنبي أم السياحة أم تحويلات العاملين في الخارج أي تصدير قوة العمل نظرا لوجود عوامل طاردة داخلية لقوة العمل وليس فقط وجود عوامل جذب خارجية. ففي سنوات الطفرة النفطية ما بين 1973-1984 تحدثت المصادر الرسمية الأردنية عن نسبة نمو وصل 16 بالمئة. لكن هذه المصادر لم تقل بأن ذلك بسبب عوامل خارجية وليس من الإنتاج الحقيقي، كما لم تتم الاستفادة من هذه التحويلات والتمويل في بناء قدرات إنتاجية. وبدورها فإن سلطة الحكم الذاتي والمصرف الدولي قد زعما بان النمو عامي 2010 و 2011 قد وصل 9% ، بينما عجزت هذه السلطة عن دفع رواتب موظفيها طوال الربع الأخير من عام 2012 ودخلت العام الجديد معلنة الإفلاس[9]!
كما تتشابه الحالتان فيما يخص الفساد، وهو امر لافت بمعنى أن أحد اسباب الإفلاس أو الأزمة هي الإدارة المالية للمال العام بما فيه التمويل الأجنبي الذي يُفترض أن يُصبح مالاً عاماً بعد دخوله الخزينة. هذا إلى جانب الإنفاق على الأجهزة البيروقراطية في البلدين حيث توظف الحكومة الأردنية 50 بالمئة من قوة العمل ويشكل قطاع الخدمات 65 بالمئة من الاقتصاد ولا يختلف حال مناطق الحكم الذاتي عن هذا. والمهم أن التوظيف الحكومي ليس قطاعاً عاماً كما تلعب فيه المحسوبية دورا كبيراً وكذلك الحصة العالية للأجهزة الأمنية ليس كرواتب وعدد كبير فقط بل دفع الأُعطيات والامتيازات لكسب الولاء.
تجدر الإشارة إلى أن الحديث عن الكونفدرالية تواكب مع مرور البلدين بأزمة اقتصادية، أزمة محروقات في الأردن، وهي أزمة لا تنحصر في هذه السلعة الهامة بل تتمدد في شبكة من السلع تحيط بخناق المواطن، وتمر الضفة الغربية بأزمة رواتب، وهذه تطال ما لا يقل عن ثلث السكان مباشرة علاوة على تأثيرها على السوق عموماً حيث أن توقف رواتب هؤلاء الموظفين يؤدي إلى انكماش السوق المحلي الذي يتحرك عادة مع نزول رواتب الموظفين إلى أن يدوخ مع نهاية الشهر مما يؤثر على جميع المواطنين.
ولعل الفساد وتضخيم الأجهزة الأمنية ودفع الأعطيات تلخص معادلة تجويف الوعي من أجل تجريف الثروة وهي اشد أشكال الافتئات على الرأي العام واحتقاره بما هو شكل من التحدي العلني للمواطنين وصولا إلى تحقيق قاعدة إما أن تركع أو تثور.
ضمن هذا المناخ تحديداً، يصبح بإمكان السلطات في البلدين مواصلة التطبيع بعد أن يصل البلد إلى مأزق الاختيار بين رفض التطبيع ومن ثم التجويع وهي الحالة التي يكون التنسيق مع الكيان ومركز الإمبريالية عادياً وعلنياً، وهذا تحديداً مناخ الحديث عن الكونفدرالية دون حراك شعبي ليقول كلمته على الأقل.
أما والحال هكذا، فيكون النقاش السياسي هو في اي اشكال التطبيع هو المناسب للمرحلة بداية من منظور واشنطن[10] وتل أبيب وليس اي خيار يراه الأردنيون والفلسطينين!
الحل في المشرق وليس في الغرب
إذا كان الأردن دولة فقيرة ولكن ذات سيادة بمفهوم الأمم المتحدة وسايكس-بيكو، فإن الضفة الغربية فقيرة وبلا هذا ولا ذاك. وعلى هذا يترتب السؤال المصيري بمعنى: إلى اين تذهب كيانات من هذا القبيل؟ ما مصيرها؟ فكلاهما يعتمد على الريع اساساً، كلاهما يعتمد على ريع الدور ضمن السياسة الإمبريالية في الوطن العربي. وحتى المساعدات التي تقدمها بين حين وآخر هذه الدولة النفطية أو تلك هي في سياق ما تسمح به تحديداً الولايات المتحدة. هذا باستثناء المنحة النفطية التي كان يوفرها الرئيس الشهيد صدام حسين للأردن، والتي منعها الكيان عن مناطق الحكم الذاتي حينما عرض العراق ذلك على أل يو. أن.دي.بي.
وهذا يفتح على تمنعات الدوحة والرياض في تقديم تمويل إلى الأردن واوسلو-ستان، بينما مثلا تُغدق قطر على إمارة الإخوان في غزة. كما يفتح كذلك على بداية هذه المقالة أي زيارة نتنياهو إلى عمان والحديث عن الكونفدرالية. فهل الضغوطات القطرية والسعودية مقصود بها استئناف المفاوضات لتكريس يهودية الدولة وإنعاش التقاسم الوظيفي كمقدمة للكونفدرالية. اي تجويع الطرفين وتنقيط بعض الماء في الحلق بالتواكب مع التماشي مع مشروع الشرق الأوسط الكبير؟
وهل كانت زيارة المالكي للأردن محاولة لتعديل الأمور بمعنى عودة العراق إلى منحة الرئيس صدام حسين، وتقريب الأردن من وضعه الطبيعي بين العراق وسوريا؟ وهل الاجتماع الذي ضم مؤخرا أبو مازن ومشعل مع الرئيس المصري هو لمواجهة التحرك العراقي الذي هو جوهريا عراقي/سوري /إيراني؟ هذا ناهيك عن تحريك قطاعات في العراق ضد حكومة بغداد بتحريض سني من السعودية وقطر. اي تحريك طائفي ضد نظام طائفي ولكنه تحريك ليس على أرضية أفضل من النظام نفسه! وأين يقف النظام المصري الحالي أمام التلويح بمساعدات له تقارب 70 مليار دولار شريطة التخلي عن مساحة تتراوح بين 720-4000 كم مربع من سيناء لإقامة دويلة فلسطينية عليها تستوعب معظم فلسطينيي الضفة الغربية وترتبط مع الضفة الغربية، كما ترتبط الأخيرة مع الأردن في سياق التقاسم الوظيفي ومن ثم الكونفدرالية، وذلك في مواجهة محور المقاومة والممانعة؟
قد نخلص إلى القول بأن ملف الكونفدرالية مرتبط، وخاصة حالياً، بتطورات الصراع على سوريا. وهو الصراع الذي سوف تحدد الثورة المضادة موقفها بموجب نتائجه. وقد يكون تحريك مسألة الكونفدرالية مثابة خطف الموقف في اللحظة الحالية قبل تعافي سوريا لفرض أمر واقع لا سيما وأن هذا يتوافق مع مقدمات سياسة النظام الإخواني في مصر والذي يرسل إشارات تناقض بعضها بعضاً، وإن كان منحاها العام هو لصالح الثورة المضادة.
إن انتهاء الصراع بصمود الدولة السورية يفتح الطريق باتجاه وجوب وحدة المشرق العربي أو الهلال الخصيب كما يحلو للحزب السوري القومي الاجتماعي أن يسميه. وفي هذه الحالة يكون انضمام الفلسطينيين إلى هذه الوحدة أو الاتحاد بناء على كونه دولة عربية ترفض الكيان وترفض أوسلو ووادي عربة، وتضع تحرير فلسطين كإحدى أهم مهامها، وفي هذه الحالة يكون هدف تحرير فلسطين على أرضية أول مجموعة من البلدان العربية متحدة . حينها تتلاشى الدعاوى الطائفية والمذهبية والإقليمية لصالح البعد المركزي وهو البعد القومي. وفي هذه الحالة يكون موقع الكيان خارج هذه الترتيبات ويكون التناقض معه تناحرياَ، وليس كما كتب كثيرون في غمرة تعشُّقهم للتسوية والاستسلام أي ما هو ابعد من كونفدرالية اردنية فلسطينة مع الكيان بل كانوا يضمون لها سوريا[11].
بقي أن نشير، إلى أن الكونفدرالية إضافة إلى كونها تشطب حق العودة، فإنها تقوم كذلك بتقاسم "التعويض" وهو الأمر الذي سوف يجرد اللاجئين حتى من التعويض نفسه، إن حصل. وهذا يفتح على وجوب مقاومة هذه الكونفدرالية شعبيا بمختلف الوسائل[12].
[1] لنا ان نتذكر أن موشيه ديان كان وزير الحرب الصهيوني آنذاك وكان يقيم علاقات حميمة مع شخصيات تقليدية محلية ومع الأردن وضمن رؤيته كانت سياسة الجسور المفتوحة مع الأردن. أي باختصار كان العامل المقرر هو الكيان.
[2] من اللافت أن مثقفين ومفكرين قوميين ويساريين قد استكانوا لهذا الموقف من الأنظمة قومية الاتجاه مأخوذين بالاختلاف معها أو ربما بموتورية فردية من البعض، فتغاضوا عن إنجازاتها وتغاضوا عن مخاطر الأنظمة التابعة إلى درجة سهل فسير تاباتهم مواقفهم لصالح أنظمة التبعية. وهكذا، حين بدأ مشروع تصفية هذه الأنظمة وخاصة العراق وليبيا وسوريا اصطف هؤلاء مع الثورة المضادة!
[3] من المفارقات السوريالية أن عمرو موسى الأمين السابق لجامعة الدول العربية والذي دعا مجلس الأمن لإرسال الناتو لاحتلال ليبيا صار من قيادات المعارضة المصرية لسلطة الإخوان المسلمين في مصر! وسلطة الإخوان تطالب مجلس الأمن باحتلال سوريا!
[4] إن أي نظرة دقيقة لهذه الأطروحات تؤكد بأن طارحيها هم من معسكر متعاقد جديد هدفه سقوط سوريا عبر توريطها منفردة في حرب مع الكيان والمركز الإمبريالي بهدف التخلص من اية مقاومة أو ممانعة. فتحرير اي شبر عربي في هذه المرحلة لن يكون فقط دور قطر لوحده. ربما ارسى عبد الناصر هذه المسألة منذ عقود حينما كان يقول ليست لدي بعد خطة لتحرير فلسطين، ولا شك أن الرجل كانت لديه خطة هي الوحدة العربية. ولا حاجة للتذكير بأن السعودية ونظام مبارك دعمت الكيان ضد حزب الله في حرب 2006.
[5] بالمناسبة، كان مبرر الأمم المتحدة في تشريع الغزو الأميركي 1991 ضد العراق بعد تحريره الكويت 2 آب 1990، بأن الكويت عضو في الأمم المتحدة رغم أنها الولاية 19 من العراق. وحينما قررت الولايات المتحدة غزو العراق وهو عضو حقيقي في الأمم المتحدة لن تغضب الأمم المتحدة ورغم انها لم تدعم العدوان قبل وقوعه لكنها عادت واعترفت به! والطريف ان فضائية مثل المنار كفضائية مقاومة تستضيف عراقيين يهاجمون الطائفية ويقفون على أرضية طائفية يشتمون صدام حسين ويقولون نحن اسقطنا نظامه؟ ومع ذلك يبتسم مذيع المنار دون أن يجرؤ على تصحيح المدعي ليقول له: يا رجل كل العالم يعلم أن النظام اسقطته الجيوش الأميركية وتوابعها.
[6] أنظر مقالة عادل سمارة، ثنائية القومية والحكم الذاتي الثقافي ودولة لكل مواطنيها –مشاريع صهيونية، في مجلة كنعان العدد 85 لسنة 1997 ص ص 33-50. والمقالة تفنيد مبطر لصهيونية د. عزمي بشارة في فترة كانت قوى المقاومة والممانعة تستقبله كفاتح. والطريف أن هيئة التنسيق الوطني السورية وأعضاء محترمين فيها، حتى بعد انكشاف بشارة دعاهم للحضور في الدوحة فاستجابوا! فهل ينقد أحد منهم نفسه على الأقل الآن؟ وبمعزل عن بشارة، هل قطر المكان (النظام والدولة) التي يتلقى فيها مثقفون ومفكرون كيف يحلوا معضلة سوريا؟ هل ثلاثي عضو الكنيست (المندوب السمي الصهيوني)، وممثل الإخوان وحاكم قطر هم من يُحجُّ إليهم في اي أمر؟ مساء 14 كانون ثان 2013 بدأ السيد هيثم مناع حديثه بأن ثلاثة من قادة هيئة التنسيق دعها بشارة إلى الدوحة وذهبوا إلى هناك، وقال بأن احدهم معتقل في سوريا. لا بأس فهذا نقد في محله، ولكن السيد مناع لم يعتذر للأمة العربية ولسوريا عن ذهاب قيادته لتلقي تعليمات، وربما غير ذلك من مندوب الكيان!
[7] نتذكر هنا النكتة السمجة بأن فؤاد السنيورة انتقد حزب الله لأنه لم يخبر حكومته بأنه سوف يدخل حربا ضد الكيان! هل يمكن لمقاوم أن يكشف أوراقه لحكومة كهذه هدفها نزع سلاح المقاومة رغم وجود الاحتلال!
[8] يُوجه نفس النقد للكيان الصهيوني الذي يحصل على مساعدات تصل نسبتها النسبة في الأردن، ولكن مع فارق من شقين على الأقل: الأول أن الكيان يحيل قسطا كبيرا من هذا التمويل إلى قطاعات الإنتاج وخاصة العسكري التي تدر عليه أرباحاً وارتباط المستوردين به سياسياً وأمنياً، والثاني تمويل قطاعات الإنتاج عامة وخاصة التكنولوجيا المتقدمة.
[9] للإضاءة على لفيف من المتعاقدين اقتصاديا ولبراليا في الأرض المحتلة مع النيولبرالية أنظر لهذا الأمر مقالة عادل سمارة ، استلاب التمول واغتراب التنمية في مجلة كنعان العدد 149 ربيع 2012 ص ص 7-25.
[10] لذا لا غرابة أن يكون عدد الأردنيين العاملين في قوات حفظ السلام 50 ألفاً وهو ثالث حجم لجنود دولة واحدة وهو عدد هائل في بلد بحجم الأردن يؤكد انه أمر يقع في نطاق مكافأة هذا البلد على دوره. أما سلطة الحكم الذاتي، فتعبر عن دورها عبر التطبيع والتنسيق الأمني مع الكيان ناهيك عن تكريس إعلامها ضد نظام القذافي إبان غزو الناتو 2011 وإرسال بعثات أنجزة ودبلوماسية إلى النظام الجديد ناهيك عن وقوف هذا الإعلام ضد سوريا حالياً بشكل يثير كثيراً من التساؤلات.
[11] من بين من تحمسوا كثيرا للسلام مع الكيان الصهيوني الإشكنازي إبرهيم الدقاق مؤسس الملتقى الثقافي العربي في القدس وخاصة ورقته " مستقبل الاقتصاد الفلسطيني" حيث يعرض رؤية تشكيل كتلة اقتصادية يسميها "بر الشام" تتكون من الكيان والأردن والمناطق المحتلة وسوريا ولبنان! انظر نقد عادل سمارة لهذا الطرح ولطرح كثير من المتعاقدين في كتابه ، التنمية بالحماية الشعبية، منشورات مركز الزهراء القدس 1990، ص ص 47-55. يجدر التذكر أن هذه الأطروحات كانت سابقة حتى على مؤتمر مدريد واتفاق أوسلو حيث تحمس المتعاقدون أكثر بعدهما. وأما الأكثر طرافة، فهو أن المؤتمر القومي العربي الذي انعقد بعد نشر هذه الأطروحات كان يستقبل السيد الدقاق كممثل للأرض المحتلة؟ هل السبب أن المؤتمر تطبيعي، أم أن الناس لا تتابع؟
[12] انظر بصدد فخ التعويض مقالة عادل سمارة اللاجئون بين العودة والتعويض في مجلة كنعان العدد 132 عام 2008 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق