فى البدء كانت الكلمة ، ثم كانت الصورة ، لأنه وكما يقول أرسطوا : " التفكير بغير صورة مستحيل " ، وكما يقول القدماء من أهل الأصول : " أن الحكم على الشئ فرع من تصوره " .
صارت الصورة توأم الكلمة ، وديوان لأحوال الدنيا وهيئات البشر !!
بهذه الكلمات بدأ الكاتب الصحفى ياسر بكر - الصحفى بدار الهلال - كتابه الذى يحمل عنوان " اخلاقيات الصورة الصحفية " وهو كتاب مثير إذ انه يقتحم مجال قليل المصادر ونادر التحليل ـ ليسلط الضوء على علمه واخلاقياته وهو مجال الصورة الصحفية ، لاسيما انه دعم الكتاب باستطلاع علمى بذل مجهود خارق بالقيام فيه على اكثر من مائة مصور صحفى .
ولم تقتصر الاثارة حول المعلومات المصورة بل ايضاً عند المعلومة المكتوبة فالكتاب ينقسم الى قسمين الكلمة والصورة اما عن محور الكلمة فهو يدور حول بيان اسباب انهيار الكلمة ، وانعدام مصداقيتها خاصة لسبب الاستبداد السياسى او لأسباب تعود للصحفيين انفسهم ، وابرزها السلوك المنحرف وانتهاك المعايير المهنية .
أما عن الصورة الصحفية ، فقد عرض الكاتب لتعريف الصورة ، ونشأة التصوير الصحفى ، والتأثيرات الجثمانية المصاحبة للصورة ذات التأثيرات العاطفية ، وتناول بالتفعيل فن صناعة الصورة وعرض لعديد من الأمثلة على أهمية الصورة فى تأكيد المصداقية مثل صورة سقوط بغداد ، والتفوق العسكرى لحزب الله فى حرب يوليو( تموز ) 2006 ، ومحاكمة مبارك ، ومقتل القذافى . .
ويؤكد المؤلف فى كتابه على أن الصورة كان لها الكلمة العليا والقول الفصل عندما اختلف الفرقاء فى ادعاءاتهم ويدلل على ذلك بواقعة ظهور سيف الإسلام القذافى فى مؤتمر صحفى من باب العزيزية فى 2 أغسطس 2011 بعد ساعة من إعلان المقاومة الليبية نبأ القبض عليه بما أسهم فى انهيار مصداقية إعلام المقاومة وأشاع حالة من الإحباط فى الشارع الليبيى . .
كما يؤكد المؤلف على دور الصورة فى صنع القرار ويضرب العديد من الأمثلة منها :
ـ صورة "نك أوت" مصور "الأسوشيتد برس" للطفلة الفيتنامية "كيم فوك" وهى تهرب عارية من قصف النابالم ، والتى جعلت الرأى العام الأمريكى يطالب يطالب بإنهاء الحرب القذرة فى فيتنام . .
ـ صورة الشاب السكندرى خالد سعيد التى نشرها نشطاء على موقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك "، والتى بناء على ما جاء فى تفاصيلها ودلالاتها ؛ تم إعادة النظر فى القضية لينال الجناة جزائهم .
ـ الصورة التى التقطها مصور رويتر للفتاة "المسحولة " فى ميدان التحرير والتى أغضبت الرأى العام فى مصر والعالم ، مما حدا بالمسئولين للتشكيك فى الحادثة ، لكن أمام طغيان الصورة وسطوتها لم يجد المسئولون بداً من التراجع عن إنكار الواقعة ، والتصريح بأنها تجاوز يجرى التحقيق فيه . .
أما عن الملاحظات المثيرة للجدل هو الجزء العملى الخاص باستطلاع رأى يتعلق بالمصورين الصحفيين :
ومنها أن 68 % من المصورين مجرد "مصوارتية " بدأوا عملهم فى تصوير الأفراح والحدائق العامة والحانات ، و90 % من العينة ليست لديهم معرفة أو معرفة محدودة بمفهوم التصوير الصحفى ، وأن الأمر المؤسف هو معاملة الصحف للمصورين باعتبارهم من الدرجة الثانية .
عرض الكتاب لعشرات النماذج من الصور " المفبركة " ، ومنها للأسف الصورة الـتى دأبت الصحف على نشرها فى ذكرى انتصار أكتوبر حتى صارت أيقونة لهذا النصر المجيد ، وصورة غرفة عمليات حرب أكتوبر التى حذف منها الفريق سعد الدين الشاذلى ، وصورة لطيور غارقة فى جزيرة ألاسكا تم توظيفها فى غير سياقها على أنها من تداعيات تلوث البيئة الناجم عن العدوان العراقى على الكويت . .
أما أكثر الصور إثارة فكانت صورة لمبارك فى البيت الأبيض مع أوباما والملك عبد الله ومحمد عباس ونتنياهو التى التقطها تشاك كيندى كبير مصورو البيت الأبيض ، وأعادت الأهرام نشرها بعد التلاعب فى تفاصيلها بما يجعل مبارك فى المقدمة !!
كما تناول الكتاب قضية أخلاقيات الصورة والتى أثيرت بشدة عقب حدث اغتيال الأميرة ديانا التى أرجع الأنجليز مصرعها إلى المطاردات الفضولية للمصورين الصحفيين ، وجاءت أبرز الأخلاقيات المطلوبة فى الصورة الصحفية فى :
ـ مصداقية الصورة وعدم التلاعب فى تفاصيلها أو استعمالها فى غير الغرض الذى التقطت من أجله .
ـ احترام الخصوصية وعدم هتك ستر أو انتهاك حرمة الأماكن أو استراق صور دون إذن أصحابها.
ـ احترام حقوق الملكية الفكرية وحقوق النشر للمصور ، وعدم العبث بمصنفه أو تشويهه .
ـ احترام القوانين والمواثيق الدولية خاصة فيما يتعلق بصور الأسرى وجثث القتلى من الخصوم وحقوق السجناء .
ـ احترام الضعف الإنسانى لضحايا الحوادث والكوارث وعدم التطفل على أحزانهم . وإذا كانت هناك ضرورة لتصويرهم فيجب التركيز على حالة الضعف الإنسانى لا شخوص الضعفاء .
ـ الامتناع عن تصوير المشاهد التمثيلية أو المفبركة ، وإدخال الغش والتدليس بتقديمها للمتلقى على كونها حقيقة أو حدث أو قصة خبرية .ـ احترام حقوق الحيوان والبيئة .
.. إن ما يجمع عليه أساتذة وخبراء الإعلام هو أن نشر الصور التى تستهدف التشهير والتشنيع والمبالغة وإثارة الغرائز ، لا يعبر عن السقوط المهنى والأخلاقى للصحيفة فقط ، بل يتعداه إلى انحطاط مستوى الشعب والصحيفة معا. .
.. ورغم بعض التجاوزات فى إساءة استخدام الصورة ؛ يظل المجد للصورة الصحفية لكونها وثيقة تاريخية وثقافية جعلتها من أهم النوافذ للإطلال على العصر التى التقطت فيه وملامحه وأحداثه.
لكن الحقيقة المؤكدة أن كتاب " أخلاقيات الصورة الصحفية " للزميل ياسر بكر إضافة حقيقية سدت الفجوة فى المكتبة الإعلامية بشأن ركيزة تعد من أهم ركائز العمل الصحفى وهى الصورة الصحفية
هناك تعليق واحد:
ان هذا التحليل ناقص نوعا ما اليس هذا صحيح.
إرسال تعليق