هكذا تألق صدام حسين
هكذا تألق صدام حسين، رمزاً إنسانياً خالداً، ففي يوم استشهاده، الذي تمرُّ ذكراه اليوم إليكم قصيدته الرائعة
هذه القصيدة الشهيرة قالها الشهيد بإذن الله صدام بعد أن تجادل مع القاضي رؤوف عبد الرحمن.
فقال له صدام: عندي بيتين أهديك إياهم. قالها مبتسماً. عندها أدرك القاضيان صدام لا يقول شيئاً إلا وله مدلولات. فضغط على الزر الذي يمنع وصول الصوت إلى اللاقطات. ولم يسمع القصيدة إلا من هم داخل جلسة المحاكمة. وقد سربها محامو الرئيس:
لا تأسفنَّ على غدرِ الزمانِ لطالمـا
|
رقصت على جثثِ الأســودِ كلابا
| |
لا تحسبن برقصها تعلوا على أسيادها
|
تبقى الأسودُ أسوداً والكلابُ كِلابا
| |
يـا قمـةَ الزعمـاءَ، إنـي شاعـرٌ
|
والشعـرُ حـرٌ مـا عليـهِ عتـابا
| |
إنـي أنـا صـدّام، أطلـق لحيتـي
|
حيناً، ووجـهُ البـدرِ ليـس يعابا
| |
فعلام تأخذنـي العلـوج بلحيتـي
|
أتخيفُـها الأضـراسُ والأنيـــابا
| |
وأنا المهيـب ولـو أكـون مقيـداً
|
فالليث مـن خلف الشباك، يهـابا
| |
هلا ذكرتم كيـف كنـت معظمـاً
|
والنهـرُ تحـتَ فخـامتي ينسـابا
| |
عشـرونَ طائـرةٍ ترافـقُ موكبي
|
والطيـر يحشـر حولـها أسـرابا
| |
والقـادة العظمـاء حـولي كلهـم
|
يتزلفـونَ وبعضكـم حجّــابا
| |
عمّـان تشهـدُ والرباطُ، فراجعوا
|
قمـمَ التحـدّي ما لهـنَّ جـوابا
| |
وأنـا العراقـي الـذي في سجنـهِ
|
بعـد الزعيـم مذلـة، وعـذابا
| |
ثـوبي الـذي طرزتـهُ لوداعكـم
|
نسجـت علـى منوالـهِ الأثـوابا
| |
إنـي شربـتُ الكأس سمـاً ناقعـاً
|
لتـدارَ عنـدَ شفاهكـمُ أكـوابا
| |
أنتـم أسـارى عاجلاً أو آجـلا
|
مثـلي وقـدْ تتشابـه الأسبـابا
| |
والفاتحـونَ الحمرَ بيـن جيوشُكم
|
لقصوركم يوم الدخـول كـلابا
| |
توبـوا إلى شـارون قبل رحيلكم
|
واستغفـروه فإنـهُ، تــوّابا
| |
عفـواً إذا غـدت العروبـةَ نعجةً
|
وحمـاةُ أهليـها الكـرام ذئـابا
|
صدام الذي عرفت..
محاولة للدخول إلى الرجل، وإلى المشروع الذي حمل..
جلال عقاب يحيى - الجزائر
مقاربات.. ومدخل:
ليست الكتابة في، وعن صدام حسين بالأمر اليسير، ذلك أن أسباباً، وموجبات متداخلة تقتحمنا، لابدّ من المرور عليها بسرعة.
يصعب الكتابة عن الوجه المشرق، الخصب، المعطاء، الكبير، والاستثناء (بالقياس إلى الأوضاع العربية) لكل من صدام حسين: القائد، والإنسان، ومعه البعث ونظامه، لفترة زمنية تمتدّ من العام 1968، وحتى لحظة إعدامه: عيد الأضحى المبارك، أوآخر أيام 2006، بموضوعية، وشيء من الحيادية دون التطرّق إلى الوجه الآخر: الفردي، الأحادي، العنيف. ودون الإشارة إلى سلبيات ناتجة عن إشكاليات بنيوية، وعن وتيرة مسار المشروع القومي النهضوي، وإخفاقاته، وتدهوره، وانكماشه (بفعلين متداخلين: ذاتي وخارجي).
وعن حدة وشمولية الفعل الخارجي، إن كان لجهة إيران، ومهما كان تقييم مشروعها، أو لجهة: أمريكا والصهيونية العالمية، ولجهة الحالة الكردية (الثغرة، والجرح المفتوح)، وامتداداتها: الإقليمية، والدولية، وحجم توظيفها في الانقضاض على النظام (بما يهدف، وبما يحمل من مشروع قومي).
دون نسيان "الحالة التشيعية"، خاصة بعد قيام "الجمهورية الإسلامية"، المؤمنة، باختلاط متشابك، بمشروعية "تصدير الثورة"، وأقله "حماية الشيعة". وهي الحالة التي نقصد بها، على طول الخط، تلك السياسية، المرتبطة بمشروع خارجي، والحاملة إرث الحقد التفكيكي، وإرث المظلمة التاريخي للشحن، والتجييش، وتوريم النفوس.
إنني ابن تجربة تنتمي إلى نفس الجذر، وإن اختلفت عنها في مسائل كثيرة، وإن أعلنت الافتراق، والطلاق عن النظامين البعثيين الحاكمين في كل من سورية، والعراق. وحاولت إرساء خط، ونهج مختلفين، على قاعدة: وعي جذور الأزمة في "حركة التحرر العربية" عموماً، وحركة البعث بوجه الخصوص، ومحاولة تناولها برؤية نقدية شجاعة تحقق: الاستمرارية والتجاوز بآن. (رغم الصعوبات، والاختلاطات، والتداخلات، ورغم الفشل والهزيمة في الكثير من المفاصل، والآمال)، وعلى قاعدة: رفض الأحادية، ومنطق الاحتكار، والوصاية، والإنابة، ومفرخاته في الاستبداد، والقمع المنهّج، والدكتاتورية، واختيار الديمقراطية: حاضنة، ونهجاً، وطريقاً.
تجربتنا (القصيرة) في السلطة، ومهرنا الكبير الذي دفعناه ثمناً لمواقف مبدئية (مئات المعتقلين، والشهداء، والمعذبين، وآلاف الأطفال والعائلات التي حرمت من الأب، والأخ، والابن، ومن حق الحياة، ومئات الممنوعين من العمل والسفر، والمطاردين، والمطلوبين، وهو عمرنا بالنتيجة). ووعينا الذي اكتسبناه: بالمعاناة، والحوار، والتأمل والتحليل. يختلف جذرياً عن القبول بفكرة الحزب الواحد، القائد، الكلي، الجبروت. ناهيك عن تعظيم الفرد، وإطلاق يده في صلاحيات لا حدود لها، وتحوله من قائد، أو مسؤول في حزب ونظام. إلى الحزب، والنظام، والوطن.
وبالوقت نفسه، وأنا أرفض الكتابة عن الأشخاص، أو تمجيدهم، أو النفاق لهم. فإني أعترف أن (موضوعيتي) ملوثة بعاملين متراكبين:
الأول: بقايا التعبئة غير الموضوعية على النظام العراقي ورموزه، تلك التي عشناها زمناً، وحاولنا تجاوزها عقلياً. لكن آثارها ظلّت كامنة، تبحث عن أية ثغرة، أو منفذ بالنظام العراقي وقائده (وهي كثيرة وبارزة) للولوج منها إلى ذلك القابع في اللاوعي، لإحياء نوع من تأكيد الذات.
الثاني: مناقض للأول، ومشتقّ من مشاهدات، وزيارات متعاقبة للعراق، ومن تتبّع للمشروع العراقي الذي حاول النظام التعبير عنه، وكان الرئيس صدام أصدق، وأوفى، وأنضج المجسدين له.
دون أن ننسى إقحام العامل الخارجي: العنيف - الجبروت - التآمري على خط وعينا، وموقفنا. وقد وصل مداه في غزو العراق وتدمير الدولة العراقية. وفي إخراج قيحه الكحلي، في إعدام الرئيس، بتلك المحاكمة الهزلية، والتوقيت، والطريقة. وبكل الذي يجري في العراق.
استخلاصاتنا الأهم
إن غياب الديمقراطية، والتعددية، وسياسة الكل الأمني، والقبضة الشديدة. هي العوامل الرئيسة لأزماتنا، وهزائمنا، وأوضاعنا (بغض النظر عن النوايا الطيبة، والصدق، وعن أكوام الإنجازات)، وأن مواجهة التحديات، وبناء دولة المواطنية، والانتماء. دولة الحق والمساواة والقانون. لا تتحقق إلا بالديمقراطية ومفرداتها، ومنتجاتها، وألف باءاتها: التعددية، والتداول السلمي على السلطة، ووضع الشعب في موقع المسؤول عن خياراته، ونظامه، عبر انتخابات حرّة، متكافئة.
الثالث: ويرتبط بحالة الإرهاب الجاثمة علينا، والتي نمارسها على قناعاتنا، وعواطفنا. وهي حالة اختلاطية. نجح الأعداء في فرضها بعد أن ضخوا، ولسنوات، حرباً ضارية، منظمة، لئيمة على النظام العراقي عموماً، وشخص الرئيس صدام حسين خصوصاً، خاصة ذلك التركيز المحموم على المشرق، والأساس فيه، وما، جز، وفعل: بناء عراق قوي مستقل، وتحدي اللاءات الإمبريالية، ورفض الانصياع للقبول بالكيان الصهيوني، ورفع راية فلسطين العربية (من البحر إلى النهر) حتى آخر لحظة من حياته. حتى صار في مخيال قطاعات شعبية، ولدى عديد المثقفين، والعاملين في مجال هيئات المجتمع المدني، ومنظمات حقوق الإنسان أنموذج الطاغية - المجرم - السفاح والسفاك، وغيره كثير من الأوصاف. (بينما تغمض العيون، والمعلومات عن جرائم فظيعة ارتكبها ويرتكبها حكام عرب بحق شعوبهم، ويدعم اليمين الصهيوني لإدمان القتل والاغتيال والتدمير والاستيطان، ويقف مجرم العصر بوش: المسؤول الأكبر عن المذابح، والإبادة البشرية، مفتخراً بما يفعل، ومشيداً بـ"إعدام صدام حسين، الذي سيكون نقطة تحول على طريق إرساء الديمقراطية"!!!!!!.
هنا، وإن استبقت مجرى (هذه المحاولة) فإني أدرك، ومنذ سنوات مديدة، أن حرباً أقسى، وأشرس من تلك التي خيضت على العراق عام 1991، ومن الحصار الوحشي، الاستثناء. تشنّ في مجال الإعلام، و"مراكز البحث والدراسات" ودوائر التخصص الصهيونية والأمريكية، والغربية على العموم، وغيرها، بما فيها عديد النظم العربية، وخونة العراق. لتشويه الإنجازات العراقية، وشخصية الرئيس صدام، بدءاَ من قتل المكانة التي انتزعها في قلوب ملايين العرب والمسلمين، وأحرار العالم كبطل قومي، ورمز للمقاومة، والتحدي، وكأول زعيم عربي ينتج صواريخاً تضرب "إسرائيل". ثم الإيغال في صناعة الدجل والخلط فيما يسمى بـ"المقابر الجماعية" وغيرها من المجازر والجرائم التي نسبت للنظام، والتي لم تبتّ بحقيقتها أية جهة قضائية، أو دولية مستقلة.
كل ذلك كان مقدمات لـ: غزو العراق وتدميره، ومحاولة إعدام الخط القومي، وما مثله صدام حسين من معاني الإباء، والعروبة، ورفض المساومة.
شدة الحرب الإعلامية المدروسة، ونجاحها الملحوظ. جعلت جلّ المنتمين إلى الخط القومي، أو إلى خط مقاومة السياسة الأمريكية - الصهيونية رهينة هذه الحالة الإرهابية، وكأنهم بحاجة لإثبات مصداقية ديمقراطيتهم، وانفتاحهم، وعشقهم للإنسان وحقوقه (كغاية أسمى) بأن يعلنوا نوعاً من البراءة من "نظام صدام حسين وجرائمه"، وأن يبدأوا أحاديثهم بـ"إدانة سياسة المقابر الجماعية"و" الديكتاتور"، وعديدهم يتسابق لنوع من توبة، وهو يحرص على البقاء في المنطقة الرمادية.. فتأتي و"لكن.." تعبيراً فصيحاً.
إن طريقة، وتوقيت إعدام الرئيس صدام، وفيض الحقد الأسود الذي عبّر عن بعضه أثناء الإعدام، وذلك القابع تحت العمائم السوداء، والبيضاء، لدى "المراجع" الإيرانية وتوابعها (ناهينا عن "إسرائيل"، وأمريكا، وبريطانيا، والكويت). وقبله، وبعده: تلك الوقفة البطولية النادرة للرجل الشجاع، المؤمن الذي واجه ذروة الحقد والظلم برباطة جأش لم يحدثنا التاريخ عن أمثالها كثيراً، مسقطاً أرضاً أعداءه، ومرسخاً قيمه كرمز لن يموت.
لقد صفع صدام حسين رأس العرب والمسلمين وأحرار العالم بوقفته المدّوية، وكأنه يعلن: أما قلت، وأنذرت.. أما نبّهت.. وقاتلت.. فكنت على حق.
رسائل كثيرة، كبيرة خطها صدام حسين بصموده الأسطوري، وكلماته الدّالة، ووقفته. تجعل أصحاب الضمير أمام مراجعة صادقة لمسار الأحداث، ولإعطاء الرجل - الإنسان، والقائد، والمقاوم حقه، ومكانته في التاريخ.
بدايات التعرف على العراق وما يجري فيه:
ما زلت أذكر تلك الليلة الطويلة التي سبقت سفري لأول مرة إلى بغداد، لاستكمال حوارات مع قوى معارضة سورية بغية إنهاض جبهة عريضة على أسس واضحة، متفق عليها، بعد أن ضاقت بنا مدن العرب والعالم، فلم نجد مكاناً آمناً، أو ممكناً، وكنّا ممن لا يحبذون بغداد مكاناً، أو منطلقاً لعمل سوري جماعي، لاعتبارات متداخلة.
كوابيس احتلّت يقظتي، فاندلق ماض مليء بالحقن، والأحكام، والتعبئات المنوّعة، الحاملة لكل أنواع التهم، بما فيها العيار الثقيل، الذي يتجاوز التصنيف الأيديولوجي - الفكري، وحتى السياسي، إلى نوع من الخوف المجلبب بأفانين تلك التعبئات وما أوغلت فيه، وكأنني أزور "تل أبيب"، وليس عاصمة عربية، يعلن فيها، وبغض النظر عن رأيي بالمحتوى، اسم البعث، والأمة، والعرب.
ربض أمامي وأنا أناقشه بروحية الحذر، المتردد، فأقدم، وأحجم، وأسوق المبررات ثم أنسفها، وإذ بي أمام أكوام من الانتقادات، والملاحظات، والهواجس.
وكنا قد اتخذنا، بشكل مسبق، توجهاً واضحاً بأن نفصل: بين المهمة التي أنوي القيام بها، وبين النظام (بما له وعليه)، وأن لا نخوض أي نقاش، ولا نقيم أية علاقات سياسية مع جهات رسمية، وألا نتعاطى مالياً مع النظام، أياً كانت ظروفنا. وأن تقتصر العملية على الأطراف السورية، خاصة وأننا كنا قد اتفقنا، في حوارات سابقة على المبادئ الأساسية للعمل الجبهوي (كان الرئيس الشهيد ياسر عرفات قد وفّّر لنا مكان الحوار وحمايته، لكن الخارجية السورية احتجّت معترضة، فأحرج الرئيس عرفات، ولم يعد أمام استكمال الحوار من مكان آخر سوى بغداد، التي رحّبت، وأعلنت أنها لن تتدخل في شأن يخص المعارضة السورية)، وأهمها: الاستقلالية عن جميع النظم - المساواة والتكافؤ بين جميع الأطراف - الديمقراطية: نهجاً، وتعاملاً، وتجسيداً.. الخ.
كنت ابناً لذات الحزب الذي انقسم، ثم اشتعلت بين جناحيه حرباً لا تبقي ولا تذر، بكل وقودها الاتهامي، وانعكاساتها،على الحزب (أو الحزبين)، والبلدين، والأمة. وكنا - أيامها - مؤمنين أننا بصدد تجربة نوعية - يسارية. تحمل آمالاً وأحلاماً ببناء حزب يقود ولا يكون مقاداً، أو واجهة، أو مطية. وأن اليسار (المتطور) استنادنا، وعنوانناً للتفارق، والتقويم، والتصنيف، والتمايز، وأشياء كثيرة رافقت تلك الحرب الضروس.
وأن الآخر: يمين، ومتخلّف، وكثير من الأوصاف، والتهم. وبالتالي، ومما لا شكّ فيه: أننا البعث: بدءاً، وميراثاً، وشرعية. وأننا الحق، والآخر باطل، أو مزيّف، وملغوم.
وكانوا بدورهم يذهبون مديات أبعد في الاتهامات، خصوصاً وأن "الشرعية التاريخية" ممثلة بالأستاذ ميشيل عفلق (القائد والمؤسس) وعدد من رفاقه التاريخيين هم من أبعد وفصل في حركة (23 شباط 1966). وكان منطق المؤامرة (عند الطرفين) هو الأسهل في تفسير جوهر الخلاف، وفي إقرار ما تعرّض له البعث من انقسام كبير يعبّر، في أحد وجوهه الرئيسة، عن أزمة بنية، وأزمة فكر، وأزمة تركيب، وأزمة برنامج، وأزمة حكم، وأزمة وعي وقيادة، ونخب وطلائع، وأزمة وعي الواقع وسمات المرحلة على ضوء الإمكانات، والمتغيرات، والتأثيرات الإقليمية والدولية، وأزمة ديمقراطية وتقاليد مؤسساتية، وأزمة ثقة بالنفس والمبادئ.. والخ. وأن السلطة التي وصل إليها (عن طريق انقلاب عسكري شارك فيه رفاق عسكر بعثيون) أكبر من العموميات، والشعارات، والمقولات العامة.. وأنها الامتحان والكاشف.
سقطت تجربتنا (بتراكب أزمتها الداخلية مع الفعل الخارجي)، ونجح العسكر بقيادة الأسد في الانقلاب، والدوس على الشرعية، والنظام الداخلي، ومؤسسات الحزب، وفرح نظام البعث في العراق بـ"إزاحة الخصوم"، بعد أن قدّموا أشكالاً مختلفة من الدعم للأسد، قبل وبعد انقلابه، اعتقاداً بأنها الفرصة لإعادة وحدة الحزب، وإعادة "القيادة التاريخية" إلى مواقعها. فـ"خذلهم" الأسد، صاحب المشروع الخاص به، والذي امتطى البعث لتنفيذ ذلك المشروع، المنبثق من، والمتناغم مع تحولات عربية ارتدادية، ومع ضغط خارجي ملموس لفرض خط، ومناخ، وفكر، وقوى التسوية و" الاعتدال"، والمصالحة مع الأعداء التاريخيين.
سقطت آمال بناء "حزب ثوري" من داخل الحكم، وحدث ما يشبه الانهيار، حين التحق معظم ذلك التنظيم بالانقلاب، وحين لم تستطع قيادة الحزب الإجابة (الموحدة) على جملة الأسئلة المركزية التي ولّدها الانقلاب، وهزيمة حزيران قبله، وبروز "التكتل العسكري" وطرق التعامل معه، وصولاً إلى ظروف انعقاد (المؤتمر القومي العاشر الاستثنائي)، وقراراته بفصل الأسد، ثم طرق مواجهة المرحلة الجديدة، وعشرات الأسئلة المتداخلة، المربكة، بما فيها "المراهنات"، والوعود الخلّبية، وسياسة الانتظار.
سقطت تلك المحاولة، وانبرى الإطار المتقدم لإعادة التنظيم وفق رؤى مغايرة تهدف إلى "إحداث تغيير جذري" ينبثق من وعي مفاعيل الأزمة (الأزمات)، ويستجيب لما اعتقد أنه بيت القصيد في تلك الأزمات.
لكن إرث الاتهام، والتعبئة، والتقويم المتأثر بالصراع الذاتي، والصراع على الإرث، والمشروعية، لم يسقط داخلنا، وإن اكتسى بعداً جديدا ينتمي إلى "امتلاك المنهج العلمي في التحليل والتركيب". وبالتالي: إطلاق حكم شامل على النظام العراقي وفقاً لذلك التحليل المستمد من النظرية الثورية، والخاص بالأجنحة العليا في البرجوازية الصغيرة التي تستكمل، وهي في الحكم، دورة ارتدادها باتجاه نوع من "البرجوازية البيرقراطية المسلّحة بطعم خاص من الفاشية، وبأنياب قمعية شمولية".
ورغم أننا اعتقدنا، ونحن نختار الانتماء إلى النظرية الثورية، ونطرح مقولة "التحول" التي تعني في جوهرها: التجاوز للانتقال إلى مواقع أخرى، توفر لنا مساحة كبيرة من التمايز عن (أحزاب البرجوازية الصغيرة، بأجنحتها المتعددة)، بأننا سنصبح على مسافة واضحة، وقاطعة من أحزاب البعث الحاكمة في العراق وسورية، وبأننا غيرهما، وقد تجاوزناهما. ظهر ارتباك الإرث فينا كبيراً، ومختلطاً، وملتبساً، ومؤثراً، ومتماوجاً، وبدت شهوتنا المفتوحة للتمسّك به كأكثر الأمناء له وعليه، وأكثر المعبّرين عنه وعن تواصله (وربما الوحيدين، حيث أن القابع داخلنا لم يكن يعترف بأن الغطاء الحاكم في سورية هو حزب للبعث، وفي العراق أيضاً). كما ظهر أن كل هذه العملية التحولية ليست سوى قشرة رقيقة لدى البعض فرضتها الأمواج القوية، ومنطق الهروب إلى الأمام.
وجودنا في المعارضة، لعقود، بكل التماوجات والمحاولات والنتائج، فتّح أعيننا على حقائق كثيرة، كان وجودنا في السلطة يخفيها، أو يلونها بألف لون ومبرر، حتى أن المثل الرائج عن "بغل الساقية" فيه الكثير من الصحة.
كما أن تطورنا، المتوافق مع إرادة الحياة من جهة، ومع المتغيرات الداخلية والعالمية من جهة أخرى، سلّحنا بشجاعة الانتقاد، وبالرؤية النفّاذة لجوهر المسائل، ولاستنتاجات ورؤى كبيرة (وإن كانت المتغيرات لم تسمح لها بالتوالد والتجسيد).
وبالوقت نفسه، فعقود المعارضة المترافقة مع سلسلة الانهيارات والهزائم العربية، وانكشاف عورات "النظام العربي" للجميع، وفي الميادين العامة، والنتائج الكارثية لألف باء المشروع القومي - النهضوي (على يد من يدعي الانتماء إليه، أساساً)، شكّلت لدينا ذهنية نقدية (حادّة)، لا ترى غير الانهيار، وأكوام السلبيات، والأخطاء، والانسدادات. فكان يجب بذل الجهد الكبير، القصدي، للبقاء في حيّز الموضوعية، وشيء من واقعية (نسبية) تفرضها الأوضاع العربية، والمتغيّرات الدولية، حين نقوم بالتقويم، والتحليل، وإصدار الأحكام.
كنا مقتنعين، ومن وقت مبكّر، أن الوقائع أسقطت، بما لا يقبل المحاججة والتبرير، مقولة: الحزب الواحد، القائد، والفكر الشمولي. ناهيك عن: الفرد الزعيم.. شبه المعصوم.. وأن الديمقراطية المفقودة، المصادرة هي العامل الأهم في التلاشي، والانهيار، وقبض الريح. ناهيك عمّا فرخته تلك المقولة من إحلال الفرد محل الحزب، فالسلطة، فالدولة، وتحويل الأوطان إلى مزارع وملكيات خاصة، وممالك للرعب، ومستوطنات للنهب، والتسلط، وسحق كرامة، وحياة ومواطنية، وحتى انتماء الإنسان.
كان ذلك قبل عقود من انهيار الاتحاد السوفياتي، وقبل أفانين القتل المنظم، والرعب المعمم، والإفساد، والتوريث. يوم اقتحمت نتائج حزيران الـ1967 وعينا على الإقرار بأننا لسنا وحدنا من يمثل الوطن، وأن لنا فيه شركاء يجب أن يشاركوا. وكان ذلك وعياً بدئياً تطور مع الأيام، إلى الإيمان الكلي بالتعددية، والديمقراطية: نهجاً ومخرجاً وحكماً، وأن على الأنظمة المحسوبة على "حركة التحرر العربية" أن تعيد النظر بأسّ مقولاتها، ووحدانيتها، وممارساتها قبل الطوفان، وقبل أن تواجه المأزق الشامل.
هكذا، وفي صبيحة عيد الأضحى من عام 1989، اتجهنا إلى بغداد عن طريق القاهرة (الرفيق المرحوم مصلح سالم - عضو القيادة القومية السابق، وأنا). فسبقتنا إليه أنباء فاجعة: مقتل عدنان خير الله، وزير الدفاع، وابن خال الرئيس صدام، في حادث طائرة مروحية، فالتفتّ إلى الرفيق (أبو سالم)، وقلت: أي فأل هذا؟.
في مقعد الطائرة كانت أفكاري تروح وتجيء، فتختلط مع تلك الكوابيس الليلية، وتطرح أسئلة مسّتجدة عن الذي حصل، وهل يمكن أن يكون بفعل مرتّب، للتخلّص ممن يقال عنه أنه أكثر المسؤولين قبولاً في الشارع العراقي، وأهم المرشحين لخلافة صدام (إن حدث شيء)، فغمغمت، وقد حضرت أمامي صورة ذلك الاجتماع الحزبي (أيلول 1979) الذي قرر إعدام 23 قيادياً بتهمة "محاولة انقلابية على النظام بدعم من النظام السوري"، وتتالت صور، وأخبار التصفيات في بلدي الحبيب، وفي العراق، حتى بدا وكأن "نظامي البعث" هما الأكثر دموية، واستهانة بحياة وحقوق البشر، حتى لو كانوا رفاقاً، وأخوة درب طويل، ومن أنبل المناضلين وأكثرهم صدّقية ونزاهة وإخلاصاً.
صدمتني الصور الكثيرة المنتشرة في كل مكان، واسم المطار، وهذا (الإغداق) في تعظيم الفرد (أياً كان). وذكّرتني بمثيلاتها في بلدي، وكأنهما يتسابقانـ اقّشعر بدنيـ ولم تكن التماثيل قد انتشرت بعد.
وانهالت أسئلة كثيرة طالما تداولها ذهننا عن موقع الفرد في التاريخ، وعن الشرق وخصوصياته، وصناعته للبطل، وأفكار "المستبدّ العادل" السارية في دماء وعقول وثقافة المنطقة، وذلك المستورد من التجربة الاشتراكية، خاصة صورة ستالين.. وماو.. وكيم إيل سونغ.. وربما كاسترو.
وطالما استغربت، ونحن نعيش حالة الأسد، وكيف كبّر، ونفخ به، وبإمكاناته، ودوره، وصولاً إلى القدسي، والمقدّس، والتعظيم والمعظّم، والأبدي المؤبّد، وهو الذي عرفناه، وعرفه رفاقه الأكبر مني سناً، بأنه لم يكن متميزاً لا بثقافته، ولا بمواهبه القيادية، ناهيك عن التنظير، والحنكة، وتلك القدرات التي انهالت وانهمرت في توصيفه، حتى لم تبق صفة في اللغة العربية (الواسعة) إلا وأغدقت عليه.
وكثيراً ما طرحت أسئلة ساذجة عن حالة هؤلاء وهم يرون آلاف الصور المعلّقة لهم، هم الذين جاؤوا من أصول فلاحية بسيطة، وآمنوا بأفكار تعظّم الشعب، وتدعو إلى تقدمه، وتثويره، وتجاوزه للموروث من العقد والتركيبات الماقبل قومية، وحتى رأسمالية، كنت أقول: هل يقبلون ذلك؟. هل يتمّ التكبير، والتلفيق، والتقديس، وغيره كثير، بمعرفتهم، و أوامرهم، أم أن جهات مختصّة بالنفاق، والتلغيم، هي التي تزيّن لهم، وتسهل الانزلاق؟. وهل يصدّقون أنهم من طينة خاصة، ويملكون قدرات خارقة لا يملكها غيرهم؟؟؟.
وماذا يبقى من حزب، ونظام، ووطن تمرّكز فيه كل الصلاحيات بيد شخص أحد؟؟. وأين موقع القيادة الجماعية، أو الرقم الثاني (لو حدث "مكروه" للقائد)؟؟. بل وأين الوطن ومستقبله؟؟.
أمور كثيرة اجتاحتني وأنا أرى فيض الصور، فأغمضت عيناي، كأنني لا أرى، بينما كان قرع من تأنيب يدبّ في عروقي، ويضعني في جذوة مفارقة عجائبية. نحن الرافضون لنظام الاستبداد، والدكتاتورية، والقمع، الذين دفعنا عمرنا لمبادئ آمنا بها، وسعينا لتحقيقها،الباحثون عن مخارج استراتيجية لبلدنا وأمتنا. نرى في التعددية والديمقراطية، والاعتراف بالآخر مدخلها وحاضنها. فهل يمكن أن نسوّغ لأنفسنا، وتحت يافطة العداء للنظام السوري، اللجوء إلى المشابه (على الأقل في مجال الحريات الديمقراطية)، حتى وإن اقتصر الأمر على مجرد محادثات مع قوى سورية اضطرتها ظروف الملاحقة للإقامة ببغداد؟؟.
رددت مراراً مثلنا الشعبي (من تحت الدلف إلى تحت المزراب)، وعبّرت بصراحة عن هذه المفارقة، وعن رفضنا أن تنطلق الجبهة، إذا ما اتفقنا عليها، من بغداد، وأن تكون مقراً لها (رغم أن الظروف كانت تجبر الآخرين، وسط يتم المعارضة، وضيق مساحة حركتها).
لكنني بالوقت نفسه كنت أسوق مبررات أجدها كافية "لغض النظر" عن شأن لا علاقة لي به، يخصّ العراقيين أساساً، وأهمها: أن هذا النظام يمثل البعث في أبرز طبعاته التاريخية، وأنه في الخندق الوطني والقومي، حيث لم يساوم مرة على القضية المركزية: فلسطين، ولم يقبل دخول بيت الطاعة العربي بالاعتراف بالكيان الصهيوني، وأنه قدّم الكثير على الصعيد القومي، ويحمل تباشير بناء معادلة جديدة تعيد التوازن في صراعنا المصيري مع الصهيونية وحلفائها، وكان عليّ ومن زوايا متعددة أن أفحص وأعاين هذه التجربة وما قدّمته للعراق، ثم أسمح لنفسي بتقويم موضوعي أدقّ.
إن انتصار العراق في الحرب مع إيران (بغض النظر هنا عن أسبابها، وعن المستفيد منها). كان انتشاء لزمن عربي أدمن الهزيمة، والتسول، والتوسل. فارتفعت قامات ورؤوس، وانتشى أمل بإمكانية تحقيق الحلم الكبير: فلسطين العربية، (وربما ما هو أكبر) فكانت نقطة تحول لدى عديد الأوساط التي كانت لها بعض التحفظات والانتقادات. فاندفعت لحسم الاصطفاف في خندق النظام الواعد، وكثرت، بالتأكيد، قوائم المادحين، المصفقين، والمروجين، وغضّ الكثير النظر عن الجوانب السلبية في النظام، خاصة لجهة الحريات الديمقراطية، وموقع الفرد. وتغنى الكثير بخصائص، ومآثر، ومواهب الرئيس صدام، وبعضهم سوّغ تلك الأحادية، وبرر تلك الممارسات القمعية التي تطال الآخر غير البعثي، بما في ذلك قولبة المجتمع العراقي على صيغة وصورة البعث، والقائد، وموجبات الموافقة والخضوع.
كان المهم التعرّف على خلفية وعوامل، ونتائج ذلك الانتصار، والوقوف الموضوعي حول ما يحكى عن القفزة التي حققها العراق في ميادين: البحث العلمي، والعلماء، والإنتاج العسكري. وكأننا غير مصدقين أن بلداً عربياً يمكنه أن يفعل (المعجزة)، وأن يفلت (في غفلة من الصهاينة والأمريكان، والغرب عموماً). فيرسي أسساً جديدة لميزان قوى نوعي، خاصة وأن الإعلان عن "الكيماوي المزدوج"، وكلام مبهم، لكنه موح، عن النووي، يزيد الآمال إشراقاً، ويوجّه الأنظار نحو هذا الانحياز، وما يمثله، وموقعه من معادلة الصراع مع الصهيونية وكيانها الاستيطاني، ومع أمريكا ومشروعاتها.
العراق عن قرب
تلاحقت رحلاتي إلى العراق، تواصلاً لتلك المهمة، وما عرفته من أحوال، وحافظنا على قرارنا بالابتعاد عن إقامة أية علاقة مع أركان النظام، حتى كان "مؤتمر القوى الشعبية" (ماي 1990) حين دعينا، بصفة رسمية للحضور، فاستجبنا، وهو المؤتمر (العرس) الذي حضرته أكثر من (2500) شخصية تمثل جلّ الأحزاب والقوى العربية (عدا تلك المستظلة بخيمة النظام السوري)، والذي أظهر فيه الرئيس صدام (نقلتها شاشات التلفزة) إنتاجاً عراقياً يشابه نموذجاً غربياً لما يسمى بـ"قداحة" ذات علاقة بتطور الصناعة النووية، وسط زغاريد النساء، وهتافات وتصفيق الرجال.
عرس الاحتفال بالعراق المنتصر، والعراق الذي وضع أقدامه على أرض الإنتاج العلمي المتطور، وإن نفخ فينا روح النشوة، والاعتزاز (نحن المهزومون منذ قرون، المتعطشون لأي انتصار، ولو على الورق، والوعد)، كان يطرح أسئلة مركزية حول:
1 - هل تسمح أمريكا، ومعها صهيونية متغلغلة لبلد عربي أن يتجاوز الخطوط الحمراء فيدخل بوابة الإنتاج العلمي والعسكري المتطورين؟؟.
2 - وهذا العراق العريق، العراق الذي كانت له بصماته الواضحة في جميع المواجهات مع الكيان الصهيوني، المسلّح بثروات عملاقة، وإرادة صلبة، ومشروع قومي لا يعترف بشرعية الاغتصاب، ولا بأية تسوية لفلسطين العربية (من النهر إلى البحر). هل سيترك حرّاً فيواصل تقدمه بجيش يفوق الثلاثة ملايين، جيش مجرّب، منتصر، ومسلّح جيداً؟؟.
3 - بالمقابل: أين ستكون وجهة العراق؟. (ولم يعتقد أحدنا أن الكويت هي الوجهة القادمة، رغم ما تمثله عند عموم العراقيين كجزء استلب بقوة المستعمر).
ورغم أنني لا أنوي الوقوف عند "قصة الكويت" ودخولها، وموقعها من الفخّ المنصوب، ومن المراهنات الخاسرة، المفاجئة. (وقد كتبت حول الموضوع كتاباً بعنوان "العراق في زمن الاستثناء"...). وما رتبته من نتائج كارثية، ومن فتح شهية المشروع الصهيوني - الأمريكي لاحتلال العراق، وتقسيمه (كما كتبوا وخططوا منذ عقود).
فقد كان يشغلني، ولسنوات: معرفة التركيبة العراقية الحاكمة، بدءاً بحزب البعث، ووصولاً، ومكوثاً عند الشخصية الأبرز: صدام حسين، ومحاولة التغلغل، ولو من مسافة إلى داخله.
هنا، ورغم إدانتي المسبقة، ورفضي الواضح، الذي لم أبخل بالتعبير عنه حيث أتيح، وفي قلب بغداد، للأحادية والدكتاتورية، والحزب الواحد، ولتعظيم الفرد وإطلاق يده. ناهيك عن كثير الممارسات القمعية، الفوقية، والمظاهر السلبية الفاقعة.
ورغم إدراكي لمخاطر المشروع، والإنجازات، في ظلّ غياب الديمقراطية، والتعددية، والاحتقان الداخلي، وإمكانية تدميره من داخله، أو عبر الأخطار التي تحيط بالعراق، والقادمة من جميع الجهات. ورغم مناقشة البعض (في أعلى سلّم القيادة العراقية) في أهمية إقرار "الأحزاب"، والاعتراف بالآخر، واطلاعي على تدخلات الرئيس صدام المتقدمة على غيره من رفاقه بشأن الانفتاح، والتكريس، ثم التبريرات المتلاحقة، وموقع التحديات الخارجية.
ورغم أشياء كثيرة عرفتها، واستنتجتها عن الأجهزة الأمنية وتغلغلها في الحزب، والدولة، والمجتمع، وفوضى ممارساتها، ومدى هيمنتها وقوتها، وما تطرحه من مسوّغات لديمومة الحال التشددي - الأحادي. وأمور متشابكة لا تحتاج إلى عناء كبير لاكتشافها، تخصّ البنية الحاكمة وركائزها، وحقوق الإنسان، والحريات الديمقراطية، والآخر وحجمه، ومواطنيته.
ورغم أنني من أصحاب الرأي الذي يرى أن مواجهة المؤامرات، مهما اشتدّت وعظمت، (وهي شديدة وخطيرة فعلاً، وليست اختراعاً) لا يمكن أن تكون مضمونة النتائج إلا بانفتاح النظام على شعبه، والقيام بمصالحة وطنية شاملة، تتجاوز قوانين العفو المتكررة إلى خطوات جدّية تقرّ حق الآخر بالتعبير، والتحزب، والعمل، والمشاركة في الدفاع عن الوطن المهدد، فقد كنت أدرك أن موجبات الأجهزة الأمنية ستنتصر، وستعزز القبضة الحديدية وفكرة: "أن الأوضاع تحتاج وحدة الإرادة والقرار"، ولهذا جرى التأجيل المتلاحق لإقرار قانون الأحزاب تحت عنوان "البتّ به بعد مواجهة الغزو"، الذي كانت نذره في الأفق المكشوف.
أعرف أن كثيرين سيرددون أفكارهم عن "المعارضة الخائنة - العميلة - المرتمية في الأحضان الأمريكية أو الإيرانية"، والتي لا فائدة ترجى منها، وأنه لا توجد أحزاب (بالمعنى الدقيق) تستحق الاعتراف بها، (وقد أثبتت جلّ أطراف المعارضة ـ الغطاء والأداة - أنها كذلك).
وأعلم أن حالة المعارضة العراقية تكاد تكون استثناء في تاريخنا، من حيث قبولها الاستقواء بالأعداء لغزو بلدها، وتطوعها لتكون رأس حربة، ومصدر معلومات، وواجهة تغطية، وإلى آخر الوقائع المعيبة التي كرستها جملة المعارضة، خاصة أطرافها الرئيسة: الكردية و"الشيعية".
كما أعلم أن إيران، بمشروعها الخاص (وبغض النظر، هنا، عن مناقشة هويته، وأهدافه) تسعى بكل السبل لتدمير العراق.. ثم التمدمد فيه، أو بما يتبقى منه.
ولئن استغرب البعض ولوج عمائم سوداء (تنسب أصولها للإمام الحسين) المناطق المحرّمة: قبولاً بالتعاون مع الغازي "الشيطان الأكبر"، ومن خلفه صهيونية لا تخفي مراميها وحقدها على العراق، وقيادته، وعلى الأمة، بما فيهم آيات كبار وصغار، وحزب إسلامي. فإن مخزون الحقد المجلبب بالمظلمة التاريخية، الراكب على شعارات الديمقراطية، والتغيير. والحامل مشروعاً اختلاطياً شديد المزج والغموض، يقدّم لنفسه المسوغات التي تبيح المحظورات، وكأنه يثبت أن مقولات النظام العراقي فيهم لم تكن متجنّية، أو خاطئة.
أقول: رغم حصيلة عامة تكوّنت، خاصة في مجال الحريات الديمقراطية، فإن مسائل أخرى بدت جليّة لي، كنت أتردد دوماً في تناولها خوفاً من سوء التفسير. وقد جاء استشهاد الرئيس صدام حسين، بكل دلالاته، وحيثياته، حافزاً لإنصاف هذا الرجل البطل (بكل مقاييس البطولة).
لقد سألت كثيرين، واستفسرت أكثر عن خصائص التجربة العراقية، وما أنجزه النظام. واستمعت لوجهات نظر متعددة، بما فيها وجهات نظر رفاق لم ينخرطوا في الحزب القائم، فظلّوا أوفياء لقناعاتهم واختياراتهم، حين كانوا جزءاً من التجربة التي عرفتها سورية (23 شباط) ومنهم عدد من "قيادة قطر العراق"، والرفيق القيادي: المرحوم الدكتور فؤاد شاكر (عضو القيادة القومية، فالأمين العام المساعد، فالمهجّر)، والرفيق سلمان عبد الله، عضو القيادة القومية الذي أمضى أزيد من (23) سنة في سجن المزّة، بعد اختطافه من لبنان، وحديثه التفصيلي عن لقائه، بعد خروجه مع الرئيس صدام، وكيف كان يهتمّ بمرض زوجته في سنوات سجنه، والتي أرسلها مرتين للعلاج في بريطانيا على نفقة العراق، وتفاصيل كبيرة وصغيرة عن ذلك اللقاء، والرفيق الدكتور عمار الراوي - عضو القيادة القومية، والرفيق الدكتور محمود الحمصي (الذي لم تجر بيننا أحاديث تفصيلية عن الوضع والرئيس). وكذا عديد من رفاقنا القياديين في "التنظيم الفلسطيني الأردني الموحد، خاصة أولئك الذين أمضوا في سجن المزة ما يقارب الربع قرن، وأخصّ بالذكر منهم: الرفاق ضافي جمعاني - حاكم الفائز - مجلي نصراوين (أعضاء القيادة القومية)، والرفيق حسن الخطيب (عضو القيادة القطرية للتنظيم الفلسطيني الأردني الموحّد)، (بتفاوت الآراء والتقييمات بين متحمّس جداً للتجربة العراقية، إلى درجة الإيمان بإعادة فكرة توحيد الحزب، أو الانضمام إلى "التنظيم القومي". وبين من يضع جملة ملاحظات على التركيبة والممارسة الأحادية، مع الإقرار بدعم الجميع للنظام وما يمثل من موقع صلب، متقدّم في مواجهة الصهيونية والولايات المتحدة، والإشادة، التي لا لبس فيها، بالموقف من القضية الفلسطينية، وما تعرفه من دعم متعدد الوجوه لها، واعتقادهم بإيمان صدام غير المحدود بأمته، ووجود مشروع استراتيجي لديه يخصها. (بغض النظر عن الاتفاق، أو الاختلاف معه حول وسائل التجسيد).
وكثير من البعثيين السوريين الذين كانوا يفتحون قلوبهم لي، ويبثوني همومهم، وقناعاتهم، ومرارتهم. والكثير الكثير من انتقاداتهم وملاحظاتهم، خاصة على رفاقهم السوريين، وعلى بعض رموز القيادة العراقية، والأجهزة الأمنية، وعمليات التقريب، والإبعاد، والتهميش. مع إشادة، دائمة، بالرئيس صدام، والتي تتجاوز، كما أعتقد، منطلق الخوف، وتحسّب الاقتراب من المقدّس، لاعتقادهم بأنه الأكثر تجسيداً لروح البعث، خاصة في جوهره القومي، والأكثر إيماناً بوحدة الحزب والأمة، وبعداً عن القطرية، والعرقنة، التي وجدت كثير المسوغات لها إبّان الحرب مع إيران، والموقف (غير المشرّف، وغير القومي للنظام السوري)، ثم تلك الفواجع الناجمة عن مواقف الأنظمة العربية في التحضير لغزو العراق، والمشاركة فيه من قبل عدة أنظمة عربية، تحت القيادة الأمريكية بيافطة "تحرير الكويت"، ودورهم في إدامة الحصار الذي كان عربياً بالأساس.
كما استمعت لآراء عدد من القوى السياسية السورية المتواجدة، الصريحة منها، والخائفة، أو تلك التي تقيم الحساب لحرمة المكان المضيف، وإلى آراء العديد من الوفود التي كانت تتقاطر على العراق في مؤتمرات "القوى الشعبية"، خاصة تلك الأكثر وفاء للعراق، والتي واظبت على المشاركة سنوات الحصار، في حين تملّص، وابتعد كثير، خاصة من أولئك الأكثر نفاقاً، وتفخيماً، وتصفيقاً، واستغلالاً لكرم العراق، والرئيس صدام.
سأترك ما قام به النظام من إنجازات عملاقة في بناء العراق الحديث، والتي تناولتها العديد من الدراسات والتقارير الدولية الرسمية، إن كان في ميادين: التعليم، أو الصحة، أو الخدمات، أو البنى التحتية، أو البحث العلمي، أو الهندسة بفروعها، أو شتى مناحي الحياة، والتي وضعت العراق في مقدمة الدول العربية، من حيث وتائر التطور، والتقدم، وتوزيع الثروة ومجالات استخدامها.
كذلك تلك الإرادة الجبارة في مواجهة آثار العدوان الثلاثيني، وإعادة الإعمار في أزمنة قياسية، وبتحد يقترب من اجتراح المعجزات، خاصة بظلّ الحصار الشامل، إلى درجة أننا، ونحن في أول زيارة إلى بغداد، أشهراً بعد العدوان، ذهبنا وبالذهن صور الدمار والخراب التي شاهدناها على شاشات التلفزة، فأصبنا بالذهول لمرأى بغداد الشامخة، الزاهية، التي بالكاد يظهر عليها أثر تلك الحرب الوحشية، حين نجح النظام في إعادة ما دمّر، سوى جسر الجمهورية الأثري، الذي كان العمل لإرجاعه، وبأحسن مما كان يجري ليل نهار، ومنظر ملجأ العامرية الذي ترك كما هو كشاهد حيّ لحقد وجريمة العدوان، والإصرار الواثق على إضافة طوابق جديدة للأبنية والوزارات التي هدّمت، وللأبراج التلفزية والإذاعية، وكذا بناء المزيد من الجسور الفسيحة على نهر دجلة.
سأترك مقاومة العراقيين الضارية لتطويع وتهشيم الحصار النادر في التاريخ، وكيف تمكّنوا من تحويله إلى عوامل إيجابية حينما قرروا الاعتماد على أنفسهم بكل شيء، بدءاً بالخدمات التي كان يعافها العراقي (الفنادق والمطاعم والسياحة، وغيرها). مروراً بالتوجه نحو الأرض لزراعة آلاف الهكتارات الجديدة، وإصلاح آلاف الدونمات، وشقّ الترع والأنهار، وبناء السدود العملاقة، وصولاً إلى مواصلة الإنتاج الصناعي، والعسكري (بما يخرج عن الرقابة وشروط القرارات الدولية الجائرة).
سأترك آراء وانطباعات الجالية السورية، خاصة البعثيين منهم، بما في ذلك ما كانوا يعبّرون عنه في جلساتهم (الموثوقة) عن سنوات الغربة، وكثير التململ، والامتعاض، وربما خيبات الأمل، وعن البعد عن الوطن بمرارة، وربما بندم، وإجماع، جلهم، على قومية، وكرم وحماية الرئيس لهم، ونظرته الخاصة لأوضاعهم، وحرصه على توفير الحياة الكريمة لهم، وأنه ملجأهم، واستنادهم. (لم يكن مبعث الكلام الخوف، أو المداهنة) وإنما ربطه بسلسلة من القرارات، واللفتات، والإجراءات.
أما الحديث عن الجالية الفلسطينية التي لجأت للعراق بعد النكبة، وتلك التي استوطنته على مدى الأعوام، بما في ذلك مكاتب التنظيمات الفلسطينية، فهو خاص، حميمي، دافيء، ينطلق من قناعة راسخة بأن الرئيس أشد فلسطينية من أغلب الفلسطينيين، وأنه لا يقدّم لفلسطين من منطلق قطري، أو كمنّة، فهو مؤمن حتى النخاع بعروبتها (من النهر إلى البحر)، وبمسؤوليته عن تحريرها في الظرف المناسب، وجملة الإجراءات العملية التي يقوم بها النظام، والرئيس صدام بالذات، لجعلهم في مصاف العراقيين، بل وقبلهم، في الدراسة، والعمل، والتملك، وفي الجيش، (حيث أعداد كبيرة من الضباط والمتطوعين)، وغير ذلك من مناحي الحياة، وأنه لا ينساهم، ويتفقّد أحوالهم، طالباً من المسؤولين تلبية احتياجاتهم مهما كانت.
هذا عدا أطنان الأحاديث والقصص عن الرئيس حول فلسطين، وعلاقته الحميمة بالرئيس أبو عمار، ودعم خط المقاومة والاستشهاد، وتخصيصه مبالغ لكل استشهادي، وفدائي، ومعتقل، وصاحب بيت مهدّم، وصاحب حاجة يمكن تلبيتها، وحرصه الشديد على إيصال المبالغ إلى أصحابها في عزّ الحصار، والمغزى الكبير لإنشاء "جيش القدس"، وشعوره بالحزن والمرارة لتخاذل وتواطؤ الحكام العرب على فلسطين، ومدى تأثره باستشهاد الطفل محمد الدرّة، وعشرات الأطفال، وقولته الشهيرة "أما اهتزّت شواربكم".
أما مصر ومكانتها في قلب صدام حسين، وتجسيده لمقولته الشهيرة بأن ثروة العراق ملك الأمة، فقد وجدت ترجماتها الفريدة في استيعاب العراق، ولسنوات طويلة، أكثر من ثلاثة ملايين من الشعب المصري الشقيق. كثيرون منهم كانوا من المدقعين الباحثين عن فرصة العمر لتحسين أوضاعهم، ففتح العراق صدره لهم، ومنح الكثير منهم قطعاً أرضية لاستغلالها زراعياً، وملكيات للعمل، وسهّل لهم إجراءات التصريف، والتحويل، بينما غض الطرف عن تحويلاتهم عن طريق السوق السوداء، معتبراً أنهم أخوة لهم ما للعراقي تماماً، محاولاً أن يعبر بذلك إلى الحلم العربي بالوحدة التي تمهد لها، وتصنعها الشعوب العربية بعلاقاتها المشتركة، وتمازجها، وتجاوزها للسدود القطرية المعيقة.
ورغم المواقف النذلة للحاكم المصري، المفتقرة للحد الأدنى من الوفاء، أو رد الجميل (لا نتحدث عن دور مصر وواجبها الذي مارسته عبر التاريخ)، بقي الرئيس صدام عاشقاً لمصر وشعبها، مثلما كان عشقه الخاص لسورية الحبيبة، "سورية التوأم" و"سورية قلب العروبة النابض" كما عبّر مراراً. (رغم الطعنات الكثيرة التي وجهها له النظام الأسدي: سنوات الحرب مع إيران، ثم الانضواء مع الأمريكان في الغزو الثلاثيني، وتسليح المعارضة وتدريبها للقيام بعمليات القتل والتفجير والتدمير، وأمور كثيرة تمتلئ بها صفحات ذلك النظام).
وللأردن حكاية طويلة مع العراق، والرئيس صدام، وشعب الأردن مازال وفياً لمواقف الشهامة والكرم، رغم تنكّر الحاكم، المنخرط في المشروع الأمريكي، ولو من موقع الرصيف.
ينسحب الأمر على عشرات آلاف السودايين، المنهكين جوعاً، وحرماناً، وغيرهم آلاف من العرب جاؤوا من شتى بقاع الوطن العربي، فوجدوا صدراً رحباً يفتح قلبه، وموارده، ويعاملهم على قدم المساواة مع سكان البلد. وبلدان المغرب العربي، خاصة الجزائر الفخور بثورتها وانتصارها، والمغرب العميق بوفاء قواه وأحزابه، وموريتانيا الاتجاه القومي الراسخ، وعطاء الشعر الانتماء، وتونس القوى الوفية لمبادئ مقاومة الأعداء، دون نسيان اليمن الحبيب ومعاقله القومية، والسودان الطيّب، الصادق الانتماء، والإخلاص، وعموم بلدان الخليج الشعب والقوى الحيّة، التي تجاوز كثيرها "قصة الكويت" ومخلفاتها واصطفّ حيث يجب الاصطفاف.
لن أتحدث كثيراً عن مدن وقرى عراقية، وشوارع كبرى، ومحلات كثيرة أطلقت عليها أسماء عربية: كرمز وتذكير، وانتماء، وفخر، فتقرأ اسم مدينة الاسكندرية، وبور سعيد، والفلوجة، والقاهرة، وغيرها. بينما تزدان الشوارع، خاصة بغداد الفسيحة، الكريمة، الرائعةـ بأسماء عربية لأمكنة في الجزائر والمغرب وتونس، والشام، وفلسطين الحاضرة بقوة، فتشعر أنك جوّال في وطن عربي فسيح، كفضاء بغداد المفتوح.
سأترك ذلك كله، وأتوقف عند محورين: البعث الحاكم، وصدام.
ربما اختلط علينا، نحن أبناء سورية، وخاصة أبناء البعث فيها، صورة الحزب وما صار له في سورية، وكيف مرّغ، وطوّع، وكيّف ليكون عجينة صالحة لخبز السلطان، تتقن التصفيق، والتغطية، والازدواجية، خاصة ازدواجية: المبادئ والانتهازية، حين يغمر الموج المبادئ فيرحّلها إلى جهات مجهولة، أو يغوص بها إلى القاع، فيظهر زبد اللملمة، وما حمله البحر من خلائط تسيل لعاب عشاق الاقتناء، فيتسابقون لامتلاك ما يمكن، وقد يتقاتلون، ويتهمون، ويتصايحون، وقد يلهثون، ويغوصون، ويغرقون، وقد يكتشفون هزال ما ملكوا، لكنهم لا يملكون إرادة البوح، وإرادة الاستجابة لقرع ضمير يحدثهم عن الذي كان، عن البعث الحلم، والبعث الأمل، والبعث المبادئ، والشعب الفقير، والعدالة الاجتماعية، والمساواة بين الناس، وأمنيات الحق، والعدل، وسيادة القانون، والقيادة الجماعية، وحقوق النقد، والتعبير عن الرأي (داخل الاجتماع على الأقل)، ناهيك عن حقوق الآخر، وعن الحرية التي كانت أحد أهم مبررات ومعاني الولادة، والتأسيس، والانتشار.
سيختلط علينا حكم الشارع القاسي، والصائب على تجربة يعتقد أن البعث مسؤول عنها، حتى لو كان مجرد رداء خارجي فضفاض، أشبه بواقي المطر الذي لا يلبس إلا في مناسبات اشتداد المطر، أو الريح العاصف، حين يطلق تعميماته، وحين يصيبنا الرذاذ فيرتجف بعض، ويصاب بعض بالعصاب، وردّ الفعل التشنجي، بينما يلوذ بعض بالصمت، وقليل من يوافق فيتجرأ على إعلان الانتصار على الذات، والعصبوية الضيّقة، وقد نمت شياطين الأسئلة عن هذا المصير البائس، وعن موجبات التغيير، والطلاق، على الأقل للتطهّر، والتمايز، بينما يدعو الواقع، والتطور إلى إعادة نظر جدّية، غير منفعلة بكل شيء.. وصولاً إلى نتائج واقعية.
وسورية التي لم تعرف تاريخاً دموياً في اصطراعاتها، وتفاعلاتها الداخلية (إلا في عهد النظام الأسدي) حين أرست نوعاً من تقاليد تتلاءم والطبيعة التكوينية، ومستوى الوعي، وأثر التاريخ، والثقافة والموقع، هي غير العراق في مكونات، وسمات عديدة.
ورغم أن عديد السوريين يرددون كثيراً قصص الحجاج بن يوسف، وتاريخ الصراع الدموي، لبلد السواد (السواد هنا يعني ذلك اللباس الذي ترتديه النساء وكأنهن في مأتم مستديم)، وأثر هذه المكونات في الشخصية العراقية، وترجماتها (الحديثة) في تلك المذابح والتصفيات التي ترافقت مع كل انقلاب، وتغيير، منذ بدء تأسيس الدولة العراقية الحديثة، وسلسلة الانقلابات المتعاقبة، ووقوفاً عند (ثورة 14 تموز 1958) التي سحقت وسحلت الأسرة المالكة، ثم انقلبت على بعض شركائها القوميين، فأدخلت إلى وعينا مصطلحات جديدة عن السحل، والسحق، والفسخ، والتعليق على أعمدة الكهرباء، بأيد شيوعية ضد البعثيين والقوميين، ومعاودة الكرّة من البعثيين بعد وصولهم للحكم (فترة قصيرة) العام 1963.
الأهم من كل ذلك، وحسب ما عشت، وعرفت، وقد حكم الحزب البلدين ولم يقم بإنجاز وحدوي مهم، أننا لم نفهم العراق جيداً. لم نعطه حقه. لم ندرك: وعياً وترجمة، أن العراق هو جدار الاستناد الأهم لسورية، ولحركة الأمة، وأن العراق عملاق بثرواته، وإرادته، وموقعه، ودوره، وأن الاتجاه السوري نحو مصر، ضمن سياسة المحاور، وذيولها في الوعي (على اهمية مصر كعمود فقري للأمة) لا يلغي، ولا يكون على حساب العراق.
أدركت في زياراتي المتواصلة أننا ظلمنا العراق في وعينا عنه، ولم نمنحه المساحة التي يستحقها، لا في الفترة التي "حكمنا" فيها، ولا فيما تلا من سنوات، وأن العراق هو العمق الاستراتيجي لسورية، والعكس صحيح، يتجاوز كل عوامل الخلاف، والتباين. ناهيك عن ذلك الاصطراع الاستثناء، الذي وصل في عهد الحكم الأسدي حالة عجائبية بالنصّ في جواز السفر على حق المواطن السوري في زيارة "كافة بلدان العالم عدا العراق"، ومبلغ الأذى الذي أصاب الشعب في البلدين، وأثره على سمعة وموقع البعث.
كان على أي باحث، ومهتمّ أن يستوعب التركيبة العراقية وهو يدرس ما يجري، إن كان لجهة مكوناتها: الدينية - المذهبية، الفسيفسائية، والقومية - الإثنية، العشائرية والبدوية، وموقعها في تشكيل الدولة - المجتمع، وفي السياسات المتبعة، وفي الثقافة، والتركيبة البشرية.
أو لجهة موقع العراق الجغرافي – التاريخي، خاصة مع الجارة إيران، أو مع عموم بلدان الخليج (التي ينتمي إليها وهو خارجها). أو لجهة تاريخية الحركة القومية، وخصائصها، وتاريخية البعث وصراعاته، ومحطاته. ويكفي الاستدلال هنا بالحالة الإيرانية لمعرفة مدى التعقيد والتداخل، حين يختلف معظم المفكرين والسياسيين العرب حول جوهر الأديولوجيا السائدة بعد انتصار "الثورة الإسلامية"، وإقامة "الجمهورية الإسلامية"، وحدود الالتقاء، والافتراق عن كل من الزاد التاريخي الفارسي، والشيعي، ثم موقع التشيّع من الإسلام، والأمة العربية، ومرامي المشروع الإيراني الناهض، وحقيقة الشعارات المرفوعة عن فلسطين، وعن الشيطان الأكبر، والأصغر، فالمشروع النووي، فإعدام الرئيس صدام حسين.
وعلى هذه الأرضية، كنت أدرك أن التمسّك بالبعث (كما هو سائد في مخيال المؤمنين به في العراق، خاصة جناح: "البكر – صدام" الذي انتصر، فتوسّع، فمثّل القيادة التاريخية) ما يزال قضية حارة شديدة الحضور، وهذا يختلف كثيراً عن لوحة البعث الحاكم في سورية.
هذا الحضور (العراقي أساساً) تجسده تنظيمات الحزب، وحياته الداخلية، ومهمات التنظيمات القائمة، وجملة المهام الكبرى المناطة به، بحيث يبدو أنه الحزب الحاكم فعلاً، وليس الملتبس، أو الغطاء، أو العائم بالرخاوة، والكسل، والترهل، والشيخوخة.. وبالمنافع الانتهازية - النهبية (وإن كانت هذه الظواهر موجودة، وتفريخ طبيعي لأي حزب حاكم).
وأعتقد أن المعارك المتلاحقة التي خاضها العراق، والشعور الدائم بالخطر المحدق، واستمرار حالة التحفّز، التي تغذيها دورات التدريب العسكري المنتظم، والانخراط في "الجيش الشعبي"، وحتى "نظام التخسيس"، وكثير من الإجراءات الصارمة، وإحالة كبار السن إلى "تنظيم المتقاعدين في الحزب". قد أبقى شعلة الإيمان متقدة، يزيدها اشتعالاً، إرادة الرئيس، وهيبته، والتحسّب له، والخوف منه، كما نمّا ثقافة الانضباط المتقاطعة مع الروح العسكرية، والقتالية.
وبما دمج بين المكوّن العراقي، وبين المبادئ التي اعتنقها مؤمنون بها، وبين صورة النموذج التي يراد إقامته لعراق متطور، قوي، مهاب، عزيز، شديد الصرامة والانضباط، والعلاقات الحديدية التي تذكّر بشباب بعض الأحزاب الشيوعية، وببعض الحركات القومية الأوربية في مطلع، ومنتصف القرن الماضي.. بما يجعل الحزب يتقدّم مسيرة الأمة لتحرير فلسطين.
وعلى الرغم من الدور الطاغي للرئيس صدام (الأمين العام لحزب - وأمين سر قطر العراق)، وتخويله كافة الصلاحيات الحزبية، بما فيها "انتخاب القيادة القطرية" بتزكية منه، والمسافة الكبيرة، شبه الفاصلة بين مؤسسة الرئاسة، وقيادات الحزب، وبقية مؤسسات الدولة، وحالة الرعب المتداخلة مع الالتزام، والخضوع المختلط الأسباب، وشخصية الرئيس شبه القدسية/ وما فيها من دور لأجهزة الأمن، وكتّاب التقارير، وأجواء التهيّب، وغيرها.
ظلّ البعث تنظيماً قوياً، يتحمل مسؤولية الحكم، وفقاً لمعادلة توافق معها، وكأنه يعرف سقفه، وحدوده، بينما لا يتجرأ أحد على الاقتراب من سقف وحدود أمينه العام، والقطري، ورئيس الدولة.
ويمكن القول، في هذه العجالة المختصرة، أن مبادئ البعث حيّة في حملتها العراقيين، كما فهموها، وحاولوا تجسيدها في الميدان، وأن صدام حسين نجح في تكوين تنظيم، هو، في ركائزه، صورة لما أحبّ وأراد، وقد يفسر ذلك التماسك الملحوظ للقيادة العراقية بعد زلزال الغزو والاحتلال والدمار، والقتل الهادف، وملاحقة البعثيين والعلماء وكبار الضباط، وفي المحكمة، والمقاومة. حيث لم يعرف انهيارات كبيرة في صفوفه القيادية، خاصة العليا منها (فرع فما فوق)، في حين راهن، ويراهن الكثير، وبذل ويبذل الكثير، لشقّ هذا التنظيم تحت عناوين ومسميات، وإغراءات لا حصر لها.
البرهان الأكبر على تماسك، ووحدة الجسم الرئيس للبعث، هو قيادته لمقاومة شرسة منذ الأيام الأولى لسقوط بغداد، ووضوح بصماته في عموم المقاومة العراقية، رغم التعتيم الإعلامي الشديد، وقرارات التحريم المقامة على البعث، وهو ما أستعرّض له في مكان لاحق.
الرئيس صدام حسين:
لم ألتق شخصياً بالرئيس، رغم أن ذلك كان ممكناً، وإن شاهدته، عن قرب، في عدد من المناسبات، ولم أعرفه شخصياً يوم كان الحزب موحداً، لأن عمري لم يكن يسمح، حيث يكبرني بتسع سنوات.
لكنني عرفت، والتقيت بعدد كبير ممن عرفه سابقاً، أو لاحقاً (سوريين من رفاقنا، وعراقيين، وأردنيين، وفلسطينيين، وعرباً آخرين) وغيرهم عديد من السوريين والعراقيين والعرب، مذ كان شاباً، ومغموراً، وواعدا، وعضواً في قيادة العراق (بوقت مبكر من عمره).
وعرفته جيداً عبر مشاهداتي، وأسئلتي، وتأملي، وبحثي، وقراءاتي لما كتب عنه، ولما نشر باسمه (سلسلة كبيرة تصل الأعمال الكاملة، وتشمل ميادين مختلفة: فكرية وسياسية، وثقافية، وحول التراث والإسلام، والعروبة والإسلام، والحزب، والحكم، وغيرها موضوعات عديدة) بحيث أجزت لنفسي أن أطلق على هذه المحاولة عنوان: صدام الذي عرفت.
والحقيقة أنني ولسنوات، وأنا أحاول الدخول إلى عمق الرجل، وإلى رأسه، وتركيبته، كإنسان، ومسؤول، وبصمة كبيرة في تاريخنا، وفي تاريخ البشرية أيضاً.
كنت، وللمناسبة أبتسم سخرية من أعداء صدام وهم يصفونه بـ"بالجبن"، والهروب من المعركة، وأنه وجد في حفرة، ورغم أنه دحض جميع الافتراءات عليه أشهر محاكمته المسرحية، ثم وقت اغتياله.
لأني، وكما عرفته، فقد كان، كما وصف نفسه مراراً "كالسيف" القاطع، النقي من داخله، ووعي الاستخدام، أو قناعة الاستخدام، حتى لو طال أقرب المقربين، وأعداداً كبيرة، يرى فيهم أعداء المبادئ، والمشروع الذي نذر حياته له، وفهمه وفقاً لمكوناته، وتأثير ظروف العراق، والمحيط به.
الرصيد التأسيسي لصدام حسين، قبل أن يكون معروفاً، وقيادياً في الحزب، وقبل نضوجه، وتعمّقه، كان شجاعته النادرة، وتمسكه بالمبادئ التي اعتنق، واستعداده للموت في سبيلها، وتنفيذ أية مهام يتطلبها ذلك، وقد أظهر، وبوقت مبكر انضباطاً حزبياً عالياً، يتجاوز الانضباط العسكري المألوف إلى نوع من قدسية.
هكذا نجده، وهو ابن الثانية والعشرين، واحداً من مجموعة صغيرة اختارتها قيادة الحزب في العراق لاغتيال (الزعيم عبد الكريم قاسم - رئيس مجلس قيادة الثورة) عام 1959، والتي أصيب بها، وهرب إثرها إلى سورية، فالقاهرة.
في عام 1963، والبعث ما يزال حاكماً في العراق، حضر "المؤتمر القومي السادس" كعضو فيه (وهو أعلى هيئة في الحزب)، بعمر (26) سنة، وهذا يؤكد أن هذا الشخص غير عادي، وأنه يملك مواصفات قيادية بارزة، وهي التي ظهرت واضحة بعد سقوط سلطة الحزب، حين كان من أبرز القيادات التي تولت إعادة التنظيم، ثم مسؤولية التنظيم، خاصة بعد انقسام الحزب إثر (حركة 23 شباط 1966)، ومنها إلى السلطة (17 - 30 تموز 1968) كنائب للمرحوم أحمد حسن البكر، وكأقوى أعضاء قيادة قطر العراق.
من عرف صدام حسين تلك السنوات، يجمع على حيويته، وقدراته التنظيمية البارزة، ومواهبه القيادية، وبالوقت نفسه: شدّته، وعنفه في التعامل مع رفاقه، أو مع الخصوم، مع إجماع على جرأته التي تتجاوز المألوف، والتي تصل حد المغامرة. (وقد فعل ذلك مراراً أثناء الحرب مع إيران، وكاد أن يؤسر في واحدة منها، وظهر مراراً في الأماكن العامة طيلة أيام مقاومة العدوان الثلاثيني، مثلما ظهر في عديد الأماكن بعد سقوط بغداد وانتقاله إلى المقاومة، ويتحدّث رئيس هيئة الدفاع عنه، المحامي: خليل الدليمي عن قصص رواها لهم الرئيس في أسره، كيف كان يتجوّل في مناطق خطيرة، هو المطلوب رقم واحد، والذي وضعت أمريكا، والصهيونية كل إمكاناتهما للقبض عليه.. وكيف كان يتخفّى بأزياء متعددة..).
وبعيداً عن ظروف وصوله إلى الرقم واحد، وقد استشعر خطر التغيير في إيران على العراق، وعدم قدرة المرحوم البكر على مواجهة مرحلة جديدة، وقد كبر عمراً، وعن تصفية رفاقه بتلك الطريقة الدموية المنذرة.
فقد كان واضحاً أن الرجل يملك مشروعاً، و"أنه مستعد لإزاحة، وتصفية كل من يعترض طريقه، أو يعارضه".
هكذا، وبعد "التخلّص" من أهم الرفاق المنافسين، ووسط تلك الأجواء المرعبة التي سادت في الحزب إثر عمليات التصفية المباشرة، أصبحت الطريق سالكة من جميع الجهات، ودون أخطار من منافس، أو طامع، أو متجرّئ، وبات صدام حسين القائد الأوحد للحزب، والحكم، والبلد.
لن أوغل عميقاً في المسارات، والمفاصل، لكنني وكما عرفت، وكما سمعت من محبين ومغرمين، وناقمين، ومبغضين فقد كان في هذا الإنسان جانبان متعايشان، متوافقان:
- جانب الرجل العنيف، المتشدد، المؤمن بالقوة طريقاً إلى الحكم وبناء الدولة، حتى وإن احتاج الأمر "تصفية وقتل" كل من يعترض على مشروعه، أو يقف في طريقه، مع حساسية خاصة تجاه من يعارض ويتكئ على دعم خارجي.
- واتجاه القائد المؤمن حتى النخاع بمبادئ الحزب الذي اعتنق، وبمشروعه: النهضوي، التحرري، المستقل، وبتحرير فلسطين، ووحدة الأمة، ودعم قضاياها.
هنا، وفي الجانب الشخصي: كان صدام حسين كريماً بسماحة، ودون منّة، معطاءً، بدوياً بمعنى النخوة، والشهامة، والاندفاع، وكان خجولاً، ومن طبيعة انطوائية، وعطوفاً على الفقراء والمحتاجين.
وصدام حسين عصامي، بمعنى الاعتماد على الذات أساساً، إلى درجة الاعتداد والكبرياء الواضحين، وبذل جهود متلاحقة لتثقيف نفسه وترويضها على الصعاب، ومجابهة التحديات، تساعده بنية قوية لم تخذله، وإرادة صلدة (قدّت من الماس الشفاف - كما كان يصف داخله).
وبرغم عقلانيته في المواقف السياسية، بالمعنى الواقعي (البراغماتي)، إلا أن بدويته، وطبيعته القتالية تغلبتا عليه في معظم المفاصل، معتقداً أن مواجهة الأخطار وهي في أولها أفضل من الانحناء لها، أو اتقاءها، وأن الحياة: موقف عز وشهامة ورجولة (وقد جسّد ذلك سنوات أسره، ورفضه بإباء لكل عروض المبادلة والاتفاق مع الغزاة.. التي كانت تريد مقايضة حياته بالمقاومة).
صفات شخصية كثيرة، لصالح الرجل، وليست ضده، كانت معروفة فيه، ومتداولة، وأخرى تموضعت وفرّخت ممارسات قاسية، وإن كان قد شهد تطوراَ ملحوظاً في هذه الطبيعة (سنواته الأخيرة)، وباتجاه المزيد من الإيمان الذي يقترب من التصوف، والزهد بمتع الدنيا، وبالرحمة، والسمو فوق الأحقاد وردود الفعل.
لكن الأهم: أن صدام حسين الذي صقلته التجارب، والذي قرأ كثيراً، وتعمّق في الحياة، والمعاني، والتاريخ. كان مسكوناً بالأمة العربية، وبفلسطين، حتى آخر ثانية في عمره، مؤمناً بأنه صاحب مشروع تاريخي للعراق، والأمة، وأنه لن يساوم عليهما، ولن يفرّط فيهما.
ورغم أنه يدرك جيداً قوة الصهيونية وحقدها المتغلغل، ومشاريعها الخطيرة التي تطال الأمة، وكذا معاداة الغرب لتحرر العرب، ووحدتهم، واستقلالهم، واستعدادهم لشنّ الحروب التدميرية ضد أي قطر يؤذي مصالحهم الاستراتيجية، أو يتجاوز الخطوط الحمراء المفروضة على الأمة، والأنظمة، فإنه قبل الدخول في التحدي، فاخترق الممنوعات وكوّن قاعدة علمية قوية للبحث والإنتاج، خاصة الإنتاج العسكري المتطور، ومحاولة تحرير إنتاج وسعر البترول، ورفض مراراً الانصياع للضغوط الخارجية، وظلّ هكذا شأنه حتى الاستشهاد.
في سنوات الحصار الأكثر شدّة وخنقاً، أرسل بابا الفاتيكان مندوباً مهماً قابل الرئيس صدام، وسلمه رسالة، أهم ما فيها: يمكن للحصار أن يرفع كاملاً إذا قبلتم الاعتراف بـ"إسرائيل"، والدخول في عملية التسوية، كما يفعل بقية الحكام العرب.
بعد أسره، وبعد أن أربكت المقاومة العراقية الباسلة المشروع الأمريكي - الصهيوني، وأغرقته في وحول العراق، واعترف الأمريكان، ولو ضمنياً، بقوة البعث فيها، جرت عديد المحاولات لمفاوضته حول "المخرج".
وكانت حياته، دوماً، مادة رئيسة في المقايضة، فرفض، مشدداَ على مطالب العراق التي لا تنازل فيها:
1 - انسحاب قوات الغزو بالكامل، دون قيد أو شرط، في زمن معلوم تضمن فيه المقاومة سلامة الانسحاب.
2 - تعويض العراق عن كل ما لحقه من دمار، وخراب وضحايا.
وعندما طرحت عليه (رايس - وزيرة الخارجية) في لقائها الأخير معه، قبل شهرين من اغتياله، والذي دام ست ساعات، حسب ما تناقلته عديد المواقع على الانترنيت، وكذا عدد من هيئة الدفاع عن الرئيس، "تأمين مكان مريح له ولعائلته في إحدى الدول العربية (الإمارات العربية المتحدة - وقيل قطر)، وضمان حياته، مقابل إصدار بيان يطلب فيه إنهاء المقاومة، رفض صدام العرض جملة وتفصيلاً، مثلما رفض كل المساومات على حياته، ليبقى شامخاً، كما عاش، وآمن، ولهذا أصرّ على أنه "فداء للعراق والأمة والمقاومة..".
صدام المؤمن
وصدام حسين الذي عركته، وصقلته المعارك، والتجارب، والثقافة، والمحن، ليس ذلك الشاب المندفع، البسيط، أو الدموي (كما أريد تصويره)، فقد بدا أكثر عمقاً إلى درجة ًتقترب من التصوّف.
هنا، وردّاً على الذين "يكفّرونه" وكأنهم هم من يملك بطاقة تحديد معتقدات الناس، وعلاقتهم بالخالق، أو هم ملاّك مفاتيح الجنة والنار، فقد كان صدام حسين شديد التديّن والإيمان، عن صدق وقناعة، ومنذ سنوات مديدة.
صحيح أن البعث "أقرب" للعلمانية، و"متهم" من الملالي، والسلفية بأنه "كافر"، "علماني"، وإلى آخر المعزوفات المعروفة، فإنه يجب تسجيل عدد من الحقائق:
1 - لم يكن البعث حركة علمانية تماماً، شأنه شأن الأحزاب الشيوعية، أو الليبرالية، مثلما لم يكن حزباً دينياً، أو إسلامياً. ويمكن القول، وبغض النظر عن الموقف الشخصي، أنه كان خلائطياً يبحث عن صيغة توفيقية تقع بين الإسلام والعروبة المنفتحة، بين الأصالة والحداثة.
وللتأكيد، فإن مؤسس البعث، المرحوم ميشيل عفلق، أكثر المفكرين العرب الحداثيين الذي كتب مبكراً عن الإسلام والعروبة، وعن موقع الإسلام ومكانته، ودوره، والرسول العظيم الذي قاد العرب ووحدهم، وعن "الرسالة الخالدة" التي حملها العرب المسلمون إلى العالم. (أشهر إسلامه وأوصى عدم الإعلان إلا بعد وفاته، ودفن في بغداد - وللمناسبة فإن من "إنجاز" عملاء العراق في أشهرهم الأولى بعد الغزو، تهديم ضريح عفلق، ونبش رفاته ورميها..).
وللرئيس صدام كتابات صادرة منذ أواخر السبعينات عن: "الدين والتراث"، و"الإسلام والعروبة"، كمحاولة لإرساء نوع من فهم، أو "أديولوجيا" دمجية لا تقيم الحدود بين العروبة والإسلام، وتعتبر البعث حمّالاً لتلك الراية وتواصلاً لها.
2 - هذه الحالة الخلائطية أوجدت في البعث تركيبات مختلفة، من العلمانيين، والمؤمنين بالدين الإسلامي أو المسيحي، أو من هم بين بين. أي أن البعث لم يضع في شروط عضويته ديانة، أو اعتقاد المنتسب إليه، ولم يدع يوماً إلى الإلحاد، أو الدخول إلى قلب الإنسان، معتبراً أنها وضعية تخص قناعات البشر.
3 - وإذا كانت هذه الوضعية تنطبق على الحالة السورية، أكثر من الحالة العراقية، فقد عرف البعث في العراق تحولات انعطافية واضحة باتجاه الإسلام، والتديّن، والعبادة.
ومنذ مطلع الثمانينات أقرّت القيادة العراقية ما يعرف بـ"الحملة الإيمانية"، داعية جميع البعثيين، بشتى دياناتهم ومذاهبهم للالتزام بها، وترجمتها في حياتهم. وسمّي الرئيس صدام بـ"قائد الحملة الإيمانية".
ودون الحاجة إلى تفصيل ما عرفه العراق منذ أزيد من عقدين، من تحولات في هذا المجال، ومن بناء عشرات الجوامع، ودور العبادة الفخمة، والمنتشرة في عموم العراق، وعديد القرارات، والتعليمات المنسجمة مع هذه التحولات.. فقد كان صدام حسين مؤمناً حتى النخاع، معتزّاً بإسلامه، ومحاولاً إعادة الاعتبار لعلاقة العروبة بالإسلام، ضمن مجهود متكاثف لإرساء هذه العلاقة، وربما تمييزها عن "الحالة الفارسية"، وما تمثله من مخاطر على العراق: "سنة وشيعة".
البديهي أن صدام حسين لم يكن طائفياً، وإن انتمى للسنة، ولم يتعامل يوماً على أساس مذهبي، لا في الحزب وقياداته، ولا في الدولة، ولا في علاقته مع الشعب. والكل يعرف أن عدد "الشيعة" في البعث يقارب الـ(800) ألف منتسب، وأن قيادات هامة هي من أصول "شيعية"، ومثلها في الجيش، والمقاومة.
وعروبة صدام ليست عرقية تلغي الآخر غير العربي، حيث، ورغم تعقيد المسألة الكردية، كان يقرّ بالحقوق الأساسية للأكراد، والذي جسده في مشروع "الحكم الذاتي" الصادر عام 1971، الذي يعتبر المشروع الأهم الذي حصل عليه الأكراد في تاريخهم، ليس في العراق فقط، بل في عموم كردستان التاريخية: في تركيا وإيران، وأجزاء من سورية.
وعلى الرغم من فجوات ذلك المشروع، خاصة في التطبيق، وتعقيد الحالة الكردية "الملتبسة"، كان صدام حسين شديد الإيمان بوطنية الأكراد، وعراقيتهم، وحرصهم على وحدة العراق، ورفضهم للغزاة المحتلين.
4 - صدام حسين، وفي سنواته الأخيرة، وقد بلغ من العمر زمناً، وعرف السلطة في أعلى مواقعها، بدا أقرب للزهّاد، والتعمّق الفلسفي، ومن يقرأ خطاباته قبل سنوات، وطوال مرحلة ما بعد السقوط، يدرك أن الرجل يبحر عميقاً في الخلق، والبعيد، وقد عبّر في واحدة من رسائله للشعب العراقي، قبل أسره، وكردّ على الناقدين لما أشاده من قصور رئاسية "أنه غادرها منذ سنوات، وأنه يسكن بيتاً عادية، وأنها رموز للعراق الشامخ".
لعل شدّة إيمان الرئيس صدام، الأقرب للتصوف، تفسر وجهاً من وجوه حالته الخارقة وهو يستقبل الاغتيال اللئيم بذلك الوجه المشرق، الذي يشعّ جرأة، ونوراً، وبتلك النظرات الموحية، والابتسامة التي وجهها للأدوات الحاقدة.
صدام المقاوم والشهيد
الحكام العرب، وعديد الأوساط لم تفهم أسباب رفض صدام حسين للتنحي، فيما عرف بـ"مبادرة رئيس دولة الإمارات" المرحوم زايد بن سلطان، قبيل الغزو الأمريكي بأسابيع، ففسروا السبب على أنه التمسك بالسلطة (لا أكثر ولا أقل) فراح خونة العراق ينسجون منها، وعليها الأسباب والمسؤوليات، إلى درجة أن وقاحة الكثير منهم تحمّل الرئيس صدام مسؤولية غزو وتدمير العراق!!!.
كنت واثقاً أن الرئيس صدام يدرك أن الغزو ليس نزوة طارئة تتجلبب بـ"أسلحة الدمار" تارة، أوبـ"مقاومة الإرهاب" تارة أخرى، ثم بكذبة "القضاء على الدكتاتورية لإقامة الديمقراطية" (كما رست الكذبة بعد افتضاح سابقاتها)، إنه التنفيذ لمخطط مرسوم منذ سنوات وسنوات. مخطط وضعته صهيونية حاقدة، مدمنة على تنفيذ مشروعها التفتيتي - التقسيمي - الاحتلالي، وقد التقطته تلك العصابة من "المحافظين الجدد" المتأدلجة توراتياً، والمتولدة من رحم احتكارات النفط والسلاح، وهي ذاتها المجموعة التي حملت ذات المشروع عام 1996 للرئيس كلينتون لغزو العراق، ورفض.
صدام يدرك أن الغزو لا يستهدفه شخصياً وحسب، ولا حزبه المؤمن به، ومن خلفه ذلك المشروع المناهض للصهيونية، والغرب الاستعماري فقط، بما فيه محاولة القضاء على حركة العروبة، ووأدها في الجرثمة الطائفية، والحروب الأهلية: البديلة، وأن العراق هو الهدف. هدف بذاته، وهدف منطلق لبقية الأقطار العربية.
من موقع المؤمن بحتمية الغزو، وحتمية مقاومته، وهو الأقدر على قيادة المجابهة، رفض صدام الاستجابة لذلك الاقتراح الشكلي، (وقد أكدت أحداث العراق الدامية أن العراق: الدولة، والكيان، والتاريخ، والجغرافيا هو الهدف).
صدام حسين، وكما عبّر عن ذلك بلسان رئيس هيئة الدفاع (المحامي خليل الدليمي) كان شديد التألم من تزوير واقعة أسره، حين ركزوا على تلك الحفرة، وعرضوه بتلك الهيئة الشعثة، وقد بدا غير متوازن (وقد حقنوه بمخدر)، وأنه، هو أبو عدي، لم يكن يسمح لهم بأسره لو كان سلاحه بمتناوله، لكنهم غدروه، ولعلّ مبعث ألمه، وقد أصابه الكثير من الظلم والتشويه، إحساسه بأنهم يريدون تناوله في أعزّ صفاته: الشجاعة والإقدام، ولا أدري إن كان يتمنى لو استشهد حينها، ولم يتعرّض لامتحانات ذلّ الأسر، والمحاكمة الممسرحة.
ولمناسبة الأسر في حفرة، أم في قصر منيف، أم في بيت عادي، فمن من يعرف التخفي، وقد عشناه سنوات (مع الفوارق النوعية بالمثال)، فقد كان فخراً لصدام حسين أن يؤسر في أي مكان، حتى وإن كان قبواً تحت الأرض أعدّه مسبقاً لمثل هذه الأوضاع، بل يكون قد حسب حسابات شتى الاحتمالات، لأن صدام حسين لم يكن مطلوباً لشخصه فقط، ولم يكن يهمه إنقاذ حياته الخاصة، لأنه كان يقود مقاومة، وكان بقاؤه ضرورياً ومهماً فيها، ولعل من أخطائه التي قادت إليه، وربما سهّلت على ذلك الخائن الذي وشى به، أنه كان لا يمكث في مكان، وكان يغامر فيتواجد في أماكن الخطر، وذلك دأبه في جميع المعارك والامتحانات.
ولعل أهم حملات التركيز، والتشويه، وتحميل المسؤولية، تلك التي انطلقت إثر سقوط بغداد المفاجئ بتلك الدرامية، فأجاز البعض لنفسه أن يحمله مسؤولية الهزيمة، وأن يصفه بالخائن الذي هرب من المعركة، ولم يدافع عن بلده، وكثير مما قيل ويقال حول تلك الفاجعة التي حلّت يوم التاسع من نيسان، خاصة وأنه من أطلق الوعد الشهير "سينتحر المغول الغزاة عند أسوار بغداد".
كثيرون من هؤلاء، ونحن منهم، تختلط لدينا الرغبات والمشاعر بالوقائع التي نعرف، وقد ننسج أحلاماً وردية نطير بها إلى توهم انتصار ما، أو حدوث "مفاجآت"، ومعجزات، وإذ بالنتائج تسحقنا.
نعم، كانت هناك مراهنات حقيقية، وجدّية، تحدّث بها عسكريون عرب وأجانب مشهود لهم بالتخصص والنزاهة، حول إمكانية أن يلحق العراق الهزيمة بالعدوان الثلاثيني 1991، أو على الأقل: منعه من تحقيق أهدافه، عبر المراهنة على الحرب البرية، وعدم توقعهم أن يحقق الطيران لوحده النصر، أو أن يحسم المعركة دونما حاجة لحرب برية، (وهو الذي حصل، بغض النظر عن الملابسات الأخرى).
أما غزو العراق عام 2003 بظل أزيد من عشر سنوات من حصار وحشي منعت فيها حتى أقلام الرصاص على العراق، وتداعيات ذلك الحصار، وفعل "المفتشين" وتقاريرهم التجسسية والإخبارية، ومليون عامل وعامل، فأعتقد أن أية مراهنات على منع الغزاة من تحقيق هدفهم، أو نحرهم على أسوار بغداد، بدا (للجانب العقلي فينا) خارج المنطق، رغم أن صمود "أم قصر"، وتواصل المعارك لنحو العشرين يوماً، ونفس، ووعود الوزير الصحاف، جعلنا نحقن أنفسنا بشيء من أحلام أقرب للأساطير، حتى كان السقوط المريع، بعد احتلال المطار، وأسرار ما جرى فيه.
كنت، وطبول الحرب تقرع ويمهد لغزو العراق، قبل أحداث أيلول/سبتمبر، أدرك بالحس، والاستنتاج، أن غزو العراق قادم لا محال، ولذلك أعتقد أن القيادة العراقية، وهي في موقع قادر على المعرفة، كانت تجزم بحتمية الغزو، وقد بيّنت المعلومات اللاحقة، أنها وقبل سنتين على الغزو، بدأت بإعداد نفسها لمقاومة طويلة، فكانت المقاومة العراقية، هي التجسيد، قبل أن تلتحق بها، وتغذيها جهات إسلامية، وسياسية، ووطنية مختلفة.
كان ذلك قراراً حيوياًً، لأنه لم يكن أمام القيادة العراقية سوى خيارين:
- إما تسليم البلد للغازي دون قتال أو مقاومة.
- وإما مقاومته بما هو ممكن من إعداد مسبق، يسمح بالانتقال من الحرب النظامية إلى حرب العصابات، وحرب الشعب، أي المقاومة المنظمة التي تستنزفه، وتسيل دماءه، وصولاً إلى هزيمته، ورحيله.
ولأن صدام حسين، والقيادة العراقية، ليس من النوع الأول، فالأكيد أن كل المعلومات التي تتالت لاحقاً عن الإعداد المسبق لمقاومة شاملة، شديدة التنظيم (بعشرات الآلاف)، والسرية، والتي كان يشرف على تجهيزها صدام حسين شخصياً (بمخازن السلاح الموزعة والمخبأة، وأنواع الأسلحة الأنجع، والسيارات الخاصة التي اشترى العراق منها بضعة آلاف في العام السابق للغزو، والتمويل، ودقة التنظيم، وتوزيع المهام)، هي صحيحة. وأن هذه القيادة وقد تلقّت ضربة ماحقة في المطار، حين استخدمت أمريكا قنابل غير تقليدية (أشبه بالنووية) فأفنت آلاف الجنود (يقال أن الرقم يتجاوز الخمسين ألف شهيد، وإبادة فرقتين من أهم فرق العراق)، حينها قررت القيادة، وبقرار متفق عليه، الانتقال إلى خندق المقاومة، بعد فرط أجهزة الدولة ومؤسساتها.
- وقد نشر البعث عديد المعطيات عن مجريات الحرب، وعن الإعداد المسبق للمقاومة. وأعتقد أن صدام حسين المغرم بالأناقة، واللباس الجميل، والذي عاش مديداً في رفاه السلطة وقصورها، لم يجد صعوبة كبيرة وهو ينتقل إلى (مواطن - مجاهد)، وكأنه يستعيد سنوات شبابه، وما عرفه من فقر، ويتم، ومعاناة، ثم مجابهات، وتخف، وحياة بسيطة متقشّفة. (لم تكن الصور التي تناقلتها وكالات الأنباء ومواقع الانترنيت لإذلاله وإذلالنا، وهو بلباسه الداخلي يغسل ثيابه، تعني له كثيرا. فقد نشأ هكذا، وعاد إلى طبيعته الأصدق.).
- وصدام حسين الأسير، والذي أرادوا (شرشحته) بتلك المحكمة الهزلية، ومعاناة الانتظار، والجلوس الطويلين، وتلك التهم، والإهانات، والضرب، والاعتداء أحياناً، والتوصيفات، وتمادي (النائب العام) ورئيس المحكمة المهووس، والمهزوز، سجل نقاطاً لا تحصى ضد أعدائه، لقد رجّ العالم بمنطقه المتماسك، وفضح زيف العملاء، وحقد الصهاينة، والعمائم المرتهنة - المبرمجة، والأمريكان.
نعم، صحح صدام حسين، لمن لا يعرفه، ولمن لوّثته، أو شوهته حملات الدعاية المبرمجة صورته، وصورة الحكم الذي قاده، بما جعل الكثيرين يتعاطفون معه، ويعيدون حساباتهم.
في المحكمة المقامة بعنوان "الأنفال"، وعندما قال له القاضي: "عبد الله العامري" (المعاقب بالطرد، والمجيء بمهووس، حاقد): أنت لست ديكتاتوراً، وكررها ثانية، وبأن من حولك هم من المسؤولون عن ذلك، ضحك الرئيس صدام من أعماقه، وقال له بحرارة فيها عرفان واضح: أشكرك.
وتساءلت: ترى هل كان يعي صدام حسين أنه "ديكتاتور" يجمع معظم الصلاحيات بين يديه، وأن الكثيرين يخافونه، وأن مظاهرات التأييد، والهتاف، والتعظيم، وانتخابات الـ(100%) ليست حقيقية تماماً؟؟.
- أم أنه يشعر بأن ظروف العراق تقتضي الذي فعل؟، وأنه لم يكن سوى قائداً (وضعه القدر) لبناء وقيادة العراق، والدفاع عن الأمة بما يقتضي من نخوة، وحمية، ومخاطر؟.
الاغتيال الصفقة الحقد - الكشف: المكان، والتوقيت، والطريقة.. والنتائج:
قصص كثيرة تتناقلها وسائل الإعلام عن الأمريكان "الذين نصح سفيرهم المالكي بتأجيل الإعدام خمسة عشرة يوماً، ثم طلبه توقيع رئيس، ومجلس الرئاسة (كما ينصّ دستورهم المفبرك)، ثم إشارته إلى القانون الأمريكي الذي لا يجيز تنفيذ أحكام الإعدام في الأعياد الرسمية"، وكيف أن "المالكي جاءهم بفتوى قانونية تمنحه حق التوقيع بديلاً، وأنه عاد إلى المرجعيات الدينية فأجازت له الإعدام في يوم عطلة، حتى وإن كان هذا اليوم هو يوم عيد الأضحى المبارك".
ثم قصة مهزلة الاغتيال، وتلك الأصوات الحقدية التي انطلقت من مخزونها الأسود، والتي نسبت لـ"التيار الصدري"، والمعلومات التي راجت عن الاعتداء على الشهيد قبل اغتياله، وبعده، وإحراق آخر رسالة له، والقرآن الذي أوصى بإيصاله إلى (بدر عواد البندر)، ولفحته، وبعض ما كان يلبس، وآثار دماء، وكدمات على خده الأيسر.
وقصة هزلية، ارتجّت لها حكومة العملاء، فراحت تعد بالتحقيق: من ذاك الذي صور الإعدام بهاتفه النقال، ونشرها، واتهام العديد للإيراني - الملتبس باسم (موفق ربيعي) بأنه هو من فعل (أعلن ذلك الكاتب والمفكر العراقي حسن العلوي في اتصال طويل مع قناة "المستقلة").
وقصص عجائبية من مصادر العملاء يبررون فيها التسرّع باغتيال الرئيس الشهيد، تروى عن أعلى المصادر الحاكمة، "حول معلومات أكيدة بأن الرئيس كان سيهرّب خلال أربع وعشرين ساعة، لو لم، يسارعوا..".
أو تلك التي تحدّثت عن محاولات سعودية حثيثة لإلغاء حكم الإعدام، واعتراض حكام الكويت، وتحضير قطر لاستقباله مقيماً فيها، (وكثير من الروايات التي تعكس البلبلة الناتجة عن ذلك الفعل الإجرامي - الاستثناء).
لقد انقلب الحقد على الحقّاد، والعيد "الذي صار عيدين عند بعضهم" إدانة تاريخية لن تمحى.
قصص أخرى، تبدو أقرب للواقع، كتبت بعضها جريدة "الشروق" الجزائرية، بتاريخ 2/1/2007 نقلاً عن رئيس تحرير "صوت العروبة" وليد رباح، بعنوان: "المؤامرة"، وقد وردت نفس المعطيات، مع بعض الإضافات في "البيان" الذي أصدره (حسن العلوي) حول اغتيال الرئيس، وكذا بعض مواقع الانترنيت.
وخلاصته: أن الولايات المتحدة، وضمن أفق "استراتيجيتها الجديدة، قررت تسليم رأس صدام حسين لأعدائه منذ أزيد من شهر، قبيل زيارة بوش للأردن والتقائه رئيس الحكومة العميلة (المالكي) هناك. وأنه عندما حضر (عبد العزيز الحكيم الطبطبائي) إلى البيت الأبيض، بعد ذلك بأسبوع، فاجأه الرئيس بوش بتسليم رأس صدام، حين كان يروي له عادات الأمريكان في التهام اللحم، بأنهم يبدأون من الأطراف، وصولاً للرأس، خلافكم أنتم العرب (وكأن بوش لا يعرف أن الحكيم، صاحب العمامة السوداء، ليس من أصول عربية، بل هو إيراني الأصول، والانتماء) الذين تبدأون بالرأس، وأن الحكيم فهم المقصود، فانفرجت أساريره، وغطّى وجهه الحاقد - اللئيم ظلّ ابتسامة. وأن بوش اشترط عليه احتواء الصدر الذي يزعجهم بمشاغباته، فوعد الحكيم.
ويذكر المقال "أن المؤامرة كانت معروفة من النظام السعودي، والمصري، والقطري"... يضيف (حسن العلوي) إلى أطراف الصفقة (أمريكا، والصهيونية، وإيران، والشيعة) طرفاً خامساً. قال عنه أنه "أطراف بعثية قيادية جرت بينها وبين الحكومة العراقية، والأمريكان عدة جولات من المفاوضات في بيروت والأردن ولندن، وأنها تمركّزت حول فكرة: "تحميل صدام حسين، والصداميين، كل الجرائم المحسوبة على البعث..." أي "رأس صدام حسين مقابل تنظيف البعث الذي سيكون مرحّباً به في العملية السياسية"، وأن "هذا ما يفسر دعوة المالكي في أول تصريح له بعد إعدام صدام، حين دعا البعثيين للدخول في الحوار، والمصالحة الوطنية.."، و"بعضهم قبل، بينما رفض آخرون المقايضة"!!.
سأترك مؤقتاً ما يقال ويكتب، وسيقال الكثير لاحقاً، وأقف عند القصة من أولها، وفي جوهرها.
- مراراً كتبت، وتحدثت، حيث أتيح لي المشاركة في التلفزة الجزائرية ببرامج سياسية مباشرة، أن العراق هدف مركزي للعدوانية الأمريكية، ليس لثرواته العملاقة (أكبر احتياطي نفطي) فقط، أو لموقعه الجغرافي الاستراتيجي من أهم أماكن، وخطوط النفط وحسب، بل، وفوقهما: لوجود إرادة صلبة ترفض الانصياع ودخول بيت الطاعة.
- وأن الصهيونية المتجلببة بتراث الحاخامات وتنظيماتهم التاريخية، الخاصة، والمحترفة بصناعة الدجل، والبعبع، والمخيف – المهدد، عملت سنوات وسنوات للتعبئة ضد الرئيس صدام، وقد مزجت المصالح بالمشاريع بالتباسات أقوال "التلمود" وبعض النبوءات، وحتى بالمنجمين وقراء الطوالع، لتصوير صدام حسين على أنه النسخة الأشرس من نبوخذ نصر، وأنه سيبقى العدو رقم واحد طالما ظلّ على قيد الحياة.
ولذلك وضع عتاة الصهاينة، وكبار استراتيجييها (كيسنجر، وبيريز، وغيرهما) مخططات تفصيلية لغزو واحتلال العراق، بغية: تدميره، وإنهاء الدولة العراقية.. ثم تقسيمه، بل تفتيته بعد إغراقه ببحر من الدماء.
وهنا تركب "الأساطير اليهودية" التي ما زالت تعشش، أو تستخدم من قبل عتاة الصهاينة: المتطرفون منهم، ودعاة التفتح، والتي "تتنبأ" بإقامة "إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل"، (وقد وصلوا الفرات ويشربون منه، مثلما يشربون من النيل).
هذه الحقنة الغرائبية، أدخلت إلى عقل المحافظين الجدد، وفي مقدمهم بوش الأهوج "الذي يقول أنه يتلقى تعاليمه من الرب"، وكأنها الشرط اللازم "لقيامة السيد المسيح" الذي "سيخيّر بني إسرائيل: إما إتباع تعاليمهم، وإما تدمير مملكتهم الكبرى.... فيمتثلون....."..!!
دون أن ننسى أن العنجهية الصهيونية المتغذّية من فلسفة تفوقية، عنصرية، لا تسمح لبلد عربي أن يخترق الممنوع، وأن يقيم صناعة حربية متقدمة، وأن يبني تجربة متطورة، وقد رأينا كيف فجّروا مفاعل تموز النووي، فكيف وصدام حسين هدد بـ"حرق نصف إسرائيل بالكيماوي المزدوج"! وصدام حسين هو الرئيس العربي الأول الذي يتجرأ فيضرب العمق "الإسرائيلي" بصواريخ من صناعة عربية؟.
- وإيران المهزومة في حربها مع العراق، إيران اختلاط الأدلجة العقائدية بموروث التاريخ الفارسي، وإيران تجديد، وتحشيد المظلمة التاريخية، والكربلائية الموظفة.
إيران البلد الكبير، صاحب المشروع الطوح للانتقال إلى دولة عظمى، تفرض شروطها على المنطقة، وعلى أمريكا المتنفّذة، ترى في العراق (البعثي)، وعراق القائد صدام حسين، العقبة الرئيس.
- أما الحالة الشيعية الملتبسة، الحالة التي تريد إبقاء جراح التاريخ مفتوحة لضمان التحشيد، و"وهج" العقيدة، ولسوق التبرير، فإن كمّ الانتقام فيها (وأعني على الدوام المرجعيات التي انضوت مع المحتل، وتلك الأحزاب الماليوشية المدعومة من إيران) يخرج عن المألوف، ويطرح أسئلة مخيفة عمّا يمكن أن تقترفه من أفعال دموية، وعن هذه البرمجة العقائدية المنغرسة في كهوف الماضي، المتجلببة بولاية الفقيه، والمستخدمة، كلما احتاجت، فلسفة "التقية" لإظهار غير ما تبطن، حتى إذا ما احتل العراق.. كشفت عن مخزون مرعب من الحقد، واللؤم، والاستعداد لتفتيت العراق.
- لن نذكر حكام الكويت، ومواقف الحكام العرب الذين كان يربكهم، ويحرجهم نظام صدام حسين، ثم وجوده.
هكذا اجتمعت مجموعة أطراف حاقدة، معجونة بالمصالح، وشهوة الانتقام، بدءاً من بوش الحاقد، الباحث عن أي نصر، حتى لو كان إشهارياً، (فكيف برأس صدام حسين) ؟، ومروراً بملالي وآيات الله وحكام إيران، ووقوفاً عند خونة العراق: برقع الحكم، وغطاء المحتل، دون أن ننسى الابتهاج الصهيوني، ودوره.
رأس صدام حسين مطلوب من كل هؤلاء
ولئن كانت الإدارة الأمريكية تريد بذلك القضاء على الخط القومي، وفكره، وقواه، فإنها أرادت ضرب عدة عصافير (وقد اعتبر بوش نفسه صياداً ماهراً).
صحيح أنه أذلّ الحكام العرب مليون مرة تلو المرة، لكنه يمعن، وهو يبلغهم رسائل أمريكا، وعقوباتها على من تغضب عليه، أو من يعارضها، وكأنها تقول لهم: هذا مصير من يقول لا، فاتعظوا، واحنوا رؤوسكم أكثر وأكثر.
- أمريكا: المسؤول الأول عمّا جرى للعراق، وصدام حسين، هي القاتل المباشر، وإن كانت الأيدي الحاقدة هي التي نفّذت، وفاخرت، وانتشت.
وإعدام صدام حسين قرار متخذ قبل الغزو، وقبل أسره، وما تقديمه لتلك المسرحية (المحكمة) سوى جزء منظم من عملية القتل المبرمج، (وإن فكروا باستخدام ورقته للمقايضة).
تلك هي الحقيقة، أما البقية فهي تفاصيل شواهد على المدى الذي أوغل فيه خونة العراق، على حقدهم الأسود المبرمج الذي يدفع إلى أتون ليس الحرب الأهلية الطائفية وحسب، بل وإلى تفتيت العراق، وتحويله إلى زواريب وحارات وقبائل متناحرة، (بانتظار فعل المقاومة ودورها).
خونة العراق وقد أعماهم حقدهم الكحلي، ظنوا أن الإدارة الأمريكية تسلمهم رأس صدام حسين كنوع من تأكيد على استقلاليتهم، وقد عبّروا عنها، حين تجاوزوا حتى الشكليات (وهي كما يفترض قانونية ينصّ عليها دستورهم المصنّع من بريمر، والقاضي بوجوب توقيع رئيس الجمهورية، والهيئة الرئاسية على قرار الإعدام، وكذلك منع تنفيذ الإعدام في أيام العطل الرسمية، فكيف بعيد الأضحى المبارك..).
نعم، عبّر خونة العراق عن بعض مكنونهم، فانفضحوا أمام الدنيا، وقد هزّ الإعدام الكون، وفتّح أعين الملايين على حقيقة هؤلاء، وحقيقة ما يراد للعراق، مثلما عرّى الخلفيات الإيرانية، ومشروعها، (لكيدهم، وغبائهم اغتيل الرئيس في دائرة المخابرات التي كانت مختصة بمتابعة الأنشطة الإيرانية المعادية)، فأي شيء يريدون أكثر؟.
أمريكا فشلت في لي عنق صدام حسين، وهو يرفض المقايضة، وقد قرر أن يكون قرباناً (فداء للأمة والعراق، وناشد رفاقه رفض أية مساومة تكون حياته موضوعها، لأنه قرر.
وأمريكا عجزت عن ضرب المقاومة الباسلة، والهزائم تلاحق ذلك المجرم، المهووس في البيت الأبيض، فقرر "تغيير استراتيجيته في العراق"، وكان رأس صدام حسين عنواناً، وبوابة لصفقة كبرى ليست إيران، وأطراف أخرى (عربية) ببعيدة عنها، بل ستكون إيران، ومعها عملائها، الطرف الرئيس.
سياسة المأزوم بوش، وإن كانت ممعنة في نهجها الإجرامي، ومحاولة الاستنجاد بقوات أمريكية جديدة، إلا أنها مضطرة للقيام ببعض المناقلات، والإقدام على خوض مراهنات إضافية، علّ وعسى، تؤخر إعلان الهزيمة، والفشل الساحقين، فتطيح بالجمهوريين، وتاريخ بوش، الذي سيكون الصفحة الأسود فيه.
ولئن ركّز العديد، خاصة الحكام العرب "الذين استهجنوا الإعدام لأنه جرى يوم العيد"، فإن اغتيال صدام حسين هو الهدف، والقضية، وليس التوقيت، والمكان، والشكل، والحيثيات، وإن كانت جميعها معبّرة، وفاضحة، وقد ارتدّت عليهم، حيث "نقلب السحر على الساحر" وإذ بالشهيد صدام حسين يغرقهم في مستنقعهم النتن، فينشر للدنيا صورتين عجائبيتين: صورة البطل، الشجاع، الصقر، النخلة، التي قلّ وجودها في التاريخ، وهو يتقدم بثبات فتشعّ عيناه نفاذاً، ويبرق وجهه وقد تعامل باعتيادية مع المنظر المرعب، رافضاً تغطية الوجه، أو الانحناء (وحتى التبول قبيل الجريمة)، كأنه يعلن للدنيا الحقيقة التي طالما كررها عن هؤلاء، عن أمريكا وإيران الاتجاه الفارسي، عن الذي يحاك للعراق الذي عشق، والأمة التي انتمى.
وصورة الحقد المنفلت، والعقل المالياشوي المناقض لألف باء التحضر، والقيم الإنسانية، واحترام الموت، ومعاني الحياة، والشهادة، صورة الانتقام المرعب، وكأننا نعود قروناً، كأن "رستماً" ينتقم من القادسية، فيصرخ الحسين الشهيد: ما هكذا كنت، وآمنت، وما هكذا عشت، ولأجله استشهدت.
الاستراتيجية الأمريكية وهي ترسم معالمها بدماء الشهيد، مخيفة، وقد تطلق العقال لهذا الخزين الحاقد، وللمشروع الإيراني الخصوصي، ليغرق العراق ببحر الدماء، فتصفّق الصهيونية وقد انتصر تخطيطها، وقد محي العراق من خارطة الدول، وبات عراقات الطوائف والأعراق والمليشيات.
وحتى تكتمل العملية، فأعتقد أن جهوداً كبيرة، ومن جهات مختلفة، ستبذل لشق البعث إلى أبعاث، تحت عناوين: "مصالحة وطنية"، و"الدخول في العملية السياسية"، وعبر الترويج لكذبة أن البعث بريء من الجرائم التي يتحمل مسؤوليتها صدام حسين، والصداميين.
كما سيحاول هؤلاء، وبطرق شتى استغلال غياب القائد، وصعوبة تعويضه بسرعة، للتركيز على تنظيم البعث، والمقاومة التي يقود، ويشارك فيها، في محاولة للتمزيق والشرذمة.
والحقيقة، وكما انقلبت كل أحقادهم عليهم، فإن توقيت الاغتيال، وتلك المناظر التي اهتزّ لهولها ضمير الإنسانية كافة، وعموم العرب والمسلمين، وفي المقدمة، والأساس: وقفة الفداء - النادرة التي مثّلها صدام حسين، وما أسقطته من زاد الأعداء المدجّل، وجوهرهم : الطائفي - الشعوبي – الخطير، فإنها فرصة ذهبية للبعثيين لاستثمارها في مشروع تحرير العراق.
لقد وجّه صدّام حسين عديد الرسائل، وكانت كلماته الأخيرة عن فلسطين والأمة، والعراق الواحد، الموحد، وتحذيره من أمريكا والصهاينة، وإيران، وهي رسائل ستتفاعل في محيطها العراقي، والعربي، والإسلامي، وستنتج روافد جديدة لهذه الأمة المبتلية بحكامها، وبذهنيات ماضوية متخمة ببرمجات حاقدة.
سيكبر نهر الأمة المقاوم، وستدخله أجيال وأجيال
أما البعث، وحمله ثقيل، وأكثر وطأة بعد غياب القائد صدام، فعليه أن يعيد النظر بكل الأخطاء والارتكابات غير الصحيحة، والمعادية لحقوق البشر في التعبير، والحياة، والاختلاف، وأن يكرس التعددية، بدءاً من المقاومة التي يشارك فيها ببصمة واضحة، ووصولاً إلى الخط السياسي، واختيار الديمقراطية نهجاً ومنهجاً فيه، وفي تعامله مع الآخر، ليكون الأكثر وفاء لروح الشهيد، المسلّح بقدرة التجدد والاستمرار، والتطهّر من كل الأخطاء، كما تطهّر الشهيد وهو يفدي الوطن بجسده.
بقي أن أقول أن الرئيس صدام حسين، يكاد يكون الرئيس، أو الحاكم العربي الوحيد الذي ليس له حساباً في أي بنك خارجي، وأنه لا يملك أي رصيد في حساب أي بنك عراقي، وقد صدق وهو يقول في رسالته الوداعية:
أنه كان مؤمناً - نظيف القلب، واليد، وأنه يفدي الوطن، والمبادئ، والرفاق، والعراق، وفلسطين العربية، والأمة بالروح، قالها صدام، وفعلها.
اغتيل صدام يوم العيد، ورأس السنة، لكنه سيبقى حيّاً، سيعيده التاريخ فينا جميعاً بألف صورة، وحكاية، وسينتشر مع كل إشراقة صباح، وغروب شمس، وسيسكن قلوب كثير ممن كان متحفظاً، أو مرتبكاً، أو مرهباً، أو معارضاً.
سيجدد صدام حسين صورة غيفارا، فيرتحل زائراَ قلوب وعقول ملايين الفقراء، التواقين للحرية، والاستقلال، عشاق الإباء، والكرامة الشخصية والوطنية.. والكثير الكثير من الكبرياء.
ملحوظة
بعض الصحاب والمعارف، ومنذ أسر الرئيس صدام، ثم إثر اغتياله بتلك الطريقة، والظروف يوجهون أسئلة لأمثالنا حول موقفنا فيما لو كنا في نفس الوضع، أي فيما لووصلنا للحكم، وشكل تعاملنا مع الحاكمين، وأعتقد أن هناك ما يشبه الإجماع بين القوى المعارضة الأصيلة والأصلية حول عدد من الثوابت، وأهمها:
- رفض الاستقواء بالخارج، فكيف إذا كان هذا الخارج أمريكا: العدو الرئيس للأمة، وبالتالي: رفض مقايضة الوطن باحتلاله، مهما كانت الظروف.
- المعارضة السورية لا تناضل، وتشقى، وقد عانت الكثير الكثير، واكتوت بالتعذيب، والاعتقال، والبطش، والاغتيال، والملاحقة، والتهجير، من أجل الانتقام، أو أخذ الثأر، بل في سبيل: حياة وحرية الوطن والمواطن، لأن الإنسان هو الغاية والمنطلق، وحقوقه يجب أن تبقى محفوظة، وأن تقيم النموذج.
- وأنها، إن وصلت الحكم بطريقة شرعية، فإن القضاء، والقضاء العادل، المستقل هو الذي يحاسب، ويحاكم، ويتخذ ما يراه من إجراءات، وليس الغلّ، والحقد، والتطييف، والتمزيق.
- أكثر من ذلك فإن روح التسامح، والمصالحة، والغفران، هي الشائعة، وليست تلك التي نراها في عراق الاحتلال، وعراق الماليشيات الطائفية المبرمجة، إلى درجة أننا نرفض، أبداً، أن نرى أحداً من بلدنا في مكان اغتيال صدام حسين.
آب 2009
عاش بطلا .. ومات شهيدابقلم: علي الصراف*
كل الذين لديهم ثأر ضد صدام، أخذوه. ولكننا سنرى أي عراق سيبنون.
مرفوع الرأس جاء، ومرفوع الرأس ذهب. وقف أمام موته بشرف وكرامة وعزة نفس لا يقدر عليها إلا الأبطال الحقيقيون.
مات وقرآنه بين يديه،..
مات وهو يهتف "الله أكبر"،..
ومات وحرية العراق وعروبة فلسطين كانتا نداءه الأخير.. الأخير.
حاولوا إذلاله، ولكنه أذلهم.
ساوموه على حياته من اجل أن يرهنوا مستقبل العراق، فساومهم على موتهم من اجل عودة وطنه سيدا مستقلا.
أرادوا منه أن يبيع لهم موقفا، فاشترى موته بموقف لن يختلف في شجاعته وبسالته أحد. فانتصر عليهم حتى أخر لحظة في حياته، وسيظل منتصرا عليهم الى الأبد.
وأخيرا، أسرعوا بقتله، لأنهم سئموا هزيمتهم أمامه. ضاقوا ذرعا بخذلانهم فبطشوا به.
دخل في رحاب الشهداء من أوسع الأبواب، وهذا حق لن يقدر أي أحد أن يسلبه منه.
وسجل شهادته للتاريخ بجرأة المحارب، وهذا ما لن يقدر أي أحد أن ينكره عليه.
ودفع بموته، كأي بطل من أبطال التاريخ، ثمن الوقوف ضد الغزاة وضد جبروت القوة الطاغية، وهذا مكسب لا يكسبه العابرون.
وسنختلف فيه وحوله وعليه، مثلما يختلف البشر حول الكثير من قادة التاريخ. ولكن صدام حسين، الذي قدم موته على حبل المشنقة، فداء لما يؤمن به، سيظل، الى الأبد، واحدا من قلائل المناضلين الذين جعلوا من حياتهم تحديا صارما حتى الرمق الأخير.
وسنختلف فيه وحوله وعليه، كما نختلف حول كل قضية، يراها فسطاط من الناس عادلة ويراها غيرهم باطلة، ولكن أحدا لن يختلف في أن صدام حسين دفع المهر الأغلى دفاعا عن قضيته وموقفه.
وسنختلف فيه وحوله وعليه، كما نختلف حول الكثير من مفاهيم الحرية والعدالة والطغيان والجبروت والديمقراطية والدكتاتورية، ولكن أحدا لن يختلف في أن صدام حسين كان صاحب مشروع استراتيجي، تاريخي وكبير، يجر وراءه الاختلاف في المفاهيم بدلا من أن ينجر المشروع نفسه وراء صف دون آخر منها.
ولكن هل سنختلف في انه مات شجاعا وباسلا؟
هل سنختلف في انه كان صاحب موقف صلب وجريء؟
هل سنختلف في انه خسر كل شيء، وتعرض لكل شيء، ولم يساوم؟
كان صدام حسين شيئا من قبيل: أنام ملء جفوني عن شواردها، ويسهر الخلق جراها ويختصموا.
كان شيئا من قبيل: وإنا لقوم لا توسط بيننا، لنا الصدر دون العالمين أو القبر.
وكان شيئا من قبيل: بلادي وإن جارت علي عزيزة، وأهلي وإن ضنوا علي كرام.
ولهذا كتب رسالته الأخيرة حبا في العراقيين ودفاعا عن وحدتهم، ومات دفاعا عن شرف بلادهم.
مات صدام وشرف العراقيات المهدور، تحت سلطة الغزاة، نُصب عينيه، ونُصب قلبه، ونُصب ضميره.
مات وهو يسخر من العملاء والأذناب والمأجورين ويربأ بكرامة العراقيين أن تقبلهم.
مات وهو يسمو بنفسه عاليا، وعاليا، وعاليا حتى السماء التي لا يطالها إلا الخالدون.
نصبوا له مسرحية، فجعلها فضيحة لانحطاطهم.
ساقوا له أقوى جيوش الكون، فساق لهم بسالته أعزل ومقيدا وسجينا.
تحدوه بقوتهم، فتحداهم بموته.
قالوا له: أنت دكتاتور، فقال لهم: وانتم كلاب.
قالوا له: ارتكبت جرائم، فقال لهم: كنت عن رفعة وسمو العراق أدافع.
قالوا له: غزوت الكويت، فقال لهم: من أجل شرف العراقيات (الذي أراد الكويتيون ان يشتروه بدينار) ذهبت لأحارب.
كان يعرف إن موته مقبل، فلم يُدبر.
كان يعيش مأساته، وظل قادرا على أن يضحك ملء قلبه.
كان يرى في إمعات الاحتلال إمعات، وبغطرسة الكبير ترفع عليهم.
عاش بطلا، ومات شهيدا، وكنا بحاجة الى شهيد، ليكون مشعلا ورمزا، نختلف فيه وحوله وعليه، إلا إننا لا نختلف في صلابته، ولا نختلف في نزاهة يده، ولا نختلف في موته مرفوع الرأس.
مات صدام، ولم يمت. وسيظل حيا على مر الأيام.
وبالأحرى، فقد مات كل الذين قتلوه.
فهم ماتوا بعجزهم عن الإطاحة بشجاعته،..
ماتوا بفشلهم في محاكمته محاكمة عادلة،..
وماتوا بموت ضمائرهم عن رؤية الظلم الذي حاقه الغزاة والطائفيون بعراق عظيم.
كان ديكتاتورا، يقولون. ولكنها كانت دكتاتورية المشروع، لبناء عراق عظيم، لا دكتاتورية الطغاة الفارغين.
وكثر هم الدكتاتوريون، إلا انهم لا يُلاحقون ولا تُغزى أوطانهم ولا يُقتلون، وعلى كراسيهم باقون، لأنهم لا يهشون ولا ينشون، ولا هدفا ساميا يبتغون.
كانوا قميئين وقبيحين بقوتهم عليه، وكان جميلا بضعفه وعزلته.
كانوا جبناء بقدرتهم على قتله، وكان باسلا بتغلبه على موته.
وكانوا في مسرحهم كومبارس، وكان، وسط كل الحشد، سيد المشهد.
والآن،..
كل الذين لديهم ثأر ضد صدام، أخذوه. ولكننا سنرى أي عراق سيبنون.
جمهورية الموت والخراب، هي جمهوريتهم،..
مستنقعات الدم والمذابح الطائفية ستكون سلاحهم،..
مليارات النهب والسلب ستعلو وتعلو وتعلو في حساباتهم،..
إنما من اجل يثبتوا للتاريخ وللناس أجمعين، انهم لم يحاربوا صدام بل جاءوا ليحاربوا العراق نفسه، وليمزقوه ويمرغوا انف كرامة العراقيين بوحل أعمال القتل والتعذيب والاغتصاب التي هم عن جرائمها ساهون.
هذا ما سيفعلون.
نحن نعرفهم. نعرف أي كلاب هم. ونعرف أي انحطاط وابتذال هو انحطاطهم وابتذالهم. وسيكون الناس، كل الناس، عليهم شهود.
سنرى أي خراب سيكون.
وسنرى انهم أرادوا بموت صدام أن يموت عراق العلماء وأساتذة الجامعات والخبراء الذين صاروا يُنحرون، في ظل سلطتهم، نحر الخراف.
وسنرى إن عراق العراقيات (بدينار) هو عراقهم، عراق زواج المتعة بين الاحتلال ونصابيه، عراق الدعارة الطائفية على حساب وطن شامخ وعزيز. عراق "الحلاوة بجدر مزروف" (عراق النفاق والمنافقين)، لا عراق المشروع، أي مشروع، سواء اختلفنا أو لم نختلف فيه. فهذا ما لا يريدون. وهذا ما لا يقدرون، وهذا ما لن يكون، لان سادتهم لا يسمحون لهم به، ولأنهم من عواقبه يخشون.
سنرى، وبأنفسهم سيرون.
سنراهم يخدمون سادتهم في طهران لتكون لديهم أسلحة دمار شامل، ذاتها التي حرموها على بلادهم.
سنراهم يتقاسمون العراق حصصا، كل على مقاس "مداسه" الطائفي (نعاله، أو عمامته، لا فرق)، فإذا كبرت الجريمة، سيقولون "فلنوقف الفتنة الطائفية".
سنراهم يحولون بلدا مستقلا كان يوشك أن يصبح قوة إقليمية عظمى الى بلد تابع وذليل وجائع.
فهل مات صدام حقا؟
كان يمكن لصدام أن يموت، كما يموت أي إنسان، او أي دكتاتور. ولكنهم، بـ"ولية المخانيث" (تحت ستر الاحتلال وغطائه) زادوا من جعله بطلا، وبطائفيتهم جعلوه رمزا للوطنية، وبفشلهم في كل حقل من حقول البناء سيجعلون حتى من أصعب أيامه عيدا.
وسيكنسهم التاريخ، كما كنس كل العملاء من قبلهم، وسيظل صدام حيا، نختلف ولا نختلف فيه: بطلا ودكتاتورا و...شهيدا في آن معا.
بعضنا أيده على طول الخط، وكان يدرك فيه ما لم يدركه الآخرون،..
وبعضنا عارضه دكتاتورا، وعاد ليمجده أسيرا وشهيدا.
فهل يموت صدام كهذا؟
أخطاؤه، بل وربما خطايا نظامه هي التي ستموت، ويبقى البطل والشهيد حيا.
والآن،
من كان لديهم ثأر ضد صدام، فقد أخذوه. مبروك.
ولكن ثأرهم ضد العراق لم يكتمل بعد. وسيرتكبون كل جريمة في سجلات الحقد والكراهية من اجل أن يركع هذا البلد على ركبتيه يستعطي العطف والرحمة، وسيجعلون الملايين يشحذون، وشرفهم يبيعون.
ولكنه سيكون عراق الجهاد والمجاهدين أيضا.
عراق الملايين الذين من اجل حريتهم سيقاتلون،..
من اجل شرف نسائهم سيبذلون الغالي والنفيس،..
ومن اجل سيادة واستقلال وطنهم سيحاربون،..
يموتون أو يعيشون، لا فرق، ولكنهم مرفوعو الرأس سيبقون.
وسيخسأ الطائفيون والعملاء والمأجورون.
صدام لم يمت.
ولكن مات الدكتاتور، وسيظل الشهيد حي
*كاتب هذا المقال هو من أشد المعارضين لصدام حسين ولكنه وطني بمعنى الكلمة وهذه ليست المرة الأولى التي يكتب بها مرثيا ومادحاً رجلا نسأل الله أن ينجب العراق مثله ليوحد الكلمة ويعيد العراق إلى مكانته الحضارية
******************
في ذكرى استشهاد حبيب الأمة
ابراهيم عبيد
يا سيادة الرئيس صدام حسين، لقد عرفناك لمدة طويلة مناضلاً ومجاهداً صلباً في ساحات القتال. لقد كنت ولا زلت النور الساطع تضيء طريقنا والقوى الدافعة المحفزة لنا لنحمل راية أمتنا ونصون رسالتها الخالدة. وأننا نعاهدك يا شهيدنا الحبيب أن لا نسمح لهذه الراية أن تسقط أبداً بل سنبقيها عالية معززة وموقرة مثل روحك الطاهرة ترفرف فوق الوطن العربي الكبير.
قبل ألفي عام استشهد سيدنا عيسى عليه السلام في الوطن العربي وعلى أرض فلسطين التي أحببتها الى يوم استشهادك. العدو الغربي الروماني مع حفنة مارقة من كهنة الهيكل المزعوم قد تآمروا عليه وقتلوه لا لذنب ارتكبه بل لكونه كان رسول محبة وسلام لبني البشر. لقد اغتالوه يوم عيد الأضحى الهودي، المعروف بـ(يوم الفصح). وبعد ألفي عام أحفاد هؤلاء الأنجاس وصهاينة العصر من طائفيين صفويين قد تألبوا عليك واغتالوك أيضاً يوم عيد الأضحى لأنك كنت رسول محبة للعراق وللأمة العربية ولفلسطين تسعى لخلاصنا وتحريرنا جميعاً.
الذين اغتالوك يا سيادة الرئيس كانوا جبناء حقراء ومن خوفهم من شموخك وشجاعتك لبسوا الأقنعة ليغطوا وجوههم الشنعاء. إن الجبن كان يجري في شرايين دمائهم وعروقهم. يا سيدي كنت عظيماً في حياتك ومخلصاً لدينك ودنياك، وإيمانك في الأمة العربية والعراق وفلسطين كان إيمانا راسخاً لا يتزعزع لأنك إنسان عظيم. اسم هذين القطرين الحبيبين وترديد الشهادتين كانت آخر ما نطقت به قبل رحيلك إلى جنات الخالد يا قائدنا الحبيب والأكرم منا جميعاً.
وأن الأحرار والمخلصين في العالم، والتاريخ سيسجل ذلك، إن التآمر على اغتيالك كان لإيمانك العميق في مباديء الوحدة العربية والحرية والعدالة الاجتماعية للإنسانية جمعاء ولكل العرب ولكل من يعيش على أرض الوطن العربي دون استثناء. لقد اغتالوك يا سيدي لأنك آمنت بالأمة العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة.
إننا نعاهدك أيها الشهيد أن نستمر على الطريق ونهتدي بنور نهجك وفكرك الذي آمنت به، وسنحافظ على المبادىء والقيم العربية التي علمتنا إياها، والرسالة الخالدة ستبقى خالدة، فنم قرير العين.
النصر والتحرير أصبحا قريبين بهمة المناضلين والمجاهدين المقاومين للاحتلال، وسنزور قبرك حاملين البشائر وسنصلي أبانا الذي في السموات ونقرأ الفاتحة على روحك وعلى أرواح الشهداءْ جميعا.
وفي هذه المناسبة العزيزة علينا، باسمي ونيابة عن لجنة نصرة العراق وفلسطين، نتوجه إلى المناضلين والمجاهدين على أرض الرافدين ونطالبهم جميعا أن يوحدوا منظماتهم في جبهة واحدة لتحرير العراق لبناء الدولة العراقية القوية الشامخة.
baharyafa@gmail.com
أواخر شهر كانون أول (ديسمبر)، 2012
*****************************
البطولة العراقية من جلجامش إلى صدام حسين
صلاح المختار
حينما تبحث في تاريخ العراق ستجد انه تاريخ البطولة الخارقة التي وصلت الى حد الأسطورة فكل ما تقرأه عن العراق القديم يجرك رغما عنك إلى البطولة، فالعراقي بطل زمانه ومكانه وفارس جغرافية العالم برمته فهو لم يكن بطلا عراقيا فحسب بل كان بدلا عالميا ولم تكن تكفيه بطولات ساحة العراق وحده، وشغلت البطولة دياناته وهويته ومواسمه، ولأنه بطل بالفطرة فانه بحث دائما عن خلود ( النوع ) العراقي الفريد، ورغم ان كل بشر يبحث عن الخلود إلا أن البحث العراقي عنه كان ومازال مقترنا عضويا وتاريخيا بالبطولة، فالبطل هو الاحق بالخلود لأنه من نسل باركه الله ودس فيه سماته البطولية عندما كان نطفة. من هنا فأن أساطير العراق القديم زخرت بتمجيد البطولة ووصفت الأبطال بأنصاف الإلهة، وخلدتهم آلاف السنين.
والرمز التاريخي والأسطوري الأكثر شهرة للمزاوجة بين البطولة والخلود هو جلجامش فهذا البطل الأسطوري وهو يرى تميزه بالقوة أدرك أنها قوة زائلة لا محالة حينما رأى صديقه انكيدو ميتا يأكله الدود بعد أن كان بطلاً مثله تهتز الأرض تحت قدميه خوفاً ورهبة! لذلك تحولت أعراس البطولة لدى جلجامش إلى هم كبير وبحث أكبر عن كيفية الخلود من أجل أن يبقى وتبقى معه البطولة سمة حية أمام البشر عبر أجيال متعاقبة ولا تنقطع. بدأ بالبحث عن الخلود وقام برحلات خطيرة ووجد نبتة الخلود لكن الأفعى سرقتها منه، فحرم منه بينما تمتعت الأفعى به فأخذت تغير جلدها موسميا لتعيد اكتساب الشباب.
هذه الأسطورة ترمز في زماننا إلى عملية صنع حياة راقية للبشر، فنحن نعرف أن لا خلود لأي مخلوق فكلنا نموت، ولذلك فأن الخلود الوحيد الممكن هو بترك أعمال تخلد الإنسان وتذكرها البشرية لمئات وربما لآلاف السنين. فمن يبحث عن الخلود يعرف أنه العمل الخير الكبير الذي يغير حياة البشر نحو الأفضل. وإذا اقترن ذلك ببطولة فريدة تضاهي بطولة جلجامش وربما أعظم منها فأن الخلود يصبح حروفا منقوشة في ذاكرة ونفوس البشر لآلاف السنين تحكي قصة انجازات عظمى حققت للبشر العدالة والحرية والتقدم والرفاهية وحررتهم من الخوف من الغد والمرض والأمية والظلم.
وحينما ننظر للعراق تحت قيادة البعث نجد أنه حقق للشعب العراقي ما لم يتحقق له منذ مئات السنين، فلقد شبع بعد جوع وتعلم بعد أمية وتفوق بعد تخلف، واستعاد العراقي هيبته التاريخية المصنوعة بخيوط حرير خدماته للإنسانية عبر التاريخ، وتحول العراق تحت ظل البعث إلى قوة مهابة ومنتجة تسهم مع بقية الإنسانية في تحقيق التقدم العلمي والتكنولوجي وتنهي عصور الاتكالية والطفيلية، وهكذا استعاد العراقي مصادر البطولة الطبيعية، وترسخت في أعماقه مشاعر الأمن والاستقرار والرضا عن الذات، ونظر إلى غيره كأنداد له سواء كانوا متقدمين عليه علميا وتكنولوجيا، لأنهم أنجزوا ما يؤكد أنهم بشر تجاوزوا عصور التخلف، أو كانوا متخلفين لأنهم في النهاية بشر مثلنا ويملكون نفس جيناتنا وقدراتنا وما يحتاجون إليه هو الدعم لتمكينهم من تحقيق قفزة التقدم والتحرر من التخلف.
هذا العراق قام، هذا العراق دام لأربعين عام، بفعل (جينات) البطولة العراقية التي اقتحمت المجهول والمهول، وسفحت الدم الغالي من أجل تجسيد البطولة في فعل إنساني كبير وعظيم يخدم الناس العاديين تذكره الأجيال المتعاقبة. وهنا نجد بصمات صدام الشهيد، فهو كما وصف نفسه سيف من بين السيوف التي صنعت العراق القوي والمتقدم وليس السيف الوحيد، لكنه كان السيف الأشد لمعاناً فكان بريقه ينير الطريق لرفاقه وشعبه لتحقيق المزيد من البطولة ببناء المدارس والمستشفيات والبيوت والمعامل ومراكز البحث العلمي، وباستئصال المرض والأمية وكل معيقات خلود الإنسان.
ليس هذافقط، فصدام الشهيد أكد للعالم مرة أخرى في لحظات اغتياله، وبعد أن كاد العالم ينسى أو للدقة أن يتناسى، أن في العراق إرادة فولاذية بنيوية منغرسة في (جينيات) العراقيين، وهي لذلك دائمة وليست موسمية ولا تقهر مهما طغت ظواهر التراخي وتأخر ردود الفعل على الجرائم التي ترتكب ضد العراقيين وأرضهم وسماءهم ومياههم وهواءهم. لذلك كان صدام الشهيد وهو يتقدم نحو الموت باسماً وليس مهموماً كجلجامش عندما كان يبحث عن الخلود، يدرك بعمق ووعي أن الخلود هو للموقف التاريخي، وليس أعظم في التاريخ الإنساني من مواقف البطولة التي تعيد بناء أمجاد الأمم وتشحن شخصية أبناءها بقوة تتخطى صلابة الماس والفولاذ، وهكذا رأى العالم في يوم اغتيال صدام الشهيد العراقي الأسطوري كما عرفه التاريخ القديم وقد تجسد أمامنا وكما رآه العالم بعد الغزو بطلاً أسطورياً تعجز الأسطورة عن استيعاب بطولته لأنه أكبر من الأسطورة وأكبر من كل معايير البطولة التقليدية، فتتلاشى أساطير التاريخ أمام بطولته الفريدة ويرى العالم العراقي وقد أصبح سيد العالم كله بجدارة من يموت من أجل الإنسانية وهو راض مبتسم، وتلك لحظة مستحيلة بمعايير غير العراقيين الذين تسمروا مدهوشين مأخوذين بمشهد البطولة لحظة الاغتيال، لكنها بالنسبة للعراقيين لحظة ممكنة وواقعية وتتناسل وتنجب الآلاف في كل مرحلة ولا تعقر مهما انتزعت أرحام العراقيات وأحرقت في محارق بني فارس أو أشقاءهم بني صهيون، لأن رماد أرحام العراقيات يصبح بذوراً تنبت منها أجيالاً أشد بطولة وإصرارا على تحقيق المعجزات.
ما أكده صدام الشهيد هو أن كل عراقي يحمل في جيناته نسخة من جلجامش وأنه رفيق وأخ لصدام الشهيد يأكل معه ويتنفس مثله هواء عراق يصنع البطولة من المهد الى اللحد، فالعراقي الواقعي يحلم بالخلود ويبحث عنه لكنه يختلف عن جلجامش في أنه يقدم الانجازات العظمى للبشرية كوسيلة وحيد للتخليد، وفي تأكيد متكرر لعبقريته، ولهذا فالعراقي يعرف كيف يدحر أعداء العراق ويغيظهم حد الموت حتى وهو يستشهد حينما يدرك أن الموت حتمي فيبتسم وهو يدخل عالم الموت متحدياً جلاديه، فيموت الجلاد رعباً، وتنتابه قشعريرة إدراك أنه تافه وخائن وأن الشهيد حي يرزق في ضمائر مئات الملايين، وهكذا تمددهم لحظة الاغتيال أرضاً وتنحرهم من الوريد الى الوريد حتى قبل أن يحين وقت حساب الشعب الحتمي لهم.
هل يوجد عراقي ضعيف؟ نعم فالعراقي في نهاية المطاف إنسان مثل غيره في التكوين الجيني، ولكن حتى العراقي الضعيف تختبىء في ثنايا خلاياه جينات البطولة الأسطورية لأنه ابن لبطل أو أن جده العاشر بعد المائة كان بطلاً، فبعد زمن الضعف والخوف نجد هذا الصنف وقد انتفض ونفض غبار الضعف وربما الجبن عنه وتحول إلى بطل لا يضاهى ولا يهزم بعد أن رأى جلجامش العصر الحديث صدام الشهيد يتقدم نحو الموت وهو باسم.
بين بطولة صدام الشهيد، الذي قتله فارسي بخنجر أمريكي الصنع، وبين انتفاضة الأنبار وسامراء والموصل الحالية المدعومة من محافظات العمارة والديوانية والنجف وكربلاء وإربيل العراقية نجد وهج جلجامش المنير حاضراً في عظمة سومر وأكد وبابل وآشور والعباسيين وعراق البعث، فقتل صدام الشهيد قدم للعالم صورة حية عن جلجامش الأسطورة وحوله إلى واقع مجسد ببشر، بتلك الابتسامة التي سبقت لحظة الفناء الجسدي بتحد لا نظير له للقاتل، فزالت صورة جلجامش الغامضة والأسطورية ورأى العالم لأول مرة صورة جلجامش الحي واستقرت هذه الصورة هادئة في ذاكرة مليارات البشر الحامل وهي تتوهج بقسمات وجه صدام الشهيد.
تحية للبطولة العراقية التي تمحى الجبال وتتحرك من مكانها وهي ثابتة مجسدة في صدام الشهيد.
تحية لرفاق صدام الشهيد المقاومين البواسل الذين يزرعون الامل في التحرر من الاستعمارين الفارسي والأمريكي.
تحية حب لرفيق صدام الشهيد في السلاح والعقيدة ورافع راية المقاومة وقائدها الرفيق عزة ابراهيم.
وألف تحية لكل من يقاوم الاحتلال في انتفاضة الأنبار ونينوى وصلاح الدين المدعومة من كربلاء والنجف الأشرف ضد الغزاة الفرس وداعميهم الأمريكيين.
Almukhtar44@gmail.com
********************
البدر في الليلة الظلماء يفتقدُ
شِعر: هاشم صالح سلامة
بَردٌ وَعُسرٌ... ليالينا فلا نَجِدُ
|
صَدراً عليه بِيَومِ العُسْرِ نَستَنِدُ
| |
ضاقت علينا فِجَاجُ الأرض من شَظَفٍ
|
وأثْقَلَتْنا فعيلَ الصبرُ والجَلَدُ
| |
صدامُ جَفَ الغديرُ.. الكُنتَ تَرْفِدُه
|
لَمْ يَبْقَ بَعدَكَ إلا الرَملُ والزَبَدُ
| |
يا صاحِبَ "القِدْر" في أيام حاجَتِنا
|
كَم فاضَ جوداً فأحيانا بِهِ رَغَدُ
| |
الليلُ بعدكَ يا صدامُ يُرهِقُنا
|
جوعا وبَرْداً فَقُر الروحُ والجَسَدُ
| |
والخيلُ بَعدَكَ من فُرسانِها خَجِلتْ
|
لأنهُم أورَدُوها غَيرَ ما تَرِدُ
| |
والبيتُ بَعدَكَ لم تصمُد قوائمهُ
|
فَقْد تداعى و أهلِ البيتِ ما صَمَدوا
| |
فكيفِ يصمُدُ بيتٌ كُنتَ عُمدتهُ
|
إن لَمْ تَشِلهُ الظُبى والقَوسُ و العَمَدُ
| |
أخبارُنا سيدي ليستْ مُطَمئِنةً
|
فالقَومُ بَعْدَكَ قَد ضَلوا وما رشَدوا
| |
***
| ||
لمْ يُبقِ (سُرّاقُنا) شيئاً نَلوذُ بِه
|
فَقْد تمادوا وشالوا كُلَما وَجَدوا
| |
والمُدَعونَ بِأنا من بني دَمِهم
|
ضَنوا عَلَينا وعَنْ إسْنادِنا ابْتَعَدوا
| |
والسارِقونَ طغَوْا.. واستوطنوا دمَنا
|
حَتى على دَمِنا المُسْتَنْزَف اتَحَدوا
| |
غُدرانُنا نَشِفَتْ من شُح مَورِدَها
|
لَم يَبقَ في جَوفِها ماءٌ ولا ثَمَدُ
| |
صِرْنا بِعصرٍ تداعى.. عِندنا وَطنٌ
|
وفيهِ قَهراً يُضامُ الكَهْلُ والوَلَدُ
| |
صِرنا فريقين.. هذا مُثقَلٌ عِوَزاً
|
وذاكَ بالسُحْتِ منفوخٌ ومُرتَغِدُ
| |
والفاسدونَ كما هم في مفاصِلِنا
|
يُبَرطِعونَ فلا رَدْعٌ ولا رَصَدُ
| |
قَدْ (فَقسوا) في الزوايا السُودِ وَانتشروا
|
كالدودِ في الزَرعِ يُنْهي كُلَما يَجِدُ
| |
يزداد جوعاً سوادُ الشَعبِ من ضَنَكٍ
|
وبالعَطايا سُراة القَومِ قَدْ رَغِدوا
| |
إني لأعجَبُ أن نَرضى لِمَن حَمَلَت
|
تَموتُ بَرداً ويُغتالُ الذي تَلِدُ
| |
***
| ||
يا من بدِفئِكَ كمْ دَفّأتَ أضلُعنا
|
اليَومَ يا سَيدي أطفالُنا بَرَدوا
| |
كُنا إذا ضائِقاتُ العيش تَدهَمُنا
|
تُمَدُ مِنكَ لِدَحرِ الضائِقات يَدُ
| |
كمْ كانَ (قِدْرُكَ) منذوراً لِأُمتهِ
|
وكَم ابَر بِمَن زاروا ومَنْ وفَدوا
| |
فا لكلُ يَذْكُرُ مِنْ كَفَيكَ جُودهما
|
حتى الذينَ (وبالإكراهِ) قَدْ جَحَدوا
| |
فاليومَ يا (بَدْرَنا) ليلاؤنا حَلَكَتْ
|
والبَدرُ في الليلةِ الظَلْماء يُفتَقَدُ
| |
***
| ||
أما الربيعُ الذي غَنوا لِخُضْرَتِهِ
|
قَدْ جاءَ ناراً.. فَلَم يَسْلَمْ بِها أحَدُ
| |
دُسَ (الدراويشُ) خُبْثاً في عباءتهِ
|
جاؤوا بِشَرٍ.. ولَمْ تَسْعَدْ بِهِم بَلَدُ
| |
رَجعِيةُ العُرْب قامت من مخابِئها
|
على الدَشاديشِ والدولار تَعتَمِدُ
| |
لكنها غيمةٌ صَيفيةٌ طَرأتْ
|
ولن يكونَ لها مُستَقبلٌ وغَدُ
| |
فَسَوفَ يَرْحَلُ هذا الشَرُ ما بَقِيتْ
|
روح العروبةِ في الوِجدانِ يَتقِدُ
| |
***
| ||
أما الذينَ تَناخى السيف في دَمِهِم
|
شَدّوا على السَيفِ أيديهِمْ وما ابْتَعدوا
| |
فاستمْسَكوا بِحِبالِ الله واعتصموا
|
وبالصمودِ لِواءَ السَيفِ قَد عَقَدوا
| |
ساروا على نَهجِكَ المِقدام وامتَشَقوا
|
بيضَ السيوفْ وفي عَليائَها صَعَدوا
| |
ونافحوا عَنْ ترابٍ كُنتَ تَعشَقُهُ
|
فكانَ مِنكَ بِهِم روحٌ ومُعْتَقَدُ
| |
هذي فِلَسطينُ التي أجْزَلتَ نُصْرتَها
|
وفاضَ مِنكَ على أكبادِها المَددُ
| |
أحرارها مِنكْ قدْ شَدوا معاقِلهَم
|
حيثُ اللِواء بَما أسلَفتَ يَنعَقِدُ
| |
هذي صواريخُهم شَدتْ عَزائمها
|
بِهِمةٍ مِنكَ فيها المَجْدُ والتَلَدْ
| |
(فالفَجْرُ) مِنْ غزَةٍ قَدْ هَب مُتّبِعأً
|
دَرْبَ (الحُسَينِ) و(بالعَباسِ) يَحْتَشِدُ
| |
***
| ||
صَدّامُ هذا قَصيدي اليَوم يُؤلِمُني
|
حُزْناً على أُمةٍ أحوالُها كَمدُ
| |
قد كُنْتَ في رَكْبِها ضوءاً وسارِيةً
|
وكُنْتَ فيها بِرأسِ الرَكْبِ تَنْفَرِدُ
| |
عليكَ مِنا سلامٌ كُلما طَلَعَتْ
|
شَمسٌ وأمْطَرَ من آفاقِها البَرَدُ
| |
طُوبى لتِكريتْ ضَمَتْ خيرَ سادَتِها
|
طوبى لِقَبرٍ بِهِ صَدام يَلتَحِدُ
| |
***
|
* الفَجْر: صاروخ غَزَة.
* الحُسَين والعباس: صواريخ العراق عام 1991.
عن صحيفة "المجد" الأردنية 24/12/12
************************
يا للثلاثين من هذا الشهر
إنصاف قلعجي
كانت تقارب السادسة من صباح متجهم. وكانت القلوب تداري ما اختنق فيها، وتعلل نفسها بالأمل، بالمعجزة. لكن المعجزة الكبيرة، هي هذا الوجه المشرق الذي اتجه بابتسامة جميلة ناحية المشنقة، نموت أو ننتصر. وفي كلتا الحالتين، كان النصر حليفك لأنك وقبل كل شيء، لم تساوم على مبادئك، لم تحالف الأشرار، إنقاذا لحياتك، وتركت لهذه الأمة إرثاً عظيماً لتنهل منه، وليكون تاريخاً مشرّفاً تسير على خطاه الأجيال، وبقيت فلسطين، أيها الشهيد الغالي، دمعة في عينك حرة عربية من النهر إلى البحر.
اليوم.. تندى قطرات الحزن على حيطان الذاكرة. تُشعِل جمرات تلتهب تحت الأحشاء. هل يغيب ذاك اليوم المشؤوم في الظلمات التي تجتاح حياتنا؟. هل ننسى ما فعله الأعداء والعملاء المرتزقة، والخونة الحاقدون باللون الأسود المتفحم. كيف؟
إن كان التاريخ يخبرنا عما فعله الخونة بالأنبياء، فكيف يسلم بشر من حقدهم وخيانتهم، كما قال العظيم الشهيد صدام حسين. كأني به، وأنا أراه في كل الصور يردد: ولا تهنوا ولا تحزنوا.. ولكن يا لثارات العراق، ويا لثارات الأمة التي تآمروا عليها. تآمر عليها المستعمر، ونعاج المستعمر، نعاج الصهيونية الذين باعوا ضمائرهم وتاريخ العروبة لأعداء الأمة.
يرحل زعيم الأمة، ومن بعده.. تتدحرج العروبة وقد كان لها صدام حسين صمام الأمان، وحجر عثرة في وجه كل الأطماع لمحو عروبة أرضنا. كان جبلاً من نار يحرق كل من تسول له نفسه أن يعتدي على حرائر العراق اللواتي استباحهن الخونة. كانت بغداد في ذاك الزمن، زمانه "جمجمة العرب"، يسميها الغرب "باريس الشرق"، وكانت أرض الأمن والأمان، بل كانت جنة الله على الأرض دون طائفية أو مذهبية أو.. أو.. وفي هذا الصدد، يقول الدكتور منهل سلطان كريم، في مقالته التي نشرت على "شبكة ذي قار"، وهي بعنوان "نحن نعرفه.. أبا أحمد حين يقول يفعل" في حديثه عن الأمن المفقود: "في زمن حكومتنا الوطنية، يشهد العدو قبل الصديق أن الأمن كان من ضمن الأولويات، فلم يكن مألوفاً سماع صوت تفجير، ولم يكن العراقي يعرف اسم العبوة أو المفخخة أو الانتحاري، فهذه تسميات دخيلة استوردها الخونة والعملاء، فكل ما يعرفه العراقي قبل الاحتلال أنه كان يجوب العراق من أقصاه إلى أقصاه نهاراً أو ليلاً، ويمر في أي قرية أو مدينة أو منطقة نائية وقلبه مطمئن، أما اليوم فهو يضع حياته على راحة كفه وهو في دا خل منزله يتوقع مداهمة الميليشيات له في أي لحظة...". واليوم، فقدنا الأمان كأمة من المحيط إلى الخليج العربي.
كانت بغداد وجهة كل عربي ينشد العلم والفكر والثقافة والتجارة والعمل. كان قلب العراق كبيراً كبيراً يحضن كل أبناء الأمة دون تمييز. وكان منارة شامخة تنير عتمة الأرض العربية، وتشعل الحقد في قلوب الذين لا يعيشون إلا في ظلمات بغضهم وغيرتهم.
سار بخطو شامخ يدرك أنه يسير نحو المجد، عيونه شاخصة ناحية العراق، يعرف أنه سيموت، ولكن شتان بين الذين يموتون ميتة البعير، وموت الذين يسيرون على خطى الأنبياء. مشى، تاركاً العراق أمانة في يد الأبطال يقودهم البطل المنصور بالله عزة الدوري، مشى، كما لم يمش أحد بهذه العزة والكرامة والكبرياء. تحيطه جوقة من الخونة والعملاء المرعوبين. لا يدركون أن الأبطال لا يموتون إلا ميتة الشرف بينما هم يعيشون في مزابل فكرهم وانتقامهم.
تآمر العربان عليه وعلى العراق، وتآمر الأذلاء أتباع الغرب، وتآمر الفرس، وتآمرت الصهيونية وتآمر.
قال: يا الله. وتوكل على الله. وعرج إلى هناك، ليسجل اسمه الناصع في كتاب الشهداء الخالدين، وليحفر اسمه في قلوب أحرار العرب والغرب.
هل رحل؟ والله لا.. إنه حيّ بيننا، كلما شخصت عيوننا نحو جراح الأمة، واحترقنا بدماء أبنائها، تردد صوت في داخلنا، أين أنت يا صدام حسين لترى ما حل بنا من بعدك، لترى كيف باعنا عملاء الغرب والكفرة إرضاء لأمريكا وحلفائها ومرتزقتها وللصهيونية، التي ناضل الشعب الفلسطيني البطل من أجل استعادة أرضه المغتصبة من بين أنيابها الكاسرة، ولا ينسى الشعب الفلسطيني صواريخك، وعطاياك له ولكل الأمة. ولا ينسى بأن القضية الفلسطينية كانت شغلك الشاغل.
يوم جاءتني رسالتك بتاريخ 7/3/2006 تحمل قصيدة إثر إرسالي بعض الكتب والدفاتر والأقلام وصحيفة المجد لسيادتك، أحسست أنني أمتلك الدنيا كلها. تقول فيها:
إنصاف اسم وفعل جاني سلامها / لها تحية مني ودعاء كرامها
وصلت هديتك مضمخة محبة / فإليها الشكر وليسعد مقامها
أبعد الله عنها كل غائلة / وأمدها بنور يبدد ظلامها
وأكرمها بكرم الصالح عبده / وأقر بالها وحقق أحلامها
وفتح عليها من كل حلال، وأبعد / عنها المدنس حرامها
وأضاء دربها نورا ساطعة / ليخسأ الحاسدون لئامها
أنحني إجلالا في ذكرى رحيلك، وسأبقى أعتز بأنني عشت في زمانك، سيدي صدام حسين.
عن "المجد" الأردنية 24/12/2012
************************
صدام حسين مشروع أمة في طريق التحقق
الأستاذ الدكتور كاظم عبد الحسين عباس - أكاديمي عراقي مقاوم
مقدمة:
البحث في تفاصيل النتاج السياسي والاقتصادي والتربوي والعسكري والفكري للقائد الخالد صدام حسين ليس بحث في نتاج فرد على أهميته من منطلق إنصاف الكينونة الفردية، بل هو بحث في مشروع أمة بدأ في زمن معروف ولن ينتهي مادامت الأمة التي مثل صدام حسين تطلعاتها الواسعة تحث الخطى نحو تحقيق هذه الصيرورة المتجددة. الأهمية الاستثنائية والقيمة الكبرى للشهيد صدام حسين تأتي أصلا من انصهاره الذاتي والموضوعي في مشروع نهضة الأمة العربية المعاصر وأدواته الفكرية والمنهجية والميدانية التطبيقية المنطلقة من فكر وعقيدة حزب البعث العربي الاشتراكي. إن قيادة صدام حسين لمسيرة ثورة البعث وخاصة بعد استلامه الموقع الأول في الحزب والدولة خلفا للأب القائد المرحوم صدام حسين كانت ثرية بتثبيت الفكر القومي العروبي الوحدوي وإنتاج الخطوط العريضة لمبدأ شراكة الأمة في ثرواتها وسبل الارتقاء بالموارد البشرية العربية ووضع الخطوط العامة لسبل تطور الاقتصاد عبر تطوير الإنتاج الصناعي والزراعي والتقدم العلمي.
صدام حسين وبناء الإنسان:
تمثلا واعيا وعميقا لإيديولوجية البعث في اعتبار الإنسان قيمة عليا, أفرد شهيد الحج الأكبر للإنسان في زمن الثورة البعثية في العراق مكانة تقع في مقدمة أي فعل ولكل الأفعال والانجازات التي وضعتها الثورة كفعل يولد ابن لحظته أو يقع في مسارات خطط التنمية الاقتصادية والبشرية العملاقة. إن من الواجب والموضوعية أن نشير هنا إننا حين نتحدث عن اهتمامات صدام حسين فهي في حقيقتها اهتمامات الحزب والقيادة لأن طريقة صدام حسين في القيادة كانت من النمط الذي ينتج ضمن المنظومة الجمعية سواءا في الحياة والحراك الحزبي أو في تسيير شؤون الدولة عبر مفاصل الحكومة المختلفة. ورغم ان من الصعب حصر النتائج وما مرتبط بها من أفعال وأعمال في هذا الشأن فان الوقوف على بعض ما هو بارز وتاريخي قد يفضي إلى امتلاك الصورة المتكاملة.
أ - أنت تسال والحزب يجيب: كانت من أوائل التجارب التي شهدتها ساحة العراق طولا وعرضا وكان للتجربة الجماهيرية هذه أكثر من هدف نبيل وسام غير إننا نرى إن مواجهة الإنسان العراقي والبدء بتهشيم جدران التخلف الفكري والسياسي وزرع مبادئ الثورة وغايات ومبادئ الحزب الوطنية والقومية النبيلة هي جوهر الممارسة برمتها.
ب - تجارب العمل الشعبي: لم يكن الهدف من إشراك مئات الآلاف من شباب الحزب وبقية شباب العراق ورجاله وماجداته في تجربة العمل الشعبي ذات أبعاد اقتصادية بقدر ما كانت تجربة تربوية عظيمة للانتقال بالإنسان إلى الارتقاء بواجباته الوطنية والقومية وإشعاره ميدانيا بقيمة العمل والإنتاج واحترام الزمن كقيمة من قدم التحضر والتمدن. ان تعدد منتجات التجربة بين مدارس تُبنى ومستشفيات تنشأ وبيوت للموظفين وللمواطنين ومزارع لقصب السكر والبنجر وبناء مصانع للمواد الغذائية وشق ترع واستصلاح أراضي وحملات جني المحاصيل والحصاد وغيرها قد خلقت وعيا إنسانيا متزايدا وصلة شفافة وطاهرة بين الإنسان وبين التنمية في جوانبها المختلفة وزرعت اعمق معاني الوطنية في نفوس العراقيين. كما كانت التجربة فرصة للقاء القيادة الحزبية والقيادات الإدارية بمئات الآلاف من المواطنين لخلق صلات ديمقراطية متفردة ومبتكرة ونوافذ تعارف مبتكرة زادت وعمقت صلة الإنسان بحركة الدولة وشخوص الحكومة التي تدير دفة الخدمات والإنتاج والتخطيط.
ج - ثورة في التعليم: الاهتمام بالتعليم كما ونوعا في بلد كالعراق في بداية سبعينات القرن الماضي له معنى واحد هو إن القائد والقيادة والحزب والدولة تعني عناية خاصة بموضوعة تطوير الثروة البشرية للبلد. فالعراق كان يعج بالأمية والتخلف العلمي وأمر الانتقال به انتقالا ثوريا مخططا له وبأهداف محددة وفلسفة قومية ووطنية رائدة يتطلب تثويرا فعليا ميدانيا للتربية والتعليم. زاد عدد المدارس والمعاهد والجامعات أضعافا مضاعفة وأُنجزت حملة وطنية شهد لها العالم كله لمحو أمية الكبار وارتفع عدد المعلمين والمدرسين وأساتذة الجامعات أضعافا مضاعفة أيضا. صدرت قوانين إلزامية التعليم ونفذت بإصرار لم يشهد له من قبل مثيل حيث كان الشرطة يزورون بيوت العراقيين ليس لاعتقالهم، بل لتنفيذ إلزامية التعليم وصدرت قوانين مجانية التعليم من التمهيدي إلى الدراسات العليا، وأُرسل آلاف من العراقيين إلى أوربا وأميركا وروسيا والصين وأوربا الشرقية وغيرها من بلدان العالم للحصول على العلم والمعرفة في شتى العلوم. حصلت في العراق نهضة عملاقة أنتجت أجيالا من الإنسان الواعي والمثقف والمتعلم لعبت أدوارها الحاسمة في تحقيق أعظم نهضة يشهدها قطر عربي في التاريخ الحديث والمعاصر.
د: الخدمة العسكرية: استخدم القائد مسلك الخدمة العسكرية بشقيه الالزامي والتطوعي وسيلة من وسائل بناء الانسان بناءا وطنيا وقوميا عقائديا. ان البناء العقائدي للإنسان هو الذي يحقق الولاء والإيمان والتوق الفعلي لانصهاره في مجمل اهداف الأمة واستعداده التام للتضحية والفداء والعطاء المتواصل من اجل ان تتحقق هذه الاهداف. فالخدمة العسكرية كانت عند القائد فرصة لتشكيل الانسان تشكيلا صلبا في بنيته الجسدية وفي صيرورته العقلية حيث ان التعايش والعيش ضمن جيش وطني عقائدي يجعل الرجل مقاتلا جيدا قادرا على تلبية نداء الدفاع عن الوطن والأمة وقادرا ايضا على التفاعل الخلاق مع ايديولوجية الانبعاث، بل ان الجيش هو مؤسسة اكاديمية تطبيقية لغرس الروح الوطنية والقومية وتوحيد الرؤى السياسية لأبناء الوطن الواحد بما يحقق وحدة القرار في الحفاظ على المنظومة الاجتماعية للوطن وللأمة ويجهز مستلزمات الدفاع عنها بحيث صار الجيش العراقي _ ابناء العراق _ هم خط الصد الأول مثلما هم مثابة الانطلاق الاولى لتحقيق مشروع الأمة. والجيش العقائدي الذي بناه وقوّاه صدام حسين ورفاقه تحت مضمون الآية القرآنية الكريمة: بسم الله الرحمن الرحيم ((واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم)) صدق الله العظيم
هذا الجيش هو الذي قبر مشروع وإستراتيجية التمدد الصفوي الفارسي لإعادة تأسيس امبراطورية كسرى وهو نفسه الجيش الذي ما زال يقاتل الغزو الامريكي الذي وقع عام 2003 كعماد للمقاومة العراقية الباسلة والتي دمرت اميركا وأوقعت وما زالت توقع في صفوفها خسائر تكسر بل وكسرت ظهرها وتتهيأ" للانقضاض على الفرس الذين تختلوا تحت اباط الامريكان لينتقموا من نصر العرب الباهر في قادسيتهم الثانية قادسية صدام المجيدة 1980- 1988.
ه: الثورة الصحية والتربوية: ان النهضة العظيمة التي شهدها العراق في التربية والتعليم والخدمات الصحية لها هدف جوهري واحد هو بناء الانسان انطلاقا من فلسفة البعث والقائد الشهيد من ان الانسان هو القيمة العليا اذ هو هدف الثورة ووسيلتها. ان ما تحقق من انجازات ضخمة في قطاعي التعليم والصحة قد نفذ بقوة الى بنية المجتمع العراقي وحقق نماء متقدم في تنمية الانسان كما اراد البعث وعقيدته القومية وكما خطط صدام حسين ورفاقه الذين عشقوا الانسان العربي وعملوا على تحقيق العزة والكرامة والرقي له.
الرؤى التربوية ومنهج الارتقاء العلمي:
أحد الادلة الملموسة للمشروع البعثي الذي تبناه الشهيد ورفاقه في تجربة الأمة في العراق وسيبقى قائما يتناسل ويتوالد ويتبرعم ويعبر عن عظمته بكل الطرق هو تثوير الواقع التربوي والتعليمي والعلمي في العراق. كما اشرنا اعلاه, لكي يضمن تغيير الأسس المكونة للبيئة الاجتماعية ويغير انعكاساتها من أمية جاهلة متخلفة الى اخرى متنورة متعلمة مثقفة. فالثورة الحقيقية عند صدام حسين وعقيدته القومية هي التي تحقق انقلاب الانسان على ذاته وهكذا انقلاب لا يتحقق إلا بإزاحة ظواهر الامية والجهل. ورغم اننا اشرنا مرارا وفي بحوث معمقة الى التطور التاريخي الهائل في بنية التعليم بكل مراحله إلا ان الوقوف ازاء هذا المنتج امر حتمي في كل مرة نتناول فيها مشروع الأمة الذي تركه شهيد الحج الاكبر يتفاعل ليعبر عن صيرورتها رغم كل الظروف الطافحة على سطح المشهد
تميزت النهضة التربوية والعلمية بشواهد شاخصة منها:
1 - بناء آلاف المدارس في كل ارجاء العراق ومنها في ريف العراق النائي.
2 - زيادة هائلة في اعداد المعلمين والمدرسين.
3 - تجهيز المدارس بكل احتياجاتها ورفع القيمة الاجتماعية للمعلمين.
4 - تأسيس جامعات وكليات جديدة في كل انحاء العراق.
5 - تطبيق قانون الزامية التعليم وقانون مجانية التعليم .
6 - تنفيذ اكبر حملة في تاريخ العرب لمحو امية الكبار شهد لها العالم كله.
7 - ارسال عشرات الآلاف من طلاب البعثات والزمالات للحصول على شهادات الماجستير والدكتوراه في الطب والهندسة والعلوم الصرفة والعلوم الانسانية لمختلف دول العالم المتقدم.
8 - تأسيس مراكز راقية للبحث العلمي وتأثيثها بأحدث وأهم الاجهزة في الجامعات وفي الصناعة وفي قطاع البحث العلمي.
9 - القائد صدام حسين كان هو مهندس البرنامج النووي العراقي.
10 - استثمار المنشآت العملاقة للتصنيع العسكري في البحث العلمي والتطوير.
لقد ارتقت امكانات العراق رقيا تاريخيا في مجالات التعليم والتربية والتعليم العالي وفي النتاج البحثي و في انتاجية الباحث العلمي بما يقترب كثيرا من معاييرها الدولية. وسيبقى مشروع النهضة التربوية والعلمية العملاق يؤثر بقوى وعوامل منظورة وغير منظورة في العراق وفي كل اقطار الأمة كمؤشر ميداني لديمومة المشروع البعثي الصدامي للتقدم والوحدة والتحرر والازدهار.
الأمن القومي العربي:
تمكن الشهيد ورفاقه ونظامه لأول مرة في تاريخ العرب الحديث والمعاصر من وضع الأمن القومي العربي في صيغته الشامله انطلاقا من الصيغة القطرية المفروضة كأمر واقع والارتقاء بصيغه القطرية ضمن مداها القومي الشامل. قادسية صدام المجيدة ليست مجرد حرب دفاع ضد نزعات العدوان والتمدد التي مثلها خميني ونظامه وبكل العنجهية التي تبدت بها حتى قبل ان يوطد النظام تغيير أي حال من احوال الايرانيين وكانت تنطلق من توقعات وأوهام للخميني والمؤسسة الطائفية الفارسية وبنيت على اساس ان شيعة العراق هم اداة من أدوات الخميني ومشروعه الطائفي البغيض. وقد اظهر احتلال العراق من قبل اميركا ومن عاونها عام 2003 حقيقة ان القادسية كانت حربا للدفاع عن الامة برمتها وان قبر المشروع الصفوي الخميني قد حما العرب في الخليج وفي اليمن ومصر وحتى المغرب العربي البعيد من شرور ايران ومخالبها التي اعدت لتمزق شعبنا العربي من قبل الامبريالية الامريكية والصهيونية العالمية ولتكون الرأس الثاني الذي يستخدم في مقارعة العرب والعمل على تمزيقهم لتحقيق الأمن الصهيوني وإخضاعهم هم وثرواتهم العظيمة لإرادة كارتلات الجشع الامبريالي القذرة.
ان مشاريع الوحدة العديدة التي تبنتها قيادة العراق مع سوريا على سبيل المثال ومشاريع الاتحاد التي اتت لتعبر عن توجه وحدوي جديد يمثل محطة في الطريق الى الوحدة الشاملة ومنها التجمع الشعبي العربي الذي ضم مصر واليمن والأردن الى جانب العراق كانت في جوهرها مبنية ومؤسسة على فهم عميق لحاجة العرب الى تأسيس أسيجة عالية مقتدرة لحماية الامة. الاسيجة وجدر الصد للأمن القومي العربي كانت هاجس بناء جيش قوي في العراق وفي اقطار الأمة التي عاونها العراق في هذا الاتجاه. كما ان الصيغ الوحدوية ومنها صيغة التجمع الشعبي كوسيلة او محطة في طريق الوحدة الشاملة لم تكن تعبيرا عن السعي الحثيث والبحث الدائم عن سبل متجددة للوحدة حتى ولو ضمن صيغ الحد الادنى لتحقيق مفهوم الخيمة التي تضم الجميع فقط، بل كانت احدى الوسائل العملية لتنفيذ برامج وحدة اقتصادية تفضي الى شراكة فعلية متعاضدة في برامج التنمية المستديمة.
ان الارث الكبير في ممارسات تقوية الأمن القومي العربي التي جربها القائد وتبناها فكريا وعمليا تجعل من هذه المفردة في حياة العرب نسغا دائم الحياة يعبر عن نفسه في كل حراك الامة السياسي والاقتصادي والإعلامي حتى لو لم يعلن بصيغة الاقرار بأنه ارث بعثي تبناه قائد البعث. كما ان وعي العرب في الخليج مثلا بطبيعة التآمر الصفوي الايراني وإقرار حكومات الخليج بالمحاولات الايرانية المقرونة بنتائج ميدانية في التغلغل والنفوذ في الكويت والبحرين واليمن إن هو إلا امتداد طبيعي لحرب الثمان سنوات العدوانية الايرانية وتجديد للمواقف التي غيبها النفاق والخنوع لمعظم انظمة العرب الذي ادى الى ذبح النظام الوطني العراقي، بل وذبح العراق وإسقاطه تحت قبضة مخالب الطامع الايراني الذي فوضته اميركا والصهيونية لفتح جبهات عداء بغيض ضد الأمة والعمل الخبيث على الدخول طائفيا في بقع خطيرة منها في لبنان وسوريا والخليج.
ان ما جرى ويجري من احداث في العديد من اقطار امتنا نحن نرى فيه تأثيرات مباشرة لوهن الامن القومي وتداعي اسيجته التي اسسها وعلاها العراق وقائده صدام حسين رحمه الله. وان ثورات وانتفاضات العرب في تونس ومصر وسوريا إن هي إلا تعبير عن روح الثورة والرفض لما نفذ ضد العراق حتى لو لم تعلن عن نفسها ضمن هذا العنوان وهذا الاطار. فثورة البعث في العراق وقائدها التاريخي قد زرع نبتا بجذور عميقة لوحدة الامة وما تتعرض له وما تنتجه سلبا او ايجابا وان انتفاضات العرب على حكام العمالة والخيانة وما رافقها من تداخلات لقوى الردة المحلية مدعومة من اميركا والناتو والصهيونية كلها تعبيرات عن انتفاض الجسد العربي ضد البؤس والاستلاب وعوامل التخلف التي اريد توطينها في جسد الامة عبر ذبح العراق واغتيال القائد ورفاقه. والمؤكد ان ما نسطره هنا في هذا الباب إن هو إلا نقطة في بحر يتوجب على مثقفي الامة ومفكريها الغوص فيه وكشف مكنوناته وعبر اسوار مده وجزره.
المرأة نصف الحياة:
يبقى العرب الى يوم الدين يقرون بأن الأم مدرسة إن اعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق. الأم هنا هي المرأة الماجدة التي وضعتها ثورة البعث في مكانها الطبيعي كنصف المجتمع. لقد كان للقائد والحزب نظرة ثاقبة وتطبيقات ناجعة جعلت الماجدة العراقية تصير فعلا نصف الانسان العراقي في كل جوانب الحياة. تبوأت أعلى المناصب في الحكومة والبرلمان وشاركت في الحياة الجامعية والأكاديمية والعلمية عموما والإنتاجية والعسكرية، وكانت جزءا من تطور التعليم والصحة وخدماتها. لقد انتجت دولة البعث قيم الاحترام العالية والثقة التامة بالمرأة العراقية وامتلأت الجامعات والمدارس والمعاهد بملايين النسوة الطالبات للعلم وشاركت المرأة بالعمل الشعبي والتنظيمات النسوية النقابية وسجل التاريخ حضورا مبهرا نضاليا وإنسانيا لرفيقات من اخوات صدام حسين منهن الرفيقة البطلة الدكتورة هدى صالح مهدي عماش عضوة اعلى قيادة تنظيم في اخطر مرحلة مر بها العراق ألا و هي قيادة قطر العراق وعالمة من علماء العراق، وأعلن الغزاة عن اخوات للبعث وصدام ودولة العراق العظيمة استهدفن بالاعتقال والتهجير في مقدمتهن المناضلة الدكتورة منال الالوسي رئيسة اتحاد نساء العراق ورفيقاتها الماجدات في اتحاد النساء الذي سجل مسيرة رائدة في حياة المرأة العراقية في الحرب وفي السلم والبناء والدكتورة رحاب عالمة الاحياء البطلة والدكتورة خديجة اخت كل الرجال والقائمة تطول فما نحن بذكره هو لبرهان السياق ليس إلا. مرة اخرى ان ومضتنا هنا ليست واسعة الاشراق على هذا الجانب الحيوي الهام من انجازات القائد في مشروع الارتقاء بالإنسان العربي العراقي الى مراتب الثوار والمنتجين. ونؤكد هنا ايضا حقيقة مهمة هي ان سياقات تحرير المرأة والارتقاء بدورها رغم انها اخذت بعض خصوصياتها الضرورية إلا انها ظلت ضمن اطارها العام الطبيعي لمجمل حركة الحياة.
ستبقى منجزات القائد وحزبه ودولته في القطاع النسوي كما قطاعات المجتمع الاخرى ماثلة تتحقق لأنها تتفاعل في حياة العراقيين بصيغ فكرية وثقافية وسياسية لا تنقطع مهما كانت قوة الاستهداف الجائر.
عقيدة البعث يطبقها صدام حسين:
ليس سرا ان استلام البعث للسلطة في العراق عام 1968 م قد كان الفرصة الاهم إن لم تكن الوحيدة التي اتيحت له فيها تطبيق مبادئه وعقيدته في الميدان. وكان صدام حسين رحمه الله ورفاقه في القيادة فرسان امدهم الله سبحانه بعوامل الاقتدار الفكري والعقائدي وسبل فذة في التعاطي مع العقيدة في تطبيقات وانجازات ومسيرة الدولة. لقد طبق القائد صدام حسين الاشتراكية العربية ضمن اطارها الضيق المتاح على ساحة القطر العراقي وانفتح بها قدر، ما قدرت له اوضاع الامة ان ينتشر بها سلوكا وتوجها للدولة وتنفيذا حيثما سنحت الفرصة في مختلف اقطار الامة عبر وضع امكانات العراق في خدمة الامة. ولم تتوانى القيادة العراقية عن فتح أي منفذ يعزز العمل العربي المشترك ويقرب فرص الوحدة، وبادرت عشرات المبادرات في هذا الطريق. نحن نؤشر هنا بعض ملامح الصورة التي تحتاج في كل مفصل من المفاصل التي مررنا بها الى مؤلفات لاحتواء كل نتائجها ومضامينها وافق تفاعلاتها الحية بالأمس واليوم وتواصل هذه التفاعلات الى ان يشاء الله سبحانه ليحقق العرب صيرورتهم بالوحدة والحرية والاشتراكية.
ان ما انتجته التجربة العراقية من نقل حي للعقيدة البعثية قد بين بوضوح اقتدار العقيدة وشموليتها وصلاحها لتحقيق اهداف العرب في التطور والتقدم والازدهار فضلا عن قدراتها على تحقيق الاستقلال الحقيقي والحرية وأسس البناء الديمقراطي وما يحتاجه من بنى ضرورية اجتماعية واجتماعية وسياسية واقتصادية وتربوية.
ان من بين ابرز معطيات قيادة صدام حسين للمشروع القومي التي ستظل تشع على الامة وحراكها ومواجهاتها المختلفة هي البراهين القاطعة التي قدمها على ان البعث لا تهمه السلطة إلا اذا كانت وسيلة فاعلة لتحقيق المبادئ والمشروع القومي النضالي التحرري القومي الوحدوي الاشتراكي. فلقد كانت حقبة حكم البعث هي عبارة عن حزم نتاج عظيم في خدمة هذه العقيدة القومية المنطلقة من روح رسالة الختم المحمدية المباركة. ان المواجهات التاريخية بين نظام البعث وبين اعداء الامة من امبرياليين وصهاينة وفرس صفويين والتي امتدت من عام 1979 حتى اضطرت اميركا ومعها اكثر من اربعين دولة لغزو العراق عام 2003 , قد حصلت كلها بسبب عدم تنازل صدام حسين وحزبه ونظامه عن ثوابت الأمة واستحقاقاتها وخاصة في قضايا التحرير لفلسطين المحتلة والاحواز وجزر الخليج والجولان وسبته ومليله وفي الثبات على حقوق الأمة كاملة في ثرواتها المختلفة. لقد كان بوسع الشهيد الخالد ورفاقه ان يساوموا على هذه الثوابت فيضيع منهج البعث القومي وتضيع معه ثوابت الأمة لذلك قاتل حتى نال الشهادة هو وأولاده وأحفاده ورفاقه وأهله وإخوته وظل العراق بمقاومته الباسلة بقيادة رفيق وأخ صدام حسين المجاهد شيخ ثوار الأمة عزة ابراهيم يدير دفة الصراع بين الامة وبين اعداءها. رفاق صدام حسين ومقاومتهم وشركاءهم من احرار العراق هم نبض الاستمرار في دفع مشروع الامة الى الامام ففي الساحات الجهادية العراقية تحققت الامة برمزية عظيمة ومن نفس الساحات ستعود قوافل النهوض والارتقاء حتى تتحقق كينونة العرب كاستحقاق لا تنازل عنه. لقد قدم صدام حسين النموذج المبدئي والعقائدي الذي سيبقى حيا مادامت هناك عروبة حية حين عاف السلطة ومغرياتها وما تقدمه من ممكنات مادية ودنيوية ليمنح مشروع الأمة العقائدي خلوده الحقيقي.
العرب ينهضون باستشهاد صدام حسين:
لو قدر لأي باحث أن يحصي عدد العوائل العربية التي ترفع صور صدام حسين في البيوت والسيارات والمحال التجارية وأن يحصي عدد العرب الذين يعلمون اولادهم حب القائد وبطولاته وانجازاته لوجد نفسه امام ملايين كثيرة في العراق وسوريا والأردن واليمن ومصر والسودان والخليج وفلسطين ولبنان ومصر والمغرب وموريتانيا وتونس والجزائر وفي دول المهجر، ولوجد احزابا وطنية وقومية وقوى مجتمع مدني وقبائل وعشائر كلها تتغنى بحياة صدام حسين وبمشروعه القومي وتتمثله وتخطه جزءا لا يتجزأ من برامجها وأجنداتها المختلفة ... هذا له معنى واحد ان صدام حسين هو الحافز والمثابة والقوة الدافعة للسير قدما في مشروع الأمة القومي الوحدوي التحرري الاشتراكي, مشروع البعث الذي نفذه صدام حسين حيا ومغدورا به.
31/12/2012
*********************
صدام أنت المجد.. والمجد أنت..!!
نوال عباسي - الأردن
مرت الذكرى السادسة على نحر الشهيد صدام حسين. مرت ذكرى فجر الـ30 كانون الأول/ديسمبر لعام 2006 وفي فجر عيد الأضحى نفذ المجرمون جريمتهم غير الإنسانية، وكان الشهيد صدام ضحية الأضحى الذي ضحى بحياته من أجل النهوض بالعراق وبالعراقيين. ومن أجل عروبة فلسطين، ووحدة الوطن العربي. كذلك مرت السنون والأيام حزينة، فالعراق الذي اغتصبت أرضه وأعداد كبيرة من رجاله ونسائه. ودمرت بنيته التحتية ونهبت ثرواته وقتل أعداداً كبيرة من علمائه، ونزحت أعداداً كبيرة من خيرة رجاله ونسائه من الموت، إما على أيدي الأمريكان أو على أيدي الصفويين، إما تحت ذريعة مقاومة الاحتلال أو ذريعة "اجتثاث البعث". كذلك غصت سجونه بالآلاف من المعتقلين والمعتقلات، إلا أن الأيام والسنون الحزينة لم تمر مسرعة، وكأن عقارب الساعة والزمن قد توقفتا في لحظة استشهاد أشجع الرجال صدام حسين الذي كان ولم يزل رمزاً قومياً عنيداً في مواقفه ودفاعه عن عروبة العراق وعروبة فلسطين ووطننا العربي. ولن يسامح أحرار العراق رفاقه من نحروه وسيأخذون بثأره منهم، ولن تذهب دماء صدام دون القصاص من المجرمين الأنذال طال الزمن أم قصر..!
ولأن أرجل الرجال صدام دخل في الممنوع، وعمل على تقدم العراق ونهضته، ونهض بالعراق وبالعراقيين على كافة الصعد، فمن التصنيع العسكري إلى تأهيل أعداد كبيرة من العلماء إلى الارتقاء بالعلم والأبحاث ثم إلى تطوير الصناعة والزراعة حد الاكتفاء الذاتي وعدم الاقتراض من مصاص دماء الشعوب صندوق النقد الدولي، إلى الانتصار على الفرس، وإلى دعم أهلنا في فلسطين فعلياً ومادياً وسياسياً، ناهيك عن دعم الأردن مادياً، إلى طمع الإمبرياليين في نهب النفط العراقي، لأن العراق يطفوا على بحيرات كبيرة من النفط والمعادن الاُخرى وصدام لم يسمح لمصاصي دماء الشعوب بنهبها فأصبح رأسه مطلوباً لدى الأمريكان والصهاينة والصفويين فجندوا الخونة والرخصاء والسفلة والحاقدين وبالكذب وبالرشى وبالقوة الغاشمة احتلوا العراق منذ عشرة أعوام! كان وسيبقى العراق صرحاً عروبياً وقومياً يستمد قوته من مبادىء البعث العربي الاشتراكي، لبعث الأمة العربية كلما داهمتها الخطوب، وكان وسيبقى صدام رمزاً لنضالنا ولمقاومتنا لاحتلال أي شبر من وطننا العربي.
لروح الشهيد صدام حسين وبعد مرور ستة أعوام على استشهاده: أقول، صدام أنت المجد.. والمجد أنت.. لأن كلمة المجد تعني العزة والرفعة.. المروءة والكرم.. الشرف والإباء.. النبل والشموخ وكل هذه الصفات أنت.
31/12/2012
***************************
الشهيد صدام حسين والسودان
السفير يوسف سعيد - المستشار السياسي السابق للرئيس البشير
اليوم 30 ديسمبر 2006م الموافق لاول ايام عيد الاضحى قضى صدام حسين نحبهُ بخيره وشره، وهو من الذين خلطوا عملا سيئا وآخر صالحاً. ونحن بين يدي الموت نذكر محاسن موتانا، كان لصدام موقف نبيل مع حكومة الانقاذ في عامها الاول ينبغي ان يقدَّر حَقّ قدره. كانت الحركة الشعبية تنتقل من نصر عسكرى الى نصر قبل الانقاذ وبعُيَدَ مجيئها، وكانت البلاد تعيش وقتاً عصيباً من جراء انتصارات الحركة المتلاحقة وكانت الحاجة للسلاح ملحة أيما الحاح، التمسنا السلاح من بعض جيرتنا العربية فاشترطوا الدفع مقدماً بالدولار، وكان الدولار عزيزاً لاول عهد الانقاذ، ولكن امكن تدبير ثمن السلاح، سوى ان جيراننا باعونا سلاحا كثيره فاسد، تقذف قواتنا «الدانة» فلا تنفجر واعادوا طلاء بعض الآليات الحربية المتهالكة تمويها، فيممنا شطر العراق. وسافر رئيس البلاد الى بغداد وجلس الى الرئيس صدام حسين ولم يكن قد مضى على اعدام مدبري محاولة رمضان الانقلابية في الخرطوم سوى بضعة اسابيع، لم يتطرق الرئيس العراقي لهذا الأمر اصلا، بل طلب من الرئيس البشير قائمة بحاجات السودان من السلاح فاعطاه القائمة فنظر فيها واصدر اوامره فوراً لمن حوله بشحن محتويات القائمة من السلاح للسودان، وقبل عودة الرئيس من بغداد الى السودان كان جزءٌ من السلاح قد وصل البلاد جواً ووصلت بقية الاسلحة بحراً بعد ايام قلائل، ان للعراق ورئيسه الراحل ديناً على السودان جدير بنا ان نعترف به، وان نحمدَ له صنيعهُ، فقد فرّج عنا كربة من كرب الدنيا.
* هذا وفي سياق آخر قال رئيس العراق للرئيس البشير حين زاره في بغداد بعد غزو العراق للكويت ومحاولة الرئيس البشير ايجاد مخرج للعراق يُجنبُهُ عدواناً امريكيا بات وشيكاً، "قبل أن ينعم الله علينا بالبترول كنا نعيش على الخبز والتمر، فإذا حَرَمَنا العدو زَيْتَنَا فلن يموت العراقيون النشامَى جوعاً، ذلك أن العراق سيظلّ ينتج الخبز والتمر الى ما شاء الله». وقال للرئيس البشير في معرض الحديث عن الكويت «حينما كنا صغاراً في المدارس علمونا ان فلسطين التي اغتصبها الصهاينة عربية، واقول ان الكويت عراقية مثلما ان فلسطين عربية".
* هذا وقد قال لي زعيم عربي بُعثتُ اليه في معية وزير خارجية لدولة عربية نسْتمْزجُ رأيه في كيفية معالجة اجتياح القوات العراقية للكويت.. أيذهبُ القادة العرب زُمَراً لبغداد لمحاورة الرئيس صدام حسين أم يذهبون فرادى؟ كان رأي الزعيم العربي الذي جلسنا اليه ان ذهاب القادة العرب دفعة واحدة او على دفعات للتحدث الى الرئيس العراقي سيرفع سقف وتوقعات وآمال الشعوب العربية بأن قادتهم سيصلون الى حل عاجل للازمة، ولكن نسبة لأنه ليس ثمة ضمانة مؤكدة بأنهم سيصيرون الى حل للازمة مع الرئيس صدام حسين، فإن ذلك من شأنه ان يحبط آمال الشعوب العربية احباطاً شديداً، وهو من ثَمَّ يرى أن يحاول كل زعيم عربي بطريقته الخاصة اقناع الرئيس العراقي بسحب قواته من الكويت. ولكن الزعيم العربي قال لنا أيضا :«اتصلت بالرئيس «بُش» بالتلفون قبل مجيئكما بقليل احاول تهدئة ثائرته على الرئيس صدّام حسين، مُبصِّراً إياه بما سيترتب على غزو امريكي للعراق، وان الادارة الامريكية ان هى فعلت ذلك فإنها ستثير ثائرة الشعوب العربية باجمعها. ولكن الرئيس الامريكي قال لي في التلفون من "كامبد ديفد" انه يجلس معه في تلك اللحظة التي اتحدث معه فيها زعيم عربي يتباحث معه في مسألة العراق والكويت، وأن هذا الزعيم العربي قال لي (أي للرئيس بُش الأب) "إن لم تضربوا صدّام حسين الآن سيفوت الأوان. الآن هو الوقت الامثل لضرب صدام وجيشه".
* هذا وكان السفير الامريكي في الخرطوم في سنىِّ الانقاذ الباكرة، المستر «شيك» قال في اجتماع له مع الرئيس البشير في مكتبه بالقصر، ان حكومتكم تحتال على عقوبات مجلس الأمن التي فرضها على صدام حسين برفع علم السودان على سفن عراقية تضليلاً، وتحملون عليها للعراق ما هو محرّم بالقرار الاممي. ولكن الرئيس رفض مزاعم السفير، وقال انه هو الذي يقرر في مثل هذه المسائل، وأنه لم يصدر أىّ أمر في هذا الشأن، وطلب من السفير ان يراجع معلوماته. ولكن السفير قال ان معلوماته صحيحة لا يتطرق اليها الشك، وان الاقمار الصناعية الامريكية في الفضاء ترصد كل شئ حتي حركة المرء في بيته، قال له الرئيس ساخراً، إذا كانت تلك هي حصيلة المخابرات الامريكية من المعلومات ـ والتي كنا نظن انها لا تخفى عليها خافية ـ فقد سقطَتْ في عيني، واذا وجدتم هذه السفن المزعومة فخذها الى واشنطن ! سوى أن السفير أصرَّ على موقفه وأخذ يزبد ويرغي حتى قام الرئيس من مجلسه وهو يلاحقه قائلا، هذه هي نهاية المطاف (مع حكومتكم) (This is the end of the line.).
* لقد دمّر العدوان الامريكي البريطاني وزعانفهُ العربية العراق بأسره، ولكن الطائفية العراقية هي التي باشرت ذبح صدام حسين يوم الموقف في عرفات، لان من هؤلاء من لا يؤمن الا بكربلاء موقفاً وحجاً ، وذلك استفزاز متعمد لمشاعر السنة في العراق وفي كل العالم الاسلامي. لقد اوسعوا رئيس العراق ضرباً وتعذيباً حقداً منهم وتشفِّياً وانتقاماً، واسالوا وجهه دماً وهو مكتوف اليدين وحبل المشنقة ملتفٌ حول عنقه، وذلك قبل اعدامه بلحظات معدودات. استبان هذا لكل من شاهد شريط الاعدام الذي عرض على شاشات التلفاز. أى اسلام هذا؟ ليس الاسلام سنة ولا شيعة انما الاسلام التوحيد.
اللهم إن كان صدام حسين محسناً فزد في احسانه، وان كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته.
(اللجنة التحضيرية للاحتفاء بذكرى استشهاد القائد الرمز - قسم التوثيق: عن الشهيد القائد والسودان شهادة للتاريخ / إصدارات اليوم السادس لفعالية ذكرى الشاهد الشهيد الرفيق صدّام حسين)
**************************أيها الشهيد العظيم .. أطلت قامتنا
بقلم: سيد أمين- القاهرة مصرمباشر:في يوم استشهادك,أطلت قامتنا, وكعادتك , لم تخذلنا قط , فلم تضن علينا أبدا ولو حتي بروحك الطاهرة الأبية, فعشت رجلا في زمن تسيد فيه المخنثون والاشباه والاتصاف , ومت بطلا في زمن استولي عليه القرود والأقزام
.
عشقت عروبتك ,فعشقتك, تمسكت بشيم الأولين فتنفست شجاعة عنتر وشهامة المعتصم وجود حاتم وعدل عمر وصدق الصديق ووراعة وحكمة علي ومت كما مات جدك الحسين وعلي.
فما أشرف أن نحيا كما حييت وما أقدس أن نموت كما مت,عشت رمزا لكل عربي صادق ومت مبرهنا علي عظمة الايمان بالاسلام.
أيا صدام, يا صقر العرب ,بل يا صقر العروبة نم في جنتك قرير العين ,فلعاصمة الرشيد التي أسقطتها الدسائس رجال ما هدأت لهم عين ولا غمض لهم جفن حتي يكملوا مسيرة تطهيرها من الأزلام تطهيرا كما طهرها اسلافهم من المغول والانجليز , وهو أمر لا نشك قط أنه أت لا محالة وأن سوط العدالة وزمجرة البنادق سيمزق سوط الظلم والاجرام.
فلقد جعلت يا ابا الشهيدين قوميتنا - وأنت فاديها وابنها البار-تتباهي بنبتها الطيب أمام كل قوميات الدنيا , فتضائل أمام فدائك فداء ديجول فرنسا وماوتسي تونج الصين وتشي جيفارا اللاتيتي ولومومبا الافريقي وهتلي الألماني وبوليفار الكولومبي وسبارتكوس الاغريقي.
ورحت تتقدم الصفوف مع رفاقك واحبابك كيلاني العراق وعرابي وناصر مصر وعبدالقادر الجزائري ومختار ليبيا وسلال اليمن ومهدي السودان وكل رموز فدائنا في اقطارنا العربية.
فتحية لك أيها الشهيد العظيم الذي وقف أمام حبل المشنقه فلم يرتجف ورفع رأسه العربية وهزأ منها فقالها عالية "هذه الأرجوحة للرجال"".
تحية لرقبتك الكريمة التي التفت حول حبل المشنقة
وتحية موازية لرجال المقاومة العراقية سنتها وشيعتها قومييها واسلامييها واشتراكييها الي أن يطردوا شراذم الامريكان والايرانيين وحكومتهما المختلطة العميلة
أيها الشهيد العظيم ،استشهدت دفاعا عن الأرض والعرض والدين فحقت لك الولاية ، واجتزت اختبارا راهن الضعفاء علي رسوبك فيه - وأنت الذي ما رسبت قط - فلم تجتازه فحسب بل جعلته شهادة لك يخلدها التاريخ وتتناقل حكاياتها الأجيال بكل فخر، جيل بعد جيل.
وصموك بكل ما لم يستطيعوا ان يفهموه فيك ، لأنهم يفتقدونه ، وفاقد الشئ لا يعطيه ، فقالوا عن حزمك طغيانا ، وشجاعتك وإقدامك ديكتاتورية ، وعدالتك تسلطا ، وحبك للعروبة سفها ، ورفضك للخنوع تهورا ، وعدم خيانتك لوطنك غباءا..
فحمتك مشيئة الله من كل ما كادوه لك ، وما رسموه حولك من أكاذيب ، ورصدوا في سبيل ذلك - كما نشرت صحف غربية وأمريكية - نحو نصف تريليون دولار ، فذهبت الرشي للقاصي والداني واخترقت كبريات وسائل الإعلام في العالم حتي انتهت بصحف بئر السلم ، إلا انه رغم كل ذلك كان اولو التدبير هلكي ، وراح شعاع الحقيقة يخترق الظلمة ضعيفا حتي هزمها ، حتي هزمها فأخذت في التلاشي.
فها هو قاضيك يستقيل من المحكمة ويقول للعالم انه يفخر بأنه كان مواطنا في بلد يحكمه صدام حسين وان هذا الرجل برئ من كل ما نسب إليه .
وها هم اللصوص ، الذين انبريت بكل شهامة ومروءة في محاربتهم في حملة الأنفال ، ينهشون العراق لحما وعظما ودما ، ويحكمونه بالتفجيرات والاباتشي الأمريكية والمليشيات الإيرانية ، وها هم ابناء العراق النشامي ونسائه الماجدات الآن ينتظرون في لهف ولادة صدام حسين جديد يقود العراق للتحرر من العصابات الحاكمة والميلشيات الإيرانية والمارينز الأمريكي الذي قتل مليوني عراقي بحسب إحصاءات فرنسية ومليون عراقي بحسب تصريحات للسفير الروسي في قطر.
ندرك يا سيادة الرئيس الشهيد ان إيران فرضت علي العراق حربا في الماضي فخضتها ولكن هذا لم يكن يدركه من قبل إلا القليلون.
وندرك انكم براء مما نسبوه لكم زورا في قصف قرية حلبجة الكردية بالسلاح الكيماوي وها هي صحف غربية تؤكد ان إيران هي من قصفت تلك القرية وقتلت نحو 3500 شخصا .
ندرك انك لم تخض حربا إلا دفاعا عن بغداد لا واشنطن ، والجميع في بلادنا يخوضون حروبهم دائما بالوكالة عن امريكا واسرائيل .
وندرك ان الكثيرين من حكام العرب كانوا يغارون من شجاعتك فتأمروا عليك والآن انكشف كيدهم وانفك سحرهم وصاروا سوءة في تواريخ بلدانهم.
ندرك يا سيادة الشهيد أن المقاومة العربية في فلسطين خسرت فيكم ابرز مقاتيلها وأكرم مانحيها واخلص الناس فيها .
جعلت من العراق كل بلاد العرب والتقي في بغداد كل من تقطعت بهم السبل في أوطاننا ، فالضعفاء في كل أرجاء الوطن العربي هم رعايا لك يحجون الي عاصمة الرشيد ليحتمون بها ولتقوي هي بهم.
كل يوم ينكشف المزيد والمزيد من دلائل عظمتك حتي صار لا يجهل سموك إلا اعمي ولا يسمع صوتك إلا أصم.
تقبل تحياتنا ودعواتنا الله لك بالفردوس الدائم مع الصالحين
*************************
الشباب يتحدث في تأبين الشهيد القائد صدام حسين
سفيان بن حسن - تونس
مع كل ذكرى لاستشهاد أسد الرافدين تتنازعني مشاعر متضاربة تمتزج فيها الأحزان بالفخر بالآمال. حزن لفقد قائد عز نضيره وفخر بصلابة هذا الرجل أمام الموت وأمل يشع من ابتسامته الأخيرة وكأنه يرى فجرا في الأفق سيمزق ظلمة الليل الكئيب.
ست سنوات مرت والأمة التي شغلت بال القائد ترامتها الرياح الجوائب وتلقفها سيل القضاء والنوائب ست سنوات مرت بعد صدام وحالنا من انقسام إلى انقسام، لم يعد للوطن العربي راع ولا حام وجال الغزاة وأذنابهم في جسد الأمة بعد إدراكهم رحيل ذكر القطيع. علينا أن نختار اليوم بين أمرين إما البكاء على صدام كما يندب بعض الطوائف الحسين إبن علي رضي الله عنهما وإما البحث في كيفية إنعاش الوطن العربي وإخراجه من أزماته بفكر صدام ومبادئه. لن نبكيك يا صدام فأنت فكرة ومشروع نهضة لا يمكن أن تخنقها المشانق لن نبكيك فأنت حي في كل لحظة شموخ نستمدها منك، في كل وقفة عز نستعيرها من ماضيكم، أمثالك لا يموتون بل نحن الأموات إن اخترنا النحيب ونحن الأحياء إن اخترنا مواصلة السير على ذات الدرب.
في سنوات قليلة تحول العراق من بلد نفطي إلى دولة عظمى، نعم عراق صدام لم يكن دولة متقدمة فحسب كسويسرا أو أسبانيا أو هولندا عراق صدام لا يقارن إلا بالدول العظمى في العالم، عظمة العراق تجلت في القضاء على الأمية والفقر في ازدياد عدد العلماء في الصناعات الثقيلة والخفيفة والعسكرية والمدنية والتكنولوجية وسواها، في النظام الصحي .. هذه هي الثورة الحق. فهل بإمكاننا أن نستلهم منها ما يتماشى وأقطارنا؟ كيف كانت تجزأ ميزانية الدولة؟ مانصيب البحث العلمي والتعليم، ما نصيب الصناعة؟ أين نوجه أبناءنا للدراسة؟ مامناهج التعليم. إن من يعتقد أن الثورة هي حرية السب على منابر الإعلام كمن يعتقد أن الحرية هي إعتداء على الآخر. لنا ثورة ناجحة هي ثورة العراق وعينا الإقتداء بها مع مراعاة حالة كل قطر عربي.
هل بالإمكان وصف هذا الحراك بالثورة إن لم يرفع فيه شعار وحدة الوطن العربي كما طالب صدام؟ أي ثورة هذه التي تستقوي بعدو الأمة على إبن الوطن؟
رفاقي، في هذه الذكرى علينا تصحيح البوصلة ورص الصف القومي وإصدار بيانات موحدة تخص كل ما يجري في أرجاء الوطن والدعوة إلى تجريم التطبيع وتسليح الفلسطينيين وإرسال المجاهدين إليهم دون سواهم ورفع دعوى قضائية ضد كل من ساهم في غزو العراق بدءا بأمير قطر الذي من أرضه انطلقت الصواريخ الأولى مرورا بآل سعود وآل الصباح وصولا إلى بوش وزمرته. بيننا وبين هؤلاء دم صدام وملايين العراقيين والعرب وبيننا وبين الصهاينة وصية صدام بأن تعيش فلسطين حرة أبية و أن يخسأ الخاسئون.
(اللجنة التحضيرية للاحتفاء بذكرى استشهاد القائد الرمز - قسم البحوث والدراسات: نعي شباب تونس للقائد الشهيد / إصدارات اليوم السادس لفعالية ذكرى الشاهد الشهيد الرفيق صدّام حسين)
******************************
نحن لا نستسلم.. ننتصر أو ننتصر
الرفيق أنيس الهمامي - عضو اللجنة التحضيرية للاحتفاء بذكرى القائد الرّمز
تٌطلّ علينا الذّكرى السّادسة لجريمة اغتيال الرّئيس العراقيّ الشّرعيّ صدّام حسين المجيد التّكريتي، بعد عدوان كونيّ تكالبت فيه جميع الأمم على العراق بحجج وتبريرات أثبت التّاريخ بٌطلانها وافتقارها لأيّ سند قانونيّ أو أخلاقيّ ولا تزال تٌسيل حبرا كثيرا وتبوح بأسرار متجدّدة تٌجمع كلّها على عدم شرعيّة هذا العدوان الكونيّ السّافر والفجّ الذي انطلق عمليّا عام 1990 وكان مٌخطّطا له منذ أواسط سبعينات القرن العشرين، بل إنّ تسريبات كثيرة من دوائر صٌنع القرار في عواصم الحقد البربريّ تٌؤشّر على تواريخ أكثر قدما في التّآمر على العراق وعلى شعبه ومٌقدّراته.
لن نخوض خلال هذا العمل المٌتواضع في تعديد مناقب الرّجل الشّهيد فقيد العراق وفلسطين والأمّة العربيّة والإنسانيّة قاطبة، إذ يٌجمع الأحرار في كلّ أصقاع الدٌّنيا على خٌصوصيّة الرّجل ويتّفقون على أنّ اغتياله بكلّ ذلك الحقد العنصريّ والهمجيّ بكلّ ملابساته وبٌعديه المكانيّ والزّمنيّ سيظلّ وصمة عار على جبين مٌرتكبي ذلك الجرم الفظيع الجبان لن تمحوها الأيّام ولا السّنون.. لكن سنحاول التّذكير ببعض ما يمكن للعقل والوجدان العربيّين والإنسانيّين استخلاصه وأيضا سنعمل على إثبات بطلان حٌجج تلك الجريمة الشّنعاء وزيف ادّعاءات مٌقترفي جٌرم تدمير العراق واغتيال قياداته الشّرعيّة بكلّ تلك السّاديّة المٌقرفة والحقد العنصريّ المقيت.
منذ أن انتصب حكم النّظام الوطنيّ في العراق، ما انفكّت الدّسائس والمٌؤامرات تٌدبّر بليل ضدّه من قبل الأعداء على اختلاف تلويناتهم: الأعداء المعتادين أو من ذوي القٌربى عملاء الاستعمار وأذنابه من الرّجعيّات العربيّة الجبانة.
كانت كلّ خطوات النّظام الوطنيّ في العراق بعد ثورة تمّوز الغرّاء تٌغذّي امتعاض الغرب العنصريّ الحاقد ودوائر القرار فيه، وكانت مٌنجزات هذا النّظام الوليد تفوق في تقدّمها كلّ التّصوّرات إذا ما قيست بمداها الزّمنيّ.. وهو ما عجّل بسعي الجهات الامبرياليّة بكلّ إمكاناتها المتنوّعة لتفويت الفرصة على العراق لبلوغ أهدافه التي لم تكن خافية على أحد محاورها ولا غاياتها.. فقد عمل هذا النّظام بكلّ عزم وإخلاص على فكّ الارتباط عٌضويّا وغيره بالغرب وسعى إلى مٌحاربة كلّ أوجه التّبعيّة للآخر أنّى كان وأيّا كان، وسعى كذلك إلى إرساء كلّ مٌقوّمات إنجاح هذا النّزوع للتّحرّر ممّا يعتبره الغرب الامبرياليّ قدر العرب الوحيد ومصيرهم الحتميّ إذ لا يخفى عمله الدّؤٌوب الحثيث – هذا الغرب الحاقد - على تكريس كلّ مٌقوّمات التّخلّف والانحطاط الفكريّ والعلميّ والاقتصاديّ والعسكريّ وبالتّالي السّياسيّ والاجتماعيّ في هذا الجزء الحيويّ من العالم.
إنّه لا يمكن لعاقل مٌخلص أمين يتحلّى بأبسط درجات الموضوعيّة والتّجرّد أن يٌنكر أو يٌقلّل من مٌنجزات النّظام الوطنيّ في العراق منذ ثورة تمّوز، ليس فقط على المستوى القٌطريّ بل ويتعدّاه الأمر ليشمل البٌعد القوميّ وتزخر الذّاكرة الحيّة بآلاف آلاف الشّواهد على ذلك.
كان النّظام الوطنيّ العراقيّ والرّفيق القائد الشّهيد الحيّ المجيد صدّام حسين المجيد التّكريتي أحد أبرز مٌهندسيه ثمّ رمزه وقائده لحين اغتياله من قبل الغٌزاة الطٌّغاة القٌساة، نظاما مٌؤسّسا لوحدة الأمّة عاملا من أجلها ومٌناضلا في سبيل حرّيتها على درب الاشتراكيّة وفقا لشعار حزب البعث العربي الاشتراكيّ حزب الأمّة ومٌستقبلها، فلم يبخل العراق بقيادة البعث على المواطن العراقيّ والعربيّ ولو بذرّة عطاء.
استطاع العراق طيلة هذه الفترة أن يرتقي لتصنيفات لم يبلغها كثير من الدّول الغربيّة والمحسوبة على العالم المٌتقدّم والمٌتطوّر، فقد أكّدت دراسات كٌبريات المراكز الاستراتيجيّة على تفوٌّق العراق على دول كثيرة مثل اسبانيا والبرتغال واليونان وغيرها في مجالات استراتيجيّة بحتة.. إذ أرسى العراق منظومة علميّة يٌؤثّثها جيش عرمرم من العلماء النّوعيّين ذوي الاختصاصات النّادرة وبكفاءات عالميّة لا تتوفّر عليها سوى قلّة من الأٌمم الكبيرة.. وأرسى العراق بنية تحتيّة راقية وعصريّة بخبرات عراقيّة صرفة، كما أقدم على خٌطوتين نوعيّتين هما من أهمّ ما أغاظ الغرب الحاقد حيث أقدم على الإصلاح الزّراعي وما عاد به من تحرّر العراق من التّبعيّة الزّراعيّة والغذائيّة للغرب وخاصّة التّأميم.. التّأميم هو الفاصل النّوعيّ الذي سرّع بدفع الدّوائر الامبرياليّة الاحتكاريّة العالميّة إلى الكيد للعراق ليلا نهارا.
فكان نفط العراق لكلّ العرب.. وكان العراق مفتوحا أمام كلّ العرب .. فكان قبلة طٌلاّب العلم والعمل على حدّ السّواء.. وأهدى العراق للأمّة العربيّة مئات آلاف الخبرات في شتّى الميادين، فكان المهندس والباحث والطّبيب والمحامي والعالم والعسكريّ وكان الأديب والمسرحيّ والرّياضيّ وغيره كثير.
وكان الجيش العراقيّ جيش الأمّة والذّائد عن حماها، فلن تنسى سوريّة الشّعب -لأنّ النّظام تناسى وتنكّر وخان – تداعي الجيش العراقيّ مٌدافعا عن دمشق وحائلا بينها وبين السٌّقوط في براثن العدوّ الصّهيونيّ الغاشم، فقد منع هذا الجيش تقدّم جحافل خنازير هودا باتّجاه دمشق العٌروبة ولم يكن يفصل بينه وبينها سوى بعض كيلومترات، رغم عدم إشعار العراق حينها بالدّخول في الحرب.
وخاض الجيش العراقيّ الباسل بإمرة الرّفيق القائد الشّهيد حرب الأٌمّة بالنّيابة فكانت ملحمة صدّ العٌدوان الفارسيّ الصّفويّ الحاقد وحٌلم كسرى القديم المتجدّد في التّمدّد داخل الوطن العربيّ .. ودامت ملحمة المٌقاومة ثماني سنوات بالتّمام والكمال، سطّرت فيها القوّات العراقيّة الباسلة أروع الملاحم ولم تبخل بالتّضحيات مهما كانت جسامتها.. ورغم كلّ الخذلان الذيّ طبع تعاطي الرّجعيّات العربيّة وقتها مع الحدث، لم يٌغيّر نظام العراق الوطنيّ البوصلة، فكان إهداء النّصر للأٌمّة العربيّة.. وكانت فلسطين قبلة كلّ عمل وكلّ انتصار، وكانت فلسطين في عيونه على غير كلّ الحكّام العرب الآخرين، قضيّة وإدراكا وفعلا ومٌمارسة، ولم تكن يوما شعارا أو موضع مٌتاجرة أو مٌزايدة.. فحتّى خلال أشدّ الفترات قسوة وأذى، كان العراق يصرف ملايين الدّولارات لشهداء فلسطين وجرحاها البواسل.
كان النّظام الوطنيّ في العراق مٌؤتمنا كأفضل ما يكون على القضايا القوميّة، فلن تنسى موريطانيا دعم العراق إبّان العدوان السّنغاليّ عليها.. ولن ينسى الأردن الشّعب – وكالعادة ليس النّظام فيه – عطاءات الرّفيق القائد الشّهيد صدّام حسين المجيد التكريتي ومكرٌماته.. وإنّنا لنظلم الرّجل كأقسى ما يكون الظٌّلم حين نقول هذا، لأنّه لم يمنع انهيار الاقتصاد الأٌردنيّ مرارا وتكرارا من مٌنطلق غير مٌنطلق الإيمان القوميّ المتوهّج بضرورة تكافل الشّعب العربيّ، فقد كان العراق يٌوفّر للأردن مثلا حوالي 75 % من احتياجاته النّفطيّة مجانا والباقي بسعر التّكلفة للبرميل.. ولن تنسى تونس ومصر والسّودان واليمن مئات آلاف الكٌتب والمراجع المدرسيّة والعلميّة التي كانت تٌطبع على النّفقة العراقيّة مساهمة في الحرب على الأٌمّيّة فيها، ولن تنسى أغلب الأقطار العربيّة عشرات الجامعات والكٌلّيّات والمراكز الطبيّة عالية الجودة التي أرساها فيها النّظام الوطنيّ العراقيّ.
لن يسقط من ذاكرة العرب ولا الغرب خاصّة، صواريخ الحسين والعبّاس وهي تدكٌّ قلاع خنازير هودا الحصينة إبّان الغزو الأربعينيّ للعراق في بداية تسعينات القرن الماضي.. لن يسقط من الذّاكرة أن تجرّأ قائد عربيّ - ولا أحد سوى الرّفيق القائد صدّام حسين المجيد التّكريتي يستحقّ أن نٌصبغ عليه مٌصطلح القائد – على التّفكير حتّى في قصف مٌغتصبي فلسطين الجريحة.
في تسعينات القرن العشرين، استقرّ لصٌنّاع القرار في العالم بزعامة الصّهيونيّة الامبرياليّة العالميّة مدعومة بالحقد الصّفويّ والخذلان الرّسميّ الأعرابيّ بتدمير العراق وانتهاك سيادته وتجويع شعبه والعبث والاستيلاء على مٌقدّراته.. فكانت حربا كونيّة ضروسا لم يشهد لها التّاريخ مثالا.
سوّق الجٌناة من الأباطيل ما سوّقوا، وشيطنوا البعث وحٌكمه في العراق وشيطنوا قاداته ورٌموزه، وصوّروه خطرا يتهدّد الإنسانيّة قاطبة وجٌب انتزاعه انتزاعا، وحاكوا حوله ما حاكوا، وكانت التّقارير الاستخباراتيّة تتكاثر تكاثر الجراثيم وانقسامها.. فكانوا يتحدّثون طورا عن تٌرسانة الأسلحة الكيميائيّة، وطورا عن فضاعات حقوقيّة تجتاح العراق، وتارة عن أسلحة الدّمار الشّامل، وتارات أخرى عن نواياه العٌدوانيّة تجاه شعوب المنطقة.. وكانت تٌحشد للغرض مئات الوسائل الإعلاميّة بتنوٌّعها، وكانت تٌصرف ملايين الدّولارات، وكان كالعادة الطّابور الخامس جاهزا لكيل الاتّهامات جزافا وترديد روايات أعداء الأمّة والإنسانيّة.
وكانت حادثة الكويت المطيّة الأمثل لتنفيذ المٌخطّط المٌعدّ سلفا.
وبالفعل تكالبت كلّ الأمم على العراق، وكان عٌدوانا بلا نظير.. لم يعرف له التّاريخ مثيلا.. هرعت كلّ تٌرسانات الغرب التّدميريّة إلى الخليج العربيّ الذي سٌخّرت أراضيه ملاذا آمنا وقواعد رحبة للمٌهمّة القذرة.
وأقلعت طائرات الأعداء تٌلقي على أرض العراق الطّاهرة حمم حقدها ليلا نهارا، وكانت قنابل الموت تنهال بلا هوادة، تحريرا وتمدينا وتحديثا وتحضيرا ورٌقيّا بالمواطن العراقيّ إلى درجات أخرى يرتضيها لها الأمريكيّ والصّهيونيّ والفارسيّ وغيرهم.. فكانت من بشائر التّحرير فاجعة ملجأ العامريّة، والفلّوجة وتكريت وغيرها من الشّواهد لتٌتوّج حملة البرابرة الجٌدد وتتّار العصر بأكثر من خمسة ملايين قتيل عراقيّ ومليوني أرملة وثلاثة ملايين يتيم ومليونين ونصف المليون من المواليد المٌشوّهين بفعل استخدام أشدّ الأسلحة فتكا وأوسعها قتلا، وكذلك ما يزيد عن تشريد ما يزيد عن مليوني عراقيّ وتهجيرهم قسريّا.. فلم يتحرّج العالم المٌتحضّر المٌتمدّن من استعمال اليورانيوم المٌنضّب والمٌخصّب وغيرهما، بل إنّ الأمر بلغ حدّ استعمال مخزون الأسلحة التّكتيكيّة المٌعدّة من قبل الأمريكان للتفوّق على الاتّحاد السّوفييتيّ المٌنهار في صراعها معه.
ودام العٌدوان ثلاثة عشرة عاما مٌتّصلة، وكان يتغيّر في الطّرائق لكن نتائجه واحدة، فبعد ملايين القنابل، ومئات آلاف الغارات، حٌوصر العراق بعد تبنّي ما يٌسمّى بمجلس الأمن قرارا جائرا كارثيّا غير مسبوق حكم على العراق والعراقيّين بالرٌّضوخ كرها للتّجويع المٌمنهج والموت البطيء، فمنعوا عن شعبنا العربيّ فيه الدّواء والغذاء وحتّى أبسط مٌستلزمات الدّراسة.
وفي الأثناء لم تهدأ مٌخطّطات الأعداء ولم يفتر تدبيرهم وسعيهم تدمير العراق نهائيّا.. وبعد عٌدوان 1991 وعمليّة ثعلب الصّحراء والحصار، تفتّقت قريحتهم في بداية القرن الحادي والعشرين فجادت بكذبة القرن: صدّام حسين وعلاقاته مع تنظيم القاعدة مٌستخدمين خدعة تفجيرات 11 سبتمبر 2011 التي من الصٌّدف أنّه لم يتضرّر منها صهيونيّ وحيد.
وتواترت التّقارير المٌخابراتيّة الكاذبة، ولم يمنع كذبها وزيفها من المٌرور سريعا للفصل الأخير من الجريمة التّاريخيّة الكبرى.. وكان محورها " الطّريق إلى القدس يبدأ من بغداد " كما يتّفق عليها المٌتصهين كيسنجر والمٌجرم الخميني.
كان كولن باول على غير عادته مٌتلعثما مٌرتبكا وهو يعرض تقارير أجهزته عن علاقة العراق بما يسمّى بتنظيم القاعدة في مجلس الأمن سيّء الذّكر، ورغم اعتراض فرنسا عليه، قرّر بوش الصّغير ومن اجتمع معه في إحدى الجٌزر النّائية من حٌلفائه التّقليديّين بلير وأزنار الذّهاب للحرب خارج غطاء مجلسهم ذلك.
وكان العراق جريحا، مٌثقلا مٌرهقا بفعل الحصار والاعتداءات المٌتلاحقة من عٌدوان الفٌرس الصّفويّين المتبوع بالعٌدوان البربريّ الكونيّ.
وكان القرار هذه المرّة إسقاط نظام الحٌكم الشّرعيّ في العراق بالقٌوّة مهما كان الثّمن.
وتجدّد حشد الحٌشود، وكان الطّابور الخامس أيضا كعادته على أٌهبة الاستعداد.. ليلعب نفس الدّور القذر الحقير.. واستباح الغٌزاة أرض الرّافدين الطّاهرة الآمنة مٌحرّرين مٌبشّرين بطور جديد من الحياة أرقى وأجمل.
وردّدوا سخافاتهم القديمة المٌتجدّدة، وتباكوا على حلبجة رغم علمهم بحقيقة مٌرتكبها، وتذرّعوا بنفس الحٌجج الواهية كالأنفال وأسلحة الدّمار الشّامل.. وتذيّل هذه الأباطيل جيش من العٌملاء الصّغار القذرين، وكانوا يتدرّبون على رٌكوب ظٌهور الدّبّابات التي ستقذف بهم في العراق ليكتوٌوا بنار خيانته في لاحق الأيّام.
ورغم الجراح المٌثخنة، أذاق أشاوس العراق من أبنائه الصّادقين المٌخلصين الغٌزاة مرارة تجرّئهم عليه، وكانت ملاحم أمّ قصر، والمطار، والفلّوجة، والأنبار، والنّاصريّة وبغداد، وغيرها من مٌدن العراق الصّامدة الأبيّة.
ورغم سٌقوط بغداد في التّاسع من أفريل الحزين، ورغم ما حاولوا ترويجه من هزيمة مدوّية للجيش العراقيّ، تشكلّت سريعا فصائل المقاومة كما خطّط لها الرّفيق القائد الشّهيد صدّام حسين المجيد التّكريتي..وكانت مٌقارعتها للمحتلّ وأذنابه مٌحتدمة مٌؤلمة مٌؤذية كأشدّ ما يكون الإيذاء.. وبفعل شراسة المٌقاومة العراقيّة وحسن تنظيمها وتدريبها وتجهيزها، اضطرّت أكبر ترسانة حربيّة عرفها التّاريخ على الانسحاب مدحورة مذمومة مكسورة خائبة تتجرّع ويلات الذّلّ والهزيمة المٌهينة وفي جرابها أكثر من ستيّن ألف جيفة وحوالي رٌبع مليون جريح هذا بالإضافة إلى آلاف حالات الانهيار النّفسيّ والاكتئاب والانتحار.
فلم تٌفلح كلّ محاولات طمس أداء المقاومة العراقيّة البطلة بالتّعتيم عليها، ولم يٌفلح الخونة في تمرير مٌخطّط الاقتتال الطّائفيّ في العراق بل لم يتمكّنوا حتّى من مٌغادرة جٌحورهم فيما يٌسمّى بالمنطقة الخضراء.
ظلّ شعبنا في العراق صامدا مٌقاوما حرّا ثائرا صابرا معطاء.. ولم يبقى له سوى حيّز زمنيّ قصير ليكنس قاذورات مٌخلّفات الحملة الكونيّة الجائرة عليه.
وظلّ عالقا في الأذهان والوجدان، ليس فقط في العراق أو الأمّة العربيّة، بل في ضمير كلّ حٌرّ في العالم نضال الرّفيق القائد صدّام حسين المجيد التّكريتي ورفاقه، وتعرّفوا أكثر على طينة الرّجال الصّادقين إبّان المحاكمة المهزلة وظٌروفها ومٌلابساتها المٌخالفة لكلّ الأعراف والقوانين السّماويّة والأرضيّة.
كان الرّفيق صدّام حسين المجيد التّكريتي ورفاقه في القيادة الشّرعيّة القٌضاة وكان المٌنصّبون من الاحتلال المٌزدوج الأمريكو- فارسيّ هم المٌدانون والمجرمون.
ووفّرت المحكمة المهزلة الفضيحة فٌرصة تاريخيّة لكلّ العالم ليعلم بالحجّة والبٌرهان أيّ مظلمة سٌلّطت على العراق وعلى قيادته وشعبه وأرضه.
وتٌوّجت المحكمة المهزلة بفضيحة جديدة بما صدر عنها من أحكام بحقّ الرّفيق صدّام حسين المجيد التّكريتي شهيد الأمّة ورفاقه.
وفي غفلة من الإنسانيّة جمعاء، امتدّت يدٌ الغدر والحقد الصّفويّة في يوم النّحر بما يحمله من مدلولات وقٌدسيّة في نٌفوس ملايين العرب والمٌسلمين لتغتال الشّهيد الرّمز بكلّ عنجهيّة وبٌرود.
لكن ما سيخلّده التّاريخ أنّ السّحر انقلب على السّحرة المشعوذين من خصيان الأعراب والفٌرس متذيّلي الأمريكان والصّهيونيّة، ففي كلّ مرّة أرادوا أن يٌشوّهوا الرّجل، كانت النّتيجة عكسيّة وتصبّ في رصيده الزّاخر ملاحم ونضالات وعطاءات خالدة لن يمحوها الزّمان ولن يجود بمثلها.
وهبت يد الغدر أحرار العالم فٌرصة نادرة استثنائيّة لمٌلامسة حقيقة الرّجل.. تلك الحقيقة التي لخّصتها وقفة الشٌّموخ وتحدّي المشنقة والجلاّدين والاستهزاء بهم.. فقد كان الرّجل اللٌّغز يعلم أنّ الشّجاع يموت مرّة واحدة في حين يموت الجٌبناء ملايين المرّات.
كانت وقفة مٌحيّرة.. مٌبهرة.. مٌذهلة.. وكانت وقفة ستغذّي قرائح الشّعراء والفنّانين والدّارسين ليفهموا كٌنه ذلك الهرم النّضاليّ والرّمز القوميّ الفريد.
وكانت هديّة سخيّة لكلّ رفاق الشّهيد وتلامذته ومٌحبيّه.. فحسبه أن يكون ترديد الشّهادتين، والهٌتاف للبعث والعراق وفلسطين والأمّة آخر دٌرره.
وحسبه أن يٌواجه حبال الحقد الانجليزيّ المٌركّبة والمٌترعة كٌرها وغطرسة مكشوف الوجه، بتلك الابتسامة الخالدة وتلك الطّلعة السّمحة.
فهذا باقتضاب شديد، حبيبنا ورمزنا وقائدنا وقٌدوتنا وشهيدنا الذي به نفتخر.
وأطلق لها السّيف لا خوف ولا وجل.
(اللجنة التحضيرية للاحتفاء بذكرى استشهاد القائد الرمز - قسم الدراسات والبحوث - إصدارات اليوم الخامس لفعالية ذكرى الشاهد الشهيد الرفيق صدّام حسين)
**************************
ستّ مضت يا سيد الشهداء
الرفيق الدكتور لطفي الياسيني
ست مضت يا سيد الشهداء
يا افضل الاعراب.. والزعماء
يا خير من رافقتهم بنضالهم
ضد المجوس.. وزمرة اللقطاء
صدام عاش مكرما.. ومعززا
والآخرون.... بعتمة الظلماء
لو كان يفدى افتديه بروحنا
ما مثله في الكون من عظماء
خاض الحروب مجاهدا ومناضلا
من اجل قدسي باسل البسلاء
هو فارس في كل معركة... لنا
صلى عليه الله.... في العلياء
لم تنجب النسوان ثاني مثله
هبة من المولى من الشرفاء
واكبته ساح الكفاح مجاهدا
ضد اليهود.. وزمرة السفهاء
فإلى جنان الخلد اعظم قائد
شهدت له الاعداء قبل سماء
فلقاؤنا الفردوس عند رسولنا
وصحابة.. في جنة الخلفاء
(اللجنة التحضيرية للاحتفاء بذكرى استشهاد القائد الرمز - قسم الشعر: للقائد الشهيد ننشد شعرا / إصدارات اليوم الخامس لفعالية ذكرى الشاهد الشهيد الرفيق صدّام حسين)
**************************
كلمة الرفيق حسن خليل غريب في الذكرى السادسة للرحيل
أبا عدي يا فارس الجهاد والأسر والشهادة
لم أسمعها منك، بل سمعتها عنك: (من يريد تكريمي، فلينادني: رفيق أبو عدي). لذا سأخاطبك في عيد شهادتك بما كنت ترتاح إليه. وإذا كنت سأخاطبك من دون تعريف، فلأنك أصبحت الرمز الذي يُعرَّف به، فأنت صدام حسين لست بحاجة إلى تعريف.
يا أبا عدي، كي لا يغتالوا الرمز فينا فنعيش من دون أمل، نقف كل عام لنستلهم معاني النضال الحقيقية التي توَّجتها بشهادتك.
ماذا أفهم من معاني الرمز شخصياً؟
كمثل كل البشر الذين يعيشون في أمة حبلى بالصعوبات، ينتابني الشعور أحياناً في زمن القحل الثوري الذي يلفُّ وطننا العربي الكبير أن حلمنا في وحدة هذا الوطن قد ولَّى إلى الأبد. ولن يبقى لنا إلاَّ الندب على أطلال عصر العروبة الذهبي. هكذا أرادت قوى الشر أن نكون، فاغتالوا العراق بخنجر مسموم، بخنجر استعماري يرعبه أن يسمع لفظ العروبة، وخنجر صهيوني يخاف من أن يموت حلمه الإسرائيلي من الفرات إلى النيل. وخنجر مجوسي يُؤرقه، ولو بعد مرور مئات السنين، أن محمداً العربي قد دكَّ إمبراطورية كسرى ليعلن استقلال العرب عن هيمنة الفرس والروم.
حسب هؤلاء أنهم باغتيالك سيستقر لهم المقام في العراق، فطعنوك بخنجر مثلَّث الرؤوس. ولكنهم تناسوا أن دماءك ستروي أرض العراق ثورة لا نهاية لها إلاَّ باستعادة المجد العربي.
ينتابني هذا الشعور عندما أجول في أصقاع الوطن العربي، وقد تراخت فيه حركة التغيير الثوري. ويعتريني اليأس من أنَّ العروبة التي كانت تلهب الحماس فينا حينذاك، أصبحت كأنها أغنية رومانسية ولَّى عهدها وسيدثرها التاريخ إلى الأبد، ولن يبقى لنا منها إلاَّ أطلال تقول: هنا كانت العروبة ورحلت، وهي لم تعش كثيراً فماتت في عز شبابها.
كان حلمنا يمتد من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر، ولكنني بتُّ لا أرى لا محيطاً يهدر، ولا خليجاً يثور. فهل ولَّى حلمنا مع رحيل من كان يزرع الأمل في النفوس؟ هل رحل الأمل مع تلك الرموز التي حرثت في أرضنا التي كانت جدباء؟ وهل افتقدنا قطرة الأمل مما كنا نجمع من أمطارها الغزيرة؟
أفيق من حلمي اليائس أحياناً، لأرى في كأس أحلامي نصفين، فأجد نفسي أنني قد عميت عن رؤية نصف الكأس الملآن، بعد أن أسرني النصف الفارغ بين جنباته الخاوية.
إن النصف الملآن من الكأس أصبح يتيماً في مرحلتنا هذه، التي كثر فيها العجيج وقلَّ الطحين. أصبحت أنا لا أراه إلاَّ في الرموز التي تشكل شعلة الأمل في وقت الظلام، وحبة القمح في عصر القحط، وقطرة الماء في زمن الجفاف، والقوة في مواجهة الضعف، وراية الكرامة في زمن الهوان.
كانت وقفتك يا أبا عدي أمام المقصلة، هي التي أثارت النخوة في ضمائرنا، وكشحت سحب اليأس من نفوسنا، ورفعت رايات الكرامة على مقابض سيوفنا. كانت الرجولة تقول: لا قيمة لحياة في مستنقع الذل، فالموت أولى بنا. وبهذا أعلنت أنت بصدق ووفاء ورجولة: في مقاومة الاحتلال لا بدَّ من نيل إحدى الحسنين، النصر أو الشهادة.
في سنويتك الرمزية السادسة يا أبا عدي تعلمنا، ونعلنها الآن وفي كل حين، وسنرددها ليبقى صداها مدى الدهر: من دم الشهادة تتغذى نفوسنا، ومن مرارة الأسر ننشد حلاوة النصر، وفي تراب الخنادق تنبت جذورنا، تلك هي رموزنا في متابعة المسيرة نحو الجلجلة، نحمل صليب المسيح وسيف محمد.
من عِظَمِ شهادة من استشهد، ومن مرارة من يتذوق طعم الأسر، ومن لذة من عشق التراب في الخنادق، نحيا فتحيا أمتنا بحياتنا.
وإذا كنا سنوجز ما نحن عليه، في عيد البعث، عيد العروبة، عيد الثورة العالمية، سنكتب صفحات تاريخنا بمداد رموزنا لتنهال أمطارهم على أرضنا فتحييها، ونسكبها في قلوبنا لتزرع فيها الأمل والقوة، وتهزم اليأس والضعف القاطنين فينا.
سنقول ونردد أننا ما نزال نسمع صوت هدير المحيط الهادر، وصوت ثورة الخليج الثائر، ولن نخشى الظلام مهما ادلهَّم، ففي آخره تشعُّ أنوار رمزية صدام حسين الشهيد في عليائه، وطارق عزيز الأسير في سجنه، وعزة ابراهيم الثائر في خندقه.
إنهم يمطرون علينا الأمل في أنَّ العروبة ليست أغنية رومانسية، بل هي أهزوجة الثوار التي تثير الخوف في نفوس أعدائها. وسنظل نردد أن فلسطين عربية، والعراق عربي، والمقاومة دستورنا، والأمل بالنصر حادينا. وسوف تنبت كل قطرة دم، وكل نقطة عرق، وكل هتاف نابع من القلب، وكل أنشودة للعروبة، أزهاراً ووروداً، ليطل علينا بستان (الربيع العربي) عربياً مضمَّخاً بعطر التحرير من الاستعمار والصهيونية والصفوية والعثمانية.
في ذكراك أبا عدي، نذكِّر بأنه لا ربيعاً عربياً إذا كانت أمطاره من غيوم أجنبية، أو يوفِّر فسحة من الديموقراطية في سماء غربية أم شرقية. إن لقمة العيش وفسحة من الديموقراطية مرفوضتان إذا كانتا محروستين بسدنة من الخاضعين لإرادة الاستعمار والصهيونية.
ما أروعك يا أبا عدي فقد كنت تستشرف حاضرنا الذي نعيشه الآن، فأوليت التحرير أسبقية على كل شيء آخر، عندما خاطبت العراقيين والعرب في رسالة لك بتاريخ 28/ 4/ 2003، قائلاً: (أنسوا كل شيء، وقاوموا الاحتلال، فالخطيئة تبدأ عندما تكون هناك أولويات غير المحتل وطرده)، وأكملتها برسالة أخرى: (وحين يكون هناك وقت ومكان لمراجعة التجربة سنفعل بروح ديمقراطية لا تخضع لأجنبي أو صهيوني).
وفي رسالة أخرى، بتاريخ 7/5/2003، وبشهامة العربي الذي يرى بمنظار استراتيجي، أعطيت الأولوية لمواجهة العدو الأميركي – الصهيوني على أي مواجهات أخرى، باستثناء من يصرُّ على سلوك دروبهما بالعداء للعرب، قلت فيها مخاطباً العراقيين والعرب: (إن رأيتم العدو يريد النيل من سورية أو الأردن أو السعودية أو إيران، فساعدوا في مقاومته، فهم ورغم الأنظمة إخوتكم في الدين أو العروبة. وساعدوا الكويت وبقية دول الخليج العربي ومصر والأردن وتركيا ليتخلصوا من العدو الأمريكي).
وأخيراً، رافعاً إلى مجدك كل محبتي لرمزيتك، أنهي قائلاً:
إلى سنويتك الرمزية السابعة ترنو قلوبنا، لنرى حلمك في التحرير قد تحقَّق، وهذا ليس ببعيد لأننا نعلِّق آمالنا، على رفاق الدرب الذين يشقون طريق النصر والتحرير بقوة وعزم وإصرار. ونتوجه إليهم بكل آيات الاحترام والتقدير عبر الرفيق عزة ابراهيم، رمز النضال القومي وقائد ثورة تحرير العراق والأمة العربية.
(اللجنة التحضيرية للإحتفاء بذكرى القائد الرمز - قسم البحوث والدراسات: كلمات في الذكرى / إصدارات اليوم الثالث لفعالية ذكرى الشاهد الشهيد الرفيق صدّام حسين)
********************************
من فكر الرفيق العزيز صدام الشهيد
الرفيق المناضل سعيد أبو رغيف - عضو اللجنة التحضيرية
إن تحليل خطب وأحاديث الرفيق القائد صدام حسين رحمه الله تحليلا علميا يحدد الاتجاه الواضح والشامل للقيم الثورية السائدة فيها ضمن جميع مجالات الحياة. إن منهج الرفيق الشهيد صدام حسين السياسي مستند إلى ترجمة واقعية لمبادئ حزب البعث العربي الاشتراكي وعقيدته الثورية وتحليل علمي خاص في التفكير ليعبر عن ركيزتين أساسيتين هما كونه مفكرا نظريا وقائدا سياسيا في آن واحد.
"العقيدة التي تنطلق منها تطلعاتنا والتي تحرك ضمائرنا وتقود مسيرتنا هي عقيدة البعث العظيم وهذه العقيدة ولدت في ضمير الأمة العربية ومن تراثها العظيم ومن التفاعل الحي مع الحياة العربية المعاصرة بكل ما فيها من حاجات وتحديات وآمال ومن عوامل الضعف والقوة وعناصر النصر والإخفاق فكانت هذه العقيدة وليدة الواقع في الوقت نفسه الذي كانت تتقدم عليه وتفتح أمام الأمة أفاقا جديدة ومشرقة".
إن العراق جزء لا يتجزأ من الأمة العربية , وثورة 17-30 تموز المجيدة انطلقت من إيمان وفهم الايدولوجيا العربية الثورية لتحقق الأهداف المركزية للأمة في الوحدة والحرية والعدالة الاجتماعية. وضمن هذا التصور المبدئي الثوري تم التفاعل المتبادل بين النظرية الثورية والستراتيجية السياسية للقائد السياسي. فالرفيق الشهيد صدام حسين كان نموذجا معبرا في تطوير الواقع باتجاه تحقيق متطلبات الايدولوجيا العربية الثورية.
وضمن هذا النهج اعتبرت الثورة العلم والتخطيط أساس التقدم باتجاه تحقيق الأهداف العظيمة : "نؤكد انه بدون العلم والتخطيط لا يمكن بلوغ الأهداف السامية العظيمة ولقد احترمت ثورتكم منذ ميلادها هذه المبادئ وعلى أساسها يقدم حزبكم وثورتكم باتجاه الأهداف العظيمة التي تناضلون من أجلها".
كما أعطى العلم قيمة الضرورة المساندة لقيم النضال بحيث لا يمكن الانفصام بينهما مؤكدا : "إن العلم أصبحت له قيمة مثل قيمة النضال والصفة النضالية هي التفوق". ولم تكن النظرة نابعة عن فهم مجرد للعلم وعلاقته بالعقيدة بل تنبع من فهم عميق لدور العلم لتحقيق أهداف السياسة والدفاع عنها ودخوله كعامل مرجح في الصراع بتأكيده انه : "عندما يستخدم العلم ضدك بشكل فعال ومؤثر سترى أن حدود عطاء الحالة العقائدية إذا ما جرد من ثقافة الحياة العامة وفي مقدمتهم العلم سيكون مداه محدودا" وهذا يعني : "إن من لديه تفوق بالنضال وآخر لديه تفوق بالنضال والعلم فالثاني هو الذي يتقدم على الأول".
لقد استندت تجربة الثورة في العراق إلى: ” التحليل والتشخيص العلمي الموضوعي وتحدد آفاق المستقبل ومهماته بهذا النهج " الذي يؤمن بكون العلم والرؤية العلمية ركنا في عقيدة الحياة الجديدة. فننطلق من هنا لفهم التخطيط العلمي في فكر سيادته من خلال المفهوم الذي وضعه للتخطيط: " التخطيط ليس خلق الحالة غير الموجودة باستمرار وإنما في الدرجة الأساسية وضع الموجود في نطاق من الفاعلية ضمن أفق بعيد المدى". ويرى الرفيق القائد صدام حسين : "إن أحسن الخطط هي القابلة للتطبيق بغض النظر عن الكلام والمصطلحات المنمقة وكلما ننمق الكلام وكلما نكثر من المصطلحات إذا كانت الخطة غير قابلة للتطبيق معنى ذلك أن الخطة فاشلة أو ليس لها قيمة".
كما يحدد رؤيته الشاملة بقولة: "ليدرك الجميع أن أية خطة مهما امتلكت من مقومات النجاح من الناحية الفنية ستفشل إذا لم تر عناصر الحياة الأخرى". إذ أن "أفضل الدراسات هي التي تحصل بصورة مشتركة بين جهة الأوامر والتخطيط الأعلى وجهة التنفيذ والتخطيط الأدنى تحقيقا لما يراد تحقيقه بوضوح ودقة أفضل, وبما يحقق حماسة المنفذين واقتصادية التصرف واختصار الزمن". وهذا يعني أن "هناك علاقة قائمة دائما وحيوية بين إمكانيات تحقيق ما هو ضمن تصور الشمول والأفق البعيد وبين الظرف بكل متغيراته بما في ذلك تطور إمكاناته سلبا أو إيجابا".
أما بخصوص الأهداف فان الرفيق الشهيد يرى أن : "كل تصرف وكل عمل يجب أن يكون مرتبطا بهدف واضح وليس لدى المخططين الستراتيجيين فحسب وإنما لدى المنفذين الرئيسيين أيضا". وعليه فإن "كل عقل عليه أن يصمم الشيء الذي يريده قبل أن يبدأ الفعل.. ولكن ليس كل تصميم معزول عن الفعل الحي في اللحظة.. والأعمال الكبيرة بالذات تأخذ أحيانا معناها التاريخي من كونها قد تولد في غرفة العمليات الأمامية وليس في غرفة المقر الخلفي المستريح". وهذه المسألة تقتضي : "ضرورة برمجة الخطط بحدود زمنية مقطعة لكنها متصلة بتصور اشمل للنتائج النهائية بمدى لا يقل عن عشرين عاما لكي تستقر خططنا وتتعمق المفاهيم لكوادرنا بشكل اكبر وأوسع ". فعلى وفق نظرته رحمه الله فالعمل يتطلب " الرؤية الدقيقة التي تتعامل مع الوقائع من زاوية شاملة وموضوعية وعلى أساس الأحكام العلمية البعيدة عن الارتجال والتخبط والتي تلامس الجوانب الفعلية ذات التأثير في مسار الأمور إن هذه الزاوية ليست ضرورية في تحديد الأهداف والوسائل وكذلك تعيين الأولويات في نقاط الاهتمام الواجب إعطاءها القيمة الاستثنائية فحسب بل هي مطلوبة لاستقرار النهج وارتكازه على أرضية ثابتة وغير مهزوزة ومن ثم توجيهه في ضوء النظرة العلمية ومقاييسها".
ويحث الرئيس القائد المناضل المختص على الابداع والابتعاد عن التقوقع ضمن السياقات التقليدية في شتى المجالات فيقول: "عندما نريد أن نحقق انجازا كبيرا في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية يجب ألا تأخذ بالسياقات التقليدية وإنما نعمل بالسياقات المبدعة والمبتكرة". ويؤمن سيادته بحركة التطور بقوله: " إن كل اختصاصي هو رجعي إذا لم يتطور". ويرى أيضا ضرورة فهم أهداف الشعب المركزية والإيمان بها واستيعابها من قبل المخطط والمختص فيقول: "الاختصاصي الخاص ليس اختصاصيا ما لم يكن اختصاصيا بالشعب أي أن يفهم أهداف الشعب المركزية ويؤمن بها ويستوعبها وان يعرف الطرق المركزية للوصول إليها وينتهجها". كما اكد على ضرورة التفاعل مع التجارب الاخرى والانفتاح عليها من دون الاخلال بخصوصية التجربة الوطنية والقومية: " نحن نستفيد من التجربة الانسانية مما هو حولنا ولا ننعزل عنها في التفاعل معها , علينا ان لا ننسى خصوصية نظامنا طالما اننا مقتنعون بالمبادئ والمنطلقات الاساسية لهذا النظام ".
(اللجنة التحضيرية للاحتفاء بذكرى إستشهاد القائد الرمز - قسم الدراسات والبحوث : تحليل المضامين الفكرية للقائد الشهيد / إصدارات اليوم الرابع لفعالية ذكرى الشاهد الشهيد الرفيق صدّام حسين)
************************
الطائفية شجرة خبيثة اقتلعها صدام
شهادة مواطن مصري في زمن الشهيد القائد
السيد أبو داود
كتب الكثيرون عن مغزى وأهداف ودلالات ونتائج وتداعيات إعدام الرئيس العراقي صدام حسين، ولأن جوانب الموضوع كثيرة فسوف أتوقف عند جانب واحد، أو قضية واحدة أجاد فيها صدام. هذه القضية هي وأده وقتله للطائفية بكل أشكالها، ورفضه إقامة دولة العراق على أسس طائفية قاصرة ومريضة ومتعصبة، تقوم على تغذية الأحقاد بين أبناء الوطن الواحد، بدلاً من غرس الوئام الاجتماعي عبر سياسات يتساوى أمامها الجميع.
وقد أتاحت لي ظروفي أن أقيم بالجنوب العراقي فترة تزيد عن العام ونصف العام، وكانت الإقامة في مدينة السماوة الشيعية خلال عامي 1986، 1987. وفي هذه الفترة أتيح لي أن أتعرف على تفاصيل الحياة في المجتمع العراقي، وكيف كان صدام حسين يدير العراق، وما هي طبيعة علاقاته بالشيعة ورموزهم.
وقد دخلت في مناقشات مع شباب الشيعة وتعرفت على ثقافتهم، مع الأخذ في الاعتبار أنهم يعتمدون مبدأ التقية، خاصة مع سني مثلي وفي مجتمع أقام أركانه الرئيس السابق صدام حسين.
كبار الشيعة كانوا يخفون توجهاتهم الطائفية، لكن تصرفاتهم معي كانت تنضح بالطائفية والكراهية لكل ما هو سني. أما الشباب الذين كنت أتحدث معهم فكانوا يعبرون عن هذه الطائفية بمجرد سخونة الحوار.
ولفت انتباهي أمران: الأمر الأول أنه لا يوجد في هذا الوسط الشيعي الذي كنت أعيش فيه أسماء مثل (أبو بكر ـ عمر ـ عثمان)، وذات يوم وجدت شاباً اسمه عمر وهو من أبناء هذه المدينة الشيعية، فاستغربت ذلك، وحينما تقصيت الأمر قالوا لي إن أمه كانت تفقد صغارها، فأطلقت على ابنها هذا الاسم غير المرغوب فيه لعله لا يموت مثلما مات أشقاؤه الصغار من قبل.
الأمر الثاني الذي لفت نظري هو أنني حضرت يوماً مجلساً لأحد أعيان الشيعة، بصحبة أحد العراقيين السنة، ولاحظت أن مضيفنا الشيعي لا يتلفظ بأسماء أبو بكر وعمر وعثمان، وإنما يقول الخليفة الأول والخليفة الثاني والخليفة الثالث.
أثناء فترة وجودي هذه في العراق تعرفت على كثير من الشباب الحركي، سواء من حزب الدعوة الشيعي المحظور الذي كان يعمل تحت الأرض، أو من الإخوان المسلمين.
جلست مع هؤلاء الشباب كثيراً وتناقشنا كثيراً، ربما كان بعضهم يشكو من حزب البعث ولكن لم يشك أحد من ازدواجية التعامل، نعم كان صدام حسين شديدا مع الاتجاهات التي تتعارض مع خياره الفكري والسياسي، فقد وضع معايير لإدارة الأمور في العراق، الكل يعرفها وليس من ضمنها الانتماء الطائفي.
لم يكن لدى صدام معايير مزدوجة
بل إنني - كمواطن مصري وعربي - حينما كنت أتوجه إلى أية مصلحة حكومية أو قسم للشرطة، لم أكن أشعر أنني غريب، ولم يكن هناك ازدواجية في المعاملة بين المواطن العراقي والمواطن العربي الوافد أبداً. وربما كانت هذه النقطة بالتحديد هي السبب في تعلق ملايين المصريين البسطاء الذين عملوا في العراق بشخص صدام حسين. لقد كان عدد المصريين المقيمين في العراق، إبان حكم صدام، وقبل غزو الكويت، يتراوح بين مليون ونصف إلى مليوني مصري، أي أنهم كانوا يشكلون بلداً ومجتمعاً بالكامل، وقد لاقى هؤلاء أفضل معاملة من أجهزة الدولة، وعملوا في مختلف وظائف الحكومة والقطاعين العام والخاص.
ولو كانت هناك معايير مزدوجة لشعر بها هؤلاء من أول يوم، بل إن من بين هؤلاء المصريين كان يوجد عشرات الآلاف من المواطنين المصريين النصارى، وقد عوملوا بدون أي تمييز بسبب الدين. وكثير من هؤلاء حينما كانوا يختصمون مع مواطنين عراقيين كثيراً ما كانوا ينصفون من العراقيين.
وقد كان بقية المواطنين العرب، مغاربة وتوانسة وسودانيين، يلقون نفس المعاملة الحسنة وعدم التفريق بينهم وبين العراقيين. بل الأكثر من ذلك كان العمال غير العرب من الهنود والكوريين يعيشون كما لو كانوا في بلادهم.
لم يلحظ أحد من هؤلاء أي فروق في المعاملة من الدولة بين السنة والشيعة والأكراد. لم يكن هناك أي مستوى من مستويات التعامل الطائفي.
في الجنوب الشيعي، كان حزب البعث هو المؤسسة الأقوى كما هو الحال في كل مناطق العراق، وكان قادة الحزب ومسئولوه في هذه المناطق من الشيعة وليسوا من السنة، ولو كانت الأمور تدار على أساس طائفي لتم اختيار هؤلاء من السنة.
لكن يوم أن سقط نظام الرئيس الراحل صدام حسين، وجاء رموز الشيعة على ظهر الدبابات الأمريكية، وبعد أن مرت الأيام والشهور والأعوام، أصبح كل يوم يمر يؤكد لأمثالي، الذين يكرهون الطائفية، أن الطائفية التي يحملها هؤلاء موجودة بعنف، لدرجة أنها تملأ قلوبهم غلاً وحقداً على كل ما هو سني.
لقد أراد هؤلاء أن ينتقموا لما مر بهم من أحداث على مر التاريخ الإسلامي، صنعوها بأنفسهم، وطبعاً عدوهم فيها هم السنة.
كانت إيران هي المحرك الأساسي لهذا الانتقام الطائفي، فبعد أن تعاونت مع الأمريكان لإسقاط "طالبان" السنية، تحالفت أيضاً معهم لضرب سنة العراق وتهميشهم والانتقام منهم عن كل الإحباطات التاريخية التي مر بها الشيعة.
لم يبن صدام دولته على أسس طائفية في يوم من الأيام، صحيح أن عشيرته كانت موجودة لتوفير الدعم له، لكن معيار دولته لم يكن طائفياً، والدليل على ذلك أن قائمة المطلوبين التي أعدها الأمريكان بعد احتلالهم العراق كانت تضم كبار المساعدين لصدام، ومنهم السني والشيعي والكردي.
لقد طفت العراق شمالاً وجنوباً، وشرقاً وغرباً، فلم ألحظ تفرقة بين مدينة في الجنوب الشيعي وأخرى في الوسط السني، فالخدمات واحدة، وقواعد التوظيف واحدة، ومعايير العدالة واحدة. ولم نعثر على شيعي أو كردي يشكو من سوء المعاملة أو تفضيل سني عليه. فالجيش مؤسسة عامة تجمع الجميع وفق أهداف قومية، والمخابرات كذلك، وأيضاً جهاز الشرطة.
نستطيع أن نقول بكل اطمئنان إن الدولة التي أقامها صدام حسين في العراق قد وفرت الحماية للجميع ولم تفرق بين مواطنيها على أساس الطائفة أو القومية أو حتى الدين، ولم يتعرض عراقي واحد خلالها إلى اعتداء بسبب انتمائه المذهبي أو القومي أو الديني. كما لم يستأثر مذهب معين أو قومية معينة بالمناصب والثروة.
إذا تأكد لنا هذا، وهو ثابت ومؤكد، فإنه يكشف أي حد من البشاعة الطائفية وصل لها المسعورون أذناب طهران وعملاء واشنطن، الذين جعلوا الطائفية البغيضة هي الأساس الأول لإقامة سلطانهم ودولتهم.
(من اللجنة التحضيرية للاحتفاء بذكرى القائد الرمز - قسم الدراسات والبحوث - إصدارات اليوم الأول لفعالية ذكرى الشاهد الشهيد الرفيق صدّام حسين
*************************
شهيد الرسالة الخالدة صدام حسين
الرفيق محمد شطورو - تونس
كان وزير خارجية امريكا دالاس نائما في فراشه ليلة 1958/07/14 وإذا به يستيقظ على رنة جرس الهاتف ليخبره بحدوث انقلاب عسكري في العراق و بسحل اخلص عملائهم في المنطقة نوري السعيد في شوارع بغداد اصيب على الفور بجلطة قلبية و السبب هو اولا خوفه على مصير الشركات الامريكية المستغلة للثروات العراقية خاصة النفط و الكبريت و الفسفاط.ثانيا خوفه من وصول المد القومي الوحدوي الى العراق مما يهدد مصالحهم في منطقة الخليج خاصة ان قيام الوحدة بين مصر و سوريا قد سبق هذا الحدث قبل بضعة اشهر ثالثا الخوف على مصير الكيان الصهيوني في فلسطين.لكن هذه المخاوف سرعان ما تلاشت اذ سرعان ما سيطر عبد الكريم قاسم على السلطة و تحالف مع الشيوعيين و انشغل بالحرب على البعثيين فاعدم منهم المئات و اعتقل منهم الالاف و عندما تمكن البعثيون من السلطة اثر ثورة 08/02/63.
أعدموا عبد الكريم قاسم و انشغلوا بتصفيات الثأر من الشيوعيين رغم معارضة القيادة القومية لذلك لكن فى اقل من سنة تمكن عبد السلام عارف من السيطرة على السلطة و انشغل بتصفية البعثيين و الشيوعيين .و بقي العراق على حاله كما كان في السابق غارقا في الجهل و التخلف و الفقر مستسلما للنصب الاجنبي.وبعد عشر سنوات في/07/68 اندلعت الثورة التي قام بها حزب البعث العربي الاشتراكي دون دماء حيث استسلم عبد الرحمان عارف و احيل على التقاعد و طلب الاقامة في تركيا وكان لشهيد الامة الدور الاساسي في نجاح الثورة.لكن ثورة البعث كانت تحمل مشروعا نهضويا يغير الواقع الذي يعيشه الشعب العراقي على كل المستويات المادية ليمتد فيما بعد الى بقية اقطار الامة العربية لذلك كان قادة البعث على عجل في امرهم فبعد ان اجتثوا الجواسيس و العملاء تحالفوا مع بقية الفصائل الوطنية و التقدمية و التف حولهم الشعب مطالبا التغيير بل طالب الشعب بالتأميم خلال اجتماع جماهيري عقده شهيد الامة صدام حسين اذ كان اكثر القادة حماسا للتأميم ليس لشركات النفط فقط بل لكل الشركات الاجنبية اذ كانت خزينة الدولة لا يصلها من اموال شركات النفط اكثر من خمسة بالمائة و البقية للشركات المستغلة مع بعض الفئات رشاوى للعملاء و الخونة و صدر قرار تأميم شركات النفط سنة 1972 و نزل كالصاعقة على الدوائر الامبريالية في اوروبا و امريكا.اذ حاولت محاصرة النفط العراقي على مستوى التسويق و النقل.لكن بمساعدة اسبانيا في عهد فرانكو و الاتحاد السوفياتى و بعض الدول المتحررة من الهيمنة الاستعمارية نجح العراق ليس في تأميم النفط فقط بل في تأميم كل الشركات التي كانت تستغل ثروات الشعب العراقي مثل ثروات الفسفاط و الكبريت و بقية المعادن الاخرى و استلم صدام حسين رئاسة المجلس الاعلى للتخطيط الى جانب استلامه فيما بعد منصب نائب الرئيس و كان الهدف الاقصى هو الخروج من التخلف و الالتحاق في اسرع وقت ممكن بركب الحضارة المعاصرة على كل المستويات فوقع التخطيط اولا لبناء الانسان و تفجير الطاقات الكامنة فيه هذا الانسان الفقير و الجاهل و المهمش الذي كان يحتسي الشاي في مجموعات متناثرة تحت اشجار النخيل في شارع الرشيد و بقية المدن و القرى العراقية فعملت الثورة على بناء آلاف المدارس و اصدرت قانون الزامية التعليم في الابتدائي و الاعدادي و طورت برامج التعليم على مستوى المضمون لإنتاج مواطنين احرار متجذرين في حضارتهم و القيم الروحية التي جسدتها الرسالة الخالدة للأمة العربية و خلق الثقة في النفس لبناء المشروع الحضاري الذي قامت من اجله ثورة البعث كما عملت الثورة على محو الامية بأساليب مبتكرة في اسرع وقت وقد اعترفت منظمة اليونسكو في منتصف السبعينات بان العراق قد تحرر بالكامل من افة الامية.كما شيدت الثورة مائتي معهد لتخريج الاطارات المتوسطة في جميع الاختصاصات خاصة التقنية منها.وشيدت الثورة عشرين جامعة اضافية للتعليم العالي و جهزتها بأحدث الاجهزة و المخابر و انفقت على المتفوقين اموالا طائلة لإتمام دراساتهم و بحوثهم في مختلف المجالات العلمية والتقنية في اوروبا و امريكا و روسيا مما جعل بوش الاب اثناء اعداده للحرب على العراق سنة 1991 لإقناع المعترضين بان نسبة العلماء و المهندسين الى عدد السكان في العراق تفوق بشكل كبير نسبته في امريكا.و بذلك لم يعد لنا صبر على ترك حكام العراق مواصلة السير في هذا الاتجاه.اما على المستوى الصحي فقد بنت الثورة مئات المستوصفات و المستشفيات على احدث طراز و جهزتها بأحدث التجهيزات لتوفير العلاج المجاني لأغلب المواطنين كما اهتم المجلس الاعلى للتخطيط برآسة شهيد الامة صدام حسين بتفجير ثورة صناعية و زراعية فعلى مستوى الصناعة اقيمت آلاف المعامل و المصانع في مجال القطاع العام و الخاص و كذلك القطاع المختلط لتوفير معظم الحاجات المادية للمجتمع للاستغناء عن التوريد بل اصبح العراق منافسا في كثير من الاسواق للصناعات الغربية.اما في مجال الزراعة فقط كانت اراضي بلاد ما بين النهرين مهملة حيث كان العراق يستورد الكثير من حاجاته من الخضر و الغلال من الاردن و سوريا و يستورد القمح و الارز من الخارج.لكن قيادة البعث فجرت ثورة زراعية حيث وزعت الاراضي على التعاونيات و جهزتها بكل ما تحتاجه من اجهزة و ادوية و اسمدة كما شجعت القطاع الخاص بالمنح و القروض الميسرة فتحقق بسرعة مذهلة الاكتفاء الذاتي و اصبحت من الدول المصدرة و بذلك تحول الشعب العراقي من شعب مستهلك لما يأتيه من الخارج كما هو الشأن في منطقة الخليج الى شعب عامل و منتج و تحرر من البطالة كما تحرر من الامية بل استعان بأشقائه من العمال العرب اذ كان يعمل في العراق اكثر من خمسة ملايين مصري الى عشرات الالاف من بقية الجنسيات العربية للالتحاق بركب التقدم بأسرع ما يمكن لبناء المشروع الحضاري في العراق كنموذج لبقية الاقطار العربية و بذلك تحول ريع النفط من وسائل الاشباع للغرائز و الشهوات كما هو الشأن للحكومات المجاورة الى اداة للإنتاج المادي و الروحي هذا هو السبب الرئيسي الذي اشعل لهيب الحقد و العداء لدولة البعث من قبل الامبريالية و الصهيونية و الرجعية العربية .اما في مجال الامن فقد عملت دولة البعث على انهاء تمرد الاكراد بمنحهم الحكم الذاتي و بقطع الدعم الخارجي عن طريق اتفاقية الجزائر مع شاه ايران ثم تفرغت لبناء جيش وطني عقائدي و أنشأت مجمعات للصناعات العسكرية لإعادة انتاج الاسلحة في معاملها بل و العمل على تطويرها و قد ذهل الاعداء من تطور الاسلحة العراقية و دقتها كي لا تكون سيادة الوطن مرتهنة للأجنبي و لو كان صديقا.هذا الجيش الذي جرع السم للخميني اثر هزيمة جيوشه امام الجيش العراقي بقيادة شهيد العروبة و الاسلام صدام حسين كما هزم الجيش الامريكي و حلفائه من جيوش الدول المتحالفة معه في معركة الناصرية و رجعوا منهزمين الى قواعدهم في أرض الكويت و السعودية كما حطم كبرياء أمريكا و مرغ أنفها في طين نهر دجلة و الفرات في حرب الخليج الثانية اثر احتلالها للعراق عن طريق حرب العصابات المجهزة بأحدث التكنولوجيا العسكرية التي ابتكرتها الهندسة العسكرية العراقية اذ انسحبت جيوش أكثر من ثلاثين دولة المتحالفة مع أمريكا هاربة من بسالة المقاومة العراقية رغم استعمال كل ما وصلت اليه تقنيات الغرب خاصة في مجال الأسلحة الكيميائية و النيترونية بل و سلاح الأورانيوم المنضب و انسحبت الجيوش الأمريكية في الأخير ذليلة و مهزومة بعد أن خسرت أكثر من خمسين ألف جندي و أكثر من ثلاثة مائة ألف معاق بين اعاقة جسدية أو عقلية و حوالي عشرة آلاف منتحر الى جانب العشرات الالاف من المرتزقة تحت اسم الشركات الامنية الذين وقع ردمهم في ارض العراق كما تردم الكلاب هذا الى جانب الخسائر المادية التي تقدر بآلاف المليارات من الدولارات مما جعل الديون الامريكية تتجاوز دخلها القومي و قد انهزمت حسب الخطة التي وضعها القائد الشهيد و هي العمل على تمديد الحية على كامل ارض العراق ليسهل قطعها اذ انسحبت ذليلة تجر اذيال الخيبة و العار بعد ان اقرت العزم على ان لا تعود بجيوشها الى أي شبر من ارض العرب و تركت حكاما ينوبون عنها اكثرهم من أبناء زواج المتعة برئاسة نوري المالكي ليتولى مهمة نوري السعيد و سوف يجد ان شاء الله نفس المصير.
لكن شهيد العروبة صدام حسين كان يعتقد ان بناء المشروع الحضاري لا يقوم على البناء الاجتماعي و المادي و العسكري فقط اذ لا يكتب له البقاء و الاستمرار و الانتصار على تآمر القوى الاستعمارية و الصهيونية و الرجعية العربية إلا عن طريق حماية الشعب لذلك عمل صدام حسين منذ تسليمه للرئاسة بشكل مباشر سنة 1979 على تكليف لجنة من قيادات الحزب و بعض المختصين في القانون على وضع دستور يضمن سيادة للشعب على واقعه و مستقبله من خلال حرية وسائل الاعلام و حرية تكوين الجمعيات و الاحزاب و استقلال السلطة القضائية و السلطة التشريعية عن السلطة التنفيذية كي يتمكن الشعب من المحافظة على مكاسبه و العمل على استمرارها خاصة ان الشعب العراقي قد تحرر من الفقر فلم يعد للمال السياسي أي تأثير على اختياراته و قد تحرر ايضا من الاغتراب الايديولوجي مما يؤهله لبناء ديمقراطية حقيقية قابلة للبقاء و الاستمرار و مشعة على بقية الاقطار العربية و بذلك يكتمل بناء المشروع الحضاري على كل المستويات ليس للعراق فقط بل للأمة بكاملها.مما اثار الرعب لدى الدوائر الاستعمارية و الصهيونية و الرجعية العربية فتآمرت مع عميلها السري الخميني لشن حرب على العراق لإلهائه عن طرح مشروع مسودة الدستور على الاستفتاء الشعبي و اثر انتهاء الحرب مباشرة امر صدام حسين بإعادة قراءة الدستور و تطويره و طرحه على الاستفتاء من جديد.لكن في هذه المرة اضطرت امريكا ان ترسل جيوشها معززة بجيوش 32 دولة من بينها جيوش الخونة من حكام العرب بحجة تحرير الكويت التي دخلها الجيش العراقي للدفاع عن قوته و ارضه يوم 2 اوت و الجيش الامريكي وصل الى ارض السعودية يوم 8 اوت في نفس الشهر ونفس السنة مما يدل على ان العدوان كان مبرمجا مسبقا فانشغل الشعب العراقي بالدفاع عن ارضه ثم بمقاومة الحصار ثم بالاحتلال و اجهض مشروع الدستور و اذ كان من المفروض ان يبزع فجر الربيع العربي من العراق سنة 1979 لكن العناية الالاهية كتبت لهذا الربيع الديمقراطي في ان يشرق من جديد في تونس سنة 2011 فهرولت الدوائر الاستعمارية و الرجعية العربية بخبرائها و جوا سسها و اموالها الطائلة لاحتواء الثورات العربية مدعية انها جاءت للمساعدة على انجاح الديمقراطية لتسلم السلطة لعملائها من جماعات الاخوان المسلمين في كل من تونس و مصر وبشكل نسبي في ليبيا و اليمن و هاهي الان تجند مع حلفائها من الرجعية العربية ألاف المرتزقة لإجهاض الثورة السورية قبل نجاحها و اغتصاب السلطة بقوة المال و السلاح لعملائها لكن اتحاد القوى التقدمية و القومية في كل قطر سوف يحيط محاولاتها و يقع كنس عملائها في كل قطر عربي و يتحقق مشروع النهضة العربية الذي استشهد من اجله شهيد العروبة و الاسلام القائد البطل صدام حسين الذي تقدم الى حبل المشنقة مكشوف الوجه بدون خوف او وجل مرددا شعارات حزب البعث التي تمثلها في كل مكونات شخصيته.تحيا فلسطين فابتسامة صدام حسين امام المشنقة كانت تدل على ثقته بان الاعداء لا يريدون قتله كشخص بل يريدون قتل المشروع في شخصه و الدليل على ذلك ان قتله كان يوم عيد الاضحى ووزعوا شريط العملية بشكل غير مباشر على جميع محطات التلفزة في كامل انحاء العالم كي لا يظهر أي زعيم عربي اخر يتبنى هذا المشروع او أي زعيم اخر في أي شعب من شعوب الارض يعمل على التحرر من الغطرسة الامريكية هذا من ناحية ومن ناحية اخرى فهي ارادت ان تحيط امال الجماهير العربية في التنمية و التحرر و تشل ارادتها و تذل كبريائها.لكن صدام حسين كان في تلك اللحظة واثقا من اصرار الجماهير العربية على مواصلة النهوض فهذه الامة التي خاضت خمسة حروب في ظرف خمسين سنة بداية من سنة 1948 الى الان و بعد كل حرب رغم نتائجها المريرة تستعد لخوض حرب اخرى و هو متيقن بان هذه الحرب التي ذهب ضحية لها هو وولديه و حفيده الذي اذهل العالم بشجاعته رغم ان عمره لا يتجاوز اربعة عشر سنة و ذهب ايضا صحبتها عشرات الالاف من رفاقه في الحزب و حوالي مليوني عراقي و تهجير سبعة ملايين من ارضهم و دورهم خارج العراق و داخله و تجويع الشعب و تجهيله من جديد حيث اصبح جزء كبير من الشعب يعيش على فضلات القمامة.هذه الحرب سوف تكون هي الحرب الاخيرة حيث ظهر في حديث مع بعض ضباطه انكم سوف لا تعملون على تحرير العراق و الامة فقط بل على تحرير الانسانية من غطرسة الامبرالية و الصهيونية.
ان كل جهد او بحث فكري لا يوفي الشهيد العظيم حقه فذكراه و مآثره ستبقى حية في قلوبنا ووجداننا ما حيينا فشرف كل العرب بوقفته و شموخه امام حبل المشنقة و قزم اعداء الامة من الخونة و الصهاينة و زعماء الامبرالية حاملا بيده كتاب الله كتاب الرسالة الخالدة لأمة العرب التي تمثل روح الامة هذا الكتاب الذي حمله حسني مبارك و هو ممتد على النقالة داخل قاعة المحكمة مستجديا عطف الجماهير المصرية مع ابنيه بتهمة اللصوصية و سرقة اموال الشعب المصري الذي تركه يسكن المقابر و يقتات من اكوام القمامة بينما كان صدام حسين يزأر داخل المحكمة بل و يصدر التعليمات الى رفاقه في المقاومة و القضاة ترتعد فرائصهم امام عظمته فرحم الله صدام حسين ورحم اطارات المدرسة الحزبية التي نحتت هذه الشخصية الفذة التي جسمت مبادئ الحزب و قيمه في جميع اشكال سلوكه و رحم الله الاستاذ الاكبر و القائد المؤسس مشال عفلق الذي قال فيه "صدام حسين هبة السماء للعراق و هبة العراق للأمة العربية".
أرجو أن يجمعنا الله بهم جميعا يوم الدين و ان يميتنا في ساحات النضال كما مات صدام حسين لا ان نموت في فراشنا موتة البعير كما قال قائد الفتح العربي خالد ابن الوليد.
المجد و الخلود هبة السماء لشهداء الامة العربية و في طليعتهم شهيد الحج الاكبر القائد صدام حسين.
(اللجنة التحضيرية للاحتفاء بذكرى استشهاد القائد الرمز - قسم الدراسات والبحوث - إصدارات اليوم الخامس لفعالية ذكرى الشاهد الشهيد الرفيق صدّام حسين)
**************************
زعماء وأحزاب ومنظمات تندّد بجريمة الاغتيال
في هذا الجزء نحاول رصد مواقف بعض الشخصيات والمنظمات الحقوقية من جريمة إغتيال القائد الشهيد صدام حسين وإن كنّا لم نورد جميع التعليقات والتصريحات الصادرة في الغرض إلاّ أننا إكتفينا بهذا القدر لنوثّق بعضا مما صدحت به حناجر الشرفاء حول تداعيات الجريمة ومبرراتها الطائفية .
عن اللجنة التحضيرية الرفيق الأستاذ عز الدين بن حسين القوطالي
الدكتور قاسم سلام:
قال الدكتور قاسم سلاّم عضو القيادة القومية لحزب البعث العربي الإشتراكي إنه يعتقد بأن مشروع القتل مرتبط بتوسيع دائرة الخراب والدمار والحرب الأهلية التي ستمتد إلى خارج العراق ولا أعتقد أنها ستبقى داخله، نفس الشيء الأميركان الآن إغتالوا الرفيق صدام حسين وسيقتلوا كل حاكم عربي لأن حكام العرب هؤلاء لن يسلموا ولا أعتقد الحكام العرب أنهم في منجى عن القتل.
الشيخ عبد الله الأحمر:
وصف الشيخ عبد الله بن حسين الاحمر الرئيس السابق لمجلس النواب اليمني إعدام الرئيس العراقي صدام حسين بأنه كارثة ووصمة عار في جبين العرب جميعا في يوم عيدهم وقال في حديث مع قناة الجزيرة الفضائية :نظرنا بشؤم وسوء إلى إعدام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في يوم عيد المسلمين جميعا (عيد الأضحى المبارك) الأمر الذي حول العيد إلى مأساه وكارثة وإلى مأتم.
وأوضح الأحمر أن اليمن لم يكن لديها أي مانع من دفن الزعيم صدام حسين في اليمن بحسب طلب أسرته ولكن ممثلي الولايات المتحدة الأمريكية في العراق رفضوا ذلك.
الحزب الشيوعي العراقي – اللجنة القيادية -:
جاء في بيان الحزب الصادر بتاريخ 30-12-2008 إن صدام حسين ليس قائدا بعثيا فقط بل هو في المقام الأول قائد وطني عراقي لا نظير له، ورمز لعنفوان وعدالة قضايا الأمة العربية، وأحد أهم عناوين التحرر والثورة في العالم، لذلك فأن اغتياله في زمن المقاومة المسلحة التي اعد لها هو شخصيا قبل الغزو كان خسارة كبيرة لشعبنا وحركته الوطنية التحررية. إن الاحتلال الاستعماري أدرك مبكرا أن صدام حسين هو العقبة الأساسية أمام الاحتلال كما كان العقبة الأساسية أمام خطة تركيع العراق واختراقه لمدة تزيد على ثلاثة عقود من الزمن، لذلك جندت أمريكا كل طاقاتها الاستخبارية والعسكرية للوصول إليه وأسره معتقدة أن غيابه أو تغييبه سوف يضعف المقاومة أو ينهيها. لكن خاب ظنهم، فصدام الذي أصبح شهيدا تحول إلى عامل تحريك لملايين العراقيين والعرب وأزال استشهاده المشرف الفروقات بين القوى الوطنية العراقية المنصفة والموضوعية ووحدها حول قاسم مشترك وهو النضال بلا هوادة من اجل المبادئ التي ضحى بنفسه من أجلها.
غسان شربل جريدة "الحياة":
في تعقيبه على تنفيذ الإعدام تحت عنوان الجثة والثأر والتوقيت قال الصحفي غسان شربل :ما أصعب صدام حسين مخيف إذا كان حاكماً مربك إذا كان سجيناً متعب في القصر ومتعب في القبر هذا رجل مكلف لمحبيه وباهظ لكارهيه.
جورج غالاوي:
وأكّد المناضل العالمي جورج غالاوي عضو البرلمان البريطاني على فضاعة الجريمة قائلا : لقد تم قتله وأعتقد أنه حتى بعد موته سيكون أكثر خطورة على قوات المحتلين وتابيعهم مما كان عليه في حياته.
صلاح عمر العلي:
ومن جهته قال صلاح عمر العلي عضو سابق في مجلس قيادة الثورة إن عملية الإغتيال ستتولد عنها ردود فعل كثيرة جداً فصدام حسين ليس شخصاً طارئ على العراق بل شخص قاد العراق قرابة ثلاثة عقود ونصف من الزمن، صدام حسين له حزب كبير منتشر في العراق وفي خارج العراق أيضاً.
التجمّع القومي الديمقراطي في البحرين:
أصدرت جمعية التجمع القومي الديمقراطي في البحرين بيانا أدانت فيه عملية الإعدام مشيرة إلى أن الحكم صدر قبل أن تنعقد المحكمة أصلاً ووصف البيان حكم محكمة التمييز بالتصديق على حكم الإعدام بأنه صادر عن محكمة أميركية صهيونية إيرانية إذ إن إعدام القائد المجاهد يشير بعمق إلى المأزق الأميركي وغرق مشروعه في العراق وهزيمته المدوية على أيدي أبطال المقاومة الباسلة.
أوضح البيان أن ذلك دليل واضح على الغباء الأميركي، معتبراً إعدام صدام الرئيس الشرعي للعراق جريمة نكراء تتحمل مسؤوليتها الإدارة الأميركية وعملاؤها في العراق من الأحزاب الطائفية العميلة.
جمعية العمل الوطني الديمقراطي في البحرين:
حمّل عبد الرحمن النعيمي رئيس اللجنة المركزية لجمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد) الولايات المتحدة مسؤولية توقيت تنفيذ حكم الإعدام بالرئيس صدام مؤكداً أنه بغض النظر عن عدالة المحكمة فمن الواضح أن الوقت الذي تم اختياره لتنفيذ العقوبة قرار أميركي بحت وهو جزء لا يتجزأ من المخطط الذي تسير وفقه هذه الإدارة لإثارة الفتنة الطائفية بين المسلمين سنة وشيعة.
ورأى النعيمي أن أميركا ومنذ زمن اتخذت هذا النهج لترقص على نغمات الوتر الطائفي وتشجيع حروب الطوائف بين أبناء المسلمين وهذه الإدارة أرادت أن تبعث رسالة واضحة تكشف فيها استهتارها الكبير بيوم مقدس للمسلمين ورسالة أخرى للحكام العرب بأنهم لا يستحقون أي اعتبار منها.
عبد الرزاق مقري:
وفي الجزائر صرّح عبد البقادر مقري نائب رئيس حركة مجتمع السلم بإن إعدام صدام صبّ الزيت على النار، من أجل الدفع بالوضع في العراق إلى أزمات جديدة تضاف إلى أزماته الحالية. وأضاف في حديث للجزيرة نت "ما يحز النفس هو أن عملية الإعدام لا علاقة لها بالعدالة ولا بالقانون. إنها آلة الحقد والانتقام الطائفي المقيت التي تحركها أيادي الاحتلال".
عبد الغفور سعدي:
أشار عبد الغفور سعدي نائب رئيس حركة الإصلاح الوطني في الجزائر بإصبع الاتهام في القضية إلى ما سماه الدور الإيراني المتآمر. وقال "لقد فضحت عملية إعدام صدام حسين الحقد الطائفي الشيعي الذي تقوده إيران في العراق. ولابد أن يؤدي هذا التدخل الإيراني السافر إلى انزلاق خطير في الوضع".
واعتبر عبد الغفور سعدي إعدام صدام حسين حلقة ضمن الخطة الأميركية في المنطقة العربية التي تهدف إلى تحطيم كل قدرات العراق وتفتيت الدولة التي كانت قوة عربية رادعة وكذا إبعاد صدام حسين الذي على الرغم من فترة حكمه التي فيها أقوال، يمثل زعامة عربية محورية.
عبد الهادي المجالي:
وفي الأردن قال عبد الهادي المجالي رئيس مجلس النواب الأردني السابق في أول جلسة بعد عطلة العيد، إن "الأمر بدا وكأنه مقصود ومتعمد في اختيار الزمان والمكان والظروف، ويرمي لإيذاء مشاعر العرب والمسلمين عمدا وعن سبق إصرار، إضافة إلى ما رافق عملية الإعدام من مظاهر الانتقام والطائفية خلافا لكل الشرائع السماوية".
رابطة علماء فلسطين:
أصدرت الرابطة بيانا قالت فيه إنها تستنكر بشدة جريمة إعدام الرئيس صدام حسين بهذا الشكل وهذا التوقيت وتعتبرها استفزازا لمشاعر المسلمين أجمعين.. متسائلة عما إذا كانت محاكمة صدام عادلة فانه يجب على العالم ان يقول كم مرة يجب أن يحاكم قادة إسرائيل الذين ارتكبوا المجازر تلو المجازر بحق الشعب الفلسطيني؟ ولماذا يتغاضى العالم كله عن الجرائم البشعة التي مارسها قادة الاحتلال بحق هذا الشعب المرابط.
جمعية كنعان الفلسطينية:
أعربت جمعية كنعان لفلسطين عن تضامنها مع أسرة الرئيس العراقي السابق صدام حسين وشعب العراق، واصفة إياه بالشهيد والرئيس الشرعي للجمهورية العراقية، معلنة عن إقامتها مجلس تبريك بالشهادة - لاستقبال العزاء- ابتداءً من اليوم السبت وحتى يوم الاثنين القادم.
وأصدرت الجمعية بياناً بذلك – تلقته "نبأ نيوز"، فيما يلي نصه:
"تضامناً مع أسرة الرئيس الشهيد / صدام حسين الرئيس الشرعي للجمهورية العراقية ومع الشعب العراقي تقيم جمعية كنعان لفلسطين مجلس تبريك بالشهادة (استقبال عزاء) ابتداء من يومنا هذا السبت 30/12/2006م حتى يوم الاثنين 1/1/2007م ، وذلك بمقر جمعية كنعان لفلسطين "نهاية شارع حدة باتجاه قرية حدة" والدعوة عامة. والله الموفق".
حركة "حماس" الفلسطينية:
اعتبر المتحدث باسم حركة المقاومة الاسلامية (حماس) فوزي برهوم ان اعدام الرئيس العراقي السابق صدام حسين اغتيال سياسي ويخالف كل القوانين الدولية وقال برهوم ان اعدام صدام حسين شنقا هو اغتيال سياسي يخالف كل القوانين الدولية التي يفترض ان تحمي اسرى الحرب، متهما الولايات المتحدة بانها تخطت كل الخطوط الحمر. وندد بمحاكمة غير عادلة واختيار اليوم لتنفيذ الاعدام قبيل بدء الاحتفال بعيد الاضحى. واضاف ان الاعدام شنقا تم في يوم العيد وهذا يشكل رسالة الى الشارع العربي بان الاميركيين وجهوا تهديدات لجميع العرب.
منظمة هود لحقوق لحقوق الإنسان في اليمن:
وصفت منظمة هود المعنية بحقوق الانسان في اليمن تنفيذ حكم الإعدام بالرئيس العراقي السابق صدام حسين بالجريمة اللاأخلاقية ونفذ بطريقة استفزازية لمشاعر العرب والمسلمين والمسيحيين.. مشيرة الى أن توقيته يعتبر نوعاً من الانتقام السياسي .
وقال المدير التنفيذي للمنظمة المحامي خالد الانسي إن إعدام صدام حسين هو إعدام سياسي في الأساس باعتبار محاكمته سياسية والحكم الصادر بحقه يأتي في هذا السياق وأضاف إن القانونيين في مختلف أنحاء العالم لايعتبرون الحكم الصادر بحقه حكماَ قضائياً لعدم توافر شروط المحاكمة العادلة معتبراً ان محاكمة صدام والصور التي التقطت له قبيل إعدامه والتي ظهر فيها برباط جاش وشجاعة قد خدمته في حين أراد الأمريكيون الإساءة اليه ، ليعتبر بالنسبة للكثيرين من العراقيين والعرب والمسلمين شهيداً وحتى بالنسبة لعدد كبير من الناس في شتى أنحاء العالم منتهكةً الولايات المتحدة الأمريكية المحتلة للعراق والحكومة العراقية كل الحقوق القانونية والسياسية والإنسانية في تنفيذ هذا الحكم.
ونبه الآنسي الى ان إعدام الرئيس العراقي السابق صدام حسين بهذه الطريقة وفي يوم عيد الأضحى المبارك سيكون له تداعيات كبيرة في العراق والوطن العربي والعالم الاسلامي.
(اللجنة التحضيرية للإحتفاء بذكرى القائد الرمز - قسم التوثيق: مواقف للتاريخ / إصدارات اليوم الثالث لفعالية ذكرى الشاهد الشهيد الرفيق صدّام حسين)
*********************
نهاية بطل.. ونهايات عملاء
الرفيقة ماجدات شنقيط
عضوة اللجنة التحضيرية القطر الموريتاني
الموت والحياة ظاهرتان طبيعيتان. فكل حي مصيره الموت. ومن عاش مات. لكن الناس يختلفون في نهاياتهم ورحيلهم عن الحياة.
فهناك الذين يموتون كما تموت شياه المعز وهناك من يموت ويطوي الموت جسده، وتبقى سيئاته. وهناك من يموت معناً وجسداً، وهناك من تكون موته حياة أبدية له، حيث تبقى فضائله ومآثره تتناقلها ألسنة الخلق، وتتعاطاها الكتب.
وهناك من تبقى معانيه حاضرة حية ندية، تتدفق بالحرارة، وإلى جانب معانيه تبقى صورة جسده ماثلة في الذاكرة الإنسانية وهو حي مادة وصورة، كأنه لم يمت أصلاً.
هذا هو صدام حسين الذي فرض معانيه على صفحة الأزل، وفرض جسده على عدسات الأعين بطلعته البهية. وألق محياه لحظة صعود منصة الأبد قارنوا مثلاً، صورة العميل مبارك وهو يبكي بكاء الأطفال وتنشر على مسامعه أخبار أرصدته في أرجاء العالم. قارنوا العميل ابن علي وهو كالجرذ يفر من غضب الشعب.
إنها نهاية بطل، ونهاية عملاء، فهل يتعظ بقية الأوغاد، ويوقنون أنه لابد من نهاية، ومن الحكمة أن تكون نهاية صدام حسين قدوة لهم، قبل أن يسحبوا من الحياة ومن ذاكرة التاريخ.
(اللجنة التحضيرية للاحتفاء بذكرى إستشهاد القائد الرمز - قسم البحوث والدراسات : كلمة ماجدة من ماجدات العروبة / إصدارات اليوم الرابع لفعالية ذكرى الشاهد الشهيد الرفيق صدّام حسين)
***************************
صدّام ووقفة العزّ
عبد الوارث النجري - جمهورية مصر العربية
العراق اليوم لا إرهاب لا أسلحة دمار شامل لا محور الشر. العراق اليوم ملعب لإفرازات المتغيرات الدولية، وصراع الكبار. هذا هو العراق اليوم يكشف ما كانت تجهله عقول أبناءه الذين استعانوا بالقوات الأميركية للقضاء على حكم جعل للعراق وأبناءه كرامة واحترام في كل الدول، ورغم ذلك وصفوه بـ"الطاغية" واليوم في الصباح الباكر، اليوم من اأفضل أيام الله، يوم فدى الله سبحانه وتعالى فيه نبيه اسماعيل يذبح عظيم، وحكومة المالكي تفدي حلفائها في الغرب وإيران بذبح أول زعيم عربي في تاريخنا المعاصر وصلت صواريخه إلى "تل أبيب"، وكان لها الأثر البالغ في إدخال الخوف والرعب إلى قلوب بني صهيون. لكن المتتبع للأحداث والمتغيرات الدولية لا يستغرب فعل كهذا تقوم به حكومة لا يستطيع أحد أفرادها تجاوز حدود المنطقة الخضراء. أما أسباب وتداعيات تنفيذ حكم الإعدام الذي أصدرته حكومة المالكي ضد قائد عربي مسلم استطاع أن يدخل التاريخ من أوسع أبوابه، وكذا توقيت تنفيذ حكم حكومة الاحتلال فهي أيضاً ظاهرة للعيان ولا تحتاج إلى مفكر أو محلل سياسي! ولعل الفرق الشاسع بين وقائع محاكمة ما يسمى بـ"قضية الدجيل" والوقت الذي استغرقته تلك المحاكمة، وبين وقائع محاكمة ما يسمى بأ"قضية الأنفال". ذلك الفرق الشاسع بين المحاكمتين السياسة المفضوحة لحكومة تمارس نشاطها بـ(الريمونت كنترول) ومثلما قدمت المرجعية الحاكمة في العراق أبو مصعب الزرقاوي للأميركان مقابل وصول نوري المالكي وحكومته إلى السلطة في المنطقة الخضراء. ها هي الرجعية الحاكمة تقدم رأس المناضل والقائد صدام حسين كهدية للمرجعية الإيرانية بعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي القاضي بفرض عقوبات اقتصادية على نظام إيران الصفوي وللمرة الثانية يخطئ صقور البيت الأبيض وجنرالات (البنتاغون) الأميركي اللعبة داخل العراق. فصدام حسين المحبوس والمتهم كان آخر ورقة ضغط يمكن أن تستخدمها أميركا تجاه المرجعية الحاكمة في العراق ومن يقف وراءها، لكن تنفيذ حكم إعدام صدام بالطريقة التي تمت والتوقيت الذي حدد سيكون أقوى ورقة ضغط تستخدمها المرجعية الحاكمة في العراق ومرجعية المرجعية تجاه الأميركان والسياسة الأميركية، وأحداث ردة الفعل في الشارع العراقي ستكشف ذلك خلال الأيام القليلة القادمة.
إعدام صدام وأبناء العروبة والإسلام: جميعنا نعرف بأن حكم الإعدام نفذ في حق أرض وشعب العراق منذ سقوط بغداد وبقاء شخص صدام حي خلال الفترة الماضية لم يكن سوى لعبة سياسية لا تختلف عن لعبة المحاكمة التي تمت تجاه هذا الرجل خلال السنوات الماضية. فصدام الذي أحب وطنه حتى النخاع وجاهد فيه حتى آخر نفس له، ورغم بقاؤه في السجن عدة سنوات إلا أن البطل كان لكلماته الجهادية بقاعة المحكمة تأثير في صف العدو أقوى من ضرب الصواريخ والطائرات. صدام الذي وهب ماله وأولاده وقصوره وحياته في الدفاع عن العراق، رغم الدعوات التي وجهت إليه لترك بلاد الرافدين وطلب اللجوء السياسي، استطاع هذا الزعيم أن يسجل له تاريخ جهادي ناصع لا يختلف عن سابقيه من إعلام الجهاد والنضال في العالم العربي والإسلامي. لكن ماذا يعني هذا لأبناء العروبة والإسلام؟! وماذا يعني إعدام صدام حسين لأكثر من مليار ونصف المليار مسلم؟! ماذا يعني إعدام صدام لزعامات وأحزاب وحكومات العالم العربي؟! رغم أن هناك من أعلن فرحته بإعدام (صدام)!! لكن تنفيذ حكم الإعدام وتوقيته والطريقة التي تم بها لا يعني سوى الخزي والعار لأبناء هذه الأمة وقادتها وحكوماتها وجيوشها، عار سيلازم ج... على فرد من أفرادها ما دام العراق محتل، كما أن تسجيل واقعة الإعدام التي نفذت في إحدى قاعات وزارة الداخلية وتسريب ذلك التسجيل الذي يفضح طائفية حكومة المنطقة الخضراء ليس سوى تخطيط مسبق لا يقل أهمية عن توقيت تنفيذ حكم الإعدام. وما يعني ذلك بالنسبة للأخوة السنة في العراق وبقية الدول العربية والإسلامية؟ فإن كان ذلك التوقيت بمثابة استهزاء وسخرية بالمسلمين السنة في كل أصقاع الأرض، فأن ذلك التسجيل ذو النزعة الطائفية وحضور كبار المرجعية الصفوية في العراق أثناء تنفيذ حكم الإعدام، وتلك الكلمات المريضة التي تفوه بها عدد من الحاضرون من (مقتدى)، إلى (الجحيمش) وغيرها، تلك الكلمات وإن كانت قد جاءت بشكل استفزازي لرجل لم يبق في حياته سوى بعض الثواني، فأنها ولاشك قد كانت ضمن مخطط تنفيذ الإعدام وإشعال نار الفتنة داخل الشعب العراقي وإذكاء نيران الحرب الطائفية في بلاد الرافدين، حتى تصبح العراق مستنقع من الدماء، يصعب حينها على القوات الأميركية المحتلة إخماد تلك النار التي أشعلتها الصفوية الحاكمة في العراق. وهذا بالضبط ما تريده حكومة طهران وكبار مرجعيات الصفوية الفارسية ومخططاتهم لغرض كسب المزيد من الوقت صالح استكمال تنفيذ برنامج حكم الإعدام أشرف بكثير له من ظهوره على شاشات التلفزة في قفص الاتهام في محاكمة هزلية يجريها رموز من عملاء الأمة ويكفي صدام أنه تم تنفيذ حكم الإعدام من قبل حكومة احتلال تحميها القوات الأميركية داخل المنطقة الخضراء، ويكفينا فخراً بأن صدام حسين عاش شامخاً ومات شامخاً فرحمة الله تغشاك ايها القائد والبطل المجاهد.
(اللجنة التحضيرية للاحتفاء بذكرى استشهاد القائد الرمز - قسم الدراسات والبحوث: هكذا تحدّثوا عن القائد الشهيد / إصدارات اليوم الثاني لفعالية ذكرى الشاهد الشهيد الرفيق صدّام حسين)
******************************
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق