09 يناير 2013

وائل قنديل يكتب : كيف «تفبرك» شهيدا لمعركة غير نظيفة؟



بالطريقة ذاتها التى صنعوا بها أسطورة استشهاد النائب العام السابق المستشار عبدالمجيد، تجرى محاولة تصنيع شهيد جديد الآن بدرجة لواء ووزير للداخلية.
إن المفاجأة ليست فى خروج وزير الداخلية من الحكومة، وإنما فى ردود الأفعال وسرادقات العزاء التى امتدت بطول الصفحات، كمدا على تغيير وزير كان تغييره مطلبا للقوى الثورية منذ تعيينه، بل إن اسمه كان حاضرا دوما فى كل مرة تشتعل فيها حرب المعايرة بالفلول بين معسكر الحكم، ومعسكر المعارضة، وبينهما بوتيكات المزايدة والمكايدة.
وما من موقف وجه فيه أحد انتقادا لبعض أطراف المعارضة على تقبلها لوجود الفلول فى المشهد، يكون الرد بأن الحكومة هى أم الفلول وحاضنتهم، بدليل وجود عدد كبير من الوزراء ينتمون للنظام السابق، ويخصون بالذكر وزير الداخلية أحمد جمال الدين الذى قيل فيه ما قال مالك فى الخمر، بدءا من تحميله المسئولية عن عديد من المجازر التى ارتكبت بحق الثوار فى أثناء حكم المجلس العسكرى، وحتى أسابيع قليلة مضت.
ولو عدت إلى أرشيف الصحافة الثورية المتجددة ستقرأ مقالات نارية عن جريمة الاستعانة بمن كان مديرا للأمن العام فى المذابح الأمنية التى نفذت بحق المتظاهرين فى أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء، كوزير للداخلية فى أول حكومة لرئيس منتخب بعد الثورة.
ومن عجب أن الأصوات التى استنكرت تعيينه وزيرا للداخلية، وكانت تعتبره وزير داخلية الإخوان «الملاكى» هى ذاتها التى تنسج من خروجه من الوزارة قصة استشهاد وتصنع منه ضحية للأخونة والتغول على السلطة.
ولا يهم هنا إذا كان جمال الدين عبقريا فى أدائه الأمنى أم لا، المهم أن البعض استثمر عملية تعيينه على نحو، ثم استثمر خروجه من منصبه على نحو آخر، دون أن يشعر بوخزة تناقض وازدواجية فى خطابه الذى ينسف كل ما سبق وردده من قبل.
والخوف أن تمتد هذه «الشيزوفرينيا» إلى تقرير لجنة تقصى الحقائق عن قتل الثوار، إذ نحن الآن أمام تقرير واحد، وقراءات وتحليلات متعددة، نتيجة أن بعضهم يتناول حقائق التقرير ونتائجه بغريزة الانتقام لا بالعقل والضمير، ومن ثم لا يمانع أبدا فى إهالة التراب على التقرير وما جاء فيه لمجرد أنه لم يمثل وقودا إضافيا لمعدات القتال ضد محمد مرسى هذه الأيام.
وشىء من ذلك رأيناه فى أثناء جولة الإعادة فى الانتخابات الرئاسية، حينما قرر نفر من مقاولى الثورة أن يطعنوها فى قدس أقداسها (موقعة الجمل) واتهام الإخوان بقتل الثوار.
إن إثارة الغبار حول التقرير، والتشكيك والطعن فى نزاهة اللجنة التى عكفت على تقصى الحقائق وجمع المعلومات، يأتى فى سياق تلك الحالة الغريزية من حرب الكل ضد الكل، بكل الوسائل وبكل الأسلحة بصرف النظر عن مشروعية السلاح وأخلاقية الوسيلة.
إن تجار الحروب غير النظيفة ينشطون هذه الأيام فى عمليات تصنيع الشهداء المزيفين، ولا يجدون غضاضة فى التضحية بحقوق الشهداء الحقيقيين.

ليست هناك تعليقات: