13 سبتمبر 2012

مشاهدات أردنية في زيارة لسورية



السيدة رانيا النابلسي
إنا لله و إنا إليه راجعون.....
من عمان الأردن ذهبت إلى سوريا رغم كل ما يقال عن أنها باتت جهنم و و..و..و الحق أقول أن أجواءها ليست كما كنت ألفتها في أيام دراستي في دمشق ... و لا أثناء زياراتي الكثيرة لدمشق و طرطوس و اللاذقية طبعا و لا لحمص العدية .... و لا لبانياس و ... كل ذلك أذكره حيث أنني هذه المرة لم أمر على كل هذه المدن الحبيبة لأنني مضطرة .. فلا وقت و لا أمن - سافرت بالطائرة إلى مطار دمشق و منه إلى مطار الشهيد باسل حافظ الأسد بمنطقة حمي ميم و منه إلى قرية عين العروس القريبة حيث تقام التعزية بوفاة زميلتي في السكن أيام الدراسة الشهيدة كندة عبد الكريم الخير ... سكنا سوية مدة أيام الدراسة درستْ الأدب الإنكليزي و درستُ الأدب العربي ... و كانت مثال الأخت الطيبة المساعدة المضحية لا تدخر وسعا في لتجعلني أشعر أنني في بيتي و بين أهلي ... رحمها الله... هل كنت أستطيع أن أسمع بالجريمة و لا آتي لأكون مع أهلها كابنة لهم أختها التي آختها بالمحبة و الإيثار .... و أهلها الذين ما كانوا يفضلونها علي بالاهتمام بل بالتأكيد كانوا يبذلون ما في وسعهم أن يسبغوا عليّ حنانا لم يكونوا يجهدوا أنفسهم لأجلها بربعه رغم حنانهم المتميز معها... فهم و الله أهلي كما أهلي ألمهم ألمي و فرحهم فرحي ....... و شهادتها أدمت قلبي لكنها شرفتني كما شرفتهم و شرفت من يدافع عن سوريا الكرامة و الحق...
كيف استشهدت كندة عبد الكريم الخير؟؟
بعد رمضان الكريم و في أول أيام عيد الفطر السعيد كانت و بيت عمها يتوجهون لقضاء العيد بين الأهل ... و في الطريق عند مدينة قارة لاقتهم مجموعة من ( الفوار) و طلبت من عمها التوقف تحت تهديد السلاح و هو ناور و لم يقف لعلمه أن الخطف و الاغتصاب أصعب من القتل و الاستشهاد و لما لم يستطع الإرهابيون كلاب الناتو إيقافه أطلقوا النار باتجاهه فأصابوا كندة بعدة طلقات كان منها واحدة في العمود الفقري قطعت الحبل الشوكي ... أسعفت هي و من أصيب من أبناء عمها الذين كانت إصاباتهم أقل خطورة مما أصابها.... أسعفت إلى مشفى دير عطية و من هناك إلى مشفى دراج في اللاذقية و أعلنت شهادتها بعد أيام من إصابتها و كان ذلك بنفس اليوم الذي استشهد فيه أحد أبناء أخوالها الذي كان يؤدي واجبه الوطني في الدفاع عن سوريا العروبة و الحق ضد عصابات الناتو و مشايخ الفتن.... و صلت إلى منزل أهلها و افترقت عن زوجي الذي دخل إلى خيمة العزاء ( للرجال) و أنا دخلت إلى المنزل حيث كانت الخالة أم محمد و من جاء ليهنئها على فضل الله بشهادة ابنتها... لا شك أن الألم يعتصر قلبها فكندة لم تكن فتاة عادية هي تربية امها الفاضلة ... و أيضا كانت تدرج في طفولتها في كنف جدتها السيدة منيرة يوسف أم عبد الكريم السيدة الجدة الفاضلة... كندة هذه لم يكن صوتها يعلوا أبدا حنانها و بساطتها و إيمانها بالله و بحق الإنسان بالكرامة إيمان فطريّ... تقول الخالة أم محمد السيدة((بهية رمضان ابنة السيد أبو أنور رمضان من سكان قرية عين التينة ريف دمشق) )قرب معلولا)( والدة الشهيدة و الله يا خالتي السمع مش متل الشوف و الشوف مش متل الدوق ألله لا يدوقها لمخلوق ... يا خالتي البيقهر أن المجرمين من بلدنا و بيقولوا أنهم بدهم يجيبولنا الحرية ... يا خالتي لو استشهدت كندة بحرب مع الصهاينة كان سهل علينا أكثر لكن هدولا بيقولوا أنهم قتلوها جهاد في سبيل ألله .... يا ويلهم من الله يا ويلهم من الله ... تبكي و تقول ألله يهديهم ألله يهديهم ...؟؟؟!!!

قالت لي السيدة التي جلست عن يميني :(بتعرفي أن أم محمد لما وصلت الشهيدة بسيارة دفن الموتى زغردت و زفت الشهيدة كأنها عروس ألله يرحمها و يصبر أهلها...)

لن أطيل .... قد أعود لتفصيل ما لقيته و ما سمعته من أحاديث تحطم القلوب و ما أحسست به من عمق الإيمان لدى الناس الطيبين ...فقد كان أغلب المتواجدات إما أمهات أو أخوات أو زوجات أو بنات شهداء في هذا العام و النصف الذي هاج فيه العالم الإجرامي كله ضد سوريا و شعبها و قيادتها ... و لم أسمع كلمة واحدة فيها استنكار لقضاء الله و لا كلمة حقد واحدة على أي فئة من فآت المجتمع العربي السوري أللهم إلا انتقاد شيوخ أفتوا بالقتل و التمثيل بالجثامين .. و السبي و الاغتصاب و كل هذا على شاشات أنعم الغرب بها على مجرمينا و تدعي أنها صاحبة الدين الأزكى و الحق الشامل بالتحدث باسم الله و قتل مخاليقه دون تدقيق بسبب ذلك فمن قتلوه مظلوما يكونوا قد سرعوا طريقه للجنة؟؟؟!!! و من قتلوه و هو يستحق يكونوا قد طبقوا شرع الله واقتصوا منه ؟؟؟؟!!! أليسوا أولياء الأمر؟؟

و بعد أن قضينا ساعات في كنف هذه العائلة المنكوبة و حان وقت العودة إلى المطار قبل أقلاع الطائرة خرج زوجي و الدموع في مآقيه ... و ودعنا الناس بمثل ما استقبلونا به من حفاوة و محبة و كرم عرب أقحاح كمن وصفهم الحطيئة في قصيدته ( وطاوي ثلاث عاصب البطن مرمل..) طبعا الخالة أم محمد والدة الشهيدة كندة لم تكن طاوية ثلاث من فاقة بل من قهر و الم رغم الصبر الذي تظهره.... لكنها و لأجلنا كضيوف تحبنا كما أحبت الشهيدة أكلت معنا لتحضنا على أكل الزاد ...
أحاول أن أكون مثلهن في نقاء السريرة و الإيمان بقضاء الله و قدره و انه هو الحكم و العدل ....ليبرد جوفي و تهدأ جياش عواطفي.... و استبدال شعوري بالقهر و الحقد... بمشاعر رضا و تسليم

روى لي زوجي عمن إلتقاهم في خيمة العزاء.. قال كان الناس بين كل وصلة من قراءة القرآن الكريم و من ثم قراءة الفاتحة على روح المرحومة ... بعضهم يخرج مودعا و آخرون يدخلون .... و بين كل قرآن و قرآن يكون هناك برهة من زمن يتبادل الجالسون أطراف الحديث لم يكن بينهم و هم عشرات من لم يذق طعم فقد عزيز أو عزيزين أو أربعة أعزاء في هذا العدوان الإجرامي.... و طبعا ما من شيء يجعل الجالسين يعرفون أن الجالس ليس من أهل المنطقة و فلسطيني أقسم زوجي أنه لم يرى شعبا مؤمنين كهؤلاء صابرين كمثلهم متقين لله فيما يقولون ....كلهم إيمان بالله و خشوعهم و تقبلهم لقضاء الله و قدره مغرق في عمقه... و رغم أن الأيدي الآثمة التي امتدت لتقتل فلذات أكبادهم تدعي الإسلام و الإيمان فلم يقل أهل الضحايا إلا ما يرضي الله و لم ينبثوا بكلمة تفرق و لا بطلب ثأر و لا لعن و لا أي شيء بل عتب على أخوة في الوطن و أشقاء في الدين و تساؤل عن كيف يرجو الله من قتل و مثل بجثامين من لا يعلمهم ... و هو بالقتل و المثلة لا يسئ للمقتلول المقطع بل لنفسه و للدين الذي باسمه يفعل... عتبهم أن يا من تقول أنك تفعل كل ذلك إيمانا .... مالذي فعله لك دين الله و دين محمد صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم لكي تجعله دين قتل و جريمة و إرهاب.. و كان آخر دعواهم في أغلب الأوقات أن يا ربنا الجبار يا ألله يا خالق الخلق أهد إخواننا في الوطن سواء السبيل أهد أخواننا في الدين إلى ما تحب و ترضى و نحن مُسْلِمين مُسَلِمين بما قضيت... يا ربنا أهد رجال دينك ليهيئوا عبادك للصلاح و الإصلاح للتقوى و الفعل المعروف و الانتهاء عن المنكر و هل هناك أكبر من كبيرة الشرك بالله و قتل النفس التي حرم الله... هل من فعل أكثر نجاسة من فتح الثغرات في جدار المناعة الوطنية لصالح المعتدين...

أستطيع أن أجعلكم تملون ما أكتب لو كتبت كل ما رأيت و رأى زوجي و سمعنا من هؤلاء الذين يتهمون بإعراضهم و بإيمانهم و وطنيتهم و عروبتهم... ( قصص مرعبة في بشاعتها و تطاول فاعليها على الله جل جلاله و شرعه على محمد صلى الله عليه و على آله و صحبه أجمعين...)

أشهد أنني على دينهم مسلمة محمدية المذهب قانعة بقضاء الله و قدره ... سائلة المولى عزّ و جلّ أن يمنّ علي بما منحهم من نقاء سريرة و صبر و حكم صائب على الأمور يوم أُصابُ بما أُصيبوا .. أللهم أبعد هذه الغمة عن عبادك الصالحين و لا تصب بمثلها أحدا من مخاليقك المحبين... لكي لا يضعف بعضهم و يخرجون عن طورهم فهذا لا يطاق و لا يحتمل............ و هنا لا بد لي أن أشير لأخوة فلسطينين من بني قومي - يعرفون هؤلاء أكثر مني فهم عاشوا معهم و أكلوا من خيرهم و احتموا بين ظهرانيهم و جاهد معهم كثير من أبنائهم و استشهدوا جهادا و دفاعا عن فلسطين - و... و حين جاءت هذه الأزمة ... زموا شفاههم و أداروا ظهر المجن لهؤلاء و تطاولوا عليهم و على معتقداتهم... (ألسنا نحن اصحاب الحق بالحساب و الميزان و إيقاع إقامة الحدود بالناس)؟؟؟!!! يا عيب الشوم هل هذه أخلاق المسلمين هل هذه ديانة المسلمين... اللهم يا خالق الخلق أهدنا و اهد خلقك – من تحب منهم سواء السبيل...- إخوانا و مسلمين مؤمنين ...... لا خون خون-جية آثمين.

ليست هناك تعليقات: