06 سبتمبر 2012

البرنامج النووي المصري.. هل يرى النور؟



بقلم: د.عبدالله هلال

 هل مصر عازمة بالفعل (وقادرة) على إنجاز البرنامج النووي؟، وهل المعسكر الأمريكي الصهيوني يمكن أن يتركنا في حالنا ولا يتآمر على هذا المشروع الحيوي؟. قبل الثورة، وفي عصر الانبطاح العربي؛ كان واضحا أنه من المستحيل تنفيذ هذا البرنامج بأية طريقة تكون مفيدة لمصر أو للعرب والمسلمين، فالإدارة الأمريكية وإن كانت واثقة من الطاعة العمياء للنظام المخلوع، فهي لم تكن لتأمن مصر مستقبلا، لأنها تعرف طبيعة الشعب المصري الذى يستطيع أن يحقق المعجزات إن وجدت إرادة سياسية وطنية مستقلة، والذى لا يمكن أن يرضى باستمرار اغتصاب فلسطين. وقد حاربت أمريكا والعدو الصهيوني هذا المشروع علنا في كل المحاولات السابقة، ولم توجد وقتها حكومة قوية (مثل إيران أو كوريا) أو حكومة ذكية (مثل باكستان سابقا) لكي تقاوم أو تناور أو تحاول الاعتماد على النفس.
في بداية فترة تلميع ابن المخلوع تمهيدا للتوريث، لم تكن مصادفة بالطبع أن يعود البرنامج النووي المصري (المنسي) فجأة إلى الأضواء دون أية مقدمات، وفى اتجاه معاكس تماما لما كان عليه الوضع قبلها بعدة سنوات!. وأغلب الظن أنه كانت هناك "مسرحية سياسية" تديرها واشنطن بالاتفاق مع الحكومتين الصهيونية والمصرية.. فقد أدركت الإدارة الأمريكية أن الشارع العربي والإسلامي وقتها كان معجبا بالأداء السياسي المتميز للرئيس الإيراني أحمدي نجاد، خصوصا في قضية البرنامج النووي الإيراني.. وقد كان (على عكس حكام المنطقة العواجيز والعجزة) شابا، لبقا، جريئا، منتخبا. لذا فقد حظى وقتها بالاحترام والإعجاب، وبدأ الناس يتناسون الخلاف المذهبي الذى يشعله المعسكر الأمريكي الصهيوني. ثم جاء صمود وأداء حزب الله في مواجهة العدو الصهيوني ليضيف مزيدا من حوافز تجاهل الخلاف المذهبي، وليضيف أيضا مزيدا من الإعجاب بإيران ورئيسها.. كان ذلك قبل الموقف المعيب لإيران وحزب الله من الثورة السورية. فماذا تفعل الإدارة الأمريكية في هذه الورطة وهى التي كانت وما زالت تخطط لإخضاع إيران بأية وسيلة، بما فيها الحرب؟.. أليس من المهم تمهيد الطريق لمنع تعاطف شعوب المنطقة مع إيران لكى يسهل للحكام العرب (من عملاء واشنطن) مساندة أمريكا؟. من هنا جاءت فكرة الإحياء "المسرحي" للبرنامج النووي المصري، والإعلان عن برامج مشابهة في بعض الدول العربية التي لم تفكر يوما في الطاقة النووية!، لجذب الانتباه بعيدا عن إيران وتحدّيها النووي.. فقد كانوا يريدون أن يقولوا لشعوبنا العربية: ها نحن نشجع برامج نووية عربية، فاصرفوا النظر عن البرنامج النووي الفارسي (أو الشيعي!). وطبعا لم يكن هناك ما يمنع من ضرب عصفورين بحجر واحد لدعم "الوريث الشاب"، المضمون أمريكيا وصهيونيا، لعله يساعد في سحب الأضواء من الرئيس الإيراني الشاب. لذا فقد أدارت حكومة المخلوع وحزبه مسرحية كبيرة لإقناع الشعب المخدوع بأن مصر ما بعد التوريث سوف تكون (نووية) قوية. وقد اختلط الحابل بالنابل بعد هذا الإعلان (المسرحي) بين حزبيين مخادعين من الحزب المنحل يعلمون أنها مجرد لعبة سياسية، رغم ما ينفق عليها من أموال الشعب.. وبين علماء ومسئولين راودهم الأمل وفرحوا بإحياء المشروع الحلم الذي تأخر كثيرا. ولكن ما هو الموقف الآن بعد زوال الغمة والتخلص من المخلوع وحزبه ومسرحياته ومؤامراته التوريثية؟.. هل نحن قادرون بالفعل على الاستفادة من الطاقة النووية الهائلة لتنمية بلادنا وتحديثها ونقلها إلى مصاف الدول المتقدمة، بتوليد الكهرباء وتحلية مياه البحر؟.
إذا ما تحدثنا عن القدرات المصرية الحالية لإدارة برنامج نووي حقيقي فنستطيع القول بأنها مازالت ممكنة رغم المصاعب الكثيرة.. حيث هجر أغلب العلماء المصريون معاملهم النووية بعد استمرار حالة الجمود والشلل والتقتير عليهم (الوزير السابق على الصعيدي كان لابد أن يوافق "شخصيا" على شراء كيماويات بمئة جنيه!)؛ فمنهم من هاجر نهائيا إلى دول غربية، ومنهم من استقر في دول عربية خليجية وغير خليجية، ومنهم من انتقل إلى الجامعات لعله يجد شيئا يفعله بدلا من الجلوس دون عمل هادف.. ولم يبق في هذه المؤسسة العريقة سوى قلة من العلماء يقاومون ويحلمون بتغيير الأوضاع. ولكن لا شك أن تورة 25 يناير المجيدة قد فتحت أبواب الأمل الحقيقي.. وبالفعل فقد سَرت روح جديدة بين شباب وشيوخ الطاقة الذرية، وتعاهد أغلب العلماء على العمل معا لإنفاذ الحلم النووي المصري الذي يدرك الجميع حاجة مصر الملحة إليه. ونحن لا نؤيد توريط الحكومة المؤقتة الحالية في مشروعات كبرى تحتاج إلى حكومة مستقرة تخطط للمستقبل وتتحمل مسئولية التنفيذ.. ولكن لا مانع من الإعداد والتجهيز بإجراء الدراسات الجادة والاستعداد لتسليم ملف متكامل للحكومة المنتخبة، التي ينبغي ونأمل أن تكون على مستوى المسئولية؛ فتجتذب العلماء المهاجرين وتدعم العلماء الصامدين، لتعوض ما فاتنا وتضع يدها على سبل التنمية الجادة الحقيقية، وتعيد مصر إلى موقع الريادة الذي تستحقه. أما عن المؤامرات الأمريكية الصهيونية فنعتقد أنها لن تجد لها موضع قدم مع مصر الديمقراطية، بل إنهم سوف يحاولون ترضيتنا وعدم إغضابنا.. مادامت الكلمة والسيادة للشعب

ليست هناك تعليقات: