06 سبتمبر 2012

عناق فوق سطح صفيح ساخن




د. مثنى عبدالله
باحث سياسي عراقي

قالوا بأن مؤتمر مكة الذي عقد في شهر رمضان المنصرم سيكون سوريا بأمتياز، وأن دلالات المكان مهبط الوحي، ودلالات الزمان ليلة القدر، يمكن أن يُضفيا نفحات أيمانية على قادة الدول الاسلامية، فيعتصموا بحبل الايمان ويغمرهم ذلك الشعور الذي صوّر الامة بأنها جسد واحد أذا أشتكى منه عضو عانى كل الجسد من الاعياء والمرض , فيرتفعوا فوق الضغائن ويضعوا سبيلا يوقف نزيف الدماء من سوريا حتى بورما، مرورا بكل الجراح المزمنة في فلسطين وأفغانستان والعراق وغيرها. وأذا كانت وسائل الاعلام وعدسات المصورين قد ركزت طويلا على أقتناص لحظات العناق بين الزعماء، خاصة بين محوري السياسة في المنطقة،السعودية وأيران، وأطنبت في تحليل أسباب جلوس هذا الزعيم الى يمين الملك وذاك الى يساره ومن كان الاقرب ومن كان الابعد، فإن الكثير من شعوب العالم الاسلامي خاصة تلك التي مازالت تكتوي بنيران الحروب الداخلية والخارجية، وتعاني من القتل والدمار والفقر المدقع والتهجير القسري، لم يكن يعنيها ذلك أطلاقا بقدر ماكانت تبحث في عقول الزعماء وقادة الامة الاسلامية، عن مدى أمتلاكهم الشعور بأن الامة هي جسد واحد وكان سبب أنتقالها من عصر الجاهلية الى عصر القوة، وهل عاد هذا المفهوم ليتجسد من جديد فينعكس في سياساتهم الداخلية والخارجية، رخاء وأستقرارا لشعوبهم وعزيمة لاتلين ضد أعدائهم، أم أن المؤتمر سيكون مجرد رقم يضاف الى سلسلة طويلة من المؤتمرات التي لم تسكب قطرة ماء على حريق، أو مسحة بلسم على جرح في جسد الامة؟.

نعم من المهم أن ننشىء المراكز البحثية التي تدرس في تضييق شقة الخلاف المذهبي والقومي بين مكونات الامة، لكن مافائدة هذه المراكز في وقت لا يملك القادة فيها قرارهم السياسي والاقتصادي، وليس لديهم الارادة المستقلة لتسيير شؤون الامة، الا وفق مصالح هذا الطرف الدولي أو ذاك، الذين من مصلحتهم توسيع شقة الخلاف وتقسيم مجتمعاتنا الى طوائف ومذاهب وملل ونحل، فخلقت حالة تخندق واضحة جعلت أبناء الامة الاسلامية يقفون ضد بعضهم البعض لمصالح خارجية بعيدة كل البعد عن مصالحهم. مالفائدة أن يأتي الرئيس الايراني الى مؤتمر مكة في زمانه ومكانه المعنويين، ومازال يحمل في ذهنه مشروعا قوميا يخص بلاد فارس ويوظف فيه العامل الطائفي والمذهبي، كي يصادر لحسابه العراق والخليج العربي ولبنان وسوريا واليمن والمغرب العربي ودول جنوب شرق أسيا الاسلامية؟ ومالفائدة أن تحضر دول عربية وأسلامية الى المؤتمر وقد وضعت كل بيضها في السلة الامريكية، وتفتح خزائنها المالية لدعم الاقتصاد الامريكي ولا تدعم فقراء الامة الاسلامية، وتحارب الى جانب القوات الامريكية ضد الثوار المسلمين في العديد من الدول، وتسمي مقاومتهم أرهاب أنسياقا مع الارادة الغربية، وتجتهد في صنع المبادرات السلمية للكيان الصهيوني الذي يحاصر الفلسطينيين من كل حدب وصوب؟ لذلك واهم من يعتقد أن العناق بين الفرقاء السياسيين أحد وسائل تحقيق السياسة. محال أن يحصل ذلك لكننا نحن العرب خاصة والمسلمين عامة مازلنا نتعامل مع الاحداث بثقافة الديوان أو المضيف، متناسين أن مشاكل القبيلة ليست سياسة ومصالح وخداع وأكاذيب وأجندات مختلفة، وعالم أول وثان وثالث ورعب وتوازن رعب كحال السياسة الدولية. لذلك مازلنا عاجزين عن تحقيق مصالح أمتنا على الرغم مما نملك من ثروات فوق وتحت الارض، بينما تقدم علينا الكثيرون ممن لايملكون تسع أعشار ثرواتنا.

تهرع الينا أوروبا عندما تعصف بها أزمة أقتصادية، فنفتح لها خزائننا دون أن نسأل عن المقابل، ويستخدمنا الآخرون جنودا تحت راياتهم بينما أراضينا لازالت محتلة من قبلهم. ونقيم القواعد الجوية والبحرية والبرية لهم في أوطاننا، دون أن نلتفت الى التخريب الثقافي والاجتماعي الناتج عنها. أذن ماجدوى عناق الزعماء في ظل تصارع الاجندات والسعي المستميت لخلق المحاور والتكتلات داخل الرابطة الاسلامية؟ كان الاولى بالزعماء أن يبحثوا في الاسس الجماعية لنظام الامن في الشرق الاوسط خاصة والعالم الاسلامي عامة قبل كل شيء، و ان يتخلصوا من المحاور المرتبطة بالغرب أو روسيا والصين، وأن يحددوا بشكل واضح مقدرة دولهم على تحقيق مصيرها بشكل فردي أو جماعي على مستوى هذه الرابطة، أم أن سياساتهم هي مجرد ردود أفعال لتأثيرات خارجية؟. وماذا بشأن الازمات الاجتماعية والاقتصادية التي تعانيها هذه المنظومة، والتي غالبا ماتتحول الى صراعات دموية في الداخل أو مع الجوار الاسلامي، وماهي الحلول الناجعة لها؟

أن العرب خاصة والعالم الاسلامي عامة يعانون من خلل بنيوي واضح في أدراك مصالحهم، لأنهم يفتقرون الى النظرة العلمية الموحدة الى مايجب فعله. فبعضهم يرى أن مصلحته تكمن في التسليم الكامل للشروط الغربية، وبعضهم يرى أن مصلحته تكمن في تفتيت دول وأبتلاعها كي يعيد مجد أمبراطوريته التاريخية كأيران، لذلك سيبقى التصادم والصراع قائما فيما بينهم الى وقت مستقبلي غير معلوم، وستبقى الساحات الساخنة في كيان الامة الاسلامية مناطق صراع أسلامي - أسلامي، للحصول على التفوق السياسي والرضى الدولي لهذا الطرف أو ذاك، حتى لو نتج عن ذلك ابادة أنسانية كما يحصل اليوم في سوريا.
القدس العربي

ليست هناك تعليقات: