06 فبراير 2014

المفكر القومى محمد سيف الدولة يكتب : المعونة العسكرية والهيمنة الأمريكية

((فى اغسطس 2013 وافقت السلطات المصرية على مرور البارجة الأمريكية سان انطونيو من قناة السويس قبل مرور 24 ساعة من تقديمنا لطلب المرور بينما فى الظروف العادية تحتاج الموافقة الى 23 يوما، وهذا مثل واحد فقط من التسهيلات التى نحصل عليها جراء التعاون العسكرى مع مصر))
من شهادة دريك شوليت مساعد وزير الدفاع الأمريكى فى جلسة الكونجرس بتاريخ 29 اكتوبر 2013 *** ((الجيش بالتأكيد لا يريد ان يلغى اتفاقية السلام، وبالتأكيد لن يحارب إسرائيل أبدا بعد الآن، هذا بالإضافة هو اننا لا نستطيع ان نحاربها لان كل أنظمة تسليحنا مصدرها الولايات المتحدة وهى لن تسمح لنا أبدا باستخدامها ضد إسرائيل، انه من باب الخيال ان نفكر ان الجيش المصري سيفعل ذلك)) نجيب ساويرس فى معهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى ـ مايو 2012 *** (( القادة العسكريين وليس السياسيين، هم أصحاب الفضل الحقيقى لاستمرار اتفاقية السلام حتى الآن)) منى مكرم عبيد فى مؤتمر مشروع الأمن الامريكى ASP ـ ديسمبر 2013 *** ((مساعدتنا العسكرية لمصر ليست هدية، فهى تحقق لنا فوائد جمة، لا تقتصر فقط على الحفاظ على معاهدة السلام.. فبعد كامب ديفيد قدم الجيش المصري تعهدا بالتحول من نموذج التدريب والتجهيز الروسى للنموذج الامريكى وكان ذلك قرار كبيرا لانه انتقال كبير فى المفاهيم و”العقيدة” والمعدات.. فى عملياتنا العسكرية فى المنطقة، لا نستطيع بدون مصر، ان نصل الى أهم المواقع الاستراتيجية ..
بدون قناة السويس وحقوق الطيران فوق مصر والتسهيلات بقاعدة غرب القاهرة وغيرها لا يمكننا تحريك أو دعم قوات الانتشار السريع و قوات الطوارىء .. لقد وفرت مناورات النجم الساطع فى مصر لنا وللأوربيين مساحات واسعة للتدريب كان من الصعب الحصول فى مناطق أخرى.. لقد ظلت علاقة أمريكا بالجيش المصرى قوية جدا وذهبنا الى ساحات المعارك سويا وأعطونا كل ما نحتاجه لمواجهة حالات الطوارىء وكانوا بجانبنا اثناءها )) الجنرال انطونى زينى القائد السابق للمنطقة المركز الامريكية ـ فى ندوة بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن ـ مايو 2013 *** ((الجيش الاسرائيلى يعتبر الجيش المصري شريكا قويا، فهم ملتزمون تجاه اتفاقيات كامب ديفيد التى تمثل حجر الزاوية للاستقرار فى الشرق الأوسط، والجيش المصري شريك قوى لأمريكا والاستثمار فيه له عوائد كثيرة : فهو يزيد من نفوذ وتأثيرنا على القادة العسكريين ويمثل عنصر تمكين للسياسة الخارجية الامريكية ويعطينا مرورا تفضيليا فى السويس وتحليقا ديناميكيا، وتعاون استخباراتي، وتعاون فى مكافحة الارهاب ان الأسلحة والمعدات التى نقدمها للمصريين لن تستخدم بأى صورة قد تعرض موظفى الولايات المتحدة العسكرية أو المدنية أو مصالح الولايات المتحدة، للخطر )) من وقائع جلسة إعادة تنصيب رئيس الأركان الامريكى مارتان ديمبسى بمجلس الشيوخ الامريكى ـ لجنة القوات المسلحة ـ 18/7/201 *** ((احتفى قادة البنتاجون خلال شهر أغسطس 2012 بوصول أول قيادة عسكرية تلقت تعليمها العالى بالولايات المتحدة American Trained Officers ممثلة فى الفريق “عبد الفتاح السيسى” والفريق “صدقى صبحي” خريجى كلية الحرب الأمريكية بولاية بنسلفانيا)) محمد المنشاوى ـ مراسل جريدة الشروق فى واشنطن ـ 25 اكتوبر 2013 *** سنتناول اليوم المعونة العسكرية الأمريكية كأحد أهم أعمدة التبعية المصرية للولايات المتحدة الامريكية. فلقد جاءت هذه المعونة كبديل عن المجهود الحربي الذى كان يدعمه القطاع العام المصري قبل أن يأمروا ببيعه وتصفيته بعد حرب 1973 وتبلغ هذه المعونة السنوية 1.3 مليار $ يعتمدها الكونجرس فى ميزانيته فى مارس من كل عام، مقابل 2.4 مليار $ لإسرائيل أصبحت الآن 3 مليار $ وبهذه الطريقة تمكنوا من : · الإحاطة الدائمة والتفصيلية بقدراتنا العسكرية، · والسيطرة عليها والتحكم فيها لضمان التفوق العسكري الدائم لإسرائيل، · وهو ما يتم من خلال التحكم فى نوعية السلاح وحداثته وكميته، · بالإضافة الى قطع الغيار والخبراء، · وحظر إعادة تصديره الا بموافقة امريكية، · وفرض قيود على استخدامه فيما يتعارض مع المصالح الامريكية، أو فى مواجهة حلفاءها، · وما يرتبط بذلك من إمكانيات التحكم الاكترونى عن بعد فى هذه الاسلحة بالتعطيل أو بالتوجيه او بعدد مرات الاستخدام ! · أضف الى كل ذلك تأسيس شبكة من المصالح والعلاقات “الطيبة” مع القيادات العسكرية المصرية، من خلال دورات التدريب العسكرية السنوية للضباط المصريين فى المعاهد والكليات العسكرية الامريكية. *** ومنذ بدأت هذه المعونة العسكرية فى السبعينات، وأصبح احد المقررات أو التقاليد السنوية للكونجرس الامريكى هو التلويح والتهديد بقطعها أو تجميدها أو تخفيضها أو تغيير طبيعتها ما لم تلتزم الإدارة المصرية بقائمة من الطلبات والشروط تتغير حسب الأحوال والظروف من عام الى آخر، ولكن يجب أن يأتى على رأسها دائما شرط ثابت أساسي وهو الالتزام بمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، وبأمن إسرائيل، وبأمن الحدود المصرية الإسرائيلية. *** ورغم ما تروج له الولايات المتحدة دائما من أن معونتها العسكرية لمصر هى تفضلا منها علينا، إلا أن العكس هو الصحيح على طول الخط ، فالمستفيد الرئيسى وربما الوحيد من هذه المعونة، بعد اسرائيل، هى الولايات المتحدة وفيما يلى بعض الأمثلة التى وردت فى تقارير رسمية أمريكية صدرت عامى 2006 و2007 : · أنفقت مصر بين عامي 1999 و2005 مبلغ 3.8 مليار دولار لشراء معدات عسكرية ثقيلة من الشركات الأمريكية وبما يوازى 80 % من إجمالي المشتريات العسكرية المصرية، وأن 52 % من مجموع المعدات العسكرية المصرية وفقا لاحصاء 2005 هي معدات أمريكية، وأن المساعدات العسكرية الأمريكية تم استخدامها في استبدال المعدات التي كانت مصر قد حصلت عليها من الاتحاد السوفيتي السابق بمعدات عسكرية أمريكية عصرية . · قدمت مصر خدمات لوجستية ومباشرة للقوات الأمريكية في العراق وأفغانستان .. · مثل السماح بعبور 36553 طائرة عسكرية أمريكية للأجواء المصرية خلال الفترة من 2001إلى 2005 · منحت مصر تصريحات على وجه السرعة لعدد 861 بارجة حربية أمريكية لعبور قناة السويس خلال نفس الفترة، ووفرت الحماية الأمنية اللازمة لعبور تلك البوارج · بالإضافة إلى قيامها بنشر حوالي 800 جندي وعسكري من قواتها في منطقة دارفور غربي السودان عام 2004 · ان مساعداتها فى عملية نقل الجنود فى الحرب ضد العراق كان أساسيا لإنجاح الغزو الأمريكى، بالاضافه لمجهوداتها بعد الحرب لإعادة تأهيل العراق عربيا و عالميا فى المجتمع الدولى . · أن مصر قامت أيضا خلال نفس العام بتدريب 250 عنصرا في الشرطة العراقية و25 دبلوماسيا عراقيا · إنشائها مستشفى عسكريا وإرسالها عددا من الأطباء إلى قاعدة باجرام العسكرية في أفغانستان بين عامي 2003 و2005 ، حيث تلقى حوالي أكثر من 100 ألف مصاب هناك الرعاية الصحية . · تأثير مصر فى المنطقة فهو محوري فيما يتعلق بمصالح أمريكا فى العالم العربي و الاسلامى والدول النامية · ان المساعدات العسكرية لمصر سوف تدفع بأهداف السياسة الخارجية لأمريكا إلى الأمام في المنطقة · و سوف تؤهل القوات المسلحة المصرية للمشاركة كحليف فى العمليات العسكرية فى العالم أجمع · التدريب والتعليم الدولي العسكري للضباط المصريين .. يخدم مصالح أمريكا فى المنطقة · تدريب المصريون على الوسائل المختلفة لمكافحة الإرهاب وغسيل الأموال، يساعد على دعم المؤسسات و السياسات المتعلقة بالقوانين الاستراتيجيه المسيطرة على التجارة . *** الخلاصة هى ان الولايات المتحدة، العدو الاستراتيجى الأول لمصر، والتى حاربت مع اسرائيل ضدنا فى 1967 و1973، وقادت جريمة احتلال سيناء قبل 1973 وجريمة تجريد ثلثيها من السلاح بعد 1979، تتواجد قواتها منذ 35 سنة فى سيناء ضمن ما يسمى قوات حفظ السلام، كما أصبحت هى المحتكر الرئيسى للتسليح المصرى، وتتفاخر بدورها فى إعادة بناء وتأسيس الجيش المصرى وتغيير عقيدته ومعداته بعد 1979، وتعتبره حليفا استراتيجيا مهما لها، وتشيد بالخدمات اللوجيستية التى يقدمها لها والتى لولاها لما نجح غزوها للعراق، وتؤكد على الدوام انه لا غنى لها عنه، لتحقيق مصالحها فى مصر والمنطقة. وبعد الثورة لم تكف الولايات المتحدة لحظة واحدة عن توظيف هذا التحالف لمحاولة احتواء الثورة أو إجهاضها عبر شبكة علاقاتها العميقة ووفودها واتصالاتها الدؤوبة التى لم تنقطع أبدا. ومع ذلك لم يرد فى برنامج أى من القوى السياسية “الرئيسية” بعد الثورة، اى مطالبات جادة بالتحرر من هذا الوضع، بل تنافس الجميع داخل الدولة و خارجها، على كسب ودها والتواصل معها وتقديم التطمينات وشهادات حسن السير والسلوك لصناع القرار فيها، على طريقة الأغنية الشهيرة ((سيبك منهم ده مفيش غيرى))، وعلى امتداد 3 سنوات، لم تخرج اى مليونية واحدة جادة ضد التبعية الأمريكية، وكان هذا من أخطائنا الكبرى. وفيما عدا الشباب الثورى من كافة التيارات، تبارى الجميع بعد 3 يوليو 2013، كل بطريقته، للفوز باعتراف امريكى بشرعيته فى مواجهة الطرف الآخر، رغم ما يرددوه جميعا من تصريحات رنانة عن الاستقلال والسيادة. وحتى عندما تصاعدت بعض الأصوات المصرية للمطالبة بوقف هذه المعونة، والخروج من قبضة الأمريكان جاء رد الإدارة المصرية على لسان السفير بدر عبد العاطى المتحدث باسم الخارجية المصرية فى أكتوبر 2013 بالتصريح التالى: ((ان دعوة بعض الأطراف الداخلية للاستغناء عن المعونة الأمريكية، أو إلغاء معاهدة السلام مع إسرائيل غير منطقي)) وفى الشهور الأخيرة، عاد إعلام السلطة الذي أغرقنا فى الشعارات الوطنية، عاد ليتفاخر بالأنباء الواردة من الكونجرس عن قرب الإفراج عن المساعدات العسكرية الأمريكية وعن تغير الموقف الامريكى لصالح النظام الجديد، رغم أنها جاءت مشروطة كالمعتاد، وبذات الشرط المقدس وهو الالتزام بكامب ديفيد، لتنكشف حقيقة الحكاية؛ بأن الادعاءات السابقة برفض التدخل الأجنبى فى الشأن المصرى لم تكن سوى رفضا للتدخل لصالح الخصوم، مع الترحيب الشديد بالتدخل لصالح السلطة الحاكمة والنظام الجديد ـ القديم .

ليست هناك تعليقات: