09 يناير 2013

رسالة من الدولة العميقة – فهمي هويدي

http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2013/01/blog-post_2.html

 الرسالة التي تلقيناها من تركيا في آخر أيام سنة 2012 تقول لكل من يهمه الأمر:
انتبهوا جيدا، الدولة العميقة أخطر وأعقد مما تظنون.
جاءت الرسالة عبر الإعلان في أنقرة عن أنه تم اكتشاف أجهزة تنصت ومكبرات للصوت مزروعة في بيت رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان وفي مكتبه.
وهو الإعلان الذي أثار الدهشة ليس فقط لأنه مثل اختراقا خطرا لبيت ومكتب رئيس الوزراء، ولكن أيضا لأن الحادث وقع بعد مضي نحو عشر سنوات لتولي حزب العدالة والتنمية للسلطة، الذي خاض خلالها حربا شرسة واسعة النطاق ضد «الدولة العميقة» والخفية التي ظلت تصنع السياسة وتدبر المؤامرات والانقلابات خلال الثلاثين سنة السابقة على الأقل.
وكان الظن أن عناصر تلك الدولة تلقت خلال تلك الفترة ضربات قاصمة شلت حركتها، لكنها في المشهد الأخير أكدت أنها لم تهزم تماما، ولكن لا يزال لها نفوذها الذي مكنها من أضيق دائرة محيطة بإعلام مراكز السلطة.
كان السيد أردوغان قد ذكر في مقابلة صحفية نشرت في 13/12 إلى أنه يتعرض للتجسس من قبل «دولة خفية»، مشيراً إلى العثور على ميكروفون سري يستخدم لأغراض التجسس في مكتبه داخل منزله بأنقرة.
واعتبر في حديثه أن ذلك يشير إلى أن عملية القضاء على الانقلابيين الذين يقفون وراء الدولة الخفية لم تنته بعد.
وأن عملا كثيرا لا يزال أمامه لتنظيف الدولة من تلك « القوة الفاسدة » التي تعمل في الخفاء، ومعروف أن مصطلح الدولة الخفية صار يستخدم في الأدبيات التركية للتعبير عن المجموعة السرية التي تتذرع بالدفاع عن العلمانية والجمهورية في مواجهة الاتجاهات الإسلامية التي اعتبروها مهددة لمشروع مصطفى كمال أتاتورك.
ولأجل ذلك تمددت في داخل الجيش والأجهزة الأمنية وفي دوائر القضاء وأجهزة الإعلام، في غيرها من المفاصل الحيوية للدولة، وتوسع نشاطها حتى تحالفت مع مافيات تجارة السلاح والمخدرات والجريمة المنظمة.
من ثَمَّ كان لها دورها في الانقلابات العسكرية التي تمت، وفي العديد من جرائم القتل التي وقعت التي أريد بها تصفية الخصوم أو إثارة الاضطرابات أو تشويه صورة الجماعات ذات التوجه الإسلامي.
بعد صدور تصريحات أردوغان تتبعت وسائل الإعلام القصة في التحقيقات التي تبين منها أنه تم العثور في بداية العام الماضي على ميكروفونات سرية مزروعة في بيت رئيس الوزراء.
لكن تم التكتم على الموضوع آنذاك من أجل معرفة الجهة التي وقفت وراءها.
وفي أعقاب ذلك جرى تفتيش كل المقار التي يتردد عليها أردوغان، بما في ذلك مكتباه في رئاسة الوزراء والبرلمان.
وهناك عثر على ميكروفونين من النوع ذاته مزروعين في المكتبين. الأمر الذي عزز الاقتناع بوجود جهة منظمة ومحترفة وراء العملية.
في سياق مواجهة الاختراق الذي أزعج السلطات والأجهزة المعنية، تم تغيير كل طاقم الحراسة الخاص بأردوغان في شهر سبتمبر الماضي، بعدما اتهموا بالتقصير والإهمال في حماية الرجل وتأمين دائرته الضيقة.
وقد ذكرت قناة «دي» التركية أن الميكروفونات التي ضبطت يستخدمها عملاء جهازي «كي. جي. بي» الروسي والموساد الإسرائيلي، الأمر الذي أشار بأصابع الاتهام إلى ضلوع مخابرات البلدين في العملية.
إلا أن تصريحات أردوغان وعدد من المقربين منه أوحت بأن الجهة التي وراء التجسس تركية بالأساس، لكنها استعانت بأجهزة متطورة من الخارج، في حين لم تستبعد احتمال أن تكون الجهات الخارجية قد استفادت من عملية التجسس في شكل مواز.
خصوصا أن عناصر الدولة العميقة لها خطوط اتصال مع الجهات الخارجية المعنية بمواجهة النظام الحالي، وفي مقدمتها إسرائيل بطبيعة الحال.

وقد أثار الانتباه في هذا السياق أن الشائعات تحدثت في تركيا عن وجود أجهزة تجسس مماثلة في مقار أحزاب المعارضة،

وقد أعلن حزب السلام والديمقراطية الكردي أنه عثر على بعض تلك الأجهزة في عدد من مكاتبه، إلا أنه وجه التهمة في ذلك إلى أجهزة الأمن التركية.
حين وقعت على القصة استحضرت شريط الوقائع المريبة التي شهدتها مصر بعد الثورة بدءا من القناصة المجهولين الذين قتلوا المتظاهرين ومرورا بضبط أحد ضباط  المخابرات وسط الذين هاجموا مقر جماعة الإخوان في الإسكندرية.
والشكوك المثارة حول دور بعض عناصر الأجهزة الأمنية في حملة إحراق والهجوم على 26 مقرا للجماعة.
وانتهاء بحملات البلبلة والترويع التي جرى الترويج لها أخيرا، والتي تحدثت مثلا عن إفلاس مصر.
ليس لدينا أدلة كافية على أن أصابع الدولة الخفية وراء كل حملات التوتر وإشعال الحرائق المختلفة في أنحاء مصر، لكن طالما ظل الفاعلون مجهولين، فلا غضاضة في أن تفكر بشكل جاد في دور للدولة الخفية التي لا أستبعد أن تكون تحت التكوين في مصر.
علما بأن أصحاب المصلحة فيما يجري معروفون، ولكن الفاعلين لا يزالون مجهولين، وتلك بعض تعاليم مدرسة الدولة الخفية في تركيا

ليست هناك تعليقات: