10 أكتوبر 2013

تقرير اممى : مصر دولة مكتئبة ومعدلات السعادة تتراجع بشدة فيها

مصر دولة غير سعيدة وفقاً لتقرير السعادة العالمي الصادر عن شبكة حلول التنمية المستدامة بالأمم المتحدة ومعهد الأرض بجامعة كولومبيا.
هبطت مستويات السعادة في مصر مقارنة بالأعوام الماضية في الاحصائية التي تضم 156 دولة. فقد تراجع معدل السعادة في مصر، وحاز على ترتيب 4.3 من مقياس من واحد إلى 10 درجات في الفترة بين 2011 - 2013، وذلك بالمقارنة بالفترة بين 2005 - 2007، حيث بلغ 5.4 درجة. وبالتالي، احتلت مصر المركز 130 ضمن 156 دولة تضمنها التقرير وفقاً لمعدلات سعادتها.
يرى أساتذة الجامعة أن هذا الهبوط الحاد في مستويات السعادة في مصر يأتى نتيجة لعوامل عديدة، منها عدم تحقيق توقعات الشعب. تقول منى عامر، أستاذ مساعد في علم النفس، "شعر الكثيرون بالفرح والسرور بعد ثورة 2011، ولكن حينما لم تتحقق رؤياهم وأمانيهم لما تخيلوا أنه سيكون الحال في مصر، فقد أثر ذلك على إحساسهم بالسعادة."
تذكر أيضاً رباب المهدي، أستاذ مساعد في العلوم السياسية، الآثار الناجمة عن عدم تحقيق تلك التوقعات بعد ثورة 2011. تقول المهدي "يمكنك الإحساس بذلك أثناء سيرك في شوارع القاهرة. فقد كانت الناس سعيدة ومليئة بالتوقعات، وكانت المدينة بأكملها تشع طاقة هائلة، ولكن بمرور السنوات، لم تتحقق تلك التوقعات."
يذكر هاني هنري، أستاذ مساعد في عام النفس، أن هذا "الأمل الزائف" قد أوجدته الإثارة الإعلامية، قائلاً "لعب الإعلام دوراً كبيراً في إحداث هذا الشعور لأنه جعل الناس تعتقد أنهم سيحظون بالأفضل في كل شيء"، فعلى سبيل المثال، صرح الإعلام، في الأيام التي تلت اندلاع الثورة، أن ثروات السياسيين والرئيس السابق حسني مبارك سيتم توزيعها على الشعب المصري. ولكن، على المصريين مواجهة حقيقة أن مبارك قد تم تبرئته في قضايا الفساد. يضيف هنري "يكون لدى الناس الكثير من الآمال التي يرونها تتبدد فيما بعد، وهذا يؤدي إلى الشعور بالضياع."
ولكن، إن عدم تحقيق التوقعات ليس هو السبب الوحيد لتراجع معدل السعادة في مصر. يشير أيضاً إلى الشعور بالتوتر وعدم الرضا. تقول عامر "لدينا مناخ سياسي متقلب يؤثر على شعورنا بالأمن. إن المعيشة في مصر في الوقت الحالي تؤدي إلى الشعور بالتوتر الشديد، مما يؤدي إلى الشعور بالضيق النفسي. وقد تأثرت بعض العوامل الرئيسية التي تساعد في التخفيف من حدة التوتر، مثل الدعم الاجتماعي والديني، بسبب الأحداث الجارية."
فضلاً عن ذلك، تعتبر إمكانية توقع الأحداث مهمة للغاية بالنسبة للحالة النفسية للإنسان بوجه عام، وفقاً إلى هنري. فبدون الشعور بالاستقرار، يشعر الإنسان بعدم قدرته على التحكم في حياته اليومية. يقول هنري "حينما لا يتمتع الإنسان بالقوة اللازمة للتصرف في أموره، فإن هذا يقلل من فرصه للشعور بالسعادة."
ولكن، الجدير بالملاحظة في هذا التقرير، أن معدل السعادة في مصر لم يتراجع فقط، بل أن الدرجات التي حصلت عليها تعد منخفضة بالمقارنة بالدول الأخرى. ويرجع أساتذة الجامعة حدوث ذلك إلى انتشار الفقر وضعف المؤسسات الديمقراطية. تقول عامر "أن مقولة "المال لا يشتري السعادة" هي مقولة دارجة، ولكن توضح الأبحاث أنها مقولة وهمية. فإن السعادة ترتبط بمستوى الدخل، وذلك حتى مستوى محدد، ثم تختفي صلة الارتباط بعد ذلك."
تذكر أيضاً المهدي أن التحديات الاقتصادية التي تواجهها مصر قد تؤدي إلى عدم الشعور بالسعادة. ومع ذلك، تشير المهدي إلى أن الأمر لا يقتصر على انخفاض مستوى الدخل فقط، وإنما التوزيع غير العادل للثروات أيضاً، قائلة "هناك فجوة اقتصادية هائلة في مصر." وتضيف المهدي أن هذه الفجوة لم يتطرق إليها السياسيون المصريون، وهو الأمر الذي قد يؤدي إلى شعور عامة الشعب بعدم الرضا. بالإضافة إلى ذلك، لا توجد المنتديات الديمقراطية التي تمكن الناس من التعبير عن مثل تلك المشكلات من خلالها.
والسؤال هنا: ما سبب أهمية السعادة؟ إن الأشخاص الذين يشعرون بالسعادة يتمتعون بالصحة، ويكونون أكثر إنتاجاً، ويكون لديهم الكثير من العلاقات الاجتماعية. وبالتالي، يؤثر هؤلاء الأشخاص على أسرهم، ومواقع عملهم، ومجتمعاتهم. تتحدث عامر أيضاً عن تأثير الدومينو، قائلة "أن الأشخاص الذين يشعرون بالسعادة والراحة النفسية يكونون مواطنين منتجين، هذا بالإضافة إلى إصابتهم بمشكلات صحية ونفسية أقل، مما يؤدي إلى خفض الأعباء الاقتصادية على تكاليف الرعاية الصحية."
لكي نعالج تراجع معدل السعادة في مصر، لن تكون الحلول بسيطة. يعتقد هنري أن القضية الأكثر أهمية التي يجب التطرق إليها هي الاستقرار. ويمكن تحقيق الاستقرار بوضع المصالح القومية قبل المصالح السياسية الشخصية. يقول هنري "يجب علينا استبعاد المصالح السياسية الشخصية والتفكير في المصالح القومية قبل أي شيء آخر."
يؤكد هنري أن مصر قد حكمت من قبل قادة لديهم "عقدة الفراعنة" خلال العامين الماضيين. فقد كان هؤلاء القادة مهتمين أكثر بتحقيق مكاسب شخصية عن المصالح القومية. ولكي يتحقق الاستقرار، لابد وأن يلقي الناس بمصالحهم الشخصية جانباً. فقد يتحسن معدل السعادة في مصر فور تحقيق الاستقرار.
وبالرغم من ذلك، تذكر المهدي أن معالجة تراجع معدل السعادة في مصر ليست من خلال تحقيق الاستقرار الفوري فقط، فلابد من إحداث تغييرات جوهرية في الظروف الاقتصادية والسياسية للبلاد. تقترح المهدي تطبيق حل ذو شقين، تقول المهدي "أولاً، تحتاج مصر سياسات اقتصادية جماعية تتيح زيادة النمو وتوزيع ما ينتج عن النمو الاقتصادي بصورة عادلة. وثانياً، تحتاج البلاد نظام سياسي ديمقراطي يدعم حقوق الإنسان، مثل حرية التعبير وعدم التعرض للتعذيب، وإتاحة البدائل التي تمكن الأفراد من اختيار الأصلح لهم." توضح المهدي أن النمو الاقتصادي سيؤدي إلى الشعور بالرضا تجاه حياتنا الشخصية، وسيمنح النظام السياسي الأكثر انفتاحاً المزيد من الحرية لاختيار ما يريدون، وبالتالي يؤدي إلى ارتفاع مستويات السعادة.
وترى عامر أنه لابد من إحداث تغييرات اقتصادية وسياسية، قائلة "سيتحسن الاقتصاد، وسيتحول عدم الاستقرار السياسي إلى نظام ديمقراطي مستقر يسمح بتمكين الناس ويمنحهم الحرية. ولكن، لا نرى حدوث أي من تلك التغييرات في الوقت الحالي."
وفي غضون ذلك، تقترح عامر أنه يجب أن يبادر أطباء علم النفس المجتمعيين وممارسو الصحة النفسية بالعمل على وضع خطط صحية وقائية للتعامل مع أمراض مثل الاكتئاب. تؤكد عامر "بدون حدوث أي تغييرات جذرية في الاقتصاد، والسياسة، والأمن، سيكون من المستبعد رؤية تحسن في مستويات السعادة في مصر."

ليست هناك تعليقات: