عندما أعلنت أننى مسافر إلى «غزة» قال لى البعض إن «غزة» ليست فلسطين الحقيقية.. وإنها لا تحوى المعالم الدينية والسياحية والتاريخية المشهورة فى فلسطين.. وحاولوا إقناعى بأن متعة الزيارة لن تكون كما أحلم أو أتوقع.
طبعا أصدقائى الذين قالوا لى هذا الكلام – مع كل احترامى – لا يعلمون شيئا.
هم لا يعلمون شيئا عن أسباب زيارتى لأهلنا فى قطاع غزة، ويحسبون أن زيارتى لفلسطين زيارة سياحة ومتعة وأخذ بعض اللقطات التذكارية.
سأخبر حضراتكم ببعض الأسرار عن زيارتى الأخيرة لفلسطين.
لقد حددنا ميعاد السفر 20 ديسمبر 2012 بالتنسيق مع الدكتور محمد المدهون وزير الثقافة والشباب الفلسطينى عقب نهاية الحرب التى أطلقوا عليها «حرب حجارة السجيل» والتى كان لـ«مصر» دور مهم فيها – سياسيا – من خلال زيارة رئيس مجلس الوزراء المصرى الدكتور هشام قنديل للقطاع أثناء القصف فى سابقة لم تحدث من قبل.
الهدف من الزيارة كان لدعم معنويات أهلنا وإخواننا الفلسطينيين وتسليط الضوء على مجازر وانتهاكات العدو الصهيونى التى مارسوها فى قطاع غزة وعانى منها المدنيون هناك.
لا أريد الإطناب فى الحديث عن البيوت المهدمة والملاعب المستهدفة والأماكن المدنية التى تم الاعتداء عليها، لأن وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمشاهدة لا تكف عن نقل هذه المشاهد بالصوت والصورة ولم أتأثر - أنا شخصيا - بهذه المشاهد كما تأثرت بها حين رأيتها رؤى العين، وبالتالى مهما وصفت لحضراتكم فلن أكون بليغا للدرجة التى تحكى وتصف ما شعرت به وأنا أقف أمام أطلال المنازل المهدمة والملاعب المقصوفة بمدافع وطائرات وآلات حربية لا يملك الطرف الآخر شيئا منها ليكون هناك تكافؤ فى فرص الحياة والدفاع عن النفس.
لقد كتبتُ عن القضية الفلسطينية العديد من القصائد وعلى مدى أعوام طويلة، ولكن بعد زيارتى لـ«غزة» وما شاهدته هناك من صبر وصمود وعدم مبالاة بالتفوق العسكرى الصهيونى وإصرار هذا الشعب على الحياة والتعليم والبناء.. بعد ما سمعته من الشعراء الشبان الفلسطينيين من قصائد تمتلئ بالعشق «الحقيقى» للأرض والمعاناة «الحقيقية» من ضيق الحال والحصار وأصوات الطائرات المرعبة وعدم الأمان وانتظار الموت فى أية لحظة.. بعد كل ما شاهدته بعينى فى قطاع غزة شعرت أننى ما كتبتُ شعرا حتى الآن..وأن القضية بها ما يستحق قصائد أخرى غير التى كتبت، وأقوى من التى كتبت وأكثر عمقا لتحكى حالة الناس هناك.
من يزور غزة يشعر بأنه لم يخرج من مصر.. على أقصى تقدير سيشعر بأنه فى مدينة العريش.. أهل غزة يتحدثون كلامنا ويشاهدون قنواتنا ويشجعون فرقنا ويتعصبون للأهلى وللزمالك ويقولون نكاتنا بلهجتنا ويضحكون لما يضحكنا ويشعرون بكل ما يشعر به الشارع المصرى.
بالنسبة لى أنا شخصيا لقد كنت أعتقد أن أكثر بلد – غير مصر – لى فيها شعبية ويجب على التخفى أثناء السير فى الشارع هى «تونس» ولكنى اكتشفت أن أهل غزة يعرفون كل ما فى مصر بنجومها وشخصياتها العامة وشعرائها وفنانيها أكثر من أى بلد آخر.. ويتحدثون عن المشهد السياسى المصرى كأنهم يعيشون بيننا ويجلسون على مقاهينا.
شاهدت فى غزة ملعبا لكرة القدم تم قصفه وتدميره – ولا أعرف السبب – من قبل العدو الصهيونى الذى يدعى أنه يختار أهدافه بدقة.. لا أعرف ما الدقة فى تدمير ملعب يمارس فيه الصبية الرياضة.. الملفت فى الأمر أن بجوار هذا الملعب توجد مدرسة للتعليم الابتدائى طالها ما طالها من آثار القصف، وبرغم هذا تعمل المدرسة بكامل قوتها وينتظم الأطفال فى دراستهم وكأنهم يخرجون ألسنتهم إغاظة ونكاية للعدو الصهيونى «الغلبان» الذى ظن أن قصفه للمنشآت المدنية سيحول دون نمو هذا المجتمع ودون وجوده.
كنت أتخيل أن سفرى لأهل غزة سيدعمهم وسيكون إضافة لهم ولكنى فى الحقيقة اكتشفت أن المستفيد الحقيقى من هذه الزيارة هو أنا..
أشكركم يا أهل غزة أن علمتمونى وعلمتم كل من زاركم ووطأت قدمُه أرضَكم الأبية كيف هو الإباء والعزة والكرامة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق