تعالوا نحكى الحكاية من البداية... صلوا
على رسول الله...
كان فيه مبارك وكان يأتى بانتخابات مزورة
ومعه مجلس شعبه فى ظل خلطة معيبة من «قوة القانون وقانون القوة» لأنه كان يتحكم فى
من يصنع القانون (مجلس الشعب) ومن كان ينفذ القانون (الحكومة) ومن يبطش بمن يخالف القانون
(الشرطة).
فى 28 يناير 2011 انتصر «قانون القوة» على
خلطة مبارك الفاسدة. وأقصد بقانون القوة أن أعدادا مهولة من المصريين خرجت وصمدت من
28 يناير وحتى 12 فبراير، ولم يخرج فى مواجهتها أعداد أخرى مماثلة أو مقاربة من المصريين
تدعم وتؤيد مبارك (عكس ما حدث فى اليمن مثلا). طبعا ما كان من الممكن أن يتم تطبيق
قوة القانون بتحويل المتظاهرين إلى النيابة العامة بتهمة تعطيل المرور أو مخالفة قواعد
سلامة السير لأن أعدادهم الغفيرة أفقدت القانون منطقه لأن القانون الأصل فيه هو التعبير
عن إرادة الشعب كما تنص المادة الثالثة من دستور 1971 وهى أن السيادة للشعب وحده وهو
مصدر السلطات ويمارس الشعب هذه السيادة ويحمى الوحدة الوطنية على النحو الوارد فى هذا
الدستور. وبما أن الدستور لا توجد فيه كلمة ثورة ولا ينظم الفعل الثورى، فكل ما حدث
من 28 يناير حتى 12 فبراير هو فعل ضد الدستور وضد القانون، أى بعبارة أخرى انتصر قانون
القوة الشعبية على قوة القانون الدستورية (أى الممتدة من الدستور). وهو ما اصطلحنا
على تسميته بأن الشرعية الثورية انتصرت على الشرعية الدستورية التى كانت سائدة آنذاك.
طيب، زيدوا النبى صلاة...
فى 19 مارس كانت هناك بارقة أمل أن ننتقل
بسرعة من قانون القوة إلى قوة القانون بأن نحتفظ بدستور 1971 والذى كان يمكن أن يجعلنا
نتجنب ويلات كثيرة جدا وأن نفعل مثلما فعلت إندونيسيا والتى أبقت على دستور الاستقلال
بعد أن قامت بتعديل العطب فيه. ولكن نحن ناس ولاد حلال، فهمنا بطىء وطموحنا السياسى
يعمينا. ضيعنا على أنفسنا فرصة عظيمة بأن يكون دستور 1971 هو دستور المرحلة الانتقالية
لمدة سنة يتم خلالها انتخابات مجلس شعب ثم انتخابات رئاسة مع وعد بدا آنذاك منطقيا
بألا يرشح الإخوان رئيسا وألا يرشحوا إلا الثلث للبرلمان. واللجنة التى أعدت التعديلات
أعدت معها أربعة مشروعات قوانين: قانون مباشرة الحقوق السياسية، قانون لانتخابات مجلس
الشعب، قانون لانتخابات مجلس الشورى، قانون لانتخابات الرئاسة. وبما أننا قوم عباقرة،
فقد فزعنا وأفزعنا خلق الله ورفضنا أن ننتقل بهذه السرعة من قانون القوة إلى قوة القانون.
وهذه واحدة من اللحظات التاريخية النادرة التى لا أعرف لها مثيلا فى التاريخ حيث يكون
هناك مجلس عسكرى يعد فى إعلان دستورى (رقم 28 فى 27 مارس 2011) أنه سينقل السلطة للمدنيين
بعد إتمام الانتخابات الرئاسية قبل نهاية 2011، ويجد قوى تدعى أنها «مدنية» و«ديمقراطية»
تريده أن يظل فى السلطة فترة أطول خوفا من القوى الإسلامية تحت زعم أنه كلما تطول الفترة
الانتقالية سيزداد المدنيون قوة وسيزداد الإسلاميون ضعفا. نفسى أعرف كيف وصلوا بعقولهم
إلى هذا الاستنتاج رغما عن أنهم كانوا يشكون من أنهم يزدادون انقساما كل يوم.
المهم، كان فى تلك الفترة يتعرض المجلس
العسكرى لهجوم ظالم عليه بدعوى أنه تحالف مع الإخوان، مع أننى أشهد أنه فعل كل ما فى
جهده كى لا يفوز الإخوان بالانتخابات، وفصلت ذلك فى مقالات سابقة. ولكنه كان محاطا
بقوى مدنية إذا اجتمعت لا تنفع صديقا ولا تضر عدوا.
صلوا على النبى كمان مرة.
بعد أن مد المجلس العسكرى الفترة الانتقالية
مستخدما نفس الخلطة المباركية من قوة القانون (بحكم أنه سلطة الأمر الواقع) وقانون
القوة (بحكم أنه القابض على أدوات البطش فى الدولة)، سعدت بعض القوى المدنية والثورية
حتى تستعد للانتخابات، وبدلا من أن تستعد للانتخابات فعلا، عرفنا الاحتكاكات الكبرى
بين وحدات من البوليس والقوات المسلحة وعدد من المتظاهرين. لماذا؟
صلوا على النبى كمان مرة.
لأنهم قالوا إن الجيش مش هيترك السلطة،
والجيش جزء من الدولة العميقة وأنه يدافع عن الفساد ولأن الجيش جيش مبارك... لذلك يسقط
يسقط حكم العسكر.
يا مثبت العقل فى النفوخ يا رب! طيب ما
كانوا ماشيين! وانتخبوا أنتم من تريدون فى السلطة شريطة أن يكون من الثوريين حتى نتحول
بسرعة من قانون القوة الذى كان يستخدمه مبارك إلى قوة القانون ونعيش فى دولة القانون
فى تبات ونبات ونحاكم الصبيان والبنات.
المهم بأرواح زكية طاهرة ضحت من أجل الوطن
كان الأمل أن تؤدى الانتخابات إلى انتقال الثورة من الميدان إلى البرلمان ومن الميدان
إلى الديوان ولكن كانت المفاجأة. كل ما يعملوا انتخابات بقوة القانون يفوز الإخوان
(على اعتبار أنهم ليسوا من الثوار من وجهة نظر بعض الليبراليين). وبدلا من انتقال الثورة
من الميدان إلى البرلمان والديوان انتقل الإخوان إلى البرلمان والديوان.
ولكن مهم أن نتذكر أن الإخوان لم يصلوا
إلى البرلمان والديوان لأنهم الأغلبية ولكن لأن غيرهم يتنافسون ضد بعضهم البعض فيفوزون
هم. وتظل نفس القصة تتكرر حتى يوم الناس هذا. يجتمع الليبراليون فقط وهم ينددون ويستنكرون
ما يفعله الإخوان. وبعد التنديد وبعد أن يبرد الانفعال، يطالبون الشباب بالنزول للميدان.
وفى العديد من المرات ينزل البعض إلى الميادين ثم يتحول الأمر كله إلى عنف متبادل بين
من يدعون الدفاع عن قوة القانون (من الجيش والشرطة فى مرحلة سابقة، والشرطة الآن)،
وضد من يستخدمون قانون القوة (من بعض الشباب الذين يظنون أن القصاص للشهداء وتحقيق
مطالب الثورة يتطلب الخروج على قوة القانون بالطوب والمولوتوف).
المهم أن الإخوان لم يجتمع لهم الاثنان.
مع البرلمان لم يكن هناك الديوان، ومع الديوان لم يكن هناك البرلمان بسبب حل هذا الأخير
بقرار من المحكمة الدستورية العليا فى حكم صحيح فى قانونيته مسيس فى توقيته.
وبعد أن كان يرحب البعض بحل البرلمان اكتشفوا
أن ترحيبهم ذهب فى خبر كان لأن مرسى أعطى لنفسه سلطات البرلمان؛ فبعد تولى الرئيس السلطة،
استخدم خلطة من قوة القانون (المتمثلة فى شرعيته المستمدة من الانتخاب) وقانون القوة
(بدعم الثوريين والإخوان) ليجمع سلطات التشريع والتنفيذ والتأسيس فى يده.
وهنا دخلنا فى حسبة معقدة: الرئيس اتهمه
الثوريون بأنه مستبد لأنه يجمع كل السلطات فى يده، ولكنه أقسم أنه لن يستخدمها حتى
لا يخون الثورة. وبما أنه لم يستخدمها، اتهمه الثوريون بأنه ضعيف ومتردد وخان الثورة
وارتمى فى أحضان الدولة العميقة. وأصبح العنوان: الإخوان فى الأحضان.
يا رب ما تكونوا نمتم منى، زيدوا النبى
صلاة...
قرر الرئيس أن يتقمص دور عبدالناصر والسادات
بأن أعطى لنفسه (مدعيا أنها لفترة مؤقتة محكومة بتاريخ صدور الدستور وتشكيل مجلس نيابى
جديد) صلاحيات تحقق بعضا مما يريده أهل قوة القانون (الذين يريدون دستورا يضمن الاستقرار
ومعه مجلس نيابى يشرع ويراقب)، وبعضا مما يريده أهل قانون القوة (الذين يريدون القصاص
واجتثاث الفساد).
ولكن كما هو المعتاد، لا رضى هؤلاء ولا
رضى أولئك. ووقعنا فى مأزق هل نحن فى دولة قوة القانون أم فى دولة قانون القوة.
من يريدون قانون القوة (أى ثورة جديدة)
ضد مرسى نسوا أن مرسى غير مبارك (بعد؟) لثلاثة أسباب:
أولا، لو حاول البعض استخدام قانون القوة
معه، فهناك قوة مضادة ستقف معه. هناك من سيعارضه بالتظاهر ولكن يقينا هناك من سيؤيده
بالمسيرات.
ثانيا، مرسى فى أول فترة حكمه، ومع كل المشاكل
التى تعيشها مصر، كثيرون (وربما الأغلبية) يرون أنه غير مسئول عن التخلف الذى تعيشه
مصر حتى وإن كانت مصر بمشاكلها أكبر منه، ولكنها أكبر من أى من المرشحين الذين كانوا
ينافسونه أيضاً. لذا هم مستعدون لإعطائه فرصة على الأقل لحين استقرار مؤسسات الدولة.
وبالمناسبة مبارك كان فى أول 10 سنوات من حكمه له شعبية معقولة، ولم تكن مؤشرات الفساد
والاستبداد قد تمكنت منه بعد.
ثالثا، بعض (وقد يكون أغلب) من يطالبون
بقوة القانون الآن هم أنفسهم من كانوا يطالبون بقانون القوة فى مرحلة سابقة. لذا هم
لديهم مشكلة فى مصداقيتهم بل ربما هم انتهازيون من وجهة نظر كثيرين: يطالبون بحكم الشعب،
وحين يحكم الشعب، يتهمونه بالغفلة والتفاهة والجهل. طيب طالبتم بحكم الشعب ليه من الأصل؟
أم كانت غلطة؟
إذن المسألة ملخبطة، ولهذا صلوا على رسول
الله مرة أخرى.
عارفين حضراتكم أصل المشكلة إيه؟ هو أننا
لا نعرف متى تنتهى الثورة ومتى تبدأ الدولة؛ بعبارة أخرى متى يصفر الحكم ويقول خلاص
انتهى زمن أن الدولة تدار من الشارع وإنما تدار من البرلمان ومن الديوان اللذين فوضهما
الشارع لإدارة البلاد لفترة محددة.
أغلب الليبراليين لن يقبلوا برئيس إسلامى
(وغالبا لو أن الإسلاميين تركوا لهم حرية اختيار رئيس ليبرالى سيفشلون فى التوافق وسيعلنون
أن فشلهم بسبب مؤامرة إسلامية). وأغلب الإسلاميين لن يقبلوا برئيس ليبرالى (ولكن المفاجأة
أن الليبراليين لو تركوا لهم حرية اختيار رئيس إسلامى فسينجحون فى التوافق على رئيس
إسلامي).
إذن ما الحل؟
هناك رسالة قوية لا بد من إرسالها للرئيس
مرسى وهى أن تحصين قراراته ضد أحكام القانون هو خروج على تقاليد الدول الديمقراطية،
ولا مبرر له، ومع ذلك قد يُقبل فقط باعتبار قراراته قرارات استثنائية غير قابلة للتكرار،
وبهدف إنهاء المرحلة الانتقالية ولها مدى زمنى محدد وهو الشهور الخمسة القادمة (شهران
للتأسيسية، وثلاثة أشهر لانتخاب مجلسى البرلمان الجديد).
ويكون من الأفضل أن نعمل معا فى التأسيسية
من أجل دستور مقبول من الجميع بدون سلق وبدون حرق الدستور حتى لا تظل البلد بلا مؤسسات،
وكلما عملنا مؤسسة نرفع قضية لحلها. مع الأسف، لا أرى بديلا أفضل فى ضوء هذا الجنون
الجماعى، وحتى لا تتحول المسألة لحرب أهلية فعلية.
قبل ما أنسى: بلاش الناس تشتمنى النهارده
علشان الدكتور طلب منى أريح يومين من الشتيمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق