عبد الرازق أحمد الشاعر
كان توماس إديسون سريع المل لا يطيق مصاحبة
السفهاء أو مجالستهم، ولا يصبر على كلماتهم المعجونة بالبلادة وأحاديثهم الرتيبة. إلا
أن حظه العاثر جمعه بصحبة من هذا النوع ذات مساء، فظل الرجل يترقب أي فرصة تسنح ليتسلل
من أي باب خلفي. وما إن دنا من باب سعده حتى قرع سمعه نعل نديمه. توقف أديسون متوترا
أمام ضيفه الثقيل الذي بادره بسؤال مكرور: "ما هي آخر مشاريعك يا صديقي؟"
فرد أديسون بتلقائية شديدة: 'البحث عن مخرج يا صديقي."
لكن الباحثين اليوم عن مخارج من مآزقهم
الأخلاقية لا يملكون أية مشاريع يمكن أن يعول الشعب عليها. لأنهم يريدون النجاة بأثقالهم
فقط ويريدون أن يورطوا الشعب الذي لطالما تسنموا ظهره وسرقوا فجره وجردوه من أحلامه
الوجودية وحاجاته الأساسية في قضية هم فيها الخصم لا الظهير. يجتمع اليوم كافة الفارين
بجلودهم المبتلة في دار الندوة ليأخذوا من كل قبيلة فتي جلدا ليحرقوا البلاد بما فيها
ومن فيها حتى تتغطى البلاد بسحب فوضى داكنة تواري سوءاتهم وتستر نواياهم القبيحة وتذاكر
سفرهم وحقائبهم المنتفخة.
لكن هؤلاء الحمقى لا يمتلكون صراحة أديسون
ولا تلقائيته لأنهم ببساطة متورطون حتى النخاع في قضايا فساد لم يسبقهم إليها مبتكر
ولم يصل إليها باحث. تحشد الفئران الضالة أنصار الرعب في سلة واحدة لكي يفضحوا بؤسهم
وتخبطهم بعد أن أوشكت أخشاب السفينة المتآكلة على الغرق. لم يعتقد هذا الحشد الهائل
من الجرذان الراجفة أن يوم القصاص العادل آت، وأن الله يمهل الظالم حتى يظن أنه نساه،
حتى تفجعه الفواجع ويأتيه الموت من كل مكان ومن حيث لا يحتسب.
أيها الطيبون الذين تضعون حلقات آذانكم
الضيقة أمام مكبرات أصواتهم وتلصقون محاجركم بصورهم الباهتة ليل نهار، أمعنوا النظر
في وجوههم المنتفخة اليوم واقرأوا بأم أعينكم ما يلوح في وجوههم المرتبكة من هلع. تصفحوا
تلك الوجوه المكتنزة بشحم المرق الذي سرقوه من أيادي أطفالكم وأنتم نائمون. إنهم سارقوا
الدجاج أيها الفلاحون البسطاء، فكيف بالله تأمنونهم على قنانكم ولم يرعوا فيكم يوما
إلا ولا ذمة. انظروا إليهم اليوم قبل أن يؤدم بينكم، فبين موجة وغاربة، ستختفي تلك
الوجوه الناعمة من جداول وجباتكم الليلية لتلتحق الأذناب بأجسادها ويعرف الثوار لمن
عقبى الدار.
لو أن بين الحشد رأسا واحدا عرفنا صلاحها
لالتبس علينا الأمر، لكنهم - جعل الله تدبيرهم تدميرهم - أرادوا أن لا يدعوا في قلوب
المشاهدين أدنى ريبة بأنهم المتورطون والجناة، وأن الدماء التي تلطخ ياقاتهم البيضاء
ليست مفتراة. كأني والله أرى دماء الشهداء تنز من بين أسنانهم البيضاء، وأكاد أري في
أعينهم الرعب مما عرفوا من الحق.
لا تراهنوا اليوم على غبائنا أيها المتنطعون
سارقوا الفرح. لا يغرنكم ما مضى من انبهار وما فات من اتباع، لأننا نعلم جيدا أنكم
لا تستطيعون بأسنانكم المحشوة المتآكله أن تمتحنوا ذهب الأحداث من نحاسها. لن نثق بحروفكم
المعجونة بماء المصالح، ولا بوجوهكم التي لطالما استمرأت بؤسنا. اليوم تبحثون عن مخرج
قريب، لكنكم لستم عباقرة كأديسون، لأنكم لم تراهنوا يوما علينا، بل راهنتم على استوديوهاتكم
المكيفة وتحليلاتكم الطنانة وراهنتم على غبائنا. لن نسألكم اليوم عن مشاريعكم التنموية،
ولا عن خططكم لإنقاذ البلاد من الفوضى لأننا نعلم اليوم يقينا أنكم لا تخططون سوى للبحث
عن أقرب طوق يقي أجسادكم المكتنزة من الغرق، وندرك جيدا أنكم سر الفوضى. يقول سين ستيوارت:
"أحيانا يكون المخرج الآمن هو أقصى ما يمكن أن يطلبه المرء."
أديب مصري مقيم بالإمارات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق