من أخطر النتائج التى أسفر عنها الإعلان
المثير للجدل أنه قسم المجتمع إلى فسطاطين، توجه أحدهما إلى «الاتحادية» للتعبير عن
تأييده غير المشروط للإعلان، والآخر إلى «ميدان التحرير» للتعبير عن رفضه القاطع له
والمطالبة بإسقاطه. ولأننى أعتبر نفسى واحدا من الداعين لإقامة نظام ديمقراطى يتسع
للجميع، بما فيه تيار الإسلام السياسى، فقد كان من الطبيعى أن أتوجه مع المتوجهين إلى
ميدان التحرير للتعبير عن رفضهم الاستبداد. وقد أحسست بسعادة شخصية حين وجدت أن الوجوه
التى قابلتها فى الميدان والتفت حولى، متسائلة وقلقة مما يجرى، كانت كلها وجوهاً تشبه
تلك التى التقيت بها فى ذات الميدان إبان ثورة يناير الكبرى.
غير أن تفاعلات المشهد السياسى الراهن كشفت
بوضوح عن أن ما يجرى فى الأعماق يبدو أكثر تعقيدا بكثير مما تفصح عنه صورة الاستقطاب
الظاهرة فوق السطح. فبينما أكد صدور «الإعلان» بهذه الطريقة أن جماعة الإخوان تحاول
التخفى تحت شعار «حماية الثورة» لإحكام الهيمنة على مفاصل الدولة والمجتمع، بالتحالف
مع بقية فصائل تيار الإسلام السياسى، يبدو واضحا أن فلول النظام القديم قررت استغلال
الظرف الراهن وراحت تتخفى وراء شعار «إسقاط حكم المرشد» لإعادة غسل سمعتها وتأهيل نفسها
للاندماج فى الحركة الوطنية كخطوة تراها ضرورية لإنجاح مساعيها الرامية لاستعادة سلطتها
المفقودة فى الوقت المناسب.
كان مثيرا للتأمل حقا أن نرى نقيب المحامين،
سامح عاشور، يتصدر اجتماع القوى الوطنية فى مقر حزب الوفد ويقرأ بنفسه البيان الذى
صدر عن هذا الاجتماع للتنديد بالإعلان الرئاسى والمطالبة بإسقاطه، ثم نراه فى اليوم
التالى وهو يشارك فى اجتماع نادى القضاة ويتوسط رمزين كبيرين من رموز النظام السابق:
المستشار الزند والمستشار عبدالمجيد محمود.
ولم يكن هناك أقوى من ذلك دليلا على مدى
ما ينطوى عليه المشهد الراهن من خلط شديد فى الأوراق. فإذا أضفنا إلى تلك الصورة ما
شهدته البلاد خلال الأيام القليلة الماضية من أحداث عنف متبادل، راحت تتصاعد فى مختلف
المدن وأدت إلى اندلاع حرائق فى بعض مقار حزب الحرية والعدالة والاعتداء بالضرب المبرح،
لأصبح من السهل علينا أن نتبين أن مصر بدأت تدخل منطقة الخطر، وأن تصرفات القوى السياسية،
الحاكمة منها والمعارضة، تدفع بالبلاد، بوعى أو دون وعى، نحو كارثة محققة.
حين عبّرت فى مقال الأحد الماضى عن دهشتى
من وجود البرادعى والزند فى خندق سياسى واحد هذه الأيام تصور البعض أننى أهاجم البرادعى،
والحقيقة أننى لم أقصد ذلك على الإطلاق. ما قصدته من هذه الإشارة هو التنبيه فقط إلى
ضرورة وأهمية الحرص على عدم خلط الأوراق. فالخلاف القائم الآن بين قوى الثورة وجماعة
الإخوان، الذى وصل بعد الإعلان الرئاسى الأخير إلى حد التناقض، لا ينبغى أن يكون مطية
تسمح للمنافقين باعتلاء ظهر الثورة. فهذا الخلط فى الأوراق يسىء إلى الثورة ويصب لصالح
فلول النظام السابق فى محاولاته الدؤوبة لاستعادة سلطته المفقودة، ويتيح للجماعة سلاحا
سهلا تستطيع استخدامه للادعاء بأنها أصبحت القوة الوحيدة المدافعة عن الثورة فى مواجهة
الفلول والمتحالفين معهم!!
فى مصر الآن ثلاث قوى سياسية يتعين رسم
خطوط فاصلة بينها: فهناك القوى التى شاركت فى صنع الثورة وتسعى مخلصة لإقامة نظام ديمقراطى
حقيقى يقوم على مبدأ المواطنة، وهناك جماعة الإخوان، ومعها بقية فصائل تيار الإسلام
السياسى، التى تسعى للاستيلاء على الثورة وإقامة نظام سياسى واجتماعى وفقا لرؤيتها
الخاصة، وهناك فلول نظام سابق يسعى لاستعادة السلطة التى فقدها بعد الإطاحة به. وفى
تقديرى أن التناقض الرئيسى مازال حتى الآن بين قوى الثورة وفلول النظام الذى ثارت عليه.
أما التناقض مع تيار الإسلام السياسى بمختلف فصائله، خاصة مع جماعة الإخوان، فمازال
يعد تناقضا ثانويا رغم انقلابه على الثورة أو حتى خيانته لها
نقلاعن المصرى اليوم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق