عمر نجيب
اختلفت إلى حد كبير التحليلات والتقديرات
بشأن الهجوم الإسرائيلي المركز الذي بدأ يوم الأربعاء 14 نوفمبر 2012 على قطاع غزة
تحت تسمية عملية "عمود السحاب" والذي سبقته منذ يوم الخميس 8 نوفمبر مواجهات
متقطعة بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال.
الهجوم الإسرائيلي الذي بدأ بإستخدام سلاح
الجو أساسا، وولد الرد الفلسطيني المكثف من غزة وأساسا من جانب كتائب القسام بعد تمكن
طائرة إسرائيلية من إغتيال القائد احمد الجعبري بعد ظهر يوم الاربعاء 14 نوفمبر، جاء
ليفتح الباب أمام الكثير من الاحتمالات على تطور الوضع في المنطقة خاصة بعد أن استدعت
تل أبيب أكثر من 75 الف جندي من قوات الاحتياط.
العملية العسكرية الإسرائيلية الجديدة التي
لوحت حكومة نتنياهو بأنها قد تفوق في حجمها "عملية الرصاص المصبوب" التي
جرت ما بين ديسمبر 2007 ويناير 2008، احاطتها سلسلة من الاحداث التي لا يمكن إنكار
ترابطها.
المناورات العسكرية الإسرائيلية الأمريكية
يوم الثلاثاء 13 نوفمبر أعلن في كل من واشنطن
والقدس المحتلة عن انهاء اسرائيل والولايات المتحدة مناورات عسكرية مشتركة اعتبرت
"أكثر المناورات أهمية" من هذا النوع في تاريخ الطرفين، حسب ما أعلن الجيش
الإسرائيلي في بيان.
وجاء في البيان "يوم الثلاثاء، أنهت
القيادة الأمريكية في اوروبا والجيش الإسرائيلي بنجاح مناورات "التحدي القاسي
2012" التي تناولت تدريبات دفاعية جوية على مستوى كبير".
وشارك في هذه المناورات التي بدأت نهاية
أكتوبر، حوالي 3500 عسكري أمريكي من القيادة في اوروبا والف جندي إسرائيلي.
واختبر الجنود الاسرائيليون والامريكيون
بطاريات "القبة الحديدية" المضادة للصواريخ وهي اخر نسخة لصاروخ باتريوت
الامريكي بالاضافة الى صاروخ اسرائيلي مضاد للصواريخ من طراز ارو 2 "حتز بالعبرية"
وهو من صنع أمريكي اسرائيلي مشترك.
لتأكيد الترابط، أفاد تقرير لصحيفة
"نيويورك ديلي نيوز" الأمريكية يوم السبت 17 نوفمبر، أن السفير الإسرائيلي
في الولايات المتحدة ميشيل اورين ذكر يوم الجمعة لوسائل إعلام أمريكية إن "الولايات
المتحدة أعطتنا الدعم الكامل لاتخاذ كل الإجراءات الضرورية لحماية مواطنينا من إرهاب
حماس وأعطت اسرائيل الضوء الأخضر لشن عمليتها الحالية على قطاع غزة".
ووفقا للتقرير فإن اورين أشار إلى أن تل
ابيب حصلت على "دعم واضح لا لبس فيه من الولايات المتحدة"، مشيرا إلى أن
هذا الدعم مصدره البيت الأبيض والكونغرس الذي حصلت فيه إسرائيل على موافقة كل الأطراف.
من جانبه قام الجنرال عمير ايشل، قائد سلاح
الجو الإسرائيلي، بزيارة واشنطن في وقت سابق بأقل بأسبوع من بداية الأزمة في غزة والتقى
كبار المسئولين الأمريكيين.
الهجوم على مصنع اليرموك
في الوقت الذي كانت تجري فيه المناورات
الأمريكية الإسرائيلية، علم من العاصمة السودانية أن طائرات حربية إسرائيلية هاجمت
مصنع اليرموك للاسلحة الواقع قرب الخرطوم خلال الثلث الأخير من شهر أكتوبر وخلفت فيه
خسائر كبيرة.
في عددها ليوم الاثنين 29 أكتوبر افادت
صحيفة "معاريف" الاسرائيلية نقلاً عن صحيفة "صاندي تايمز" اللندنية،
ان 8 طائرات حربية اسرائيلية شاركت في عملية قصف مصنع الاسلحة السوداني.
واوضحت الصحيفة اللندنية ان التخطيط لهذه
العملية بدأ في اعقاب الاستيلاء على وثائق تتعلق بهذا المصنع تم العثور عليها داخل
الحقيبة الشخصية للقيادي في حركة "حماس" محمود المبحوح الذي إغتيل في احدى
فنادق دبي قبل حوالي سنتين من طرف "الموساد" وكان يعتبر العقل المدبر لعمليات
تزويد حركة "حماس" بالأسلحة، حسب الصحيفة.
ووفقاً لمعلومات قامت المخابرات الاسرائيلية
بجمعها لاحقا فقد بدأ مصنع اليرموك منذ سنة 2008 بإنتاج صواريخ من طراز شهاب وقذائف
صاروخية أخرى.
وأضافت الصحيفة ان الطيارين الاسرائيليين
تدربوا لعدة اسابيع على نماذج شبيهة بمصنع الاسلحة كما قاموا بطلعات بعيدة المدى من
اجل تطبيق عملية الطيران البعيدة المدى لمسافة 1900 كلم في كل الاتجاهات.
مصادر رصد أوروبية أفادت أن الأجهزة العسكرية
والاستخباراتية الأمريكية ساندت بكل إمكانياتها العملية الإسرائيلية، ووجهت الطائرات
الإسرائيلية إلى أهدافها بواسطة الأقمار الصناعية وتحت رعاية رادارات القوات الأمريكية
سواء الموجودة على سفن الأسطول الأمريكي في البحر الأحمر أو في القاعدة الفرنسية في
جيبوتي.
وحسب تقرير "صاندي تايمز" فقد
اقلعت 8 طائرات حربية من طراز "إ ف 15" من قاعدة جوية في جنوب إسرائيل، حيث
حملت كل طائرة من 4 منها قذيفتان تزن كل واحدة منها حوالي طن، في حين قامت الطائرات
الأربع الأخرى بعملية المرافقة الجوية لحمايتها.
وأضافت الصحيفة ان طائرتين مروحيتين من
طراز "يسعور" أقلعت قبل ذلك بساعات بحيث حملت كل واحدة منها 10 من افراد
الكوماندوز الاسرائيلي لإستخدامهم في عملية نشل الطيارين في حال سقوط إحدى الطائرات
المشاركة في الهجوم.
ونقلت الصحيفة البريطانية عن مصدر عسكري
اسرائيلي قوله انه بعد 90 دقيقة من إقلاع المقاتلات الاسرائيلية بإتجاه السودان، تم
تزويدها بالوقود جواً من قبل طائرة بوينغ "707"، في حين قامت طائرات إستخبارية
من طراز "غولف ستريم" بعملية التشويش على شبكة الدفاع الجوية السودانية وعلى
شبكة الاتصالات في مطار الخرطوم.
يوم 29 أكتوبر نقلت وكالة "يو بي اي"
الدولية للأخبار جزء من تقرير إسرائيلي للمحلل العسكري في موقع "يديعوت أحرونوت"،
رون بن يشاي جاء فيه أن قصف مصنع "اليرموك" استهدف شحنات أسلحة متطورة كانت
سترسل إلى قطاع غزة وليس مصنع الأسلحة نفسه. وأضاف أن الشحنة شملت صواريخ من طراز
"فجر" وربما صواريخ أكثر تطورا يزيد مداها عن 70 كيلومترا جاءت من الترسانة
الليبية، وصواريخ مضادة للطائرات وربما صواريخ أرض بحر "التي قد تشكل خطرا على
أعمال التنقيب الإسرائيلية عن الغاز والنفط مقابل شواطئ جنوب إسرائيل" وعلى البوارج
البحرية الإسرائيلية التي تشدد الحصار على غزة.
حملات متجددة
الهجوم الإسرائيلي على مصنع اليرموك كان
امتدادا لعمليات صهيونية سابقة على الأراضي السودانية. فيوم الأربعاء 6 أبريل 2011
اتهم وزير الخارجية السوداني علي كرتي إسرائيل بالوقوف وراء هجوم بصاروخ أطلقته طائرة
جاءت من البحر الأحمر مما أدى إلى مقتل شخصين كانا في سيارة قرب مدينة بور سودان المطلة
على البحر الاحمر. وكانت اسرائيل قد شنت هجوما في شمال المنطقة نفسها في يناير
2009 بدعوى منع وصول قافلة إمدادات سلاح إلى الفلسطينيين، وهي ضربة ذكرت بعض الأنباء
أنه قتل خلالها ما مجموعه 119 شخصا قرب الحدود السودانية مع مصر.
الصحف الاسرائيلية الرئيسية كلها أبرزت
في حينها نبأ الهجوم في اعدادها ومواقعها على الانترنت. وعنونت صحيفة "يديعوت
احرونوت" الاوسع انتشارا "الجيش الاسرائيلي شن هجوما جديدا في السودان".
يوم 7 أبريل 2011 ذكر نائب عن حماس ان الغارة
الجوية التي شنت في مدينة بور سودان استهدفت قياديا في الذراع العسكري للحركة لكنه
نجا منها.
وأكد النائب اسماعيل الأشقر ان ابن شقيقه
عبد اللطيف الأشقر القيادي في كتائب القسام "كان المستهدف الرئيس من الغارة الاسرائيلية
في السودان". واضاف النائب ان عبد اللطيف الاشقر "تعرض لعدة محاولات اغتيال
سابقة، وأن الاحتلال يطارده منذ سنوات طويلة".
تكتيكات مختلفة
في عملية "عمود السحاب" الصهيونية
لشهر نوفمبر 2012 يسجل، أن هناك توجهات أو تكتيكات مختلفة سواء في دوائر اتخاذ القرار
بواشنطن أو تل أبيب فيما يخص مدى الهجوم زمنيا وجغرافيا وصولا إلى أهداف محددة.
اعتبر محللون فلسطينيون ان اسرائيل تريد
من حربها على قطاع غزة ضمان عدم عبور الأسلحة من سيناء إلى القطاع، إضافة إلى جس نبض
الأنظمة العربية الجديدة.
وقال المحلل والكاتب السياسي عبد المجيد
سويلم ان "منطقة سيناء مهمة لإسرائيل، وهي تريد التأكد من بقاء الوضع الأمني فيها
محكما، فكأنها تقول للعرب: غيروا ما شئتم من أنظمة لكن العلاقة الأمنية القائمة بيننا
وبين مصر على أساس اتفاقية كامب ديفيد يجب أن تبقى على ما هي".
واضاف سويلم "هذا الأمر لا يقلل من
اهداف اخرى لهذه الحرب المتواصلة على غزة، والتي منها ارباك الساحة الفلسطينية قبل
التوجه الى الامم المتحدة لطلب صفة دولة غير عضو، لكنهم يريدون تأكيدا من النظام المصري
الجديد الا تمر الاسلحة الى غزة من سيناء".
واشار سويلم الى ان "اسرائيل تريد
ايضا من حربها على غزة ترسيم علاقة امنية جديدة مع مصر.
وتدخلت مصر مرارا ابان نظام الرئيس مبارك
كلما ارتفعت وتيرة التصعيد العسكري بين حركة حماس واسرائيل عبر المدير السابق للمخابرات
العامة المصرية عمر سليمان في مسعى لتهدئة الوضع.
كذلك، ادت القاهرة دورا كبيرا في انجاز
اتفاقية التبادل التي ابرمتها حركة حماس مع اسرائيل اواخر عام 2011، وافضت الى اطلاق
سراح الجندي الاسرائيلي جلعاد شاليط الذي كان أسيرا في قطاع غزة منذ منتصف 2006 لقاء
إطلاق سراح أكثر من الف أسير فلسطيني.
والمعروف أن القائد العسكري لكتائب القسام
احمد الجعبري الذي اغتالته اسرائيل، سلم بنفسه الجندي الإسرائيلي للجانب المصري.
كما نجحت المخابرات المصرية في انهاء اضراب
عن الطعام اعلنه معتقلون فلسطينيون في السجون الاسرائيلية في ابريل 2012، في مقابل
الافراج عن بعض المضربين الموضوعين في الاعتقال الاداري، ومنهم ثائر حلاحله.
لكن اسرائيل عاودت اعتقال حلاحله ومثله
تسعة كانت شملتهم صفقة التبادل مع شاليط، بحسب ما قال نادي الأسير الفلسطيني.
من جهته قال باسم الزبيدي استاذ العلوم
السياسية في جامعة بيرزيت ان تبديل شكل العلاقة الامنية بين اسرائيل ومصر "هو
بالفعل احد اهداف هذه الحرب، لكنه هدف جزئي".
وتدارك ان "الهدف الرئيسي لهذه الحرب
هو ان اسرائيل تريد جس نبض الحالة العربية، وعما اذا كانت التغييرات التي حدثت في هذه
الانظمة عميقة".
وقال الزبيدي "في تقديري ان الموقف
المصري في ظل النظام الحالي تقاطع جدا مع النظام السابق، ولم يتم التصرف من قبل مصر
في شكل يختلف كثيرا عن موقف النظام المصري السابق".
وتوافق الزبيدي مع سويلم على ان من الاهداف
الاخرى للهجوم الاسرائيلي "التشويش على توجه القيادة الفلسطينية الى الامم المتحدة
في التاسع والعشرين من شهر نوفمبر للتصويت على صفة دولة غير كاملة العضوية".
واضاف "اليوم وفي ظل الحرب الدائرة
في غزة، لا احد يتحدث عن توجه الرئيس الفلسطيني محمود عباس الى الامم المتحدة، وقد
نجحت اسرائيل في تحويل المعادلة الدبلوماسية الى معادلة عسكرية في النزاع الفلسطيني
الاسرائيلي".
سيناء.. ومخاوف في واشنطن
مصادر رصد روسية أشارت من جانبها إلى أن
أحد أهداف الهجوم الإسرائيلي التدرب على شن هجوم على شبه جزيرة سيناء المصرية وإحتلالها،
وذلك في نطاق مشروع أوسع وضعته الإدارة الأمريكية يستهدف الإستفادة من التفوق العسكري
الإسرائيلي لتصفية القوى العسكرية المصرية التي لم ينجح مخطط الشرق الأوسط الجديد في
تدميرها عبر الفوضى الداخلية التي رافقت حركة التحول في عدد من دول المنطقة مثل ليبيا
سابقا وسوريا حاليا.
إذا كانت لتل أبيب وواشنطن مخططات ذات أبعاد
كبيرة فإن لديهما في نفس الوقت ومن جانب معارضي التطرف أو من ينعتون بالصقور في الإدارتين
المتحالفتين، محاذير لمنع خروج المواجهة عن حدود معينة.
قالت صحيفة "نيويورك تايمز" الامريكية
بتاريخ 16 نوفمبر في مقال لمراسلتها هيلين كوبر ان القلق ينتاب ادارة اوباما بسبب تصاعد
اعمال العنف في غزة، وانها ترى أن أي هجوم بري تقوم به اسرائيل قد يؤدي الى تزايد الضحايا
بين المدنيين، وانه قد يصب في مصلحة حركة "حماس" ويوقع مزيدا من الاضرار
بمكانة اسرائيل في المنطقة في وقت يتسم بالهيجان.
وأضافت "على الرغم من ان الرئيس اوباما
تحدث على الفور وأكد بشكل قاطع علني ان لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها في مواجهة
الهجمات الصاروخية التي تنطلق من غزة، فان المسئولين في الادارة الامريكية عمدوا إلى
حث المسئولين الاسرائيليين بصورة شخصية على عدم توسيع اطار الصراع، باعتبار انها خطوة
يرى كثير من الامريكيين انها قد تصب في مصلحة "حماس".
وما يخشاه هؤلاء المسئولون الامريكيون هو
ان التصاعد المستمر قد يضر بعلاقات اسرائيل مع مصر والاردن، وهي علاقات منهكة بالفعل،
في وقت تخضع فيه الحكومتان إلى ضغوط من مواطنيهما.
وقد اتصل اوباما هاتفيا برئيس الوزراء الاسرائيلي
بنيامين نتنياهو يوم الجمعة 16 نوفمبر للمرة الثانية خلال اسبوع كما اتصل بالرئيس المصري،
وواصل المسئولون في البيت الابيض والبنتاغون والخارجية الامريكية الاتصالات الهاتفية
مع نظرائهم منذ ذلك الوقت.
مسئول أمريكي قال ان حربا ارضية "قد
تعني أنه لم يعد هناك أي من الخيارات الوسط للتسوية".
وحسب قول خبراء فان العواقب قد تكون قاسية
بالنسبة الى اسرائيل. وقال ديفيد ماكوفسكي من معهد واشنطن لسياسة الشرق الادنى انها
"مسألة تتعلق بالريع المتناقص، وتصاعد فرص الحوادث". واشار الى حرب اسرائيل
وحزب الله في لبنان في العام 2006 وعمليات القصف الجوي الاسرائيلية على غزة في العام
2008 باعتبار انها امثلة على ما عانت منه اسرائيل كثيرا من حيث الرأي الدولي بعد استمرار
القتال مع جيرانها من الدول العربية التي بثت صورا تلفزيونية للخسائر العربية في الارواح.
وقال ماكوفسكي: "لدي قناعة بان الدرس
الناتج عن 34 يوما في العام 2006 اضافة الى احداث العام 2008 التي استمرت لاربعة اسابيع
هو ان إسرائيل تحصل على نتائج أفضل في حملات قصيرة الأمد من الحملات الطويلة".
المخاوف من عملية برية
نشرت صحيفة "يديعوت احرونوت"
الاسرائيلية يوم السبت 17 نوفمبر على موقعها الاخباري مقالاً لكبير معلقيها ناحوم بارنياع
تحت عنوان "مقتل جنود في هجوم بري عشية الانتخابات سيكون كارثيا لنتنياهو"
قال فيه:
"من ناحية سياسية، تعتبر أي مناورة
عسكرية دائما مجازفة. وما يبدو في بادىء الأمر كخطوة مجيدة قد يتبين لاحقاً أنه كارثة
انتخابية. وهذا هو السبب في أن معظم الساسة يكرهون شن حملة عسكرية عشية الانتخابات.
ويعني الشروع بعملية عسكرية التخلي عن السيطرة. ويصبح مصير المرشح في أيدي آخرين غلطة
طيار، صاروخ يسقط على مركز رعاية أطفال، وعدم اتباع مدنيين ارشادات السلامة.
لقد استقبلت عملية "عمود الدفاع أو
السحاب" بتأييد شعبي اجماعي تقريباً، ولكن ليس لدى نتياهو ضمان بان هذا الموقف
سيستمر. ان نحو 80 في المائة من الاسرائيليين ايدوا حرب لبنان الثانية عندما بدأت.
لكن معظم ذلك التأييد زال بحلول انتهاء الحرب.
الأجندة تتغير: القضايا الاجتماعية تزاح
جانبا ويحل محلها الأمن. ايران تزاح جانبا، ويعود الفلسطينيون إلى الواجهة. وهذا أمر
سيء لحزب العمل بقيادة شيلي يلتشيوموفيتش، وهو سيء بالنسبة إلى يائير لابيد. وان وضعا
أمنيا غير مستقر هو أمر جيد بالنسبة إلى اليمين عندما يكون اليمين في المعارضة. فعندئذ
يستطيع هؤلاء إلقاء خطب نارية من دون أن يضطروا إلى تحمل أي مسؤولية.
عندما يكون اليمين جزءا من ائتلاف يصبح
الموقف اكثر تعقيدا. ويستطيع المرء ان يفحص الفوارق بين البيانات المتعالية والافعال
نفسها. ويمكن مهاجمته من اليمين على ما اخفق في انجازه، او من اليسار على عدم وجود
مظلة دولية. لقد هزم رابين منافسه شامير في 1992 بعد ان نجح في تقديم نفسه كشخص أمني
التوجه أكثر من "ليكود". والناخبون يكرهون رؤية عناوين عن الخسائر في الأرواح،
خصوصاً من الجنود. وفي هذا السياق، لا يوجد فارق كبير بين المعسكرين: فقد انتهت حياة
مناحيم بيغن السياسية في 1984 بسبب الخسائر الكبيرة في لبنان. وتوقفت حياة اولمرت السياسية
في 2006 للسبب نفسه.
قبل شهر فقط حمل نتنياهو على اولمرت لانه
شن حربين غير ضروريتين بينما شدد على انه هو لم يشن أي حرب خلال الفترتين اللتين كان
فيهما رئيساً للوزراء. ولكن نتنياهو لم يأخذ الديناميكيات في الجنوب في الحسبان. وهو
لم ينجر إلى هذه الحرب، ولكن الحرب استدرجته. وسيبذل نتنياهو كل جهد لتجنب هجوم بري.
فالجنود يقتلون خلال هجوم بري، وهذا أمر سيء. وعشية إجراء انتخابات يكون هذا كارثيا.
على نحو ما تتطابق العملية في غزة مع طلب
الفلسطينيين قبولهم كدولة غير عضو في الأمم المتحدة. وستجهد الحكومة الإسرائيلية في
القتال على جبهتين في آن معاً: تجنيد العالم ضد الرئيس محمود عباس بسبب طلبه للامم
المتحدة وتجنيد العالم ضد منافسيه في غزة. واما الجبهة الثالثة ايران فتقترب من الخلف.
والحكومة الاسرائيلية تطلب الشيء الكثير من العالم، لكنها لا تعرض شيئاً في المقابل.
في غضون ذلك، يتصل رئيس الوزراء الفلسطيني
سلام فياض باصدقائه في واشنطن ويطلب منهم سلَماً لينزل به عن الشجرة: انه يعلم ان الكونغرس
يخطط للرد على التصويت في الامم المتحدة على الطلب الفلسطيني بوقف تحويل كل اموال المساعدات
إلى السلطة الفلسطينية وسحب التمويل الأمريكي للأمم المتحدة. وإذا حصل هذا، فان السلطة
الفلسطينية ستنهار.
وقد لمح مسئولو السلطة الفلسطينية بهدوء
لاسرائيل انهم عندما يعترف بهم في الامم المتحدة كدولة لن يمارسوا حقهم في مقاضاة اسرائيل
في محكمة الجرائم الدولية في لاهاي. وامكانية مقاضاة اسرائيل تقلقها اكثر من الاعتراف
بالسطة الفلسطينية كدولة. ومن المشكوك فيه أن تسفر اللفتات الفلسطينية عن أي نتائج،
وسيوقف الكونغرس، في اي حال، تحويل الأموال".
ميزان القوى
في تقرير عسكري بثت أجزاء منه هيئة الإذاعة
البريطانية للمقارنة بين القوى المتصارعة في مواجهة نوفمبر 2012 قالت:
تستطيع الطائرات والزوارق الحربية الإسرائيلية
الوصول إلى أهداف في قطاع غزة في أي وقت تشاء، واذا حدث توغل بري إسرائيلي في القطاع،
وهو شيء يود الطرفان تجنبه على الأغلب، ستكون الكفة مائلة بقوة إلى الجانب الإسرائيلي.
النزاع سلط الضوء على حقيقة أخرى، وهي المخاطر
التي تشكلها الصواريخ الفلسطينية على الإسرائيليين الذين يسكنون في الجنوب.
قد لا تكون الصواريخ الفلسطينية دقيقة أو
معقدة، لكنها مصدر خطر حقيقي، كما هو واضح من إصابتها مبنى في كريات ملاخي يوم الخميس
15 نوفمبر مما أدى إلى مقتل ثلاثة من سكانه.
تقع مجموعة من المدن والبلدات الإسرائيلية
في الجنوب في مجال الصواريخ الفلسطينية، وهو ما حاولت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة
التعامل معه.
الترسانة الصاروخية الفلسطينية كبيرة، وهي
تتحسن مع الوقت، وتصنع صواريخ "القسام" القصيرة المدى في مصانع وورش صناعية
في قطاع غزة، ويبلغ مدى هذه الصواريخ أكثر من 10 كيلومترات.
أما صورايخ "غراد" التي يعتقد
الكثيرون أن مصدرها ليبيا أو إيران فمداها ابعد قليلا، ويصل الى 20 كيلومترا.
وقد أطلق أيضا صاروخ من تصميم صيني ضد أهداف
إسرائيلية، يصل مداه إلى 40 كيلومترا.
أما أخطر الصواريخ في الترسانة الفلسطينية
فهو صاروخ فجر5، الذي يستطيع الوصول الى تل أبيب.
كانت مخازن تلك الصواريخ ضمن الأهداف التي
قصفتها الطائرات الإسرائيلية في بداية الهجوم، وأفادت التقارير العسكرية الإسرائيلية
أن الغارات نجحت في تدميرها، ولكن تقارير أخرى وردت لاحقا تحدثت عن إطلاق صاروخ فجر5
واحد على الأقل.
وسقط الصاروخ في وقت اجتمعت لجنة الخارجية
والأمن البرلمانية الإسرائيلية لتستمع إلى آخر المستجدات في العملية العسكرية التي
تشنها إسرائيل على القطاع، كما تزامن مع توجه آلاف جنود الاحتياط الإسرائيليين إلى
الجنوب بعد استدعائهم ليكونوا على أهبة الاستعداد لتوغل بري، في حال أقره المستوى السياسي.
لكن معلقين بارزين في الشؤون العسكرية استبعدوا
اتخاذ قرار كهذا في الوقت الراهن لأسباب كثيرة، منها حذَر إسرائيل من تصعيد التوتر
في علاقاتها مع مصر، وفقدان ما يسمى بالشرعية الدولية أو بالأحرى الشرعية الغربية التي
تحظى بها العملية العسكرية ضد قطاع غزة حتى الآن، والادعاء بأن العملية حققت معظم أهدافها،
خصوصا لجهة الردع، ومخاوف إسرائيلية من عدم السيطرة على "ارتفاع لهب النار"،
خصوصا في حال أوقع صاروخ عددا كبيرا من الضحايا في أحد الجانبين، أو قتل جنود إسرائيليون
في الحرب البرية، فينقلب التأييد الشعبي الحالي إلى غضب عارم على الحكومة قد يكلف نتنياهو
كرسي رئاسة الحكومة.
واعتبر المعلق العسكري في "هآرتس"
عاموس هارئيل قصف تل أبيب "إخلالا من جانب الفلسطينيين بمعادلة التهديدات، وعليه
يتوقع أن ترد إسرائيل عليه بعنف".
ورأى المعلق أنه على الرغم من التصعيد الحاصل
"فإنه لا يؤشر بالضرورة إلى أننا إزاء عملية برية لاحتلال القطاع إنما لعمليات
محددة تنفذها ألوية"، وأنه بموجب تحليل مصالح "حماس" فإن لها ما تخشاه
من تكرار عملية "الرصاص المصبوب"، أي التوغل البري الواسع للقطاع الذي قد
يعرض حكم الحركة في القطاع إلى الخطر الحقيقي.
من جانبه، دعا الرئيس السابق لجهاز الأمن
الداخلي "شاباك" عاموس يادلين، الحكومة إلى مواصلة الضغط العسكري على
"حماس" والبحث عن فرصة لوقف القتال بعد تحقيق الهدف، "خصوصا بعد أن
تحقق أهدافها بشكل شبه كامل، وتحديدا إعادة معادلة الردع الإسرائيلي في مواجهة حماس
وشل قدرتها وغيرها من التنظيمات على استخدام المنظومة الاستراتيجية للصواريخ بعيدة
المدى التي لديها"، محذرا من أن إعادة احتلال القطاع والسيطرة على مليون ونصف
مليون فلسطيني هو "خطأ استراتيجي خطر"، لكنه اضاف أنه "في حال منعت
حماس التوصل إلى تهدئة يمكن احتلال المناطق الحدودية وتدمير الأنفاق وتقسيم القطاع
وبتره". ودعا أيضا إلى تمكين مصر من المشاركة في صوغ آلية لإنهاء العملية العسكرية
و "السماح للوساطة المصرية البناءة بإنهاء جولة القتال الحالية في أقرب وقت ممكن".
وحذر الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الخارجية
"موساد" افرايم هليفي، إسرائيل من الإطاحة بحركة "حماس"، بداعي
أن البديل سيكون صعود جماعات أكثر تشددا إلى الحكم.
وكتب المعلق العسكري في "معاريف"
عمير ربابورت، أن "السيناريو الذي سيختاره الجيش هو عمل جوي قصير ترافقه عملية
برية سريعة وفتاكة"، وقال إن "أبرز ميزات مثل هذه العملية هو ممارسة ضغط
سريع على حماس من شأنه أن يؤدي إلى وقف النار ومعالجة منصات الصواريخ داخل الأرض".
وتابع أن الجيش الإسرائيلي "يمتاز في العادة في بدايات معاركه، أما مواصلتها،
خصوصا الإنهاء، فهو في العادة مختلف تماما، وهنا تحتاج إنجازات الجيش والمستوى السياسي
تحسينا جذريا". وأضاف أنه بعد "العملية الرائعة المتمثلة في اغتيال الجعبري،
يتراجع الزخم، والوقت ليس لمصلحة إسرائيل والتأييد العالمي ليس مفتوحا"، إذ
"في العادة يمنح العالم بضعة أيام منة لإسرائيل". وزاد أن كل يوم يمر والحرب
متواصلة "سيزيد من الضغط على الحكومة المصرية لتقوم بإجراء جدي قد يمس باتفاق
السلام ذي المعنى الاستراتيجي الهائل لإسرائيل".
ويقر الإسرائيليون بأن نجاح فصائل المقاومة
الفلسطينية في بلوغ مدينة تل أبيب، عصب الحياة المركزي في الدولة العبرية، يشكل قفزة
نوعية في قدراتها و "نجاحا سيكولوجيا"، ويمنح الفلسطينيين جرعة معنوية على
حساب تبجح الإسرائيليين باغتيال القيادي العسكري في حركة "حماس" أحمد الجعبري.
وقد أوضحت قيادة "الجبهة الداخلية"
في الجيش "الدفاع المدني" لرؤساء بلديات المستوطنات في جنوب إسرائيل، وجوب
أن يستعدوا لاحتمال أن تستمر العملية العسكرية ضد القطاع حتى سبعة أسابيع، وطلبت إليهم
تحضير مخزون طوارئ مناسب لهذه الفترة. ووفقا لتقديرات الجبهة الداخلية، فإنه ما زالت
لدى المنظمات الفلسطينية في القطاع قدرات على إطلاق صواريخ بعيدة المدى تتعدى مدى
75 كيلومترا.
في مواجهة الصواريخ الفلسطينية هناك الضربات
المسبقة على عملية الاطلاق، وبعد ذلك هناك النظام المضاد للصواريخ المسمى "القبة
الفولاذية"، والذي يعمل منذ عام 2011.
تقوم أجهزة رادار قوية بتعقب الصواريخ المطلقة،
وتقدر مكان سقوطها التقريبي، ثم تطلق صواريخ لاعتراضها.
يمكن التوصل الى "هدنة مضطربة"
تستمر لبعض الوقت، وهذا ما يصبو إليه الإسرائيليون حاليا، ولكن الأزمة في غزة لن تنتهي.
ليست هناك مؤشرات لأي عملية سلمية موثوقة
في الافق، وفور انتهاء الأزمة الحالية يبدأ العد التنازلي للانفجار القادم للعنف.
القبة الفولاذية
جاء في تقرير نشر في فلسطين المحتلة يوم
17 نوفمبر: منذ اليوم الأول للهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة، لم تستطع القبة الحديدية
تحقيق الهدف الذي صنعت لأجله، والتي كلفت مئات ملايين الدولارات، فقد استطاعت صواريخ
المقاومة "محلية الصنع"، المنطلقة من القطاع، اختراقَ جدار الحماية الأول
لأراضينا.
هذا النظام الممول بشكل كبير من الولايات
المتحدة الأمريكية، وبإشراف من خبرائها العسكريين، لم يستطع صد ما أسمتها إسرائيل قبل
سنوات بـ"ألعاب نارية" تصنعها "حماس" في ورش صغيرة، التي تفتقر
حسب رأيها إلى "الدقة وقوة الضربة والتأثير".
ويقوم عمل هذه بطاريات القبة الحديدية على
إطلاق صواريخ صغيرة موجهة بالرادار لتفجير قذائف من طراز كاتيوشا في مدى يتراوح بين
5 و 70 كيلو متراً، إضافة إلى قذائف المورتر، حيث يبلغ سعر البطارية الواحدة نحو
60 مليون دولار.
ويقول المحلل العسكري واصف عريقات:
"إن أصواتا إسرائيلية خرجت وأكدت أن القبة الحديدية لم تصد أكثر من 30 في المائة
من صواريخ المقاومة"، مؤكدا أن "المؤسسة الرسمية الإسرائيلية حاولت تضليل
مواطنيها والعالم حول قدرتها وقف صواريخ المقاومة بنسبة 100 في المائة.
وأضاف عريقات أن هذه الحرب "أثبتت
فشل القبة الحديدية، لقد شاهدنا الصواريخ تسقط على تل أبيب، ومؤخرا كان الحديث عن صاروخ
سقط في إحدى ضواحي القدس".
وذكرت وزارة الجيش الإسرائيلية يوم الجمعة:
"إن باراك سيطلب من مجلس الوزراء يوم الأحد تخصيص نحو 190 مليون دولار جديدة لتوسيع
نظام القبة الحديدية المضاد للصواريخ، في محاولة لصد ما يمكن من الصواريخ القادمة من
غزة".
ويَؤكد عريقات أن وجود عدد آخر من البطاريات
"لن يخفض الخسائر العسكرية والسياسية لإسرائيل ولأمريكا في هذه الحرب، ما سيؤثر
سلبا على ثقة المواطن، وعلى اقتصاد إسرائيل الذي كلفها الملايين لتصنيع أربع بطاريات".
ويكفي مبلغ 190 مليون دولار حسب مسؤول إسرائيلي
رفض الكشف عن اسمه لوكالة رويترز، لتصنيع ثلاث بطاريات إضافية، علماً أن سلاح الجو
يملك حتى الآن أربع بطاريات استطاعت فقط اعتراض 218 صاروخا من ضمن أكثر من 705 صاروخا
خلال أربعة أيام من بدء الهجوم حسب الرواية الإسرائيلية.
وأثار سقوط الصواريخ على مدينة تل أبيب
أسئلة في أذهان الإسرائيليين حول نجاعة هذه التقنية في حمايتهم من ضربات المقاومة بغزة،
فيما أعلن مسؤول إسرائيلي لصحيفة يديعوت أحرونوت "نأسف.. صواريخ حماس وصلت إلى
تل أبيب".
المستوطن الإسرائيلي، سيكتشف التضليل الذي
تعرض له من قبل قيادته، التي حاولت عمل مناورات معلوماتية عبر وسائل إعلامها لاستعادة
قوة الردع المتآكلة، في الوقت الذي تثبت فيه المقاومة العسكرية الفلسطينية تماسكا يوما
بعد يوم.
الإحباط
في إنعكاس لحالة إحباط في الكيان الصهيوني
كتب المحلل الإسرائيلي ايتان هابر في صحيفة يديعوت يوم 15 نوفمبر تحت عنوان "حرب
بلا نهاية"
"العلمانيون منا بعثوا بالتهاني للجيش
الاسرائيلي والمتدينون منا صلوا لسلامة الجيش وسلامة دولة اسرائيل، في الوقت الذي انطلق
فيه الجيش الاسرائيلي الى حملة "عامود سحاب" ردا على النار التي لا تتوقف
من قطاع غزة. وفي هذه الساعة دارج بشكل عام الوقوف خلف الجيش الاسرائيلي الثناء على
الخطوات العسكرية وابداء الوحدة.
للتهاني والصلوات على حد سواء يجب أن تضاف
ايضا الآمال في أن تكون هذه جولة النار الاخيرة وسكان الجنوب يحظون في نهاية الحملة
بسنوات من الهدوء. ولكن هذا، على ما يبدو، هو وهم عابث. الحملة الجديدة هي على ما يبدو
مجرد فصل آخر في الكتاب الدموي الذي لم يعد أحد يتذكر بدايته، أما نهايته فلا يراها
احد بعد. هذه حرب لا نهاية لها: مرة تكون في الشمال، مرة في الوسط، والان، منذ عدة
سنوات في الجنوب.
omar_najib2003@yahoo.fr
شبكة البصرة
http://www.albasrah.net/ar_articles_2012/1112/najib_181112.htm
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق