نواف شاذل طاقة
لم يمر على العراق أسوأ من الحال المُعيب الذي يعيشه اليوم أهله الصابرون، ولا سيما حرائره، في سجون حكومة المنطقة الخضراء من انتهاكات تقشعر لها الأبدان.
فبعد الانتهاكات الجسيمة التي وقعت لرجال عراقيين في سجون الاحتلال في أبي غريب، اعتقد البعض أن العراق تخلص من هذه الظاهرة الغريبة والطارئة التي لم يعرفها مجتمعه منذ تأسيس الدولة العراقية سنة 1920 حتى احتلال بغداد سنة 2003. لكن ما حدث بعد ذلك التاريخ، ولا سيما بعد انسحاب قوات الاحتلال الأمريكية من العراق كان أبشع وأقسى.
فمنذ وقوع الاحتلال سنة 2003، ومجيء سياسيين، معظمهم من أصول مجهولة، وآخرين ذوي ماضٍ مريب، نسبوا أنفسهم إلى عشائر عربية عريقة، وتسيَّدوا على رقاب العراقيين، يشهد العراق مآسٍ تعجز عن حملها الجبال، ولعل أسوأها وأقساها، بل أقذرها، ما افتضح سره اليوم بشأن جرائم التعذيب والاغتصاب التي تتعرض لها نساء عراقيات في سجون حكومة المنطقة الخضراء.
إدانة دولية
لقد دأبت المنظمات والهيئات الدولية المستقلة المعنية بحقوق الإنسان على اصدار تقارير دورية عن الحالة المزرية التي وصلت إليها أوضاع حقوق الانسان في العراق خلال السنوات العشر الماضية والانتهاكات التي تجري يوميا أمام أعين المسؤولين العراقيين وسط تقارير تفيد بأن العديد من هؤلاء المسؤولين ضالعون شخصيا في هذه الانتهاكات.
في هذا الصدد، يؤكد تقرير أصدرته منظمة العفو الدولية بتاريخ 12 أيلول/ سبتمبر 2011 وجود ما لا يقل عن 30 ألف معتقل في السجون العراقية لم تصدر بحقهم أحكام قضائية، لافتة إلى تعرضهم إلى التعذيب وسوء المعاملة، ووفاة العديد منهم أثناء فترات الاحتجاز على ايدي الجلادين والمحققين وحراس السجون.
أما منظمة "هيومن رايتس ووتش" فقد أدانت في تقرير لها صدر بتاريخ 15 مايس/مايو 2012 قيام حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي بتعذيب المحتجزين، واصفة نظامه بأنه مثال على "الحكم الشمولي"، فيما أكد السيد جوي ستورك، نائب مدير قسم الشرق الأوسط في المنظمة المذكورة، بتاريخ 27 نيسان/ابريل 2010، بأن جميع المسؤولين العراقيين مسؤولون عما يجري من انتهاكات في المحتجزات العراقية السرية قائلا "يتعين محاسبتهم جميعا فالكل متورطون من أكبر مسؤول حتى أصغر شخص فيهم".
اغتصاب السجينات
وتؤكد تقارير صحفية أخيرة وجود أكثر من 1000 سيدة في السجون العراقية، من بينهن 101 إمرأة محتجزة في سجون وزارة العدل، و 960 إمرأة في سجون وزارة العمل وسواها من مراكز الاعتقال العراقية، وأن العديد منهن محتجزات من دون أية أوامر قضائية، في حين تؤكد المنظمات المعنية بحقوق الإنسان أن نساءً أخريات محتجزات في سجون سرية تصعب معرفة أعدادهن على وجه التحديد.
وقد تفاقمت أزمة المحتجزات العراقيات في سجون حكومة المنطقة الخضراء بعد أن شهد أحد السجون العراقية مؤخرا ولادة طفل لسجينة عراقية بعد اغتصابها على أيدي عدد من المحققين المشرفين على اعتقال النساء.
وقد أعقبت هذه الحادثة ظهور مقاطع صوتية في عدد من الفضائيات العراقية لعدد من المعتقلات العراقيات ممن أطلق سراحهن مؤخرا من السجون الحكومية يستصرخن الضمائر الحية عسى أن تهرع لإنقاذ أخواتهن في الأسر، في وقت كشفن فيه عن أوجه التعذيب وحالات الاغتصاب المشينة التي تعرضن لها.
وقد تسببت هذه الفضيحة التي لم يسمع أو يقرأ عنها العراقيون من قبل، في معارك جانبية دارت رحاها في مبنى البرلمان العراقي العقيم.
وتقول تقارير غير رسمية نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) بأن النائبة العراقية انتصار الجبوري قرأت تقريرا للجنة حقوق الانسان البرلمانية، في إحدى جلسات البرلمان، أشارت فيه إلى تعرض النساء في المعتقلات إلى صنوف التعذيب والصعق الكهربائي وغيرها من الإساءات الأمر الذي أثار حفيظة النواب التابعين لحزب الدعوة ممن اعتبروا أن الاتهامات موجهة إليهم فحدثت بعدها مشادة كلامية وتشابك في الايدي هدد خلالها نواب دولة القانون خصومهم في العراقية بالمفخخات والقتل.
وبدلا من أن تسارع الحكومة إلى التحقيق والكشف عن الجناة، تعاقبت التصريحات، على لسان كبار المسؤولين، لتدافع عن السجانين والفساد المستشري في مرافق الدولة، حتى أن رئيس الوزراء هدد أي نائب يتهم أجهزة أمنه بارتكاب الانتهاكات بأنه سيتعرض إلى نزع حصانته البرلمانية، فيما راحت أبواق محسوبة على المنطقة الخضراء بالظهور على شاشات الفضائيات العراقية لتكيل الاتهامات إلى كل من كشف عن هذه الفظائع وتحاول تبرئة أجهزة الأمن والنظام الفاسديْن!
ومما يذكر أن العراق يحتل في الوقت الحاضر المرتبة الثانية عالميا في عدد المواطنين الذين تم تنفيذ حكم الاعدام بحقهم، بعد إيران التي تحتل المرتبة الأولى، إذ تشير الاحصائيات إلى إعدام أكثر من 1400 عراقي منذ سنة 2004 حتى هذا التاريخ من بينهن عشرات النساء.
ويذكر في هذا الصدد، أن حوادث الاغتصاب والاعتداء الجنسي التي يتعرض لها الرجال والنساء، على حد سواء، في السجون لم تكن معروفة على الإطلاق في العراق إلاّ أنها كانت دائما تتكرر في السجون الإيرانية، حتى أن الصحف الإيرانية كانت قد نشرت رسالة من زوجة رئيس الوزراء الإيراني الاسبق مير حسين موسوي إلى المرشد الايراني الأعلى تشكو فيها قيام الأجهزة الأمنية باعتقال أبن شقيقها وتهديده بالاعتداء عليه "جسديا".
وهكذا يرى الكثير من المراقبين بأن ثقافة الاغتصاب والتهديد الجنسي التي تشهدها السجون العراقية حاليا ما هي إلا سمة ورثها الساسة الحاليون الذين ترعرعوا في طهران وحملتهم إلينا طائرات أمريكية ليهبطوا علينا بمظلات إيرانية!
إن المجتمع الدولي مطالب اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بالضغط على حكومة نوري المالكي لوقف الانتهاكات اليومية التي يندى لها الجبين بحق عشرات الألوف من العراقيين القابعين في سجون النظام، والتهديد بفرض عقوبات على الحكومة العراقية وعلى المسؤولين المتورطين في هذه الانتهاكات، وتكليف مسؤول رفيع المستوى من الامم المتحدة واللجان المعنية بحقوق الانسان لزيارة العراق والتحقيق في الجرائم ومعاقبة المتورطين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق