وسط الاهتمام الإعلامي الواسع بافتتاح التفريعة الجديدة لقناة السويس، حظيت الاحتفالات التي صاحبت الافتتاح باهتمام خاص، تراوح بين النقد الحاد والانبهار الشديد. وبين النقيضين، غابت التعليقات المحايدة والتقييمات الموضوعية، للحدث وللمشروع ككل. ففضلاً عن الطابع الاحتفالي والدعائي للمواقف المؤيدة للمشروع، كان التركيز على الحدث فقط، كأنه بذاته يستحق الاحتفاء، بل التقديس، لمجرد تحقيقه. وإغفال أن أهمية الحدث ومغزاه فيما يفضي إليه من نتائج، وليس فقط فيما يتطلبه من جهد، أو ما يستغرقه من وقت. وهنا ليس أفضل من الاستشهاد بما قاله عبدالفتاح السيسي نفسه، عندما حدد أهمية المشروع في الإعجاز الهندسي والثقة التي منحها للمصريين، في اعتراف علني بعدم جدواه اقتصادياً. ويؤكد ذلك تضارب الأرقام والبيانات المصدرة إلى المواطن والرأي العام.
السؤال الذي يجب على السلطة الاستعداد لمواجهته، كيف ومتى سيتم سداد مستحقات المصريين أصحاب الأسهم في المشروع الجديد؟ الإجابة التي تم ترويجها، في الأشهر الماضية، أن من حق المساهمين استعادة أموالهم واستلام الفوائد عليها من اليوم الأول لافتتاح المشروع، الأمر الذي يستغرق الوفاء به أربع سنوات، بافتراض تخصيص 50% فقط من عائدات القناة لسداد تلك المستحقات. ما يؤدي، من ناحية، إلى انخفاض الدخل المتوقع من القناة إلى النصف أربع سنوات (بدلاً من زيادته حسب المعلن). ويعني، من ناحية أخرى، أن يحصل المصريون، أصحاب رأس المال، على أموالهم مجدولة على تلك السنوات الأربع، وليس فوراً. وكل هذا بافتراض أن الزيادة المتصورة في عائدات القناة ستتحقق، ويتم تحصيلها من اليوم الأول لافتتاح المشروع، وليس على عدة سنوات، أو حسب تطور حركة الملاحة البحرية والتجارة الدولية، كما تؤكد المؤسسات الاقتصادية العالمية.
لم تشر إلى هذه الحسابات البسيطة آلة الدعاية الرسمية والخاصة، الموالية للسلطة الحاكمة في مصر. في حين استفاضت في شرحها وسائل إعلام أجنبية، ليست معادية لمصر، بل تنتمي لدول صارت تدعم السلطة المصرية بقوة، وتغض الطرف عن أخطائها، أو شرعيتها. فبعد يومين من زيارة دعم قوية، قام بها وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، لمصر، جاءت الانتقادات لمشروع القناة واضحة ومباشرة وقاسية من "واشنطن بوست" و"نيويورك تايمز" و"واشنطن تايمز". ولم يقف الأمر عند تلك الصحف التي تحمل مواقفها دلالات سياسية مهمة، بل أيضاً بعض المؤسسات الاقتصادية الأقل تأثراً بالسياسة واعتباراتها. فقد جاء تحليل مؤسسة بلومبرغ أشد وضوحاً، وأكثر مباشرة، في انتقاد المشروع وتقليل أهميته للعالم، وبالتالي، جدواه الاقتصادية لمصر والمصريين. ولم تبتعد "كريستيان ساينس مونيتور" عن التحليل نفسه.
المعادلة التي تلخص هذا المشروع أن جدواه محددة ومحدودة، في ظل المعطيات الحالية لحركة الملاحة البحرية الدولية في العالم، ومعدلات نمو التجارة الدولية. والزيادة المأمولة في عائدات القناة، بعد إضافة التفريعة الجديدة وتعميق الغاطس، تظل مرهونة بتلك العوامل. وهذا هو التبرير الذي سيقدم إلى المصريين، مع تأخر تحقق العوائد الموعودة. عندئذ، سيقال إن المشكلة في انكماش حركة التجارة الدولية، وليس لعيب في المشروع، أو لأنه لم يدرس جيداً.
قريباً، سيسأل المصريون الذين ساهموا بآمالهم وأموالهم، عن تطلعاتهم الوطنية وحقوقهم المالية في ذلك المشروع. ولكيلا تحمل السلطة وزر عدم الوفاء بحقوق أولئك البسطاء، سيكون عليها البحث عن وسائل "تصبير" وتهدئة، لتمرير الوقت وإلهاء أصحاب الحقوق. وعندها، لن يكون مفاجئاً أن يطل الإرهاب مجدداً، وتستأنف الأيادي الإرهابية إياها نشاطها، بعد إجازة منحتها لنفسها حتى انتهاء احتفالات القناة-
* باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية. يعمل خبيراً في الشؤون الإقليمية ومديراً لتحرير فصلية "السياسة الدولية" في الأهرام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق