لم يعد لأحد أى مساحة من الحرية لإنتقاد سياسات النظام ، فردود الفعل بالتهم الجزافية جاهزة ، والآلة الإعلامية المروجة لها موجودة ويديرها إعلاميون احتكروا لأنفسهم وللنظام الحاكم الوطنية والحقيقة الكاملة ، ومستعدون لقول أى شىء ولفعل أى شىء لإرضاء الحاكم.
هذا المناخ الطارد للعقل والعقلانية وللحياد والحيادية وللتجرد والموضوعية ينذر بكارثة مستقبلية على الدولة المصرية ، لأنه جعل الشرفاء يعزفون عن الإفصاح عن أرائهم فيما يحدث على الساحة ، باستثناء قلة قليلة تحاول على إستحياء من الحين للأخر، التمترس حول التمسك بقيم الديمقراطية والعدالة الإجتماعية ، وتفعل ذلك وهى تتوخى الحذر بمحاولة تنميق كلامها ، خشية أبواق إعلامية بعينها معروف عنها الهرتلة ، ومهمتها تشويه الشرفاء ،وفق خطة تبدو ممنهجة.
وحتى لا يقول أحد كيف تقول ذلك وهناك من يعترضون على قوانين أصدرها الرئيس ، ومنها قانون الخدمة المدنية ، فإننى ألفت انتباهكم إلى أننى أقصد النخبة السياسية ، التى صارت "لا تهش ولا تنش" ، وأصبحت أشبه بـ "الطرابيش" بمدلولها الفولكولورى، وليس بمدلولها التاريخى ، ولا يفوتنا هنا التذكير بأن كل الاعتراضات على سياسات النظام لا يمكن التعويل عليها على وجود حرية ، لأنها كلها اعتراضات دافعها اجتماعى وليس لها دافع سياسى ، وليس أدل على ذلك أكثر من رفع فعالياتها الإحتجاجية لصور الرئيس السيسى والاستغاثة به للتدخل وتغيير قوانين هو الذى اتخذها فى شكل قرارات بقانون !
وأخطر ما فى هذا المناخ أنه يهيىء الساحة ليبرطع فيها الأغبياء والمنافقون والانتهازيون ، ويجبر أصحاب العقول المستنيرة والرؤى الصائبة على العزوف عن التواجد فى الساحة وعن الإدلاء برأيهم فى أى قضية مطروحة ، خشية التنكيل بهم أو تشويه صورتهم ، وبالتالى يصاب إعلام الدولة بالتلوث السياسى و يصبح أشبه بضجيج وصخب الطبل والزمر فى زفة بلدى فى منطقة عشوائية لا يعرف أهلها أى شىء عن أضرار التلوث السمعى.
تلك الأبواق الإعلامية الآن ، سواء قنوات أو إذاعات أو بوابات ومواقع إلكيكترونية أو صفحات على مواقع التواصل الاجتماعى ، تطبق فلسفة إعلامية فى منتهى الخطورة ، وهى أنها تنتقى أسوأ و أقبح ما فى الدول الأخرى لإقناع البسطاء فكريا وماديا وهم اغلبية شعب مصر ، بأنه ليس فى الإمكان أبدع مما كان أيام حكم مبارك ، وأبدع مما هو كائن الآن ، فى ظل النظام الحالى ، وقد وصل الخطر فى هذا الصدد إلى حد أن هذه الأبواق الإعلامية صارت تعمل على تكفير الناس بقيم الحرية والديمقراطية والعدالة الإجتماعية ، فأمريكا فى رأيهم لهم ليس فيها ديمقراطية ولا حرية ولا حقوق إنسان بسبب صورة لضابط هناك يقبض على متظاهر فى وضع "الطرح أرضا"، ومعظم النشطاء وكل قيادات المنظمات الحقوقية والأهلية ، خونة ومرتشون وينفذون أجندة أجنبية !! يا سادة .. مثل هذا المناخ قاتل للإبداع ، بل قاتل للحياة ذاتها ، وتكمن خطورته فى أنه يأتى فى مرحلة فارقة فى التاريخ الإنسانى ، من يتخلف فيها عن ركب العلم والحضارة ، و يعمل خلالها بالفهلوة المصحوبة بالطبل والزمر البلدى ، فانه سيكون فى المستقبل أشبه بالقرود فى "الغابة الكونية" .. ها أنا أنهيت كلامى .. فهل تسمعنى ؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق