وإلى كل مهموم ومظلوم في هذا البلد الذي لم يعد أمينا ولا آمنا ولا مأمونا.. وإلى كل أم ينزع ابنها من بين يديها إما قتلا أو اعتقالا أو مطاردة أو طردا، وهي ثابتة القدمين لا تتزعزع وإن كان بين ضلوعها قلب يحترق شفقا أو شوقا.. وإلى كل فتاة من ابنة أو أخت تؤازر الأب أو الأخ أو الزوج لونـًا جديدًا من الحياة لم تعرفه مصر منذ عقود طويلة.. إنها ملحمة ومرحمة الأمة وهي تخرج من استضعافها واستعبادها واستخفاف المستبدين بها، وتقدم راضية ثمن تحررها وانعتاقها من الذل والقيود..
إنها قصة مقدسة وحكاية تعرفها البشرية منذ القدم... قصة الأباة الذين أبوا أن يذلوا أو ينصاعوا للفراعنة المتألهين، وكسروا حواجز السكوت على الضيم والمهانة، ولو كان ذلك بالخروج منها، ولو مسهم من ذلك طائف الخوف البشري الطبيعي، ولو زلزلوا الزلزال الشديد.. إنها قصة نوح الصانع سفينة النجاة من القوم الظالمين، وقصة إبراهيم الذاهب إلى ربه هاجرا ومهاجرا القوم الضالين، وقصة موسى التي هي أنموذج السعي لكير الفراعين المتجبرين فخرج منها خائفا يترقب، خرج من مصر ليعود إليها بعد سنين، حاملا مشعل الهداية والخلاص للمساكين ومفتاح النهاية للطاغين، وقصة عيسى وأمه الهاربين في الاتجاه المقابل إلى مصر من كيد الكائدين.
إنها قصة خاتم النبيين وصحبه الطيبين حين أخرجوا من ديارهم مرة ومرة وطوردوا في كل مكان حلوا فيه، إلى أن أوهن الله كيد عدوهم وهدى الله كثيرا من أهل الضلالة وعادوا إلى أوطانهم سالمين غانمين، وفتح الله لهم القلوب والسمع والأبصار. إنها سنة ابتلاء الجميع تعقبها سنة العاقبة للمحسنين، والهلاك للظالمين، سنن وآيات (إن في ذلك لآيات وإن كنا لمبتلين)-الآية.
أيها المطاردون التاركون بيوتهم اتقاء هجمات الليل والنهار..
أعلم كم هي قاسية أيام وساعات الذين لا بيت يقرون فيه، ولا نومة ولا حركة يأمنون لها، ولا اتصالات ولا تواصلات ولا عمل ولا معايش يديرونها كسائر الخلق، وكم هو ثقيل على النفس البعد عن الأهل والسكن والشعور بعدم الأمن، وكم هو مؤلم ترك الأوطان قسرا وكرها والعيش في غربة لا قرار لها ولا يود المرء أن تنتهي حياته بها.. لكننا جميعا نعلم أنه انقلاب وحشي يريد أن يسترد ما يعتبره مملكة العبيد وحظيرة القطعان، التي حررتها الثورة منه لبعض الوقت، ونعلم أنه يريد أن يصدر إلينا الخوف والقلق، وأن يجدد فينا حالة اليأس والكمد والاستسلام له كأمر واقع، ولن يكون، ولن يمسنا منه إلا ضرر أو أذى، لكنه لا سبيل له إلى عزائمنا.
إنها معركة العقائد والعزائم والصبر والعمل، ولن نغير عقيدتنا في الله ولا في ديننا ولا في إنسانيتنا، فنحن نؤمن أن الله لم يقم ملكه على الظلم ولا يرضى لعباده الضيم، ولا يصلح عمل المفسدين، وأن الله موهن ومبطل كيد المجرمين، ومهلك الظالمين، ناصر المحبين للحق والخير والعدل، ويعوضنا ويخلف علينا كل ما نقدمه من تضحيات وما نتحمله من متاعب، وأنه لا يضيع أجر العاملين. وعزائمنا مستعصية على أن تلين، فالقلق والمخاوف والاضطرابات بل التزلزل أمور طبيعية تمس الرجال والأبطال، لكنها لا تتحكم بهم ولا تغلب إصرارهم على المواصلة ولا تهزم صبرهم.ز والصبر نصف الإيمان.
أيها الملاحقون داخل الوطن وخارجه..
إن النموذج الفرعوني يستكمل حلقات طغيانه، ويستدعي من كل طريق معاول هدم كيانه وبنيانه، وما هذه المطاردة ولا الإخراج من الديار إلا بعض ممارساته المعروفة، وهو يرسل في المدائن حاشرين ومخبرين، ويتوعد ويهدد بقتل البنات والبنين، ويرانا شرذمة قليلين، ويطالب بتفويض لإعدام القادة والمتصدرين.. لكن كيف تكون النهاية؟.. يأمن الخائفون، ويعود المطرودون، ويقر المطاردون، وينتصر المستضعفون، ويهلك المتفرعنون ومن تابعهم على عماهم وبغيهم.
تذكروا جيدا أننا اخترنا الطريق ولم نجبر عليه، وأننا اخترنا أن نطلب الحرية والكرامة وأن نتحمل ضريبة الطلب، وأنه ليس عيبا أن نتعرض لهذه البلاءات، ولا ذلا أن نطارد أو نطرد من بيوتنا وأوطاننا، فالعيب أن نستسلم لهؤلاء الأغبياء المتغطرسين، والذل أن نرضى بالانضمام لقطعان المطبلين والمزمرين، نحمد الله أن عافانا من هذه مواطن حقارة ونفاق الأنذال وسائر هذه الأحوال.. اليوم مطاردة وطرد، وغدا عودة حميدة وحرية وكرامة .. هذا هو الغد.
ستظلون العلامة والرمز الحقيقى لإنسان يحمل كلمة "لا"، يطارد من أجلها ويدفع ثمنها ويتحمل تكلفتها يعرف أن المغارم قد طالته وأحاطت به ولذلك يتحرك بموقفه الصامد إصرارا لا فرارا، يؤكد الموقف الثابت على قاعدة من العدل والحق، يواجه الطاغية بكل ما أوتى من قوة وقدرة ،يصدع ب "لا" فيتزلزل بها فرعون المتجبر المتكبر ، وستبقى كل صنوف المطاردات لكم عنوانا لوهن النظام المنقلب وخروجه عن حدود المعقول يمارس بطشه بجنون وربما يقصد ذلك ترويعا وترهيبا ،ولكنه يتناسى أنكم ممن يحملون رسالة الحق والعدل والحرية والكرامة ،ستظلون تؤكدون بكل صنوف احتجاجكم أن "الانقلاب هو الإرهاب وأن الانقلاب أصل الخراب".
سنواصل السير في الطريق لا نحيد ولا نميل، ونستأنس بما بيننا من حبل وصل في المبدأ والقيمة والمقصد والغاية، وشعارنا:
"رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين".
"رب نجني من القوم الظالمين".
"عسى ربي أن يهديني سواء السبيل".
"رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق