12 ديسمبر 2015

د. فيصل القاسم يكتب: يا للهول! حلف الممانعة في خندق واحد مع إسرائيل!

 
لم يخطئ الرئيس السوري بشار الأسد عندما قال لصحيفة «الصندي تايمز» البريطانية قبل أيام إن «لا مستحيل في السياسة». وفي الواقع لم نكن بحاجة منه لهذا التصريح، فقد رأيناه بأم العين يفعل المستحيل عندما تحالف مع إسرائيل بطريقة مباشرة تحت المظلة الروسية قبل أسابيع قليلة. فعندما يقول الرئيس الروسي إن التنسيق مع الإسرائيليين في سوريا يسير على قدم وسائق، وعندما يقول نتنياهو إن الجيش الإسرائيلي ينفذ عمليات عسكرية داخل الأراضي السورية بتنسيق مع روسيا، وعندما يؤكد وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق جوزيف ليبرمان أن إسرائيل تنسق مع روسيا داخل سوريا، بعلم النظام السوري، أربعاً وعشرين ساعة، وسبعة أيام في الأسبوع، فهذا يعني عملياً أن الرئيس السوري وحلفاءه كإيران وحزب الله أصبحوا في خندق واحد مع العدو المزعوم «الكيان الصهيوني» حسبما كانوا يسمونه سابقاً. يا للهول! لقد انضمت روسيا واسرائيل إلى «محور المقاومة» بعد التنسيق الروسي الاسرائيلي في سوريا. ولا عجب، فقد درج إعلام ما يسمى الممانعة دائماً على القول إن روسيا هي جزء أساسي من محور «الممانعين»، الذي يحرص المنظرون له على أن يرسموا دائماً خريطته الممتدة من «حارة حريك» في ضاحية بيروت الجنوبية مروراً بسوريا الأسد، وصولاً إلى طهران فموسكو.
من كان يتصور أن يتحالف رافعو تحرير فلسطين من البحر إلى النهر مع من يحتل فلسطين في سوريا؟ عندما تصدر التعليمات للجيش السوري وميليشيا حزب الله والحرس الثوري الإيراني والجيش الإسرائيلي والقوات الروسية براً وجواً من غرفة علميات واحدة في مطار «حميميم» السوري القريب من القرداحة مسقط رأس الرئيس السوري، ماذا يمكن أن نسمي ذلك بربكم؟ ماذا نقول عندما نسمع مدير مركز موشيه ديان الإسرائيلي، إيال زيسر وهو يعلن «أن الرئيس الروسي بوتين يعانق نتنياهو في غرفة، ثم ينتقل إلى الغرفة الأخرى ليعانق بشار الأسد وحسن نصرالله وخامنئي»، مما يعني أن التحالف أصبح أمراً واقعاً بعد الغزو الروسي لسوريا. وقد علق أحد الساخرين على عناق الغرف المتجاورة قائلاً: «إذاً الممانعة مازالت موجودة طالما أنهم في غرفتين منفصلتين حتى لو كان الحمام مشتركاً».
سؤال بسيط لمن يحاول أن يلتف حول الأمر، وينفي التحالف مع الإسرائيليين في سوريا: ماذا تفعل روسيا في سوريا؟ إنها تحارب إلى جانب حلف الممانعة ضد خصومه. وماذا تفعل قوات إيران وحزب الله والجيش السوري؟ طبعاً تقاتل ضد قوات المعارضة لحماية النظام السوري. وعلى ماذا تنسق إسرائيل في سوريا مع الروس؟ لا شك أنها تنسق العمليات ضد خصوم ما يسمى حلف الممانعة والمقاومة. لا يمكن أن نفهم من تصريح إسرائيل بأنها تنفذ عمليات داخل سوريا بالتنسيق مع روسيا، وبعلم النظام السوري، إلا أن العمليات تصب في صالح «الحلف المقاول». إذاً الجميع يحارب عدواً واحداً. وعندما نسمع أن إسرائيل قصفت بعض مواقع النظام أو حزب الله في سوريا، فهذا فقط بمباركة الجانبين، وغالباً ما يحدث عندما يقترب الثوار من مخازن أسلحة خطيرة للنظام تخشى إسرائيل وقوعها في أيدي خصومه. بعبارة أخرى، لم تكن إسرائيل تخشى من ترسانة النظام على مدى أربعين عاماً، لأنها كانت في أيد أمينة. أما اليوم فهي تخشى عليها من الوقوع في أيد غير أمينة، فتقوم بتدميرها بمباركة النظام، على حد قول الثوار. لاحظوا أيضاً أن الادارة الأمريكية التي وجهت صواريخ طائراتها إلى مواقع تنظيم داعش، لم تخطىء يوماً في استهداف مراكز تابعة لإيران أو حزب الله أو الجيش السوري على امتداد الاراضي السورية والعراقية. ولو كانت واشنطن تخشى من تلك القوات على إسرائيل لسحقتها، لو بطريق الخطأ.
واضح تماماً أن ما يسمى حلف الممانعة يمارس الماكيافيلية النفعية بأقذر أنواعها، ألا وهو التحالف مع العدو على مبدأ: حليف حليفي حليفي. وقد ذكرت الصحافة الإسرائيلية أن روسيا عرضت على إسرائيل المشاركة في تحالفها الشرق اوسطي ضد تنظيم «داعش»، وهو تحالف يضمّ إيران والعراق وسوريا وحزب الله اللبناني، وذلك من أجل مساندة نظام الأسد ومنعه من السقوط. ويقول الصحافي الإسرائيلي إيهود يعاري في هذا السياق: «روسيا عرضت علينا تشكيل حلف يضم إيران وحزب الله والرئيس السوري بشار الأسد لمحاربة داعش، وهذا ما تم.
ولن نتفاجأ قريباً إذا رحب ما يسمى حلف الممانعة (ضد إسرائيل سابقاً) بغارات سلاح الجو الإسرائيلي على فصائل المعارضة السورية تحت أولوية شعار «محاربة ارهاب داعش»، وذلك من أجل حماية نظام الأسد، وهو الهدف المشترك الاستراتيجي للإيراني والروسي والإسرائيلي على حد سواء. ويتساءل أحد الساخرين هنا: «إذا كان محور الممانعة الذي يدّعي الإسلام تحالف مع الروس الذين أعلنوا الحرب الصليبية المقدسة ضد إخوانهم المسلمين، فما المانع أن يتحالف مع إسرائيل؟» ويتساءل رئيس وزراء لبنان الأسبق هنا ساخراً: «كيف يتم الجمع بين الممانعة والتنسيق مع إسرائيل لإبقاء النظام السوري، فيما هي تنتهك الأقصى، وتدوس كرامة فلسطين وأهلها والعرب كلهم؟»
وعندما طرحت سؤالاً للتصويت بعنوان: «هل أصبح النظام السوري وإيران وحزب الله في خندق واحد مع إسرائيل بعد التنسيق الروسي الإسرائيلي» رد أحدهم غاضباً: «التصويت فيه مغالطة كبيرة، فهو يعني أنهم لم يكونوا في خندق واحد قبل التدخل الروسي، ولكن الحقيقة أنهم منذ تشكيل هذا المحور وهم في خندق واحد، بل هم خط الدفاع الأول عن إسرائيل، ولكن الذي تبدل اليوم أن التنسيق الروسي أسقط ورقة التوت الأخيرة عن الممانعة، فبان القبح كله، وظهرت السوءات كلها. فبعد أن كانت ممانعة في النهار ومماتعة في الليل، أصبحت اليوم مماتعة في الليل والنهار وعلى عينك يا تاجر، واللي استحوا ماتوا. 
‏ ٭ كاتب وإعلامي سوري

سليم عزوز يكتب: الكتاتني والمدرسة الأمريكية في إذلال الخصوم

في الأسبوع الماضي، أراد الحكم العسكري في مصر، أن يقدم رسالة للقوى الرافضة له، ولمن يفكر في رفضه، مفادها أنه يملك أن يحطم أكبر الرؤوس، وأن يذل الجميع، فكانت الصور التي تسربت من المحكمة لبعض قيادات جماعات الإخوان، وهم وإن أكدوا بابتساماتهم وحرصهم على استخدام شارة رابعة، يؤكدون على مدى الثبات الذي يتمتعون به، فإنهم كانوا في حالة مزرية، وبدا الدكتور سعد الكتاتني أول رئيس لبرلمان مصري منتخب بنزاهة ووفق المعايير الدولية، وقد فقد الكثير من وزنه، ودبت فيه الشيخوخة وهو القادم من سجن العقرب سيئ السمعة.
جرائم السجون
كثيرة هي التقارير التي تحدثت عن الجرائم التي تحدث في السجون، وكثيرة هي كذلك الأخبار التي تأتي من هناك تفيد أن الحاصل فيها من تعذيب وتنكيل يفوق ما جرى في عهد الحكم العسكري الأول في عهد عبد الناصر، والذي كان حريصاً على الشكل، فشاهدنا صور سيد قطب في محاكمته وهو بكامل هندامه، كما أن هذه السجون سيئة السمعة هي التي وفرت له أن يكتب كتابه ذائع الصيت «في ظلال القرآن الكريم»، وغيره، ووفرت هذه السجون، مع الإجرام الذي جرى فيها، للمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين أن يكتب كتابه «دعاة لا قضاة»، وكان من المستقر عليه في حكم مبارك، أن التعذيب يكون سابقاً للمحاكمة، لذا فإن انتقال من تجرى محاكمته للسجن في مرحلة ما بعد الإدانة فإنه انتقال لمرحلة يتوقف فيها التعذيب، إلا في حالات قليلة.
ومع تعدد التقارير التي تتحدث عما يجري في سجون عبد الفتاح السيسي، وفي صمت دولي يعني الرضا، فإن صورة الدكتور سعد الكتاتني كانت تعبيراً من لحم ودم عن حجم المهانة التي يعيشها أكثر من 60 ألف معتقل في سجون الإنقلاب، يوجد بينهم أطفال وفتيات.
الصور سربت عمداً، بهدف كسر رافضي الإنقلاب، وكما قال تقرير «الجزيرة»، «تعمد الإنقلاب كسر شوكة خصومه»، وهذا هو الهدف من بثها أساساً، وهي تأتي في سياق بدأ منذ اليوم الأول للإنقلاب، عندما كانت قوات الأمن تصطحب معها الكاميرات، وهي تلقي القبض على قيادات الجماعة، كما حدث عند اقتحام منزل «خيرت الشاطر» وزوجته بملابس النوم، وكما حدث عند بث التلفزيون المصري صور المرشد العام بعد القبض عليه!
السيسي والتعليم الأمريكي
في مرحلة سابقة وعندما علمنا أن عبد الفتاح السيسي حصل على دراسات عليا أو نحو ذلك من الولايات المتحدة الأمريكية، كانت الدهشة تستولي علينا، فالرجل لا يبدو أنه قرأ كتاباً في حياته، أو كتب سطراً، أو فهم قضية، لكن هذه الدهشة زالت عندما شاهدنا المدافع عن الإنقلاب الدكتور «نبيل ميخائيل»، الذي يقدم تلفزيونيا على أنه أستاذ للعلوم السياسية في جامعة «جورج واشنطن»، فيدهش من يشاهده لهذا المستوى الضحل، ولهذه الغيبوبة التي عليها وهو يدافع عن الإنقلاب، فيستقر في وجدانك أن «جورج واشنطن»، هي فرع لمعهد «عبده باشا» في مصر، وعندما تفكر أن السيسي حصل على شهادة علمية من هناك، فيستقر في الوجدان بأنه ربما لا تكون المواصفات العلمية المقررة شرطاً لأناس بعينهم لاسيما القادمين من العالم العربي، لا تنسى أن «توفيق عكاشة» يقول إنه حصل على الدكتوراه من إحدى الجامعات الأمريكية!
من الواضح أن السيسي في دراسته قد استلهم مقررات المدرسة الأمريكية في التنكيل بالخصوم، وقد أثبت الأمريكان جدارة عندما قدموا الرئيس العراقي «صدام حسين»، في وضع مزر عبر الشاشات، في حديث الحفرة الشهير، قبل أن نعلم أنه كان مخدراً عندما قدموه للرأي العام، وكانوا لا يتورعون عن بث صور التقطت له في السجن، مثل صورته الشهيرة وهو يغسل ملابسه، إمعاناً في الإذلال، وهو ما سعوا للاستمرار فيه في محاكمته، حيث تحول القاضي إلى جلاد، لكن بشجاعته أفشل مخططهم، ثم كان الفشل الذريع عندما تحول إلى أسطورة، وهو يواجه الإعدام ببسالة، رفعته لمصاف الزعماء التاريخيين، فقد كان في السلطة رئيساً كما أن مبارك رئيس أيضاً، فصار بالإعدام زعيماً، يُذكر اسمه عندما تُذكر أسماء كعمر المختار.
ولا ننس الصور التي تم بثها لعراقيين يعذبون على أيدي المجندة الأمريكية «إياها»، فإذا كانت هذه الصور قد مثلت فضيحة لإدارة الرئيس بوش، فإن الهدف من نشرها كان لإذلال هؤلاء ولتكون درساً لمن يفكر في أن العين يمكن أن تعلو على الحاجب.
ولا ننسى أن الإنقلاب في مصر، كان فعلاً أمريكيا، وكل من ظهر في الصورة ليسوا أكثر من عرائس متحركة على المسرح الغربي، الذي أزعج رواده أن يختار المصريون حاكمهم بإراداتهم الحرة، فكان ما كان، وكان طبيعياً أن يكون الدرس الأمريكي في العراق حاضراً في المشهد الإنقلابي في مصر، ومن هنا يمكننا الوقوف على ما تعلمه «عبد الفتاح السيسي» في رحلته العلمية هناك!
تقرير «الجزيرة» قدم للمشاهد في البداية صورة الدكتور «سعد الكتاتني» وهو في كامل عافيته قبل عام ونصف العام من الإنقلاب، عندما تم انتخابه رئيساً لبرلمان الثورة، في وقت كانت فيه مصر سعيدة باختيارها برلماناً حراً لأول مرة في تاريخها. وكانت الصورة الثانية للرجل بملابس الإعدام وهو شاحب الوجه، فاقد لنصف وزنه، في حالة أرقت الوجدان الإنساني.
الكتاتني ممثل الرؤية الإصلاحية
«الكتاتني» لم يهبط على الحياة السياسية بفعل الثورة، فقد كان زعيماً للكتلة الإخوانية في برلمان 2005، وكان طبيعياً أن يتم إسقاطه في الإنتخابات التالية بقوة السلاح، وهو مع ذلك آثر السلامة ولم يرد على السلاح بسلاح، ولم يعرف عنه أنه دعا إلى العنف أو مارسه، بل لم يكن في إدارته للمنصب الجديد، بمستوى الثورة، إنما كان دائماً يمثل الرؤية الإصلاحية لا الثورية، هو ما كان سبباً في هجومي عليه في مقالات عدة. إن شئت فقل إنه من الحمائم في الإخوان المسلمين، لكن النظام الإنقلابي في مصر، ولأنه نتاج إرادة خارجية، فقد جاء متصوراً أنه قادر على استئصال الجماعة، وليتمكن بعد ذلك من القضاء المبرم على الإسلام السياسي بكل تنويعاته، وهو الخطأ نفسه الذي وقع فيه عبد الناصر، وكان الفشل حليفه، لأن التعذيب قد يكسر النفوس، لكنه يشعل جذوة الغضب عند من يسمع به، والجماعات الجهادية التي نشأت في مصر في فترة السبعينات خرجت من بين أوراق الكتب التي تحدثت عن تعذيب الإخوان في السجون.
لم تنل صورة صدام حسين، وهو يغسل ملابسه في السجن من هيبته، تماماً كما لم تنل صورة الكتاتني منه، وإن كانت انتقلت به إلى حالة المرشد العام الثاني للجماعة، المستشار حسن الهضيبي، الذي قيل فيه: «لقد تولى منصب المرشد ولا اتفاق عليه ودخل السجن ولا خلاف عليه».
لا بأس، فما هو أصعب قرار يمكن أن يتخذه حكم العسكر في مصر مع المعتقلين؟ أن يقتلهم جميعاً؟ فليفعل فالرافضون للإنقلاب ليسوا هم الـ (60) ألف معتقل في سجونه.
إن المدرسة الأمريكية في كسر الخصوم فشلت، ومع هذا يقلدها الفشلة في مصر.
أرض – جو
- يا فرحة ما تمت: فقد كنت أستعد لمشاهدة جلسات الأنس والفرفشة عبر التلفزيون بنقل جلسات برلمان الإنقلاب على الهواء، لكن تقرر منع بثها من باب إن الله أمر بالستر. من المؤكد أنها ستكون جلسات ممتعة!
- تم زف بشرى عظيمة للبشرية بإعلان أن إرسال التلفزيون المصري الرسمي ممثلاً في القناة الأولى والثانية وراديو مصر قد وصل في أمان الله إلى حلايب وشلاتين. ألم يكن وصل إلى الآن؟ أم أنهم يكيدون البشير، وفق نظرية «كيد الضرائر»؟!

11 ديسمبر 2015

سيد أمين يكتب: الثورة وطبائع الحرافيش


خر تحديث : الجمعة 11 ديسمبر 2015 17:15 مكة المكرمة
نعم, في مواقف كثيرة يمكننا اعتبار "السكوت علامة الرضا" إلا أنه أيضا لا يمكننا التسليم بهذا المثل الشعبي على طول الخط, لاسيما إذا كانت أية علامة من علامات الرفض والاعتراض، مهما بلغت سلميتها، ستورد صاحبها موارد التهلكة، وتودي به إلى ما "وراء الشمس" ما لم تجابه فورا بالرصاص والنار.
ولذلك يمكننا الجزم بأن الاستقرار لا يعني عند كثير من الشعوب الرضا والقبول, لكنه أيضا يعنى الغلبة على الأمر, لا سيما عند "الحرافيش" الذين ما ثاروا قط إلا طلبا للنجاة حينما جفت الأمعاء.
ولفظة "الحرافيش" أو "الزعر" تلك يقصد بها "عوام الناس" وهم الذين وصفهم "عبد الرحمن الكواكبي" في "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد" بأنهم سلبيون وجهلاء وحسنو النية لدرجة تجعل منهم "سوطاً للمستبد وترساً لحمايته وأحد أهم ادوات استبداده بل وبقائه" بحيث يمكن خداعهم بسهولة فيناصرون من يعاديهم, ويعادون من يناصرهم, لأنهم ببساطة عازفون إجمالا عن تعاطي السياسة, ومخيلتها النمطية تجسدها صورة نمطية للباشا الذي يقود فرسه بينما هم يلهثون هرولة خلفه.
وعبرت أعمال درامية كثيرة عن طبائع هؤلاء القوم أهمها حرافيش نجيب محفوظ , وجسدته بدقه شخصية أحمد زكى في فيلم "البريء" 

عُرف الحرافيش

واذا كان منطق الجبر يقول إن الواحد لا يمكن أن يساوى إلا واحداً, نجد أن الواحد ذاته في منطق "الحرافيش" قد يساوي مئة تارة، وقد لا يساوي شيئاً بالمرة تارة أخرى, والمعيارية هنا تتوقف على مدى قوة الردع بين هذا الواحد وذاك, والتاريخ بل وحكايات العامة تعج بالشواهد.
فاذا مس "الحرفوش" يوما أذى من "حرفوش" أخر فالقصاص واجب, أما اذا كان "الحرفوش" المعتدي قوياً فالتعويض لابد أن يكفي حتى لو كان إيماءة يفهم منها الاعتذار, فيما يستمسك الضحية، لا المعتدي، بأن العفو من شيم الكرام. أما اذا كان المعتدي يقل، أو على الاقل لا يزيد، لا حولا ولا قوة , فالعين بالعين وعيون الأقربين له معه أيضا, وفي حال أتى الاعتداء من قوة باطشة، فالمبرر يلخصه المثل الشعبي "علقة تفوت ولا حد يموت"
ومن الغرائب أن "الحرافيش" يخشون دائما العسكر, مصريين سواء أم أجانب, لكنهم في الغالب لا يقاومونهم إلا تذللا رغبة في نيل عطفهم وتخفيف وطأة البطش عنهم, والأغرب أنهم حينما يعجزون عن مقاومة الظالم ويفشلون في كف أذاه يسارعون بالانضمام إليه بل وتبرير ظلمه.
ثم سرعان ما يكون بعضهم أداة من أدواته, بل ويمارسون أدواره نفسها طمعا في تمييز إيجابي يقوم على الانتهازية، في محاولة نفسية على ما يبدو للهروب من حالة الهوان, وليس ابتهاجا بالظالم، وهى النتيجة التي يطمح نظام الحكم في مصر، على ما يبدو للوصول إليها، متناسيا أنه يواجه قوما تمردوا على نظام "الحرفشة".
وعموما فإن الصمت لا يعنى عند "الحرافيش" الرضا والقبول ولكنه تفسير عملي لحالة العجز , وهو الموقف الذى عكسته أمثال شعبية فجة تكرس الانهزامية "حط راسك بين الروس ونادى عليها بالقطع". "اللي تغلب به العب به". "أنت مالك بالجحش اللى وقع العسكري". وآلاف الأمثال التي تشجع على الانهزامية والانتهازية على حد سواء, وصولا إلى مثل صادم ينسبه البعض لـ"سعد زغلول" في وصف "الحرافيش" يقول "تلمهم زمارة ويفرقهم كرباج". 

فلسفة الاعتراض

وأعتقد أن فلسفة الاعتراض بالتظاهر والاعتصام وما شابه من وسائل احتجاج سلمية ليس الهدف منها "إجبار" السلطة بـ"القوة" على اتخاذ مسار معين يريده المعترضون, ولكنها "بيان" شعبي يعطي نتيجة تتوازى تماما مع نتائج الصناديق بسحب المشروعية من تلك السلطة, ورسالة واضحة لها بأنها لم تعد ممثلا حقيقيا للجماهير وأن شرعيتها سقطت, وبالتالي عليها احترام قرارها والخضوع لها باتخاذ اجراءات تحمي الديمقراطية والتمثيل العادل لعموم الشعب.
أما أي أعمال قمع تمارسها السلطة بعد ذلك "البيان" فإنها تعد عملا من أعمال العصابات المسلحة, قد تنجح في منع الاحتجاجات ولكنها أبدا لا تعنى إعادة الشرعية المنزوعة.
ويجب الإشارة هنا إلى الحالة المصرية الراهنة, حيث نجح النظام نسبيا في تقييد الحراك الشعبي الواسع عبر استخدام أدواته العسكرية والإعلامية والقضائية والتشريعية الفجة, إلا أن ذلك لا يعنى أبدا أن الشعب أو على الأقل المعترضين وهم الأكثرية أيدوا هذه السلطة, أو أنهم صاروا راضين عنها فأعطوها المشروعية أو حتى تخلوا عن مطالبهم بإسقاطها بل العكس تماما هو ما حدث، فالتقارير الدولية والمحلية المتواترة ترصد ما تعيشه مصر من فشل تلك السلطة في الحفاظ على ولاء حتى من كانوا يدعمونها ما ينذر بثورة ثانية قد تكون مسلحة وهو ما يخشاه كل وطني مخلص. 

حرافيش العالم

مقاييس "الحرافيش" المعوجة رغم همجيتها, يا للعجب , تشبه المقاييس الإمبريالية ذاتها، التي تم إضفاء المحسنات الخداعية عليها فلقبوها بالمجتمع الدولي.
فالمجتمع الدولي يتعامل مع حرافيشه بالتعامل ذاته للمستبد المصري مع شعبه, وبرغم أن قرارته لا تمثل إلا إرادة حفنة من الدول المتحكمة، فإنه ينفذها وكأنها تلبية لإرادة العالم وليست تعبيراً عن إرادة جلاديه, فيسمح لنفسه بأن يقتل ليس الآلاف بل الملايين من شعوب حرافيشه, ويتدخل في أدق تفاصيل سياسات دولهم الداخلية, ويزيح حكامهم المنتخبين بانقلابات أو بحروب مدمرة وينصب عليهم حكاما آخرين لا يريدونهم, كل ذلك يجري من دون أن يذرف أحد دمعة واحدة على مئات الآلاف من اليتامى والمشردين واللاجئين, ثم بعد ذلك يعتبر أن أية حركة مقاومة أو حتى ثأر مهما كانت ضآلتها هى أعمال إرهابية، وجب على الجميع ان يتبرأ منها, وإلقاء حجر عليها.
إنها بكل وضوح فلسفة القوة.


08 ديسمبر 2015

الشاعرعامر زردة ابو زاهر يصف حال امتنا


قـصـرٌ ، لــهــوٌ
سُــكْـرٌ ، فسقٌ
وأميرٌ يلهو بنساءْ
رقصٌ دائِمْ
عُهْـرٌ قائِـم ْ
لمْ يحفظ ْ حتى الأسماءْ
تضحكُ (ليلى) ،ترقصُ (سالي)
تسَـكَـرُ من خَـمْـر ٍ هــيـفـاء
والأنـدلــسُ تــئن ُ وتـبـكي
وأميرُ الأمةِ نــشــوانٌ
مــن جــاريةٍ
مــن غــانيةٍ
في لَـَّذتِـهِ
يمضي في ثـَمَـل ٍ وفسوق ٍ
وحواليهِ جمعٌ يرقصْ ..
*******
دخلَ الحاجبُ يحمل خبرا
أسرعَ نحوَ (الوالي ) يبكي
قالَ لقد سقطتْ صنعاءْ
ردَّ أميرُ الأمةِ هيا
فلننقــْذهَا ذي هيفاءْ
وليَحْضُرْ كلّ ُالانقاذ ْ
واجتـَمِـعُوا ، أينَ العُـلـَمَاءْ ؟
أين القادة والخبراء ؟
ُصعِـقَ الحاجبُ ردَّ سريعا ً
مهلا ًمهلا ً يامولايْ ؟!!!
لم أقصِدْ أبدا ًهيفاءْ !
قلتُ لقدْ سقطتْ صنعاءْ
عَـدْنٌ فيها والجَـنـَّــاتْ
والحكمــة ُمنها منبَعُهَا
وكذلكَ منها الأدباءْ
والحكماءُ ، والبلغاءْ
ضَحِكَ الوالي في سُخريةٍ
صاحَ بـِحُـنـْق ٍ
مايعـنيني من صنعاءْ ؟؟!!
هل صنعاء أندلسية ؟؟؟
تقطعُ فرحي ؟؟ !
تُحْضِرُ تـَرَحِي؟؟ !
ويحكَ فلتسقط ْصنعاءْ
ولتسقط ْ كلّ ُ الأقطارْ
ولتـُحْرَقْ كلّ ُ الأمْصَارْ
ولتغرقْ كـــلّ ُالبلدانْ
وليُخْسَفْ بالأمةِ خَسْفَا ً
هيا هيا ياحُرَّاسْ
تَبَّتْ أيديكمْ فلتلقوا
بالحاجبِ في سجن ِالقلعهْ
هيا أخفوه بلا رجعهْ .....
*********
ساد الصمتُ القصر الماجن
صارَ القومَ مِنَ الأمواتْ
.....
وتناولَ كأسا ًمن خمر ٍ
ثمَّ علا صوتُ السُّمَّارْ
عاشتْ للوالي هيفاءْ
عاشتْ للوالي هيفاءْ ...
*******
بعدَ شهــور ٍ
ماتَ الوالي
جيىءَ بــــوَال ٍ
وتوارثَ كلَّ الأشياءْ
ياأمتـنا
نحنُ مَتـَاعٌ
نحنُ مَشَاعٌ
نحنُ رُعَاعْ
حقا ً إن قالوا ياقومي
أنـَّا نـُحْـكـَمُ كالـبُـلـَهَـاءْ
فـلـيـسـعـدْ فينا العُمَلاءْ
ولـيهـنـأ َ فينا السّـُفَهاءْ

07 ديسمبر 2015

تقرير مفوضى مجلس الدولة يوافق على صرف بدل التكنولوجيا للصحفيين المحالين للمعاش

استمرار الصرف حتى لو لم تجدد لهم جهة العمل الصرف يشمل الفروق منذ المعاش حتى الان

أنتهى تقرير مفوضى مجلس الدولة فى القضية رقم 23706 لسنة 65 ق والتى أقامها الزميل مصطفى ثروت مدير تحرير وكالة انباء الشرق الاوسط سابقا ضد المجلس الآعلى للصحافة ونقابة الصحفيين باحقيته فى صرف بدل التنكولوجيا بعد احالته للمعاش ودون تجديد جهة العمل ( أ . ش . أ ) له 
وكان الزميل اقام الدعوى مطالبا بوقف تنفيذ القرار السلبى بالامتناع عن ادراج اسمه فى كشوف الصحفيين المستحقين للبدل
وقال فى دعواه انه بعد انتهاء علاقته بوكالة انباء الشرق الاوسط " جهة عمله " فوجىء برفع اسمه من كشوف صرف البدل ، فطالب نقيب الصحفيين بمساواته باقرانه من العاملين بالمؤسسات الصحفية ولم يتلق أجابة على طلبه 
وأضاف : ان علاقته لم تنقطع بالصحافة ولكن أنقطعت بجهة العمل التى كان يعمل بها ، وقدم حافظة مستندات تضمنت صورة من حكم محكمة القضاء الادارى الصادر بجلسة 29/9/ 2009 والذى أكد على أحقية الصحفيين فى صرف بدل التكنولوجيا 
وأنتهى رأى هيئة مفوضى مجلس الدولة الى قبول الدعوى شكلا ، وفى الموضوع تناول الرأى مواد الدستور التى تنص على مساوة المواطنين فى الحقوق والواجبات العامة دون تمييز بينهم ، ونص الدستور على ان القانون ينظم النقابات المهنية وادارتها على اساس ديموقراطى، وتحديد مواردها، 
وان قانون انشاء نقابة الصحفيين نص على: تؤلف النقابة من الاعضاء المقيدة اسماؤهم فى الجدول وفروعه المنصوص عليها وفق القانون 
ومن حيث انه من المستقر فى قضاء المحكمة الدستورية العليا مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون وهو ما اكدته الدساتير المصريه جميعها بحسبانه ركيزة اساسية للحقوق والحريات واساسا للعدل والسلام الاجتماعى وصون للحقوق والحريات فى مواجهة صور التمييز التى تنال منها .. وان مجال الدستور يمتد الى ما يقرره التشريع ، واذا كانت صور التمييز المجافية للدستور يتعذر حصرها ، الا ان قوامها كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال صورة تحكمية من الحقوق والحريات التى كفلها الدستور او القانون سواء بانكار أصل وجودها او انقاص اثارها بما يحول دون مباشرتها على قدم المساواة الكاملة بين المؤهلين قانونا للانتفاع بها
وان المشرع يتدخل دوما لتحقيق المساواة بين ذوى المراكز القانونية المتماثلة .. ومع تقديم حكم المحكمة باحقية صرف البدل ، وان الطاعن يمتهن مهنة الصحافة ومتماثل معهم فى نفس المركز القانونى ، وفضلا عن ذلك نص المادة 53 من قانون نقابة الصحفيين باحقية تدخل النقيب او من ينيبه فى كل قضية تهم النقابة او ما تثيرها من أفعال تؤثر فى كرامة النقابة او أحد اعضائها ، وقد تدخل انضماميا ، مؤسسا على ان البدل يصرف للصحفيين كافة ومن ضمن الصحفيين الذين يعملون خارج المؤسسات الصحفية صرف البدل اسوة بالصحفيين العاملين بمؤسساتهم ، ومع تأكيد الدستور على المساواة ، فمن ثم ان قرار الجهة الادارية السلبى بالامتناع عن عدم ادراج اسمه ضمن كشوف المستحقين للبدل جاء مخالفا للدستور والقانون مما يتعين التقرير بالغائه ... ونرى الحكم بقبول الدعوى شكلا ، وبالغاء القرار السلبى الصادر من الجهة الادارية بالامتناع عن ادراج اسم المدعى من ضمن كشوف الصحفيين المستحقيين للبدلات من تاريخ احالته للمعاش وحتى الآن ، مع ما يترتب على ذلك من أثار أهمها استرداد المدعى المقابل المادى لبدل التكنولوجيا ، مع الزام الجهة الادارية بالمصروفات

اللائحة الجديدة للقيد بنقابة الصحفيين المصريين

"بعد الاطلاع على القانون رقم 76 لسنة 1970 بإنشاء نقابة الصحفيين ولائحته الداخلية وعلى قانون تنظيم الصحافة رقم 69 لسنة 1996 وعلى ميثاق الشرف الصحفي الصادر بتاريخ 26 مارس سنة 1998".
تتكون لائحة القيد من 31 مادة 
المادة الأولى تتشكل لجنة القيد في مستهل كل دورة نقابية من أقدم الوكيلين رئيسًا وعضوية اثنين من أعضاء المجلس.
والمادة الثانية تنص على إصدار اللجنة قراراتها بإجماع آراء أعضائها فإذا لم يتوفر الإجماع، تعرض القرارات المختلف بشأنها على مجلس النقابة لإبداء رأي نهائي فيها.
والمادة الثالثة تنص على عقد لجنة القيد اجتماعًا دوريًا في الأسبوع الأول من كل شهر لتدارس شئون القيد، على أن تعقد جلستين سنويًّا على الأقل في الأسبوع الأول من شهري أبريل وأكتوبر من كل عام للنظر في طلبات القيد المقدمة إليها والبت فيها.
والرابعة فتح الباب لتلقي طلبات القيد مرتين سنويًّا في الفترة من أول يناير وحتى نهاية فبراير، وفي الفترة من أول يوليو وحتى نهاية أغسطس من كل عام.
وتؤكد المادة الخامس على أن يحيل النقيب إلى لجنة القيد ملفات المتقدمين للعضوية قبل 21 يومًا على الأقل من موعد جلسة القيد.
وتنص المادة السادسة على أن تعرض اللجنة على مجلس النقابة أسماء الصحف التي يتم القبول منها لأول مرة لإقرارها، ويشترط مرور عام على الأقل من بدء صدور إعدادها بانتظام ويجوز لمجلس النقابة تجديد المدة إذا تبين له بصورة جدية وجود مشاكل خاصة بعلاقات العمل أو الأداء المؤسسي أو السلوك المهني وانتهاك ميثاق الشرف الصحفي.
مادة (7) يشترط للقبول من الصحف الجديدة سداد الصحيفة اليومية 400 ألف جنيه والصحيفة الأسبوعية 200 ألف جنيه والإصدار الشهري 100 ألف جنيه.. وتعد هذه المبالغ كتأمين لسداد بدل بطالة للصحفيين في حالة توقف الصحف عن الصدور.
مادة (8) يشترط لقبول الأعضاء الجدد اجتياز 4 دورات تدريبية معتمدة من مجلس النقابة في اللغتين العربية والإنجليزية والكمبيوتر والتشريعات المهنية.. وذلك قبل عرضهم على لجنة القيد.
مادة (9) لا يتجاوز عدد الصحفيين المقبولين من الصحف اليومية من كل جريدة عدد 30 صحفيًا وصحفية سنويًّا ومن الإصدارات الأسبوعية 15 سنويًّا ومن الإصدارات الشهرية 5 سنويًّا.. وبالنسبة للصحف التي يتم القبول منها لأول مرة يتم قبول 60 في السنة الأولى للصحف اليومية و30 في السنة الأولى للإصدارات الأسبوعية و15 في السنة الأولى للإصدار الشهري.. على أن يكون الحد الأقصى للقبول سنويًّا من المؤسسات التي تصدر أكثر من إصدار هو 60 سنويًا، ويجوز لمجلس النقابة وقف القيد من أي صحيفة لفترات محددة عند ثبوت تجاوزها للأعداد المناسبة لدورية الصدور أو بسبب الأوضاع المالية والتحريرية.
مادة (10) تعلق أسماء المتقدمين للعضوية في مكان بارز بمقر النقابة وترسل إلى الصحف قبل أسبوع على الأقل من موعد انعقاد جلسة القيد بما يتيح للزملاء أعضاء الجمعية العمومية التقدم بأية طعون تتعلق بشروط العضوية في موعد غايته 3 أيام قبل انعقاد جلسة القيد.
مادة (11) تحيل لجنة القيد قراراتها للنقيب فور صدورها وتعلق أسماء المقبولين بمكان ظاهر في مبنى النقابة، ويخطر المتقدمون بالقرارات بموجب خطابات رسمية في غضون 3 أسابيع من تاريخ جلسة القيد.
مادة (12) يسدد المقبولون للعضوية الرسوم المقررة للقيد والعضوية واستخراج الكارنيه خلال مدة لا تتجاوز 30 يومًا من انعقاد جلسة القيد.
مادة (13) يقصد بعبارة "صحفي محترف" في المادة (5) من قانون نقابة الصحفيين أن يكون معينًا بموجب عقد عمل غير محدد المدة أو قابل للتجديد تلقائيًّا، وأن يكون مؤمنًا عليه بصفته الصحفية في التأمينات الاجتماعية، وألا يكون عاملًا بجهة أخرى عامة أو خاصة، أو مقيدًا عضوًا مشتغلًا أو ممارسًا بنقابة مهنية أخرى وألا يكون مالكًا أو مساهمًا في ملكية صحيفة أو وكالة أنباء تعمل في مصر، ويقصد بعبارة "مؤهل دراسي عال" الحصول على شهادة جامعية معترف بها من المجلس الأعلى للجامعات.
مادة (14) لمن رفضت لجنة القيد طلبه للقيد بجداول النقابة، أن يتظلم أمام اللجنة خلال ستين يومًا من قرار اللجنة فإذا رفض تظلمه كان له أن يتقدم للجنة القيد الاستئنافية خلال ثلاثين يومًا من قرار لجنة القيد الابتدائية ولا يجوز الطعن في قرارات القيد إلا أمام اللجنة الاستئنافية.
مادة (15) يقصد بالصحف المصرية التي تقبل منها العضوية الصحف القومية والحزبية والصحف التي تصدر عن شركات مساهمة مصرية أنشئت بغرض إصدار الصحف، ويشترط لقبول العضوية منها انتظام الصدور، ووجود لائحة مالية وإدارية لها معتمدة من المجلس الأعلى للصحافة تنظم شئونها وتضمن حقوق العاملين فيها وفقا للقانون ولنص المادة (7) من هذه اللائحة، كما يشترط التزام الصحيفة في التعيين بالحد الأدنى للأجر الأساسي الذي تعلنه نقابة الصحفيين في إطار القانون بداية السنة المالية من كل عام والتزامها بصرف ما يتقرر من بدلات وحوافز يعلنها مجلس النقابة وما يتقرر من علاوات دورية أو خاصة أو اجتماعية تصدر بقرار من المجلس الأعلى للصحافة. ويتعين لقبول العضوية من الصحف الانتظام في سداد مستحقات النقابة من نسبة الـ1% من حصيلة الإعلانات التي يحددها القانون وقرارات المجلس الأعلى وقيمة الدمغة الصحفية التي يحددها القانون كما يراعى في هذا الصدد أحكام المادة 114 من قانون النقابة، والتي لا تعتبر "صحيفة" عند تطبيق أحكام القيد الصحف والمجلات والنشرات التي تصدرها هيئات عامة أو لأغراض علمية أو الصحف التي تصدر عن الجمعيات والتنظيمات النقابية والتعاونية.
مادة (16) يصدر مجلس النقابة عقد عمل موحدا للصحفيين على أن تكون النقابة طرفا فيه، وتلتزم به الصحف في علاقاتها التعاقدية ولا يعتد بغيره كمستند عند قبول أعضاء جدد بجدول تحت التمرين على أن يلتزم العقد بالحد الأدنى للأجور المعمول به في الدولة.
مادة (17) لمجلس النقابة أن يوقف القيد من الصحيفة، إذا لم تف بالمستحقات المالية للزملاء وللنقابة بانتظام، أو تكرر من القائمين عليها انتهاك علاقات العمل وحقوق الصحفيين المكفولة بالقوانين واللوائح والقرارات ذات الصلة، على أن يصدر المجلس بيان تحذير من الاشتغال بهذه الصحيفة أو التعاقد معها، ويتخذ ضدها الإجراءات القانونية.
مادة (18) لا يجوز قبول أعضاء من أكثر من صحيفة تصدر عن الحزب الواحد أو الشركة المساهمة الواحدة، إلا بموجب عقود عمل مع الصحيفة الرئيسية الصادرة عن الحزب أو الشركة وموقعة من رئيس الحزب أو رئيس مجلس إدارة الشركة.
مادة (19) في حالة وجود تنازع قانونى على الصحيفة يوقف القيد منها لحين الفصل النهائى في النزاع.
مادة (20) في حالة توقف صحيفة عن الصدور أو إغلاقها أو عدم صدورها بانتظام، يمتنع على لجنة القيد قبول أحد من المتقدمين عن طريقها للقيد بجدول تحت التمرين، فإذا كان المتقدم مقيدًا بجدول تحت التمرين ولم يستكمل المدة، فيتعين على الراغب منهم في النقل إلى جدول المشتغلين أن يقدم للجنة ما يفيد وجود علاقة عمل تعاقدية مع صحيفة أخرى يستكمل فيها فترة التمرين على أن تنطبق على هذه الصحيفة كل الشروط الواردة في المادة (12) من هذه اللائحة.
مادة (21) نفاذا لمادة (18) من قانون النقابة، واستنادًا إلى المادة (5) والفقرة (أ) من المادة (6) والمادة (15) من القانون.. يكلف مجلس النقابة السكرتير العام بمراجعة جداول النقابة عند حلول موعد سداد الاشتراكات في كل عام، لحصر الأسماء الذين فقدوا أحد شروط العضوية ويبلغ المجلس لجنة القيد بالأسماء لتصدر قرارًا بشطبها من الجدول. ولا يجوز لمن شطب اسمه من الجدول بسبب فقدان أحد شروط القيد تجديد طلب قيده إلا إذا زالت الأسباب التي حالت دون قبول قيده وانقضت سنة على الأقل من التاريخ الذي أصبح قرار شطبه فيه نهائيًّا وأن يدفع رسم قيد جديد.
مادة (22) التفرغ للعمل الصحفي شرط من شروط اكتساب العضوية واستمرارها. ويعتبر العمل في الإعلانات، أو الاشتغال بأعمال إدارية أو غير صحفية في المؤسسة، من الأسباب التي تفقد العضو شرطا من شروط العضوية العاملة، وكذلك العمل بأجر لدى الوزارات والمؤسسات العامة والخاصة بما يؤثر على طبيعة عمل الصحفي وما تستلزمه من موضوعية والتزام بأخلاقيات المهنة وقواعدها، وابتعاد عن إقامة أي تعاملات مع مصادر الأخبار.
مادة (23) إذا ما تجاوز سن أحد المتقدمين للقيد بجدول تحت التمرين الـ 44 عامًا ميلادية، تحيل لجنة القيد لمجلس النقابة قرارها بشأن هذه الحالات لبحثها واتخاذ ما تراه بشأنها. كما يشترط لقبول أوراق القيد بجدول تحت التمرين مضى 3 شهور على تحرير عقد العمل والتأمين بينه وبين الصحيفة.
مادة (24) يملأ المتقدم إلى جدول تحت التمرين النموذج المعد بالنقابة لطلب القيد مرفقا به المستندات التالية: أ ـ نسخة من عقد عمل موقع من صحيفة تنطبق عليها الشروط الواردة في المادة (13) من هذه اللائحة. ب ـ نسخة من وثيقة التأمينات الاجتماعية على أن يكون التأمين عليه بصفة صحفية. جـ ـ نسخة من شهادة الميلاد. د ـ نسخة من المؤهل الدراسى. هـ ـ صحيفة أحوال جنائية صادرة بتاريخ يسبق موعد انعقاد اللجنة بأربعة شهور على الأكثر. وشهادة معتمدة باجتياز الدورات التي تقررها النقابة كشرط للقيد في جداولها. ز ـ ملف بنماذج من الأعمال الصحفية للمتقدم. ويستثنى من تقديم شهادتى اللغة الأجنبية والحاسب الآلى خريجو كليات اللغات والحواسب الآلية.
مادة (25) تبلغ مدة القيد بجدول تحت التمرين عامين، باستثناء خريجى أقسام الصحافة في الجامعات والمعاهد المعترف بها من المجلس الأعلى للجامعات حيث تبلغ مدة القيد عامًا واحدًا.
مادة (26) يستبعد من جدول تحت التمرين من لم يتقدم لقيد اسمه بجدول المشتغلين خلال 3 أشهر من انتهاء فترة التمرين، ويجوز استمرار قيده بجدول تحت التمرين بقرار من مجلس النقابة بعد تقديم عذر مقبول.
مادة (27) يشترط للنقل إلى جدول المشتغلين انقضاء مدة القيد بجدول تحت التمرين دون انقطاع وكان له نشاط صحفى ظاهر خلالها وأن يرفق بطلب القيد شهادة مفصلة عن نشاطه في الصحيفة أو وكالة الأنباء التي أمضى فيها مدة التمرين، ولا تحتسب منها فترات الإجازات بدون مرتب إلا للعمل في صحيفة أو وكالة أنباء بالداخل مع تقديم ما يفيد بذلك، أو بالخارج مع تقديم صورة معتمدة من عقد العمل وما يفيد استمرار العمل بها في فترة تحت التمرين وأن يكون قد حصل قبل سفره على ترخيص من مجلس النقابة بقضاء مدة التمرين في الصحف ووكالات الأنباء في الخارج طبقا للمادة (8) من قانون النقابة.
مادة (28) يملأ المتقدم إلى لجنة القيد بجدول المشتغلين النموذج المعد بالنقابة لطلب النقل إلى هذا الجدول مرفقا المستندات التالية: أ ـ شهادة موقعة من رئيس تحرير الصحيفة التي قيد باسمها تفيد مباشرته للعمل الصحفى دون انقطاع مع تأكد اللجنة من استمرار علاقته التعاقدية بالصحيفة، أو عقد عمل جديد مع صحيفة يتم قبول العضوية منها يكون قد استكمل فترة التمرين بها في حالة عدم استمراره في العمل بالصحيفة التي قيد منها. ب ـ شهادة اجتياز الدورات التي يقررها مجلس النقابة في هذا الصدد.
مادة (29) يشترط للقيد بجدول تحت التمرين أو جدول المشتغلين مثول المتقدم أمام جلسة لجنة القيد واجتياز الاختبار الشخصي.
مادة (30) تلتزم الصحف بإخطار النقابة بجداول بأسماء المتدربين لديها كل 6 أشهر ويقتصر القيد بجدول تحت التمرين بالنقابة على الأسماء المدرجة بهذه الجداول، وفي حالة مرور عام على إدراج اسم المتدرب بهذه الجداول تلتزم المؤسسات الصحفية بتعيينه.
مادة (31) تعتبر القرارات الصادرة عن مجلس النقابة والمتعلقة بأي من أمور القيد جزءًا مكملًا لهذه اللائحة أو مفسرة لبعض موادها.

تابع ايضا
قانون نقابة الصحفيين
حكم صرف البدل للمحالين للمعاش

05 ديسمبر 2015

أحمد الدَبَشْ يكتب: يوسف زيدان وإختطاف أورشليم

«إن فراغ الساحة، وتخلّي الباحث العربي عن مهمته جعلها ميداناً متاحاً واسعاً حتى سامها كل مفلس»
(محمد على مادون)
استمر الروائي والباحث المصري الشهير، يوسف زيدان، في ترويج الرواية التوراتية عن تاريخ القدس، وذلك خلال لقائه في برنامج «ممكن» مع الإعلامي خيري رمضان، المذاع على فضائية «CBC». حيث قال باللغة العامية: «ايليا المدينة المسيحية أورشليم بيت همقداش ده اليهودية، المدينة نفسها تاريخها اقدم بكتير انما في الوقت اللي كان في اليهود بعد سليمان حسب التاريخ اليهودي العام يعني حصلت خناقات وانقسمت دولتهم بقي في مملكة في الشمال ومملكة في الجنوب اللي هي يهوذا والسامرة وكل وحده لها عاصمة فالعاصمة بتعت يهوذا أورشليم تقول اصلها كنعاني ليكن بس هما سكنوها وعلشان يقدروها عملولها لقب تسميه "بيت همقداش أورشليم" أي "بيت المقدس".. لما ادمرت بقي المدينة علي يد هادريانوس اتبنت مدينة تانية في ظل المسيحي ايليا كل الاشارات ليها».
بهذه الكلمات غير المترابطة المعني والتي تنم عن مغالطات تاريخية، وتَبنِّي وِجهة نظر التوراة؛ وأحياناً كثيرة المغالاة فيها؛ يحاول يوسف زيدان اختلاق تاريخاً إسرائيلياً في بلادنا فلسطين، في محاولة فاشلة، وميئوس منها؛ بل يمكن اعتبارها محاولة هَزليَّة، وتبعثُ على الضحكِ، والفكاهة، بمجرد عرضها على المكتشفات الآثارية.
فالمصدر الوحيد، الذي استند له زيدان هو التوراة؛ والتوراة وحدها؛ إذ لم يَعثُر المُنقِّبونَ على أي أثر، من هذا الدور. فلا توجد مصادر تاريخيَّة، تدعُم السِجِّل التوراتي؛ كما لم تُسهِم المخلَّفات الأثريَّة، في إيضاح ذلك.
فقد أصدرَ ليتش نقداً معتدلاً في حدَّتِهِ، للاستخدام التاريخي للقصص التوراتيَّة، من منظور «أنثروبيولوجي» بُنيوي. والموضوع السائد في كتابِهِ، كان أن الكِتاب العبري، بوصفِهِ نصاً مقدَّساً، لا يُوفِّر مصدراً تاريخياً، ولا يعكس بالضرورة، حقيقة عن الماضي. إنه يُمثِّل عند ليتش، تبريراً للماضي، يَكشِف عن عالَم القصّاصين، أكثر مما يكشف عن أيَّة حقيقة تاريخيَّة. ويُطرح هنا أسئلة مهمة جداً، تُثير شكوكاً حول التقديمات السائدة، لحُكمَيْ داود، وسليمان، وتُساءل تاريخيَّة هذه المرحلة الهامة، كما قُدِّمت في الموروثات الكتابيَّة؛ وأنا شخصياً أرى ذلك غير قابل للتصديق. ليس هناك أي دليل أثري، على وجود هذين البطليْن سابقس الذِكر، أو على وقوع أي من الأحداث، التي ارتبطت بهما. ولولا قداسة هذه القِصص، لكان وجودهما التاريخي مرفوضاً، بالتأكيد.
مما قالهُ العالِم روني ريك، في هذا الصدد: «آسف أن السيد داود، والسيد سليمان، لم يَظهرا في هذه القِصَّة».
إن السِمَة الأكثر إدهاشاً، في الخطاب [الكِتابي]، هي الصمت المُطبق للسِجِل الآثاري، حول ما يتعلَّق باللحظة التعريفيَّة [فترة سليمان، وداود]، في تاريخ المنطقة. إنه الصمت الذي ساهم بشكل أساسي القوى ضمن مشروع، وتحديداً لأنه قد أكَّد تَحامُل المؤرِّخين الكتابيِّين، الذين قرَّروا أن كتابة التاريخ، تعتمد على المصادِر المكتوبة. كما صرَّح غاريبيي، وليتش، وفلاناغان أن صمت السِجِل الآثاري، هو الذي يطرح أكثر الأسئلة جِديَّة، حولَ تقديم امبراطوريَّة«إسرائيليَّة»، بوصفِها تعبيراً عن ثقافة حضارة نهضويَّة، كما ويوحي بأننانتعامل مع ماضٍ مُختَرَع.
يُشير مِلَّر، إلى أنه ليس هناك دليل على المملكة الداوديَّة ـ السليمانيَّة، خارج التقاليد والموروثات الكتابيَّة؛ أما عن المؤرِّخونَ، الذين يتحدَّثونَ عن هذا الكيان،إنما يفترضونَ مُسبقاً، صِحَّة المعلومات التي يأخذونها، من الكِتاب العبري [التوراة].
في هذا الاتجاه شكَّكَ عالم الآثار (الإسرائيلي)، يسرائيل فنكلشتاين، من جامعة تل أبيب، بوجود أي صِلَة لليهود بالقدس؛ ما جاءَ ذلك خلال تقرير، نشرته مجلَّة "جيروساليم ريبورت" (الإسرائيلية)؛ توضِّح فيه وِجهة نظر فنكلشتاين، الذي أكَّد أنه لا يوجد أساس، أو شاهِد إثبات تاريخي، على وجود داود؛ هذا المَلِك المحارِب؛ الذي اتَّخَذَ القدس عاصمة له؛ والذي سيأتي (الميا) من صلبِهِ؛ للإشراف على بناء الهيكل الثالث؛ مؤكِّداً أن شخصية داود، كزعيم يحظى بتكريم كبير؛ لأنهُ وَحَّدَ مملكتي يهودا، وإسرائيل، هو مجرَّد وَهم، وخيال، لم يكن له وجود حقيقي. كما يؤكِّد فنكلشتاين، أن وجود باني الهيكل، وهو سليمان بن داود، مشكوك فيه، أيضاً.
يقول العلاَّمة "طُمسن"، في كتابِهِ «الماضي الخرافي (التوراة والتاريخ) »:«جرى تقديم [القرن العاشر ق.م.]، بوصفِهِ العصر الذهبي لـ(إسرائيل)، وعاصمتها في أورشليم. كانت تلك الحقبة مرتبطة بالمملكة المتَّحِدة، التي تضم السلطة السياسيَّة لشاول، وداود، وسليمان، وتسيطر على الجِسر البرّي الضخم، من النيل، إلى الفرات. إضافة إلى مفهومها، عن الهيكل الذي بناه سليمان، بوصفِهِ مركزاً لعبادة يهوه. تلك الصور لا مكان لها في أوصاف الماضي التاريخي الحقيقي. إننا نعرفها فقط كقِصَّة، وما نَعرفهُ حول هذه القِصص، لا يُشجِّعنا على معاملتها، كما لو أنها تاريخيَّة، أو أنه كان يُقصد منها أن تكون كذلك. ولا يتوافر دليل على وجود مملكة مُتَّحِدَة، ولا دليل على وجود عاصمة في أورشليم، أو وجود أي قوَّة سياسيَّة مُوحَّدة مُتماسكة، هيمنت على فلسطين الغربيَّة، ناهيك عن امبراطوريَّة، بالحجم الذي تصفهُ الحكايات الأسطوريَّة. ولا يتوافر أي دليل على وجود ملوك، يُدعَوْنَ شاول، أو داود، أو سليمان؛ ولا نملك دليلاً على وجود هيكل في أورشليم، في هذه الفترة المبكِّرة. ما نعرفهُ عن (إسرائيل)، و(يهوذا) القرن العاشر، لا يَسمح لنا بتفسير انعدام الدليل هذا، بوصفِهِ فجوة في معرِفتنا، ومعلوماتِنا حول الماضي، أو مجرَّد نتيجة للطبيعة العَرَضيَّة للآثاريّات. ما من مُتَّسَع، ولا سياق؛ لا شيء مُصطَنَع، أو أرشيف يُشير إلى مثل هذه الحقائق التاريخيَّة، في القرن العاشر، في فلسطين. لا يمكن للمرء أن يتكَّلم على دولة بلا سُكّان. ولا يُمكِنهُ أن يتكلَّم عن عاصمة، من دونِ بَلدة. والقِصص ليست كافِيَة».
إذن لا يوجد مُتَّسَع لمملكة متَّحِدَة تاريخيَّة، أو لملوك كأولئك الذين جرى تقديمهُم، في القِصص الكتابيَّة لشاول، وداود، وسليمان. إن الحقبة المبكِّرة التي تُؤطِّر فيها التراثيَّات حكاياتها، هي عالَم خيالي، من زمنٍ غابِر، لم يوجد على هذا النحو أبداً. لم يكن من الممكن أن توجد مملكة، لأي شاول، أو لأي داود، ليكون ملكاً عليها؛ ببساطة لأنه لم يكُن ثمَّة ما يكفي من الناس لإقامةِ مُلْك. فدولة "يهوذا" لم تكن فقط ، غير موجودة؛ بل إننا لا نملُك أي دليل على وجود أي قوَّة سياسيَّة، في أي مكان في فلسطين، كانت كبيرة بما يكفي، أو متطوِّرة، بما يكفي لأن تكون قادرة على توحيد الاقتصادات، والأقاليم العديدة لهذه البلاد. في هذا الوقت، كانت فلسطين أقل توحَّداً بكثير، مما كانت عليه، لأكثر من ألف عام. ويكاد الحديث أن يكون غير ممكِن تاريخياً، عن أورشليم القرن العاشر؛ فلو وُجِدَت بالأساس - فلم يُعثر خلال سنوات من التنقيب، على أي أثر لبلدة من القرن العاشر - لكانت ما تزال تبعد قروناً، عن امتلاك المَقدِرة، على تحدِّي أي من بلدات فلسطين القوية - خلال العشرينيات أو أكثر - المتمتِّعة بالحُكم الذاتي.
وفي نهاية المطاف لن أمل من تكرار حقيقة معروفة، وهي أنه بعد مرور أكثر من قرن ونيف على التنقيب الأثري الذي لم يترك شبراً أو حجراً من أرض فلسطين دون قلبها، لم يعثر على أثر واحد يربط العهد القديم بها، وأي ادعاء بغير ذلك غير صحيح على الإطلاق وتزوير للحقائق.

عادل أوصيرة يكتب: أهل العلم وأهل الفته

عندما نتجاهل ونبطل مشورة أهل العلم يعني أن الجهل و انعدام الحكمة قد ساد في البلاد, ويعني أن الفوضى الاعلامية والبلبلة الفكرية قد تفشت في المجتمع .
فلم يعدهناك من يشكل و يوجه الرأي العام في مصر شخصيات حكيمة كالشيخ الشعراوي مثلا او المفكر مصطفى محمود او غيرهم ، لقد غاب اصحاب الرأي السديد عن المشهد و تصدر المنبر رويبضات من أمثال توفيق عكاشة و هالة سرحان و باقي السلسلة,هناك حالة من الضياع والتشتت يشهدها الشارع المصري الآن,فغالبية المصريين تستقي معلوماتها ونظرتها لمستقبل البلد من سحرة الإعلام الفضائي المضلل و الفنانين و أرباب الدجل الصحفي.!!
من هم ضيوف البرامج الحوارية في الأعلام المصري ؟لمن تفرد مساحات البث الطويلة في أوقات ذروة المشاهدة ؟ من هم النجوم الذين يشكلون الرأي العام في في السهرات التلفزيونية و البرامج و الندوات ، و يغسلون أدمغة الناس ، و يأسرون الشعب المصري بالقوقعة الوطني؟ 
كلنا يعلم أن تأثير الإعلام يشبه تأثير قطرة الماء التي تستطيع مع الزمن ان تفلق الصخرة,فلك ان تتخيل الكارثة التي تحيق بمصر عندما يوجد فيها اعلام خبيث و منحط وسخيف و مضلل إلى هذا المستوى فهل هذا يحدث بالصدفة ؟ وحتى الإعلام الخارجي ولاسيما الخليجي يساهم أيضا في ذلك لماذا -على سبيل المثال - تصر الشبكات التلفزيونية (العربية) الضخمة و الممولة خليجيا ، أن تفرد قنوات خاصة لمصر ، و كأن مصر خارج المحيط العربي ، روتانا مصرية ، الجزيرة مصر ، إم بي سي مصر ،.... الخ 
مشكلة مصر لا يحلها إستبدال شخص بشخص ، فالمسألة غير هذا تماماً... فالعيب هو في المناخ العام وفي مستوى الوعي،العيب في الناس صغارهم وكبارهم...العيب في التعليم الهابط وما يفرزه من لياقات هابطة وعقليات هابطة. العيب في ثقافة التسلية وقتل الوقت والإعلام الترفيهي ومسرح الهزل وصحافة المهاترات وأغاني الكباريهات ورقص المواخير.
العيب في النمط الاستهلاكي من الحياة وما يفرزه من جشع مادي وتهالك وسلوكيات أنانية.العيب في روح السلبية والكسل وعدم المبالاة وعدم الإنتماء.استعرضوا بالله عليكم بعض الأسماء التي ساهمت في كتابة دستور مصر في السنين الاخيرة ،استعرضوا اسماء (نجوم) البرامج الحوارية في التلفزيون المصري والفضائيات .. 
ستعرفون كيف انهم بالفعل ابطلوا مشورة اهل المعرفه والحكمه في مصر فصاروا يسألون العرافين و العازفين و السحرة ، وان مصر هي الآن في السنوات التي ينطق فيها الرويبضة .

04 ديسمبر 2015

القدس جرحنا العتيق شعر عامر زردة ابو زاهر

 إنه جرح فلسطين والأمة الاسلامية لاأدري ماذا أقول وقد غدا جرحا غائرا :

أم الأُسَـــارى تـــــشـتــــكــي الأولادا
وتـعـاتــــبُ الأحــفــــادَ والأجـْـــــدَادا


وتنوحُ ثكلى من سلاسل ِقـَــــيــْـــدِهَا
وترى الحرائرَ أجْهـِـدَتْ إجْــــــهـَــــــادا

أطـفـالـُهـا قــتـــلوا بـكــل ِجـَـلافـــــةٍ
مـاذنـبـُهَـا كـي تـَفـْـقِـدَ الأكـْـــــــبَـادا

ودمــاؤ نـا سـالـتْ كــســيــل ِجـــداول
وشيوخـُنــــا قد أتــْـقـَــــنـــوا الأورَادا

ولهيبُ نار ِالـحــــرب ِأضحى واقــعـــــاً
وحـكـيـمُـنــا لايــتـقــــن الإخـمــــادا

ونـرى طـغـــاة َالـعــصــر ِ دونَ تـــرددٍ
يـتــأهـبـونَ لـيَــبـْـطـِــــشـُـوا الـرُّوادا

يــاويـحَ نـفـسيَ والـمـآسي جَـــمَّــة ٌ
أنــؤوبُ حـقـا ً حـِكــمــــةً ورشـــــادا

فالسـيـفُ يـَعْـدِلُ ألـفَ ألـــفِ قـَصيدة ٍ
ولــحَـــدِّهِ تـَـغـْـــدُو الـجُـمُــوعُ فـُـرَادا

هـيَّـا اسْـتـَـــعـِـدُّوا لـلـقــاءِ تـَجـَـهَّـزُوا
فـعـــدوكـُـم ْ بـِسـِلاحِــهِ يـَـــتـَمــادى

يـاأمـتـي فـمـتـى نُحَـــــررُ أرضـَــنـَـــا
لـيـزولَ ظـُلـْـــمٌ جــــاوزَ الإلحـَــــــادا

ومتى نـرى ( أمَّ الضِّــيـاء) وتـَنـْجـِـــلي
ظـُلـَمُ اليهودَ ونـلـتـقي الإسْــــعَــــادا

الـقـدسُ مــِفــتـاح ُالــسـَّلام ِالعـالـميِّ
وأمـتـي فـي( قـشَّــةٍ ) تــَــتــَـعـَــادى

وابـيـضـتِ الـعـيـنان تبكي (غــــــَّزتي)
من بـعـدِ ماكانَ الـبـــيـــاضُ ســــوادا

والخائـنُ الـسـيـسيُّ أضـحى مـجرما ً
وبـخـسـةٍ قــد صَـنــَّـعَ الأصْـــفـَــــادا

وشــقـيـقـهُ عـبـاسُ بَـرَّرَ قـَـتـْـلـَـهُـم
والـعُـرْبُ يـُعـْجـبـُهَـا الـذي يَــتـَــمَادى

وكذا الذينَ تـَشَـدَّقوا ((وتـَمَــنـَّعـُـوا))
بشـارُ، حِزبُ الـَّــلاةِ ، والـــــقـَـــَّوادا)

مـاكـنـتُ أعْـلمُ قـبـلَ غـَــَّزةَ أنـَّـنـــــا
نـَسْـتـَوْردُ الأضْـغـَــانَ والأحْـــقــَــادا

والـلـهُ حـَـــَّذرَنا وفــي قـُــــرْآنـِــــهِ
ألا نـُحَـقـِّــقَ لـــلـيـَهُــــود ِمـُــــَرادَا

يـاأمــة ًنـامَـتْ على أمـجـَــــادِهَــــا
هيا انهضي واسترجعِـي الأمْـجـَـادا

واستنهضي هِمَمَ الرِّجــال ِبصرخــة ٍ
فصدى صُرَاخكِ يَـمْـــخـُـرُ الأبـْعـَادا

هيَ أرضُنا هيَ عِرْضُنا هي روحُـنـا
فـسـلـوا وهـادَ الـقـدس ِوالأنجــادا

عامر زردة أبوزاهر

بركات الحائط المائل .. قصة قصيرة بقلم المستشار فؤاد راشد

منذ طفولته كان وهدان يمر ويده بيد أبيه الحاج سعيد النعماني بعد مسجد النجع علي طاحونة مهجورة , دارت حكايات كثيرة عن الجن والعفاريت التي تظهر أحيانا جهارا نهارا داخل سور الطاحونة القديم , كان الرواة يحددون أسماء قتلي لقوا حتفهم قرب الطاحونة عند حفر بئر الساقية المجاورة , كان الحفر يتطلب النزول الي أعماق بعيده لوضع الساقية وضبط حركتها , وكان بعض الشباب يتطوع بالنزول الي أسفل حيث ينهار الركام أحيانا فيموت بعضهم اختناقا .
حسب زعم أهل النجع فان شيخا مباركا طيبا مدفون من زمن سحيق تحت السور الشرقي للطاحونه .
اعتاد وهدان أن يري والده كلما مر بجانب السور الشرقي يقف خاشعا ويقرأ الفاتحه لروح ( سيدي مسعود المكباتي ) ثم يدعو لنفسه والأسرة متضرعا الي الله أن يتقبل دعاءه ببركة الشيخ الطاهر .
وراح وهدان يقلد والده في الدعاء قرب السور الشرقي للطاحونه , وكان حتي حصل علي الثانوية العامة كلما شعر بالضيق لأي سبب بادر الي الذهاب قرب السور والدعاء متضرعا الي الله أن يتقبل ببركة الشيخ الطاهر سيدي مسعود .
بعد أن صار وهدان طبيبا شرعيا واستقر في القاهرة كان لايكف عن تذكر أيامه الخوالي بالنجع ويقرأ الفاتحه لروح الشيخ الطاهر ويذكر بامتنان عظيم كيف كان يعود صافي البال كلما جلس بجوار مقام الشيخ الطاهر وتضرع الي الله أن يجيب دعاءه ببركة الشيخ .
ذات يوم عقب أحد الأعياد تجمع ورثة مالك الطاحونة وكانوا جميعا يقيمون خارج النجع وقرروا تكليف مقاول كبير بهدمها وبناء عمارة شاهقة تكون مأوي لهم جميعا كلما تجمعوا في أي مناسبة .
بدأت أعمال الحفر مع حذر شديد من الاقتراب من السور الشرقي للطاحونه حيث مثوي الشيخ .
لم ينصت المقاول طويلا الي تحذيرات متكررة من الأهالي بعدم الاقتراب من مدفن الشيخ , وقرر بناء علي تعليمات المهندس المشرف هدم السور واجراءالحفر تحته للعمق الذي حدده المهندس .
كانت المفاجأة المذهلة أن تحت السور بقايا حصان نافق من زمن طويل .
ازاء احتدام النقاش بين أهل النجع حول الشيخ المدفون وتأكيد بعضهم أن جده هو من دفن الشيخ بيديه , وأن ملاك الطاحونه لم يراعوا حرمته , حضر من القاهرة ابن النجع الدكتور وهدان وراح بمعاونة العشرات من أهل النجع يفحص كل العينات بالتربة فحصا دقيقيا ليؤكد في النهاية أن المدفون حصان ولا أثر يدل علي دفن أي انسان تحت السور الشرقي في أي وقت ..
كان الدكتور وهدان بعدها وحتي وفاته , كلما زار النجع واقترب من موقع السور الشرقي اشتعلت في روحه فكرتان تتصارعان تجسدان معني الحنين الي أيامه الخوالي ودعاءه وتضرعاته الي الله أن يتقبل ببركة الشيخ مع شعور طاريء فاجع بالخديعة الطويلة .

29 نوفمبر 2015

المفكر القومى محمد سيف الدولة يكتب:لماذا نحيى ذكرى تقسيم فلسطين؟

لماذا يجب ان نحيى ذكرى قرار تقسيم فلسطين الصادر من الجمعية العامة للأمم المتحدة فى ٢٩ نوفمبر ١٩٤٧؟
1) لأنها فرصة لننقل القضية وحكايتها وحقيقتها الى أولادنا الذين لم يتعرفوا عليها بعد، خاصة بعد ان توقفت غالبية الانظمة العربية عن القيام بهذ الدور، وحين تفعل فانها تلقنهم روايات مضللة ومزيفة.
2) كما ان لإحياء ذكرى هذا العام أهمية خاصة، وهى دعم الشعب الفلسطينى فى انتفاضته الثالثة المتفجرة اليوم فى الارض المحتلة، والتى وقع فيها حتى يومنا هذا ما يزيد عن 100 شهيد.
3) وكذلك لنتذكر ونتعظ ونتفكر ونتدبر فى أكبر جريمة استعمارية ارهابية دولية شاهدها العالم فى تاريخه، اذ تحالف الجميع ضدنا، لا فرق فى ذلك بين أمريكان وسوفييت.
4) وللتأكيد على فشل المشروع الصهيونى، فرغم مرور ٦٨ عاما من الاحتلال وسيول الدعم العسكري والاقتصادى والغطاء الدولى من أقوى دول العالم ومؤسساتها الدولية، الا ان اصحاب الارض لا يزالون هنا، لم يتوقفوا لحظة واحدة عن المقاومة، وكل الامة والارض والشعب تلفظه.
5) كما فى احياء ذكرى قرار التقسيم ٤٧ والنكبة ٤٨، تأكيد على حقيقة الصراع وطبيعته وهدفه النهائى المتمثل فى تحرير كامل الارض المحتلة منذ 1948، فى مواجهة الصهاينة العرب الذين يروّجون ان فلسطين التى تخصنا تقتصر على ارض ٦٧ فقط.
6) ولنتعاهد ونجدد التزامنا بانهاء هذا الكيان الصهيونى ومشروعه، وما يترتب على ذلك من رفض الاعتراف بـ (إسرائيل) او الصلح معها. والعمل على إسقاط كل الاتفاقيات العربية معها، بدءا بكامب ديفيد ومرورا بأوسلو ووادى عربة وانتهاء بمبادرة السلام العربية والدعوات الحالية لتوسيع السلام معها. مع الحرص على تقديم كل الدعم للمقاومة الفلسطينية، والعمل على احياء الحركات واللجان الشعبية العربية لنصرة فلسطين ومناقضة اسرائيل والصهيونية
7) وللرد على العرب من اصدقاء اسرائيل، الذين ينشرون روح الهزيمة والاستسلام ويهاجمون رفض اسلافنا الاعتراف باسرائيل ورفضهم لقرار التقسيم. ففى احياء الذكرى تأكيد على صواب الموقف العربى الرسمى والشعبى فى ذاك الوقت، الذى أجمع على رفضه للقرار 181 والتفريط فى أى جزء من فلسطين الى العصابات الصهيونية وهو الموقف الذى صمد واستمر الى ان بدأ السادات بكسره والانقلاب عليه فى اتفاقيات كامب ديفيد، ثم لحقه الحكام العرب واحدا تلو الآخر.
8) ولنؤكد على أن قضية فلسطين ومواجهة الكيان الصهيونى، ستظل دائما هى القضية المركزية لدى الشعوب العربية، حتى بعد ان تخلت عنها الانظمة العربية. وتتجاهل مؤسساتها الاعلامية اى اشارة الى هذه الذكرى الاليمة.
9) كما انها البوصلة الوحيدة الصحيحة والنبيلة، فى ظل غابة كثيفة من الانقسام والصراع والاقتتال العربى/العربى.
10) وأخيرا وليس آخرا، لكى نواصل فرز صفوفنا وطنيا وعربيا، بين انصار فلسطين وبين اصدقاء اسرائيل.
*****
القاهرة فى 29 نوفمبر 2015

د. فيصل القاسم يكتب: هل الحاكم العربي غير وطني أم ممنوع أن يكون وطنياً؟

لا يمكن لأمة أن تنهض إلا بعقول وطاقات وقلوب أهلها. وحتى لو كانت الشعوب تحب أوطانها، وتريد أن تبينها، ولديها كل ما يلزم للنهوض بها، لا شك أنها ستفشل إذا كانت الطبقات الحاكمة غير وطنية، أو أن دوائرها الانتخابية خارج أوطانها، كما هو الحال بالنسبة للعديد من الأنظمة العربية. السمكة عادة تفسد من رأسها، وكذلك الأوطان. فإذا كان الحكام يعتمدون في وجودهم على قوى ودعم خارجي، فإنهم، دون أدنى شك، سيكونون أكثر اهتماماً بتحقيق أهداف الخارج في بلادهم من تحقيق أهداف شعوبهم. فكما هو معلوم، فإن السياسي يخدم في العادة الدائرة التي انتخبته. وبما أن مصير العديد من القيادات في العالم العربي مرتبط بقوى أجنبية، فعلى الأغلب أن الأوطان والشعوب ستعاني، وستتخلف عن ركب التقدم واللحاق بالأمم الوطنية المتقدمة.
من أعظم بركات الثورات العربية أنها كشفت بشكل فاضح عمالة الكثير من الأنظمة العربية، وخاصة تلك التي رفعت شعارات قومية ووطنية فاقعة كالنظام السوري مثلاً. فعندما كنا نسمع الشعارات الوطنية والقومية التي كان يرفعها، ويرددها نظام الأسد في سوريا، كان المرء يأخذ الانطباع أنه نظام لا يباريه نظام في العالم في الوطنية وحب الوطن، خاصة وأنه كان يسحق أي أصوات معارضة بحجة أنها غير وطنية وخائنة للوطن. لكن الثورة أظهرت للسوريين لاحقاً أن النظام له علاقة بالوطنية كما للسوريين علاقة بكوكب المريخ. لم يكن حتى نظاماً طائفياً فقط، بل كان يأتمر، ويعمل لصالح قوى خارجية أولاً وأخيراً. لم يكن ينقص الشعب السوري أبداً لا الطاقات، ولا الإرادة ولا الذكاء والمثابرة، فهو شعب وطني خلاق وقادر على الإبداع والابتكار والتقدم، لكنه فشل على مدى نصف قرن في تحقيق أي إنجازات صناعية وتكنولوجية وسياسية واقتصادية معتبرة. لا بل إن السوريين باتوا يترحمون على النظام السياسي الذي كان يقودهم في منتصف القرن الماضي، حيث كان أكثر عصرية وتقدماً وديمقراطية وانفتاحاً وإنسانية، بينما أمسوا اليوم مضرباً للمثل في التشبيح السياسي والأمني.
لسنا بحاجة للكثير من الجهد كي نتعرف على مكمن الخلل في سوريا. إنه النظام الحاكم الذي كان دائماً يتهم العرب الآخرين بالعمالة والتبعية للخارج، بينما كان هو غارقاً حتى أذنيه في العمالة والتبعية للاتحاد السوفياتي سابقاً وروسيا وإيران وإسرائيل حالياً. لقد اكتشف السوريون على ضوء الثورة أن مهمة النظام الأولى على مدى نصف قرن كانت كبح قيام أي نهضة سياسية أو اقتصادية أو ثقافية أو علمية في سوريا، لأنه مكلف بإبقاء سوريا وشعبها في حالة تخلف وتجمد لصالح جارته إسرائيل. ويرى بعض العارفين أنه لو لم يقم بذلك، لما بقي أصلاً في مكانه. وكما هو واضح، فإن النظام يعرف قدر نفسه جيداً، فهو لا يصلح لأن يقود وطناً نحو التقدم والازدهار، بل قادر فقط على ممارسة الهمجية والقمع والاضطهاد، لهذا تم تمكينه من رقاب السوريين كي يبقوا في الحضيض سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
طبعاً لا نقول أبداً أن النظام السوري هو الوحيد الذي يعمل لصالح قوى خارجية. لا أبداً، فهو مجرد نموذج فاقع للأنظمة المتشدقة بالوطنية والغارق بالعمالة والخيانة. هناك الكثير الكثير من الأنظمة الأخرى التي لا تحكم بإرادة شعوبها، بل بإرادات خارجية. وقد صدق الرئيس التونسي السابق الدكتور منصف المرزوقي عندما ألف كتاباً بعنوان «الاستقلال الثاني» يكشف فيه أن معظم الأنظمة العربية التي وصلت إلى السلطة بعد حروب الاستقلال المزعومة لم تكن وطنية أبداً، بل كانت مجرد وكلاء للمستعمر الذي خرج من الباب، ليعود من النافذة عن طريق عملائه الذين عينهم ممثلين له في مستعمراته القديمة. وبالرغم من أن بلداً مثل الجزائر مثلاً قدم أكثر من مليون شهيد لطرد المستعمر الفرنسي، إلا أنه انتهى في أيدي من يسمون بـ»بني باريس» أي الجنرالات والطبقة السياسية التابعة قلباً وقالباً للمستعمر القديم.
حتى الأنظمة المنبثقة عن بعض الثورات الجديدة فهي بدورها لا تمثل تطلعات الثوار، ولا الشباب الذين قادوا الثورات، بل هي مجرد واجهات لقوى خارجية. ولا شك أن المرء يشعر بحسرة وألم كبير عندما يسمع أن الكثير من القيادات التي تحكم تونس الآن مرتبطة بتوجيهات وتوجهات قوى خارجية أكثر مما هي مرتبطة بتطلعات الشعب وأحلامه. فهذا القيادي تدعمه أمريكا، وذاك تدعمه فرنسا، والآخر يتلقى تمويلاً عربياً لشراء الأصوات والفوز في الانتخابات. وكأن الثورة لم تحدث أبداً.
لا شك أن البعض سيقول لنا إن تركيبة العالم والقوى المتحكمة به لا تسمح بوجود قيادات وطنية خالصة، وخاصة في العالم العربي. يقول المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي في هذا السياق: «الأهداف الرئيسية للسياسة الأمريكية هي منع وصول المغالين في وطنيتهم إلى الحكم في العالم الثالث. وإذا ما وصلوا إليه بطريقة أو بأخرى، فيجب عزلهم وتنصيب غيرهم. وتتحالف الولايات المتحدة مع العسكريين لسحق أي جماعات وطنية تفلت من قبضة اليد». وما ينطبق على أمريكا ينسحب على القوى العظمى الأخرى في تعاملها مع بيادقها. ويقول المفكر التونسي أبو يعرب المرزوقي هنا: «بشار الأسد دمية لا حول له ولا قوة: لو كان ذا سلطان حقيقي لكان فضّل النجاة بذاته وبأسرته، لأنه يعلم أن المآل في الغاية هو رأسه ورأس أسرته». وبناء على هذه الحقيقة المرة بوجود قوى خارجية تمنع الوطنيين من الوصول إلى السلطة في العالم العربي والثالث عموماً، ما العمل؟ هل الخلل في القوى المتحكمة التي تختار عملاءها حكاماً هنا وهناك؟ أم إن الخلل في الحكام الذين يقبلون أن يكونوا مجرد وكلاء؟ لا أريد أن أفتي في هذا الموضوع. أترك لكم الفتوى.
٭ كاتب وإعلامي سوري

27 نوفمبر 2015

المفكر القومى محمد سيف الدولة يكتب: لا لزيارة البابا تواضروس للارض المحتلة

نرفض زيارة البابا ‫ تواضروس ، لفلسطين المحتلة بتأشيرة إسرائيلية، كما رفضنا من قبل زيارة الدكتور على جمعة و آخرين، لمخالفته القرار الوطنى السابق للكنيسة المصرية وللبابا شنودة، بحظر السفر اليها الا بعد تحررها، ودخولها كتفا الى كتف مع الإخوة المسلمين المصريين. ولمخالفته للإجماع الوطنى المصرى منذ ١٩٧٩، بمقاطعة اسرائيل وعدم الاعتراف بها او التطبيع معها او دخول فلسطين بتأشيرتها. 
نرفض هذه الزيارة ولو كانت لأسباب دينية او لتقديم واجب الصلاة والعزاء، فلقد حرم ملايين المصريين أنفسهم على امتداد ما يقرب من نصف قرن، من زيارة أشقائهم وأقاربهم وأهاليهم الفلسطينيين وتقديم العزاء لهم فى الآلاف من شهدائهم ضحايا الجرائم و الاعتداءات الصهيونية. 
ان سلطات الاحتلال التى فشلت مرارا وتكرارا فى اختراق المقاطعة الشعبية المصرية والعربية والتى تحرض المصريين والعرب لزيارتها، وتدعى كذبا تحضرها وديمقراطيتها وحبها للسلام، هى ذاتها السلطات التى تقيد حق الفلسطينيين اصحاب الارض الذين يعيشون هناك، من الصلاة فى المسجد الاقصى، وتستبيح باحاته وساحاته يوميا طمعا فى تقسيمه زمنيا، كما تحظر عليهم الحركة والتنقل بحرية فى أراضيهم وأوطانهم، ونحن بزيارتنا لها وبتطبيعنا معها نساعدها على الاستمرار فى تضليل العالم. 
ان الواجب الوطنى المصرى والعربى والانساني كان يحتم على البابا تواضروس وكل المؤسسات الدينية المسيحية والإسلامية وكذلك الأحزاب والقوى السياسية ان تفرض مزيدا من الحظر والمقاطعة ومقاومة التطبيع ومناهضة اسرائيل فى ظل الاعتداءات الصهيونية الحالية على الشعب الفلسطينى التى أوقعت اكثر من ١٠٠ شهيد فى ٥٥ يوم من عمر الانتفاضة الثالثة، بدلا من ان تقوم بالتراجع وكسر القرار ألوطنى للكنيسة المصرية بحظر التطبيع.
اننا نناشد اخوتنا من المثقفين والمفكرين والسياسيين المسيحيين الذين نعلم غضبهم من زيارة البابا ورفضها رفضا قاطعا، ان يقودوا حملة وطنية لتصحيح هذا الموقف وعدم تكراره والحيلولة دون الاحتذاء به وتكراره من قبل مواطنين مسيحيين آخرين، والعودة الى الموقف الوطنى العظيم للكنيسة المصرية وللبابا شنودة بحظر التطبيع مع اسرائيل وزيارتها والحج الى القدس فى ظل احتلالها.
*****
موضوعات مرتبطة:

13 نوفمبر 2015

سيد أمين يكتب: ينابيع الحياة

آخر تحديث : الجمعة 13 نوفمبر 2015 17:38 مكة المكرمة
من الفطرة , والفطنة, والفكرة, تعلم البشر أنه لا يمكن معرفة الناس معرفة حقة إلا في أوقات المحن, ولا يمكن قياس مدى صلابة مواقفهم وتضحياتهم في سبيل ما يؤمنون به إلا حين الاقتراب من أثمن شيء في دنياهم وهى أعمارهم هم أنفسهم, أو أبنائهم
والخوف من الموت هو سمة كل كائن حي, لكن يبقي الفرق بين الانسان وما عداه من كائنات اخر , هو شديد إدراكه لمواطنه وكثرة تفكيره فيما سيؤول إليه.
ومصدر هذا الخوف أن الناس عادة يخشون المصائر المجهولة التي لم يؤتوا علمها من تجارب الأسبقين اليقينية, ويصبح لا سبيل لهم هنا لاستنباط مصيرهم بعد الموت إلا بعقيدة اعتقدوها, أو دين دانوا به, وهو الذى كلما زاد إيمانهم به, ترسخ يقينهم بمصير ما بعد الموت.
والمدهش أن الموت عند غالبية البشر لا معنى له إلا الفناء, إلا أنه عند المؤمنين يصبح نوعاً من الارتقاء, ويتلاشى الخوف منه ليتحول عند بعضهم إلى اشتياق.

تجربتان حديثتان

ولنا تجربتان حديثتان من ثلة تجارب أليمة ضجت بها حياة المصريين في الأعوام الثلاثة الأخيرة , تكشفان نبعا إيمانيا عميقا تجذر في وجدان بعض منا.
فهذا رجل حينما نطق القاضي حكم إعدام ابنه، اعتقد الكثيرون ممن حضروا المحاكمة أن الملياردير سيتمنى لو أنه أنفق كل أمواله من أجل أن ينقذه من الموت, إلا أن الرجل المتمرس في أصول التجارة، والذى يتحول التراب بين يديه إلى ذهب, علم أن تجارته الآن مع الله تعالى، ففاجأهم جميعا بعبارته الشهيرة "ربح البيع".
أما الرجل الثاني والذى قتلوا ابنه بالفعل, فقد علق حينما نطق القاضي منتشيا بحكم إعدامه قائلا :"لقد أمضيت سبعين عاما أنتظر لحظة الشهادة في سبيل الله ولو أعدموني ألف مرة لن أنكص عن قول كلمة الحق".
كان الأول هو رجل الأعمال الإخواني المهندس "حسن مالك" الذى صادروا أمواله ثم بعد ذلك اعتقلوه وانتظروا بحثا له عن تهمة، بينما كان الرجل الثاني هو المرشد العام للاخوان المسلمين "د.محمد بديع" والذى طاله من افتراءات إعلامية ما يكفي لكتابة التاريخ من جديد.
والحقيقة أن ما قاله الرجلان لا يأتي من قبيل التزامهما تكنيكا إعلاميا يفسد على الخصم فرحته ولكنه جاء على ما يبدو من خلال قناعة شخصية صهرتها وصقلتها تربية خاصة قوامها أن الاخرة خير وأبقي
كان موقف الرجلين متناغما لحد بعيد مع مواقف ثلة من رفاقهما الذين لا يحسبون للدنيا حسابا إلا أنها دار ابتلاء وجب اتخاذها درجا للارتقاء والتطهر من خلال صالح الأعمال, وهو ما لا يمكن له أن يتحقق إلا بوصول هذا الطهر إلى مرحلة النعيم الكبير والذى لا يتحقق إلا في الجنة.
من هذا الينبوع الإيمانى تحولت عقوبة الإعدام إلى درجة راقية من التكريم , فخرجت الحياة من جوف الموت, لا سيما حينما تطال شخصا في السبعين من عمره, هو مفارق الحياة لا محالة, طال عمره أو قصر, بحكم أعمارنا القصيرة كبشر, وهو ما أدركه مبكرا فقرر أن يستنفذها سعيا ليس لها ولكن للمحطة التي تليه.ا

من تاريخ المؤمنين

تجارب تاريخنا العربي والإسلامي تكتظ بالفداء والتضحية لأجل الفكرة والعقيدة والإله, وصلت أوجها في الفتوحات الاسلامية وتظل تتقد كلما اتقدت المشاعر الدينية والقومية أو كلما يكون هناك مدعاة للجهاد والوطنية مثل اوقات الغزو الصليبية والتتارية حتى مقاومة الاستعمار الغربي الذى افترش اقطارنا شرقا وغربا, ليس أول هؤلاء المجاهدين الليبي "عمر المختار" الذى طالبوه بكلمة تعطى حقا لسلطة روما الفاشية في ليبيا إلا أنه رفض وراح يجعل من القرآن آخر شيء طالعته عيناه قبل أن تقطف المقصلة رأسه لتزفها إلى النعيم , وليس آخرهم "صدام حسين" القائد القومي الذى جلجل صوته بالشهادة في ثبات ويقين فاخترق قلوب مليار مسلم في كل بقاع العالم , مرورا بالشاعر والمفكر "سيد قطب" في مصر و"أدهم خنجر" المقاوم اللبناني الجنوبي ضد الاحتلال الفرنسي والمقاوم الجزائري "أحمد زبانة" والمناضل القومي" رشدي الشمعة" في سوريا والطالب السوري "سليمان الحلبي" والاشتراكي السوداني "عبد الخالق محجوب" وآخرين كثيرين يختلفون في الدين والمذهب والفكر ولكنهم يتفقون في عدم اكتراثهم بالموت
ويمكننا أن نستعيد مأثورة واحدة في التاريخ الاسلامي لنعرف منزلة الموت استشهادا عند المؤمنين قالها سيف الله المسلول "خالد بن الوليد" الذى على ما قدم للإسلام من أعمال استنكر على نفسه أن يموت دون شهادة واضحة يقدمها للحياة الأبدية وقال لقد شهدت مئة زحف وما في بدني موضع شبر إلا وفيه ضربة (بسيف) أو طعنة (برمح) أو رمية (بسهم) , وها أنا أموت على فراشي كما يموت البعير.


العالم المؤمن

كما أن الشوق إلى الموت رغبة في نعيم الحياة الابدية, ليس خصيصة لاناس ينتمون للفكر الاسلامي سواء ذاك الذى يري الاسلام دينا ودنيا او حتى هذا الصوفي بمعناه الزاهد من الحياة فحسب, ولكنه أيضا هو قرين لكل من يحمل فكرا وثق فيه وثوق اليقين بدءا من عقيدة البعث والحساب عند الفراعنة حتى الديانات الانسانية في شرق اسيا وغرب أفريقيا وأمريكا اللاتينية.
وفي الفكر الأوروبي بل والعالمي حكايات كثيرة ومثيرة للغاية في هذا المضمار, كان "كيركجارد" فيلسوفا دنماركيا مؤمنا, راح يغوص في حياة الدنيا حيث متاع الحواس ولما سئم من تلك الرتابة , وثب وثبته القوية نحو إمتاع روحه حتى تتشبع, ولما سئمت روحه من هذا التحليق الروحي في الكون "الافتراضي" الفسيح وطمحت في نهاية الارتقاء , قال إنه أدرك حقيقة الحقائق , فوثب وثبته القوية نحو اللاهوت في جنة الإله.
وكان دانتي شاعرا إيطاليا مؤمنا أيضا, عكس عبر بلورة سحرية في اعجوبته "الكوميديا الإلهية" المكونة من ثلاثة أقسام "الجحيم، المطهر والفردوس" في عمق وصف متاع النعيم الذى لا يشبهه شيء ولا يناله إلا الصالحون , وبرغم أن البعض اتهمه بسرقة أو اقتباس بلورته السحرية تلك من سيرة "الإسراء والمعراج" الاسلامية و"رسالة الغفران" للشاعر العربي "أبي العلاء المعري" وهي رسالة تصف الأحوال في النعيم والسعير والشخصيات هناك، إلا أن "دانتي" أجري عليها بعض التعديلات لتواكب الدين المسيحي, ومع ذلك فان الانبهار الغربي بها يؤكد أن قوة الاعتقاد ليس لها وطن ولا دين.
وأيضا استشعر خصوم "سقراط" خطورة تعاليمه على مراكزهم ومصالحهم فاتهموه بالهرطقة، وعندما عرض عليه صديقه تهريبه من السجن وإنقاذه من حكم قضائي ضده بالإعدام أو النكوص عن اعتقاده, انحاز لما يعتقد ، فتجرع السم باطمئنان وبقي يلقي تعاليمه على الذين حضروا مأساته إلى اللحظة الأخيرة.

12 نوفمبر 2015

مقال تعيد المدونة نشره بمناسبة احتفال السيسي للعام الثانى على التوالى بالحرب العالمية الاولى التى بيع فيها العرب


محمد سيف الدولة يكتب:
 خطيئة الاحتفال بالحرب العالمية الأولى
لا اعلم من هو صاحب فكرة ان تحتفل مصر بالذكرى المئوية للحرب العالمية الاولى، وهى الحرب التى كانت وبالا علينا جميعا، ففيها تم تقسيمنا بموجب اتفاقيات سايكس ـ بيكو، وتم توزيعنا كغنائم حرب على المنتصرين من الاوروبيين، وخرجت منها كافة الأقطار العربية وهى ترزح تحت الانتداب/الاحتلال البريطانى او الفرنسى او الايطالى الذى استمر الى ما بعد الحرب العالمية الثانية، والذى كان سببا رئيسيا فى تخلفنا ونهب ثرواتنا.
وفيها بدأ تدشين المشروع الصهيونى بإعطاء اليهود الحق فى وطن قومى فى فلسطين بموجب صك الانتداب البريطانى 1922 ومن قبله وعد بلفور المشئوم 1917.
وفيها قام الاوروبيون باحتلال القدس لأول مرة منذ ان حررها صلاح الدين فى 1187، ودخلها الجنرال الانجليزى اللنبى بجيوشه فى 9/12/1917 وقال قولته الشهيرة "اليوم انتهت الحروب الصليبية". وهو ذات المعنى الذى كرره بعده الجنرال الفرنسى هنرى غورور حين احتلت قواته دمشق فى 25 يوليو 1920، فذهب الى قبر صلاح الدين وقال بشماتة "ها قد عدنا يا صلاح الدين".
ان استكمال احتلال البلاد العربية فى الحرب العالمية الاولى، وخاصة بلدان المشرق العربى التى لم تكن قد خضعت بعد للاحتلال الاوروبى، هو فى التاريخ والوعى والضمير الاوروبى الاستعمارى العنصرى، هو مجرد امتداد للحملات الاستعمارية التى شنت على أوطاننا منذ تسعة قرون، والتى لم ينسوا او يغفروا لنا أبدا انتصارانا عليهم فيها و طردنا لآخر جندى منهم فى عام 1291.
فنأتى نحن اليوم ونحتفل بها !؟
اى رسالة تلك التى نريد ان نبعث بها الى شبابنا وأولادنا بمشاركتنا فى هذا الاحتفال ؟
أنريد أن نخبرهم اننا نفتخر بهذه الحقبة التى كنا فيها محتلين وتابعين وضعفاء ومساقين وشعوبا من الدرجة الثالثة والرابعة.
هل نريد ان نروج لعصور الاحتلال والتبعية ؟
ام اننا نريد أن نتقرب من الغرب ومجتمعه الدولى، فى محاولة لنيل الرضا والاعتراف،على غرار مشاركتنا الحالية فى التحالف الامريكى الاستعمارى فى العراق وسوريا ؟
ان الشعوب والأمم العريقة، لا تنسى أبدا ثأرها، ممن اعتدى عليها واستعمرها واستعبدها.
حتى الصهاينة المجرمون لا يزالون يهاجمون مصر والمصريين بدعوى إخراجهم لليهود من مصر منذ ما يزيد عن 3000 عام. ولا يزالون يبتزون العالم بالهولوكست، وبالاضطهاد الاوروبى لهم فى العصور الوسطى، وبعنصرية شكسبير فى رواية تاجر البندقية، ولا يزالون يتاجرون بمحاكمة الضابط الفرنسى اليهودى "دريفوس" للتدليل على عنصرية أوروبا ومعاداتها للسامية.
فلماذا نسينا نحن جرائم الحقبة الاستعمارية الاوروبية التى قد تمتد آثارها المدمرة علينا لقرون طويلة ؟
هل يمكن ان ننسى لهم مذابح الإسكندرية والتل الكبير ودنشواى وثورة 1919 وكوبرى عباس والاسماعيلية وحريق القاهرة والعدوان الثلاثى وغيرها؟
ثم نتذكر لهم بدلا من ذلك انتصاراتهم على بعضهم البعض، باستغلالنا واستخدامنا أوطانا و بشرا ومواردا كوقود لحروبهم الاستعمارية الإجرامية.
***
لقد قامت الحرب العالمية الاولى بسبب تنافس وصراع الدول والامبراطوريات الاوروبية على استعمار باقى شعوب العالم. صراعا بين القوى الاستعمارية المهيمنة كبريطانيا وفرنسا وروسيا من جانب، وبين ألمانيا والامبراطورية النمساوية المجرية والدولة العثمانية رجل اوروبا المريض.
وللفيلسوف البريطانى الشهير "برتراند راسل" مقولة شهيرة بالغة الدلالة فى عنصريتها، حين سألوه عن سبب رفضه للحرب العالمية الاولى واعتقاله لذلك؟ فأجاب انه كان من الممكن تجنب الحرب لو قامت بريطانيا وفرنسا بإعطاء ألمانيا بعضا من مستعمراتها !
هكذا يفكرون، لقد كانت حرب بين لصوص العالم. حرب المنتصر و المهزوم فيها أشرار. والضحية فى جميع الاحوال هى شعوبنا.
***
لقد قال اللواء أركان حرب جمال شحاتة رئيس هيئة البحوث العسكرية فى الكلمة التى ألقاها فى الاحتفال، إن الجيش المصرى قدشارك مع الحلفاء فى 5 أغسطس 1914، لنصرة الإنسانية، بأكثر من مليون و200 ألف مقاتل، وقاتل فى 3 قارات "آسيا وإفريقيا وأوروبا"، وكان ترتيبه الثامن من حيث عدد القوات المشاركة. وانه قدّم أكثر من نصف مليون شهيد فى الحرب العالمية الأولى، ودفن من سقطوا من هؤلاء الشهداء فى بلاد مختلفة بمقابر الكومنولث.
فهل يجوز الافتخار بمثل هذه المشاركة التى قدمنا فيها نصف مليون شهيد من جملة عدد القتلى الذى بلغ 8.5 مليون فى هذه الحرب الاستعمارية الإجرامية ، بدون أن نحقق أى مقابل أو مكسب او مصلحة.
فازت بريطانيا التى لم يتعدَ عدد قتلاها هى ودول الكومنولث مجتمعة، 900 الف قتيل، باحتلال غالبية بلدان أفريقيا وآسيا بالمشاركة مع حلفائها، بينما خرجنا نحن فاقدى الاستقلال، مجزئين مستعبدين، بل ومحرومين من المشاركة فى كل مؤتمرات ومقررات ما بعد الحرب، التى رفضت مطالبنا بالاستقلال. انها أياما سوداء فى تاريخنا .
ورغم كل هذه التضحيات المصرية المجانية، لم ينسب لمصر أى دور أو فضل فى اى من المراجع التاريخية الرئيسية التى تناولت الحرب.
كما أن الجنود المصريين، شاركوا فيها بالإكراه والكرباج والسخرة لصالح مصالح بريطانيا الاستعمارية وليس لصالح مصالح مصرية او عربية.
وحتى لو كان الاحتفال مجرد مناسبة بروتوكولية، فان المشاركة غير مقبولة أيضا، فلا أحد يحتفل بهزائمه أو بعصور استعباده؛ فهل نحتفل بالاحتلال البريطانى 1882 أو بالانتداب 1922 ؟ أو بذكرى النكسة فى 5 يوينو 1967، أو بذكرى النكبة فى 1948 ؟
وهل يمكن ان يحتفل الزنوج بذكرى اصطيادهم وترحيلهم واستعبادهم فى الولايات المتحدة الامريكية؟
أو الهنود الحمر بذكرى إبادة المستوطنين الاوروبيين البيض لهم ولقبائلهم ولحضارتهم؟
***
ان المشاركة تعكس خللا واضطرابًا فى البوصلة الوطنية. ولقد سبق ان حسمت القوى الوطنية موقفها من مثل هذه الاحتفالات والمناسبات التاريخية، حين رفضت وتصدت للاحتفالية التى نظمها فاروق حسنى وزير ثقافة مبارك بمرور مائتى عام على حملة نابليون بونابرت.
ورغم ذلك نأتى اليوم ونكررها مرة أخرى، انها بلد العجائب !
*****
كتب هذا المقال فى نوفمبر عام 2014

11 نوفمبر 2015

محمد رفعت الدومي يكتب: مطلوب خيّاطة

مدينتنا تواصل الهبوط إلي ما تحت القبو بخطوات عصبية، لم تدخل سردابًا مجهول المعالم أكثر مما هي الآن، حتي الإستعمار الصريح لم ينجح في استدراجها إلي هكذا حالة، شعور محموم بالذعر العميق وضياع الطريق يضرب قلوب المصريين جميعًا، كل الطرق ظلال دائرية لا تقود إلي غاية، قيثارة بليدة تعزف صوتاً واحدًا صنعت في خمسينيات القرن الماضي، ونعيق الغربان يتردد في كل مكان! 
ليس من مصري واحد في قرارة نفسه يريد المضي قدمًا نحو تجربة سياسية أخري يكون للجيش نبض فيها بعدما انحاز ضد الشعب من أجل أقلية لا يريدون أن يتقبّلوا إملاءات التطور وتحولات الحياة، ولا أن يخسروا ولو قطعة مما يظنونها كعكة مقدسة يتوارثونها بحكم الزي في سبيل انتشال الكثير من الوطن والسكان وأنفسهم من الفجوة المرعبة التي تتهيأ لابتلاع الجميع..
لقد اكتشف الناس بياض الحرية لبعض الوقت وضاقت صدورهم بكل من يعتبر الحوار هرطقة، والنظر إلي الأمور في ضوء مغاير تطاولاً، والمعارضة حكمًا إن لم يكن بالإعدام فلا أقل من السجن المؤبد، كأنما عقد هؤلاء العزم علي الزحف إلي الخلف ولو علي دماء المصريين جميعًا، وعلي ألا يتركوا ورائهم سوى الأطلال، تلك الاستهانة الباهظة بروح القانون وبكل معاني المواطنة صار السكوت عليها عبئاً يفوق طاقة المصريين! 
لكأن الرغبة في الاحتفاظ بامتيازاتهم إلي الأبد أعمت عقول هؤلاء عن إدراك أن الخطر هذه المرة أكبر من أي مجازفة (استراتيجية) من مجازفاتهم البائسة، ولربما أدركوا أن الوطن الذي كان علامة علي احترامهم صار علامة على ضرورة انسحابهم من كل ما يمت إلي السياسة من قريب أو من بعيد ولكنهم لا يعرفون متي ولا أين ولا كيف يتوقفون، أو ربما يجهزون الآن وجههم القادم في مؤامرة أخري حتمًا سوف يكون مصيرها أيضًا الفشل ما دام علي الجانب الآخر ثمة شباب لم يسأموا بعد من البحث عن وطن يحترم بديهيات الديمقراطية، تلك البديهيات التي بمقدورها وحدها أن تضبط إيقاع شهوة الأغبياء إلي السلطة حتي بعد انقضاء مدة الصلاحية وتبخر الأوهام، وأنا هنا أستعير أصابع الفيلسوفة الأمريكية روسية المولد "آين راند" حيث تقول: 
- شهوة السلطة هي أعشابٌ تنمو فقط في القطع الشاغرة من الأدمغة المهجورة!
من السئ ألا شئ يفصل بين الماضي والمستقبل في هذه المعركة الصفرية إلا بندقية صماء سوف لا تسمع بالتأكيد ماذا يريد القتيل أن يقول قبل أن يترك هذا العالم!
لم يعد يخفي علي أحد أن ثورة يناير كانت ثورة ناقصة، والثورة الناقصة هي هاوية مرشحة لابتلاع وطن بأكمله، هذا عرفٌ تاريخي أشبه بالدارج، وهذا ما حدث فعلاً، لقد وصلت مصر إلي آخر موطأ قدم من الحافة من جراء عدم اكتمال ملحمة يناير، كان السبب المفصلي في نقصها هو، لا عدم وجود قائد لها، بل لتورط بعض الذين لبسوا مسوح الثوار في الترويج لهذه الشائعة ليوم له ما بعده، كل ما صدر عن هؤلاء بعد ذلك أكد أنهم ضالعون في مخطط إحباط محاولة انتقال مصر إلي المستقبل دون خسائر!
إن مما هو في حكم المؤكد أن عددًا من الذين انحازوا إلي الميدان، بل من الذين ساهموا في استدراج المصريين إليه قبل الثورة بشهور طويلة، كان بمقدورهم نقل الحلم بالتغيير من مجازفة التحرير الأشبه بالحلم إلي حقائق السياسة وتحويل الحلم إلي واقع، وكان من بينهم من يعرف كيف يجعل كتلة الثوار لا تنهار قبل انهيار عالم "مبارك" الكريه من الأمام ومن الخلف ومن الجانب الآخر وتطويقه من الذين لم يعرفوا في عالمه شيئاً عن الحق في الدفاع عن النفس ولا العدالة، وقبل اكتمال الثأر المؤلم من ستين عامًا من الخوف والقهر والقتل المجاني والمهانة وسرقة الأحلام، غير أن الأرض تآكلت سريعًا من تحت أقدام هؤلاء بفعل فاعل، أو بفعل كثيرين علي وجه الدقة!
لم يستغل الميدان قوة اللحظة التي كانت تقتضي أن تكون النهاية أعلى سقفاً وأرحب مساحةً من ضيق خيار "مبارك" وخبثه مهما كانت الخسائر، ما كانت لتكون بأية حال "1" علي "1000" من الخسائر التي نجمت، وتنجم، وستنجم، عن ترك الميدان قبل الأوان، ربما لأن الفرحة الزائدة عن الحد هي البوابة الملكية للغفران، ولقد بلغت فرحة المصريين عند تنحي "مبارك" حدًا كانوا مستعدين عنده لغفران خطايا الإنسانية كلها، لكن الخسة كاسمها، ذلك أن نظام "مبارك" عندما تأكد من انكسار قوة اللحظة راح يبجث للجميع عن جدران تفصلهم، وواصل العمل علي ارتفاعها وتكثيفها حتي حجبت الجميع عن الجميع، وصار كل شركاء شتاء يناير بحميميته وترقبه وأحلامه البيضاء جزرًا منعزلة انهارت بينها كل الجسور سريعًا، سريعًا جدًا!
وتظل الثورة الفرنسية مرجعًا رئيسيًا لكل الثورات، وقصة مدينتين A Tale of Two Cities"" هي الرواية التاريخية الثانية للكاتب العظيم "تشارلز ديكنز"، والمدينتان هما "باريس" و "لندن" في مدة زمنية واحدة، لقد كتب هذه الرواية عام "1859" ليؤرخ لأجواء الثورة الفرنسية وملامحها والأسباب الحاثة علي اندلاعها وذلك الانتقام المسرف الذى مارسه الثوار علي النبلاء والإقطاعيين دون أن يقيموا لأدنى معايير العدالة وزناً، ولقد استلهم "ديكنز" الرواية من كتاب "الثورة الفرنسية" للكاتب الإسكتلندي "توماس كارليل"، وتعد هذه الرواية مصدرًا جذريًا لكتابة التاريخ أدبًا، كما صارت مع بيع "200" مليون نسخة منها أعلي كتاب أصلي مكتوب بالإنجليزية تمت طباعته!
من السهل أن يكتشف كل من يقرأ "قصة مدينتين" أن الحالة التي تصنعها الأنظمة القمعية متشابهة في كل مكان، عندما كان "الباستيل" رمزًا للمخاوف والمعلم الأشهر دلالة علي "فرنسا" المظلمة، كما كان الفقر مرضًا فرنسيًا بلغ من الضراوة حدًا دفع "ديكنز" إلي أن يرسم في روايته بالكلمات لوحة لبرميل مملوء بالنبيذ الأحمر قد انكسر في أحد شوارع حي "سانت أنطوان"، فترك كل الناس أعمالهم وهرولوا إلى مكان البرميل يحاولون شرب قطرات النبيذ قبل أن تبتلعها الأرض، بل نزع بعضهم ثيابه وأخذ يغمسها في النبيذ المسكوب ثم يعصرها في فمه!
وكما نحن الآن في نظر سادتنا المزمنين، كان الفرنسيون في نظر الإقطاعيين أرقامًا، لقد ضغط "ديكنز" علي هذا المعني بقوة أكثر من مرة: 
المرة الأولي عندما يدهس الماركيز "سان إيفرموند" ابن الفلاح الفقير "جاسبارد" بعربته، ثم يلقي إليه في استعلاء عملة نقدية كتعويض عن خسارة ابنه! 
والمرة الثانية، عندما يتمكن "مستر لوري" من الوصول إلي صديقه القديم الدكتور "مانيت" فيجده مستغرقاً حتي جذور أعصابه في صناعة حذاء حريمي حتي أنه لم يلحظ أحدًا ممن دخلوا إليه، ويتقدم صديقه العجوز نحوه ويسأله بصوت هادىء إن كان يتذكره فلا يرد، ويسأله مرة أخري: ما اسمك؟ 
فيجيب بصوت منهك:
- اسمي مائة وخمسة البرج الشمالي! 
كان يشير بهذه الكلمات إلى رقم زنزانته في سجن الباستيل! 
ليس هذا أسوأ ما في الأمر، إنما الأسوأ أن الدكتور "مانيت" صار يؤمن أن السجان فقط هو من له الحق في استئناف الوجود والتواصل مع المستقبل، لذلك، عندما تقترب منه ابنته "لوسي" في تأثر بالغ وتضع يدها فوق ذراعه، يلتفت إليها ويسألها: 
- هل أنتِ ابنة سجاني في الباستيل؟
غير أن أبرز المشاهد التي لابد أن تتمسك بها الذاكرة فى "قصة مدينتين" هو مشهد "مدام ديفارج"، تلك المرأة التي التهم أعماقها الحقد على عائلة "دارني" الأرستقراطية بسبب ما فعلته بعائلتها في الماضي، لقد كانت الوحيدة الناجية من تلك العائلة التي حطمها "آل ايفرموند"، امرأة عابسة وفقيرة تحتل ندوب قلبها كل المسافة بين عقلها وتصرفاتها، شفتاها علي الدوام مزمومتان فى صرامة، ولقد رسم "ديكنز" هذا المشهد لها بحرفية عالية: 
"مدام ديفارج" تجلس في الحانة على مقعد بجوار زوجها "مسيو ديفارج" منهمكة في شغل الإبرة، كانت تنسج أسماء جديدة لمن حكم عليهم العوامُ بقطع الرأس بمقصلة الجلوتين، تتوقف أحياناً لتقوم بإملاء زوجها بعض الأسماء التي نسجتها بالإبرة في وقت سابق، وكلما نسيت اسمًا استعانت بصديقاتها المتواجدات معها بالحانة لتذكيرها، كان المخمورون يطلقون صرخاتٍ أشبه بعواء الذئاب استحساناً لإضافة كل اسم جديد، هذه الأصوات الممتلئة بنشوة الشراب الردئ كانت هي النغمات الأولي لعواء الحشود المتعطشة للثأر الذى اتصل فى "ساحة الشعب" حيث نصبت المقصلة الرئيسية! 
فما أحوجنا الآن إلي "خياطة" تنسج الكراهية، حتي لا ننسي، لقد ساهمت المغفرة وتجاوز الماضي في خرق ثورة يناير بقدر يصعب إنكاره، حتي أن بعض إعلاميي "مبارك" وبعض رجال دينه وبعض مثقفي نظامه وبعض معارضي نظامه من فوق السطح والمولودين من رحم مخابراتي خالص من تحت السطح، بعدما كانوا يحرضون علانية علي حرق الثوار أحياء لم يجدوا غضاضة في أن يحصوا أنفسهم فيما بعد من بين ثوار التحرير، بل لم يمنع الخجل بعضهم أن يدعي مساهمته في صناعة الثورة، وتقبَّل المصريون هذه الأكاذيب عن طيب خاطر، علي الرغم من أن كل مصري كان لديه القدرة على مشاهدة مساحة الضوء التي كان يشغلها هؤلاء أو تشغلها أقلام هؤلاء أو أصواتهم، وتلك النفايات التي كانوا يبصقونها في عقول البسطاء بهدف تعطيلها وحراسة بطالتها، سوف يُدرك ببساطة الماء أن هؤلاء لعبوا دورًا جسيمًا في تقويض الحلم وتعطيل التغيير وتخصيب الأحقاد وإقناع البسطاء بأن حظيرة "عبد الناصر" هي الخيار الوطني الذي يجب الإخلاص له، تمامًا كما استداروا إلي حقيقتهم، عندما شعروا بزوال الخطر وثبَّتهم العسكر، واستأنفوا العمل علي إقناعهم في عهد "د.مرسي" بأنها الخيار الوطني الذي يجب استرداده، والآن أيضًا، وبانفعالات مسرفة!
لا شك أن الأنظمة القمعية لايمكن أن تقوم بذاتها، لأنها أنظمة هشة بطبيعتها، لا يحميها من الانهيار إلا الخداع المتواصل وبعض السفلة الذين لا ضمير لهم من الموهوبين في فنون التضليل وفنون اختطاف البسطاء بعيدًا عن بشاعة الواقع، لذلك، إذا زار مصر، في أي وقت، يومٌ كيوم "فبراير" 2011 الشهير يجب أن تتسع دائرة العقاب لتشمل كل من ساهم في استعادة الشر وتجميل القتلة، من أجل المستقبل فقط، أعرف أن أوطان هؤلاء هي حقائب السفر، كما أعرف أنهم سوف يتوغلون في مساحات الفرار عند أول إحساس بالخطر، لكن لليهود تجربة جديرة بالاستنساخ في هذا السياق، لقد نجح الموساد الاسرائيلي في ملاحقة واغتيال معظم الذين تورطوا في الهولوكوست ثم تمكنوا بعد سقوط "ألمانيا" من الفرار إلي "أمريكا الجنوبية" ومخابئ أخري، هذه هي العدالة، إلا من رجع قبل انتهاء صلاحية الرجوع وجفاف مواسم الغفران!

09 نوفمبر 2015

نجاد البرعي يكتب: الأمن وليس الخوف

رساله تسلمتها. استاذ فى احدى الكليات المرموقة. يقف بسيارته فى احد المراكز التجارية .سيدة تعود بسيارتها إلى الخلف مسرعة، كادت تصدمه، نبهها؛ تشاجرت معه. اخذت رقم سيارته، اجرت اتصالا هاتفيا سريعا، نظرت اليه وعائلته وقالت ابلغت عنكم «شكلكم إخوان»!!. يقول الرجل «حاولت ان اعتذر لها خشية ان اجد نفسى أو احد ابنائى فى المعتقل أو السجن أو خشية المذلة والمهانة فى احد اقسام الشرطة». ترك الرجل رقم هاتفه اتصلت به؛ تركت له رقم هاتفى وانا اعرف انه لو حدث له ما يخشاه فلن يستطيع احد ان يساعده. بعدها بيوم واحد اتصلت بى احدى السيدات قالت «ان اخاها أحمد محمود عبداللطيف والذى يعمل اماما وخطيبا بوزارة الأوقاف تم اختطافه اثناء سيره بمنطقة البحوث فى ١٦ اكتوبر الماضى ».
علموا بعد وساطات متعددة انه محتجز بشكل غير رسمى فى لاظوغلى. الشاب الذى يبلغ من العمر ٣٢ سنة كفيف. ارسل اهله برقيات إلى النائب العام ووزير الداخلية دون رد. قالت «انا مستعدة ادفع أى اتعاب حضرتك عايزها، انت محام معروف واكيد تعرف تتصرف». قلت لها «لا تخافى سيحتجزونه مدة ثم يرسلونه مع بعض الاتهامات إلى النيابة والتى ستبقيه رهن الحبس الاحتياطى إلى امد غير معلوم، وعندها يمكن لك ان تزوريه فى السجن.. وفرى عليك مالك «!!. بعد يوم واحد اصدرت وزارة الداخلية بيانا قالت فيه انه «بناء على تحريات الأمن الوطنى تم القبض على خلية إخوانية تقوم بسد مصارف الأمطار فى الإسكندرية لإحداث حالة من السخط الجماهيرى ضد النظام القائم». تم القبض على مواطنين بتلك التهم مضافا اليها قليل من التوابل حول استهداف ضباط الشرطة والجيش!!. فى الوقت الذى كان فيه «الأمن الوطنى» مشغول بمعرفة من سد مصارف الأمطار فى الاسكندرية ليغرقها، كانت دول اجنبية ترسل خبراءها للتحقق من توافر «الأمن» فى المطارات المصرية.
عدم قيام «الأمن الوطنى» بواجبه بمهنية ونزاهة سيؤدى إلى مزيد من العمليات الارهابية. استغراقه فى محاولات خلق «مناخ من الخوف» داخل المجتمع للحفاظ على «استقرار الدولة» لن يؤدى الا إلى توترات عنيفة وخطيرة تتجاوز بكثير ما حدث فى يناير. الذين اكتشفوا ان هناك خلية إخوانية تسد مصارف الامطار فى الاسكندرية عجزوا عن حل لغز «اغتيال النائب العام» فى وسط القاهرة. دولة الخوف لن تحارب الارهاب، ولكنها تساعد على ان يتفهم البعض مبرراته بل ويساعده. الوقت قد حان للقيام بمهمة إصلاحية واسعة داخل جهاز «الامن الوطنى»، خلال العام الماضى بدا للكثيرين ان «القانون فى اجازة» وهو امر لا يصب فى صالح الدولة واستقرارها بالقطع. تُقام الدول على الامن وليس الخوف، الخائفون لا تقوى ايديهم المرتعشة على البناء.