نقلا عن "المصريون"
خفف عنا المستشار محمد ناجي شحاته ، رئيس محكمة الجنايات ، القاضي الذي يتولى "حزمة" من أخطر القضايا التي تشغل الرأي العام المصري والعالمي حاليا ، منها قضايا صحفيي قناة الجزيرة ونشطاء ثورة يناير وبعض قيادات جماعة الإخوان وقضية أحداث كرداسة وغيرها ، خفف عنا الكثير من المقدمات الضرورية التي كنا نحتاج لإثباتها في هذا المقال للتفريق بين تعليقنا عليه كقاض في محكمة يمثل العدالة ، وبين تعليقنا عليه كناشط سياسي ، أو مواطن له موقف سياسي وانحيازات سياسية مع أطراف ضد أطراف أخرى ، ومع شخصيات ضد شخصيات أخرى ، ومع أحزاب ضد أحزاب أخرى ، وهو الأمر الذي حسمه ناجي شحاته نفسه بالقول في حواره المنشور على الرأي العام : أنه كمواطن عادي يميل إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي .
استمعت إلى الحوار الذي أجراه مع قناة المحور ، وكذلك الحوار الذي أجرته معه الزميلة "الوطن" ، وهما متطابقان في الرأي والمشاعر وحتى في بعض الألفاظ ، وكلاهما خلال أربع وعشرين ساعة ، بما يعني أن إحساسا متزايدا بالقلق النفسي وتعاظم الضغط المعنوي من الرأي العام اضطره إلى هذا الخروج على منابر الإعلام لكي يتحدث عن قضية هو ينظرها حاليا ، ويهاجم شخصيات هو يحاكمها حاليا ويسخر منها أو يشتمها ، وهي سابقة بالغة الخطورة في القضاء المصري ، وتضاف إلى "سوابق" أخرى كثيرة هذه الأيام ، لم تكن تعرفها مصر طوال تاريخها الحديث كله .
إعلان "القاضي" انحيازه وتأييده وميله إلى قيادة سياسية يعني حتميا أنه يملك موقفا نفسيا ومعنويا ضد خصوم هذا القيادي ، وهذا يعني أن ميزان العدالة في ضميره اختل فيما يتعلق بقضايا خصوم هذه الشخصية وأعدائها ، رغما عنه بحكم الفطرة البشرية ، وقد كشف هو نفسه عن ذلك بوضوح وجلاء وعلى الملأ ، وبالتالي فناجي شحاته يملك موقفا نفسيا ضد أحمد دومه معارض السيسي حاليا ، تلك بديهية لا تحتاج لشرح كثير ، ولا يسترها قاموس بكامله يتحدث عن عدم اشتغاله بالسياسة ، ومن ثم فإن إصراره على الاستمرار في محاكمته أمر يصعب تفسيره ، أضف إلى ذلك أنه في نفس الحوار كشف عن "مرارة" في نفسه تجاه دومة ـ الذي يحاكمه ويفترض أن يصدر حكمه "العادل" عليه ، وقال في حواره أن أحمد دومه أهانه بتلميحه إلى صفحة مزعومة له على الفيس بوك وعلق "القاضي" بكلام نصه كالتالي : (لم ينشر هذا الكلام نصاً بالمواقع والجرائد ظناً بأن دومة أيقونه الثورة، وأنه الزعيم غاندى) ، والقاضي الذي يسخر من المتهم الماثل أمامه في "محراب العدالة" ويقول أنه فاكر نفسه غاندي وأن الناس فاكرة أنه أيقونة الثورة ، يستحيل أن يكون قاضيا عادلا مع هذا الشخص ، فقد أبان عن كراهية شديدة له ومرارة في نفسه تجاهه وتحقير لشخصه وسخرية منه ، فكيف يستجيز ناجي شحاته أن يواصل النظر في قضية هذا الشخص ، وكيف يصمت مجلس القضاء الأعلى على هذه الإهانة الفاضحة لمنطق العدالة وهيبة القضاء ، هذا شيء خارج حدود العقل والتصور .
والحقيقة أن هذه الروح العدائية للناشط السياسي القاضي ناجي شحاته ليست موجهة لأحمد دومة وحده ، بل هي موجهة لرموز ثورة يناير ، وحديثه عن شخصيات الثورة لا يخلو من مرارة وسخرية وحتى سباب ، كما وضح في تعليقه على سؤال عن علاقته برموز ثورة يناير قال ما نصه : (ليست لى علاقة بما يسمى «البرادعى» أو «بردعة» هذا «ولا حمزاوى و6 أبريل) ، هل القاضي مشغول بسب نائب رئيس الجمهورية السابق والحاصل على جائزة نوبل ويصفه بالبردعة ، هل هذه الروح تكشف عن حيادية أو عدالة أو حتى صفاء نفس تجاه ثورة يناير ورموزها ، المسألة أوضح من نور الشمس في رابعة النهار ، وفي حواره مع فضائية المحور هاجم الدكتور محمد البلتاجي وصفوت حجازي ـ بالاسم ـ ووصفهم بالمشاغبين ، رغم أنه ما زال يحاكمهم ومسؤول عنهم أخلاقيا وقضائيا .
وحتى عندما استحضر في حواره مع "الوطن" الوقت الذي بدأت فيه الداخلية وضع حراسة خاصة له قال ما نصه : (منذ لحظة الحكم فى قضية ضباط قسم إمبابة وكرداسة وتبرئة 18 ضابطاً بعد اتهامهم بقتل «السادة الحرامية وشهداء الثورة) ، تخيل أن القاضي الذي كان ينظر في طلب أهالي الشهداء انتزاع حق الشهداء من القتلة ، يصف هؤلاء الشهداء بالحرامية ، بل ويزيد في السخرية والمرارة بوصفهم "السادة الحرامية" ؟!، هل ضميرك يا قاضي يسمح لك بالحديث عن ميت ـ بلاش شهيد ـ بأنه حرامي ، وتسخر منه بهذا الأسلوب المتدني،وهل هذا اللفظ يعطي أي إحساس بالعدالة أو بحيادية القاضي أو بنقاء ضميره تجاه من فرض عليهم أن يتحاكموا إليه .
الناشط السياسي القاضي ناجي شحاته ، عندما سألته الصحيفة عن تعرضه للاستفزاز ، أثناء محاكمة قيادات الإخوان فأجاب بما نصه الحرفي أيضا : (لا يستطيع أحد استفزازى، لكن هتافاتهم «يسقط كل قضاة العسكر»، وما شابه ذلك، بعتبرها «كلاب تعوى») ، هذه وحشية في العلاقة بين القاضي والمتهمين أمامه ، أن يصفهم بالكلاب ، ثم يفترض أن يحكم عليهم بالعدل بعد ذلك ، فإذا كان قد استقر في ضميرك أو مشاعرك كل هذه الكراهية لهم وأنهم مجرد "كلاب تعوي" ، فلماذا تتمسك بالنظر في قضايا "الكلاب" ، نحن نعيش واقعا كالخيال ، بل هو الخيال السوريالي فعلا ، فيما يتعلق بفكرة العدالة ومؤسساتها في مصر الآن .
الناشط السياسي القاضي ناجي شحاته ، من الواضح أنه يملك ذاكرة سوداوية للغاية تجاه جماعة الإخوان التي قدموا له بعض قياداتها ليحاكمهم ويحكم عليهم حاليا ، ويمثلون أمامه ، وكشف ناجي أنه يملك تصورا واضحا بأنهم خصومه وألد أعدائه ، وأنهم لو كانوا في الحكم الآن فالمؤكد ـ حسب رأيه ـ أنهم كانوا سيضعونه في السجن مع آخرين ، أو كما قال هو بنصه الحرفي : (الوضع كان سيختلف تماماً حال استمرار «الإخوان» فى الحكم، وكان من الممكن الحكم علينا جميعاً بالحبس) ، وبطبيعة الحال ، هذا الكلام لا صلة له بالقانون ولا القضاء ، وإنما هو محض موقف سياسي وتصور سياسي ، بغض النظر عن كونه صوابا أو خطأ ، سليما أو غير سليم .
هذه هي شخصية القاضي الذي أوكلوا إليه مجموعة من أخطر قضايا ثورة يناير ورموزها وأحزابها وقياداتها ووقائعها ، وهذه هي الصورة التي أبان بها عن نفسه وهويته السياسية ومشاعره وآرائه ، وهذه هي الشخصية التي منحها القضاء المصري حق الحكم "بإعدام" الماثلين أمامه أو تدمير حياتهم بالكامل خلف السجون بأحكام مؤبدة ، وباختصار ، هذه هي صورة مصر الدولة الآن ، وهذا هو حال العدالة فيها ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .