20 ديسمبر 2015

زهير كمال يكتب:الروائي يوسف زيدان وإسرائيل


عقد المؤتمر الصهيوني الأول في بازل عام 1897 وكان هدف المؤتمرين بحث المسألة اليهودية ، وكانوا خليطاً من اليهود بمختلف الاتجاهات الاشتراكية والقومية ومن المتدينين والملحدين على حد سواء.
توصل المؤتمرون الى أن حل المسألة اليهودية يكمن في إقامة وطن قومي لليهود وتم اقتراح بلاد مثل قبرص والأرجنتين وأوغندا كمكان لإقامة هذا الوطن المنشود.
وفي النهاية استقر الرأي على فلسطين، فأرض الميعاد فكرة ملهمة تدغدغ مشاعر اليهود وهي حلم جميل يستطيع جمع كل اليهود أينما كانوا سواءً في روسيا أو بولندا وصولاً حتى بريطانيا.
وهكذا تم استغلال الدين من أجل فكرة سياسية
فما الذي يجعل ملحدين يتبنون فكرة دينية؟ أليس الشعور بأن المصلحة العامة تقتضي ذلك؟
وفي المقابل يحاول يوسف زيدان طرح فكرة الإسراء الى مسجد آخر على طريق الطائف كبديل عن القدس، وبدون إمعان تفكير ( مع افتراض حسن النية) تدمير قداسة العلاقة بين المسلمين والعرب من جهة وفلسطين من الجهة الأخرى، فتتحول فلسطين الى أوغندا أو الأرجنتين لا فرق.
لقد اعترف زيدان بأن إسرائيل عدو، فلماذا يتخلى عاقل إذاً عن أحد أسلحته أثناء المعركة ؟
وإضافة الى كون قضية فلسطين قضية عادلة يتبناها كل صاحب ضمير ووعي بغض النظر عن دينه وجنسه ، فإن التأييد المطلق من الشعوب العربية والإسلامية للشعب الفلسطيني لاسترداد حقوقه المشروعة هو سلاح لا يستهان به. وهو نابع من تراث عميق ومتجذر في أذهان المسلمين كرسه الدين الإسلامي في عقول تابعيه.
ويريد زيدان زعزعة هذا التأييد ورميه في القمامة.
ولهذا تتعدى المسألة تفسير مثقف لحادثة دينية ( الإسراء) ، أضف الى ذلك أن الرجل يؤمن بالحق التاريخي لليهود في فلسطين، ويبدى إعجابه بالشعب الإسرائيلي.
ويؤدي هذا الى وضع تفكير هذا المؤلف تحت المجهر والشك في نواياه.
وللتذكير فقط فالمسألة ليست في الشعب اليهودي وحقه في الحياة مثل باقي الشعوب وإنما في الدور الذي تلعبه إسرائيل في المنطقة والذي يغفله زيدان .
فمنذ أن وجدت إسرائيل وهي تلعب دوراً قذراً في المنطقة بدءً بضمان تدفق النفط الرخيص الى الأسواق الغربية وانتهاء بالمذابح التي ارتكبتها في حق الشعوب العربية.
ولو قصرنا الدور الإسرائيلي على مصر فقط، بلد الكاتب، فسنجد في الحقبة الأخيرة من التاريخ انتشار المواد الكيماوية المسرطنة والمستوردة من إسرائيل والتي تسببت في مرض أحد عشر مليوناً من شعب مصر الفقير الذي لا يحسب الكاتب حساباً له ، كما أن سرقة ثروة مصر من الغاز الطبيعي، ومصر في أمس الحاجة إليها لهي مصيبة أخرى.
في المثلين السابقين قام فاسدون ينقصهم الوازع الوطني وهمهم جيوبهم بتكوين ثروات طائلة غير مكترثين بالمصلحة العامة، وهي ثروات ملوثة بدماء المصريين البسطاء ومسروقة من أفواههم. فلماذا نغفل دور إسرائيل في الحالتين؟
يوسف زيدان وأمثاله من مثقفي الطبقة الوسطى المصرية، يعيش في انفصال كامل عن واقع الحال في مصر، ولم يكن أحد ليلومه لو أنه استمر ككاتب روائي يغني المكتبة العربية برواياته، ولكن عندما يبدأ بإعطاء تصريحات سياسية غير مدروسة، مثل موقفه من ثورة الضباط الأحرار عام 1952 ويظهر عيوب الثورة فقط بدون النظر الى التغييرات الجوهرية التي أحدثتها في المجتمع المصري ، إنما يدل على انحياز زيدان الى الطبقات العليا في المجتمع المصري، فلم تكن هناك أية قوة قادرة على تفتيت الإقطاع مثلما فعلت الثورة الناصرية. ولا يمكن إغفال ما فعلته الثورة من وضع مصر في مكانها الصحيح في هذا العالم حيث تبوأت مركزاً مرموقاً كقائدة للعالم العربي وأفريقيا ورمزاً لحركات التحرر في العالم أجمع.
ويشبه موقف زيدان موقف فئة كبيرة من الفنانين ضد ثورة 25 يناير المجيدة.
وهذا ناتج بلا شك عن سنوات التسطيح والتجهيل الطويلة التي مرت بها مصر والعالم العربي والمستمرة حتى يومنا هذا والتي تؤدي الى نتائج وخيمة لا يقتصر مداها على المنطقة بل تعم العالم أجمع.
يقول يوسف زيدان إن إسرائيل عدو عاقل فهل يبرر ذلك أن نتعامل معها بميوعة؟ وأن نعطيها صك غفران لما فعلته في صبرا وشاتيلا لمجرد أننا نعجب بمظاهرة احتجاج إسرائيلية ضد المذبحة.
والحق أن إسرائيل عدو ذكي ، وما يخططه هذا العدو لمصر بخاصة وللعالم العربي بعامة لهو أخطر بكثير مما يتصوره زيدان ، وإن لم يع ِ هو وأمثاله من المثقفين مثل هذه المخططات فإن أوضاع المنطقة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً والتي نعتبرها سيئة الآن ستكون نعيماً بالنسبة لما هو قادم حسب مخططاتها.
أتراها ضاقت علينا وحدنا
يا كاتب التاريخِ ماذا جَدَّ فاستثنيتنا
يا شيخُ فلتُعِدِ الكتابةَ والقراءةَ مرةً أخرى، أراك لَحَنْتْ
***
من قصيدة (في القدس)، للشاعر تميم البرغوثي

ليست هناك تعليقات: