إنّ اللغة العربيّة استقرّت لغة موحّدة للمجتمع العربيّ لأسباب تاريخيّة ودينيّة وسياسيّة مختلفة لكنّها "ورثت" رواسب من لغات الشعوب والقبائل التي كانت مستقرّة في هذه المنطقة التي نسمّيها اليوم "الوطن العربيّ".
والأدلّة على ذلك كثيرة. ولعلّ مبحث "اللسانيّات الساميّة المقارنة" هو أكثر المباحث كشفا لصلات القرابة بين العربيّة وأخواتها الساميّات من جهة ولما ترسّب فيها من أطوار لغويّة سابقة أثّرت في أنظمتها الصوتيّة والصرفيّة والمعجميّة والتركيبيّة والدلاليّة من جهة أخرى.
لكنّ هذه الكشوف العلميّة لا تعني نفي كون العربيّة لغةَ المجتمع العربيّ منذ أن اكتمل تكوينه أمّةً. ذلك أنّ المنسيّ أحيانا في الحديث الذي يراد له أن يكون "علميّا" عند علماء اللسان هو أنّ هذا العلم يقوم على محورين: الآنيّة والزمانيّة. والدراسة الآنيّة تعني دراسة الظاهرة في زمانها ثابتة أي من حيث هي بنية قائمة على عناصر وعلاقات بين تلك العناصر؛ والدراسة الزمانيّة هي دراسة الظاهرة/البنية في حركتها داخل الزمن أي وهي نظام. ذلك أنّ النظام هو بنية متحرّكة أو بنية مضافا إليها الحركة والقواعد (أو القوانين) والمبادئ.
وهذا إن طبّقناه على اللغة – وعلى العربيّة مثلا – سيتبيّن لنا أنّ القول بوجود آثار لغويّة من أطوار سابقة في اللغة العربيّة يجب أن ينزّل تنزيلا تاريخيّا. وعندئذ سيكون ذلك تأكيدا أنّ الطور السابق لا ينفي اللاحق ولا يكون حجّة عليه كما أنّ الطور اللاحق لا ينفي السابق ولكن يشمله ويتجاوزه.
ولينظر من شاء التوسّع أعمال المتخصّصين في الدراسات اللغويّة الساميّة المقارنة فقد أكّدوا فيها اتّساع إمكانات العربيّة التعبيريّة مقارنة باللغات التي ورثت منها عناصر في أطوار سابقة.
ومن تلك الأعمال كتاب الأستاذ رمزي بعلبكّي "فقه العربيّة المقارن" وكتاب المستشرق هنري فليش "الجامع في فقه اللغة العربيّة"... وغيرهما كثير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق