على الطريقة الديكتاتورية القديمة وفي الخفاء، بينما كان محمد مرسي يسابق الزمن لأجل تحقيق بعض من وعوده، بعد عام من الحكم، آمنا جانبه من عسكر ساهم هو شخصيا في ترقية بعض ألويته، ومنهم القائد العام للقوات المسلحة عبد الفتاح السيسي، الذي تحوّل بقرار من الدكتور محمد مرسي إلى وزير للدفاع، كانت في المقابل الطبخة العسكرية بتوابل مالية خليجية تطهى في الخفاء، لتقدم في طبق تم التخطيط له كما تقدم الأفلام المصرية عادة وجها مغايرا للواقع من خلال صورة مقدم البيان العسكري القاضي بتنحية محمد مرسي من على رأس السلطة، أمام أنظار وأسماع شيخ الأزهر وبابا الإسكندرية وعدد من مشاهير مصر في جميع المجالات، مما يؤكد أن التحضير لهذه الصورة لا يمكن أن يكون وليد الثلاثين من شهر جوان، وإنما قد يكون ممتد لأسابيع عديدة، وإذا كان الاسم المسيطر على الحدث إعلاميا هو لعبد الفتاح السيسي الذي قال مرة إنه يفتخر بتاريخ ميلاده الذي فيه نوفمبر و1954؟؟، وقال أيضا أن حلم حياته أن يرى مصر بلدا ديمقراطيا مثل الدول الأوروبية يتداول فيه الرؤساء على السلطة بطريقة سلمية، إلا أن تواجده في الصورة الأولى لا يعني أنه المخطط الرئيسي لهذا الانقلاب الذي هزّ مصر، والذي انتقل من الإمارات العربية تحت قيادة محمد بن زايد إلى غاية سبعة ألوية كان ينسق بينهم السيسي.
وتكمن صعوبة مواجهة هؤلاء أن لكل منهم حكاية وعالم قائم بذاته، وصعوبة معرفة من هو القائد الحقيقي في الداخل للإنقلاب ولما بعد الانقلاب، فالمعروف أن رئيس أركان القوات المسلحة صدقي صبحي هو الجسر الرابط بين عسكر مصر والإمارات العربية، وهو الذي قال نهار أمس إنه سيسحق أي ثورة شعبية تحاول إجهاض ما سماها بالثورة الحقيقية في الثلاثين من جوان، وساهم قائد القوات الجوية حامد المصري في سرّية المهمة، حيث راح يؤمن الاتصالات بعيدا عن أسماع بقية قادة الجيش حتى يضعهم أمام الأمر الواقع، وابتلع أسامة أحمد الجندي خطة السيسي في الانقلاب بأقل الأضرار، وراح يشرحها للانقلابيين، أما وزير مالية الانقلاب فشغله قائد قوات الدفاع الجوي عبد المنعم إبراهيم بيومي الذي نقل أموالا طائلة إلى القاهرة، ووزّع بعضها على ضباط مختلف المناطق لأجل إنجاح الخطة، مع حمله لوعود كثيرة بأن يحققوا مزيدا من الامتياز في حالة نجاح الخطة، وهو ما نسف أي انقلاب عسكري داخلي وجعل العسكر الذين عانوا في وقت قيادة محمد مرسي للبلاد بسبب سيطرة البوليس يعتبرون ما تحقق إضافة لهم، خاصة أن قائد المنطقة العسكرية توحيد توفيق ضمن السيطرة على القضاء وعلى التلفزيونات العمومية والخاصة، حيث تأكد أن غالبية الإعلاميين وخاصة القنوات الخاصة تلقت أموالا ووعودا جعلتها تحوّل الإمارات العربية إلى البلد الثاني بالنسبة لكل المصريين فجاء الانقلاب الإعلامي أقوى من الانقلاب العسكري، مما حيّد الإخوان وعزلهم إعلاميا، وهو ما سهر عليه أيضا مدير المخابرات محمود حجازي ومدير إدارة الشؤون المعنوية أحمد أبو الذهب الذي تولى إسكات أي عسكري بمبلغ مالي متخم أسكتهم جميعا، ورفقة هذا السباعي ساهم وزير الداخلية في منع القنوات الدينية التي تبدو في صف الإخوان المسلمين وحتى التي أرادت الحياد، كما رسم حمد بن صباحي الديكور العام لحفلة الانقلاب التي ظهر فيها مختلف الأطياف من البابا إلى شيخ الأزهر، وكان واضحا أن لا أحد من الحضور تفاجأ بإعلان الانقلاب، مما يعني أن الطبخة كان زمنها أبعد من زمن ما يسمى بالثورة الشعبية في 30 جوان بأسابيع عديدة، واندس الكثير من الضباط وسط الشباب في ميدان التحرير يبشرونهم بطوفان من المال القادم من الإمارات العربية والمملكة العربية السعودية لأجل أن تعود مصر إلى عالم السياحة والتجارة، أما السيسي فهو الرجل الظاهر الذي صنع بالخصوص الشهرة، وهو العسكري الذي تخرج في زمن الخيانة عام 1977 عندما كان أحد الصامتين إزاء سفرية الرئيس الأسبق أنور السادات إلى تل أبيب، والمباركين لمعاهدة السلام التي وضع فيها الجيش المصري سلاحه للأبد وحوّله الآن إلى الانقلابات.
النص الاصلى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق