13 أبريل 2013

وائل قنديل يكتب : هذيان سيادة «الغريق»


أعطنى عقلك: كيف تهنئ منافسك بفوزه عليك، ثم بعد ذلك تدَّعى أنه لم يفز وأنك لم تخسر؟
سؤال آخر لبعض عقلك: كيف تزعم أن لك عشرين مليون نصير ومؤيد فى بلدك، ثم تتركهم وتختبئ فى منفى وثير وترتعد كلما طالبك أحد بالعودة والمواجهة؟
فى حواره التليفزيونى الأخير، بدا «الفريق» أقرب إلى «الغريق» الذى يتخبطه الموج فيجعله يهرف بكلام كثير يخلو من المعنى والمنطق، ويناقض أوله آخره، ولا يُفهم منه شىء سوى أن غريقا يحاول أن يشعل حريقا تحت الماء أو فوقه.
ولكن أغرب ما نطق به أنه فور إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية أمسك بهاتفه متصلا بالمرشح الفائز للتهنئة، عاتبا على الفائز أنه لم يرد التهنئة ولم يشكره، والمنطق يقول إن تهنئة المنافس تعنى اعترافا وتسليما بالنتيجة وإقرارا بفوزه.
وإذا وضعت فى الاعتبار أن الخاسر قبل إعلان خسارته كان يستنكف نطق اسم منافسه، ويتهكم عليه واصفا إياه بـ«العياط» فإن مبادرته بالتهنئة تعد نوعا من النفاق الاستباقى السريع، ولما لم يجد استجابة لهذه المحاولة الناعمة قرر أن يحزم حقائبه ويرحل فى جوف الليل.
ويمكنك أن تفسر هذه الحالة العصبية أو العصابية التى تسيطر على أداء جنرال «الأيام السوداء» ومن لفَّ لفه بالداخل والخارج، على ضوء عدة متغيرات مهمة شهدتها الساحة المصرية مؤخرا، أولها أن محاولات استمطار سحب الصدام الاصطناعية بين المؤسسة العسكرية ورئيس الجمهورية تتبدد وتنقشع على نحو كامل الآن، وقد تجلت آثار هذا الانقشاع على الخطاب الصادر عن رموز جماعة «يارب انقلاب» فوجدنا انخفاضا ملحوظا فى نبرة الحشد والاستعداء ومحاولات جر مؤسسات الدولة إلى صدام على أرضية قبلية.
ولو كنت قد تابعت مجريات يوم أمس، التى وضعت لها عناوين مثيرة على طريقة أفلام السبعينيات من عينة «يوم الجحيم» و«جمعة الدم» ستكتشف أن الاجتماع الذى عقده رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة، مع أعضاء المجلس وفى مقدمتهم وزير الدفاع ــ كان بمثابة رسالة قوية ومباشرة وواضحة للنافخين فى جمر الفتنة بأن على الحالمين بالحل العسكرى لتعقيدات المشهد السياسى أن يفيقوا من حلمهم، ويدركوا أن فرص إيقاد هذا الجحيم تكاد تكون منعدمة.
و فى السياق ذاته بدأت بشارات تحسن فى أوضاع الاقتصاد تلوح فى الأفق، من ذلك اتجاه الجنيه المصرى إلى التعافى من نكسته أمام الدولار، بمجرد الإعلان عن ضخ عدة مليارات قادمة من قطر وليبيا فى شرايين الاقتصاد، فضلا عن أنباء تتحدث عن تحسن ملموس فى مخزون القمح، وتقدم فى سياسة إنتاج وتوزيع الخبز الجديدة.
و بموازاة ذلك تحمل أخبار الطقس السياسى بعضا من التفاؤل، بالحديث عن تعديلات الدستور على نحو جاد، والانتهاء من قانون الانتخابات وإرساله إلى المحكمة الدستورية مرة أخرى، والتسريبات الخاصة عن تشكيل حكومة جديدة.
وكل هذه الإشارات تشى بأن ثمة إقرارا بأنه لا حل ولا مخرج من هذا المأزق إلا من خلال عملية سياسية جادة ومحترمة، بعد أن ثبت أن الرهان على المولوتوف والعنف لن يؤدى إلى شىء.