18 أبريل 2015

العلاّمة السيد علي الأمين يكتب : أهمية الخطاب الديني في نشر ثقافة السلم الأهلي

نقلا عن جريدة اللواء اللبنانية
يجد الباحث في بدايات تكوين المجتمع الإسلامي في المدينة المنورة الاهتمام الجليّ والواضح بعنصر سلامة العلاقات الدّاخلية بين أفراد المجتمع وهو ما عبّرت عنه بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية (بإصلاح ذات البين) كما جاء في قوله تعالى: {فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين}.
وقد برزت هذه العناية بإصلاح ذات البين من خلال جملة من التشريعات ذات الأبعاد الجامعة بين مكونات المجتمع المتعدّدة والمؤلّفة بين قلوبها وبها تحقّقت نعمة الله على تلك الجماعات المتفرّقة المتناحرة والمتصارعة فجمعتهم بعد الإختلاف وأصبحوا أهل مودّة وائتلاف، كما حكى الله تعالى عن ذلك بقوله: {واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءاً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً}.
وقد جاء عقد المؤاخاة الذي قام به الرسول (ع) في المدينة المنوّرة بين قبائل الأوس والخزرج والمهاجرين والأنصار ليجعل الأخوة أساساً لقيامة المجتمع الجديد وعنواناً من عناوين دعوته الرّائدة التي اعتمدت على السلم قاعدة من قواعدها وبنداً من بنودها كما في قوله تعالى مخاطباً المجتمع الجديد {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ}.
ولا شكّ في أن عقد الأخوّة قد شكّل أهمّ الوسائل وأفضل الطرق المؤدية إلى فضّ الخلافات والنزاعات والمحققة للسلم بين الأفراد والجماعات. وقد جاء في نصوص السنّة النبويّة الشريفة أن المسلمين كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعت له بقية الأعضاء بالسهر والحمّى، وأن المسلم أخو المسلم لا يخونه ولا يخذله ولا يحقره وقد أصبح المسلمون في ظلّ هذه التعاليم مجتمعاً من أطهر المجتمعات التي عرفها التاريخ في تحابِّهم وتوادّهم وتراحمهم وتعاونهم كما حكى لنا ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركّعاً سجّداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم أجراً عظيماً}.
ولمّا أصبحت الأخوّة ركناً في بناء المجتمع الإسلامي فهي تحتاج إلى الرعاية والتّعاهد بما يمنعها من الاهتزاز ولتبقى تؤدي دورها في تحقيق السلام الدّاخلي الذي يعتبر من الضروريات للانطلاق في عمليّة البناء والتغيير ومواجهة الأخطار التي تعترض المسيرة الجديدة، وقد أدركت قيادة المجتمع المؤيّدة بالوحي الإلهي أن الأخوّة لا تكون إلاّ حيث يكون التعدّد والكثرة، وهذا يعني الإختلاف بحسب العادة في الطبائع والآراء والأفكار والتطلّعات والرّغبات وغيرها من الأمور التي قد تؤدي إلى الخلاف والنزاع الّذي يعصف بالوحدة المطلوبة ويعرّضها للتفكك والانقسام فيما لو تركت أسباب الخلاف دون علاج. ولذلك عملت الشريعة على إيجاد تشريعات وتوجيهات للمحافظة على هذا الركن الركين الذي يشكّل حجر الزاوية في استمرار الكيان المجتمعي واستقراره فأمرت بالإصلاح بين الناس والحث عليه واعتبرته في طليعة الأعمال التي ينبغي القيام بها كما جاء في قوله تعالى: {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجراً عظيما} وكما جاء في قوله تعالى: {إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون}.
الكلمة الطيّبة
وأكّدت الشريعة في هذا المجال على دور الكلمة الطيّبة كما جاء في قوله تعالى {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ}. وقوله تعالى {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينً}.
ولذلك فقد حذّرت الشريعة عن كلّ ما يؤدي إلى إضعاف وحدة الأمة والمجتمع في فعل أو قول كالنزاعات والشائعات، كما جاء في قوله تعالى {ولا تنازعوا تفشلوا وتذهب ريحكم}.
وكما جاء في الحديث (إيّاكم والظنّ، فإن الظنّ أكذب الحديث، ولا تحسّسوا ولا تجسَّسوا، ولاتنافسوا ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا).
ومن الأحاديث التي تؤكد على إهتمام الشريعة بسلامة العلاقات الداخلية ما ورد عن النبي(ع): (ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصّدقة، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إصلاح ذات البين وفساد ذات البين هي الحالقة، ولا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين). وفي حديث آخر عن أبي أيوب الأنصاري: (قال ألا أدلّك على صدقة خير لك من حمر النعم ؟ قال: بلى يا رسول الله. قال: تصلح بين الناس إذا تفاسدوا وتقرب بينهم إذا تباعدوا). وفي بعض النصوص الأخرى: (إصلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام). والنصوص بهذا المعنى كثيرة.
وتعزيزاً لسلامة العلاقات الداخليّة، فقد تعدّدت الروايات والأحاديث في الدلالة على ترسيم نهج أخلاقي من خلال منظومة القيم والمبادئ التي تبعد الإختلاف عن دائرة الخلاف والنزاع وتهيّء المناخ لسلامة المجتمع الداخلية كما جاء في بعضها: (أفضل المؤمنين إسلاماً من سلم المؤمنون من لسانه ويده وأفضل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً) و(أفضل المؤمنين إيماناً أحاسنهم أخلاقاً الموطئون أكنافاً الذين يألفون ويؤلفون، ثم قال لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يحبّ للناس ما يحب لنفسه وحتّى يأمن جاره بوائقه) و(أفضل الإسلام من سلم المسلمون من لسانه ويده). (والمهاجر من هجر السوء والذي نفسي بيده لا يدخل الجنة عبدٌ لا يأمن جاره بوائقه). (المسلم من سلم الناس من يده ولسانه، والمؤمن من ائتمنه الناس على أموالهم وأنفسهم).
ومن الواضح أن هذه التشريعات لا تخصّ المسلمين وحدهم بل هي شاملة لكل مكوّنات المجتمع من المسلمين وغيرهم باعتبار ورود كلمة الناس في بعض تلك الأحاديث وكلمة الجار المطلقة وغير المقيّدة بدين أو مذهب.
وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
وعلى الرغم من كثرة هذه التوجيهات والإرشادات المشجعة على السلوك الذي تستقيم به العلاقات الأخوية داخل المجتمع فإنّ الشريعة لم تترك ذلك لاختيار الأفراد لمحاسن الأخلاق وإنما أمرت الشريعة بتكوين جماعة تكون مهمتها الدّعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي بمثابة الهيئة الدائمة للرقابة والإصلاح والتقريب وقد عبّر القرآن الكريم عن تلك الجماعة بالأمّة ولعلّ ذلك لرفعة قدرها وأهميّة دورها الذي تقوم به في حفظ الأمة من داخلها كما في قوله تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون}. 
وهذه الجماعة فيما نرى هي التي تشكل النواة للفرقة الناجية باعتبار أنها تسعى لنجاة المجتمع والأمة كلها وليست الفرقة الناجية هي التي تحتكر النجاة لنفسها وتضيّق رحمة الله التي وسعت كلّ شيء.
وينتظم في وظيفة هذه الهيئة كل أفراد المجتمع بل يمكن القول بأن الأمة كلها تنتظم في هذا الواجب الهادف إلى تماسكها الداخلي باعتبار أنها الأمة التي وصفت بأنها خير أمة أخرجت للناس لأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر وإيمانها بالله كما في قوله تعالى: {كنتم خير أمة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله}.
وهذا ما يشير إلى أن مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي مسؤوليات الجماعات والأفراد ويؤيّد هذا المعنى من المسؤولية العامّة ما ورد في السنّة النبويّة الشريفة : (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته).
مسؤولية الولاة وأهل العلم والقلم
وقد ورد في الحديث (إثنان من أمّتي إذا صلحا صلحت أمّتي، الأمراء والعلماء) وهذا ما يؤكد على ضرورة التعاون بين ولاة الأمر وأهل العلم والقلم على نشر خطاب الإعتدال الذي يجمع ولا يفرّق ويصلح ولا يفسد.
وقد يحاول البعض الفرار من هذه المسؤولية في الحياة الدنيا وكأنّه يؤجّلها إلى عالم الاخرة حيث تنتفي الحاجة إليها ويعتذرون عن تحمّل هذه المسؤولية في مجتمعاتهم بدعوى خوف الضرر على أنفسهم. ولكن الهدف في الحقيقة عند هؤلاء هو المحافظة على مصالحهم الشخصية وهي لن تكون في سلامة عندما تتعرّض المصالح العامّة للمجتمع إلى الخطر إذا تركت الصراعات والنزاعات تعصف به وتخلّى المسؤولون والمصلحون عن دورهم ومسؤولياتهم فإنّ ذلك سيؤدي إلى الظلم وهلاك المجتمع كما قال الله تعالى: {وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون}.
وقد جاء في الحديث عن هؤلاء الذين تركوا هذه الفريضة العظمى أنهم (قوم لا يوجبون أمراً بمعروف ولا نهياً عن منكر إلا إذا أمنوا الضرر يطلبون لأنفسهم الرخص والمعاذير) مع أن كلمة الحق هي من أفضل الجهاد كما ورد في الأحاديث فهي لم تكلّفهم أن يحملوا سيفاً داخل المجتمع لإصلاح ذات البين وإنما كلّفتهم بالكلمة الّتي تصوّب المسيرة وتمنع من تراكم الأخطاء التي تؤدي إلى فساد العلاقات. وقد جاء في العديد من الروايات: (ما من رجل ينعش بلسانه حقاً فعُمل به بعده إلاّ يجري عليه أجره إلى يوم القيامة ثمّ وفَّاه ثوابه يوم القيامة) كنز العمال. و(أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر) وفي بعضها (كلمة عدل هي من أعظم الجهاد) و(إنّ الناس إذا رأوا المنكر ولا يغيّرونه أوشك الله أن يعمّهم بعقابه).
وعن ابن مسعود (إنّ أوّل ما دخل النقص على بني اسرائيل كان الرجل يلقى الرجل فيقول يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنّه لا يحلّ لك، ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض، كلاّ والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على أيدي الظالم ولتأطرنّه على الحق أطرا أو ليضربنّ الله بقلوب بعضكم على بعض ثم يلعنكم كما لعنهم).
وقد وصفهم القرآن الكريم بأنهم كانوا قوماً لا يتناهون عن منكر فعلوه وكان ذلك سبباً من أسباب فقدان الأمن في المجتمع وضعف تماسكه وانهياره بانهيار المثل والقيم التي تخلّوا عن التمسّك بها والإحتكام إليها.
فمتى تقال هذه الكلمة التي تحفظ بها سلامة المجتمع والأمّة؟! وقد جاء في الحديث (مثل العلم الّذي لا يقال به، مثل الكنز لا ينفق منه).
وعن الإمام علي (ع): (وإن العالم العامل بغير علمه كالجاهل الحائر الذي لا يستفيق من جهله بل الحجة عليه أعظم والحسرة له ألزم وهو عند الله أَلْوَمُ).
والسؤال الذي ينبغي طرحه، هو : كيف نخرج خطاب الإعتدال الديني من الحالة الفرديّة إلى الحالة المؤسساتية التي تجعل منه مرجعيّة عامّة في ثقافة السلم الأهلي المؤثرة في سلوك الأفراد والجماعات؟
وهنا نرجع للتأكيد في الدرجة الأولى على دور ولاة الأمر في هذه المسألة المهمّة والبالغة التأثير في مجتمعاتنا التي لا يمكن إخراج الدين من حياتها، لأن الدين يشكل أساساً للفكر والعقيدة لديها، فلا يمكن إغفاله عن دائرة التوجيه والتنظيم، ولا بدّ من إبعاده عن دائرة الإستغلال في التعبئة الخاطئة التي تهدد السلم الأهلي والإستقرار من خلال الثقافة المضادّة التي تزرع الفرقة والبغضاء باسم الدين بين أفراد المجتمع وفئاته، وقد ذكرنا بأن ذلك يبتدئ من المدرسة والكتاب، وهذا ما يتطلب تنظيماً للتعليم الديني وتعديلاً لمناهجه وإيجاد المعاهد المشتركة للدراسات الدينية، وغيرها من المقترحات التي قدمناها في هذا السبيل إلى مؤتمر الحضارات في خدمة الإنسانية الذي انعقد قبل شهرين هنا في مملكة البحرين المحروسة.
يا أولي الأمر من سواكم نطالب إنّكم للبلاد عينٌ تُراقبْ
يا أولي العلم من سواكم نخاطبْ إنّكم في العباد أهلُ المناقبْ
عهدنا الماضي كان عذب المشاربْ مَنَحَتْنَا السماءُ طُهر السحائبْ
وانظروا أجداداً لنا كيف صاروا أُمَّةً لم تفصم عراها القواضبْ
رفعوا للدين الحنيف لواءاً وبه ذَلَّلوا جليل المصاعبْ
أسسوا دولة الهدى بلغت في حكمها شرق الشمس حتى المغاربْ
جَمَعَ الدين شملهم واستقاموا وغدوا يمتطون ظهر الكواكبْ
هو إسلامنا فسيح الجوانبْ ليس فيه ضيقٌ كضيق المذاهبْ
أبعدوا الجيل عن سموم لماضٍ أين منها في الفتك سمُّ العقاربْ
أنقذوا الجيل من مكايد قومٍ لا تجاريهم في الدهاء الثعالبْ
واطرحوا أثواب التّعصّب عنهم وانفضوا أكواماً لتلك الرواسبْ
واجمعوا صفاً والإله استعينوا هو نعم المولى وأعظم غالبْ
شَيِّدوا للعقول صرحاً منيعاً بسراج العقول تمحى الغياهبْ
وعلى الأمّة احْذروا من رواة للحديث الضعيف يبدي المثالبْ
إن أخباراً لا توحِّد شملاً كاذبٌ من يأتي بها ألف كاذبْ !!

17 أبريل 2015

ياسر بكر يكتب : الحجاب .. وأكاذيب " أراذل الشوباشية " !!

صفية زغلول وهدى شعراوى على غلاف الجورنال دي كير الفرنسية

دعوة الزميل الأستاذ شريف الشوباشي لمليونية خلع الحجاب في ميدان التحرير حق لسيادته في إطار ما كفله الدستور المصري والإعلان العالمي لممارسة الحقوق المدنية والسياسية الذي وقعت عليه مصر والذى يكفل للكافة الحق في حرية التعبير والاعتقاد والرأي، والتعبير عن ذلك بالوسائل السلمية التي حددتها القوانين الوطنية في كل بلد.. وقد اشترط القانون في مصر الأمانة في نشر المعلومات واعتبر قانون العقوبات المصري أن نشر الأخبار والمعلومات الكاذبة من الجرائم التي تضر بالسلام الاجتماعي وتكدر السلم العام باعتبارها تُدخل الغش والتدليس على المُتلقي دون سند من الحقيقة أو الواقع .. وهى من الجرائم المتعلقة بـ " عيب الإرادة " شأنها في هذا شأن جرائم النصب والتزوير، .. وهو ما أوقع السيد شريف في المحظور !!
.. في إطار حملة الدعاية للترويج لدعوته أشار السيد شريف إلى أنه تلقى العديد من الاتصالات التي ترحب بالفكرة وتؤيدها.. ولم يقل لنا سيادته الطرف الثاني في تلك المكالمات أو عددها أو مضامينها !! وهو تجهيل يحمل مغزى..وينفي عن فاعله " حسن النوايا ".
.. كل هذا والسيد شريف ودعوته لم يزيدا على كونهما نوع من العبث أي " شقاوة عيال " تدعو إلى الدهشة والعجب وتثير الرثاء أكثر من اتخاذهما على محمل الجد إلى أن خرج علينا الزميل الأستاذ شريف بتصريح ينطوي على ملمح من سفالة ووقاحة وهو أن : " 99% من العاهرات محجبات " .
.. ولم يذكر لنا السيد شريف من أي جهة أتي بتلك النسبة .. ولا من أين استقى المعلومة ومن أي إحصاء أتى بها وكيف تثنى لسيادته حصر أعداد العاهرات في بلد تحظر الدعارة ؟! ولا كيف استطاع الوصول إلى أن نسبة الـ 99% منهن محجبات ؟!! ـ وهو أيضا بالتأكيد لا يعرف ـ .. وهو ما يقودنا إلى إثارة قضية التفكير الأعوج والتفكير والمستقيم وما يترتب على كل منهما من اعوجاج الخطاب واستقامته !!
.. وإذا افترضنا جدلاً صحة ما قاله الأستاذ شريف ـ وهو فرض لا نسلم به أبداً ـ ليبرر دعوته للمرأة المصرية للتظاهر في ميدان التحرير ضد فريضة الحجاب..؛ فإن ما تعلمناه أيضا أن الكلام في القضايا العامة لا يكون تحت تأثير اتجاهاتنا الانفعالية، وأن القياس يتم على النموذج الصحيح، وليس المقياس الخطأ !!
.. وهو ما يجعلنا نستشعر رغبته في قذف الجميع بما هو مستقذر، ويهدف إلي تلطيخ مجتمع بأسره .. لحاجة ما في نفسه!! ، فمن المؤكد الذي كنا نصمت عنه تأدباً واحتراما لمشاعر الأستاذ شريف، والذي لن نطيق صبرا على كتمانه ـ الآن ـ عندما يتعلق الأمر بأمن وطن ؛ .. وعندما يصبح الصمت جريمة والتواطؤ بالصمت خيانة !! .. ـ فما صمتنا عنه طويلاً هو أن الأستاذ شريف زوج شقيقة المتنصرة " نوني درويش " واسمها الحقيقي " ناهد مصطفى حافظ درويش" ابنه الضابط المصري مصطفى حافظ قائد مخابرات غزة الذي استشهد عام 1955 على أثر تلقى طرد متفجر تقف خلفه أصابع صهيونية ..
.. تنصرت "نوني درويش " وهذا حقها في حرية الاختيار والاعتقاد التي ندافع عنها ولا نقبل المساس بها، لكن الذي نأخذه عليها ونبادر بكشفه ـ في إطار الحق في الإبلاغ عن جريمة ـ هو أن "نوني درويش " هذه تمارس الإغواء الجنسي للمراهقين عبر مواقع الشات وتعتبره مدخلاً إلى التشكيك في كل ما هو إسلامي وهو أسلوبا يحمل في طياته بصمات الفكر الصهيوني " اجذب بالجنس وجند بالنظرية".. ولها كتاب مطبوع في هذا المجال.
.. الأستاذ شريف محرر الشئون العربية في مجلة " المصور " سابقاً، ومراسل "جريدة الأهرام" في باريس سابقاً، والذي لم يعرف عنه اهتمام من قبل بالشأن العام بما يجعله يبدو وكأنه يبدو مضطر لممارسة هذا الدور ـ بعد أن ضاقت به السبل ـ في إطار منظومة تضم المتنصرة شقيقة زوجته وزوجة أبيه السيدة فريدة الشوباشي المسيحية التي اعتنقت الإسلام وحملت اسم الشوباشي؛ لتهاجم الإسلام في كل الأوقات وبلا مناسبة.والتي واصلت هجومها على الحجاب، معتبرة أن " "مصر كانت تعيش في استقرار قبل ظهور الحجاب والملابس الإسلامية" .. ولا نعرف أيضا مصدراً موثوقاً به لمعلومات السيدة فريدة بما يوقعها أيضاً تحت طائلة القانون .
ومع اتساع الزفة رحبت الدكتورة هدى بدران رئيسة الكيان المُسمى "الاتحاد العام لنساء مصر"، بالدعوة لخلع الحجاب في ميدان التحرير؛ وقالت بدران: " إن دعوة الشوباشي لخلع الحجاب "صحوة سياسية للمرأة المصرية"، و"صفعة" على وجه "الإخوان" والدعوات السلفية." .. ولا أدرى ما علاقة الإخوان والدعوات السلفية بموضوع الحجاب المفروض من رب العزة سبحانه وتعالى من فوق سبع سموات .. السيدة بدران هذه كانت إحدى قيادات " المجلس القومي للمرأة" الذي كانت تترأسه الفاسدة سوزان مبارك، ولأن زيتنا في دقيقنا فقد عينت السيدة بدران ابنتها الدكتورة فاطمة خفاجي رئيسة لجنة الشكاوى في " المجلس القومي للمرأة" والتي لم ينجح في حل مشكلة واحدة من مشاكل المرأة لأن دورها تقديم التوصيات غير الملزمة .. وهو ما يدعونا لفتح ملفات المجلس المذكور .. فلم يعد في مستقبل الوطن كثير من فوضى أو عبث !!
.. بقي الجزء الأهم عن تحرير المرأة والذي بدأ بسفورها وعن ما يروجه البعض من معلومات مغلوطة بقصد وعن عمد وبسوء نية أن نساء مصر قد أعلن الثورة على الحجاب في عام 1922 ، .. والحقيقة أناللائي أعلن عن ذلك أربعة نساء فقط هن صفية مصطفى فهمي الشهيرة بـ " صفية زغلول " و هدى محمد سلطان " الشهيرة بـ " هدى شعراوي " وكلتا السيدتين نشأتا في بيتين من بيوت الخيانة وانحدرتا من صلبي رجلين خانا الأمة وقضاياه الوطنية (ومن يتشكك فيما أكتبه عليه مراجعة جريدة الوقائع المصرية 8. 10 أغسطس 1882 ) ، وانضمت إليهما فتاتين مسيحيتين هما كريمتي مرقص بك حنا ، ولم تكن واقعة خلع الحجاب واقع معاش فعلياً في محفل عام أو خاص بل كان من خلال صورة شمسية التقطتها لهن الآنسة دولت شحاتة ابنة المصور رياض شحاتة ونشرتها الجورنال دي كير الفرنسية.
.. وأما عن ما يردده البعض من تقولات عن قاسم أمين ودعوته فقد كانت فيه الكثير من الافتراءات ؛ فقد كن من أوائل المنكرات لدعوته، والمخالفات لها زوجته وبناته يقول مصطفى أمين في كتابه بعنوان : " من واحد لعشرة " ص 117:
(.. فشل قاسم أمين الذي دعا المرأة المصرية إلي نزع الحجاب في إقناع زوجته بأن تنزع حجابها ، وبعد وفاة قاسم أمين بعشر سنوات كانت تأتى أرملته لزيارة صفية زغلول، فلا تكشف عن وجهها أمام الأطفال ( على ومصطفى أمين ) ، بل أنها إذا تناولت الغداء مع صفية ، كانت تعد لها مائدة في غرفة أخرى، وتناول سعد الطعام وحدة ) .
***
هذه كلمتي لكوني ذو صفة وصاحب مصلحة؛ فأمي يرحمها الله عاشت محجبة وماتت على حجابها، .. وزوجتي محجبة، ولي ابنتان إحداهما محجبة ولم يفرض عليها أحد حجابها، وأخرى سافرة ولم أناقشها في سفورها !!؛ فكفى عبث للتغطية والتعمية على مصالح الوطن الحقيقية بافتعال أحداث تافهة !!

16 أبريل 2015

أنس زكى يكتب: سيناء حاضنة لمن؟


عربي21
أليس غريبا أن يشن الجيش المصري حملة عسكرية تستمر أشهرا طويلة على شمال سيناء ولا تكون النتيجة في النهاية إلا إخفاقا ينعكس على أرض الواقع في صورة هجمات وانفجارات شبه يومية تستهدف مواقع أمنية وعسكرية وتلحق بها خسائر مادية وبشرية هائلة؟
المنطق البسيط، يفيد بأن جيشا يفترض أنه يحتل المركز الأول بين الجيوش العربية ويقال إنه الثالث عشر بين جيوش العالم، لا يحتاج إلا أياما قلائل ليدحر مسلحين يتوقع أن عددهم لا يتجاوز بضع مئات، ولا يملكون مدرعات أو دبابات كالتي تلاحقهم على الأرض أو طائرات أباتشي كالتي تقصفهم من الجو.
لكن الواقع أبعد ما يكون عن ذلك، فمنذ قتل مسلحون 16 ضابطا وجنديا أوائل أغسطس 2012 فيما عرف آنذاك بمذبحة رفح، ورغم أن الجيش بدأ على الفور حملة عسكرية موسعة تدعمها المدرعات والدبابات والطائرات، إلا أن الهجمات توالت والمجازر تكررت، فأصبح هناك مذبحة رفح الثانية والثالثة قبل أن تأتي مذبحة كرم القواديس ومذبحة الكتيبة 101 فضلا عن هجمات أخرى متعددة.
واللافت أن كل مجزرة جديدة تأتي غالبا أكبر من سابقاتها، فالضحايا في رفح الأولى 16 قتيلا بينما في الثانية التي وقعت أواسط أغسطس 2013 ارتفع العدد إلى 25، في حين شهدت كرم القواديس التي حدثت في 24 أكتوبر الماضي مقتل 30 جنديا، ثم جاء الهجوم على الكتيبة 101 في 29 يناير الماضي ليضرب الرقم القياسي بأكثر من 40 قتيلا مع تقارير تشير إلى أن العدد الحقيقي ربما كان أكثر من ذلك.
وتواصلت الرمزية في هجمات النصف الأول من أبريل/ نيسان الحالي، حيث كان لافتا أن الهجمات التي وقعت مطلع الشهر وأدت إلى مقتل 20 شخصا معظمهم من الجنود، استهدفت سبعة مراكز أمنية بشكل متزامن، وشهدت نجاحا في خطف جندي تم إعدامه لاحقا، فضلا عن الاستيلاء على مدرعات ودبابات كما ورد في شريط مصور بثته "ولاية سيناء".
وفي 12 أبريل احتفل المسلحون بتعيين قائد جديد للجيش الثاني الميداني الذي يقود العملية العسكرية في سيناء وقائد جديد للمخابرات العسكرية التي تقوم بدور كبير في العملية، عبر خمس هجمات استهدفت إحداها مقرا للشرطة بالعريش ما أدى إلى مقتل وإصابة نحو 70 شخصا معظمهم من الشرطة.
حتى ما قبل هجوم الكتيبة 101 كان الأمن المصري يلقي باللائمة على أنفاق تمر تحت الحدود إلى قطاع غزة، ويؤكد أن مسلحين يستخدمونها في الهجوم ثم العودة إلى القطاع، ولذلك كان يقدم على هدم ما يكتشفه من أنفاق، لكن هذه الحجة لم تعد صالحة للاستخدام بعد أن أقدم الجيش على إزالة عشرات وربما مئات المنازل في منطقة الحدود ليقيم منطقة عازلة تمتد لمئات الأمتار على الحدود.
من أين يأتي المهاجمون إذن وأين يختفون بعد تنفيذ هجماتهم؟
دعني أشير أولا إلى أن أهل شمال سيناء حيث تقع كل الهجمات، هم أدرى بشعابها وتضاريسها، خصوصا وأن معظمهم من البدو الذين تربوا وترعرعوا في المنطقة الممتدة شرقا من رفح وحتى مدينة العريش عاصمة المحافظة، والتي تمتد جنوبا حتى قرب جبل الحلال بوسط سيناء.

ولذلك إذا وصلنا إلى السؤال الصعب عن موقف أهل سيناء من الهجمات، فإن واقع الحال هو ما يؤكد أن كثيرا من أهل سيناء أو لنقل بعضهم، إن لم يكن راضيا ومرحبا بالهجمات فهو على الأقل لا يرفضها ولا يساعد في منعها، وإلا لرأينا من يرشد من الأهالي عن المسلحين أو يحول بينهم وبين تنفيذ هجماتهم.
هذه هي العقدة الحقيقية التي يتحاشى كثيرون الحديث عنها بشكل مباشر، مع أن زيارة لسيناء أو حتى تواصلا وثيقا مع بعض أهلها يؤكد لك أن الأهالي لا يتعاونون مع الأمن ضد المسلحين إلا قليلا، ليأتي السؤال الأصعب وهو لماذا؟
السبب بوضوح يكمن في شعور عميق بالمرارة نتيجة ما يصفونه بالظلم والتهميش الذي تعرضت له شمال سيناء على مدى عقود حيث تركتها القاهرة دون أي مشروعات زراعية أو صناعية أو خدمية، لتسيطر البطالة وتنتشر الفاقة بين كثير من السكان.
ليس هذا فقط، فكما حكى لي مواطن سيناوي ذات مرة قائلا أنه يكفي للتدليل على ما عانوه من ظلم أن يحي ما كان يحدث في نقاط التفتيش الأمنية التي يمرون عليها عند سفرهم إلى الوادي (يقصد وادي النيل) حيث كان الجنود يمارسون تفتيشا مهينا بحق أبناء سيناء مقابل تفتيش بسيط لبقية ركاب السيارة أو الحافلة.
أضف إلى ذلك ما اعتادت عليه الشرطة من فظاظة في التعامل مع البدوي، لتدرك كم الكراهية التي تجمعت لدى كثير من السيناويين تجاه السلطة، قبل أن تصل منتهاها عندما وجدوا أن الحملة العسكرية التي يقوم بها الجيش تعمل غالبا بشكل عشوائي يقتل من الأبرياء ويدمر من منازلهم أكثر مما يفعل بالمسلحين المطلوبين.
ورغم الجأر بهذه الشكوى مرارا إلا أن القصف العشوائي لم يتوقف، وأصبح أهالي سيناء يشاهدون جيرانهم المدنيين والنساء والأطفال يقتلون في الغارات، بينما صحف القاهرة يتحدث عن سقوط مزيد من الإرهابيين وهو ما يفاقم حالة الغضب ويترك مرارة ربما لن تزول إلا بعد عقود حتى لو استقر الأمر بشكل أو آخر.
ولأن عملية كالتي يقوم بها الجيش المصري ضد مسلحين لا يستقرون في مكان، تقتضي تعاونا استخباريا من السكان كي تنال حظا من النجاح، فقد كان التعثر حليفها مرارا بعد أن أحجم السكان عن التعاون، بل وربما قام بعضهم بمساعدة المسلحين بشكل أو بآخر تعاطفا معهم أو نكاية في السلطة.
وحتى بعد أن حاول الجيش إغراء البعض بوظائف أو أموال من أجل إمداده بمعلومات عن المسلحين جاء الرد عنيفا من جماعة أنصار بيت المقدس التي تحولت إلى "ولاية سيناء" حيث تم ذبح عدد من هؤلاء المتعاونين وهو ما كان له أثر في تجفيف هذا المنبع.
المثير أن مئات المقالات نشرت في مصر على مدى السنوات الماضية تتحدث عن علاج مشاكل سيناء وكيف أن في مقدمتها إزالة مشاعر الظلم والتهميش، عبر مشروعات تنموية وعدل اجتماعي، كي تعود سيناء فعلا إلى حضن الوطن ويساعد أهلها في التصدي للإرهاب، لكن ذلك ظل حبرا على ورق، وظل معه الظلم قائما والتهميش مستمرا، وانضاف إليهما قصف عشوائي يزهق الأرواح ويهدم المنازل، ليدفع البيئة السيناوية كي تصبح أقرب إلى احتضان هذا الإرهاب، هذا إذا اعتبرته إرهابا من الأساس.

انجى مصطفي تكتب: تحيا مصر "العلمانية'

المصريون

لشد ما يضحكني وصف إخواني على كل ما هو على غير مزاج الهوى العام ، حتى إذا أتى مستهجنا قيل عنه في أفضل الأحوال أنه مناصر أو متعاطف ليظل في نفس محيط الدائرة قابعا في نفس الخندق مع الاخوان ، يسري عليه ما يسري عليهم من توصيفهم بالجماعة الإرهابية، رغم تحفظي على حيثيات التصنيف الذي افتقد الشفافية و أخذ عن جدارة لقب حكم سياسي بحت .
أما ما يثير التعجب و الحزن هو ربط أي مظهر ديني بجماعة الإخوان المسلمين ، و كأن الإسلام إخواني ، فاللحية أضحت إخوانية ، و النقاب إخواني ،الصلاة إخوانية و الصيام إخواني ، حتى الحجاب الخفيف الذي اعتبر سمة مصرية أصيلة ميز سيدات مصر عن غيرهن أضحى إخواني الشكل إرهابي الهوى ، لدرجة تبني كاتب صحفي حملة لخلع الحجاب في ميدان التحرير لرد كرامة النساء .
و من وراءه رحبت الدكتورة هدى بدران، رئيس الاتحاد العام لنساء مصر بهذه الدعوة واصفة إياها " بصحوة سياسية للمرأة "
وتابعت أن "الإخوان" ظهروا على حقيقتهم لكل فئات الشعب، وأن خلع بعض الفتيات للحجاب ما هو إلا رد فعل لأعمالهم الإرهابية بعد الثورة، لتصحيح المسار والعودة للهوية المصرية.
المضحك أن هذا الكاتب الصحفي و هو يدعى شريف الشوباشي ، قد سب عموم النساء المصريات ضمنا في سياق دعوته بوصفه لهن أنهن فاقدات للكرامة !
و لا أدري من أي منطلق رد الكاتب سفور المرأة إلى العزة و الإباء ، و قد كان حجاب المرأة قديما مقصورا على الأميرات وذوات الجاه و السلطان ، في حين ظل السفور مميزا للجاريات عنهن ، حتى جاء الإسلام و أكرم المرأة و جعلهن كلهن سواء ، ذوات عزة و كرامة بعيدات عن السفور و العري .
و لست في حل من الدخول في نقاش حول فرضية الحجاب من عدمه ، إلا أن وروده في القرآن ، يجعل تقديم الشك عن اليقين واجبا ، و ليس العكس صحيحا ، و إن غلبت هوى النفس صاحبته " كما في حال صاحبة المقال " فينبغي على الأقل الاعتراف ضمنا بخطأ البعد عن فريضة فرضها الله و الوعد سرا بتصحيح هذا الخطأ ، و أضعف الإيمان الاستغفار عن هذا الخطأ ، أما الجهر و الاحتفاء بالمعصية في ميدان كان من أنقى و أشرف الميادين التي علمت الأخلاق لأجيال سابقة و قادمة ، فهو تدنيس له و استهزاء بعقيدة من عقائد الدين الإسلامي ، و لا أدري ما حكم الإسلام على هؤلاء ، إلا أنهم مفسدون في الأرض ، مفتنون البشر عن صحيح دينهم .
أما بخصوص الهوية المصرية ، فلتذكر لنا رئيسة إتحاد نساء مصر ، أي هوية تقصد تحديدا ، أتلك ما قبل دعوة مشابهة لهدى شعراوي و التي نزعت " غطاء الوجه " فقط :
" ورفعنا النقاب أنا وسكرتيرتي " سيزا نبراوي " وقرأنا الفاتحة ثم خطونا على سلم الباخرة (مكشوفتي الوجه )، وتلفتنا لنرى تأثير (الوجه الذي يبدو سافراً لأول مرة ) بين الجموع فلم نجد له تأثيراً أبداً لأن كل الناس كانوا متوجهين نحو سعد متشوقين إلى طلعته "
أم تقصد مرحلة الميني جيب و انتشار البارات و المشروبات الروحية ، أم مرحلة الحجاب الخفيف مع الملابس العصرية ، أيهما يعبر عن هوية مصر تحديدا من وجهة نظرها ؟
و هل إذا فرضنا جدلا أن الإخوان ( و الذين لم يتكلموا بالمناسبة عن فرض الشريعة الإسلامية في خطابهم السياسي و لا مرة ) ، قد دفعوا الناس دفعا إلى الاتجاه الآخر ، فهل من الحكمة و أساسيات التفكير السليم ، الدعوة إلى السفور و الابتعاد عن عموم الدين و ثوابته و الرقص على جثث القيم و الأخلاق ، أم ردهم إلى الاعتدال ردا جميلا حسنا حافظا للدين غير مهينا له ؟
هي دعوة شاذة لاقت صدى لدي فئة من الناس ، و صاحبت مظهرا جاهليا آخر تمثل في إحراق كتب إسلامية في مدرسة قيل أنها لنسيب عصام العريان ، وسط أجواء من الفرحة و الابتهاج على نغمات " يا أحلى اسم في الوجود " و ما صاحبه من حمل لأعلام مصر ونشوة بنشر الحدث بزوايا تصويرية مختلفة في كل الجرائد المصرية .
في مشهد عبثي استكمل عبثية المرحلة الراهنة ، خصوصا أن نظرة سريعة على عناوين الكتب ، وجد أن كتاب منهم اختص بسرد تاريخ المجاعات في مصر وأسبابها حيث أسهب في الحديث عن الأزمات الاقتصادية والمجاعات التي عاشتها و لا علاقة له بالتطرف أو بالإرهاب من قريب أو بعيد ككتاب إغاثة أمة ، و منه المعتدل الذي لا غبار عليه و منه ما هو لأبرز علماء الإصلاح الديني و الاجتماعي .
أما المضحك و المثير للسخرية أن من ضمن الكتب التي أحرقت كتاب الإسلام وأصول الحكم والذي أحدث ضجة في مصر للشيخ الأزهري علي عبد الرازق ، الذي رفض فيه فكرة الخلافة الإسلامية و دعا إلى مدنية الدولة ، و هو كتاب يعتبر "حُجه للعلمانيين " في مواجهة الإسلاميين ، و قد قامت هيئة كبار العلماء في الأزهر بمحاكمة مؤلفه علي عبد الرازق وإخراجه من زمرة العلماء وفصله من العمل كقاضي شرعي .
لنستنتج مما سبق ، أن من قام بفرز الكتب لم يكلف نفسه حتى عناء البحث عن مضامينها و اكتفى بوجود كلمة إسلام أو إسلامي في العنوان لينتهي به المطاف في النهاية إلى محرقة هي جديرة بمحاكم التفتيش في العصور الوسطى !
و يحملني المشهد إلى مشهد آخر مشابه في فيلم المصير ، و هو مشهد حرق كتب ابن رشد بواسطة متطرفين ، و أن "الأفكار لها أجنحة " فكيف يستطيب الأمر و قد أمسكوا بزمام الأمور فتوجهوا نفس الاتجاه و سلكوا نفس المسلك الذي وصفوه سابقا أنه فعل ضلالي و رجعي ؟ و لم كل هذا الحقد و الغل على كتب مُنساه أصلا تعلوها الغبرات ، لأننا شعب كباره لا يقرؤون ليعولوا كثيرا على الصغار ؟
انما هو مشهد أٌريد له أن يظهر بأكبر قدر ممكن من الضجة الإعلامية لأسباب لا يعلمها إلا هم .

15 أبريل 2015

النائب محمد العمدة يكتب : السيسي ينقلب علي الموظفين العموميين بالدولة


مدونة محمد العمدة
أصدر السيسي بقرار أي بجرة قلم قانون الخدمة المدنية رقم 18 لسنة 2015 لكي ينظم هذا القانون الجديد العلاقة بين الموظف العام والدولة كبديل عن قانون نطام العاملين المدنيين بالدولة رقم 47 لسنة 1978 . 
وكما تعودنا من السيسي أن كل تشريعاته تهدف لخدمة الانقلاب ، وخدمة الكبار من الداعمين للانقلاب ، كذلك جاء قانون الخدمة المدنية سالف الذكر لخدمة الكبار علي حساب الموظفين العموميين بالدولة والذين ستتعرض كافة حقوقهم المكتسبة للخطر ، وسوف تهدر هذه الحقوق لصالح الكبار .
في البداية أود أن أوضح لكم أنني متخصص فيما أكتب بحكم عملي كمحامي منذ أكثر من عشرين عام ومتخصص في المنازعات الإدارية ، وباحث دكتوراه بكلية الحقوق جامعة القاهرة في رسالة تنتظر تحديد موعد للمناقشة ، وكذلك بحكم عضويتي في مجلس الشعب مرتين ، الأولي في برلمان الثورة الأول 2005/2010 ، والثانية في برلمان الثورة الثاني 2011 الذي تم حله .
كنت قد تقدمت بما يقرب من سبعة وثلاثين مشروع قانون في برلمان الثورة الأول (2005/2010) ، إلا أن أغلبية الحزب الوطني لم تنظر لهم ، ولم تحرك منهم مشروع واحد في اللجنة التشريعية ، حيث كانت هذه الأغلبية تنظر مشروعات القوانين التي تقدم من الحزب الوطني فقط أو حكوماته المتتابعة .
ومن الجدير بالذكر أنني كنت أحاول إحداث إصلاح تشريعي علي كثير من القوانين درستها دراسة جيدة مثل قوانين الأجهزة الرقابية علي المال العام وغيرها كثير ، هذه الدراسة توصلت منها إلي أمرين ، الأول أن نظام مبارك لم يكن يشرع شيئا لصالح الشعب ، وكل تشريعاته كانت تهدف لمزيد من التمكين لهم من السلطة والثروة ، وقد ظهر ذلك جليا في أل 34 تعديل دستوري التي قدمها مبارك عام 2007 علي دستور 1971 والتي كانت تنطوي علي أربعة تعديلات فقط هي المقصودة ، والباقي كان لا ينفع ولا يضر ، والأربعة تعديلات المقصودة هي سحب الإشراف القضائي علي الانتخابات لإعادة التزوير ، إعطاء الرئيس حق حل البرلمان دون الرجوع للشعب من خلال استفتاء شعبي ، وضع نص يمكنهم من إصدار قانون لمكافحة الإرهاب ، عدم صدور القوانين المكملة للدستور قبل موافقة مجلس الشورى عليها ، أما الثاني فهو عدم استعدادهم لأن يشاركهم أحد في العملية التشريعية من النواب المستقلين أو أحزاب المعارضة .
الآن السيسي يسير علي نهج أستاذه مبارك فيما وضعه من أسس لترسيخ أسس الحكم العسكري وإحكام سيطرته علي السلطة والثروة في مصر ، وهذا ما اتضح جليا في قانون الخدمة المدنية الذي أصدره السيسي بديلا عن قانون نظام العاملين المدنيين في الدولة رقم 47 لسنة 1978 ، وقد سبق أن نشرت مقالا يمكن الرجوع إليه علي موقع جوجل وعنوانه " السيسي ينقلب علي الشباب العاطل " أوضحت من خلاله أن قانون الخدمة المدنية حجز الوظائف لأبناء الجيش والشرطة ، كما أنه جعل التعيين بقرار من رئيس الجمهورية أو من يفوضه حتي يحكم السيطرة علي كافة التعيينات بالوظائف الحكومية جميعها دون استثناء ، وأنه وضع حجر أساس لتعيين المحالين للمعاش من كبار رجال الجيش والشرطة في وظائف الإدارة العليا الوظائف التنفيذية ، من خلال وضع نص لتعيين أصحاب الخبرات الخاصة .
وفي هذا المقال سوف نوضح كيف أن قانون الخدمة المدنية الجديد قد صدر ليهدر كافة الحقوق المكتسبة للموظفين العموميين بالدولة والذين لا يقل عددهم عن ستة مليون موظف وقد يصل إلي سبعة ملايين ، وفي نفس الوقت يخضعهم للدولة العسكرية البوليسية التي يريد السيسي إحيائها بعد انقلاب 3/7 وذلك علي النحو التالي : -
أولا: يهدف القانون لوقف كافة المزايا النقدية والعينية للموظفين .
كما قلنا أن السيسي رفع رواتب الكبار بنسب بلغت 100% لبعض الجهات ، وهو الأمر الذي اضطره إلي السعي لوقف كافة المزايا المالية التي يحصل عليها الصغار حتي يوفرها للكبار ، كما فعل عندما رفع أسعار السلع الأساسية علي حساب الفقراء من المصريين ، ولتحقيق هذه الغاية مع الموظفين العموميين بالدولة أصدر قانون الخدمة المدنية الجديد بديلا عن قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة ، وفيما يلي نعرض كيف سيؤدي القانون الجديد إلي إهدار حقوق الموظفين ومكتسباتهم المالية :
1 – القانون يوقف جميع الحوافز والبدلات والمزايا النقدية والعينية .
نصت المادة (40) من قانون الخدمة المدنية الجديد علي أنه :
" يصدر بنظام حوافز الأداء ، ومقابل وظائف الإدارة العليا والتنفيذية ، ومقابل ساعات العمل الإضافية ، ومقابل التشجيع على العمل بوظائف أو مناطق معينة ، والنفقات التي يتحملها الموظف في سبيل أداء أعمال وظيفته ، والمزايا النقدية والعينية ، وبدلات الموظفين ، قرار من رئيس مجلس الوزراء بمراعاة طبيعة عمل كل وحدة ونوعية الوظائف بها وطبيعة اختصاصاتها ومعدلات أداء موظفيها بحسب الأحوال بناء على عرض الوزير المختص بعد موافقة وزير المالية ".
وهذه المادة تعني وقف جميع الحوافز مثل حافز الإثابة 200% والبدلات ومقابل الجهود غير العادية والبدلات مثل بدل السفر والتمثيل وغيرهم من المنصوص عليها بقوانين أو قرارات أخري قد أصبحت لاغية ، إلي أن يتم تقرير غيرها بموجب القانون الجديد ، وبالطبع لن يصدر غيرها أو علي الأقل سوف يتم الحد منها علي النحو الذي يوفر ميزانية للزيادات التي تم تقريرها للكبار من داعمي الانقلاب . 
والدليل علي إلغاء كافة المزايا النقدية والعينية سالفة ما نصت عليه المادة الثانية من قانون الخدمة المدنية والتي نصت علي أنه :
"يُلغى قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم (47) لسنة 197، كما يُلغى كل حكم يخالف أحكام القانون المرافق” مع الأخذ في الاعتبار أن الحوافز والبدلات وكافة المزايا النقدية والعينية مقررة بقوانين وقرارات أخري .
والدليل الثاني علي إلغاء كافة المزايا النقدية والعينية ما نصت عليه المادة (71) من قانون الخدمة المدنية الجديد والتي نصت علي أنه :
" يستمر العمل بالأحكام والقواعد الخاصة بتحديد المخصصات المالية للعاملين بالوظائف والجهات الصادر بتنظيم مخصصاتهم قوانين ولوائح خاصة طبقا لجدول الأجور المقرر بها " ، وهو ما يعني أن استمرار صرف الحوافز والبدلات والمزايا النقدية والعينية سوف يستمر بالنسبة للوظائف والجهات الصادر بتنظيم مخصصاتهم قوانين ولوائح خاصة أما باقي الجهات فلا استمرار لما يحصلون عليه ، وإنما عليهم الانتظار لحين صدور زيادات علي ضوء القانون الجديد ، قد لا تصدر ، أو تصدر بعد الحد منها وخفضها إلي العشر ، لتوفير ميزانية للكبار الذين لا يخضعون للحد الأقصى للأجور .
وعلي ضوء ما تقدم ، فسوف يستمر الموظف العام في الحصول علي الأجر والمزايا التي يحصل عليها بشكل مؤقت حتي تاريخ 1/7/2015 ، ثم تتوقف ، وهذا ما نصت عليه المادة ( 68) من قانون الخدمة المدنية والتي نصت علي أنه :
" يُنقل العاملون الخاضعون لأحكام قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة المشار إليه إلى الوظائف المعادلة لوظائفهم الحالية على النحو الموضح بالجداول أرقام 1،2،3 المرفقة بهذا القانون ، ويعمل بهذه الجداول المرفقة بهذا القانون اعتبارا من1/7/2015، ولحين العمل بهذه الجداول يستمر صرف الأجر الكامل بعنصريه الوظيفي والمكمل للموظف وفقاً للقواعد والشروط المقررة قبل العمل بأحكام هذا القانون، ويحتفظ كل منهم بالأجر الذي كان يتقاضاه ، ويكون ترتيب الأقدمية بين المنقولين لوظيفة واحدة بحسب أوضاعهم السابقة ."
خلاصة القول بعد 1/7/2015 سوف تتوقف كافة الحوافز والبدلات والمزايا النقدية والعينية ، ويتم العمل بما سمي في قانون الخدمة المدنية الجديد الأجر الأساسي والأجر المكمل ، أمام " الأجر الأساسي " فقد نصت عليه المادة (35) بقولها " يُحدد الأجر الوظيفي للوظائف وفقاً للجداول أرقام (1، 2، 3) المرفقة بهذا القانون "، وأما " الأجر الكامل " فقد نصت عليه المادة (40) بقولها " يصدر بنظام حوافز الأداء، ومقابل وظائف الإدارة العليا والتنفيذية، ومقابل ساعات العمل الإضافية، ومقابل التشجيع على العمل بوظائف أو مناطق معينة، والنفقات التي يتحملها الموظف في سبيل أداء أعمال وظيفته ، والمزايا النقدية والعينية ، وبدلات الموظفين ، قرار من رئيس مجلس الوزراء بمراعاة طبيعة عمل كل وحدة ونوعية الوظائف بها وطبيعة اختصاصاتها ومعدلات أداء موظفيها بحسب الأحوال بناء على عرض الوزير المختص بعد موافقة وزير المالية " . 
ولاشك أن المادة الأخيرة (40) تؤكد ما قلناه من أن قانون الخدمة المدنية الجديد قد أوقف كل الحوافز والبدلات والمزايا النقدية والعينية التي يحصل عليها الموظف العام لحين وضع بدائل قد تصدر أو لا تصدر بعد 1/7/2015 .
2 – وقف حصول الموظف علي المقابل النقدي لرصيد الإجازات الاعتيادية .
منذ عام 2000 م م وعلي ضوء حكم من المحكمة الدستورية يعطي الموظف الحق في كامل الأجر عن كامل رصيد إجازاته الاعتيادية التي لم يحصل عليها بعد إحالته للمعاش ، كان الموظف العام يرفع دعوي قضائية يطالب بأجره عن كامل رصيد إجازاته الاعتيادية ويحصل علي مبلغ كبير بمقتضي الحكم ، لذلك حرص قانون الخدمة المدنية أن يوقف هذا الباب علي الموظفين العموميين بموجب المادة (47) والتي نصت علي أنه :
" يجب على الموظف أن يتقدم بطلب للحصول على كامل إجازاته الاعتيادية السنوية ، ولا يجوز للوحدة ترحيلها إلا لأسباب تتعلق بمصلحة العمل وفى حدود الثلث على الأكثر ولمدة لا تزيد على ثلاث سنوات . وإذا لم يتقدم الموظف بطلب للحصول على إجازاته على النحو المشار إليه ، سقط حقه فيها وفى اقتضاء مقابل عنها ، أما إذا تقدم بطلب للحصول عليها ورفضته السلطة المختصة استحق مقابل نقدي عنها يصرف بعد مرور ثلاث سنوات على انتهاء العام المستحق عنه الإجازة على أساس أجره الوظيفي في هذا العام. وتبين اللائحة التنفيذية إجراءات الحصول على الإجازة وكيفية ترحيلها." 
ووفقا للنص سالف الذكر يجب أن يتقدم الموظف بطلب للحصول علي إجازته الاعتيادية كل عام ، فإذا رفضت الجهة منحه الإجازة تم صرف المقابل النقدي له بعد ثلاث سنوات من رفض طلبه ، بالطبع كلام خيالي الغرض منه إهدار حق الموظف في الحصول علي أجره عن إجازاته الاعتيادية ، يضاف إلي ما تقدم وهذا يعرفه كل الموظفين العموميين أن جميع المستحقات المالية التي تتقرر للموظفين بقوانين أو قرارات لا يحصلون عليها إلا بأحكام قضائية ، فليفرح السادة الموظفون الذين هللوا للسيسي ، علي هذه الخيرات التي قدمها لهم بقانون الخدمة المدنية الجديد 
ثانيا : إخضاع الموظفين العموميين لحكم العسكر .
كلنا يعرف طبيعة حكم العسكر منذ عهد الرئيس جمال عبد الناصر وحتي الآن ، الكل لابد أن يخضع ، الموظفون ، أعضاء المجالس الشعبية المحلية ، نواب الشعب والشورى الذين ينجحون بالتزوير ، النقابات ، الجامعات بأساتذتها وطلابها ، وقد حرص قانون الخدمة المدنية الجديد علي تحقيق سيطرة العسكر علي عالم الموظفين العموميين من خلال عدة نصوص علي النحو التالي :
1 – تقليل عدد العقوبات التأديبية وتشديدها .
كانت المادة (80) من قانون العاملين المدنيين بالدولة تنص علي العقوبات التأديبية التي يجوز توقيعها علي الموظف العام ، فتضمنت أحد عشر عقوبة تبدأ بالإنذار وتنتهي بالفصل ، وكان معظمها عقوبات مخففة ، وفرض علي الجهة الإدارية اختيار أحد هذه العقوبات عند توقيع الجزاء علي العامل بحيث يحقق مبدأ التناسب بين المخالفة والعقوبة ، لذلك قام السيسي ورجاله بخفض عدد هذه العقوبات علي نحو ما جاء في المادة (58) من قانون الخدمة المدنية الجديد لتصبح خمس عقوبات فقط ، آخر ثلاثة عقوبات منها مشددة وهي ( تأجيل الترقية عند استحقاقها لمدة لا تزيد على سنتيـــــن- الإحالة إلى المعاش- الفصل من الخدمـــة ).
2 – حرمان الموظف من مباشرة العمل السياسي أو الحزبي .
وحتي يتم إخضاع الموظفين العموميين لرقابة ومحاصرة جهاز أمن الدولة الذي ألغته ثورة يناير المجيدة ، وأعاده انقلاب 3/7 البغيض نصت المادة (54) علي أنه:
"ويحظر على الموظف بصفة خاصة مباشرة الأعمال التي تتنافى مع الحيدة والتجرد والالتزام الوظيفي ، أثناء ساعات العمل الرسمية أو ممارسة أي عمل حزبي أو سياسي داخل مكان عمله أو بمناسبة تأديته لهذا العمل أو القيام بجمع تبرعات أو مساهمات لصالح أحزاب سياسية أو نشر الدعاية أو الترويج ".
وإذا كان النص قد جعل الحظر مقتصرا علي مقر العمل ، إلا أن المقصد هو إخضاع الموظفين العموميين لرقابة أمن الدولة ، ومن ثم فسوف يمتد الحظر لنشاط الموظف خارج جهة العمل من الناحية العملية .
3 – عسكرة الوزارات والهيئات والمصالح الحكومية .
( أ ) حجز الوظائف العامة لأبناء القوات المسلحة والشرطة .
وهذا ما نصت عليه المادة (14) من قانون الخدمة المدنية الجديد والتي نصت علي أنه :
"تحدد بقرار من رئيس مجلس الوزراء الوظائف التي تحجز للمصابين في العمليات الحربية ، والمحاربين القدماء ، ومصابي العمليات الأمنية ، وذوى الإعاقة والأقزام متى سمحت حالتهم بالقيام بأعمالها، وذلك وفقاً للقواعد التي يحددها هذا القرار . كما يجوز أن يعين في هذه الوظائف أزواج الفئات المنصوص عليها في الفقرة السابقة أو أحد أولادهم أو أحد أخواتهم القائمين بإعالتهم وذلك في حالة عجزهم عجزاً تاماً أو وفاتهم إذا توفرت فيهم شروط شغل هذه الوظائف ، وكذلك الأمر بالنسبة لأسر الشهداء والمفقودين في العمليات الحربية وأسر شهداء العمليات الأمنية ".
ونلاحظ علي المادة سالفة الذكر ما يأتي : 
1 - أنها لم تحدد نسبة محددة للفئات سالفة الذكر ، وهو ما يعني أنها نسبة مفتوحة ، بمعني أنه يمكن أن تخصص المسابقة بالكامل لهذه الفئات دون أن يكون ذلك مخالفا للقانون .
2 - أن المادة سالفة الذكر تشمل رجال القوات المسلحة والشرطة معا ، وهذا ما يفهم من عبارة ( ومصابي العمليات الأمنية ) .
3 - أن المادة وسعت من نطاق المستحقين للوظائف من رجال القوات المسلحة والشرطة حيث أوردت ( مصابي العمليات الحربية – المحاربين القدماء – مصابي العمليات الأمنية – أسر الشهداء – أسر المفقودين – أسر شهداء العمليات الأمنية ) ، ولم تحدد مدي زمني معين من دخل في نطاقه يستفيد من المادة 14 وإنما جاءت مفتوحة حتي يمكن استغلال النص لتعيين أبناء المحاربين القدامي عام 1967 مثلا أو 1973 ، كما أن المادة شملت أيضا أبناء أو زوجات أو إخوة العناصر سالفة الذكر مما سيفتح التلاعب إلي أقصي مدي ، وبموجب هذه المادة فلينسي الشباب العاطل من الحاصلين علي المؤهلات العليا أو الماجستير أو الدكتوراه أن يجدوا فرصة عمل في أي وزارة أو مصلحة أو هيئة لأن الوظائف العامة في القانون الجديد أصبحت مثل وظائف القضاء والشرطة والحربية محجوزة علي ذمة ذات الفئات وهي سلطات الدولة المقدسة التي رفض السيسي المساس بهيبتها ومكانتها .
(ب ) وضع نص لتعيين المحاسيب وأصحاب الوساطات .
كما نعلم أن الكثيرين من رجال الشرطة والقوات المسلحة يعينون في الحكومة بعد الإحالة للمعاش في وظائف الإدارة العليا ، لذلك فقد تم وضع نص لمثل هذه الحالات بحيث يجعل تعيينهم رسميا وغير مخالف للقانون ، حيث نصت المادة (18) من قانون الخدمة المدنية علي أن :
"يجوز في حالات الضرورة التعاقد مع ذوى الخبرات من التخصصات النادرة بموافقـــــة رئيس مجلس الوزراء لمدة لا تجاوز ثلاث سنوات بناءً على عرض الوزير المختص ووفقاً للضوابط التي تحددها اللائحة التنفيذية، وذلك دون الإخلال بالحد الأقصى للدخول التعيين في وظائف الإدارة العليا والإدارة التنفيذية " .
( ج ) تم استحداث مجلس سمي " مجلس الخدمة المدنية " ، حيث نصت المادة (3) من قانون الخدمة المدنية الجديد علي أنه :
" يُنشأ مجلس للخدمة المدنية بغرض تقديم المقترحات الخاصة بتطوير الخدمة المدنية وتحسين الخدمات العامة في البلاد ، ويقوم على وجه الخصوص بالآتي:
- إبداء الرأي فيما يطرح عليه من قضايا الخدمة المدنية سواء من رئيس مجلس الوزراء أو الوزير المختص أو رئيس الجهاز .
- تقديم المقترحات فيما يتعلق بالموازنة المخصصـــــة للخدمة المدنية .
إبداء الرأي في مشروعات القوانين واللوائح المتعلقة بالخدمة المدنية .
- إبداء الرأي في طريقة ومعايير تقييم الجهات الحكومية وموظفي الخدمة المدنية تقديم مقترحات تحسين أداء الخدمة المدنية .
- إبداء الرأي في البرامج التدريبية المقدمة لموظفي الخدمة المدنية .
- إبداء الرأي في القضايا المتعلقة بالأخلاقيات المهنية لموظفي الخدمة المدنيــــــة. ويشكل مجلس الخدمة المدنية برئاسة رئيس الجهاز وعضوية كل من :
1- رئيس الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة .
-2 رئيس قطاع الخدمة المدنية بالجهاز .
-3 رئيس قطاع الموازنة العامة للدولة بوزارة المالية .
4- خمسة خبراء في الإدارة والموارد البشرية والقانون يختارهم الوزير المختص لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد. 
ويكون للمجلس أمانة فنية يصدر بتشكيلها قرار من رئيس المجلس. ويضع المجلس لائحة داخلية تتضمن القواعد والإجراءات المتعلقة بسير العمل به وأمانته الفنية. وتعتمد توصيات المجلس من الوزير المختص ".
ونلاحظ علي "مجلس الخدمة المدنية " من واقع نص المادة سالفة الذكر أنه أعلي في مكانته وتأثيره من مجلس الوزراء نفسه ، ذلك أن رئيس الوزراء وسائر الوزراء سوف يستشيروه ويطلبوا رأيه في قضايا الخدمة المدنية ، كما أن الجهاز سوف يقدم مقترحاته فيما يتعلق بموازنة الخدمة المدنية أي موازنة الجهاز الإداري للدولة كله ، كما سيبدي رأيه في مشروعات القوانين واللوائح المتعلقة بالخدمة المدنية وموضوعات أخري كثيرة حسبما ورد في النص .
وإذا نظرنا في تشكيل مجلس الخدمة المدنية ، فسوف نكتشف أن الهدف منه عسكرة الوزارات والهيئات والمصالح الحكومية ، فالمجلس يتكون من ( رئيس جهاز التنظيم والإدارة – رئيس قطاع الخدمة المدنية بجهاز التنظيم والإدارة – رئيس قطاع الموازنة العامة للدولة بوزارة المالية – بالإضافة إلي خمسة خبراء في الإدارة والتنمية البشرية يختارهم الوزير المختص لمدة ثلاث سنوات ) ، وهنا مكمن العسكرة ، فالوزير المختص غير محدد ، كما أن الخمسة خبراء المشار إليهم هم من سيتم اختيارهم بمعرفة دولة العسكر ، بحيث تصبح أغلبية المجلس ، ومن ثم المجلس كله تابعا لهم ، ومن خلاله يتحكمون في مجلس الوزراء وكافة الوزارات والهيئات والمصالح الحكومية ، كما يتحكمون في تحديد موازنة الجهاز الإداري للدولة .
هذه بعض الملاحظات علي الأهداف التي قصد السيسي تحقيقها من وراء قانون الخدمة المدنية الجديد ، فهو من جهة يهدر حقوق الشباب في الحصول علي وظائف حكومية علي نحو ما أوضحنا في المقال السابق " السيسي ينقلب علي الشباب العاطل " ، ومن جهة أخري يهدر حقوق الموظفين العموميين بالدولة ويخضعهم لدولة العسكر وجهاز أمن الدولة أو بمعني أدق جهاز أمن حكم العسكر .
*وكيل لجنة الشئون الدستورية والتشريعية ببرلمان الثورة .

النائب محمد العمدة يكتب: السيسي ينقلب علي الشباب العاطل

مدونة محمد العمدة
أصدر السيسي بقرار أي بجرة قلم قانون الخدمة المدنية رقم 18 لسنة 2015 لكي ينظم هذا القانون الجديد العلاقة بين الموظف العام والدولة كبديل عن قانون نطام العاملين المدنيين بالدولة رقم 47 لسنة 1978 . 
وكما تعودنا من السيسي أن كل تشريعاته تهدف لخدمة الانقلاب ، وخدمة الكبار من الداعمين للانقلاب ، كذلك جاء قانون الخدمة المدنية سالف الذكر لخدمة الكبار علي حساب الموظفين العموميين بالدولة والذين ستتعرض كافة حقوقهم المكتسبة للخطر ، وسوف تهدر هذه الحقوق لصالح الكبار ، كما جاء القانون علي نحو يقضي علي أمل الشباب العاطل في أن يجد فرصة عمل ، وسوف نبدأ في هذا المقال بتوضيح أوجه انقلاب السيسي علي الشباب العاطل ، والذي لم يعد في إمكانه الحصول علي فرصة عمل بالحكومة مهما كان تفوقه أو كانت مؤهلاته وذلك للأسباب الآتية : 
أولا : حجز الوظائف العامة لأبناء القوات المسلحة والشرطة .
وهذا ما نصت عليه المادة (14) من قانون الخدمة المدنية الجديد والتي نصت علي أنه :
" تحدد بقرار من رئيس مجلس الوزراء الوظائف التي تحجز للمصابين في العمليات الحربية ، والمحاربين القدماء ، ومصابي العمليات الأمنية ، وذوى الإعاقة والأقزام متى سمحت حالتهم بالقيام بأعمالها، وذلك وفقاً للقواعد التي يحددها هذا القرار . كما يجوز أن يعين في هذه الوظائف أزواج الفئات المنصوص عليها في الفقرة السابقة أو أحد أولادهم أو أحد أخواتهم القائمين بإعالتهم وذلك في حالة عجزهم عجزاً تاماً أو وفاتهم إذا توفرت فيهم شروط شغل هذه الوظائف ، وكذلك الأمر بالنسبة لأسر الشهداء والمفقودين في العمليات الحربية وأسر شهداء العمليات الأمنية ".
ونلاحظ علي المادة سالفة الذكر ما يأتي : 
1 - أنها لم تحدد نسبة محددة للفئات سالفة الذكر ، وهو ما يعني أنها نسبة مفتوحة ، بمعني أنه يمكن أن تخصص المسابقة بالكامل لهذه الفئات دون أن يكون ذلك مخالفا للقانون .
2 - أن المادة سالفة الذكر تشمل رجال القوات المسلحة والشرطة معا ، وهذا ما يفهم من عبارة ( ومصابي العمليات الأمنية ) .
3 - أن المادة وسعت من نطاق المستحقين للوظائف من رجال القوات المسلحة والشرطة حيث أوردت ( مصابي العمليات الحربية – المحاربين القدماء – مصابي العمليات الأمنية – أسر الشهداء – أسر المفقودين – أسر شهداء العمليات الأمنية ) ، ولم تحدد مدي زمني معين من دخل في نطاقه يستفيد من المادة 14 وإنما جاءت مفتوحة حتي يمكن استغلال النص لتعيين أبناء المحاربين القدامي عام 1967 مثلا أو 1973 ، كما أن المادة شملت أيضا أبناء أو زوجات أو إخوة العناصر سالفة الذكر مما سيفتح التلاعب إلي أقصي مدي ، وبموجب هذه المادة فلينسي الشباب العاطل من الحاصلين علي المؤهلات العليا أو الماجستير أو الدكتوراه أن يجدوا فرصة عمل في أي وزارة أو مصلحة أو هيئة لأن الوظائف العامة في القانون الجديد أصبحت مثل وظائف القضاء والشرطة والحربية محجوزة علي ذمة ذات الفئات وهي سلطات الدولة المقدسة التي رفض السيسي المساس بهيبتها ومكانتها .
ثانيا : التعيين في الوظائف العامة بقرار من رئيس الجمهورية أو من يفوضه .
نصت المادة (13) علي أن " المادة (13 ) يكون التعيين بموجب قرار يصدر من رئيس الجمهورية أو من يفوضه....... ) ، وبموجب هذا النص أصبح التعيين في كافة الوظائف العامة شأنه كشأن الالتحاق بالنيابة العامة أو كلية الشرطة أو الكلية الحربية ، لا يمكن أن يتسلل إليه أحد ينتمي إلي فصيل معارض بحال من الأحوال ، ونعود إلي نظام مبارك وتعيينات مبارك ولكن علي أشد ، لأن مبارك كان يقصر التعيين علي أنصاره في وظائف عليا ، أما السيسي فقد مد هذا النظام لجميع الوظائف الحكومية ، هذا فضلا عن وضع نص مخصوص بحيث يصبح التعيين في الوظائف العامة مقتصرا علي أبناء القوات المسلحة والشرطة فقط .
ثالثا : وضع نص لتعيين المحاسيب وأصحاب الوساطات .
كما نعلم أن الكثيرين من رجال الشرطة والقوات المسلحة يعينون في الحكومة بعد الإحالة للمعاش في وظائف الإدارة العليا ، لذلك فقد تم وضع نص لمثل هذه الحالات بحيث يجعل تعيينهم رسميا وغير مخالف للقانون ، حيث نصت المادة (18) من قانون الخدمة المدنية علي أن :
" يجوز في حالات الضرورة التعاقد مع ذوى الخبرات من التخصصات النادرة بموافقـــــة رئيس مجلس الوزراء لمدة لا تجاوز ثلاث سنوات بناءً على عرض الوزير المختص ووفقاً للضوابط التي تحددها اللائحة التنفيذية، وذلك دون الإخلال بالحد الأقصى للدخول التعيين في وظائف الإدارة العليا والإدارة التنفيذية " .
وعلي ضوء ما تقدم فلينسي الشباب العاطل من حملة المؤهلات سواء من رفضوا الانقلاب أو أيدوا السيسي الحصول علي فرصة عمل في الحكومة ، ولينسي الذين كانوا يعينوا أبنائهم بدلا منهم في المصالح الحكومية تعيين أبنائهم ، لأن التعيين في الوظائف الحكومية بعد قانون الخدمة المدنية الذي أصدره السيسي أصبح أيضا قاصرا علي أبناء وأقارب الكبار الذين يحتكرون وظائف القضاء والشرطة والحربية والدبلوماسية وغيرها من الوظائف العليا ، فالسيسي الآن لا يري إلا من بيدهم سلطة يمكن أن تستخدم مع الانقلاب أو ضده ، تحيا مسر ؛؛ تحيا مسر ، تحيا مسر . 
وأقول للشباب إنتو ما تعرفوش إنكم نور عيون السيسي ولا إيه . ولعلكم تذكرون تعليمات الاتحاد القبطي العالمي بإخلاء الوظائف العامة من الإخوان المسلمين والتيار الإسلامي والتي امتدت الآن لتشمل جميع المعارضين .
ونستكمل في المقال القادم انقلاب السيسي علي الموظفين العموميين بالدولة .
*وكيل لجنة الشئون الدستورية والتشريعية ببرلمان الثورة .

14 أبريل 2015

السفير د. عبدالله الأشعل: هل يدرك العرب وإيران نفق واشنطون المظلم لهم؟

هل يدرك العرب والإيرانيون ما يدبرلهم؟ وهل درسوا خطط واشنطن وإسرائيل للقضاء على العرب والمسلمين، وهل يعلم حكام العرب بوجه أخص أن واشنطن قد وضعت ساعة الصفر للتخلص من العرب والمسلمين بفتنة طائفية فى موجة أخيرة، وذلك بالحرب المدمرة بين إيران والعرب بالذات عرب الخليج، وهل يدرك هؤلاء الحكام أن واشنطن سوف توجه لهم ولبلادهم ضربة نجلاء هذه المرة بأيديهم. وهل يدرك حكام العرب ومعهم مصر، وأعنى بالعرب، عرب الخليج، أن واشنطن أقامت طوال العقود الماضية شراكة لكى يحاربوا معاركها مقابل تأمين عروشهم، وإلا لماذا لم يسأل أحد نفسه، أين ذهبت كل عوائد البترول، وماذا يفعل هؤلاء العرب فى سوريا واليمن ومصر وليبيا وتونس والسودان ولبنان والعراق؟ لقد أقنعتهم واشنطن بسهولة فى كل مرة أنهم يحاربون معاركهم هم، وهم ربما يعرفون بشكل غير مباشر فى أحسن الفروض أنها معارك لمصلحة مشتركة. ألم يكن عبد الناصر عدوا للسعودية ونصيرا للانقلابات العسكرية فى السودان واليمن وليبيا وقسم الحكام إلى تقدميين ورجعيين فتكون موسكوقبلة التقدميين وواشنطن على الرصيف الآخر، كم دفع العرب فى هذه المعارك الوهمية وحروب الوكالة؟ وألم يكن صدام حسين، الفصل الثانى بعد عبد الناصر بعد أن غيرت واشنطن النظام فى مصر لكى يسلم كل الأوراق وليس 99% فقط لواشطن وإسرائيل، فصار ممثل العروبة عدوا لايران نيابة عن واشنطن وإسرائيل فى حرب استمرت ثماني سنوات لم يتدخل فيها مجلس الأمن إلا فى يوليو من العام الأخير بترتيب مدروس،وبتمويل الخليج ، وهو نفس العام الذى شهد فى جنيف الاتفاق العالمى لانسحاب موسكو من أفغانستان بعد أن جندت واشنطن العرب والمسلمين لمحاربة موسكو، هذا الملحد المادى الشيوعى، ورفعا لسيف الله وذكره؟ فضربت واشنطن قدرات الخليج والعراق والعالم الإسلامى والحركات الإسلامية فى أفغانستان ضد موسكو وفى الخليج ضد إيران الثورة بتهمة تصدير الثورة، والثورات أيها النوابغ لا تصدر، وهكذا حاربت واشنطن إيران الثورة بالعرب والخليج وحاربت موسكو عدوها العالمى بالمسلمين فى "جهاد" مقدس. فلما فرغت واشنطن من موسكو استحدثت "العدو الإسلامى" وسجل نكسون فى كتابه "نصر بلا حرب" كل ما حدث ويحدث الآن، ولكن حقا كما قال ديان: العرب لا يقرأون وإذا قرأوا لا يفهمون وإذا فهموا لا يعلمون. فكيف يقرأ الآمى، وكيف يفهم من تفهمه واشنطن ما تريد، وكيف يعمل من تنصبه واشنطن وتتخلص منه إذا تظاهر بالفهم ،فاخترعت 11 سبتمبر والإرهاب، وأمسك العرب والمسلمون بالخيط وصاروا وكلاء واشنطن فى محاربة إرهاب لا تريد حقا مكافحته، وهى التى صنعته وسهل لها غياب الشعوب، وهى عدو واشنطن والحكام بل جعلت واشنطن الشعوب تكفر بالثورات وتطالب بحكامها المستبدين ، كما تلاعبت بجميع الفرق الإسلامية حتى وجدنا سيوفنا فى رقابنا وفى ساحات القتال فى أراضينا، وكأن منطق واشنطن أن الأغبياء العرب المسلمين لابد أن يدفعوا ثمن غبائهم تبعية ودماء وإهانة، فهم لا يستحقون الثروات الهائلة، وهى ترونهم قصر لم يبلغوا الرشد ،ولذلك أفرغت هذه الثروات فى حروبها التى يخوضونها حتى تأمن إسرائيل ويدخل العرب مقابر التاريخ. والغريب اننى تابعت القمة العربية التى صارت فعلا قمة خليجية، ليس استخفافا بالخليج ولكن إشفاقا عليه، وانطلقت الأقلام من كبار الكتاب وأصحاب الأعمدة يبشرون بعصر العروبة والأمن القومى العربى وهم لا يدركون للأسف أنها قمة الإعداد للفصل الأخير فى تاريخ العرب. وأشرح ذلك باختصار. عندما قامت ثورة إيران عام 1979 كانت مصر تدلف الي عصر الدخول الرسمى إلى بيت الطاعة الأمريكى. ولم ينس الإعلام أن يرفع شارات النصر والاستقلال والسيادة والحرية ، لأن مصر المعتدلة بأزهرها القديم قبل تخريبه وتسييسه عمدا، كان يمكن أن تكون واحة السلام والتسوية لكل المنازعات ولكن المخطط يقضي بان تكون واشنطن هي مركز المؤامرة ، فهى توهم العرب بمصلحتهم وهى التى تخلق لهم من يهددهم،فاستغلت طموحات الزعامة عند صدام ، ثم دفعت به الي الحرب مع ايران والخليج والعرب يدعمونه في حرب امريكية ضد الثورة الايرانية ثمقدمت صدام الي حتفه في الكويت واخيرا تعاون الخليج والعرب علي غزو العراق وتقسيمه. ثم ساندت الثورات العربية وعملت علي اجهاضها ثم هي التي اخترعت للاسلاميين الجهاد ثم الحرب الاهلية في افغانستان ثم قدمت طالبان واخيرا انقلبت علي طالبان والقاعدة التي كانت مجاهدة بالامس وكل ذلك والعرب من ورائها والخليح بامواله حاضر في كل المسارح الامريكية في الوقت الذي كان الانصراف عن الاقصي والتالف مع اسرائيل حقيقة واقعة. وأجزم أن صورة العرب عند إيران، وصورة إيران عند العرب هى النمط الذى رسمه المعلم الأمريكى لصالح استقرار المشروع الصهيونى.
فبدأت واشنطن باستنفار العروبة فى النشامى صدام حسين خليفة عبد الناصر، بعد أن تخلصت منه عام 1967. فاصطف العرب والخليج بأمواله كلها وراء البطل القومى الجديد، واستحدث صدام مصطلحات أذكت الصراع بين الفرس والعرب، وبين الفرس والمجوس والعرب المسلمين، فهو إذن صراع بين الحق والباطل وبين العروبة والفارسية، وبين السنة والشيعة ولو باستحياء فى المرحلة الأولى. فقضت على العروبة بممارسات عبد الناصر وصدام "النشامى". ثم صعدت الإسلام الجهادى ضد الإلحاد، وضربته عندما انقلبت على القاعدة، ورفعت السادات ثم اغتالته، ورفعت حسنى مبارك ثم أسهمت بشدة فى تلقينه درسا، لأن الحاكم العربى لا يكفى أن يكون خادما مطيعا، بل لابد أن ينفذ نصائح – تعليمات واشنطن التى قد تبدو له غير مقبولة، ولكنها تريد استمرار السلالة السياسية لا الأشخاص.
فى يونيو 2015 لحظة توقيع الاتفاق النهائى هو يوم الحرب العربية الإيرانية ويدفع الخليج تبعات الحرب، والهدف أن ترد إيران إلى الملكية والاستقامة السياسية مع إسرائيل. ولذلك أتوقع أن تجهز البيئة العربية عسكريا وتشحن نفسيا ضد إيران، وتكون تلك ورقة واشنطن بالإضافة إلى إلحاح نتانياهو، حتى إذا وقعت إيران الاتفاق تكون قد أوفت بكل الشروط للاستقامة السياسية وإلا فالحرب الاستنزافية بأيدى العرب وبدعم عسكرى ودبلوماسى من واشنطن وإسرائيل.
أموال عرب الخليج ودماء أبناء الأمة وزوال إيران كلهم فداء المشروع الصهيونى فيكون أوباما هو من حقق للمشروع ما يريد. 
ما معنى الصبر الاستراتيجى الأمريكى، وما معنى أن حرب داعش والإرهاب سيستمر سنوات أو عقودا، وما معنى أن تسعد إسرائيل وتدعم واشنطن القوة العربية المشتركة التى لم تتكون ضد إسرائيل وإنما تلبية لمطالب واشنطن وإسرائيل بأيدى عربية قد تكون مخلصة وغير مدركة لتاريخ المؤامرة بعد أن "سيطرت" واشنطن على كل الحكام العرب، أى وضعت لكل منهم ملفا لا يمكنه التراجع حتى لو أراد خشيه تصفيته أو إحراقه.
إننى شديد الإعجاب بذكاء واشنطن وإسرائيل وشديد اليأس من أن يدرك العرب ما يدبر لهم، وأن يدرك الشباب المسلم الأقدار السوداء، حتى أظن أن نظرية المؤامرة لا تصلح إلا إذا توفر طرفان، أحدهما شديد الذكاء والآخر شديد الغباء أو مقمور، فأى عروبة تقصدون، عروبة الرعونة الهوجاء، أم عروبة الانسياق فى المخطط الصهيونى. اللهم هل بلغت اللهم فاشهد، حتى أحاجج بها الحكام العرب يوم الدين. اقتربت الساعة فهل تجدى النذر؟!.
ما العمل؟
قمة عربية جديدة بعقلية جديدة أجندتها استخدام أموال الخليج المهدرة فى إعادة بناء مصر وليبيا وسوريا واليمن ولبنان والعراق، وأن يعود العقل إلى إيران التى هى طرف وضحية فى المؤامرة، وأن يصلح الحكام ما فسد فى أوطانهم ويميزوا بين مصلحة واشنطن فى إفناء دينهم وشعوبهم، وبين مصلحة بلادهم فى التماسك والتنمية والرفاهية والحرية لكل الشرائع فالله وحده هو الذى يحاسب عباده وليس بعض عباده يتسلطون على بعضهم الأخر

المفكر القومى محمد سيف الدولة: عرب و ايرانيون

هناك حالة انقسام حادة فى الرأى العام العربى حول الموقف من ايران، ربما كانت تقتصر فى البداية على جماهير العراق وسوريا ولبنان والسعودية و الخليج، ولكنها تصدرت اليوم اهتمامات الجميع على امتداد الوطن العربى كله، بالتزامن مع الأزمة اليمنية وعاصفة الحزم من ناحية، والاتفاق النووى الامريكى الايرانى الأخير من ناحية أخرى.
وفيما يلى اجتهاد لبلورة رؤية منهجية وطنية من ايران، تنطلق من محددات الامن القومى العربى والمصالح العربية التى قد تتلاقى أو تتناقض مع المصالح الايرانية حسب الموقف والقضية: 
تاريخيا :
· تعيش أمتنا العربية، منذ قرون طويلة، جنبا الى جنب مع الأمتين الايرانية والتركية. فنحن جميعا سكان هذه المنطقة وأصحابها منذ قديم الأزل، ولن نغادرها أبدا. وسنظل جيراناً شئنا أم أبينا الى ما شاء الله. وهو ما يفرض علينا البحث عن سبل التعاون وحسن الجوار، لأنه ليس لدينا خياراً آخر.
· على العكس والنقيض تماما من الكيان الصهيونى الباطل المسمى باسرائيل الذى لا يتعدى وجوده 67 عاما فى المنطقة، وكذلك الوجود الاستعمارى الغربى الذى اخترق المنطقة منذ مدة لا تتعدى قرنين من الزمان.
· كما اننا ننتمى الى أمة اسلامية واحدة، تضم عديد من القوميات والشعوب والمذاهب، يمكن أن تتحول، لو أحسنا ادارتها، الى عوامل للاثراء والتكامل الحضارى، بدلا من أن تكون أسبابا للتناقضات والصراعات.
· وننتمى كذلك الى مجموعة بلدان العالم الثالث، التى عانت لسنوات طويلة من ذات الاستعمار الغربى، بكل ما تميز به نهب واستغلال وعنصرية، وكل ما خلفه، من فقر وضعف وتأخر وتجزئة وتغريب.
· ونتعرض لذات المخاطر من قِبَّل خطط ومشروعات الهيمنة الامريكية والغربية، و من كيانهم وقاعدتهم الاستراتيجية والعسكرية المسماة باسرائيل.
***
الوحدة والتجزئة :
· نجحت الأمة الايرانية فى تحقيق وحدتها القومية، تحت سيادة دولة ايرانية واحدة منذ أمد بعيد، بينما لا تزال الامة العربية مقسمة ومجزأة بين 22 دولة، وهذا هو السبب الرئيسى فى فارق القوة والنفوذ، فنحن أمام مشروعا ايرانيا واحدا، فى مواجهة عشرات المواقف العربية الرسمية والشعبية.
***
الاستقلال والتبعية :
· نجحت ايران منذ الثورة الاسلامية فى تحقيق استقلالها الكامل عن الغرب والولايات المتحدة الأمريكية، بينما تضرب التبعية العالم العربى حتى النخاع.
· وهو ما ينعكس فى اختراق النفوذ الغربى للمواقف والقرارات العربية تجاه ايران، وتوظيفها لصالح استراتيجياته فى المنطقة.
· من ذلك على سبيل المثال، الفيتو الامريكى الاسرائيلى السعودى الخليجى، على اعادة مصر لعلاقاتها مع ايران، والذى لا يمكن ان يستقيم مع المصالح والسيادة المصرية، ولا مع المصالح العربية أو الايرانية.
***
الثورة الايرانية :
· كان من الممكن أن تمثل ايران بعد ثورتها الكبرى فى 1979، حليفا قويا للعالم العربى، فى مواجهة الولايات المتحدة الامريكية واسرائيل، لولا حرب الخليج الاولى 1980 ـ 1988، التى لاقت تحريضا ودعما كبيرا من الامريكان، مع المقارنة بالتحالف والصداقة العربية الايرانية فى عصر الشاه، تحت الرعاية الامريكية والترحيب الاسرائيلى.
***
اسرائيل ولبنان وفلسطين :
· ان رفض ايران الاعتراف بشرعية اسرائيل حتى يومنا هذا، هو اقرب للثوابت الوطنية العربية التى ارتدت عنها كافة الانظمة العربية، حين وقعت بعضها معاهدات سلام مع اسرائيل، وتبنت البقية الباقية منها مبادرة السلام العربية التى تنازلت لاسرائيل عن فلسطين 1948.
· ودعم ايران للمقاومة اللبنانية، فى حروبها ضد الاعتداءات الاسرائيلية، كان له دورا مهما فى تحرير التراب اللبنانى من الاحتلال الاسرائيلى، رغم جرثومة المذهبية والطائفية التى لم يتحرر منها حزب الله، مثله فى ذلك مثل غالبية القوى والأحزاب الطائفية البنانية الأخرى.
· وكذلك الدعم الايرانى للمقاومة الفلسطينية، متمثلة فى ابو عمار ومنظمة التحرير الفلسطينية فى البداية، ثم المقاومة الاسلامية بعد اتفاقيات اوسلو، كان له بالغ الاهمية فى صمود المقاومة امام حروب الابادة الاسرائيلية، فى وقت تواطأت فيها غالبية الانظمة العربية مع اسرائيل ضد المقاومة.
***
النووى الايرانى :
· الدفاع عن حقنا فى سلاح نووى عربى، كان يستوجب موقفا عربيا داعما لحق ايران فى امتلاك مشروعها النووى، طالما ليس بمقدورنا تجريد اسرائيل من سلاحها النووى. أما التماهى مع الرفض الامريكى الغربى الاسرائيلى للبرنامج النووى الايرانى، مع الصمت تماما تجاه النووى الاسرائيلى، فهو يعكس حالة الخوف والتبعية العربية الرسمية.
***
العراق :
· شاركت ايران فى العدوان على العراق ووحدته، وفى تهديد الامن القومى العربى، حين قامت بالتنسيق مع الاحتلال الامريكى، وتقاسمت معه الادوار والنفوذ والسيطرة هناك، واشعال الفتن الطائفية والحروب الاهلية، تمهيدا لتقسيمه الى ثلاث دويلات؛ دولة شيعية تتبعها، جنبا الى جنب مع دولتى الاكراد والسنة. وهى مواقف وسياسات معادية للثوابت الوطنية العراقية والعربية، لطالما رفضتها وحذرتنا منها الاحزاب والقوى والمقاومة الوطنية العراقية.
***
سوريا :
· الدعم والتدخل الايرانى فى سوريا يستوجب الرفض والإدانة بنفس درجة الرفض والإدانة للتدخل السعودى والخليجى تحت الرعاية الغربية والامريكية. فلقد شاركوا جميعا فى اجهاض الثورة السورية السلمية فى مواجهة نظام شديد الاستبداد، وسرقتها وتحويلها، بعد عسكرتها، الى ساحة للصراع الدولى والاقليمى تستهدف وحدة سوريا وبقائها.
***
اليمن :
· كذلك المشاركة الايرانية للسعودية ودول الخليج فى اختراق الساحة اليمنية، واجهاض ثورتها، وتحويلها الى ساحة صراع وحرب واقتتال مذهبى وطائفى واقليمى ودولى، ستسفر عن تدمير اليمن وتقسيمه وتشريد وتجويع شعبه لسنوات طويلة. فالحرب فى اليمن وعليها، جريمة لا تغتفر، والمتحاربون وحلفاؤهم جميعا شركاء فى الجريمة بدرجة او بأخرى.
**
المذهب الشيعى وتصدير الثورة :
· اى محاولات ايرانية لتوظيف المذهب الشيعى، لاختراق المجتمعات العربية، كأحد وسائل دعم المشروع القومى الايرانى، وليس العكس كما يدعى البعض، هو عدوان اقليمى على ما تبقى من الاستقلال العربى، وافساد لعلاقات الاخوة والجيرة المرجوة بين ايران والعالم العربى. ناهيك على انها سياسة طائفية مرفوضة، تدعم مع الطائفية السنية، المشروع الامريكى الهادف الى تحويل الصراع العربى الصهيونى الى صراع سنى شيعى، تمهيدا لتفتيت المنطقة الى دويلات طائفية تتماثل مع النموذج اليهودى الصهيونى.
· وكذلك اى محاولات مماثلة لمد النفوذ الايرانى تحت ذريعة تصدير الثورة الاسلامية، هى محاولات مرفوضة لعدة أسباب، اولها أنها كانت ثورة ايرانية وليست اسلامية. وثانيها ان الثورة ليست كالخير، يمكنك أن تعمله وترميه للبحر بدون أغراض، وانما هى محاولات للاختراق والسيطرة متخفية تحت شعارات ثورية. ثالثا لأن أحد شروط نجاح أى ثورة هو وطنيتها و قوميتها، وكثير من التجارب التاريخية شاهدة على ذلك.
· هذا مع الاقرار الكامل بأن النظام الرسمى العربى، المجزأ التابع المستسلم الطبقى المستبد، يحتاج الى ألف ثورة وثورة وليس الى ثورة واحدة فقط.
***
الصراع على الارض 
· أما عن الصراعات ذات الطابع القومى بين العرب وايران، مثل الجزر الثلاثة، أو اقليم الأحواز (عربستان)، او هوية الخليج التائهة بين العروبة والفارسية..الخ، فكلها قضايا يمكننا، مثل باقى الأمم المتحضرة، ان نعالجها بالحوارات والتفاهمات والمعاهدات، ولا يجب أن نحولها الى ذرائع للصراع والاقتتال، خاصة وانها من المشكلات الحدودية التقليدية المتكررة بين عديد من الدول المتجاورة .
***
وفى الختام أؤكد على أن السطور السابقة لم تستهدف بلورة تصور عربى شامل وكامل تجاه ايران وعلاقاتنا معها، وانما كانت محاولة لطرح مدخل منهجى وطنى فى تناول المسألة.
والله أعلم
*****
موضوعات مرتبطة :

13 أبريل 2015

محمد رفعت الدومي يكتب: واذكر في الكتاب إسماعيل!

 الخديوي "إسماعيل" من أقصد، و الخديوي "إسماعيل" فردٌ من أقلية تحصي علي أطراف الأصابع ممن حكموا مصر فأخذوها إلي مرتفعات لم تبلغها قط، وللعنوان قصة وقعت أحداثها ذات يوم من أيام مصر الجميلة! 
لقد زارالخديو "إسماعيل" مدرسة الأميرات التي أسسها فلاحظ نُذُرَ ذكاء لدي الأميرة الطفلة "خديجة بنت محمد علي الأصغر"، لذلك، كما يتصرف البالغون دائمًا مع الأطفال في مثل هذه الأحوال، قطع لها وعدًا بتزويجها من أحد أولاده متي أفصحت في الدراسة عن نبوغها، ثم، جرت في نهر النيل مياهٌ كثيرة، وزار الخديو المدرسة مرة أخري يتفقد أحوال الأميرات، فتوقف عند الأميرة الشابة "خديجة" وسألها وعلي شفتيه ظلال ابتسامة:
- إلي أين بلغت في حفظ القرآن الكريم؟
عندئذ، وخجل الأميرات الحقيقيات لا أميرات وثبات الصدف الدميمة يرج قامته في وجنتيها المَلَكيَّتين، أجابت "خديجة" دون أن تتفقد عقلها، كأنها كانت تنتظر السؤال وكأنها كانت قد أعدت له الإجابة: 
- "واذكر فى الكتاب إسماعيل إنَّه كان صادق الوعد"
ضحك "إسماعيل" كما لم يضحك من قبل، لقد كان جوابها مسكتاً وبديهتها مشتعلة، وهذا أسعده جدًا، وهو، أوفي لها بوعده وزوجها من ابنه الأمير "حسن"!
قصة، من فوق السطح، تورط القلوب في حب هؤلاء الطيبين، لكنها، من تحت السطح، تعكس بوضوح احترامهم الشديد لتعاليم الإسلام وقدرتهم علي توظيف القرآن في يومياتهم الخاصة، وأي جمال كجمال أميرة تفطن إلي اشتباك المفارقة القرآنية باللحظة وتوظفها بهذا الشكل الرقيق لخدمة أحد أحلامها؟
المحرض علي السخرية، والكاشف، أن تلك الأميرة ولدت لعائلة، منذ ستين عامًا وأبعد، من أيام أسطورة "الريس عبد الواحد" وأبعد، يشحذ العسكر كل أدواتهم، مقروءة ومسموعة ومرئية، لتشويه صورة أفرادها الذهنية لدي البسطاء وأصحاب الحد الأدني، ويسرفون في سردهم ككلاب ضالة كان كل همها هو سرقة المصريين وإذلالهم!
قصة أخري وعالقة بقصة "خديجة" تفضح بعدًا آخر من أبعاد "إسماعيل" حدثت في صيف عام 1873، قبل العرس الجماعي لأبناء "إسماعيل"، وهو ما يعرف في أدبيات تلك المرحلة بأفراح الأنجال، لقد تواصل الضجيج الملكيُّ تكريمًا لتلك المناسبة أربعين يومًا، عشرة أيام لكل عرس، تحولت خلالها ليالي الناحية الموازية لمنطقة "جاردن سيتي" الآن إلي نهارات حقيقية، لذلك سميت بـ "المنيرة"!
تزوج الخديوي "توفيق" فيما بعد من الأميرة "أمينة هانم إلهامي"، والسلطان "حسين كامل" فيما بعد بالأميرة "عين الحياة أحمد رفعت"، والأمير "حسن" بالأميرة "خديجة"، والأميرة "فاطمة" بالأمير "طوسون بن سعيد"!
من الجدير بالذكر أن الأميرة "فاطمة" ابنة الخديوي "إسماعيل" هذه هي التي تبرعت بالأرض التي الآن تنتصب عليها "جامعة القاهرة"، وبكل مجوهراتها أيضًا، فهي ألمع المساهمين في إنشائها وتبنيها، جامعة القاهرة التي، يقتل الآن العسكر الذين حرروا المصريين من عبودية أسرة "محمد علي" طلابها خارج القانون، وبدم مثلج، لأنهم، فقط، يبحثون عن واقع أقل عهرًا!!
خلال الإستعدادات لزواج أبناء الخديوي كلف "طه باشا الشمسي"، ناظر خاصته، أشهر المحال التجارية بتقديم مناقصات لتوريد كل ما يلزم من مفروشات وبياضات لجهاز العرائس، وحدث، ووقع اختيار "طه باشا" علي محل "باسكال"، وهو محل كان يمتلكه أحد الرعايا الفرنسيين، وكان مشهورًا، كعادة محلات الفرنسيين، بجودة بضاعته ورخص ثمنها في نفس الوقت، لكن، عندما أخبر الخديوي باختياره، سأله:
- أما تقدم محل مصرى بمناقصة إطلاقاً؟
فأجابه بأن محل "مدكور" قد فعل، لكن ارتفاع أسعاره التي تزيد عن أسعار "باسكال" بنسبة 25% علي الرغم من أن الجودة واحدة حال دون قبولها، وعلي الرغم من أن "إسماعيل" طلب أن يري العينات وتأكد من صحة كلام ناظر خاصته، إلا أنه عصف بـ "باسكال" وقال لناظر الخاصة في لهجة عتاب:
- خذ ما تحتاجه من "مدكور" وادفع له 25% فوق ما يطلب، فإذا كانت المحال المصرية لا تنتفع ولا تستفيد من أفراح أولادى فمن أفراح من تستفيد وتنتفع؟!
أشياء صغيرة لكنها تصلح معيارًا للحكم علي الناس، وتفضح ما يدور في السرائر، فمما لا شك فيه أن الخديوي وقتها لم يكن يظن أو يخطط لأن تفر هذه القصة بعيدًا عن أسيجة "سراي عابدين"! 
أياً كان الأمر، فهذا وجه سري من وجوه الخديوي الذي، بحكم شهرة تشويه كل ما يمت إلي أسرة "محمد علي" في إرضاء قلوب العسكر، شوهت شخصيته كاتبة كويتية هزيلة كان أجدادها أيام كان "إسماعيل" رقمًا صعبًا يستحيل تجاوزه في سياسات العالم من القطب إلي القطب يعيشون علي احتراش الضب والعصيدة والزلوط وصيد الجراد ولبن الماعز وملاحقة آبار المياه بالإضافة إلي ما يجود به "إسماعيل" من صدقات طبعًا!
بدوية من "الكويت" تكتب للمصريين تاريخهم، والله، إن هذا الحدث وحده يكفي بالقدر الذي يلهم المصريين البكاء علي ما وصل إليه حال بلدهم التي كانت فجر الضمير، والتي صارت في صدارة الصدف الجغرافية التي تصرخ من كيس قمامة!
مسلسل "سراي عابدين"، وهو هزيل إلي حد النحافة، سيناريو ممزق ومهلهل النسج، وخط درامي شديد الارتباك، والتفات شديد الوضوح إلي أفكار درامية سابقة، وحوار لا يحترم واقع عصر "إسماعيل"، أو يلمسه حتي، فضلاً عن كل ما سبق، هو مسروق من "عصر الحريم" للأستاذ "مصطفي محرم" الذي كانت الكويتية "هبة مشاري" عضوًا بلجنة قرائته التي شكلتها قناة "mbc"، وهي التي حرصت علي كتابة تقرير محبط عن العمل لإعتراضه واقتباس فكرته! 
ولمن لا يعرف "إسماعيل فهذا هو بعض "إسماعيل"، ولأمير الشعراء فيه بيت يقول فيه:
أأخون إسماعيلَ في أولاده / ولقد نشأتُ بباب إسماعيلا!
فإن من أجمل أعمال "إسماعيل" استحقاقًا لفخره هو احترامه الباهظ للثقافة والفنون لذاتها، لا أقصد "شوقي" تحديدًا، فهو لم يتعاطي الشعر إلا بعد زوال ملك "إسماعيل"، أو هكذا أظن، لكن، في عهده ولدت صحيفة الأهرام منبرًا للتنوير لتتحول بعد انقلاب "عبد الناصر" إلي قبو للتزييف وتخدير القطيع، وهو، أيضًا، من استأجر الموسيقار الإيطالي "فيردي" لتأليف "أوبرا عايدة" لعزفها في حفل افتتاح قناة السويس، وفي نفس الوقت، لتخليد ذكري حملته العسكرية على بلاد الحبشة، "أثيوبيا" الحالية، تأمل حالنا الآن وحال الأثيوبيين كيف صاروا وصرنا، لم يعد "النيل نجاشي"، إنما، مصداقاً لقول ممثل كان يعرف أكثر مما يجب لا أتذكر الآن اسمه في عمل درامي قديم لا أتذكره الآن أيضًا: 
- النيل مجاشي!
والشئ بالشئ يذكر! 
بمناسبة الحديث عن النيل وعن "إسماعيل"، في عهد "إسماعيل" مُدَّت، لأول مرة، الأنابيب في أحياء "القاهرة" لتوزيع مياه النيل علي البيوت بعد أن كان يحملها السقاؤون في القرب، كما اهتم بتعميم النظافة ورش الماء في شوارعها، وأدخل نظام الإنارة إلى شوارعها و "الإسكندرية"!
ثمة شخصية أخري من أسرة "محمد علي" زورت سينما العسكر ملامحها، إنه الأمير "يوسف كمال"، وبطبيعة الحال، من شاهد فيلم "وداد الغازية" وشاهد الفنان "عادل أدهم" يجسد شخصيته المزورة، سكر وعربدة ودياثة وخيانات وشتائم، من شاهد فيلم "وداد الغازية" لا يمكن أن يصدق أن "يوسف كمال" كان من كبار المحسنين في عصره، وأنه من تبني موهبة الفنان "محمود مختار" حتي قطع الدرب واستجاب له الخلود!
"محمود مختار"، مبدع تمثال "نهضة مصر" الذي دأب العسكر علي توظيفه في الأغاني الوطنية لمناسباتهم التي لا أساس لها من الصحة، لـ "يوسف كمال" في نضج عبقريته نبض باهظ، بل، ما زلت أحترم المنطق حين أقول: 
لولا "يوسف كمال" لما ظفر المصريون بمبدع مثل "محمود مختار"!
والآن، تخيل حدوث هذا المشهد الغريب وسهل الحدوث:
أنت جالس في بيتك تشاهد فيلم "وداد الغازية"، أعماقك مكتظة بمشاعر الكراهية الحقيقية للفنان "عادل أدهم" الذي هو "يوسف كمال" من جراء ظلمه واحتقاره للفلاحين وضربه بكل القيم عرض الحائط، ثم، يقتحم عليك الشاشة فجأة الفنان "محمد ثروت" مرتديًا زي ضابط يقف إلي جوار تمثال نهضة مصر ويغني لمصر، يا حبيبتي يا مصر يا مصر، كيف لا تموت خزيًا عندما تعلم أن "عادل أدهم" الذي تكرهه الآن هو الذي لعب الدور المفصلي في تحقق هذا التمثال؟!
هل تستبعد حدوث هذا؟ إذاً، مُتْ خزيًا!
في فواصل مسلسل "سراي عابدين"، تمامًا، عندما يكون المشاهد مشحونًا بالنقمة علي الخديوي "إسماعيل"، يتدفق صوت "جمال عبد الناصر" معلنًا تأميم قناة السويس شركة مساهمة مصرية، ثم، صوت "السادات"، ثم، صوت "السيسي" وهو يقول: 
- والله العظيم احنا مستعدين نموت عشان نشيل البلد دي فوق كتافنا!
((، ضحكة رقيعة بصوت الفنان "حسن فايق"!
تخيل، كلُّ هذا القفز فوق الحقائق يقال في فواصل "سراي عابدين" والخديوي "إسماعيل" هو الذي أنشأ قناة السويس، أي صفاقة؟ وأي جلود سميكة تستر عظام هؤلاء؟
أيضًا، في السياق نفسه، في فيلم "ناصر 56، تدخل الفنانة "أمينة رزق" علي "عبد الناصر" وهي تحمل قميص ابنها أو قريبها الذي مات في حفر القناة، أو هكذا أظن، وتقول كلامًا يطعن القلوب في صميمها، وبطبيعة الحال، لا يقول الفيلم أن القتلي من المصريين تعقيبًا علي قرار التأميم عشرات أضعاف قتلاهم خلال حفر القناة، ولا أن مدن القناة كلها، بسببه، قد استحالت أطلالاً!
أسجل، هنا، أن قرار التأميم كان واحدًا من أشد قرارات "عبد الناصر" حماقة علي المدي البعيد، فلم يكن قد تبقي علي تسليم القناة خالصة للمصريين سوي 12 سنة فقط، كما أن عائدات القناة فيما بعد استخدم بعضها، طبعًا بعضها، للإنفاق علي بناء السد العالي وهو الآن بلا قيمة! 
أسجل، أيضًا، أن السخرة في حفر القناة التي يشير إليها الفيلم ضمنًا كانت قد انخفضت جدًا في عهد الخديوي "إسماعيل"، لقد فرض عليها قيودًا حادة، واقرأ كتاب "عصر إسماعيل" لـ "عبد الرحمن الرافعي"، وهب هذا سببًا يصلح للطعن في "إسماعيل" وكراهيته، فكيف يكون ارتفاع سقف كراهيتنا للذين يسخِّرون شعبًا بأكمله للعمل في مزرعتهم الخاصة التي تسمي مصر مقابل السماح لأفراده بالحياة والإقامة في ظلال أحذيتهم فقط!
والآن، إليك بعض تراث "إسماعيل":
1 - حفر قناة السويس وافتتاحها أمام حركة الملاحة العالمية في حفل كانت واسطة عقد كواكب الكون فيه الإمبراطورة الفرنسية "أوجيني" التي علي الأرجح كانت تهيم بـ "إسماعيل" عشقاً، ومن أجل تلك المناسبة تم إنشاء أول دار أوبرا في الشرق الأوسط وأفريقيا، هي التي احترقت في أيام "السادات"! 
ولو لم يكن للخديوي "إسماعيل" وسامٌ آخر غير إنشاء قناة السويس التي الآن هي من أهم مصادر الدخل للمصريين لكان هذا كافيًا جدًا وثريَّاً جدًا لأن ندين للرجل بالكثير ولأن يضعه المصريون إلي الأبد في يمين قلوبهم!
2 - إنشاء كوبري "قصر النيل" وأكثر من 400 كوبري أقل شهرة، كوبري "قصر النيل" ذلك المسرح الأخرس الذي لعب علي خشبته العسكر واحدة من مذابحهم الكثيرة في حق المصريين خلال ثورة 25 يناير، تلك الدماء التي تحولت أطرافها إلي نعيق غربان سوف لا يهدأ قبل أن يلقي جزاءه اللائق كل من شارك في إراقتها!
3 - في عصره ولدت مدرسة السيوفية أول مدرسة لتعليم البنات في مصر، لم تسبقها إلا مدرسة القابلات!
4 - بني العديد من المدن الجديدة أشهرها الآن مدينة "الإسماعيلية" التي تحمل اسمه، وقام بتخطيط عدة شوارع وميادين جديدة أشهرها شارع "كلوت بك"، وشارع "محمد علي"، وشارع "عبد العزيز"، كما عمَّرَ أحياءًا بأكملها منها حي "الإسماعيلية"، و "التوفيقية"، و "عابدين"!
5 - اتسعت في عهده مساحة الأراضي المزروعة ووصلت إلى ما يزيد عن 4.8 مليون فدان، وكان ذلك بسبب المشاريع التي أنجزها، فلقد تم حفر وإصلاح ما يزيد عن 100 ترعة بطول يتجاوز الـ 13.000 كيلو مترًا أهمها ترعة "الإبراهيمية" التي، عند إنشائها، كانت تعد من أعظم منشآت الري في العالم الكبير..
6 - أدخل الديمقراطية إلى مصر في نهاية العام 1866، عندما استبدل مجلس المشورة الذي أسسه جده "محمد علي" بمجلس شورى النواب، وأتاح للشعب اختيار ممثليه، كما أدخل نظام الانتخاب في الأطراف والضواحي!
7 - كما يحدث من المصريين الآن، هروبًا من الكابوس القذر، كان الأوربيون في عصره يتزاحمون حول قنصليات بلادهم للقدوم إلي مصر من أجل العمل كحلاقين أو أطباء أو تجار أو نصابين حتي!
8 - هو صاحب فكرة إنشاء حديقة الحيوان بـ "الجيزة"، أكبر حدائق الحيوانات في الشرق الأوسط وأول وأعرق حدائق الحيوانات المغلقة في قارة أفريقيا، وكانت تسمى "جوهرة التاج لحدائق الحيوان في أفريقيا "!
هذا هو بعض الخديوي "إسماعيل" كما التقطته ذاكرة التاريخ، لقد لمست شخصيته لمسًا رقيقاً، وأنت، بالقفز فوق ما قالت لك أدبيات العسكر عنه أو تجاهله لبعض الوقت، ببساطة الماء، تستطيع التوصل إلي حقيقة "إسماعيل" من ممرات كثيرة، ذاكرة المكان مثلاً، فلا شك أن رائحة الأمكنة تشبه إلي حد بعيد رائحة أصحابها، لذلك، حاور ذاكرة شوارع وبنايات وسط القاهرة، تلك المتاحف المفتوحة التي تتماهي جدًا مع الطرز المعمارية الأوروبية في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، "جاردن سيتي" و "الزمالك" أيضًا، إنها تشبه أسرة "محمد علي" وتفضح إلي أين كانوا يريدون أن يستدرجوا مصر، وكيف ارتبطت مصر في أيامهم برقيٍّ كان مرشَّحًا لأن يدوم إلي الأبد! 
وذهبت أسرة "محمد علي" بما لها وبما عليها، وأصيبت مصر بمرض العسكر، وهو مرض متي أصيب به بلدٌ فهو حتمًا في الطريق إلي مصير كمصير إنسان مسكون بمرض السرطان، لذلك، كان يجب أن تكون رائحة الأمكنة في أيامهم شديدة الشبه بهم جدًا، وأن تكون شاهدًا علي فداحة جرائمهم في حق هذا البلد المغلوب علي أمره، فكر، سوف لا تجد إلا مستعمراتهم هم وعائلاتهم، وإلا، "الدويقة"، "منشية ناصر"، "اصطبل عنتر"، "بطن البقرة"، "ساقية مكي"، عشوائيات، عشوائيات، عشوائيات، تكرار!
في النهاية..
هل تعلم أن "أوغندا" تقدمت في العام 1950 بطلب رسمي للوحدة مع مصر تحت تاج الملك "فاروق الأول" وقوبل طلبها بالرفض؟
هل تعلم أيضًا أن "السودان" بعد عدة أعوام فقط من ذلك الوقت طلبت الإنفصال وأصرت عليه، وهو الذي قد حدث؟!
ألا لعن الله العام 1952، يا لك من عام بائس وحزين وضحل..

12 أبريل 2015

سيد أمين يكتب: وجه أخر للصحفي المصري


"بعد الغزو الامريكى للعراق عام 2003 قام الحاكم العسكري بول بريمر بفرض أليات جديدة للعمل الاعلامى والصحفى تهدف الى القضاء على الاعلاميين المؤدلجين واحلالهم باتباع له, اوعلى الاقل عزل الوطنيين منهم , وذلك من خلا استراتيجية حولت الصحافة الى مهنة لمن لا مهنة له , وقيل انه قتل قرابة 260 من أصل 900 صحفي مسجلين نقابيا فى العهد الوطنى وفر من فر واعتزل المهنة من اعتزل , فارتفع عدد الصحف من 50 صحيفة الى نحو 700 صحيفة فى العام الاول من الغزو, قيد من خلالهم في نقابة الصحفيين قرابة ثمانية الاف صحفى في عامين فقط, وفي العام الثالث تناقصت اعداد الصحف العاملة الى 130صحيفة فقط فيما تقافز عدد اعضاء النقابة الى 17الف عضو حاليا, ونشرت الصحف أنذاك أن بول بريمر كان يكتب بأسماء بعضهم مقالات تدافع عن الاحتلال الامريكى للعراق وتختلق اكاذيب ضد صدام حسين مقابل دولارات معدودات".
بالقطع عدد كبير من الصحفيين العراقيين شرفاء ومهنيون ولكننى فقط قصدت من هذا التذكير توضيح كينونة هذا الملهم الذى استمد نظام مبارك منه فكرة تعويم نقابة الصحفيين المصريين وجعل معظم منتسبيها "اجراء" وذلك بهدف كسرها وتحويلها من معقل للحريات الى مخفر مدافع عن الاستبداد , بالطريقة التى تحدثت عنها في مقال سابق بعنوان "صحفي بدوافع أمنية".
المشهد الصحفي المذري دفع بعضا من شرفاء الصحفيين الى الانتحاء جانبا ايثارا للسلامة, خشية بلاغ كيدى طائش عادة ما ينسب الى محامين بعينهم, ولسخرية القدر قد يكونون هم أخر من يعلمون بتلك البلاغات, فيصبح الصحفي مدانا لا شك بالتحريض, وهو الاتهام المصلت على رقبة كل صاحب قلم يكتب ما لا ترغبه السلطة, ولا يحرض في الاتجاه الذى تريده ان يحرض عليه, فيزج به في غياهب السجون بموجب القانون كمجرم, بعدما استكثروا عليه شرف الاعتقال.
هناك صحفيين غابوا أوغيبوا عمدا داخل السجون والمعتقلات والمنافي واخرين فصلوا من اعمالهم او توقفت صحفهم قسرا أوطواعية, او لزموا بيوتهم بعدما صار الموت يلاحق الناس بأشكال متعددة والتهم توزع جزافا, وكثير من الصحفيين الان يفكرون جديا في البحث عن بدائل اخري عن العمل الصحفي تجنبا لاهتزازات اسرية قد يسببها لهم هذا العمل المعلق دائما برضا السلطان أو صاحب العمل بل ورضا من يموله , فيما صارالفصل التعسفي عملا شائعا مبررا في حد ذاته وغير مجرم قانونا نظرا لأن عقوبته القانونية لاتكاد تساوى عقوبة مخالفة مرورية , والتى هى في بلادنا هينة للغاية.
والملفت ان خلاصة جهود "التعويم" الهادفة الى احكام القبضة الامنية على المهنة, سواء أكانت تمارس على الصحيفة فتحدد قبول هذا ورفض ذاك للعمل بها , او على الصحفي فتجعله دائما في حالة قلق ولا يجد مجالا لراحة البال من المطاردات الامنية والبلاغات الكيدية وضغوط اصحاب العمل الا بالانحياز لخيارات السلطة, او حتى النقابة التى نجدها تمارس حمايتها النقابية على عضو دون الأخر, وتبكي شهيدا وتشمت في اخر , كل هذا جعل طفيليات المهنة هى من تطفو على السطح, والأنكى أن المهنة ما عادت تعرف إلا بهم نظرا للحفاوة التى يلاقونها في منابر اعلام الدولة.
واستطيع ان اجزم انه لو اختفت او اعطبت او امتنعت اقسام الديسك المركزى والمراجعة في الصحف المصرية عن العمل ليوم واحد فاننا سنجد صحفا لا يمكن قرائتها, لدرجة انه قد اكون مخطئا لو قلت انها ستحتوى على اخطاء املائية ولغوية كثيرة لأن الصحيح هو اننا سنجد كلمات صحيحة بين خضم من اخطاء الاملاء واللغة وايضا المعرفة, وان هذه الاخطاء لا تقتصر على صغار الصحفيين بل تمتد الى كبار الكتاب من اصحاب أعمدة الرأى, لدرجة انه يمكننا احيانا اعتبار ان اقسام المراجعة والديسك هى من تكتب الموضوعات ولكن بأسماء الاخرين.
ومن الاشياء الملفتة في كل الصحف المصرية بعد 30 يونيو هو تعاظم دور المحرر العسكري في الصحيفة لدرجة ان هذا المحرر الذى كان يجب ان يكون مندوب الجريدة في وزارة الدفاع, صار مندوب وزارة الدفاع في الجريدة , بل صار هو صاحب الكلمة الطولى في كل صغيرة وكبيرة , ويحرص رئيس التحرير على استشارته والعمل بتوجيهات سيادته.!!
ليس ذلك فحسب , بل صار هناك "كتالوج" يوصى باتباعه عند كتابة اى مادة صحفية , ومن شأن العمل به ان تقلب الحقائق ويتم تحويل الضحية الى جانى.
كل ذلك اعطى انطباعا– قد يكون مغاليا فيه بما يحوى من تعميم - لدى قطاع كبير من الناس بأن الصحفي المصري كائن انتهازى ينحاز دوما الى مصلحته الشخصية, , فضلا عن انه شخص غير مثقف, ولا تعنيه كثيرا لا قضية المعرفة ولا قضية الحقيقة, وانه وضابط الشرطة ولا اقول المخبر- للترفيع- وجهان لعملة واحدة يؤديان نفس المهمة ويتكاملان بعضهما البعض وانهما واصلان ومتصلان وموصولان.
ويمكننا القول أن قطاعا كبيرا من الصحفيين المصريين يعانون ازمات مالية خانقة لكون الكثيرين منهم بلا عمل اساسا , ولا تأمينات , ولا دخل ثابت الا بدل التكنولوجيا الذى تمنحه لهم النقابة وهو المرهون برضا تقارير أبانا الذى في "لاظوغلى", او على الاقل تسامحه او تغافله عن عدم الانصياع الكامل, ما يدفع بعضهم الى سلوك مسالك مشينة , ولا ينجو من هذه الازمة إلا صحفيو الصحف القومية وصحفيو صحف رجال اعمال الثورة المضادة الذين يدفعون بسخاء والمقابل قطعا معروف.
اما ام الكوارث فهى الصحف الاجنبية العاملة فى مصر والتى تجاوزت نحو5000 صحيفة فمعظم اصحابها لا علاقة لهم بالصحافة لا من قريب ولا من بعيد , ولكنهم يمارسون المهنة من باب الاسترزاق لا اكثر ولا اقل ويقومون بدور المشهلاتية عبر ادعاء صلاتهم القوية بالمسئولين الحكوميين وهو عادة ما يكون ادعاءا صحيحا, حيث يستخدمونهم كمنافذ شعبية للفساد وعقد الصفقات غير المشروعة, فيقومون بتعيين هذا في وظيفة ما او نقل ذاك من مكان لأخر او ترقية هذا وكل ذلك طبعا مقابل أجر كبير, بما يحملونه من كارنية نقابة العاملين بالصحافة والطباعة الذى وصل سعره الأن الى2000 جنيه وصار يحمله السباك والكهربائى.
ورغم ان هؤلاء النفر عادة لا يكونون اعضاء في نقابة الصحفيين ولا يحملون المؤهل الدراسي الجامعى الذى يؤهلهم شكليا للقيد بجداول النقابة , الا انهم سرعان ما يجدون المسالك والثغرات التى تجعلهم يحصلون على المؤهل العالى من اى جامعة خاصة ثم يصبحون اعضاء في تلك النقابة , وما هى الا ايام معدودات ويتصدرون المشهد فيها.
وحينما اقول ذلك لا يعنى هذا ان كل اصحاب تلك الصحف هم من طفيليات المهنة ,فمنهم كثيرون ايضا اعتبروها منفذا بديلا للعمل الصحفي فلجأوا للصحف الاجنبية بعدما تم وضع العراقيل أمامهم للحيلولة دون اصدار صحيفة مصرية.
Albaas10@gmail.com

11 أبريل 2015

التقرير المصري : ظهور جمال مبارك في عزاء والدة بكري تمهيداً لترشيحه للرئاسة ما بعد السيسي

نقلا عن التقرير المصري
تقرير ‫#‏فارس_العربي‬
أكدت مصادر مطلعة أن ظهور جمال وعلاء مبارك نجلا الديكتاتور السابق محمد حسني مبارك في واجب عزاء كان عملا مخططا له من قبل الأجهزة الأمنية.
وأكدت المصادر أن جهاز المخابرات العامة طالب نجلا الرئس السابق للظهور للعلن وللمرة الأولى منذ ثورة يناير لحضور عزاء والدة أحد عناصر الأذرع الإعلامية للمخابرات "العامة" مصطفى بكري كان مجرد بالون اختبار لبيان مدى تقبل الناس لعودتهما لاداء ادوار سياسية جديدة خاصة بعدما فقد قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي كافة عناصر التأييد الشعبي الى وفرته له الدعاية الاعلامية طوال العامين السابقين, وصار امر سقوطه مجرد مسألة وقت.
وقالت المصادر أن المخابرات العامة صارت أكثر اقتناعا من ذى قبل بإمكانية أن يترشح جمال مبارك لرئاسة الجمهورية خلفا لقائد الانقلاب الذى رجحت سقوطه قريبا جدا كمرشح مدنى يمكن تقبله وذلك بعد فشل المرشح العسكري في تحقيق الاستقرار اللازم وتجنبا لأن يذهب كرسي الرئاسة مجددا لأى شخص آخر ينتمى لأى تيار مدنى لاسيما التيارات الإسلامية.
وأوضحت المصادر أن من أهم أسباب اختيار المخابرات العامة لجمال مبارك مجددا كون جميع عناصر الحزب الوطنى لا زالت تتمسك به ولأنه ملم بتفاصيل الإدارة السلمية للازمة وقدرته على حسمها سلميا بخلاف ما يفعله قائد الانقلاب حاليا من تبنى أسلوب العنف لتصفية خصومه فضلا عن أن الفشل الذى تحقق على يد قائد الانقلاب جعل كثير من البسطاء يؤيدون عودة مبارك.
وقالت المصادر أنه خلال الأشهر القليلة القادمة سيشاهد المجتمع ارتفاع نجم جمال وعلاء مبارك مجددا عبر استضافتهما في وسائل إعلام رجال أعمال الثورة المضادة أو إعلام الدولة لغسيل وجهيهما استعدادا لهذا الدور.
وقالت المصادر أن جمال مبارك سيعلن اسمه قريبا كقيادي في أحد الأحزاب.

صحفيون ضد الانقلاب تدين الاحكام القاسية على الصحفيين وتطالب النقابة وكافة الجهات بتحمل مسئولياتها


تابعت حركة "صحفيون ضد الانقلاب" والجماعة الصحفية برمتها والمجتمع المصري والعربي والدولى بكل اسف الاحكام الصادمة وغير الموضوعية التى اصدرتها احدى المحاكم اليوم والتى قضت بالاعدام والمؤبد على عدد من الزملاء الصحفيين من اعضاء النقابة ومن غير اعضائها في القضية المعروفة اعلاميا باسم"غرفة عمليات رابعة".
وتؤكد الحركة انه في الوقت الذى تصدر فيه احكام البراءة على قتلة شباب مصر وسارقي ثرواتها والمفسدين والمجرمين ومغتصبي الفتيات وتجار المخدرات والعملاء والجواسيس للخارج من انصار النظام , نري القضاء يتفنن في اصدار احكام غير مسبوقة فى التاريخ على حملة الاقلام الذين عبروا وهذا حقهم الوطنى والمشروع والقانونى عن رأيهم في المسار السياسي للدولة بوصفهم حمة اقلام ومن ابناء هذا الوطن, وذلك عبر وسائل تعبير سلمية ومشروعة مارسها كثير من الصحفيين ولكن في الاتجاه الذى تريده سلطة الانقلاب فتم الاحتفاء بهم وتسخير وسائل اعلام الدولة ووسال اعلام الثورة المضادة لاجراء التغطية الاعلامية لكل همزة ولمزة يمارسونها.
ان حركة"صدق" تنظر الى تلك الاحكام بوصفها قرارات عسكرية تم الباسها ثوب الاحكام القضائية بكل وضوح , مع احترامنا لاحكام القضاء ما دامت تعبر عن روح القانون وتطبق العدالة ولا تنحاز لطرف دون اخر مع الاخذ في الاعتبار ان كل حكم او قرار لم يتنزل في الكتب المقدسة فهو من فعل البشر وقابل للخطأ وايضا الانتقاد.
وتنظر "صحفيون ضد الانقلاب" الى تلك الاحكام بوصفها اختبار حقيقي لمدى جدية دفاع نقابة الصحفيين المصريين بمجلسها الجديد عن الحريات , وتنتظر من جميع منظمات حقوق الانسان والمنظمات المعنية بحرية الرأى والتعبير والصحافة والاعلام فى الداخل والخارج التدخل السريع لادانة تلك الاحكام الجائرة وغير المعقولة بوصفها احكام سياسية والعمل على اسقاطها والافراج عن الزملاء المحبوسين على اثرها.
ان الحركة تنتظر من الجماعة الصحفية المصرية التخلص من الانحيازات الفكرية والايديولوجية السبقة وحالة التخندق التى كرس لها نظام الانقلاب , والتوحد حول انقاذ زملاء في المهنة يقعون تحت نير الاستبداد , وان يضعوا نصب اعينهم انه ما بقي جلاد مخلدا , وان من يرضى بالظلم لغيره اليوم , قد يرضى له الناس الظلم في قت واخر.
صحفيون ضد الانقلاب – صدق
القاهرة 11 ابريل 2015

09 أبريل 2015

وائل قنديل يكتب: قل أعوذ: الإجابة محمد مرسي

جاء وقت على المعارضة المصرية، كانت تتحدث فيه، برقاعة وصفاقة، عن رائحة رئيس الجمهورية المنتخب بعد الثورة، وتخوض في سمعته الشخصية وسمعة عائلته، من دون أن يفكر أحد في مساءلتها ومحاسبتها، ومن دون أن تتوقع هي أي إجراء من أجهزة السلطة ضدها.
أذكر، في الفترة القصيرة التي حكم فيها الرئيس محمد مرسي، أن درعاً من القوات الإعلامية العربية تشكل مبكراً جداً لخوض معركة إسقاطه، فكانت الفرية، أو الشائعة البذيئة، تنطلق من صحافة خارج مصر، ثم تنتقل إلى الداخل، عن طريق "العنعنة".
أعرف أحد صقور معارضة مرسي، الذي تحول مع قدوم السيسي إلى أرنب رشيق، كان يتولى مسؤولية مراسلة وكالة أنباء عالمية، فينشر من خلالها اختراعاته وفبركاته عن رئيس الجمهورية، أولاً، ثم ينقلها إلى صحيفته المصرية وصحف أصدقائه الخاصة، فيما بعد، وعليها" الختم الدولي"، منسوبة إلى وكالة الأنباء العالمية الشهيرة.
شيء من ذلك كان يتم، أيضاً، عبر صحافة عربية، فتنشر صحيفة لبنانية، محسوبة على حزب الله، قصة شديدة الوضاعة الأخلاقية، والتدني المهني، عن أزمة دبلوماسية، بسبب شكوى من رائحة عرق الرئيس المنتخب، الرئيس الذي يتوضأ ويغتسل خمس مرات يومياً للصلاة، فتطير القصة إلى الصحف التابعة لورشة التحضير للانقلاب في الداخل، فتتصدر الصفحات الأولى، باعتبارها نقلاً عن صحافة عالمية مشغولة برائحة الرئيس.
أتذكر، أيضاً، أنني كنت مع مجموعة من الإعلاميين المصريين، في حوار مغلق مع وزير خارجية الدنمارك في مكتبه بالعاصمة كوبنهاجن، عام 2012، وفوجئ الرجل بأسئلة تحريضية ضد الرئيس المصري المنتخب، على اعتبار أنه سيطرب لسماع عبارات من نوعية "وصول رئيس ينتمي لتيار الإسلام السياسي يمثل خطرا على أوروبا"، فكان أن أبدى الوزير الدنماركي شيئاً من الدهشة والامتعاض، لافتاً إلى أن بلاده والاتحاد الأوروبي تنظر بإعجاب لأهم مخرجات الثورة المصرية، المتمثلة في انتخاب رئيس لأول مرة، بشكل ديمقراطي، ومشيراً إلى أنه يشعر بالسعادة والفخر لأن مقعد بلاده في اجتماعات الأمم المتحدة يجاور مقعد مصر، لأسباب تتعلق بالترتيب الأبجدي، وأنهم لا يقيمون الحكومات بأسماء أحزاب الأغلبية، وإنما بأدائها، ساخراً "لو اعتمدنا هذا المنطق ستكون معظم نظم الحكم في أوروبا حكومات دينية، كونها آتية من أحزاب أغلبية في اسمها كلمة مسيحي".
كانت أعين المعارضة النارية، وألسنتها الحداد، مشهرة في وجه الرئيس طوال الوقت، تلقي عليه، كل صباح، بكميات معتبرة من البذاءات، تتناول شكله وهيئته وحتى "بنطاله"، ولم يحدث أن عوقب صحافي، أو أوقف إعلامي عن العمل، وعلى الرغم من ذلك، يتحدث هؤلاء المعارضون الشجعان من الوضع رقوداً تحت أحذية الحكم العسكري الثقيلة، عن ديكتاتورية محمد مرسي واستبداده ووحشيته مع مخالفيه.
يثير الشفقة أن أحد المعارضين الليبراليين الأقحاح استقبل انقلاب عبد الفتاح السيسي واستيلاءه على الحكم، بقصيدة مضحكة في عبقرية الجنرال ونبوغه ورومانسيته وحكمته الضافية التي تؤهله للقب "أفضل قائد عسكري في التاريخ بعد أيزنهاور". 
الآن، بعد أن أدرك القاصي والداني، وأولهم هذا الليبرالي المتقاعد، أن عملية نصب كبرى، شارك هو فيها، أوصلت جنرالاً إلى سدة الحكم، وأوجدت مزيجاً رديئاً من الفاشية والمكارثية، ما زال صاحب اللحن القديم المسروق من أشهر سيمفونيات تدليل الاستبداد وملاطفة النظم العسكرية، يردد آلياً "مرسي كان ديكتاتور"، قبل أن يتكلم مرتعداً عن السياسات الدموية الإقصائية المتخلفة، التي يمارسها نظام الجنرال، بعد أن يختار مفرداته وعباراته، بمهارة لاعب سيرك، يعرف كيف يسير على الأسلاك المكهربة من دون أن يقع.
ومثله تفعل حركات ثورية، كانت تسلك وكأنها نمور متوحشة في زمن محمد مرسي، تتسلق نوافذ سكنه، وتسمعه أحط العبارات، وتعود إلى عرينها مطمئنة، والآن، صارت تهيم على وجهها في الصحراء، لكي تتمكن من إطلاق هتاف واحد على استحياء ضد سلطة الدم الحالية، مسبوق، بالطبع، بهتاف صاخب ضد رئيس خطفوه، وألقوا به في غياهب السجون، بمعاونة الذين يشكون لسعات العسكرة الآن.
كلهم، باختصار، يستعيذون بمواصلة الإساءة لمحمد مرسي، من حكم العسكر الخانق، كلما عادت إليهم بشكل خاطف ذاكرة المعارضة، وكأن القاعدة تقول الآن "اشتم محمد مرسي في عشر جمل، كي تحصل على فرصة تمرير شبه جملة واحدة ضد حكم العسكر".