أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي - المدينة المنورة
إلى الله المشتكى أننا ابتلينا ببعض مشجعي الكرة والذين أصبحوا يكتبون في القضايا الكبرى ... وكأنهم يخرجون ألسنتهم لفريق رياضي مهزوم ... وقد مارس بعضهم ذلك بعد الانقلاب العسكري الذي أطاح بحكم الرئيس المدني المنتخب الدكتور محمد مرسي .. فرقصوا على أنغام ذلك الانقلاب .. وكأن لسان حالهم يقول :
يا سيسي يا معلم .. خليت الشبكة تتكلم!!
فأحدهم يكتب – في صحيفة سعودية – من الكنيسة أكتب ..!!
يا أخي ما تكتب من (الكنسيت) حتى .. وعن يمينك (ليفني) وعن يسارك .. من شأت ..
ولا يستطيع أحد أن ينزع من أحد حقه في إبداء وجهة نظره .. ولكن بشرط التزام بالموضوعية .. ومعرفة أن (انقلاب يعني : نزع يد الطاعة من ولي أمر منتخب أو متغلب أو وارث للحكم) ..
وما فعله (السيسي) – الذي في عنقه،ربما،أكثر من بيعة للرئيس مرسي : بيعة كمواطن مصري .. وبيعة كرجل عسكري .. وبيعة حين أقسم يمين الولاء والطاعة عند تسلمه الوزارة – ليس أكثر من انقلاب عسكري على حكم مدني .. وقد كان المستشار طارق البشري منصفا حين قال .. أنه كان ضد بعض مواد الدستور .. ولكن حين أعيد الأمر إلى الشعب .. ووافق على الدستور .. فقد أصبح دستورا نافذا .. ووصف ما حصل بأنه انقلاب عسكري .. والمستشار بطبيعة الحال ليس من الإخوان المسلمين .. ولا من السلفيين.
ما قام به (السيسي) حفيد جمال عبد الناصر – في الفعل لا في النسب – هو إخراج مصر من خط مدني إلى دوامة الانقلابات العسكرية .. إنها المرة الثانية التي تُختطف فيها مصر من خطها المدني .. إلى خط عسكري .. يعيدها إلى الوراء ...
نعم كان هناك بعض الفساد في عصر الملك فاروق .. ولكن كان هناك ما هو أعظم منه (الاحتلال البريطاني) .. والذي كان يتحكم في الحياة المصرية .. ومعلوم أن قوات الاحتلال حاصرت قصر عابدين – في 4 فبراير 1942م – وتم توجيه رسالة من المندوب السامي البريطاني للملك "إما القبول بتشكيل النحاس للوزارة أو التنازل عن العرش". وفي مساء 4 فبراير قامت القوات البريطانية بمحاصرة قصر عابدين بالدبابات والجنود البريطانيين.
لعلنا في حاجة إلى لقاء نظرة على مصر قبل إطاحة العسكر بآخر حاكم من أسرة محمد علي باشا .. وقد امتد حكم الأسرة من سنة 1805 حتى 1952 = 147 سنة.
في فرمان سنة 1841م (حق محمد علي وخلفائه في حكم مصر الوراثي وأن يكون حق الوراثة للأكبر سنا من سلالة محمد علي الذكور".
وفي فرمان 1873م في عهد الخديوي إسماعيل نظام الحكم"جعل توارث عرش مصر في أكبر أنجال الخديوي ومن بعده إلى أكبر أولاد الأكبر وهلم جرا"
ولو ألقينا نظرة على بعض مواد دستور سنة 1923،فسنجد أن الملك لا يحكم بنفسه .. كما نصت المادة 59 – من الباب الثالث – على التالي "لا يلي الوزارة أحد من الأسرة المالكة".
وفي المادة رقم 161 – من الباب السابع – نجد التالي : "مخصصات الملك مبلغ 150 ألف جنيه سنويا".
بغض النظر عن تعطيل الدستور .. أو العمل به فالأصل أن مصر المدنية كانت على الطريق الصحيح .. ولعلنا هنا نذكر بـ(مثلبة) أوردها أحد الكتاب ليبين فساد الملك فاروق .. فذكر أن مخصصات الملك فاروق نفدت وكان في حاجة إلى المال .. فأوعز إلى البحرية بأن تطلب قاربا بمواصفات معينة،تنطبق على قارب الملك المسمى (المحروسة) وفعلا تم شراء القارب من الملك .. وقبض المال .. ولكنه لم يسلم القارب إلى البحرية!
هذا فاسد .. صحيح .. ولكن الجانب المضيء من الصورة .. أن (حاكما) يضطر للتحايل للحصول على المال من خزينة الدولة!!
وقد أورد الأستاذ إبراهيم عيسى – ربما قبل عقد من الزمان،عبر قناة "دريم" – قصة مفادها أن مواطنا (صفع) النحاس باشا .. فقال الباشا : تضربني .. يا ابن الكلب؟
ثم ذهب إلى القسم وسجل بلاغا ضد المعتدي . . وحين نشرت الصحف الخبر .. كتب العقاد غاضبا :
كيف يقول لمواطن يا ابن الكلب؟!!!
ثم قام جد السيسي أي جمال عبد الناصر ورفاقه .. بالانقلاب على السلطة .. أولا طلبوا تنازل الملك فاروق عن العرش لوريثه .. ثم – لما رأوا سهولة الأمر – ألغوا الملكية .. وتسلموا السلطة ...
فكم من الأموال انتهب – عن تصفية قصور الأسرة – وكم من الأعراض انتهك ..
فأخرجوا مصر من مسارها المدني الذي كانت تسير فيه .. إلى خط الحديد والنار والمعتقلات ... ويكفي أن نذكر بمقولة أحد وزراء الدفاع، أمين هويدي .. بعد ظهور فضائح العسكر .. فقال :
إن كان ده صحيح .. فللي حصل لنا من اليهود شويه علينا!!
إذا : ستون عاما ضاعت من مصر في توارث العسكر للسلطة .. وحين أفاقت مصر .. ووضعت قدمها على الطريق الصحيح ... والحكم المدني .. إذا بـ(السيسي) .. ينقلب على الرئيس المدني المنتخب .. ويعيد مصر – بل والأمة كلها - إلى الدوامة .. القضية قضية أمة وليست قضية الإخوان .. أو غير الإخوان.
تلويحة الوداع :
لو أن ما حصل للرئيس محمد مرسي حصل للرئيس مدني منتخب.. لبراليا .. أو شيوعيا .. أو أيا كان فسوف نسمي ذلك باسمه الصحيح ( انقلاب عسكري) .. وكما يقول كروسيه :
(المثقف .. صوت الضمير،وحارس المبادئ في عالم الرياء السياسي).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق