19 أغسطس 2015

عبدالوهاب شعبان يكتب: الأمنجية والمصور ..صحافة "محجوب عبدالدايم"

مصر العربية
إنها فقط نكأت الجراح، ولم تأت فعلًا استثنائيًا، فلا تستعذبوا لحظات الفوران العابرة، وانظروا لقبح الواقع، ممهورًا بالسؤال المر : لماذا يتكاثر نسل "محجوب عبد الدايم "في بلاط صاحبة الجلالة ؟
(1)
يسألونك: كيف يمكن لـ"زميلة"أن تفعل بزميل مهنتها هكذا بمنتهى السهولة ؟..قل : انظروا إلى المقربين داخل المؤسسات الصحفية.
في مارس من العام 2013، كان الأستاذ حازم هاشم أحد كبار كتّاب "الوفد"جالسًا في مكتبه، يحتسي قهوة الصباح، ويتأهب لإشعال سيجارته، وكنت في طريقي لإمضاء ورقة من رئيس التحرير، لحظة مروري ناداني الأستاذ : تعالى يا عبدالوهاب..إجلس"، - يميل الرجل إلى تحدث العربية الفصحى- ، جلست، وبينما هو ينفث دخانه في المكان، استطرد قائلًا : يا عبدالوهاب، الموهوب هنا يعاقبُ على موهبته !"، آلمتني العبارة، وسألته كيف يا أستاذ؟!.. الموهوب يكافأ، فقال أنا لا أقصد هنا في الجريدة، أحدثك عن المهنة بشكل عام، فابتسمت، وانصرفت، بعد وصلة دردشة لبضع دقائق، بعدها، اكتملت لديّ الصورة البائسة للمعاناة في هذا الوسط، أن تكون صحفيًا وفقط.. تلك هي الجريمة"!
-خرج الزميل أحمد رمضان من محنته، أما المخبرة التي تستند إلى سُلّم الوشاية في الصعود على أكتاف المطحونين في الأرض، عرقًا وإبداعًا، لم تخرج من الوسط، بل سيروّج الفتّايون بعد هدوء عاصفة "النبل الإنساني"، لضرورة التحقيق معها، ومنحها فرصة الدفاع عن نفسها، ثم بعد تتابع الأيام، ستمر الواقعة كأنّ شيئًا لم يكن، الأزمة ليست في "أماني الأخرس"، إنما في تفاوت الرؤى داخل المؤسسات الصحفية، تلك التي تقرّب من تشاء، وتبعد من تشاء، على معياري "الهوى، والمزاج"، وليذهب أهل الكفاءة إلى الجحيم.
ليست وحدها، بل إن بعضهم يفتتح يومه، بإرسال تقارير عن "تدوينات"زملائه على "فيسبوك"، ممهورة بـ"البرينتات"، حتى تصير قاعدة "المهنة" :الموهوب ينكسر..!
(2)
"قرنان فى الرأس يراهما الجاهل عاراً، وأراهما حلية نفيسة، قرنان فى الرأس لايؤذيان، سأكون أي شىء، ولكن لن أكون أحمق أبداً، أحمق من يرفض وظيفة غضباً لما يسمونه الكرامة، أحمق من يقتل نفسه فى سبيل ما يسمونه وطناً، وليكن لى أسوة حسنة فى الإخشيدى، وذلك لا ريب ظفر بوظيفته لأنه خائن، ورقي لأنه قواد، فإلى الأمام".. محجوب عبد الدايم في "القاهرة 30"
عايشت، وعايش غيري من زملاء المهنة، نسخًا بشرية قادمة من قراها، إلى القاهرة محملة بهذه القاعدة الراسخة، تسحق من يقف حائلًا بينها وبين الوصول لغايتها، حدث ذلك في بداية الرحلة عشرات المرات، وبطرق مختلفة، لا قيمة لجهد صحفي، القيمة لـ"القرنين"، وكلما زاد طولهما، يزيد القرب، ولم يزل في ذاكرتي مشهد طرد إحدى الزميلات، بعد نقل أحد القادمين الجدد تفاصيل جلسة مسائية لـ"رئيس قسمه "تطرقت بشكل عابر لـ"سياسته داخل القسم".
إشكالية هذا الصنف من- "الصحفيين المخبرين"- أن ثمة مباهاة تحدث بشكل تلقائي، بعضهم يجهر بها، حتى يضع من هم تحت التمرين في كثير من المؤسسات بين خيارين، إما جحيم المبادئ الإنسانية، أو "نعيم"القرب المشروط بـ"قَرنيْ"محجوب عبدالدايم، ولا حرج مطلقًا في الإطاحة بـ"زميل"، أو كما فعلت بنت "الأخرس".
(3)
وأضاف الجلاد، أنه كان رئيسًا لتحرير صحيفتي "المصري اليوم والوطن"، وكان يعرف من هم الصحفيين الأمنجية عنده، ولكنه كان يتركهم في العمل، لأنه إذا أقالهم سيتم تجنيد صحفي آخر.. مجدي الجلاد في برنامج "هنا العاصمة "معلقًا على واقعة "أماني الأخرس".
قال هذا، متبوعًا بعبارة: "ده اعتراف، ويطلع أي حد في مصر يقول مفيش"!، بؤس الاعتراف هذا يكمن في التعامل مع الأمر كأنه واقع مفروض، لايمكن تبديله، ويزداد البؤس حين يطمئن يقين الجماعة الصحفية، أن سحق الأجيال تباعًا تحت وطأة "الأمنجية"، شيء اعتيادي، حيث يصير أصحاب المباديء استثناءً في مهنة بالأصل يُفترض أنها تدافع عن القيم والمباديء.
ليس هناك ما يدعو للانتشاء بعد خروج أحمد رمضان من محبسه، وليس انتصارًا منع "أماني الأخرس"من دخول نقابة الصحفيين، إلا إذا اكتملت المبادرة بآلية جادة لتطهير المؤسسات من هذا الصنف، أو على الأقل تيسير المظلة النقابية للجادين المميزين الشرفاء.
(4)
إن أجيالًا كاملة بهذه المهنة تزيد انحطاطها، ولا ترى في واقعة الوشاية بـ"زميل"سوى هامش على متن وشاياتهم الدنيئة ليس للأمن وفقط، وإنما لرؤساء تحرير الصحف، وإداراتها، فكيف ننتظر إمكانية استئصال هذا "الورم"من جسد "الصحافة"المنهك، دون رغبة حقيقية معلنة ؟
قبيل نهاية فبراير 2011، ظهرت أوراق مسربة على صورة قوائم معنونة بـ"عملاء أمن الدولة بالصحف"، وقتها التقيت الأستاذ الراحل عادل القاضي- رئيس تحرير بوابة الوفد-، وسألته: ما حقيقة هذه الأسماء، وكيف يمكنهم الاستمرار في العمل وسط زملائهم؟، فقال مبتسمًا: "حافظ على نفسك، والتزم ضميرك"، رحل الرجل، ولم يزل هؤلاء قابعين في أماكنهم، دون أدنى شعور بتأنيب ضمير، يبدو أن أزمتنا الحقيقية في أن جيل لايريد سوى الحياة بـ"شرف"، وآخر يسعى للقضاء على معاني الشرف.
بحسب إحدى شهادات الزملاء عن واقعة "أحمد رمضان"، سأله الضابط : إنت سبت اليوم السابع ليه يا أحمد؟، فرد الزميل: عادي سبتها ورحت جريدة "التحرير"، يبدو السؤال استدلالًا مؤذيًا على بشاعة المستقبل، كيف يمكن الاطمئنان على مسيرة مهنية إزاء أسئلة كهذه؟!، وهل تعبر صحف بعينها عن "توجهات سياسية مرضية"، أما غيرها فيبدو قابعًا تحت طائلة "وشايات"سلالة محجوب عبدالدايم ؟..كل شيء يشير إلى الأجيال التي تقف منتظرة على عتبات "صاحبة الجلالة"، بأنّ هذا الحلم الجميل الذي راودنا من قبل، ولم يزل يراودهم، محض كابوس مخيف، لا شفاء منه، ولا دواء له.
(5)
خارج سرب الشجب الذي يخفت في يوم أو بعض يوم، تدفع الأزمة دفعًا ناحية وجود دور حيوي لـ"نقابة الصحفيين"، إذا كان القلق فعلًا دب في قلوب قادتها جراء "وشايات المخبرين في المؤسسات الصحفية"، حسنًا فعلت النقابة حين منعت هذه الكائنة من دخول المبنى، لكن ثمة إجراءات لازمة لحماية الصحفيين من تغوّل المؤسسات، إذ لا معنى لجرعة إفاقة بجسد يأكله "سرطان مزمن".
نكأت "الأمنجية"جرحًا غائرًا، لم تستحدثه من العدم، فعالجوه بترًا أحيانًا، وزجرًا حتى حين، وشقوا طريقًا وسطًا بين "نشوة الهتاف"، ومعضلة الاستخفاف.

محمود سلطان يكتب: لماذا أماني الأخرس وحدها؟!

لا أعرف حتى الآن، المقصود من الضجة التي أثيرت حول من وصفت بـ "الصحفية الأمنجية" التي قيل إنها "وشت" بزميلها المصور في الزميلة "التحرير".. وبلغت عنه ضابط الشرطة المكلف بحراسة محاكمة مرسي في أكاديمية الشرطة: "الحقوا إنه إخواني"!
في البداية.. فإنها "محررة عرفية" بمعنى أنها غير مقيدة في نقابة الصحفيين، وبالتالي فهي لا تمثل إلا نفسها "بنت أمنجية" وحسب.. وإن كان ذلك لا ينفي وجود نماذج مشابهة لها داخل الجماعة الصحفية.. بل إن صحفيين وإعلاميين من الوزن الثقيل وملء السمع والبصر، يعملون "مرشدين" عند الأمن.. وبعضهم يُطلق عليه رتب تتدرج من رتبة "مخبر" إلى رتبة "لواء".. وذلك تندرًا على ما آل إليه حالهم البائس من مهانة.
لماذا أماني الأخرس وحدها؟!.. وبالمناسبة لقد اتهمها ـ منذ عام تقريبًا ـ زميل مصور في "المصريون" بأنها بلغت عنه الأمن بأنه يعمل في صحيفة "إخوانية".. تقصد "المصريون".. وأثيرت وقتها ضجة تعاطف محدودة مع صحفي "المصريون" على شبكات التواصل الاجتماعي، وحضرت الأخرس إلى الجريدة واعتذرت للصحفيين وانتهى الأمر.
لماذا النفخ فيما نسب إليها مع مصور "التحرير".. سؤالي لا يعني أنني أدافع عنها أو عن سلوكها "الرخيص" حال ثبوته.. وإنما هو من قبيل السؤال: لماذا التشدد معها والتسامح مع الأمنجية الحيتان الكبيرة على الفضائيات؟!
منذ شهور عاد إعلامي شهير على "أون تي في"، من رحلة "طواف وعمرة" في الإمارات.. لينظم حملة أمنية عاتية على "المصريون" ويحرض عليها الأمن وتساءل: لماذا لم تغلق؟.. واستضاف مساعد وزير الداخلية المسؤول عن الإعلام هاتفيًا، وفي مفارقة مدهشة: قال له الضابط: نحن ملتزمون بالقانون.. فيما راح "الإعلامي ـ الحوت".. يحرض على "البلطجة" ضد الصحيفة خارج القانون.. ويعد الضابط: "اعملها ومالكش دعوى سنتفق مع كل زملائي الإعلاميين بعدم الدفاع عنها"!!.. يعني استبيحوها وها نخليها ضلمة!
ما الفرق بين أماني الأخرس.. وهذا الإعلامي؟!.. طبعا هناك فرق وهو أنه "مش كل الطير يتاكل لحمه"!.. طبعًا توجد أمثلة أخرى كثيرة، ويكفي أن إعلاميًا شهيرًا، خصص حلقة كاملة شتم فيها الصحفية "الأمنجية".. هو نفسه يتهمه زملاؤه بأنه "صحفي أمنجي"!
بالإضافة إلى التوقيت.. فالنفخ في موضوع أماني الأخرس.. جاء بالتزامن مع صدور قانون الإرهاب.. الذي يفوق خطورته على المهنة آلاف المرات من تصرفات أماني الأخرس.. إذ يجعل من الصحافة جريمة وسيحيل الصحفيين إلى عمال نظافة لتنظيف دورات مياه السادة الضباط في أقسام الشرطة.. وفيما كان الإعلاميون "اللي عاملين نفسهم مش أمنجية".. مشغولين بأماني الأخرس.. كانت منظمات حقوق الإنسان الأجنبية، مصدومة وقد روعها القانون.. وبدا لي وكأن المسكينة أماني الأخرس قد استخدمت للشوشرة على القانون ولإحكام شد حبال المشانق على أعناق الصحفيين.. حتى النقابة ذاتها ـ رغم جهودها المشكورة ـ تركت القانون وجريت وراء أماني الأخرس.

18 أغسطس 2015

عبد الرازق أحمد الشاعر يكتب : دفاعا عن الجمهورية

يوم فرح الرومان بعطايا القيصر، وانشغل المدافعون عن الحريات بجمع الغنائم، وتركوا خنادقهم فوق جبال الحرية، كان على كاتو أن يقف وحده في وجه طوفان التصفيق الحاد، وأن يلتحف الظل في زاوية معتمة فوق مسرح روما المزدحم بالمهرجين، لينال حظا غير هين من الإهمال والتجاهل.
كان القيصر يوزع أرض روما على ساكنيها، ويقسم أسلاب الحروب على الضعفاء والمعوزين، وكان أهل روما يصطفون في سلسلة بشرية محكمة حول قائدهم النبيل لينالوا صكوك العبودية، وكلهم على قلب جندي واحد. لكن هذا لم يمنع الشجاع كاتو من قلب طاولة مجلس الشيوخ في وجه قيصر، معلنا رفضه المطلق تحويل الجمهورية إلى إمبراطورية.
لم ينس المصطفون حول الدائرة الحجرية يومها بؤس كاتو وهو يجر كإرهابي ذليل نحو زنزانة لا تتسع لصرخاته. يومها جاهر أحد أعضاء المجلس الموتورين بثورته معلنا: "والله إن بقائي في السجن مع كاتو خير لي من وجودي في حضرتك أيها القيصر." بيد أن كلمات كاسيوس ديو لم تترك في نفوس من حوله من الشيوخ أثرا يذكر.
وحين اختار شعب إليريا وشعب جول في شمال إيطاليا القيصر حاكما، حذرهم كاتو بأن صناديق الاقتراع قد تصنع طاغية هناك، لكن أحدا من المفتونين بفتوحات القيصر لم يلق بالا لمهاترات كاتو. ويوم خرج الصبح من مرقده، ووقفت سنابك خيل القيصر على أعتاب مدينتهم، أدرك الرومانيون البسطاء أنه قد غرر بهم، وأدرك بومباي قائد الجيش صدق نبوءات كاتو. وشخصت الأبصار نحو متنبئ روما، والتفت حوله الجموع الغاضبة، يومها قال كاتو: "أيها الناس، لو أنكم اسمتعتم لنصحي، لما خفتم اليوم من رجل، أو علقتم أمالكم على رجل."
وبعد حرب أهلية، قتل فيها من قتل، وسحل من سحل، هزمت فلول بومباي وكاتو، والتجأ الأخير إلى زاوية يعلم يقينا أنها لن تقيه طعنات المنتصرين. يومها، عرض الإمبراطور على كاتو الصلح، فما كان منه إلا أن غمس نصل خنجره في خاصرته، رافضا أن يوقع على وثيقة أسر روما لينال حريته.
ربما لا يقرأ نباشو التاريخ عن كاتو، وقد لا يعثر علماء الآثار لمقبرته على أثر. يقينا لم يشارك أحد في تأبين كاتو ونعيه، ولم يقف على ذكره الرواة في أخبارهم، ولم يمجده المتوسلون بالشعر في أهازيجهم، لأن التاريخ يكتبه المنتصرون فوق شواهد القبور دون أن تسري في أجسادهم قشعريرة حياء. مات كاتو، لكن حلم الجمهورية لم يمت. وانتصر القيصر لكن دماء كاتو ظلت أصدق من كل أحبار المنافقين حول الموائد الحجرية فوق بلاطه الإمبراطوري. وبقي حلم الحرية يتوارثه الكاتويون من كافة الملل والشعوب، وعاشت روما بعد وفاة القيصر.

المفكر القومى محمد سيف الدولة يكتب: دفء العلاقات المصرية الاسرائيلية

((أصبح المصريون وقياداتهم أكثر دفئا تجاه اليهود واسرائيل))
***
كان هذا عنوان مقال نشرته وكالة التلجراف اليهودية "JTA" وتداولته عدد من الصحف والمواقع الاسرائيلية على رأسهم جريدة الجورزاليم بوست.
استشهد المقال والصحف التى نشرته بالزيارة التى قام بها الى القاهرة، وفد الجنة الامريكية اليهودية للقاهرة The American Jewish Committee - (AJC). فتحدث عن الحفاوة التى استقبلهم بها الرئيس المصرى. والتى ناقشوا فيها عديد من الموضوعات على رأسها "كيف يمكن لمصر واسرائيل ان يتعاونا معا ضد الاتفاق النووى الايرانى؟" وكذلك التهديدات الإرهابية الإقليمية، ومحادثات السلام المتعثرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، والحفاظ على التراث اليهودي المصري.
وعلق"جيسون آيزاكسون"عضو اللجنة الامريكية اليهودية على الزيارة، بقوله "أجد مزيد من التسامح، أجد المزيد من الاحترام لإسرائيل والشعور بالقواسم المشتركة بين الاهتمامات الاستراتيجية المصرية والإسرائيلية و المواقف المشتركة تجاه حماس..."
وكتب بعض المحللين الاسرائيليين أن الحكومة الجديدة في القاهرة في عهد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أسست علاقة ودية مع الشعب اليهودي وظلت وسيطا نزيها في التفاوض بشأن اتفاقات متبادلة المنفعة مع دولة إسرائيل. ولقد شهد القادة الأمريكيين والإسرائيليين تغييرا ملحوظا في سلوك الحكومة المصرية.
وقارن المقال بين الموقف من اليهود فى مصر فى العقود الماضية والذين بلغ عددهم 75000 قبل حرب 1948 و الذى اصبح اليوم لا يتعدى 8 نساء مسنات بالقاهرة، نتيجة معاداة السامية فى مصر واضطهاد اليهود و تجريدهم من المواطنة والجنسية منذ الخمسينات.
وأثنى على الوضع الحالى الذى لم تعد فيه كلمة "يهودى" أو حتى كلمة "صهيونى" تمثل لعنة كما كانت من قبل. واستشهد فى ذلك بمسلسل "حارة اليهود" الذى عكس موقف كثير من المصريين من ان الاخوان المسلمين اليوم وليس الصهاينة هم الذين يمثلون التهديد الاخطر والعدو الاكبر للامن المصرى.
كما انه خلال الحرب بين اسرائيل وحماس في الصيف الماضي، أدانت الحكومة المصرية حماس حليفة الاخوان، لسلوكها التصعيدى ضد اسرائيل. ونشرت محطات التلفزيون التي تديرها الدولة في مصر، مصطلح "إرهابي" لوصف الهجمات الصاروخية التى أطلقتها حماس على إسرائيل.
واشار المقال الى ما قاله السيسى فى مارس الماضى من انه يتحدث الى رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو كثيرا، وهي الممارسة التي لم يسبق لها مثيل منذ أيام كامب ديفيد، وكذلك القواسم المشتركة الذي لم يسمع بها من قبل .
كما ان السيسى قد قام بتعيين حازم خيرت سفيرا جديدا لدى اسرائيل، بعد ان تم سحب السفير السابق منذ ثلاث سنوات فى نوفمبر 2012 بعد ضرب غزة.
كما انه في أعقاب زيادة النشاط الارهابى في سيناء، فان هناك زيادة فى التنسيق العسكرى والامنى بين الجيشين المصري والإسرائيلي .
***
ومن ناحية أخرى نشرت الجورزاليم بوست فى 11 اغسطس تقريرا عن الزيارة التى قام بها "وفد آخر" من الكونجرس لكل من مصر واسرائيل فى 10 اغسطس الجاري، بترتيب من مؤسسة حلفاء اسرائيل Israel Allies Foundation. وهى الزيارة التى حرصت المؤسسة على ترتيبها فى سياق التواصل مع المعارضين للاتفاق النووى. وأن الوفد قد عقد لقاءات مغلقة مع عدد من المسؤولين المصريين. ولقد أعلن الوفد بعد الزيارة بان "مصر مثل اسرائيل ترفض الاتفاق النووى مع ايران."
***
وأخيرا وليس آخرا، نقلت وكالات الانباء ان مطار القاهرة الدولى قد استقبل فى 11 اغسطس الجارى، وفدًا إسرائيليًا فى زيارة سريعة، التقى خلالها عددًا من المسئولين المصريين. 
وكان على رأسه المحامي "اسحق مولخو"، المقرب من رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو وكبير المفاوضين السابق مع الفلسطينيين. ولم يتم اطلاع وسائل الاعلام عن أى تفاصيل بشأن هذه المباحثات التى اتسمت بطابع السرية.
***
كانت هذه جولة مع بعض مما تم نشره عن يوميات العلاقات المصرية الاسرائيلية خلال شهر اغسطس الجارى فقط، وفيما يلى بعض الملاحظات :
· نحن بصدد نشاط اسرائيلى مكثف ومحموم فى القاهرة.ففى خلال شهر واحد زار القاهرة ثلاثة وفود، احدهما شبه سرى برئاسة المستشار المقرب لنتنياهو، والآخرين منظمات امريكية شديدة التطرف فى صهيونيتها ودعمها لاسرائيل، ويمكنك متابعة مواقفها من مواقعها الالكترونية.
· تجاهلت وسائل الاعلام الرسمية والخاصة والصحف القومية والمستقلة فى مصر، اى حديث عن طبيعة هذه المنظمات، وخلت من أى نقد لزيارتها الى مصر.
· ليس من المقبول ان تكون القاهرة جزءا من الحملة الاسرائيلية ضد الاتفاق النووى الايرانى. وان تمتنع عن اثارة اى اعتراض على السلاح النووى الاسرائيلى. فهذا يمثل انحيازا فجا وصادما لاسرائيل، وخروجا على السياسة الخارجية الرسمية، التى تمسكت، حتى فى ظل مبارك، بالمطالبة بشرق اوسط خالى من السلاح النووى بما فى ذلك اسرائيل.
· ان التراث اليهودى فى مصر، هو ِشأن مصرى خالص،ومن غير المقبول ان نسمح لأى منظمات صهيونية او غير صهيونية، بالتدخل فيه بالمناقشة او التوصية او الاقتراح او حتى بالتلميح. ففى ذلك انتهاك للسيادة الوطنية، كما انه اعتراف بالرواية الصهيونية، فيما تدعيه من ان اليهود يمثلون شعبا واحدا، وليسوا مواطنين طبيعيين فى بلاد العالم التى يعيشون فيها، وما يترتب علي ذلك من ادعاءات بحق الحماية والاشراف والمتابعة لأى شأن يهودى فى العالم من قبل منظمات الحركة الصهيونية العالمية.
· ان أطروحة "دفء المصريين تجاه اسرائيل" التى تحدثت عنها الصحف الاسرائيلية، هى أكذوبة صهيونية جديدة، فالموقف الشعبى المصرى لم يتغير، فهو لا يزال وسيظل يعتبرها العدو الأول. وانما الذى تغير هو الموقف الرسمى، والذى عبر عنه السيسى بوضوح فى أحد لقاءاته السياسية، حين قال "ان السلام مع اسرائيل أصبح فى وجدان كل المصريين".
· كما أن الادعاء بان المصريين كانوا معادين لليهود وللسامية منذ الخمسينات، هو كذبة اخرى، فاغتصاب فلسطين وذبح شعبها وطردهم واعتداءات 1956 و 1967 والمذابح اليومية للعرب التى لم تتوقف على امتداد 70 عاما، هى السبب فى العداء المصرى والعربى لاسرائيل وللصهيونية ولاتفاقيات الصلح والاستسلام والتطبيع معها.
· ان القاعدة التى صكتها الانظمة والحكومات والحكام المصريين منذ عام 1974، بحظر المعرفة والمعلومات والحقائق والرأى والموقف على الشعب المصرى فى كل ما يخص العلاقات المصرية الاسرائيلية، واعتبارها من الاسرار المقدسة المحتكرة من جانب السلطة، هى قاعدة فاسدة وخطيرة ويجب أن تتوقف.
 ولقد سبق أن أدت الى توريط مصر وتكبيلها فى اتفاقيات غير متكافئة، فرطت فى السيادة الوطنية ومصالح مصر العليا والأمن القومى المصرى والعربى.
· وأخيرا وليس آخرا، على كل القوى والشخصيات الوطنية،ايا كانت مرجعيتها الفكرية أو مواقفها السياسية، أن تخرج عن صمتها وسلبيتها تجاه هذا الملف، وان تنتقد هذه التوجهات والسياسات الدافئة والحميمة التى يتم نسجها الآن مع هذا الكيان الصهيونى المسمى باسرائيل، وان تؤكد رفضها لاعادة انتاج كامب ديفيد فى ثوب جديد.
*****

12 أغسطس 2015

د. سيف الدين عبد الفتاح يكتب: رسالة إلى المطاردين والمطرودين


وإلى كل مهموم ومظلوم في هذا البلد الذي لم يعد أمينا ولا آمنا ولا مأمونا.. وإلى كل أم ينزع ابنها من بين يديها إما قتلا أو اعتقالا أو مطاردة أو طردا، وهي ثابتة القدمين لا تتزعزع وإن كان بين ضلوعها قلب يحترق شفقا أو شوقا.. وإلى كل فتاة من ابنة أو أخت تؤازر الأب أو الأخ أو الزوج لونـًا جديدًا من الحياة لم تعرفه مصر منذ عقود طويلة.. إنها ملحمة ومرحمة الأمة وهي تخرج من استضعافها واستعبادها واستخفاف المستبدين بها، وتقدم راضية ثمن تحررها وانعتاقها من الذل والقيود..
إنها قصة مقدسة وحكاية تعرفها البشرية منذ القدم... قصة الأباة الذين أبوا أن يذلوا أو ينصاعوا للفراعنة المتألهين، وكسروا حواجز السكوت على الضيم والمهانة، ولو كان ذلك بالخروج منها، ولو مسهم من ذلك طائف الخوف البشري الطبيعي، ولو زلزلوا الزلزال الشديد.. إنها قصة نوح الصانع سفينة النجاة من القوم الظالمين، وقصة إبراهيم الذاهب إلى ربه هاجرا ومهاجرا القوم الضالين، وقصة موسى التي هي أنموذج السعي لكير الفراعين المتجبرين فخرج منها خائفا يترقب، خرج من مصر ليعود إليها بعد سنين، حاملا مشعل الهداية والخلاص للمساكين ومفتاح النهاية للطاغين، وقصة عيسى وأمه الهاربين في الاتجاه المقابل إلى مصر من كيد الكائدين.
إنها قصة خاتم النبيين وصحبه الطيبين حين أخرجوا من ديارهم مرة ومرة وطوردوا في كل مكان حلوا فيه، إلى أن أوهن الله كيد عدوهم وهدى الله كثيرا من أهل الضلالة وعادوا إلى أوطانهم سالمين غانمين، وفتح الله لهم القلوب والسمع والأبصار. إنها سنة ابتلاء الجميع تعقبها سنة العاقبة للمحسنين، والهلاك للظالمين، سنن وآيات (إن في ذلك لآيات وإن كنا لمبتلين)-الآية.
أيها المطاردون التاركون بيوتهم اتقاء هجمات الليل والنهار..
أعلم كم هي قاسية أيام وساعات الذين لا بيت يقرون فيه، ولا نومة ولا حركة يأمنون لها، ولا اتصالات ولا تواصلات ولا عمل ولا معايش يديرونها كسائر الخلق، وكم هو ثقيل على النفس البعد عن الأهل والسكن والشعور بعدم الأمن، وكم هو مؤلم ترك الأوطان قسرا وكرها والعيش في غربة لا قرار لها ولا يود المرء أن تنتهي حياته بها.. لكننا جميعا نعلم أنه انقلاب وحشي يريد أن يسترد ما يعتبره مملكة العبيد وحظيرة القطعان، التي حررتها الثورة منه لبعض الوقت، ونعلم أنه يريد أن يصدر إلينا الخوف والقلق، وأن يجدد فينا حالة اليأس والكمد والاستسلام له كأمر واقع، ولن يكون، ولن يمسنا منه إلا ضرر أو أذى، لكنه لا سبيل له إلى عزائمنا.
إنها معركة العقائد والعزائم والصبر والعمل، ولن نغير عقيدتنا في الله ولا في ديننا ولا في إنسانيتنا، فنحن نؤمن أن الله لم يقم ملكه على الظلم ولا يرضى لعباده الضيم، ولا يصلح عمل المفسدين، وأن الله موهن ومبطل كيد المجرمين، ومهلك الظالمين، ناصر المحبين للحق والخير والعدل، ويعوضنا ويخلف علينا كل ما نقدمه من تضحيات وما نتحمله من متاعب، وأنه لا يضيع أجر العاملين. وعزائمنا مستعصية على أن تلين، فالقلق والمخاوف والاضطرابات بل التزلزل أمور طبيعية تمس الرجال والأبطال، لكنها لا تتحكم بهم ولا تغلب إصرارهم على المواصلة ولا تهزم صبرهم.ز والصبر نصف الإيمان.
أيها الملاحقون داخل الوطن وخارجه..
إن النموذج الفرعوني يستكمل حلقات طغيانه، ويستدعي من كل طريق معاول هدم كيانه وبنيانه، وما هذه المطاردة ولا الإخراج من الديار إلا بعض ممارساته المعروفة، وهو يرسل في المدائن حاشرين ومخبرين، ويتوعد ويهدد بقتل البنات والبنين، ويرانا شرذمة قليلين، ويطالب بتفويض لإعدام القادة والمتصدرين.. لكن كيف تكون النهاية؟.. يأمن الخائفون، ويعود المطرودون، ويقر المطاردون، وينتصر المستضعفون، ويهلك المتفرعنون ومن تابعهم على عماهم وبغيهم.
تذكروا جيدا أننا اخترنا الطريق ولم نجبر عليه، وأننا اخترنا أن نطلب الحرية والكرامة وأن نتحمل ضريبة الطلب، وأنه ليس عيبا أن نتعرض لهذه البلاءات، ولا ذلا أن نطارد أو نطرد من بيوتنا وأوطاننا، فالعيب أن نستسلم لهؤلاء الأغبياء المتغطرسين، والذل أن نرضى بالانضمام لقطعان المطبلين والمزمرين، نحمد الله أن عافانا من هذه مواطن حقارة ونفاق الأنذال وسائر هذه الأحوال.. اليوم مطاردة وطرد، وغدا عودة حميدة وحرية وكرامة .. هذا هو الغد.
ستظلون العلامة والرمز الحقيقى لإنسان يحمل كلمة "لا"، يطارد من أجلها ويدفع ثمنها ويتحمل تكلفتها يعرف أن المغارم قد طالته وأحاطت به ولذلك يتحرك بموقفه الصامد إصرارا لا فرارا، يؤكد الموقف الثابت على قاعدة من العدل والحق، يواجه الطاغية بكل ما أوتى من قوة وقدرة ،يصدع ب "لا" فيتزلزل بها فرعون المتجبر المتكبر ، وستبقى كل صنوف المطاردات لكم عنوانا لوهن النظام المنقلب وخروجه عن حدود المعقول يمارس بطشه بجنون وربما يقصد ذلك ترويعا وترهيبا ،ولكنه يتناسى أنكم ممن يحملون رسالة الحق والعدل والحرية والكرامة ،ستظلون تؤكدون بكل صنوف احتجاجكم أن "الانقلاب هو الإرهاب وأن الانقلاب أصل الخراب".
سنواصل السير في الطريق لا نحيد ولا نميل، ونستأنس بما بيننا من حبل وصل في المبدأ والقيمة والمقصد والغاية، وشعارنا:
"رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين".
"رب نجني من القوم الظالمين".
"عسى ربي أن يهديني سواء السبيل".
"رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير".

11 أغسطس 2015

سامح راشد يكتب: ما بعد "مصر بتفرح"

وسط الاهتمام الإعلامي الواسع بافتتاح التفريعة الجديدة لقناة السويس، حظيت الاحتفالات التي صاحبت الافتتاح باهتمام خاص، تراوح بين النقد الحاد والانبهار الشديد. وبين النقيضين، غابت التعليقات المحايدة والتقييمات الموضوعية، للحدث وللمشروع ككل. ففضلاً عن الطابع الاحتفالي والدعائي للمواقف المؤيدة للمشروع، كان التركيز على الحدث فقط، كأنه بذاته يستحق الاحتفاء، بل التقديس، لمجرد تحقيقه. وإغفال أن أهمية الحدث ومغزاه فيما يفضي إليه من نتائج، وليس فقط فيما يتطلبه من جهد، أو ما يستغرقه من وقت. وهنا ليس أفضل من الاستشهاد بما قاله عبدالفتاح السيسي نفسه، عندما حدد أهمية المشروع في الإعجاز الهندسي والثقة التي منحها للمصريين، في اعتراف علني بعدم جدواه اقتصادياً. ويؤكد ذلك تضارب الأرقام والبيانات المصدرة إلى المواطن والرأي العام. 
السؤال الذي يجب على السلطة الاستعداد لمواجهته، كيف ومتى سيتم سداد مستحقات المصريين أصحاب الأسهم في المشروع الجديد؟ الإجابة التي تم ترويجها، في الأشهر الماضية، أن من حق المساهمين استعادة أموالهم واستلام الفوائد عليها من اليوم الأول لافتتاح المشروع، الأمر الذي يستغرق الوفاء به أربع سنوات، بافتراض تخصيص 50% فقط من عائدات القناة لسداد تلك المستحقات. ما يؤدي، من ناحية، إلى انخفاض الدخل المتوقع من القناة إلى النصف أربع سنوات (بدلاً من زيادته حسب المعلن). ويعني، من ناحية أخرى، أن يحصل المصريون، أصحاب رأس المال، على أموالهم مجدولة على تلك السنوات الأربع، وليس فوراً. وكل هذا بافتراض أن الزيادة المتصورة في عائدات القناة ستتحقق، ويتم تحصيلها من اليوم الأول لافتتاح المشروع، وليس على عدة سنوات، أو حسب تطور حركة الملاحة البحرية والتجارة الدولية، كما تؤكد المؤسسات الاقتصادية العالمية.
لم تشر إلى هذه الحسابات البسيطة آلة الدعاية الرسمية والخاصة، الموالية للسلطة الحاكمة في مصر. في حين استفاضت في شرحها وسائل إعلام أجنبية، ليست معادية لمصر، بل تنتمي لدول صارت تدعم السلطة المصرية بقوة، وتغض الطرف عن أخطائها، أو شرعيتها. فبعد يومين من زيارة دعم قوية، قام بها وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، لمصر، جاءت الانتقادات لمشروع القناة واضحة ومباشرة وقاسية من "واشنطن بوست" و"نيويورك تايمز" و"واشنطن تايمز". ولم يقف الأمر عند تلك الصحف التي تحمل مواقفها دلالات سياسية مهمة، بل أيضاً بعض المؤسسات الاقتصادية الأقل تأثراً بالسياسة واعتباراتها. فقد جاء تحليل مؤسسة بلومبرغ أشد وضوحاً، وأكثر مباشرة، في انتقاد المشروع وتقليل أهميته للعالم، وبالتالي، جدواه الاقتصادية لمصر والمصريين. ولم تبتعد "كريستيان ساينس مونيتور" عن التحليل نفسه.
المعادلة التي تلخص هذا المشروع أن جدواه محددة ومحدودة، في ظل المعطيات الحالية لحركة الملاحة البحرية الدولية في العالم، ومعدلات نمو التجارة الدولية. والزيادة المأمولة في عائدات القناة، بعد إضافة التفريعة الجديدة وتعميق الغاطس، تظل مرهونة بتلك العوامل. وهذا هو التبرير الذي سيقدم إلى المصريين، مع تأخر تحقق العوائد الموعودة. عندئذ، سيقال إن المشكلة في انكماش حركة التجارة الدولية، وليس لعيب في المشروع، أو لأنه لم يدرس جيداً.
قريباً، سيسأل المصريون الذين ساهموا بآمالهم وأموالهم، عن تطلعاتهم الوطنية وحقوقهم المالية في ذلك المشروع. ولكيلا تحمل السلطة وزر عدم الوفاء بحقوق أولئك البسطاء، سيكون عليها البحث عن وسائل "تصبير" وتهدئة، لتمرير الوقت وإلهاء أصحاب الحقوق. وعندها، لن يكون مفاجئاً أن يطل الإرهاب مجدداً، وتستأنف الأيادي الإرهابية إياها نشاطها، بعد إجازة منحتها لنفسها حتى انتهاء احتفالات القناة-
* باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية. يعمل خبيراً في الشؤون الإقليمية ومديراً لتحرير فصلية "السياسة الدولية" في الأهرام.

المفكر القومى محمد سيف الدولة يكتب: لماذا ترفضون جلاء MFO عن سيناء !

((لقد خرجنا من سيناء بضمانات أمريكية بأن نعود اليها فى حالة تغير النظام فى مصر لغير صالح اسرائيل. واهم هذه الضمانات هى وجود قوات أمريكية مرابطة فى سيناء)) ـ آفى ديختر ـ وزير الأمن الداخلى الاسرائيلى الأسبق.
***
الخبر:
نقلت جريدة الشروق المصرية تقارير تفيد بان الادارة المصرية قد رفضت طلبا امريكيا بانهاء مهمة القوات الأجنبية متعددة الجنسية فى سيناء المعروفة باسم MFO.
جاء ذلك فى عددها الصادر فى 2 يوليو 2015 تحت عنوان "تلميحات أمريكية لإنهاء مهمة قوات حفظ السلام الدولية فى سيناء". ذكرت فيه ان الولايات المتحدة وجهت رسائل إلى القاهرة ألمحت فيها إلى رغبتها فى الاستغناء عن وجود القوات متعددة الجنسية فى شبه جزيرة سيناء فى ظل استقرار العلاقات المصرية الإسرائيلية والتنسيق الأمنى والمخابراتى على الحدود بين الجانبين فى مواجهة خطر التنظيمات التكفيرية فى سيناء. بالاضافة الى قلقها على أمن افرادها فى ضوء تدهور الوضع الأمنى فى سيناء.
وتم التأكيد على ذات الخبر مرة أخرى فى عدد الجريدة الصادر فى أول أغسطس 2015، فى انفراد صحفى جديد للصحفية "دينا عزت"، بعنوان " عودة محدودة للحوار الاستراتيجى .." حيث ورد فيه أن القاهرة ليست مستعدة بعد ــ بحسب مصادر دبلوماسية غربية فى القاهرة ــ ورغم التعاون الامنى "الوثيق وغير المسبوق مع إسرائيل"، لقبول الطرح الامريكى بإنهاء عمل MFO التى كانت واشنطن قد اقترحت إنهاء مهمتها، نظرا للتوترات الامنية فى شبه جزيرة سيناء التى اشتكى منها كثيرا السفير الامريكى رئيس القوات "ديفيد ساترفيلد". بالاضافة الى ما تراه وتقدره واشنطن من استقرار كامل فى العلاقات المصرية الاسرائيلية، التى وصفها احد المصادر الامريكية "بدفء متميز بين مصر وإسرائيل لا يحتاج معه البلدان لطرف ثالث اطلاقا."
كان هذا هو مضمون ما ورد فى الشروق.
***
MFO :
على امتداد السنوات السابقة قمت بنشر عدد من الدراسات عن هذه القوات تحت عنوان"كامب ديفيد والسيادة المجروحة فى سيناء" وعناوين أخرى، وفيما يلى أهم ما جاء بها:
· انها قوات لا تتبع الامم المتحدة، كقوات اليونيفل فى جنوب لبنان مثلا، بل هى تتبع الولايات المتحدة الامريكية وتخضع لإدارتها.
· يطلقون عليها ذو"القبعات البرتقالية" للتمييز بينها وبين قوات الامم المتحدة ذو القبعات الزرقاء.
· نجحت امريكا واسرائيل فى استبدال الدور الرقابى للامم المتحدة المنصوص عليه فى المعاهدة، بقوات متعددة الجنسية، وقع بشأنها بروتوكول بين مصر واسرائيل فى 3 اغسطس 1981.
· تتشكل القوة من 11 دولة ولكن تحت قيادة مدنية امريكية.
· ولا يجوز لمصر بنص المعاهدة ان تطالب بانسحاب هذه القوات من اراضيها الا بعد الموافقة الجماعية للأعضاء الدائمين بمجلس الامن .
· وتقوم القوة بمراقبة مصر، اما اسرائيل فتتم مراقبتها بعناصر مدنية فقط لرفضها وجود قوات اجنبية على اراضيها ، ومن هنا جاء اسمها The Multinational Force & Observers "" ((القوات متعددة الجنسية والمراقبون))
· تتحدد وظائف MFO فى خمسة مهمات = ( 4 + 1 ) هى :
1) تشغيل نقاط التفتيش ودوريات الاستطلاع ومراكز المراقبة على امتداد الحدود الدولية وعلى الخط ( ب ) وداخل المنطقة ( ج )
2) التحقق الدورى من تنفيذ احكام الملحق الامنى مرتين فى الشهر على الاقل ما لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك
3) اجراء تحقيق اضافى خلال 48 ساعة بناء على طلب احد الاطراف.
4) ضمان حرية الملاحة فى مضيق تيران.
5) المهمة الخامسة التى اضيفت فى سبتمبر2005 هى مراقبة مدى التزام قوات حرس الحدود المصرية بالاتفاق المصرى الاسرائيلى الموقع فى اول سبتمبر 2005 والمعدل فى 11 يوليو 2007 ( ملاحظة : لم يعلن عن هذا الاتفاق ولا نعلم ما جاء به ، ولقد وقع بعد سيطرة حماس على غزة )
· مقر قيادة القوة فى روما ولها مقرين اقليميين فى القاهرة وتل ابيب
· المدير الأمريكى الحالي "ديفيد ساترفيلد" David M. Satterfield وهو يشغل هذا المنصب منذ 2009. وقبل ذلك شغل منصب كبير مستشاري وزيرة الخارجية كونداليزا ريس للعراق، ونائب رئيس البعثة الامريكية هناك. كما كان سفيرا للولايات المتحدة فى لبنان. ولكن الأكثر دلالة هو انه تولى منصب القائم بأعمال السفير الامريكى فى القاهرة بعد آن باترسون، جنبا الى جنب مع ادارته للقوات فى سيناء.
· تتمركز القوات فى قاعدتين عسكرتين : الاولى فى الجورة فى شمال سيناء بالمنطقة ( ج ) والثانية بين مدينة شرم الشيخ وخليج نعمة، بالإضافة الى ثلاثين مركز مراقبة، ومركز اضافى فى جزيرة تيران لمراقبة حركة الملاحة !
**
تكوين القوات وتوزيعها :
· تتكون من قيادة وثلاثة كتائب مشاة ودورية سواحل ووحدة مراقبة ووحدة طيران حربية ووحدات دعم واشارة .
· الكتائب الثلاثة هى كتيبة امريكية تتمركز فى قاعدة شرم الشيخ والكتيبتين الاخرتين احداهما من كولومبيا والاخرى من فيجى وتتمركزان فى الجورة فى الشمال وباقى القوات من باقى الدول موزعة على باقى الوحدات.
· أما فى المنطقة (د) داخل الارض المحتلة (اسرائيل) فلا يوجد سوى مراقبين مدنيين قد لا يتعدى عددهم 100 مراقب ، حيث رفضت (اسرائيل) وجود اى قوات على (اراضيها)
وفيما يلى جدول يبين عدد وتوزيع وجنسية القوات :

     الدولة
                       طبيعة القوات
عدد الافراد
الولايات المتحدة
كتيبة مشاة فى شرم الشيخ
  425    
الولايات المتحدة
وحدة طبية ووحدة مفرقعات ومكتب القيادة المدنية
   235 
الولايات المتحدة
القيادة العسكرية
    27
كولومبيا
كتيبة مشاة فى الجورة فى الشمال
   358
فيجى
كتبة مشاة فى الجورة فى الشمال
   329
 المملكة المتحدة
القيادة العسكرية
    25
كندا
القيادة العسكرية والارتباط وشئون الافراد
    28
فرنسا
القيادة العسكرية والطيران
    15
بلغاريا
الشرطة العسكرية
   41
ايطاليا
دورية سواحل من ثلاثة سفن لمراقبة الملاحة فى المضيق وخليج العقبة
   75
نيوزيلاندا
دعم وتدريب واشارة
   27
النرويج
القيادة العسكرية ومنها قائد القوات الحالى
    6
اورجواى
النقل والهندسة
   87

يلاحظ من الجدول السابق ما يلى :
· تضطلع الولايات المتحدة بمسئولية القيادة المدنية الدائمة للقوات كما ان لها النصيب الاكبر فى عدد القوات 687 من 1678 فرد بنسبة 40 %
· وذلك رغم انها لا تقف على الحياد بين مصر واسرائيل ، ( راجع مذكرة التفاهم الامريكية الاسرائيلية الموقعة فى 25 مارس 1979 والتى تعتبر احد مستندات المعاهدة )
· وقد اختارت امريكا التمركز فى القاعدة الجنوبية فى شرم الشيخ للأهمية الاستراتيجية لخليج العقبة والمضايق بالنسبة لاسرائيل.
· رغم ان جملة عدد القوات لا يتعدى 2000 فردا ، الا ان كافية للاحتفاظ بالمواقع الاستراتيجية لصالح اسرائيل فى حالة وقوع اى عدوان مسقبلى منها ، خاصة فى مواجهة قوات من الشرطة المصرية فقط فى المنطقة ( ج )
· ان الوضع الخاص للقوات الامريكية فى بناء الـ MFO قد يضع مصر فى مواجهة مع امريكا فى ظل اى ازمة محتملة ، مما سيمثل حينئذ ضغطا اضافيا على اى قرار سياسى مصرى .
· تم استبعاد كل الدول العربية والاسلامية من المشاركة فى هذه القوات.
· ومعظم الدول الاخرى عدد قواتها محدود وتمثيلها رمزى فيما عدا كولومبيا وفيجى.
· ان القيادة العسكرية كلها من دول حلف الناتو.
***
العدو فى سيناء:
كانت هذه هى طبيعة القوات الاجنبية فى سيناء، وأظن انه لا داعى للتذكير بدور الولايات المتحدة التى تتمركز قواتها فى سيناء، فى كل الاعتداءات الصهيونية على مصر؛ فلولا تحريضها وسلاحها ودعمها العسكرى والاقتصادى والدولى اللامتناهى، لما وجدت اسرائيل اساسا، ولما استطاعت ان تحتل سيناء فى 1967، ولا ان تقوم بثغرة الدفرسوار فى 1973، ولا ان تسرق النصر العسكرى فى حرب اكتوبر فى تسويات كامب ديفيد التى جرحت السيادة المصرية على سيناء، وأوقعت مصر فى التبعية الامريكية لما يزيد عن اربعين عاما.
***
قيود أخرى :
ان وجود قوات أمريكية فى سيناء ليس بالطبع هو القيد الوحيد على السيادة المصرية، فهناك القيد الأهم والأخطر وهو تجريد ثلثى سيناء من القوات والسلاح وفقا للملحق الأمنى للمعاهدة. وهى الترتيبات التى كان لها بالغ الضرر على أمننا القومى، وهى السبب الرئيسى في كل ما يدور فى سيناء اليوم من اختراق وتجسس وإرهاب وتهريب وتجارة مخدرات ورقيق وأعضاء بشرية ..الخ
وليس صحيحا ما يشيعه البعض اليوم، نفاقا و تضليلا، من ان الادارة المصرية الحالية قد تمكنت من التحرر من القيود العسكرية هناك، مدللين على ذلك بوجود قوات مصرية اضافية الان فى سيناء تكافح الارهاب.
فهو كلام عار تماما من الصحة، فهم يعلمون جيدا ان نشر اى قوات مصرية اضافية فى سيناء يتطلب استئذان اسرائيل وموافقتها على اعداد القوات، وحجم ونوعية تسليحها، وأماكن انتشارها، وطبيعة مهماتها، وموعد انسحابها.
بالإضافة الى أن كل الموافقات الاسرائيلية التى تتم، تخص وتتعلق بالقوات المصرية على الحدود المصرية الغزاوية التى لا تتعدى 14 كيلومتر، وما يحيطها من مناطق فى شمال سيناء، وليس بباقى الحدود المصرية الفلسطينية (الاسرائيلية) البالغة اكثر من 200 كيلومتر.
***
الموقف الثابت للقوى الوطنية:
لقد كان تحرير مصر من قيود كامب ديفيد على رأس مطالب الحركة الوطنية المصرية، و التى قدمت بدائل كثيرة للسلطات المصرية على مدى العقود الاخيرة، بلا مجيب. كان من ابرزها فيما يتعلق بالقضية محل الحديث، هو ما طرحة نبيل العربى حين تولى منصب وزير الخارجية فى الاشهر الذهبية الاولى بعد الثورة، من اهمية استبدال القوات الحالية فى سيناء، بقوات تابعة وخاضعة للأمم المتحدة.
وتأتى أهمية ما قاله العربى، الى موقعه كواحد من داخل النظام ومن رجال الدولة الذين خدموا فى مواقعها وتولوا ارفع مناصبها، وهو ما يعبر عن حقيقة الاستياء الصامت والكامن و "السلبى" لدى قطاعات عديدة فى الدولة المصرية من الغبن الخطير والمهين الوارد فى ترتيبات المعاهدة الامنية والعسكرية.
***
لماذا قدمت امريكا هذا الطلب؟
وفقا للمنشور، فان وراء ذلك سببين؛ اولهما هو الخوف على عناصرها من الحالة الامنية فى شمال سيناء. والثانى هو تقديرها ان العلاقات المصرية الاسرائيلية الحالية قد وصلت الى درجة من العمق والحميمية لم تعد تحتاج معها الى الوسيط الامريكى.
ولكننى لا أستبعد أن يكون وراء هذا المطلب، رغبة امريكية فى تطوير وظيفة قواتها فى سيناء، ليكون لها دورا امنيا، بالإضافة الى دورها الحالى الذى يقتصر على المراقبة. وهو ما يعنى فى حالة القبول الرسمى المصرى، تطوير فى تشكيل وتسليح وتوزيع هذه القوات، واضافة مزيدا من القيود والانتهاك للسيادة المصرية هناك.
***
لماذا رفضت الادارة المصرية الطلب الأمريكى:
لا احد يعلم على وجه اليقين، خلفيات ومبررات الرفض المصرى او المطالبة بتأجيل مناقشته، خاصة فى ظل التعتيم الكامل على ملف العلاقات المصرية الاسرائيلية، والتى لا نعلم أخبارها الا من مناقشات الكونجرس الأمريكى أو من الصحف العبرية وتصريحات القادة الاسرائيليين الذين يشيدون بالعلاقات الحالية مع مصر ويصفونها بغير المسبوقة، وبالتحالف الاستراتيجى فى مواجهة الاعداء المشتركين، بل وكان لهم الدور الاكبر فى الضغط على الكونجرس والادارة الامريكية لاستئناف المعونة العسكرية لمصر!
***
التفسير المحتمل:
ولكن ربما نجد تفسيرا لهذا الموقف الرسمى المصرى، بتذكر واسترجاع القاعدة الرئيسية "البائسة" لاتفاقيات ونظام كامب ديفيد التى حكمت العلاقات الثلاثية، المصرية الامريكية الاسرائيلية منذ 1979. وهى قاعدة "ان مصر ستظل فى حماية الولايات المتحدة الامريكية من أى عدوان اسرائيلى جديد طالما التزمت بالصراط الامريكى المستقيم."
وهى القاعدة التى تفسر لماذا توقفت اسرائيل عن حروبها العدوانية على مصر بعد ان اعطى نظام السادات/مبارك 99% من القرار الوطنى المصرى للولايات المتحدة، رغم انها شنت علينا خلال ما يقرب من عشر سنوات حربين كبيرتين فى 1956 و1967، ورغم انها لم تتوقف عن اعتداءاتها العدوانية على اشقائنا فى فلسطين ولبنان والعراق وسوريا والسودان وتونس و غيرهم منذ ذلك الحين.
فهل رفضت الادارة المصرية الجديدة، التى نشأت وتربت وترعرعت فى ظل هذه القاعدة ونظامها ونهجها وسياساتها، اخراج الامريكان من المشهد، حتى تحتفظ بدعمهم الدولى وحمايتهم الاستراتيجية وتأمن الغدر الاسرائيلى المحتمل والمعتاد؟
سنرى.
***
وفى الختام، يجب التنبيه والتحذير من ان "العلاقات المصرية الامريكية الاسرائيلية" كما اسسها السادات ومبارك، يعاد اليوم اعادة انتاجها وتثبيتها وتحديثها بل وتعميقها وتطويرها فى ذات المسار ووفقا لذات القواعد. وهو ما لم يعد الصمت عليه مفهوما، سوى ان الصامتين، لا قدر الله، قد تغيروا و تراجعوا وقرروا تأييد ومباركة التبعية للولايات المتحدة الامريكية ونظام كامب ديفيد واتفاقياته.
****

07 أغسطس 2015

د. بلال الشوبكي يكتب:عن السيسي والسويس والفنكوش

*اكاديمى بجامعة الخليل - فلسطين المحتلة
كنت قد كتبت قبل عامين ونصف تقريباً مقالاً بعنوان: "الأزمة في مصر: وادي التكنولوجيا أم الدستور والمرشد؟" وبيّنت فيه أهمية مشروع وادي التكنولوجيا الذي أعلنت عنه الحكومة المصرية حينها، وقد كان النقاش في سياق فهم العدوانية لمصر "الجديدة" من قبل قوى إقليمية ودولية مرتبطة بنافذين مصريين، ولمن لا يتذكره فهو مشروع كان من المفترض أن يستغل ما مساحته 16500 كم2 ضمن موقع استراتيجي، إذ أنّه لا يبعد سوى 10 كم عن قناة السويس ومدينة الإسماعيلية وتتوفر فيه شبكة من الطرق المعبّدة ويقرب من الطرق البحرية. على أن يشمل المشروع العديد من الصناعات مثل الطاقة النظيفة والمتجددة والصناعات الدوائية والإلكترونية والاتصالات والصناعات البيوتكنولوجية، بالإضافة إلى المشاريع السياحية الضخمة، وتقديمه للخدمات اللوجستية لحركة النقل البحري العابرة للسويس.
بالأمس؛ وكحال الكثيرين كنت مضطراً لمتابعة المشاهد الاحتفالية لافتتاح "السويس الجديدة"، ورغم أنّي ممن يمقتون السيسي، وجدت نفسي مبتهجاً بهذا العمل، فقد عادت بي الذاكرة عامين ونصف لأظنّ أنّ تحليلي السابق لم يكن صحيحاً، وأنّ تلك القوى الدولية لم تستهدف مشروع الوادي في الاسماعيلية، وها نحن اليوم نشاهد بأمّ أعيننا ذات المشروع بكنية جديدة. فما فيه خير لمصر لا بدّ وأن يرسم ابتسامة على وجه كل محبّ لها، متجاوزاً موقفه من حكّامها وقاعدتهم الشعبية.
اليوم؛ وبعد تخصيص بعض الوقت لقراءة تفاصيل "السويس الجديدة"، تبيّن لي كم كنت متسرّعاً حين ابتسمت مبتهجاً، فما كان تحليلي السابق ضرباً من الأوهام، ولا يبدو أنّ "للسويس الجديدة" علاقة بمشروع التكنولوجيا المُعدم. وحتى لا تكون هذه السطور في سياق هجوم دعائي ضدّ أو مع أيّ من أطراف اللعبة في مصر والعالم العربي، أترككم مع الآتي من السطور.
إن مشروع "السويس الجديدة" ليس إلّا ضربة جديدة يتلقّاها الاقتصاد المصريّ في خاصرته، لكنّها ضربة تزيّنها الأجواء الاحتفالية والألحان الوطنية لتبدو كما الهزائم العربية التي صوّرت كانتصارات بذات الأدوات الاحتفالية. يدّعي السيسي ومشتقّاته في مصر أن هذا المشروع سيحقق عوائداً ضخمة وسينقل مصر إلى مصافّ الكبار مستقبلاً وأنّه مشروعٌ يتجاوز حدود مصر لتصحّ تسميته بـ "هدية أمّ الدنيا للدنيا"، وما هي إلّا حفرةً في الأرض يأمل نابشوها أن تتلقّف ما صنعوا من خيبات متتالية فتواري سواءاتهم.
"السويس الجديدة" ليست إلا ممرّاً فرعيّاً يضمن حركة للسفن باتجاهين في مسافة لا تتجاوز ثلث طول القناة الأمّ، وهو عملٌ جيّد إذا ما انفصل عن تكلفته الحقيقية وفائدته الوهمية. إذ أنّه ليس إلّا تحسيناً غير ملحّ للبنية التحتية في القناة. وإنّ كلّ الأرقام التي يتم تداولها في الإعلام المساند للسيسي ليست إلا كالجماهير التي حيّاها من على ظهر المحروسة. فالمبالغ الخيالية التي تحدّث عنها مستحيلة وفق تقديرات خبراء اقتصاديين من جامعتي هارفارد والقاهرة.
إن الفائدة المتوقعة بعد افتتاح الممرّ الفرعيّ أن تقل مدّة انتظار السفن في القناة، وقد حلّل البعض بشكلٍ ساذجٍ أنّ في ذلك منفعة مالية مترتّبة على زيادة متوقعة في عدد السفن التي ستعبر القناة، والتحليل هنا ساذجٌ لحقائق عدّة يمكن تلخصيها في الآتي:
الأولى: أن تقليل مدّة انتظار السفن لا يعني زيادة عدد السفن العابرة لها، فالسويس قبل ممرّها الجديد لم تكن تعمل بكامل قدرتها التشغيلية، أيّ أنّها ما زالت قادرة على استيعاب أعداد أكبر من السفن دون أيّة تكاليف إضافية لتطويرٍ خادع.
الثانية: أنّ حركة النقل البحري ليست مرتبطة بجودة القناة وسعتها وقدرتها التشغيلية بقدر ما هي مرتبطة بالمتغيرات الاقتصادية الدولية وبحركة التجارة العالمية، وإنّ أي انتكاسة اقتصادية في دول كبرى تعني أنّ عدد السفن قد ينقص على عكس التوقعات بنموّ طبيعي في هذه الحركة التبادلية.
الثالثة: أنّ هذا الممرّ الجديد سيحتاج إلى قوى بشرية لتشغيله والعناية به، مما يعنّي تكلفة مضافة على العمل الخدماتي، وفي الوقت الذي لن يزيد فيه عدد السفن بشكل ذي جدوى فإن تكلفة تشغيل الأيدي العاملة الجديدة سيتم اقتطاعها من عائدات القناة الأمّ. أيّ أنّ المحصّلة النهائية هي تقليص حجم الأرباح لا زيادتها.
الرابعة: لقد حفرت هذه القناة في وقت خياليّ حقّاً، لكنّ أحداً لم يسأل القائمين على المشروع، كم هي التكلفة المضافة لتقليص مدّة الحفر؟ ما من شكّ أنّ العمل السريع إلى هذا الحد يعني تكاليف مضاعفة، وفي ظل غياب المردود فإنّ هذه التكاليف استهلكت بلا شك ميزانية الدولة دون أيّ مبرّر، فكما ورد أعلاه، ما زالت القناة الأم تعمل بأقل من قدرتها التشغيلية وهو ما يؤكد أنّ سرعة العمل ليست سوى فعلاً يُراد استثماره إعلامياً في ظل حملة دعائية لصناعة قناعٍ للزّعيم لا يختلف من حيث المبدأ عن قناع "الضربة الجوّية" الذي ارتداه مبارك.
الخامسة: أن جزءاً من أموال المشروع قد تم جمعها من جيوب الشعب المصري عبر ما عُرف بـ "الاستثمار في السويس"، على أن يتقاضى المساهمون في المشروع من أبناء الشعب عوائداً سنوية ثابتة وعالية نسبياً. تأسيساً على ما ذكر أعلاه، فإنّ العوائد التي سيتقاضاها المصري المساهم لا مصدر لها إلّا عوائد القناة الأم وخزينة الدولة، ونحن هنا أمام نهب الجيوب المصرية مرّتين. الأولى؛ حين استدرج لاستثمار وهميّ، والثانية؛ حين تم اقتصاص ميزانية هو مصدرها لخداعه بالفائدة المرتفعة، وهي حيلة باتت منتشرة لدى كثير من محترفي سرقة الأموال، حيث يخدع المساهم بالفائدة المرتفعة والمؤقتة والتي تُدفع من جيبه في نهاية المطاف.
السادسة: إن العوائد الحقيقية يمكن أن تُجنى إذا ما تم افتتاح مشاريع إنتاجية على جانبي القناة، ولا يبدو أنّ مصر حالياً تشكّل نقطة جذب للمستثمرين، وآخر ما يمكن أن يجذب المستثمر هو "ممرّ فرعيّ" جديد. إنّ أول ما يتطلع إليه المستثمر المحلّي والأجنبي هو الاستقرار الأمني والسياسي والأداء الحكومي الرشيد، وأظنّ أن ما يتطلعّون إليه غير متوفرّ الآن.
إنّ ما سيكتشفه المصريّ قريباً أن العوائد التي تحدث عنها السيسي ليست إلّا كرمال ضفّتي الممرّ التي لوّح لها السيسي بيديه، في مشهد مُهين للمصريّ والعربيّ. رمالٌ نثرها تجاه محبّيه قبل خصومه، لكنّه أغفل دور المسافة، ونسي أن عينيه الأقرب لما تذروه يداه.
السيسي بمشروعه الوهمي تجاوز حقبة من الاستبداد الذي غذّى الإسفاف وأثّر فيه فأنتج لنا أعمالاً "فنّية" كالزعيم، إذ جعلت من السلطوية مادّة فكاهية يحلّ فيها الضحك مكان الصراخ، ليصل اليوم إلى حقبة التأثرّ بالإمام قبل أن يبلغ الزعامة فيبيع كلاهما "الفنكوش".

04 أغسطس 2015

محمد سيف الدولة يكتب : من قتل الرضيع الفلسطينى؟


((ان جريمة حرق الرضيع الفلسطينى على دوابشة، ليست عملا فرديا، بل هى عقيدة صهيونية وسياسة منهجية. وهى أيضا جريمة جماعية شارك فيها الصهاينة بكل أنواعهم، من يهود وعرب و أمريكان))
***
· الذى قتل على دوابشة، هو "شارون" حين اقسم على حرق كل طفل فلسطينى يولد فى هذه المنطقة.
· وقتله "هرتزل" حين دعا الى تنظيم حملة صيد جماعية ضخمة ومجهزة لطرد "الحيوانات" ورمى قنابل شديدة الإنفجار وسطهم.
· وقتله "بن جوريون" حين قال ان هدف العسكرية الصهيونية هو اجبار الجميع على الرضوخ والانحناء.
وقال ((لقد أبلغنا العرب أنه ليست لنا الرغبة فى محاربتهم أو إلحاق الأذى بهم، وإننا حريصون على أن نراهم مواطنين مسالمين فى الدولة اليهودية .. ولكن إذا وقفوا فى طريقنا وعارضوا ، ولو جزئيا ، تحقيق أهدافنا ، فإننا سنواجههم بكل ما عندنا من بطش وقوة.))
· وقتله "مناحم بيجين" الذى قال ان "الفلسطينيون مجرد صراصير ينبغي سحقها." وقال "كن اخى و إلا قتلتك." و ان "الأساليب الإرهابية قد أشبعت رغبة جارفة مكبوته عند اليهود للانتقام." و قال عن مذبحة دير ياسين "انها اسهمت مع غيرها من المذابح الاخرى فى تفريغ البلاد من 650 الف عربى ...ولولاها لما قامت اسرائيل". 
· وقتله جموع المغتصبين الذين يسمونهم زورا "بالشعب الاسرائيلى" الذين أيدت غالبيتهم فى الاحصاءات واستطلاعات الرأى، الإفناء الكلى للسكان العرب المدنيين المقيمين فى إسرائيل. وأيد 95% منهم عدوان الرصاص المصبوب عام 2009 والجرف الصامد 2014.
· وقتله الارهابى الأكبر"بنيامين نتنياهو"، الذى قتل وحرق بدم بارد ما يزيد عن 2000 فلسطينى فى عدوان الجرف الصامد فى صيف 2014، نصفهم من النساء والاطفال.
· وقتله الامريكان ومجتمعهم الدولى وأممهم المتحدة ومجلس أمنهم، حين صمتوا وباركوا ودعموا الاغتصاب والحروب والاعتداءات والمذابح الصهيونية على امتداد 70 عاما؛ فى دير ياسين واخواتها، وفى سيناء وبحر البقر والحرم الابراهيمى و صابرا وشاتيلا وقانا، ومذابح غزة المتكررة.
· وقتلته اتفاقيات وجماعة اوسلو حين ارتضت القاء سلاحها والتنازل عن حق المقاومة، والتنسيق الامنى مع العدو للابلاغ عن اهاليها من المقاومة واعتقالهم ومطاردتهم ونزع سلاحهم. ليتركوا اسرائيل تعربد فى الارض وتبنى مزيدا من المستوطنات وتسلح المستوطنين وتجرد الفلسطينيين من السلاح ليعجزوا عن الدفاع عن انفسهم وعائلاتهم وأطفالهم ومساكنهم وأراضيهم ومقدساتهم.
· وقتلته اتفاقيات الصلح والاستسلام العربى بدءا بكامب ديفيد واوسلو ووادى عربة ومبادرة السلام العربية، التى اعترفت بشرعية هذا الكيان الارهابى، وتنازلوا له عن فلسطين 1948 التى اتخذها كملاذ آمن لجرائمه و مجرميه، مثله فى ذلك مثل أى جماعة ارهابية اخرى.
· وقتلته النظم العربية، حين تخلت عن فلسطين و باعتها، وتفرغت للدفاع عن امن اسرائيل، وحاصرت الشعب الفلسطينى وطاردت المقاومة ومنعت عنها الدعم والسلاح، وطاردت انصارها فى كل البلدان العربية.
· وقتلته هذه النظم التابعة والمتواطئة والخائفة، مرة أخرى، بتحالفها سرا او علانية مع اسرائيل فى مواجهة ما يسمونه بالعدو المشترك على حد تصريحات نتنياهو المتكررة.
· وقتلته أيضا حين سلمت دولها وجيوشها وسلاحها للأمريكان فى حملاتهم وحروبهم الاستعمارية على المنطقة بذريعة مكافحة كل انواع الإرهاب، فيما عدا الارهاب الصهيونى والامريكى.
· وكذلك حين تعقد صفقات السلاح بالمليارات، وتراكمه ليصدأ فى مخازنها، بدون ان تطلق رصاصة واحدة ضد العدو الاول والرئيسى للأمة العربية، والخطر الأكبر على وجودها ومستقبلها.
· وقتلته مجددا حين ضللت شعوبها وكسرتها، فأوهمتها بان فلسطين قضية الفلسطينيين وحدهم. وانه لا شأن لنا بها، واننا لا قبل لنا باسرائيل.
· وقتله المستبدون العرب حين قهروا شعوبهم، وكمموا أفواهها، وحظروا نشاطها، وجرموا مظاهراتها، ووأدوا غضبها وثوراتها، وطاردوا شرفائها، وسجنوا مناضليها، فجردوا فلسطين وشعبها وقضيتها من ظهيرها الشعبى العربى، وتركوها وحيدة معزولة ومحاصرة وفريسة سهلة لماكينات القتل والإبادة الصهيونية.
· وقتله الذين يقتلون شعوبهم ويحرقونهم فى الميادين وعربات الترحيلات، فيقتلون في الشباب روح الانتماء الوطنى، ويصنعون اجيالا تعميها وتلهيها محنتها الداخلية عن الجرائم الصهيونية.
· وقتلته كل حركة او دعوة او فكرة سياسية، لا تضع "مواجهة الكيان الصهيونى ومشروعه" على رأس أولوياتها.
· وقتلته الطائفية والطائفيون والإرهابيون العرب الذين اغرقونا فى صراعات وحروب اهلية عربية/عربية وسنية/شيعية، بدون ان يطلقوا رصاصة واحدة ضد العدوين الامريكى والصهيونى.
· وقتله المنافقون وعبيد القصور من نخب اعلامية و سياسية، الذين يرقصون مع العدو فيشوهون كل ما هو فلسطينى، ويحرضون (اسرائيل) على ضرب المقاومة الفلسطينية، ويتعاطفون مع جرائم الابادة الصهيونية.
· وقتله كل الذن تغيروا خوفا او جهلا او نفاقا وتزلفا. تغيروا من مناصرين حتى النخاع للانتفاضة ولمحمد الدرة عام 2000 ، الى صامتين عن العدوان الصهيونى 2014 وحرق دوابشة 2015. تغيروا من مناضلين ضد الصهيونية واسرائيل وكامب ديفيد، الى داعمين ومؤيدين لنظام يضع امن اسرائيل على رأس أولوياته.
****

03 أغسطس 2015

صبحي حديدي يكتب: الداعش الإسرائيلي: باقٍ… ويتمدد!

«الإسرائيليون يطعنون المثليين ويحرقون الأطفال. ليس ثمة أيّ مقدار من الافتراء، أو الدرجة الأدنى من المبالغة، في هذا الوصف الجافّ. صحيح أنّ هذه أفعال قلّة. صحيح، أيضاً، أنّ أعدادهم تتزايد. وصحيح أنهم جميعاً ـ كلّ القتلة، وكلّ مَنْ يحرق، ومَنْ يطعن، ومَنْ يقتلع الأشجار ـ ينتمون إلى المعسكر السياسي ذاته»؛ يكتب جدعون ليفي، المعلّق في صحيفة «هآرتز» الإسرائيلية، تعقيباً على حرق الرضيع الفلسطيني علي سعد دوابشة، الجريمة البشعة التي ارتكبها إرهابيون إسرائيليون، مستوطنون قرب نابلس.
وفي مناسبات أقلّ وحشية من هذه، كان صوت ليفي عالياً في الإدانة، وفي فضح المسكوت عنه، وخدش «الحياء» الإسرائيلي الجَمْعي؛ ولكنّ مثاله لا يظلّ نادراً للغاية فقط، بل هو أقرب إلى صرخة أحادية منفردة، في عماء من الصخب الديني المتطرف، والعنف العنصري الأعمى، والتأتأة… في أفضل النماذج، إذا جازت المفاضلة أصلاً. داعش باقية، وتتمدد بالفعل، إذاً، إلى باطن هذا الإرهاب الإسرائيلي؛ ما خلا أنّ ترويع مهووسي الخليفة البغدادي لم يبلغ حدّ حرق الأطفال الرضّع، وأنّ تاريخ الإرهاب الصهيوني، ومنذ بذوره الأولى، أينع قطافاً لا قِبَل للدواعش بمضاهاته في الهمجية.
حال تعيد المرء إلى مطالع العام 1988، حين نشب في إسرائيل جدل (واسع النطاق!)، حول هذا السؤال الفريد: هل يتوجّب السماح للجنود الإسرائيليين بذرف الدموع، خلال تشييع زملائهم؟
وهل أنّ الدموع، على ملأ من الجمهور الإسرائيلي، تضعف شوكة «الدولة»، وتفتّ في عضد المحارب الصهيوني؟ وكان السجال قد انطلق حين ارتأى قائد الجبهة الشمالية أنّ البكاء صفة إنسانية، ولا مانع من أن ينخرط فيه الجندي الإسرائيلي؛ وفي المقابل، اتخذ رئيس الأركان موقفاً معاكساً تماماً، فاعتبر أنّ البكاء علامة ضعف لا تليق بالمقاتل إجمالاً، وهي حتماً لا تليق بالمقاتل الإسرائيلي تحديداً!
آنذاك توفّر صوت إسرائيلي جادّ، واحد على الأقلّ، هو أفيشاي مرغاليت، قرأ المشهد في توصيفه الواقعي، الحقيقي: هذه مسخرة معلنة (أطلق عليها صفة الـ Kitsch)، تكشف جيداً «قلّة ذوق إسرائيل»، كما سار عنوان مقاله اللاذع. 
والرجل استخلص نتائج متعددة من ذلك الجدل حول الدموع، وأرجعه إلى ظاهرة جوهرية أكثر شمولاً تتصل بالمسألة العاطفية في «الثورة الصهيونية»، تلك التي هدفت إلى قَوْلَبة «اليهودي الجديد»، ورأت في المآقي الدامعة علامة عاطفية سلبية على اليهودي الضعيف، المنفيّ، الحزين، الطيّب، العتيق… الذي يتوجب استئصاله من الذاكرة اليهودية مرّة وإلى الأبد!
غير أنّ ذلك الجدل كان جزءاً من ذلك السجال اليهودي الأعرض، حول شخصية اليهودي ما بعد الهولوكوست، وكيف ينبغي أن تُطوى إلى الأبد صورته السالفة التي سادت قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية، خانعاً ذليلاً مستسلماً وهو يُساق إلى أوشفيتز ومواقع الهولوكوست الأخرى. وهل، في المقابل، يتوجب أن تحلّ محلّها، مرّة وإلى الأبد أيضاً، صورة «اليهودي الجديد»، مواطن دولة إسرائيل، الـ»صبّاري» Sabra، المشتقة سماته من نبتة الصبّار: شوكية صلبة في وجه الخارج، وطرية عصارية حلوة في الداخل؟
لكنّ الملفّ كان محفوفاً بمخاطر «جانبية»، إذا صحّ التعبير، وبمجازفة جوهرية أيضاً؛ إذ كيف يمكن استئصال هذه الشخصية العاطفية الحزينة الكسيرة، وفي الآن ذاته استمرار تحويل الهولوكوست ــ في جوانبه المأساوية والكارثية التي تســـتدرّ الدمــــوع بالضرورة ــ إلى هوية لمواطن الدولة اليهودي، وللدولة اليهودية ذاتها وفي ذاتها؟ من جانب آخر، كيف توصَف، اليوم، دموع تماسيح يذرفها أمثال بنيامين نتنيــــاهو؛ بالمقارنة مع دموع حمائم، في مآقي الروائي دافيد غروسمان مثلاً؛ أو دموع فضّاحة للهمجية الإسرائيلية، عند فرد مثل جدعون ليفي؟
للمرء، هنا أيضاً، أن يعود إلى جورج شتاينر، المفكر اليهودي متعدد الجنسيات، الذي عرّف اليهودي بأنه ذاك الذي سيعجز أبداً (نعم: أبداً!)، عن ممارسة التعذيب، ودفن الأحياء، ومنع الكتب… أياً كانت الأسباب والموجبات. ثمة، في نظر شتاينر، إرث أخـــلاقي عريق يحول دون قيام اليهودي بأيّ من هذه الممارسات الثلاث؛ فاليهود قبيلة الأنبياء، ورثة الكوارث، وأهــــل المآسي؛ وهم دُفنوا أحياء على امتداد التاريخ، ولا يعقل أن يدفنوا سواهم؛ واليهودي يقيم في بيت النصّ، أصلاً، وليس له أن يمنع الكتاب.
دواعش إسرائيل، الذين أحرقوا الرضيع الفلسطيني، لم يرموا تعريف شتاينر في سلّة قمامة التاريخ، فحسب؛ بل استبدلوا دموع الصبّاري، المحتبَسة تكلفاً، بقنابل حارقة، وقودها أكذوبة «اليهودي الضعيف» وخرافة «الإسرائيلي الجديد»، وسطوة العنف والحقد والكراهية والعنصرية والتعصب والتطرف، فضلاً عن الهمجية المطلقة… من قبل، ومن بعد!