14 أبريل 2015

السفير د. عبدالله الأشعل: هل يدرك العرب وإيران نفق واشنطون المظلم لهم؟

هل يدرك العرب والإيرانيون ما يدبرلهم؟ وهل درسوا خطط واشنطن وإسرائيل للقضاء على العرب والمسلمين، وهل يعلم حكام العرب بوجه أخص أن واشنطن قد وضعت ساعة الصفر للتخلص من العرب والمسلمين بفتنة طائفية فى موجة أخيرة، وذلك بالحرب المدمرة بين إيران والعرب بالذات عرب الخليج، وهل يدرك هؤلاء الحكام أن واشنطن سوف توجه لهم ولبلادهم ضربة نجلاء هذه المرة بأيديهم. وهل يدرك حكام العرب ومعهم مصر، وأعنى بالعرب، عرب الخليج، أن واشنطن أقامت طوال العقود الماضية شراكة لكى يحاربوا معاركها مقابل تأمين عروشهم، وإلا لماذا لم يسأل أحد نفسه، أين ذهبت كل عوائد البترول، وماذا يفعل هؤلاء العرب فى سوريا واليمن ومصر وليبيا وتونس والسودان ولبنان والعراق؟ لقد أقنعتهم واشنطن بسهولة فى كل مرة أنهم يحاربون معاركهم هم، وهم ربما يعرفون بشكل غير مباشر فى أحسن الفروض أنها معارك لمصلحة مشتركة. ألم يكن عبد الناصر عدوا للسعودية ونصيرا للانقلابات العسكرية فى السودان واليمن وليبيا وقسم الحكام إلى تقدميين ورجعيين فتكون موسكوقبلة التقدميين وواشنطن على الرصيف الآخر، كم دفع العرب فى هذه المعارك الوهمية وحروب الوكالة؟ وألم يكن صدام حسين، الفصل الثانى بعد عبد الناصر بعد أن غيرت واشنطن النظام فى مصر لكى يسلم كل الأوراق وليس 99% فقط لواشطن وإسرائيل، فصار ممثل العروبة عدوا لايران نيابة عن واشنطن وإسرائيل فى حرب استمرت ثماني سنوات لم يتدخل فيها مجلس الأمن إلا فى يوليو من العام الأخير بترتيب مدروس،وبتمويل الخليج ، وهو نفس العام الذى شهد فى جنيف الاتفاق العالمى لانسحاب موسكو من أفغانستان بعد أن جندت واشنطن العرب والمسلمين لمحاربة موسكو، هذا الملحد المادى الشيوعى، ورفعا لسيف الله وذكره؟ فضربت واشنطن قدرات الخليج والعراق والعالم الإسلامى والحركات الإسلامية فى أفغانستان ضد موسكو وفى الخليج ضد إيران الثورة بتهمة تصدير الثورة، والثورات أيها النوابغ لا تصدر، وهكذا حاربت واشنطن إيران الثورة بالعرب والخليج وحاربت موسكو عدوها العالمى بالمسلمين فى "جهاد" مقدس. فلما فرغت واشنطن من موسكو استحدثت "العدو الإسلامى" وسجل نكسون فى كتابه "نصر بلا حرب" كل ما حدث ويحدث الآن، ولكن حقا كما قال ديان: العرب لا يقرأون وإذا قرأوا لا يفهمون وإذا فهموا لا يعلمون. فكيف يقرأ الآمى، وكيف يفهم من تفهمه واشنطن ما تريد، وكيف يعمل من تنصبه واشنطن وتتخلص منه إذا تظاهر بالفهم ،فاخترعت 11 سبتمبر والإرهاب، وأمسك العرب والمسلمون بالخيط وصاروا وكلاء واشنطن فى محاربة إرهاب لا تريد حقا مكافحته، وهى التى صنعته وسهل لها غياب الشعوب، وهى عدو واشنطن والحكام بل جعلت واشنطن الشعوب تكفر بالثورات وتطالب بحكامها المستبدين ، كما تلاعبت بجميع الفرق الإسلامية حتى وجدنا سيوفنا فى رقابنا وفى ساحات القتال فى أراضينا، وكأن منطق واشنطن أن الأغبياء العرب المسلمين لابد أن يدفعوا ثمن غبائهم تبعية ودماء وإهانة، فهم لا يستحقون الثروات الهائلة، وهى ترونهم قصر لم يبلغوا الرشد ،ولذلك أفرغت هذه الثروات فى حروبها التى يخوضونها حتى تأمن إسرائيل ويدخل العرب مقابر التاريخ. والغريب اننى تابعت القمة العربية التى صارت فعلا قمة خليجية، ليس استخفافا بالخليج ولكن إشفاقا عليه، وانطلقت الأقلام من كبار الكتاب وأصحاب الأعمدة يبشرون بعصر العروبة والأمن القومى العربى وهم لا يدركون للأسف أنها قمة الإعداد للفصل الأخير فى تاريخ العرب. وأشرح ذلك باختصار. عندما قامت ثورة إيران عام 1979 كانت مصر تدلف الي عصر الدخول الرسمى إلى بيت الطاعة الأمريكى. ولم ينس الإعلام أن يرفع شارات النصر والاستقلال والسيادة والحرية ، لأن مصر المعتدلة بأزهرها القديم قبل تخريبه وتسييسه عمدا، كان يمكن أن تكون واحة السلام والتسوية لكل المنازعات ولكن المخطط يقضي بان تكون واشنطن هي مركز المؤامرة ، فهى توهم العرب بمصلحتهم وهى التى تخلق لهم من يهددهم،فاستغلت طموحات الزعامة عند صدام ، ثم دفعت به الي الحرب مع ايران والخليج والعرب يدعمونه في حرب امريكية ضد الثورة الايرانية ثمقدمت صدام الي حتفه في الكويت واخيرا تعاون الخليج والعرب علي غزو العراق وتقسيمه. ثم ساندت الثورات العربية وعملت علي اجهاضها ثم هي التي اخترعت للاسلاميين الجهاد ثم الحرب الاهلية في افغانستان ثم قدمت طالبان واخيرا انقلبت علي طالبان والقاعدة التي كانت مجاهدة بالامس وكل ذلك والعرب من ورائها والخليح بامواله حاضر في كل المسارح الامريكية في الوقت الذي كان الانصراف عن الاقصي والتالف مع اسرائيل حقيقة واقعة. وأجزم أن صورة العرب عند إيران، وصورة إيران عند العرب هى النمط الذى رسمه المعلم الأمريكى لصالح استقرار المشروع الصهيونى.
فبدأت واشنطن باستنفار العروبة فى النشامى صدام حسين خليفة عبد الناصر، بعد أن تخلصت منه عام 1967. فاصطف العرب والخليج بأمواله كلها وراء البطل القومى الجديد، واستحدث صدام مصطلحات أذكت الصراع بين الفرس والعرب، وبين الفرس والمجوس والعرب المسلمين، فهو إذن صراع بين الحق والباطل وبين العروبة والفارسية، وبين السنة والشيعة ولو باستحياء فى المرحلة الأولى. فقضت على العروبة بممارسات عبد الناصر وصدام "النشامى". ثم صعدت الإسلام الجهادى ضد الإلحاد، وضربته عندما انقلبت على القاعدة، ورفعت السادات ثم اغتالته، ورفعت حسنى مبارك ثم أسهمت بشدة فى تلقينه درسا، لأن الحاكم العربى لا يكفى أن يكون خادما مطيعا، بل لابد أن ينفذ نصائح – تعليمات واشنطن التى قد تبدو له غير مقبولة، ولكنها تريد استمرار السلالة السياسية لا الأشخاص.
فى يونيو 2015 لحظة توقيع الاتفاق النهائى هو يوم الحرب العربية الإيرانية ويدفع الخليج تبعات الحرب، والهدف أن ترد إيران إلى الملكية والاستقامة السياسية مع إسرائيل. ولذلك أتوقع أن تجهز البيئة العربية عسكريا وتشحن نفسيا ضد إيران، وتكون تلك ورقة واشنطن بالإضافة إلى إلحاح نتانياهو، حتى إذا وقعت إيران الاتفاق تكون قد أوفت بكل الشروط للاستقامة السياسية وإلا فالحرب الاستنزافية بأيدى العرب وبدعم عسكرى ودبلوماسى من واشنطن وإسرائيل.
أموال عرب الخليج ودماء أبناء الأمة وزوال إيران كلهم فداء المشروع الصهيونى فيكون أوباما هو من حقق للمشروع ما يريد. 
ما معنى الصبر الاستراتيجى الأمريكى، وما معنى أن حرب داعش والإرهاب سيستمر سنوات أو عقودا، وما معنى أن تسعد إسرائيل وتدعم واشنطن القوة العربية المشتركة التى لم تتكون ضد إسرائيل وإنما تلبية لمطالب واشنطن وإسرائيل بأيدى عربية قد تكون مخلصة وغير مدركة لتاريخ المؤامرة بعد أن "سيطرت" واشنطن على كل الحكام العرب، أى وضعت لكل منهم ملفا لا يمكنه التراجع حتى لو أراد خشيه تصفيته أو إحراقه.
إننى شديد الإعجاب بذكاء واشنطن وإسرائيل وشديد اليأس من أن يدرك العرب ما يدبر لهم، وأن يدرك الشباب المسلم الأقدار السوداء، حتى أظن أن نظرية المؤامرة لا تصلح إلا إذا توفر طرفان، أحدهما شديد الذكاء والآخر شديد الغباء أو مقمور، فأى عروبة تقصدون، عروبة الرعونة الهوجاء، أم عروبة الانسياق فى المخطط الصهيونى. اللهم هل بلغت اللهم فاشهد، حتى أحاجج بها الحكام العرب يوم الدين. اقتربت الساعة فهل تجدى النذر؟!.
ما العمل؟
قمة عربية جديدة بعقلية جديدة أجندتها استخدام أموال الخليج المهدرة فى إعادة بناء مصر وليبيا وسوريا واليمن ولبنان والعراق، وأن يعود العقل إلى إيران التى هى طرف وضحية فى المؤامرة، وأن يصلح الحكام ما فسد فى أوطانهم ويميزوا بين مصلحة واشنطن فى إفناء دينهم وشعوبهم، وبين مصلحة بلادهم فى التماسك والتنمية والرفاهية والحرية لكل الشرائع فالله وحده هو الذى يحاسب عباده وليس بعض عباده يتسلطون على بعضهم الأخر

المفكر القومى محمد سيف الدولة: عرب و ايرانيون

هناك حالة انقسام حادة فى الرأى العام العربى حول الموقف من ايران، ربما كانت تقتصر فى البداية على جماهير العراق وسوريا ولبنان والسعودية و الخليج، ولكنها تصدرت اليوم اهتمامات الجميع على امتداد الوطن العربى كله، بالتزامن مع الأزمة اليمنية وعاصفة الحزم من ناحية، والاتفاق النووى الامريكى الايرانى الأخير من ناحية أخرى.
وفيما يلى اجتهاد لبلورة رؤية منهجية وطنية من ايران، تنطلق من محددات الامن القومى العربى والمصالح العربية التى قد تتلاقى أو تتناقض مع المصالح الايرانية حسب الموقف والقضية: 
تاريخيا :
· تعيش أمتنا العربية، منذ قرون طويلة، جنبا الى جنب مع الأمتين الايرانية والتركية. فنحن جميعا سكان هذه المنطقة وأصحابها منذ قديم الأزل، ولن نغادرها أبدا. وسنظل جيراناً شئنا أم أبينا الى ما شاء الله. وهو ما يفرض علينا البحث عن سبل التعاون وحسن الجوار، لأنه ليس لدينا خياراً آخر.
· على العكس والنقيض تماما من الكيان الصهيونى الباطل المسمى باسرائيل الذى لا يتعدى وجوده 67 عاما فى المنطقة، وكذلك الوجود الاستعمارى الغربى الذى اخترق المنطقة منذ مدة لا تتعدى قرنين من الزمان.
· كما اننا ننتمى الى أمة اسلامية واحدة، تضم عديد من القوميات والشعوب والمذاهب، يمكن أن تتحول، لو أحسنا ادارتها، الى عوامل للاثراء والتكامل الحضارى، بدلا من أن تكون أسبابا للتناقضات والصراعات.
· وننتمى كذلك الى مجموعة بلدان العالم الثالث، التى عانت لسنوات طويلة من ذات الاستعمار الغربى، بكل ما تميز به نهب واستغلال وعنصرية، وكل ما خلفه، من فقر وضعف وتأخر وتجزئة وتغريب.
· ونتعرض لذات المخاطر من قِبَّل خطط ومشروعات الهيمنة الامريكية والغربية، و من كيانهم وقاعدتهم الاستراتيجية والعسكرية المسماة باسرائيل.
***
الوحدة والتجزئة :
· نجحت الأمة الايرانية فى تحقيق وحدتها القومية، تحت سيادة دولة ايرانية واحدة منذ أمد بعيد، بينما لا تزال الامة العربية مقسمة ومجزأة بين 22 دولة، وهذا هو السبب الرئيسى فى فارق القوة والنفوذ، فنحن أمام مشروعا ايرانيا واحدا، فى مواجهة عشرات المواقف العربية الرسمية والشعبية.
***
الاستقلال والتبعية :
· نجحت ايران منذ الثورة الاسلامية فى تحقيق استقلالها الكامل عن الغرب والولايات المتحدة الأمريكية، بينما تضرب التبعية العالم العربى حتى النخاع.
· وهو ما ينعكس فى اختراق النفوذ الغربى للمواقف والقرارات العربية تجاه ايران، وتوظيفها لصالح استراتيجياته فى المنطقة.
· من ذلك على سبيل المثال، الفيتو الامريكى الاسرائيلى السعودى الخليجى، على اعادة مصر لعلاقاتها مع ايران، والذى لا يمكن ان يستقيم مع المصالح والسيادة المصرية، ولا مع المصالح العربية أو الايرانية.
***
الثورة الايرانية :
· كان من الممكن أن تمثل ايران بعد ثورتها الكبرى فى 1979، حليفا قويا للعالم العربى، فى مواجهة الولايات المتحدة الامريكية واسرائيل، لولا حرب الخليج الاولى 1980 ـ 1988، التى لاقت تحريضا ودعما كبيرا من الامريكان، مع المقارنة بالتحالف والصداقة العربية الايرانية فى عصر الشاه، تحت الرعاية الامريكية والترحيب الاسرائيلى.
***
اسرائيل ولبنان وفلسطين :
· ان رفض ايران الاعتراف بشرعية اسرائيل حتى يومنا هذا، هو اقرب للثوابت الوطنية العربية التى ارتدت عنها كافة الانظمة العربية، حين وقعت بعضها معاهدات سلام مع اسرائيل، وتبنت البقية الباقية منها مبادرة السلام العربية التى تنازلت لاسرائيل عن فلسطين 1948.
· ودعم ايران للمقاومة اللبنانية، فى حروبها ضد الاعتداءات الاسرائيلية، كان له دورا مهما فى تحرير التراب اللبنانى من الاحتلال الاسرائيلى، رغم جرثومة المذهبية والطائفية التى لم يتحرر منها حزب الله، مثله فى ذلك مثل غالبية القوى والأحزاب الطائفية البنانية الأخرى.
· وكذلك الدعم الايرانى للمقاومة الفلسطينية، متمثلة فى ابو عمار ومنظمة التحرير الفلسطينية فى البداية، ثم المقاومة الاسلامية بعد اتفاقيات اوسلو، كان له بالغ الاهمية فى صمود المقاومة امام حروب الابادة الاسرائيلية، فى وقت تواطأت فيها غالبية الانظمة العربية مع اسرائيل ضد المقاومة.
***
النووى الايرانى :
· الدفاع عن حقنا فى سلاح نووى عربى، كان يستوجب موقفا عربيا داعما لحق ايران فى امتلاك مشروعها النووى، طالما ليس بمقدورنا تجريد اسرائيل من سلاحها النووى. أما التماهى مع الرفض الامريكى الغربى الاسرائيلى للبرنامج النووى الايرانى، مع الصمت تماما تجاه النووى الاسرائيلى، فهو يعكس حالة الخوف والتبعية العربية الرسمية.
***
العراق :
· شاركت ايران فى العدوان على العراق ووحدته، وفى تهديد الامن القومى العربى، حين قامت بالتنسيق مع الاحتلال الامريكى، وتقاسمت معه الادوار والنفوذ والسيطرة هناك، واشعال الفتن الطائفية والحروب الاهلية، تمهيدا لتقسيمه الى ثلاث دويلات؛ دولة شيعية تتبعها، جنبا الى جنب مع دولتى الاكراد والسنة. وهى مواقف وسياسات معادية للثوابت الوطنية العراقية والعربية، لطالما رفضتها وحذرتنا منها الاحزاب والقوى والمقاومة الوطنية العراقية.
***
سوريا :
· الدعم والتدخل الايرانى فى سوريا يستوجب الرفض والإدانة بنفس درجة الرفض والإدانة للتدخل السعودى والخليجى تحت الرعاية الغربية والامريكية. فلقد شاركوا جميعا فى اجهاض الثورة السورية السلمية فى مواجهة نظام شديد الاستبداد، وسرقتها وتحويلها، بعد عسكرتها، الى ساحة للصراع الدولى والاقليمى تستهدف وحدة سوريا وبقائها.
***
اليمن :
· كذلك المشاركة الايرانية للسعودية ودول الخليج فى اختراق الساحة اليمنية، واجهاض ثورتها، وتحويلها الى ساحة صراع وحرب واقتتال مذهبى وطائفى واقليمى ودولى، ستسفر عن تدمير اليمن وتقسيمه وتشريد وتجويع شعبه لسنوات طويلة. فالحرب فى اليمن وعليها، جريمة لا تغتفر، والمتحاربون وحلفاؤهم جميعا شركاء فى الجريمة بدرجة او بأخرى.
**
المذهب الشيعى وتصدير الثورة :
· اى محاولات ايرانية لتوظيف المذهب الشيعى، لاختراق المجتمعات العربية، كأحد وسائل دعم المشروع القومى الايرانى، وليس العكس كما يدعى البعض، هو عدوان اقليمى على ما تبقى من الاستقلال العربى، وافساد لعلاقات الاخوة والجيرة المرجوة بين ايران والعالم العربى. ناهيك على انها سياسة طائفية مرفوضة، تدعم مع الطائفية السنية، المشروع الامريكى الهادف الى تحويل الصراع العربى الصهيونى الى صراع سنى شيعى، تمهيدا لتفتيت المنطقة الى دويلات طائفية تتماثل مع النموذج اليهودى الصهيونى.
· وكذلك اى محاولات مماثلة لمد النفوذ الايرانى تحت ذريعة تصدير الثورة الاسلامية، هى محاولات مرفوضة لعدة أسباب، اولها أنها كانت ثورة ايرانية وليست اسلامية. وثانيها ان الثورة ليست كالخير، يمكنك أن تعمله وترميه للبحر بدون أغراض، وانما هى محاولات للاختراق والسيطرة متخفية تحت شعارات ثورية. ثالثا لأن أحد شروط نجاح أى ثورة هو وطنيتها و قوميتها، وكثير من التجارب التاريخية شاهدة على ذلك.
· هذا مع الاقرار الكامل بأن النظام الرسمى العربى، المجزأ التابع المستسلم الطبقى المستبد، يحتاج الى ألف ثورة وثورة وليس الى ثورة واحدة فقط.
***
الصراع على الارض 
· أما عن الصراعات ذات الطابع القومى بين العرب وايران، مثل الجزر الثلاثة، أو اقليم الأحواز (عربستان)، او هوية الخليج التائهة بين العروبة والفارسية..الخ، فكلها قضايا يمكننا، مثل باقى الأمم المتحضرة، ان نعالجها بالحوارات والتفاهمات والمعاهدات، ولا يجب أن نحولها الى ذرائع للصراع والاقتتال، خاصة وانها من المشكلات الحدودية التقليدية المتكررة بين عديد من الدول المتجاورة .
***
وفى الختام أؤكد على أن السطور السابقة لم تستهدف بلورة تصور عربى شامل وكامل تجاه ايران وعلاقاتنا معها، وانما كانت محاولة لطرح مدخل منهجى وطنى فى تناول المسألة.
والله أعلم
*****
موضوعات مرتبطة :

13 أبريل 2015

محمد رفعت الدومي يكتب: واذكر في الكتاب إسماعيل!

 الخديوي "إسماعيل" من أقصد، و الخديوي "إسماعيل" فردٌ من أقلية تحصي علي أطراف الأصابع ممن حكموا مصر فأخذوها إلي مرتفعات لم تبلغها قط، وللعنوان قصة وقعت أحداثها ذات يوم من أيام مصر الجميلة! 
لقد زارالخديو "إسماعيل" مدرسة الأميرات التي أسسها فلاحظ نُذُرَ ذكاء لدي الأميرة الطفلة "خديجة بنت محمد علي الأصغر"، لذلك، كما يتصرف البالغون دائمًا مع الأطفال في مثل هذه الأحوال، قطع لها وعدًا بتزويجها من أحد أولاده متي أفصحت في الدراسة عن نبوغها، ثم، جرت في نهر النيل مياهٌ كثيرة، وزار الخديو المدرسة مرة أخري يتفقد أحوال الأميرات، فتوقف عند الأميرة الشابة "خديجة" وسألها وعلي شفتيه ظلال ابتسامة:
- إلي أين بلغت في حفظ القرآن الكريم؟
عندئذ، وخجل الأميرات الحقيقيات لا أميرات وثبات الصدف الدميمة يرج قامته في وجنتيها المَلَكيَّتين، أجابت "خديجة" دون أن تتفقد عقلها، كأنها كانت تنتظر السؤال وكأنها كانت قد أعدت له الإجابة: 
- "واذكر فى الكتاب إسماعيل إنَّه كان صادق الوعد"
ضحك "إسماعيل" كما لم يضحك من قبل، لقد كان جوابها مسكتاً وبديهتها مشتعلة، وهذا أسعده جدًا، وهو، أوفي لها بوعده وزوجها من ابنه الأمير "حسن"!
قصة، من فوق السطح، تورط القلوب في حب هؤلاء الطيبين، لكنها، من تحت السطح، تعكس بوضوح احترامهم الشديد لتعاليم الإسلام وقدرتهم علي توظيف القرآن في يومياتهم الخاصة، وأي جمال كجمال أميرة تفطن إلي اشتباك المفارقة القرآنية باللحظة وتوظفها بهذا الشكل الرقيق لخدمة أحد أحلامها؟
المحرض علي السخرية، والكاشف، أن تلك الأميرة ولدت لعائلة، منذ ستين عامًا وأبعد، من أيام أسطورة "الريس عبد الواحد" وأبعد، يشحذ العسكر كل أدواتهم، مقروءة ومسموعة ومرئية، لتشويه صورة أفرادها الذهنية لدي البسطاء وأصحاب الحد الأدني، ويسرفون في سردهم ككلاب ضالة كان كل همها هو سرقة المصريين وإذلالهم!
قصة أخري وعالقة بقصة "خديجة" تفضح بعدًا آخر من أبعاد "إسماعيل" حدثت في صيف عام 1873، قبل العرس الجماعي لأبناء "إسماعيل"، وهو ما يعرف في أدبيات تلك المرحلة بأفراح الأنجال، لقد تواصل الضجيج الملكيُّ تكريمًا لتلك المناسبة أربعين يومًا، عشرة أيام لكل عرس، تحولت خلالها ليالي الناحية الموازية لمنطقة "جاردن سيتي" الآن إلي نهارات حقيقية، لذلك سميت بـ "المنيرة"!
تزوج الخديوي "توفيق" فيما بعد من الأميرة "أمينة هانم إلهامي"، والسلطان "حسين كامل" فيما بعد بالأميرة "عين الحياة أحمد رفعت"، والأمير "حسن" بالأميرة "خديجة"، والأميرة "فاطمة" بالأمير "طوسون بن سعيد"!
من الجدير بالذكر أن الأميرة "فاطمة" ابنة الخديوي "إسماعيل" هذه هي التي تبرعت بالأرض التي الآن تنتصب عليها "جامعة القاهرة"، وبكل مجوهراتها أيضًا، فهي ألمع المساهمين في إنشائها وتبنيها، جامعة القاهرة التي، يقتل الآن العسكر الذين حرروا المصريين من عبودية أسرة "محمد علي" طلابها خارج القانون، وبدم مثلج، لأنهم، فقط، يبحثون عن واقع أقل عهرًا!!
خلال الإستعدادات لزواج أبناء الخديوي كلف "طه باشا الشمسي"، ناظر خاصته، أشهر المحال التجارية بتقديم مناقصات لتوريد كل ما يلزم من مفروشات وبياضات لجهاز العرائس، وحدث، ووقع اختيار "طه باشا" علي محل "باسكال"، وهو محل كان يمتلكه أحد الرعايا الفرنسيين، وكان مشهورًا، كعادة محلات الفرنسيين، بجودة بضاعته ورخص ثمنها في نفس الوقت، لكن، عندما أخبر الخديوي باختياره، سأله:
- أما تقدم محل مصرى بمناقصة إطلاقاً؟
فأجابه بأن محل "مدكور" قد فعل، لكن ارتفاع أسعاره التي تزيد عن أسعار "باسكال" بنسبة 25% علي الرغم من أن الجودة واحدة حال دون قبولها، وعلي الرغم من أن "إسماعيل" طلب أن يري العينات وتأكد من صحة كلام ناظر خاصته، إلا أنه عصف بـ "باسكال" وقال لناظر الخاصة في لهجة عتاب:
- خذ ما تحتاجه من "مدكور" وادفع له 25% فوق ما يطلب، فإذا كانت المحال المصرية لا تنتفع ولا تستفيد من أفراح أولادى فمن أفراح من تستفيد وتنتفع؟!
أشياء صغيرة لكنها تصلح معيارًا للحكم علي الناس، وتفضح ما يدور في السرائر، فمما لا شك فيه أن الخديوي وقتها لم يكن يظن أو يخطط لأن تفر هذه القصة بعيدًا عن أسيجة "سراي عابدين"! 
أياً كان الأمر، فهذا وجه سري من وجوه الخديوي الذي، بحكم شهرة تشويه كل ما يمت إلي أسرة "محمد علي" في إرضاء قلوب العسكر، شوهت شخصيته كاتبة كويتية هزيلة كان أجدادها أيام كان "إسماعيل" رقمًا صعبًا يستحيل تجاوزه في سياسات العالم من القطب إلي القطب يعيشون علي احتراش الضب والعصيدة والزلوط وصيد الجراد ولبن الماعز وملاحقة آبار المياه بالإضافة إلي ما يجود به "إسماعيل" من صدقات طبعًا!
بدوية من "الكويت" تكتب للمصريين تاريخهم، والله، إن هذا الحدث وحده يكفي بالقدر الذي يلهم المصريين البكاء علي ما وصل إليه حال بلدهم التي كانت فجر الضمير، والتي صارت في صدارة الصدف الجغرافية التي تصرخ من كيس قمامة!
مسلسل "سراي عابدين"، وهو هزيل إلي حد النحافة، سيناريو ممزق ومهلهل النسج، وخط درامي شديد الارتباك، والتفات شديد الوضوح إلي أفكار درامية سابقة، وحوار لا يحترم واقع عصر "إسماعيل"، أو يلمسه حتي، فضلاً عن كل ما سبق، هو مسروق من "عصر الحريم" للأستاذ "مصطفي محرم" الذي كانت الكويتية "هبة مشاري" عضوًا بلجنة قرائته التي شكلتها قناة "mbc"، وهي التي حرصت علي كتابة تقرير محبط عن العمل لإعتراضه واقتباس فكرته! 
ولمن لا يعرف "إسماعيل فهذا هو بعض "إسماعيل"، ولأمير الشعراء فيه بيت يقول فيه:
أأخون إسماعيلَ في أولاده / ولقد نشأتُ بباب إسماعيلا!
فإن من أجمل أعمال "إسماعيل" استحقاقًا لفخره هو احترامه الباهظ للثقافة والفنون لذاتها، لا أقصد "شوقي" تحديدًا، فهو لم يتعاطي الشعر إلا بعد زوال ملك "إسماعيل"، أو هكذا أظن، لكن، في عهده ولدت صحيفة الأهرام منبرًا للتنوير لتتحول بعد انقلاب "عبد الناصر" إلي قبو للتزييف وتخدير القطيع، وهو، أيضًا، من استأجر الموسيقار الإيطالي "فيردي" لتأليف "أوبرا عايدة" لعزفها في حفل افتتاح قناة السويس، وفي نفس الوقت، لتخليد ذكري حملته العسكرية على بلاد الحبشة، "أثيوبيا" الحالية، تأمل حالنا الآن وحال الأثيوبيين كيف صاروا وصرنا، لم يعد "النيل نجاشي"، إنما، مصداقاً لقول ممثل كان يعرف أكثر مما يجب لا أتذكر الآن اسمه في عمل درامي قديم لا أتذكره الآن أيضًا: 
- النيل مجاشي!
والشئ بالشئ يذكر! 
بمناسبة الحديث عن النيل وعن "إسماعيل"، في عهد "إسماعيل" مُدَّت، لأول مرة، الأنابيب في أحياء "القاهرة" لتوزيع مياه النيل علي البيوت بعد أن كان يحملها السقاؤون في القرب، كما اهتم بتعميم النظافة ورش الماء في شوارعها، وأدخل نظام الإنارة إلى شوارعها و "الإسكندرية"!
ثمة شخصية أخري من أسرة "محمد علي" زورت سينما العسكر ملامحها، إنه الأمير "يوسف كمال"، وبطبيعة الحال، من شاهد فيلم "وداد الغازية" وشاهد الفنان "عادل أدهم" يجسد شخصيته المزورة، سكر وعربدة ودياثة وخيانات وشتائم، من شاهد فيلم "وداد الغازية" لا يمكن أن يصدق أن "يوسف كمال" كان من كبار المحسنين في عصره، وأنه من تبني موهبة الفنان "محمود مختار" حتي قطع الدرب واستجاب له الخلود!
"محمود مختار"، مبدع تمثال "نهضة مصر" الذي دأب العسكر علي توظيفه في الأغاني الوطنية لمناسباتهم التي لا أساس لها من الصحة، لـ "يوسف كمال" في نضج عبقريته نبض باهظ، بل، ما زلت أحترم المنطق حين أقول: 
لولا "يوسف كمال" لما ظفر المصريون بمبدع مثل "محمود مختار"!
والآن، تخيل حدوث هذا المشهد الغريب وسهل الحدوث:
أنت جالس في بيتك تشاهد فيلم "وداد الغازية"، أعماقك مكتظة بمشاعر الكراهية الحقيقية للفنان "عادل أدهم" الذي هو "يوسف كمال" من جراء ظلمه واحتقاره للفلاحين وضربه بكل القيم عرض الحائط، ثم، يقتحم عليك الشاشة فجأة الفنان "محمد ثروت" مرتديًا زي ضابط يقف إلي جوار تمثال نهضة مصر ويغني لمصر، يا حبيبتي يا مصر يا مصر، كيف لا تموت خزيًا عندما تعلم أن "عادل أدهم" الذي تكرهه الآن هو الذي لعب الدور المفصلي في تحقق هذا التمثال؟!
هل تستبعد حدوث هذا؟ إذاً، مُتْ خزيًا!
في فواصل مسلسل "سراي عابدين"، تمامًا، عندما يكون المشاهد مشحونًا بالنقمة علي الخديوي "إسماعيل"، يتدفق صوت "جمال عبد الناصر" معلنًا تأميم قناة السويس شركة مساهمة مصرية، ثم، صوت "السادات"، ثم، صوت "السيسي" وهو يقول: 
- والله العظيم احنا مستعدين نموت عشان نشيل البلد دي فوق كتافنا!
((، ضحكة رقيعة بصوت الفنان "حسن فايق"!
تخيل، كلُّ هذا القفز فوق الحقائق يقال في فواصل "سراي عابدين" والخديوي "إسماعيل" هو الذي أنشأ قناة السويس، أي صفاقة؟ وأي جلود سميكة تستر عظام هؤلاء؟
أيضًا، في السياق نفسه، في فيلم "ناصر 56، تدخل الفنانة "أمينة رزق" علي "عبد الناصر" وهي تحمل قميص ابنها أو قريبها الذي مات في حفر القناة، أو هكذا أظن، وتقول كلامًا يطعن القلوب في صميمها، وبطبيعة الحال، لا يقول الفيلم أن القتلي من المصريين تعقيبًا علي قرار التأميم عشرات أضعاف قتلاهم خلال حفر القناة، ولا أن مدن القناة كلها، بسببه، قد استحالت أطلالاً!
أسجل، هنا، أن قرار التأميم كان واحدًا من أشد قرارات "عبد الناصر" حماقة علي المدي البعيد، فلم يكن قد تبقي علي تسليم القناة خالصة للمصريين سوي 12 سنة فقط، كما أن عائدات القناة فيما بعد استخدم بعضها، طبعًا بعضها، للإنفاق علي بناء السد العالي وهو الآن بلا قيمة! 
أسجل، أيضًا، أن السخرة في حفر القناة التي يشير إليها الفيلم ضمنًا كانت قد انخفضت جدًا في عهد الخديوي "إسماعيل"، لقد فرض عليها قيودًا حادة، واقرأ كتاب "عصر إسماعيل" لـ "عبد الرحمن الرافعي"، وهب هذا سببًا يصلح للطعن في "إسماعيل" وكراهيته، فكيف يكون ارتفاع سقف كراهيتنا للذين يسخِّرون شعبًا بأكمله للعمل في مزرعتهم الخاصة التي تسمي مصر مقابل السماح لأفراده بالحياة والإقامة في ظلال أحذيتهم فقط!
والآن، إليك بعض تراث "إسماعيل":
1 - حفر قناة السويس وافتتاحها أمام حركة الملاحة العالمية في حفل كانت واسطة عقد كواكب الكون فيه الإمبراطورة الفرنسية "أوجيني" التي علي الأرجح كانت تهيم بـ "إسماعيل" عشقاً، ومن أجل تلك المناسبة تم إنشاء أول دار أوبرا في الشرق الأوسط وأفريقيا، هي التي احترقت في أيام "السادات"! 
ولو لم يكن للخديوي "إسماعيل" وسامٌ آخر غير إنشاء قناة السويس التي الآن هي من أهم مصادر الدخل للمصريين لكان هذا كافيًا جدًا وثريَّاً جدًا لأن ندين للرجل بالكثير ولأن يضعه المصريون إلي الأبد في يمين قلوبهم!
2 - إنشاء كوبري "قصر النيل" وأكثر من 400 كوبري أقل شهرة، كوبري "قصر النيل" ذلك المسرح الأخرس الذي لعب علي خشبته العسكر واحدة من مذابحهم الكثيرة في حق المصريين خلال ثورة 25 يناير، تلك الدماء التي تحولت أطرافها إلي نعيق غربان سوف لا يهدأ قبل أن يلقي جزاءه اللائق كل من شارك في إراقتها!
3 - في عصره ولدت مدرسة السيوفية أول مدرسة لتعليم البنات في مصر، لم تسبقها إلا مدرسة القابلات!
4 - بني العديد من المدن الجديدة أشهرها الآن مدينة "الإسماعيلية" التي تحمل اسمه، وقام بتخطيط عدة شوارع وميادين جديدة أشهرها شارع "كلوت بك"، وشارع "محمد علي"، وشارع "عبد العزيز"، كما عمَّرَ أحياءًا بأكملها منها حي "الإسماعيلية"، و "التوفيقية"، و "عابدين"!
5 - اتسعت في عهده مساحة الأراضي المزروعة ووصلت إلى ما يزيد عن 4.8 مليون فدان، وكان ذلك بسبب المشاريع التي أنجزها، فلقد تم حفر وإصلاح ما يزيد عن 100 ترعة بطول يتجاوز الـ 13.000 كيلو مترًا أهمها ترعة "الإبراهيمية" التي، عند إنشائها، كانت تعد من أعظم منشآت الري في العالم الكبير..
6 - أدخل الديمقراطية إلى مصر في نهاية العام 1866، عندما استبدل مجلس المشورة الذي أسسه جده "محمد علي" بمجلس شورى النواب، وأتاح للشعب اختيار ممثليه، كما أدخل نظام الانتخاب في الأطراف والضواحي!
7 - كما يحدث من المصريين الآن، هروبًا من الكابوس القذر، كان الأوربيون في عصره يتزاحمون حول قنصليات بلادهم للقدوم إلي مصر من أجل العمل كحلاقين أو أطباء أو تجار أو نصابين حتي!
8 - هو صاحب فكرة إنشاء حديقة الحيوان بـ "الجيزة"، أكبر حدائق الحيوانات في الشرق الأوسط وأول وأعرق حدائق الحيوانات المغلقة في قارة أفريقيا، وكانت تسمى "جوهرة التاج لحدائق الحيوان في أفريقيا "!
هذا هو بعض الخديوي "إسماعيل" كما التقطته ذاكرة التاريخ، لقد لمست شخصيته لمسًا رقيقاً، وأنت، بالقفز فوق ما قالت لك أدبيات العسكر عنه أو تجاهله لبعض الوقت، ببساطة الماء، تستطيع التوصل إلي حقيقة "إسماعيل" من ممرات كثيرة، ذاكرة المكان مثلاً، فلا شك أن رائحة الأمكنة تشبه إلي حد بعيد رائحة أصحابها، لذلك، حاور ذاكرة شوارع وبنايات وسط القاهرة، تلك المتاحف المفتوحة التي تتماهي جدًا مع الطرز المعمارية الأوروبية في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، "جاردن سيتي" و "الزمالك" أيضًا، إنها تشبه أسرة "محمد علي" وتفضح إلي أين كانوا يريدون أن يستدرجوا مصر، وكيف ارتبطت مصر في أيامهم برقيٍّ كان مرشَّحًا لأن يدوم إلي الأبد! 
وذهبت أسرة "محمد علي" بما لها وبما عليها، وأصيبت مصر بمرض العسكر، وهو مرض متي أصيب به بلدٌ فهو حتمًا في الطريق إلي مصير كمصير إنسان مسكون بمرض السرطان، لذلك، كان يجب أن تكون رائحة الأمكنة في أيامهم شديدة الشبه بهم جدًا، وأن تكون شاهدًا علي فداحة جرائمهم في حق هذا البلد المغلوب علي أمره، فكر، سوف لا تجد إلا مستعمراتهم هم وعائلاتهم، وإلا، "الدويقة"، "منشية ناصر"، "اصطبل عنتر"، "بطن البقرة"، "ساقية مكي"، عشوائيات، عشوائيات، عشوائيات، تكرار!
في النهاية..
هل تعلم أن "أوغندا" تقدمت في العام 1950 بطلب رسمي للوحدة مع مصر تحت تاج الملك "فاروق الأول" وقوبل طلبها بالرفض؟
هل تعلم أيضًا أن "السودان" بعد عدة أعوام فقط من ذلك الوقت طلبت الإنفصال وأصرت عليه، وهو الذي قد حدث؟!
ألا لعن الله العام 1952، يا لك من عام بائس وحزين وضحل..

12 أبريل 2015

سيد أمين يكتب: وجه أخر للصحفي المصري


"بعد الغزو الامريكى للعراق عام 2003 قام الحاكم العسكري بول بريمر بفرض أليات جديدة للعمل الاعلامى والصحفى تهدف الى القضاء على الاعلاميين المؤدلجين واحلالهم باتباع له, اوعلى الاقل عزل الوطنيين منهم , وذلك من خلا استراتيجية حولت الصحافة الى مهنة لمن لا مهنة له , وقيل انه قتل قرابة 260 من أصل 900 صحفي مسجلين نقابيا فى العهد الوطنى وفر من فر واعتزل المهنة من اعتزل , فارتفع عدد الصحف من 50 صحيفة الى نحو 700 صحيفة فى العام الاول من الغزو, قيد من خلالهم في نقابة الصحفيين قرابة ثمانية الاف صحفى في عامين فقط, وفي العام الثالث تناقصت اعداد الصحف العاملة الى 130صحيفة فقط فيما تقافز عدد اعضاء النقابة الى 17الف عضو حاليا, ونشرت الصحف أنذاك أن بول بريمر كان يكتب بأسماء بعضهم مقالات تدافع عن الاحتلال الامريكى للعراق وتختلق اكاذيب ضد صدام حسين مقابل دولارات معدودات".
بالقطع عدد كبير من الصحفيين العراقيين شرفاء ومهنيون ولكننى فقط قصدت من هذا التذكير توضيح كينونة هذا الملهم الذى استمد نظام مبارك منه فكرة تعويم نقابة الصحفيين المصريين وجعل معظم منتسبيها "اجراء" وذلك بهدف كسرها وتحويلها من معقل للحريات الى مخفر مدافع عن الاستبداد , بالطريقة التى تحدثت عنها في مقال سابق بعنوان "صحفي بدوافع أمنية".
المشهد الصحفي المذري دفع بعضا من شرفاء الصحفيين الى الانتحاء جانبا ايثارا للسلامة, خشية بلاغ كيدى طائش عادة ما ينسب الى محامين بعينهم, ولسخرية القدر قد يكونون هم أخر من يعلمون بتلك البلاغات, فيصبح الصحفي مدانا لا شك بالتحريض, وهو الاتهام المصلت على رقبة كل صاحب قلم يكتب ما لا ترغبه السلطة, ولا يحرض في الاتجاه الذى تريده ان يحرض عليه, فيزج به في غياهب السجون بموجب القانون كمجرم, بعدما استكثروا عليه شرف الاعتقال.
هناك صحفيين غابوا أوغيبوا عمدا داخل السجون والمعتقلات والمنافي واخرين فصلوا من اعمالهم او توقفت صحفهم قسرا أوطواعية, او لزموا بيوتهم بعدما صار الموت يلاحق الناس بأشكال متعددة والتهم توزع جزافا, وكثير من الصحفيين الان يفكرون جديا في البحث عن بدائل اخري عن العمل الصحفي تجنبا لاهتزازات اسرية قد يسببها لهم هذا العمل المعلق دائما برضا السلطان أو صاحب العمل بل ورضا من يموله , فيما صارالفصل التعسفي عملا شائعا مبررا في حد ذاته وغير مجرم قانونا نظرا لأن عقوبته القانونية لاتكاد تساوى عقوبة مخالفة مرورية , والتى هى في بلادنا هينة للغاية.
والملفت ان خلاصة جهود "التعويم" الهادفة الى احكام القبضة الامنية على المهنة, سواء أكانت تمارس على الصحيفة فتحدد قبول هذا ورفض ذاك للعمل بها , او على الصحفي فتجعله دائما في حالة قلق ولا يجد مجالا لراحة البال من المطاردات الامنية والبلاغات الكيدية وضغوط اصحاب العمل الا بالانحياز لخيارات السلطة, او حتى النقابة التى نجدها تمارس حمايتها النقابية على عضو دون الأخر, وتبكي شهيدا وتشمت في اخر , كل هذا جعل طفيليات المهنة هى من تطفو على السطح, والأنكى أن المهنة ما عادت تعرف إلا بهم نظرا للحفاوة التى يلاقونها في منابر اعلام الدولة.
واستطيع ان اجزم انه لو اختفت او اعطبت او امتنعت اقسام الديسك المركزى والمراجعة في الصحف المصرية عن العمل ليوم واحد فاننا سنجد صحفا لا يمكن قرائتها, لدرجة انه قد اكون مخطئا لو قلت انها ستحتوى على اخطاء املائية ولغوية كثيرة لأن الصحيح هو اننا سنجد كلمات صحيحة بين خضم من اخطاء الاملاء واللغة وايضا المعرفة, وان هذه الاخطاء لا تقتصر على صغار الصحفيين بل تمتد الى كبار الكتاب من اصحاب أعمدة الرأى, لدرجة انه يمكننا احيانا اعتبار ان اقسام المراجعة والديسك هى من تكتب الموضوعات ولكن بأسماء الاخرين.
ومن الاشياء الملفتة في كل الصحف المصرية بعد 30 يونيو هو تعاظم دور المحرر العسكري في الصحيفة لدرجة ان هذا المحرر الذى كان يجب ان يكون مندوب الجريدة في وزارة الدفاع, صار مندوب وزارة الدفاع في الجريدة , بل صار هو صاحب الكلمة الطولى في كل صغيرة وكبيرة , ويحرص رئيس التحرير على استشارته والعمل بتوجيهات سيادته.!!
ليس ذلك فحسب , بل صار هناك "كتالوج" يوصى باتباعه عند كتابة اى مادة صحفية , ومن شأن العمل به ان تقلب الحقائق ويتم تحويل الضحية الى جانى.
كل ذلك اعطى انطباعا– قد يكون مغاليا فيه بما يحوى من تعميم - لدى قطاع كبير من الناس بأن الصحفي المصري كائن انتهازى ينحاز دوما الى مصلحته الشخصية, , فضلا عن انه شخص غير مثقف, ولا تعنيه كثيرا لا قضية المعرفة ولا قضية الحقيقة, وانه وضابط الشرطة ولا اقول المخبر- للترفيع- وجهان لعملة واحدة يؤديان نفس المهمة ويتكاملان بعضهما البعض وانهما واصلان ومتصلان وموصولان.
ويمكننا القول أن قطاعا كبيرا من الصحفيين المصريين يعانون ازمات مالية خانقة لكون الكثيرين منهم بلا عمل اساسا , ولا تأمينات , ولا دخل ثابت الا بدل التكنولوجيا الذى تمنحه لهم النقابة وهو المرهون برضا تقارير أبانا الذى في "لاظوغلى", او على الاقل تسامحه او تغافله عن عدم الانصياع الكامل, ما يدفع بعضهم الى سلوك مسالك مشينة , ولا ينجو من هذه الازمة إلا صحفيو الصحف القومية وصحفيو صحف رجال اعمال الثورة المضادة الذين يدفعون بسخاء والمقابل قطعا معروف.
اما ام الكوارث فهى الصحف الاجنبية العاملة فى مصر والتى تجاوزت نحو5000 صحيفة فمعظم اصحابها لا علاقة لهم بالصحافة لا من قريب ولا من بعيد , ولكنهم يمارسون المهنة من باب الاسترزاق لا اكثر ولا اقل ويقومون بدور المشهلاتية عبر ادعاء صلاتهم القوية بالمسئولين الحكوميين وهو عادة ما يكون ادعاءا صحيحا, حيث يستخدمونهم كمنافذ شعبية للفساد وعقد الصفقات غير المشروعة, فيقومون بتعيين هذا في وظيفة ما او نقل ذاك من مكان لأخر او ترقية هذا وكل ذلك طبعا مقابل أجر كبير, بما يحملونه من كارنية نقابة العاملين بالصحافة والطباعة الذى وصل سعره الأن الى2000 جنيه وصار يحمله السباك والكهربائى.
ورغم ان هؤلاء النفر عادة لا يكونون اعضاء في نقابة الصحفيين ولا يحملون المؤهل الدراسي الجامعى الذى يؤهلهم شكليا للقيد بجداول النقابة , الا انهم سرعان ما يجدون المسالك والثغرات التى تجعلهم يحصلون على المؤهل العالى من اى جامعة خاصة ثم يصبحون اعضاء في تلك النقابة , وما هى الا ايام معدودات ويتصدرون المشهد فيها.
وحينما اقول ذلك لا يعنى هذا ان كل اصحاب تلك الصحف هم من طفيليات المهنة ,فمنهم كثيرون ايضا اعتبروها منفذا بديلا للعمل الصحفي فلجأوا للصحف الاجنبية بعدما تم وضع العراقيل أمامهم للحيلولة دون اصدار صحيفة مصرية.
Albaas10@gmail.com

11 أبريل 2015

التقرير المصري : ظهور جمال مبارك في عزاء والدة بكري تمهيداً لترشيحه للرئاسة ما بعد السيسي

نقلا عن التقرير المصري
تقرير ‫#‏فارس_العربي‬
أكدت مصادر مطلعة أن ظهور جمال وعلاء مبارك نجلا الديكتاتور السابق محمد حسني مبارك في واجب عزاء كان عملا مخططا له من قبل الأجهزة الأمنية.
وأكدت المصادر أن جهاز المخابرات العامة طالب نجلا الرئس السابق للظهور للعلن وللمرة الأولى منذ ثورة يناير لحضور عزاء والدة أحد عناصر الأذرع الإعلامية للمخابرات "العامة" مصطفى بكري كان مجرد بالون اختبار لبيان مدى تقبل الناس لعودتهما لاداء ادوار سياسية جديدة خاصة بعدما فقد قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي كافة عناصر التأييد الشعبي الى وفرته له الدعاية الاعلامية طوال العامين السابقين, وصار امر سقوطه مجرد مسألة وقت.
وقالت المصادر أن المخابرات العامة صارت أكثر اقتناعا من ذى قبل بإمكانية أن يترشح جمال مبارك لرئاسة الجمهورية خلفا لقائد الانقلاب الذى رجحت سقوطه قريبا جدا كمرشح مدنى يمكن تقبله وذلك بعد فشل المرشح العسكري في تحقيق الاستقرار اللازم وتجنبا لأن يذهب كرسي الرئاسة مجددا لأى شخص آخر ينتمى لأى تيار مدنى لاسيما التيارات الإسلامية.
وأوضحت المصادر أن من أهم أسباب اختيار المخابرات العامة لجمال مبارك مجددا كون جميع عناصر الحزب الوطنى لا زالت تتمسك به ولأنه ملم بتفاصيل الإدارة السلمية للازمة وقدرته على حسمها سلميا بخلاف ما يفعله قائد الانقلاب حاليا من تبنى أسلوب العنف لتصفية خصومه فضلا عن أن الفشل الذى تحقق على يد قائد الانقلاب جعل كثير من البسطاء يؤيدون عودة مبارك.
وقالت المصادر أنه خلال الأشهر القليلة القادمة سيشاهد المجتمع ارتفاع نجم جمال وعلاء مبارك مجددا عبر استضافتهما في وسائل إعلام رجال أعمال الثورة المضادة أو إعلام الدولة لغسيل وجهيهما استعدادا لهذا الدور.
وقالت المصادر أن جمال مبارك سيعلن اسمه قريبا كقيادي في أحد الأحزاب.

صحفيون ضد الانقلاب تدين الاحكام القاسية على الصحفيين وتطالب النقابة وكافة الجهات بتحمل مسئولياتها


تابعت حركة "صحفيون ضد الانقلاب" والجماعة الصحفية برمتها والمجتمع المصري والعربي والدولى بكل اسف الاحكام الصادمة وغير الموضوعية التى اصدرتها احدى المحاكم اليوم والتى قضت بالاعدام والمؤبد على عدد من الزملاء الصحفيين من اعضاء النقابة ومن غير اعضائها في القضية المعروفة اعلاميا باسم"غرفة عمليات رابعة".
وتؤكد الحركة انه في الوقت الذى تصدر فيه احكام البراءة على قتلة شباب مصر وسارقي ثرواتها والمفسدين والمجرمين ومغتصبي الفتيات وتجار المخدرات والعملاء والجواسيس للخارج من انصار النظام , نري القضاء يتفنن في اصدار احكام غير مسبوقة فى التاريخ على حملة الاقلام الذين عبروا وهذا حقهم الوطنى والمشروع والقانونى عن رأيهم في المسار السياسي للدولة بوصفهم حمة اقلام ومن ابناء هذا الوطن, وذلك عبر وسائل تعبير سلمية ومشروعة مارسها كثير من الصحفيين ولكن في الاتجاه الذى تريده سلطة الانقلاب فتم الاحتفاء بهم وتسخير وسائل اعلام الدولة ووسال اعلام الثورة المضادة لاجراء التغطية الاعلامية لكل همزة ولمزة يمارسونها.
ان حركة"صدق" تنظر الى تلك الاحكام بوصفها قرارات عسكرية تم الباسها ثوب الاحكام القضائية بكل وضوح , مع احترامنا لاحكام القضاء ما دامت تعبر عن روح القانون وتطبق العدالة ولا تنحاز لطرف دون اخر مع الاخذ في الاعتبار ان كل حكم او قرار لم يتنزل في الكتب المقدسة فهو من فعل البشر وقابل للخطأ وايضا الانتقاد.
وتنظر "صحفيون ضد الانقلاب" الى تلك الاحكام بوصفها اختبار حقيقي لمدى جدية دفاع نقابة الصحفيين المصريين بمجلسها الجديد عن الحريات , وتنتظر من جميع منظمات حقوق الانسان والمنظمات المعنية بحرية الرأى والتعبير والصحافة والاعلام فى الداخل والخارج التدخل السريع لادانة تلك الاحكام الجائرة وغير المعقولة بوصفها احكام سياسية والعمل على اسقاطها والافراج عن الزملاء المحبوسين على اثرها.
ان الحركة تنتظر من الجماعة الصحفية المصرية التخلص من الانحيازات الفكرية والايديولوجية السبقة وحالة التخندق التى كرس لها نظام الانقلاب , والتوحد حول انقاذ زملاء في المهنة يقعون تحت نير الاستبداد , وان يضعوا نصب اعينهم انه ما بقي جلاد مخلدا , وان من يرضى بالظلم لغيره اليوم , قد يرضى له الناس الظلم في قت واخر.
صحفيون ضد الانقلاب – صدق
القاهرة 11 ابريل 2015

09 أبريل 2015

وائل قنديل يكتب: قل أعوذ: الإجابة محمد مرسي

جاء وقت على المعارضة المصرية، كانت تتحدث فيه، برقاعة وصفاقة، عن رائحة رئيس الجمهورية المنتخب بعد الثورة، وتخوض في سمعته الشخصية وسمعة عائلته، من دون أن يفكر أحد في مساءلتها ومحاسبتها، ومن دون أن تتوقع هي أي إجراء من أجهزة السلطة ضدها.
أذكر، في الفترة القصيرة التي حكم فيها الرئيس محمد مرسي، أن درعاً من القوات الإعلامية العربية تشكل مبكراً جداً لخوض معركة إسقاطه، فكانت الفرية، أو الشائعة البذيئة، تنطلق من صحافة خارج مصر، ثم تنتقل إلى الداخل، عن طريق "العنعنة".
أعرف أحد صقور معارضة مرسي، الذي تحول مع قدوم السيسي إلى أرنب رشيق، كان يتولى مسؤولية مراسلة وكالة أنباء عالمية، فينشر من خلالها اختراعاته وفبركاته عن رئيس الجمهورية، أولاً، ثم ينقلها إلى صحيفته المصرية وصحف أصدقائه الخاصة، فيما بعد، وعليها" الختم الدولي"، منسوبة إلى وكالة الأنباء العالمية الشهيرة.
شيء من ذلك كان يتم، أيضاً، عبر صحافة عربية، فتنشر صحيفة لبنانية، محسوبة على حزب الله، قصة شديدة الوضاعة الأخلاقية، والتدني المهني، عن أزمة دبلوماسية، بسبب شكوى من رائحة عرق الرئيس المنتخب، الرئيس الذي يتوضأ ويغتسل خمس مرات يومياً للصلاة، فتطير القصة إلى الصحف التابعة لورشة التحضير للانقلاب في الداخل، فتتصدر الصفحات الأولى، باعتبارها نقلاً عن صحافة عالمية مشغولة برائحة الرئيس.
أتذكر، أيضاً، أنني كنت مع مجموعة من الإعلاميين المصريين، في حوار مغلق مع وزير خارجية الدنمارك في مكتبه بالعاصمة كوبنهاجن، عام 2012، وفوجئ الرجل بأسئلة تحريضية ضد الرئيس المصري المنتخب، على اعتبار أنه سيطرب لسماع عبارات من نوعية "وصول رئيس ينتمي لتيار الإسلام السياسي يمثل خطرا على أوروبا"، فكان أن أبدى الوزير الدنماركي شيئاً من الدهشة والامتعاض، لافتاً إلى أن بلاده والاتحاد الأوروبي تنظر بإعجاب لأهم مخرجات الثورة المصرية، المتمثلة في انتخاب رئيس لأول مرة، بشكل ديمقراطي، ومشيراً إلى أنه يشعر بالسعادة والفخر لأن مقعد بلاده في اجتماعات الأمم المتحدة يجاور مقعد مصر، لأسباب تتعلق بالترتيب الأبجدي، وأنهم لا يقيمون الحكومات بأسماء أحزاب الأغلبية، وإنما بأدائها، ساخراً "لو اعتمدنا هذا المنطق ستكون معظم نظم الحكم في أوروبا حكومات دينية، كونها آتية من أحزاب أغلبية في اسمها كلمة مسيحي".
كانت أعين المعارضة النارية، وألسنتها الحداد، مشهرة في وجه الرئيس طوال الوقت، تلقي عليه، كل صباح، بكميات معتبرة من البذاءات، تتناول شكله وهيئته وحتى "بنطاله"، ولم يحدث أن عوقب صحافي، أو أوقف إعلامي عن العمل، وعلى الرغم من ذلك، يتحدث هؤلاء المعارضون الشجعان من الوضع رقوداً تحت أحذية الحكم العسكري الثقيلة، عن ديكتاتورية محمد مرسي واستبداده ووحشيته مع مخالفيه.
يثير الشفقة أن أحد المعارضين الليبراليين الأقحاح استقبل انقلاب عبد الفتاح السيسي واستيلاءه على الحكم، بقصيدة مضحكة في عبقرية الجنرال ونبوغه ورومانسيته وحكمته الضافية التي تؤهله للقب "أفضل قائد عسكري في التاريخ بعد أيزنهاور". 
الآن، بعد أن أدرك القاصي والداني، وأولهم هذا الليبرالي المتقاعد، أن عملية نصب كبرى، شارك هو فيها، أوصلت جنرالاً إلى سدة الحكم، وأوجدت مزيجاً رديئاً من الفاشية والمكارثية، ما زال صاحب اللحن القديم المسروق من أشهر سيمفونيات تدليل الاستبداد وملاطفة النظم العسكرية، يردد آلياً "مرسي كان ديكتاتور"، قبل أن يتكلم مرتعداً عن السياسات الدموية الإقصائية المتخلفة، التي يمارسها نظام الجنرال، بعد أن يختار مفرداته وعباراته، بمهارة لاعب سيرك، يعرف كيف يسير على الأسلاك المكهربة من دون أن يقع.
ومثله تفعل حركات ثورية، كانت تسلك وكأنها نمور متوحشة في زمن محمد مرسي، تتسلق نوافذ سكنه، وتسمعه أحط العبارات، وتعود إلى عرينها مطمئنة، والآن، صارت تهيم على وجهها في الصحراء، لكي تتمكن من إطلاق هتاف واحد على استحياء ضد سلطة الدم الحالية، مسبوق، بالطبع، بهتاف صاخب ضد رئيس خطفوه، وألقوا به في غياهب السجون، بمعاونة الذين يشكون لسعات العسكرة الآن.
كلهم، باختصار، يستعيذون بمواصلة الإساءة لمحمد مرسي، من حكم العسكر الخانق، كلما عادت إليهم بشكل خاطف ذاكرة المعارضة، وكأن القاعدة تقول الآن "اشتم محمد مرسي في عشر جمل، كي تحصل على فرصة تمرير شبه جملة واحدة ضد حكم العسكر".

مريم أحمدي تكتب: ما بين الحزم الجبان في العدوان على اليمن والخنوع عن نصرة غزة المحاصرة وفلسطين

ما أغرب هذا الزمن المسلوب وما أنكر ما نرى فيه من سياسات ومواقف !! إذ نرى الحزم والعزم حيث يجب التوقي والتروي حفاظا على مقدرات دول شقيقة وأرواح أبرياء ، وحيث نرى التخاذل والخنوع للعدو الدخيل حيث تجب المواجهة بالقوة والعتاد دفاعا عن شعب محاصر كل يوم يقتل ويضام ،وردعا لعدوان صهيوني غربي جبان يجد مرتعه حيث لا يجد من عزم العرب ما يصده ويلجمه.
الدول العربية التي أصابها موات الضمير والشلل لأمد طويل توغل خلاله الكيان الصهيوني المجرم وعاث فسادا وإجراما وإرهابا في حق شعب فلسطين وعلى أرض فلسطين، أنظمة تابعة متهالكة جمدها الخنوع والاستسلام مهما كان عدوان الكيان الصهيوني وتماديه في جرائم الإبادة وانتهاك الحرمات ومقدسات المسلمين فهي لا تحركها نخوة ولا غضبة ولا همة، لكن سرعان ما قامت حميتهم في التواطؤ مع الغرب الاستعماري في تدمير ليبيا والحرب على سوريا والقصف الناري على شعب اليمن، بينما الآن تقودهم السعودية في تحالف عربي آثم وبدعم غربي جائر ضد دولة عربية ضعيفة وفقيرة والإغارة على شعبها بأبشع العدوان والغارات المدمرة تماما كغارات العدو الصهيوني الأمريكي على غزة.
أين عاصفة الحزم حين كانت غزة خلال رمضان الماضي وبعده وسنوات قبله تقصفها آليات العدو ليل نهار وتبيد عائلات بكاملها وتدمرأحياء سكنية برمتها وحين كانت عشرات المساجد في غزة تقصف على رؤوس روادها ولا من منتفض بين العرب ولا من غاضب؟ بل من العرب وجامعتهم من تواطأ مع العدو بالصمت وإبقاء التطبيع الآثم مع الكيان بدون أية مقاطعة، ولا حتى موقف ولو بأضعف الإيمان.
كان الصمت الطاغي والشلل التام والعجز المتواطئ ، ماذا دهى العرب؟ بادروا إلى قطع العلاقات فورا مع الدولة السورية في حين أن سوريا تواجه مؤامرة غربية حاقدة وحملة إعلامية مضللة وإرهابا يساق إلى أرضها بحشوده الدخيلة وبدعم عربي خليجي غربي ، بينما لم يقاطع العرب الكيان اليهودي في إبان إجرامه على غزة ، وسارعوا إلى مؤازرة السعودية في عدوانها على اليمن الشقيقة ، ولم يبادروا ضد الكيان الصهيوني الغاصب بنفس الحمية والحزم التي كان يجب أن تكون هناك في فلسطين المحتلة وغزة المحاصرة حيث العدو المحتل الدخيل يعيث على الدوام إجراما وانتهاكا في حق الفلسطينيين كل يوم .
ما ذنب اليمن حتى تدمر مقدراتها ويقتل مدنيوها وجيشها قصفا تحت نيران السعودية وأخواتها وبدعم سياسي وعسكري من الباغية أمريكا وبتهليل من العدو الصهيوني.
لقد فقدت أنظمة العرب المتخاذلة بوصلتها بل فقدت صوابها كليا وأصبحت مجرد تابع بليد لجنون الغرب ونزواته وعربدته في المنطقة العربية. فهل يدركون فداحة ما يقترفون وعاقبة ما يأثمون، لماذا لا يتركون موالاة أعداء الله أعداء الإسلام والإنسانية على مدى التاريخ والوقائع تشهد؟ ولماذا لا يوالون كتاب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ليتعاونوا من أجل اليمن وسوريا وغيرها في سبيل البر والإحسان وإصلاح ذات البين ووأد الفتن مهدها بحسن سياسات تجعل المصلحة العامة غايتها وليس الحقد الأهوج ، بدلا من التعاون الآثم مع العدو على الإثم والعدوان ومعصية الله ورسوله؟
وفي النهاية تفتقت عبقرية الجامعة العبرية وقمتها الحضيض قي شرم الشيخ عن إقامة قوة عسكرية عربية للدفاع المشترك، الدفاع عن ماذا وفي مواجهة من وفي أية مواقف؟؟؟ ، تلك هي الأهداف الضائعة والبوصلة المنحرفة، لا دفاع عن قيم العروبة والإنسانية ولا قوة تردع عدوا وتحفظ حياة وحقوقا وتحمي بلادا وشعوبا ، إنما هو ناتو مصغر ينوب عن الناتو الغربي في إلحاق المزيد من العدوان بمقدرات الشعوب العربية سخرة للشيطان وتماهيا مع العدوان الغربي تحت غطاء شعارات زائفة كاذبة لا تنطلي على ذي بصيرة...
وكل غارات التحالف السعودي الأمريكي المسماة زورا بعاصفة الحزم دمرت بنيات تحتية لليمن منها المدارس والجامعات والأسواق والبيوت ومراكز التموين والمزارع والمداجن ، وأهلكت سكانها البسطاء تحت منازلهم الفقيرة، ويقولون أن الحرب على اليمن حفاظا على الأمن القومي العربي!!!هؤلاء تلزمهم قارعة صحوة ليستفيقوا ويدركوا فظاعة مواقفهم وليعودوا إلى صوابهم لأن ما يفعلونه وما يقترفونه من مواقف منكرة وخيانة لأنفسهم ولدينهم وأمتهم لا تنسجم مع الفطرة ولا مع الأخلاق ولامع الدين ولامع البديهة ولا توافق الصواب ولا أي منطق سليم، اللهم لطفك باليمن وسوريا وفلسطين والعراق، وكل بلد مسلم يستهدفه الحقد الغربي والغباء العربي بكل هذا الحقد الأعمى والهوج المدمر، اللهم عفوك.

07 أبريل 2015

المفكر القومى محمد سيف الدولة: العروبة المفترى عليها

ربما لم تتعرض فكرة أو انتماء أو هوية وطنية، للظلم والهجوم والإساءة والتشويه كما تعرض لها الانتماء العربى وفكرة العروبة.
وما دفعنى الى تناول هذ الموضوع اليوم، هو ما قام به حكام العرب فى قمتهم الأخيرة، من ابتذال للفكرة وللمعنى.
***
· حاربها الغرب بقيادة الأمريكان، خوفا من قيام دولة عربية موحدة قوية، تتحدى وتتحرر من هيمنتهم على المنطقة، وتتحول الى قوة كبرى.
· وسفهتها ماكيناتهم الاعلامية والسينمائية، التى دأبت على السخرية من العرب وتشويه صورتهم وتقديمهم ككائنات بدائية متخلفة.
· و اعتبرتها بريطانيا الخطر الاكبر الذى يمكن ان يهدد امبراطوريتها الاستعمارية، وفقا لما ورد صراحة فى توصيات مؤتمر "كامبل" الشهير عام 1907. ووفقا لترتيبات سايكس بيكو ونتائج الحرب العالمية الاولى.
· وحاربها الصهاينة خوفا من مواجهة شاملة مع جموع الشعب العربى تقضى على المشروع الصهيونى وكيانه، الذي قام أساسا لإجهاض اى مشروع عربى تحررى وحدوى.
· وحاربها السوفييت فى 1958 حين قامت الوحدة المصرية السورية، وأرادت العراق أن تنضم اليها، واعتبروها منافسا وبديلا مرفوضا عن أممية اشتراكية بقيادة الاتحاد السوفيتى فى مواجهة الامبريالية الامريكية.
· وتُنافسِها وتُضعِفها دول الجوار الاقليمى، حين تعمل على بناء دولها وأمنها و نفوذها، فى غياب مشروع وطنى عربى، وعلى حسابه و فوق ما تبقى من أنقاضه.
· وحاربها الاقليميون ودولهم الاقليمية ومشروعاتهم وسياساتهم الاقليمية، فى كل الاقطار العربية، واتهموها بانها فكرة مصطنعة غير حقيقية، وطرحوا فى مواجهتها القوميات المصرية والسورية والفلسطينية والعراقية ..الخ
· وحاربها الخائفون من اسرائيل او المتصالحون والمتواطئون معها، لتبرير انسحابهم من معركة تحرير فلسطين "العربية".
· وحاربها نظام السادات وخلفاؤه، لتبرير وتمرير اتفاقيات كامب ديفيد، والصلح مع العدو الصهيونى، وروجوا لفرعونية مصر، ولأى روابط بديلة عن العروبة تجمعنا مع يهود اسرائيل، كنظرية اولاد العمومة، و شعوب البحر المتوسط .. الخ. ودارت فى مصر حينها معركة فكرية شرسة فجرها توفيق الحكيم بمقاله الشهير "حياد مصر".
· واتهمها "بعض" الاسلاميين بانها فكرة و دعوة معادية للأمة والرابطة والهوية الاسلامية، فالأمة عندهم هى الامة الإسلامية. وقالوا انها من صناعة الاستعمار الانجليزى و الفرنسى، لضرب دولة الخلافة. ونسوا ان الانتماء الى الأرض و الوطن لا يتناقض مع الانتماء الى العقيدة والدين. وان العروبة أقدم وأعرق من عصر الاستعمار الحديث. وأن الأمة العربية مع أمم أخرى كثيرة هى أجزاء من الأمة الاسلامية وليست بديلا عنها.
· واتهمها "بعض" الماركسيين بانها فكرة شوفينية عنصرية، وانها تضلل الشعوب والطبقات العاملة لتبعدهم عن انتماءاتهم الطبقية وعن معارك الصراع الطبقى. كما اتهموها بانها فكرة برجوازية من اختراع الطبقات الرأسمالية الاوروبية فى اطار التنافس فيما بينها على الاسواق. ونسوا ان الانتماء الوطنى لا يتناقض مع الانتماء الطبقى. وان الوطنية والقومية لا تنفيان الصراعات الطبقية، وانهما سابقتان على النظام الراسمالى بقرون طويلة.
· وظلمها من القوميين اولئك الذين طرحوها فى مواجهة الانتماء الاسلامى، ونسوا ان الامة العربية تشكلت ونمت فى ظل الفتح الاسلامى، وتحررت على يده من الاحتلال الاوروبى الذى دام لقرون طويلة، وهو ما جعل الاسلام يمثل الهوية الحضارية الرئيسية للعالم العربى بمسلميه ومسيحييه. وان الانتماء الى الدين لا يتناقض مع الانتماء الى الوطن.
· وأساءوا اليها مرة اخرى حين جردوها من اى مضامين اجتماعية او اشتراكية. متناسين ان العروبة، من حيث انها تعنى اختصاص ومشاركة كل الشعب فى كل الارض العربية، فانها بالضرورة تعنى المشاركة فى ملكية الثروات والإمكانيات وسد الاحتياجات.
· وحاربتها "بعض" الآراء المسيحية فى مصر، مدعية ان الوجود العربى فى مصر ليس سوى غزوا اجنبيا استعمر البلاد وسرقها من الاقباط اصحاب الارض الحقيقيين والاصليين. وحذا حذوهم البعض فى فى المشرق العربى.
· و أساءت اليها الانظمة العربية التى رفعت شعارات العروبة والقومية، ولكنها استبدت بشعوبها، واستأثرت بثروات البلاد، وانهزمت امام العدو الصهيونى، واستسلمت له. ناهيك على فشلها فى تحقيق الوحدة.
· وأساءت لها ذات الانظمة مرة أخرى، حين عملت على اختراق وتوظيف و افساد عديد من الشخصيات والأحزاب والحركات السياسية فى الاقطار العربية، للتخديم على اجنداتها الخاصة.
· وشوهتها العائلات المالكة فى السعودية والخليج، التى مارست اسوأ انواع الاستعباد والاستغلال والاستئثار الطبقى بالثروات العربية المشتركة، فى مواجهة باقى الشعوب والعمالة العربية من الاقطار العربية الفقيرة.
· وأساء اليها الشريف حسين حين تواطأ مع قوات الاحتلال البريطانى وساعدها على احتلال فلسطين باسم الثورة العربية الكبرى .
· وتسئ اليها وتضربها فى الصميم، كل الحركات والقوى التى تطرح الطائفة أو المذهب أو القبيلة أو الحزب أو التيار كروابط بديلة تسمو على الرابطة الوطنية العربية.
· ويسئ لها ايضا كل من ينسبها من مؤيديها او رافضيها، الى اى من الحكام العرب فى القرن العشرين، فالهوية العربية سابقة على كل هؤلاء بقرون طويلة. كما انها حقيقة تاريخية وموضوعية وليست معتقدات ايديولوجية.
· وتعتدى عليها وزارات التعليم العربية كل يوم، حين تطمس وتزيف التاريخ العربى المشترك، وتستبدله بتاريخ مجتزأ ومبتور ومزيف يروج للأنظمة والحكام والسياسات حسب الطلب.
· ويسئ لها كل يوم النظام الرسمى العربى و جامعته العربية حين يعجز عن التصدى لقضايا ومشكلات العرب المركزية، ويخضع للأمريكان، ويغدر بفلسطين، ويتصالح مع اسرائيل ويطبع معها، ويغرقنا فى صراعات وحروب عربية عربية، بعد أن انسحب من مواجهة اعداء الأمة الحقيقيين.
· وأساءت لها القمة العربية الاخيرة، كما تقدم، حين ارادت ان تشن الحروب الامريكية بالوكالة، تحت رايات القومية العربية والامن القومى العربى والدفاع المشترك.
· ويسئ لها اى عربى فى اى قطر، حين يطالب باجتثاث شركاء الوطن و الأمة، بسبب الدين او المذهب او الخلافات الايديولوجية او الخصومات السياسية.
***
وحين نتحدث عن العروبة فإننا نعنى بها "الوطنية العربية" المشهورة باسم "القومية العربية"، وهى تعنى وحدة الامة العربية، شعبا وأرضا وتاريخا ومصيرا. مثلها فى ذلك مثل باقى أمم العالم كالصين والهند واليابان وروسيا وانجلترا وفرنسا. وبصياغة أكثر تحديدا هى :
((استقرار الشعب العربى الواحد على ارضه العربية الواحدة (الوطن العربى) لقرون طويلة أدت الى اختصاصه بها دوناً عن غيره من شعوب العالم، وامتلاكه لها ملكية مشتركة لا فرق فى ذلك بين مصرى وسورى وفلسطينى وتونسى ..الخ، وأنتج عليها عبر اجياله المتعاقبة حضارته المشتركة الواحدة التى تتميز بعديد من الخصائص اهمها اللغة العربية))
انها لا تعدو ان تكون هى ذات معانى الوطنية التى يعيشها ويتفهمها ويمارسها ويتبناها ويفخر بها كل منا فى قطره بلا أى تحفظ، و أيا كانت مرجعيته الفكرية. ولكنها "وطنية عربية" بدأت فى التشكل و التبلور مع الفتح العربى الاسلامى منذ 14 قرن، لتنقذ المنطقة من الاحتلال الاجنبى الاوروبى الذى عجزت دولنا وحضاراتنا القديمة عن الانتصار عليه او التحرر منه على امتداد ما يزيد عن 1000 عام.
*****

06 أبريل 2015

المستشار أحمد سليمان يكتب: بيان وحقائق حتى "لا تصيبوا قومًا بجهالة وأنتم لا تعلمون"

سبق للأهرام أن نشرت فى 14 /12 /2014 خبرا عن القضاة المحالين للصلاحية فى ذلك الوقت واعتبرتها خطوة لتطهير القضاء، ورغم عدم صحة هذا الطرح، ورغم صمتها عن واقعة الفساد التى نشرتها هى عن بيع الزند لأرض نادى قضاة بورسعيد لأحد أصهاره بثمن يقل عن ثمن المثل بعدة ملايين مما يعنى أن الأهرام غير معنية بقضية تطهير القضاء إلا لما صمتت عن قضية الفساد التى نشرتها هى، ورغم ذلك سأفترض حسن النية، وأن الأهرام لا تتبنى حملة لتشويه هؤلاء الشرفاء.
كما سأفترض حسن النية فيما كتبه د.عمرو عبد السميع بذات الصحيفة فى 17 /3 /2015، واتهامه القضاة الذين قضى مجلس الصلاحية بإحالتهم للمعاش بسبب إصدارهم بيان الدفاع عن إرادة الأمة ومطالبتهم احترام نتائج الانتخابات التى أشرفوا عليها بعدة اتهامات تنال منهم دون سند من واقع أو قانون.
سأفترض أنهما كانا ضحية إعلام التنظيم الطليعى، والأكاذيب التى أشاعوها وروجت لها أذرعهم الإعلامية، ثم ضحية الاعتقاد بأن الحكم الصادر ضدهم قد بنى على أدلة وبراهين ساطعة ضد هؤلاء القضاة حسبما اعتقد الدكتور عمرو.
ولما كان هذا الأمر غير صحيح جملة وتفصيلا، وأن الحقيقة عكس ذلك تماما، وأن ما يجرى هو محاربة الشرفاء والتنكيل بهم، فى مقابل ذلك التستر على الفاسدين وحمايتهم فلم تتخذ ضد الزند ورفاقه أي إجراءات قبلهم فى عشرات البلاغات المقدمة ضدهم، وتم إغلاق ملفات الاستيلاء على أراضى الحزام الأخضر وأراضى الحمام، وتزوير الانتخابات، وقبول الهدايا وغيرها مما يعرفها رجل الشارع.
وحتى لا يكون حديثنا إنشائيا عاطفيا، وإنما حديث موضوعي موثق لكى نتبصر حجم الأزمة التى يعيشها الوطن عندما تنزوى عنه شمس العدالة، وتمتهن أحكام القانون، سأسرد لكم بعضا مما جرى فى هذه المأساة على النحو الآتى:
أولا: أنه بمجرد إلقاء البيان قام مجلس إدارة نادى القضاة بشطب عضوية هؤلاء القضاة من النادى، وليس لهذا الإجراء سند من القانون أو لائحة النادى.
كما أن تعديل اللائحة يحتاج إلى موافقة ثلثى الأعضاء أى نحو عشرة آلاف قاض، وهو عدد لم يتحقق فى أى جمعية عمومية للقضاة طوال تاريخ النادى، ما يجعل ادعاء النادى تعديل اللائحة محض افتراء.
ثانيا: تقدم السيد الزند ورفاقه بشكوى لمجلس القضاء الأعلى فى اليوم التالى فأرسلت الشكوى لوزير العدل الذى طلب من محكمة استئناف القاهرة ندب قاض للتحقيق، فقام المستشار نبيل صليب بندب القاضى محمد شرين ـ والمعروفة صداقته القوية بالمستشار الزند ـ لتحقيق شكوى المستشار الزند ورفاقه ضد هؤلاء القضاة.
وهذا الإجراء غير صحيح وصادر من غير ذى صفة مخالفا لصريح نص المادة 65 من قانون الإجراءات الجنائية قبل تعديلها والتى جعلت الاختصاص بندب قاضى التحقيق للجمعية العامة للقضاة دون غيرها.
ثالثا: دفع بعض القضاة أمام قاضى التحقيق فى مذكراتهم بانعدام قرار ندبه لصدوره من غير ذى صفة.
لم يرد القاضى على الدفع خلال الميعاد المنصوص عليه قانونا فى المادة 82 من قانون الإجراءات الجنائية، واستمر فى مباشرة التحقيق حتى نهايته.
رابعا: بتاريخ 24/ 8 / 2013 قام قاضى التحقيق باختيار 13 قاضيا وأصدر قراره بمنعهم من السفر دون أي أسس موضوعية تبرر اتخاذ هذا القرار وقبل سؤال المبلغين وقبل سؤال القضاة، ودون تحرير أسباب القرار ودون تحديد مدة للمنع خلافا للقانون.
خامسا: إذا كان التحقيق يعنى استظهار وجه الحق فى النزاع، فإن من البديهى أن يواجه المدعى عليه بما عسى أن تضمه أو تظهره التحقيقات من أدلة وقرائن.
ورغم ذلك لم يواجه قاضى التحقيق القضاة بتحريات الأمن الوطنى والتدوينات التى وصلت إليه ـ لم يثبت بالتحقيق كيفية وصولها للمحقق ـ والتى قيل إنها مستخرجة من صفحات القضاة بمواقع التواصل الاجتماعى، وذلك حتى يبدى كل قاض ما يعن له من ملاحظات بشأن صلته بها وتعقيبه عليها.
سادسا: قام قاضى التحقيق باختيار 60 قاضيا من بين 75 قاضيا وطلب إحالتهم لمجلس الصلاحية دون استناد لأي أسباب موضوعية، ومن المفارقات أنه طلب إحالة قاض قام بسؤاله دون أن يوجه له اتهاما، بينما أصدر أمرا بألا وجه لإقامة الدعوى قبل عدد من القضاة ومنهم من وجه إليه أكثر من اتهام دون أن يحرر أي أسباب للأمر، مع التأكيد على أن جميع القضاة لم يرتكبوا جرما أو يقترفوا إثما وأن الواقعة ما كانت تستحق التحقيق أصلا، خاصة أن أغلب هؤلاء القضاة كانوا قد أصدروا عدة بيانات تتضمن الدفاع عن سيادة القانون واحترام إرادة الأمة وحقها فى الحرية واختيار ممثليها، وعدم جواز محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكرى وغيرها من المسائل التى تشكل هموم الوطن، وذلك خلال حكم حسنى مبارك وأيضا خلال حكم الدكتور محمد مرسى دون أن تتخذ أي إجراءات ضد أحدهم.
مع ملاحظة أن المادة 154 من قانون الإجراءات الجنائية قد أوجبت اشتمال الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى على الأسباب التى بنى عليه، وهو ما لم يلتزمه قاضى التحقيق.
سابعا: قام وزير العدل بإصدار القرار رقم 234 لسنة 2014 بتاريخ 21 / 10 / 2014 بإحالة 56 قاضيا لمجلس الصلاحية بناءً على طلب رئيس محكمة استئناف القاهرة حسبما ورد فى ديباجة القرار ونهايته، وهؤلاء القضاة منهم ثمانية قضاة بمحكمة استئناف القاهرة فقط، وأما الباقون فهم ثمانية من نواب رئيس محكمة النقض، وأربعة عشر رئيسا بمحاكم استئناف الإسكندرية وطنطا والمنصورة والإسماعيلية وبنى سويف وقنا، وستة وعشرين قاضيا ورئيسا بالمحاكم الابتدائية المختلفة.
وحيث إن المادة 111 فقرة 1 من القرار بقانون رقم 46 لسنة 1972 فى شأن السلطة القضائية المعدل قد نصت على أنه "إذا ظهر فى أى وقت أن القاضى قد فقد أسباب الصلاحية لولاية القضاء لغير الأسباب الصحية، يرفع طلب الإحالة إلى المعاش أو النقل إلى وظيفة أخرى غير قضائية من وزير العدل من تلقاء نفسه
أو بناء على طلب رئيس المحكمة ـ أى التى يعمل بها القاضى ـ إلى المجلس المشار إليه فى المادة 98".
ولما كان قرار الإحالة قد شمل ثمانية وأربعين قاضيا بمحكمة النقض والمحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف الأخرى عدا القاهرة، وكان هذا القرار لم يصدر من وزير العدل من تلقاء نفسه، وإنما صدر بناءً على طلب رئيس محكمة استئناف القاهرة دون غيره من رؤساء المحاكم الأخرى التى يعمل بها القضاة الثمانية والأربعين حسبما ورد بديباجة القرار ونهايته، ومن ثم فإن إحالة هؤلاء القضاة تكون قد تمت بقرار منعدم لا يرتب أثرا، ويكون اتصال المجلس بالنسبة لهم
غير قائم على سند صحيح من الواقع والقانون.
ثامنا: رفض مجلس الصلاحية عقد الجلسات علنية، ورغم طعن القضاة بعدم دستورية المادة 106 من قانون السلطة القضائية التى نصت على أن تكون الجلسات سرية، وذلك لمخالفتها المادة 187 من الدستور التى نصت على أن جلسات المحاكمة علنية، وهذا النص هو الواجب التطبيق.
ورغم ذلك رفض المجلس عقد الجلسات علنية مصًرا على مخالفة النص الدستورى، ولا شك أن عقد الجلسات علنية كان سيتيح للقضاة كشف الحملة ضدهم ونفى مخالفتهم القانون، وفضح الأكاذيب التى تروج ضدهم والعوار القانونى الذى شاب محاكمتهم والسعى للتنكيل بهم أمام الرأى العام ومنظمات المجتمع المدنى والمنظمات الحقوقية.
تاسعا: طلب القضاة مناقشة المبلغين فى بلاغهم وأدلتهم على دعواهم، وسؤال ضابطى الأمن الوطنى فى تحرياتهم ومواجهتهما بوقائع التزوير التى تضمنها محضرى التحريات.
ولكن المجلس للأسف الشديد لم يستجب لكل طلبات القضاة بشأن استدعاء الشهود، ولم يتخذ الإجراءات التى نص عليها القانون بالنسبة لمن تخلف منهم عن الحضور.
عاشرا: طعن القضاة على محضرى تحريات الأمن الوطنى بالتزوير، وقد حال المجلس بسلوكه دون إعلان ضابطى الأمن بمذكرتى شواهد التزوير، وأصدر قرارا بحجز الدعويين للحكم فى غيبة القضاة وانصراف أعضائه حال انتظار القضاة عودة المجلس للانعقاد واستكمال الجلسة، فى سلوك يتنافى تماما مع أحكام القانون وقيم وتقاليد القضاء.
حادى عشر: قام المجلس بحجز الدعويين للحكم قبل أن يبدى أى من القضاة دفاعه، وقبل أن تتهيأ الدعويان للفصل فيهما بتقديم المستندات وإبداء الدفاع خلافا لنص المادة 131 من قانون المرافعات.
ثانى عشر: انتهى الحكم إلى أن الطعن بالتزوير على التحريات غير منتج، ومؤدى ذلك استبعاد هذا المستند وعدم جواز الاستناد إليه لأن الأدلة توافرت لديها من طريق آخر، إلا أن المحكمة قد خالفت هذه القاعدة واستندت للتحريات فى إدانة القضاة، كما استند إلى تدوينات تم الحصول عليها بطريق لم يكشف عنها التحقيق، ولم تعرض عليهم لإبداء ملاحظاتهم عليها.
ثالث عشر: أغفل الحكم الرد على الدفع بانعدام اتصاله بالدعوى، كما رد برد غير سائغ قانونا على الدفع ببطلان التحقيق.
رابع عشر: لم يتم النطق بالحكم فى جلسة علنية، وقد تغيب سكرتير الجلسة عن مكتبه ولم يظهر إلا بعد الثانية ظهرا ومعه صورة ضوئية من منطوق الحكم، وقد تضمنت نسخة الحكم أن الجلسة انعقدت فى الثامنة والربع صباحا بمدينة القاهرة فى سابقة ليس لها مثيل على مستوى محاكم مصر.
هذه بعض المآخذ على ذلك الحكم الذى انتهى إلى إحالة 41 قاضيًا للمعاش منهم 12 قاضيًا بالمحاكم الابتدائية لن يحصلوا على معاش.
والأسئلة التى تطرح نفسها على الآهرام والدكتور عمرو عبد السميع، وتحتاج للإجابة عليها منكم كالآتى:
1ـ هل يقبل أحد منكم أن يباشر التحقيق معه قاض غير محايد ومنتدب بطريق مخالفة للقانون مخالفة صريحة ليس فيها مجال للاجتهاد؟
2ـ هل يقبل أحد منكم أن يقوم قاضي التحقيق بحجب الأدلة والقرائن الموجودة بالدعوى فلا يعرضها عليكم لإبداء دفاعكم بشأنها؟
3ـ هل يقبل أحد منكم أن تتم إحالته للمحاكمة بإجراءات باطلة بطلانا مطلقا لا يختلف فى بطلانها اثنان؟
4ـ هل يقبل أحد منكم أن يحاكم أمام قاض له رأى مسبق فى النزاع؟
5ـ هل يقبل أحد منكم أن يطلب مناقشة الشهود وضابط الأمن الوطنى فى محضره فتصادر المحكمة حقه؟
6ـ هل يقبل أحد منكم أن يطعن على محضر التحريات بالتزوير ويقدم مستندات رسمية تثبت التزوير ثم تطرح المحكمة التحريات لأن الطعن عليها بالتزوير غير منتج، ثم تعود للاستناد إليها فى إدانتكم؟
7ـ هل يقبل أى منكم أن تصادر المحكمة حقه فى الدفاع وتسارع بحجز الدعوى للحكم قبل أن يقدم دفاعه ومستنداته؟
8ـ من منكم يقبل أن يحاكم على ما يسنده إليه خصمه، وفى ذات الوقت تتم حماية خصمه فلا تتخذ ضده أي إجراءات فى البلاغات والجرائم التى يرتكبها هذا الخصم فى تطبيق فاضح لسياسة الكيل بكيلين؟
9ـ هل يملك أحدكم تعليلا لمصادرة المجلس حق القضاة فى الدفاع عن أنفسهم، ومؤاخذتهم بتحريات مزورة، وبأدلة لم تعرض عليهم ولم يسمع دفاعهم بشأنها؟
كل هذه الخطايا قد وقعت مع القضاة، فهل ترى بعد ذلك أن الوثيقة التى أصدرتها المحكمة تستحق أن تسمى حكما، ناهيك عن أن تكون دليلا وبرهانا ساطعا على أحد.
من أراد الاطلاع على أي مستندات تتعلق بهذا الحكم فليوافنى فقط بكيفية إرسالها له.
ومن أراد استيضاحا فليدلنى على ما غمض عليه، وسأتولى البيان.
يا سادة إن ما يجرى مع هؤلاء القضاة جريمة فى حق الوطن، ونذير شؤم على غياب العدالة، والتى بغيابها تنهار الدول، وتزول الحضارات، وليس لها نهاية سوى سيادة الفوضى وشريعة الغاب، فهل هذا هو الحلم الذى تحلمون به لوطنكم، والمستقبل الذى ترجونه له؟
يا سادة أما سمعتم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما هلك الذين من قبلكم، كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد"،
ونظرا لأن العدل واحد، والحق واحد، الحكم واحد على الجميع، لا فضل فيه لعربى على عجمى، أقسم صلى الله عليه وسلم فقال: وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها".
أنرسالة مفتوحة للأهرام ود.عمرو عبد السميع