هل يدرك العرب والإيرانيون ما يدبرلهم؟ وهل درسوا خطط واشنطن وإسرائيل للقضاء على العرب والمسلمين، وهل يعلم حكام العرب بوجه أخص أن واشنطن قد وضعت ساعة الصفر للتخلص من العرب والمسلمين بفتنة طائفية فى موجة أخيرة، وذلك بالحرب المدمرة بين إيران والعرب بالذات عرب الخليج، وهل يدرك هؤلاء الحكام أن واشنطن سوف توجه لهم ولبلادهم ضربة نجلاء هذه المرة بأيديهم. وهل يدرك حكام العرب ومعهم مصر، وأعنى بالعرب، عرب الخليج، أن واشنطن أقامت طوال العقود الماضية شراكة لكى يحاربوا معاركها مقابل تأمين عروشهم، وإلا لماذا لم يسأل أحد نفسه، أين ذهبت كل عوائد البترول، وماذا يفعل هؤلاء العرب فى سوريا واليمن ومصر وليبيا وتونس والسودان ولبنان والعراق؟ لقد أقنعتهم واشنطن بسهولة فى كل مرة أنهم يحاربون معاركهم هم، وهم ربما يعرفون بشكل غير مباشر فى أحسن الفروض أنها معارك لمصلحة مشتركة. ألم يكن عبد الناصر عدوا للسعودية ونصيرا للانقلابات العسكرية فى السودان واليمن وليبيا وقسم الحكام إلى تقدميين ورجعيين فتكون موسكوقبلة التقدميين وواشنطن على الرصيف الآخر، كم دفع العرب فى هذه المعارك الوهمية وحروب الوكالة؟ وألم يكن صدام حسين، الفصل الثانى بعد عبد الناصر بعد أن غيرت واشنطن النظام فى مصر لكى يسلم كل الأوراق وليس 99% فقط لواشطن وإسرائيل، فصار ممثل العروبة عدوا لايران نيابة عن واشنطن وإسرائيل فى حرب استمرت ثماني سنوات لم يتدخل فيها مجلس الأمن إلا فى يوليو من العام الأخير بترتيب مدروس،وبتمويل الخليج ، وهو نفس العام الذى شهد فى جنيف الاتفاق العالمى لانسحاب موسكو من أفغانستان بعد أن جندت واشنطن العرب والمسلمين لمحاربة موسكو، هذا الملحد المادى الشيوعى، ورفعا لسيف الله وذكره؟ فضربت واشنطن قدرات الخليج والعراق والعالم الإسلامى والحركات الإسلامية فى أفغانستان ضد موسكو وفى الخليج ضد إيران الثورة بتهمة تصدير الثورة، والثورات أيها النوابغ لا تصدر، وهكذا حاربت واشنطن إيران الثورة بالعرب والخليج وحاربت موسكو عدوها العالمى بالمسلمين فى "جهاد" مقدس. فلما فرغت واشنطن من موسكو استحدثت "العدو الإسلامى" وسجل نكسون فى كتابه "نصر بلا حرب" كل ما حدث ويحدث الآن، ولكن حقا كما قال ديان: العرب لا يقرأون وإذا قرأوا لا يفهمون وإذا فهموا لا يعلمون. فكيف يقرأ الآمى، وكيف يفهم من تفهمه واشنطن ما تريد، وكيف يعمل من تنصبه واشنطن وتتخلص منه إذا تظاهر بالفهم ،فاخترعت 11 سبتمبر والإرهاب، وأمسك العرب والمسلمون بالخيط وصاروا وكلاء واشنطن فى محاربة إرهاب لا تريد حقا مكافحته، وهى التى صنعته وسهل لها غياب الشعوب، وهى عدو واشنطن والحكام بل جعلت واشنطن الشعوب تكفر بالثورات وتطالب بحكامها المستبدين ، كما تلاعبت بجميع الفرق الإسلامية حتى وجدنا سيوفنا فى رقابنا وفى ساحات القتال فى أراضينا، وكأن منطق واشنطن أن الأغبياء العرب المسلمين لابد أن يدفعوا ثمن غبائهم تبعية ودماء وإهانة، فهم لا يستحقون الثروات الهائلة، وهى ترونهم قصر لم يبلغوا الرشد ،ولذلك أفرغت هذه الثروات فى حروبها التى يخوضونها حتى تأمن إسرائيل ويدخل العرب مقابر التاريخ. والغريب اننى تابعت القمة العربية التى صارت فعلا قمة خليجية، ليس استخفافا بالخليج ولكن إشفاقا عليه، وانطلقت الأقلام من كبار الكتاب وأصحاب الأعمدة يبشرون بعصر العروبة والأمن القومى العربى وهم لا يدركون للأسف أنها قمة الإعداد للفصل الأخير فى تاريخ العرب. وأشرح ذلك باختصار. عندما قامت ثورة إيران عام 1979 كانت مصر تدلف الي عصر الدخول الرسمى إلى بيت الطاعة الأمريكى. ولم ينس الإعلام أن يرفع شارات النصر والاستقلال والسيادة والحرية ، لأن مصر المعتدلة بأزهرها القديم قبل تخريبه وتسييسه عمدا، كان يمكن أن تكون واحة السلام والتسوية لكل المنازعات ولكن المخطط يقضي بان تكون واشنطن هي مركز المؤامرة ، فهى توهم العرب بمصلحتهم وهى التى تخلق لهم من يهددهم،فاستغلت طموحات الزعامة عند صدام ، ثم دفعت به الي الحرب مع ايران والخليج والعرب يدعمونه في حرب امريكية ضد الثورة الايرانية ثمقدمت صدام الي حتفه في الكويت واخيرا تعاون الخليج والعرب علي غزو العراق وتقسيمه. ثم ساندت الثورات العربية وعملت علي اجهاضها ثم هي التي اخترعت للاسلاميين الجهاد ثم الحرب الاهلية في افغانستان ثم قدمت طالبان واخيرا انقلبت علي طالبان والقاعدة التي كانت مجاهدة بالامس وكل ذلك والعرب من ورائها والخليح بامواله حاضر في كل المسارح الامريكية في الوقت الذي كان الانصراف عن الاقصي والتالف مع اسرائيل حقيقة واقعة. وأجزم أن صورة العرب عند إيران، وصورة إيران عند العرب هى النمط الذى رسمه المعلم الأمريكى لصالح استقرار المشروع الصهيونى.
فبدأت واشنطن باستنفار العروبة فى النشامى صدام حسين خليفة عبد الناصر، بعد أن تخلصت منه عام 1967. فاصطف العرب والخليج بأمواله كلها وراء البطل القومى الجديد، واستحدث صدام مصطلحات أذكت الصراع بين الفرس والعرب، وبين الفرس والمجوس والعرب المسلمين، فهو إذن صراع بين الحق والباطل وبين العروبة والفارسية، وبين السنة والشيعة ولو باستحياء فى المرحلة الأولى. فقضت على العروبة بممارسات عبد الناصر وصدام "النشامى". ثم صعدت الإسلام الجهادى ضد الإلحاد، وضربته عندما انقلبت على القاعدة، ورفعت السادات ثم اغتالته، ورفعت حسنى مبارك ثم أسهمت بشدة فى تلقينه درسا، لأن الحاكم العربى لا يكفى أن يكون خادما مطيعا، بل لابد أن ينفذ نصائح – تعليمات واشنطن التى قد تبدو له غير مقبولة، ولكنها تريد استمرار السلالة السياسية لا الأشخاص.
فى يونيو 2015 لحظة توقيع الاتفاق النهائى هو يوم الحرب العربية الإيرانية ويدفع الخليج تبعات الحرب، والهدف أن ترد إيران إلى الملكية والاستقامة السياسية مع إسرائيل. ولذلك أتوقع أن تجهز البيئة العربية عسكريا وتشحن نفسيا ضد إيران، وتكون تلك ورقة واشنطن بالإضافة إلى إلحاح نتانياهو، حتى إذا وقعت إيران الاتفاق تكون قد أوفت بكل الشروط للاستقامة السياسية وإلا فالحرب الاستنزافية بأيدى العرب وبدعم عسكرى ودبلوماسى من واشنطن وإسرائيل.
أموال عرب الخليج ودماء أبناء الأمة وزوال إيران كلهم فداء المشروع الصهيونى فيكون أوباما هو من حقق للمشروع ما يريد.
ما معنى الصبر الاستراتيجى الأمريكى، وما معنى أن حرب داعش والإرهاب سيستمر سنوات أو عقودا، وما معنى أن تسعد إسرائيل وتدعم واشنطن القوة العربية المشتركة التى لم تتكون ضد إسرائيل وإنما تلبية لمطالب واشنطن وإسرائيل بأيدى عربية قد تكون مخلصة وغير مدركة لتاريخ المؤامرة بعد أن "سيطرت" واشنطن على كل الحكام العرب، أى وضعت لكل منهم ملفا لا يمكنه التراجع حتى لو أراد خشيه تصفيته أو إحراقه.
إننى شديد الإعجاب بذكاء واشنطن وإسرائيل وشديد اليأس من أن يدرك العرب ما يدبر لهم، وأن يدرك الشباب المسلم الأقدار السوداء، حتى أظن أن نظرية المؤامرة لا تصلح إلا إذا توفر طرفان، أحدهما شديد الذكاء والآخر شديد الغباء أو مقمور، فأى عروبة تقصدون، عروبة الرعونة الهوجاء، أم عروبة الانسياق فى المخطط الصهيونى. اللهم هل بلغت اللهم فاشهد، حتى أحاجج بها الحكام العرب يوم الدين. اقتربت الساعة فهل تجدى النذر؟!.
ما العمل؟
قمة عربية جديدة بعقلية جديدة أجندتها استخدام أموال الخليج المهدرة فى إعادة بناء مصر وليبيا وسوريا واليمن ولبنان والعراق، وأن يعود العقل إلى إيران التى هى طرف وضحية فى المؤامرة، وأن يصلح الحكام ما فسد فى أوطانهم ويميزوا بين مصلحة واشنطن فى إفناء دينهم وشعوبهم، وبين مصلحة بلادهم فى التماسك والتنمية والرفاهية والحرية لكل الشرائع فالله وحده هو الذى يحاسب عباده وليس بعض عباده يتسلطون على بعضهم الأخر