برغم حدوث "ثورتين" ، إلا أن ثالوث "الاستحمار والاستهبال والاستخفاف " عاد وسيطر على المشهد وبشكل غير مسبوق ، حتى فى أسوأ فترات الرئيس الأسبق حسنى مبارك .
ففى الوقت الذى مازال فيه الرئيس السيسى متمترسا عند" مفيش مفيش.. مش قادر أديك"، لدواعى يراها هو ونصدقه فيها ، نجد المستشار أحمد الزند وزير العدل يعطى الخبراء بوزارة العدل والمحاكم حافزا بحد أدنى 700 جنيه وبحد أقصى 1200 جنيه ، أى بما يعادل الحد الأدنى للأجور الذى يطالب به العمال ، ورفضه اصحاب الشركات بالقطاع الخاص ، والذى لم تزل منشآت حكومية غير قادرة على الوفاء به لموظفيها .
أيضا مجلس القضاء الأعلى- مع احترامنا الشديد له - إتخذ قرارا فى منتهى الغرابة ، حيث أعطى منحة 5 ألاف جنيه لوكلاء النيابة والقضاة ، دون مراعاة لمقولة السيسى "مفيش مفيش .. مش قادر أديك"، ودون مراعاة للمغزى السىء لتزامن هذه المنحة السخية مع بدء إجراءات الانتخابات البرلمانية ، وهى منحة سخية بمنظور الموظفين البسطاء الذين يطمحون فى منحة ولو 50 جنيها ويقال لهم " مفيش مفيش .. مش قادر أديك " .
والمضحك أنه عندما تنتقد ذلك يقولون لك " مجلس القضاء الأعلى لم يكلف وزارة المالية شيئا ، لأنه أعطاهم من ميزانيته الخاصة " ، وكأنه لم يحصل على هذه الميزانية من الشعب ، والعجيب أنهم يقولون هذا الكلام دون أدنى دراية منهم بأن ما يقولونه فى منتهى الخطورة ، لأنه يوحى - ولو بالتلميح لا التصريح- بأن القضاء دولة داخل الدولة ، وربما يدركون ذلك ولكنهم يستحمروننا ويستخفون بعقولنا فى فترة لم يعد فيها للعقل مكانا ، تحت وطأة الطبل والرقص والزمر ، وكأن هذا الثالوث الصاخب الهادف للتعمية وفرض منطق الوصاية على الجميع أصبح بمثابة جزءا أساسيا فى إستراتيجية محاربة الإرهاب!
وبرغم أن الشعب كله يحارب الإرهاب ، وبرغم أنهم يحاربونه بتفويض من الشعب ، وبرغم أن الإرهاب يستهدف الشعب كله ، خرج علينا المجلس الأعلى للجامعات الذى يترأسه وزير التعليم العالى بقرار غريب وشاذ يستثنى قيادات القضاء والجيش والشرطة من منظومة التوزيع الجغرافى فى تنسيق طلاب الثانوية العامة للإلتحاق بالجامعات ، دون الالتفات إلى أن القرار يعصف بمبدأ العدالة الاجتماعية وبمبدأ تكافؤ الفرص ، باعتبارهما أهم هدفين اندلعت من أجلهما معظم الثورات على مر التاريخ ؟
والغريب فى القرار المشار إليه أنه جاء بدافع أنهم مهددين من الإرهاب ، برغم أن الشعب كله مهدد بالإرهاب ، بدليل أن معظم الذين استشهدوا فى عمليات إرهابية ، إما جنود يؤدون خدمة عسكرية إلزامية ، أى مدنيين ، وإما مدنيين تصادف وجودهم فى ذات المكان مع توقيت وقوع التفجيرات ، وبالتالى فإن هذه الدافع ليس وجيها ، ولا ينطلى على أحد ، و لا يوحى بأننا نسير فى الطريق إلى المجتمع الأفضل ، أو الدولة الأكثر ديمقراطية ، حتى بمنظور العدالة الاجتماعية فقط ، خاصة وأن تلك الشريحة المستثناة ، هى الأقدر على تحمل نفقات اغتراب أبنائهم فى الكليات التى يلتحقون بها ، مقارنة بأبناء صغار الفلاحين والعمال والبسطاء والأرزقية باعتبارهم أغلبية الشعب ، الحامى للجميع من الإرهاب ، بدليل أن الرئيس السيسى ، طلب تفويضه لمحاربة الإرهاب ، عندما كان وزيرا للدفاع .
وما يدهشنى هنا ، هو أن هؤلاء الذين يتخذون قرارات عجيبة وغريبة من تلك النوعية، لم يعد لديهم أى خوف أو قلق من احتمال يقظة الشعب وإفاقته وانتباهته ، و كأن الشعب فى منظورهم قد مات ، وهو ما اعتبره أخطر ما فى الموضوع ، خاصة وأنه خطير على الرئيس السيسى نفسه .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق