هل قصرت سائر أجهزة وزارة الداخلية وعموم المحاكم والنيابات مع عبد الفتاح السيسي، في إنفاذ الظلم والقمع، ليلجأ إلى وزارة الدفاع، ويقوم بتوريطها في فيديو يعلن القبض على شبكة إرهابية مزعومة، تضم شباناً اختفوا في ظروف غامضة أخيراً، ثم ظهروا فجأة مُدلين باعترافات لا يعلم إلا الله كيف أُجبروا على الإدلاء بها، لتحرمهم إذاعة تلك الاعترافات المزعومة عن طريق وزارة الدفاع تحديداً من أبسط الحقوق التي قد ينالها تاجر مخدرات أو حتى مغتصب أطفال، حيث سيكون من حقه، كمتهم، خوض مسار قانوني طبيعي للدفاع عن نفسه، على عكس أولئك الشباب المساكين الذين تم اتهامهم عن طريق سلطة محصنة من النقد، لأن الكل يعتبرها حامية البلاد من الانهيار، وهو ما سيهدر كافة حقوق أولئك المتهمين، ويجعلهم هم وأسرهم ومن يتشدد لهم، عرضة للبطش، من دون رقيب ولا حسيب.
لكن، لماذا اختار السيسي إعلان القبض على هذا التنظيم المزعوم عن طريق وزارة الدفاع أصلاً؟ هل لأنه يعلم أن كثيرين لن يصدقوا ذلك الفيديو، لو أعلنته وزارة الداخلية المشهورة بالفبركة وتلفيق التهم؟ أم أنه أراد إعلان مرحلة جديدة، لا تنفرد فيها الداخلية بملف الأمن الداخلي، بل يشترك معها الجيش في ذلك؟ أم أراد توجيه رسائل إقليمية ودولية، للتذكير بارتباطه الوثيق بالجيش المصري، وأنه لم يكن مرشحا خرج من الجيش، بل كان مرشح الجيش؟ أم أنه قرر إعلان نفاد صبره كعسكري من مناقشة المدنيين لمشاريع قوانينه، مثل قانون الإرهاب الكارثي الذي تجرأ بعضهم، وأعلنوا اعتراضهم عليه؟ ربما كانت كل هذه الأسباب، مجتمعة أو منفردة، وراء قرار إذاعة ذلك الفيديو المفزع عن طريق وزارة الدفاع. لكن، المؤكد أن الأرعن الذي اتخذ قراراً كهذا لم يدرك خطورة دلالات ذلك القرار الذي يواصل تكريس الحكم العسكري للبلاد، وهو ما قد يحقق إحساساً مؤقتاً بالرضا لبعض الحمقى وقصار النظر، مع أن ذلك يعمق جذور الإرهاب، ويساهم في صناعته وانتشاره على المدى الطويل، ولكم في سورية والعراق عظة وعبرة، إن كان ثمة من يخاف من مصيرهما حقاً وصدقا.
للأسف، ذكّرني ذلك الفيديو الكارثي بأيام مقبضة من صيف سنة 2006، حين كنت أزور واحدة من أجمل المناطق السورية في ريف اللاذقية. يومها، ترددت أنباء هامسة بين بعض المواطنين، عن اختراق قامت به طائرات إسرائيلية للأجواء السورية، تحدثت عنه مواقع أجنبية محجوبة في سورية، وبعد يومين أذاع التلفزيون السوري الحكومي فيديو لاعترافات خلية وصفت بأنها إرهابية، أقر أعضاؤها بأنهم ممولون من جهات أجنبية لاختراق أمن البلاد. وبالطبع، لم يجرؤ أحد على تكذيب الفيديو، ولا السؤال عن مصير من ظهروا فيه، خصوصاً أن ظهور فيديوهات مماثلة في الإعلام السوري كان أمرا مألوفا لكل من عاش في سورية. وبعد أن مرت فترة على تلك الواقعة، اكتشفت، أنا وغيري، أن تلك الغارات الإسرائيلية، كانت تدريبا على عملية تمت في العام التالي، حين تم تدمير مفاعل نووي سوري كان قيد الإنشاء، من دون أن يعلم المواطنون السوريون بذلك، ومن دون أن يتصور أحد أن الجيش الذي كان يسيطر على البلاد، بشكل كان يبدو دائما ومحكما، سيقود سورية، في نهاية المطاف، إلى كارثة دموية، كالتي تحدث منذ أعوام، بدأت بالتأكيد، حين ذابت الفواصل بين الجيش والدولة، ليصبح مجيشا لخدمة نظام قمعي، تتحكم فيه حفنة من أصحاب المصالح.
لا يبدو، للأسف، أن في مصر من يعي خطورة تكرار ما جرى في سورية والعراق؟ لأن من يسمح بإذاعة ذلك الفيديو الذي تلعب فيه وزارة الدفاع دور القاضي والجلاد لا يدرك أنه لا يحافظ على أمن مصر، حين يساهم في توريط الجيش المصري أكثر، في سياسات ظالمة، ويواصل الإجهاز على قيمة العدالة التي تمثل الفرق الأهم بين الدولة والتشكيل العصابي، وهو ما كان يجب أن يتنبه إليه كل عاقل، إن لم يكن خوفاً على مستقبل البلاد، فحرصا على مصالحه وامتيازاته، لأن الانفجار الذي سيحدثه الظلم المتواصل حتماً لن يستثني أحدا من عواقبه، وإذا كان هناك من يخاف على مصر وجيشها من المصيرين، العراقي والسوري، فلن يكون ذلك إلا بفعل عكس ما فعله قادة العراق وسورية وغيرهما من الدول الفاشلة التي ورطت الجيش في لعبة السياسة، واستخدمته لمساندة الدولة القمعية، تحت شعارات الحفاظ على أمن الوطن، وفرض هيبة الدولة، مع أن الوقائع أثبتت، مرارا وتكرارا، أن الظلم لا يطيل عمر دولة، إلا كما تطيل المسكنات عمر المصاب بالمرض العُضال. ليس لها من دون الله كاشفة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق