23 يوليو 2015

محمد أبو الغيط يكتب: مرسي لم يتصل بهاتف الثريا

(1)
"كل الناس عارفة إن مرسي هرب يوم 28 واتصل بالجزيرة بتليفون أقمار صناعية "ثُريا" أخده من حماس.. أنت متأكد من كلامك يا محمد؟!"
هكذا قال لي ذلك الصحفي الكبير بكل دهشة، حين أخبرته ببساطة أن مرسي وإخوانه خرجوا من وادي النطرون ظهر يوم 30 يناير، وأن شبكات المحمول كانت قد عادت إلى مصر كلها وقتها.
أعرف الصحفي الكبير شخصيًّا، وأثق في مهنيته وميوله الثورية، لكنه بدوره صدق الرواية السائدة.. التهم الطعام الفاسد رغم أنه في "المطبخ".
حقا "الزن على الودان أمر من السحر"، فالسحر وحده هو تفسير أن يصدق الناس تغيير أحداث عاشوها بأنفسهم منذ وقت قريب.
(2)
شهادتك تشير إلى أن الإخوان تم تحريرهم بالمصادفة، هل حدث ذلك فعلا؟
محاولات الاعتداء على السجن والبدء في عملية اقتحامه سبقت وصول قيادات الإخوان للسجن بيوم واحد، حيث إن الاعتداء على السجن بدأ يوم 28 يناير ولم تكن مأمورية قيادات الإخوان قد وصلت إلى السجن بعد، لأنهم وصلوا يوم 29 يناير.
صف لنا الحالة التي شهدها السجن يوم 28 يناير؟
ـ تعرضنا في ذلك اليوم لبعض المناوشات، وإطلاق نار كثيف من قبل مجموعة من الأشخاص المنتمين لبدو سيناء، الذين اعتلوا سيارات ربع نقل ماركة تويوتا «2 كابينة»، وكانت تلك المناوشات بمثابة جس نبض سبقت عملية الاقتحام، وكانت السمة السائدة فيها الكر والفر.
وهل هذه المجموعة هي ذاتها التي قامت بعملية الاقتحام في اليوم التالي؟
ـ نعم نفس المجموعة وساعدهم أهالي منطقة وادي النطرون الذين عملوا على تهريب بعض المساجين الجنائيين من أقاربهم.
وماذا كان الموقف وقت اقتحام السجن؟
ـ عقب تمكن مجموعات البدو وأهالي وادي النطرون من الدخول إلى السجن، توجهوا مباشرة إلى العنبر رقم 2 المخصص للمعتقلين من الجماعات التكفيرية والجهادية المنتمية لبدو سيناء، والعنبر رقم 7 الذي كان مخصصًا وقتها للسجناء الجنائيين، وكان أغلبهم من سكان وادى النطرون...
كان الوضع شديد الاضطراب داخل السجن، وكان هناك شغب داخل العنابر من قِبَل السجناء والمعتقلين، خاصة في عنبري 2 و7، وإطلاق نار كثيف خارج السجن من خلال المجموعات التي قامت بعملية الاقتحام.
وللعلم لم تكن لدىّ نية مطلقًا لتسلم قيادات الإخوان، نظرًا لهذا الوضع، وحاولت إقناع القيادات بمصلحة السجون بعدم قدرتنا على تأمين السجن، إلا أنهم رفضوا بدافع صعوبة عودة المأمورية التي جاءت بهم إلى السجن مجددًا إلى أكتوبر، في ظل الظروف الصعبة والفوضى التي يشهدها الشارع وقتها.
هل شاهدت ذلك بنفسك؟
ـ شاهدتهم وقتها من داخل مكتبي... كما أكدت لي ذلك مجموعة من السجناء ممن ظلوا داخل السجن ورفضوا الهروب، الذين استمعت إلى أقوالهم عقب عودتي للسجن بعد مرور أسبوع على أحداث الاقتحام.
وأين كانت قيادات الإخوان وقتها؟
ـ قيادات الإخوان وعددهم 34 كانوا محتجزين داخل عنبر 3، وأعتقد أنهم ممن أجبروا على الهرب.
وكم المدة التي قضاها قيادات الإخوان داخل السجن؟
ـ قيادات الإخوان لم يستكملوا 24 ساعة داخل سجن وادي النطرون؛ لأن مأموريتهم وصلت من مكتب أمن الدولة بـ6 أكتوبر يوم 29 يناير الساعة 5 مساء، وخرجوا ضمن من خرج من السجن يوم 30 يناير الساعة العاشرة صباحًا.
هل كانت هناك تغطية لشبكات الموبايل يوم 29 يناير أثناء عملية اقتحام السجن؟
ـ كانت هناك تغطية من الشبكات، وأجريت أكثر من مرة اتصالات من هاتفى المحمول بالقيادات بوزارة الداخلية لإطلاعهم على الأمر أولا بأول ساعة اقتحام السجن.
(3)
س: ما هي السجون التي تم اقتحامها من الخارج تحديدًا حسب ترتيب اقتحامها؟
ج: أول سجن كان منطقة سجون «أبو زعبل»، وهي تضم أربعة سجون، وهي ليمان أبو زعبل 1، وليمان أبو زعبل 2 شديد الحراسة، والسجن العسكري بأبو زعبل، ثم سجن الفيوم، ثم يوم السبت بالليل كان منطقة سجون وادي النطرون اللي هو فيه ليمان 430، ليمان 440، ملحق وادي النطرون، وتمكنوا من إخراج المساجين من جميع وادي النطرون فجر يوم 2011/1/30، وبعد كده توجهوا إلى سجن 2 صحراوي، واللي تم اقتحامه صباح يوم 2011/1/30، وبعد كده يوم ٣٠/١/٢٠١١ العصر تم اقتحام سجن المرج.
س: وما الصلة التي تجمع بين تلك السجون التي اقتحمت من الخارج والسالف سردها؟
ج: كلهم فيهم مساجين سياسيين وكمان فيه حاجة أخرى أن السجون ديه كلها في مناطق صحراوية فيها بدو، وتنتشر بها تجارة المخدرات، بالإضافة إلى وجود محاجر وتوجد بها لوادر وتجارة السلاح....
س: ومتى كان أقصى هجوم تحديدًا؟
ج: يوم الجمعة 28 يناير 2011 الساعة 11:30 بالضبط مساءً.
س: وما السجن الذي تم اقتحامه آنذاك؟
ج: هو كان هجومًا على سجن برج العرب، ولكن سجن برج العرب من السجون المبنية على الطراز الحديث وصعب اقتحامه، وأن جميع المساجين داخل سجن برج العرب جنائيون، ولم يكن من بينهم مساجين سياسيون، والسبب الثالث كانت قوات الجيش موجودة آنذاك وقت الهجوم على سجن برج العرب وتصدت لهم.
من شهادة اللواء عاطف شريف، مدير مصلحة السجون سابقًا، في 3 فبراير أمام محكمة جنايات القاهرة في محاكمة مرسي.
(4)
أثناء حرب الخليج الثانية في 1991 كتب الفيلسوف الفرنسي جان بودريار 3 مقالات شهيرة هي "حرب الخليج لن تقع"، "هل حرب الخليج تجري فعلًا؟"، "حرب الخليج لم تقع"، وهو الاسم الأشهر الذي حمله كتابه الصادر بعدها.
اعتبر بودريار أن الصورة التي يعرفها الأمريكيون عن الحرب هي "النموذج" الذي نقله الإعلام، وعلى رأسه قناة "سي إن إن"، بغض النظر تمامًا عن واقع ما حدث بالفعل على الأرض. الحقيقة فقط هي الصورة.
"تم تسويق الحفلة التنكرية عن حرب خاطفة نظيفة، وعدم تمكين الجمهور من مشاهدة الوجه الآخر للحرب من مآسٍ وفواجع، أو التقليل من شأن تلك الكوارث، وحلول وسائل الإعلام بكافة أنواعها مكان الحدث الحقيقي، وخضوع الكثير من تلك الوسائل لرقابة ذاتية أو من الإدارة الحاكمة"
ومما لا يقل خطورة أن الصورة المطلوبة يصدقها مروجوها أنفسهم بالفعل، مما ينعكس على تعاملهم بدورهم.
الآن قناعة الداخلية وأركان النظام القديم الأمنيين والسياسيين بشكل عام هي أن ما تعرضوا له كان مؤامرة من الإخوان وحماس.. حرب الخليج لم تقع، والشعب لم يثٌر.
(5)
لماذا قضية وادي النطرون؟
لأننا منذ الثورة نعيش صراعًا بين 4 روايات لتاريخها، كل تصور منها يختلف جذريًّا عن قرينه، وكل منها يؤدي لنتائج مختلفة تمامًا.
الرواية الأولى هي السائدة سابقًا عن الثورة الجميلة، التي نزلها الشباب الطاهر، شباب الطبقة الوسطى من طلاب الجامعات ورواد "فيس بوك"، وأعضاء الحركات الشبابية، واعتصموا بكل سلمية حتى استجاب لهم مبارك وسقط النظام، ثم على كل منهم أن يكون "الثائر الحق" فيهدأ ليبني الأمجاد!
الرواية الثانية هي التي كافحنا طويلًا للاحتفاظ بها، وهي عن الثورة القبيحة وشبابها غير الطاهر، عن الدم والنار والمولوتوف والرصاص والهتافات البذيئة والفوضى غير الخلاقة!
عن أهالي المناطق الشعبية الذين أحرقوا الأقسام، وسرقوا سلاحها، وأحرقوا المدرعات، ومارس بعضهم السرقة وتناول المخدرات، ثم هدأوا ليندمجوا في الإضرابات العمالية والفئوية.. نقول ذلك لا امتداحًا ولا ذمًا، ولكن تقريراً لحقائق.
الرواية الثالثة هي ما يراه قطاع من الإخوان، بأن الفضل كل الفضل في نجاح الثورة للإخوان وحدهم، ولولاهم وحدهم لتم إخلاء الميدان بكل سهولة في موقعة الجمل وانتهت الثورة تمامًا!
أما الرواية الرابعة البائسة فهي التي كانت تُردد على استحياء في البداية، ثم أصبحت تردد بعزف جماعي صاخب، حتى يكاد صوتها يتجاوز الرواية الأولى، وهي أن الثورة كانت مؤامرة كبرى، خطط لها عناصر حماس وحزب الله وأمريكا وإسرائيل وأوروبا، لتقسيم البلاد وهدم الدولة، وهؤلاء هم من اقتحم السجون، ثم تسلوا في أوقات فراغهم بإحراق الأقسام وقتل المتظاهرين - مع فرسان مالطا طبعًا - وهكذا فجأة أصبح الجميع خبراء في حروب الجيل الرابع، والطابور الخامس!
قضية وادي النطرون هي العامل الأهم في تأكيد هذه الرواية حاليًّا، ورغم احتواء القضية نفسها على شهادات موثقة من بعض أبناء النظام مثل اللواءين سالفي الذكر (علمًا بأن كليهما في شهادته أكد أيضًا إن حماس شاركت في مؤامرة لتهريب سجنائها، وأن أي كلام عن فتح الشرطة للسجون باطل تمامًا) فإن التوجه العام من وسائل الإعلام - مع وجود استثناءات - هو أن تهمل أو تجتزئ هذه الشهادات، ما دام كلامها لا يوافق الرواية المراد لها أن تسود.
(6)
"تبين للجنة أن رجال الشرطة أطلقوا أعيرة مطاطية وخرطوش وذخيرة حية، في مواجهة المتظاهرين، أو بالقنص من أسطح المباني المطلة على ميدان التحرير، خاصة من مبنى وزارة الداخلية، ومن فوق فندق النيل هيلتون، ومن فوق مبنى الجامعة الأمريكية، وقد دل على ذلك أقوال من سُئلوا في اللجنة ومن مطالعة التقارير الطبية..."
"وقد بدأ إطلاق الأعيرة النارية يوم 25/1/2011 في مدينة السويس، ثم تواصل إطلاق الأعيرة النارية والخرطوش فى سائر محافظات القطر سيما في القاهرة والجيزة والإسكندرية والإسماعيلية والدقهلية والقليوبية والغربية والشرقية والفيوم وبني سويف وأسيوط وأسوان وشمال سيناء.
كما تبين للجنة كذلك أن سيارات مصفحة للشرطة كانت تصدم المتظاهرين عمدا، فتقتل و تصيب أعداداً منهم"
من تقرير لجنة تقصي الحقائق الصادر في أبريل 2011، علمًا بأن اللجنة شكلها شفيق في آخر أيام مبارك، ورأسها المستشار عادل قورة رئيس محكمة النقض الأسبق، ومن أعضائها المستشار محمد أمين المهدي، وزير العدالة الانتقالية حالياً.
(7)
لماذا قضية وادي النطرون؟
لماذا ليست قضايا قتل الثوار والمتظاهرين؟ لماذا ليست قضايا جيكا أو الجندي أو الشافعي أو مذبحة بورسعيد؟
لأنه حسب البلاغات المتهم الأول في هذه القضايا بجوار مرسي هو وزير الداخلية محمد إبراهيم، ومعه الضباط الفاعلون المباشرون بطبيعة الحال، وهو ما يتنافى مع الإرادة الحالية أن يظهر الإخوان كمجرمين وحيدين.
ولأنه إذا تم إقرار قاعدة محاكمة المسؤول السياسي عن الدماء التي وقعت في عهده، فإنه من باب أولى يجب محاكمة المشير طنطاوي وعنان لمسؤوليتهما السياسية عن دماء المرحلة الانتقالية، مجلس الوزراء وماسبيرو والعباسية ومحمد محمود..الخ، ومن بعدهم يتم محاكمة منصور والسيسي والببلاوي لمسؤوليتهم عن دماء عهدهم، وهو يقينًا أغزر من أي دماء سالت في أي عهد سابق.
عارضنا مرسي لأنه لم يكن ثوريًّا بما يكفي بالنسبة لنا، وعارضوه لأنه كان ثوريًّا أكثر من اللازم بالنسبة لهم. لا يستوون.
(8)
"ناقص يطلعوا يقولوا إن أفرادًا من حركة حماس وحزب الله هم الذين اقتحموا أقسام الشرطة والسجون وهم الذين قتلوا المتظاهرين بالمرة، وإن معلومات طلعت زكريا الذكية والثمينة هي التي تحرك الاتهامات تجاه الثوار والمتظاهرين والمعتصمين!
ساعتها لو ثبت ذلك سنطلب من المجلس العسكري إعادة حسني مبارك فورًا من شرم الشيخ ليحكمنا وبالمرة يجيب ابنه، ما دام الجنرالات يقولون نفس كلام الديكتاتور وأجهزته ويعتقدون في صحته وسلامته، يبقى بلاها ثورة...!"
إبراهيم عيسى – من مقال "الوطنية خط أحمر" – 26 يوليو 2011
(9)
مشكلة محاولة إعادة كتابة التاريخ في العصر الحالي أنه تاريخ قريب جدًّا، لم ينسه الناس، لم يمت شهوده، ونحن لم نعد في الستينيات، وما أدراك ما الستينيات، حيث لا صوت إلا إذاعة صوت العرب.دائمًا في هذا العصر، بعد هدوء فورة الهيستريا، يفيق الناس على فيديو قديم أو خبر قديم ينسف الأوهام الجديدة.
ومشكلة محاولة إعادة كتابة التاريخ في مصر تحديدًا هي "التجويد" و"الأفورة" بلا حدود، وبلا سقف، وبما يقلب السحر على الساحر الفاشل.المتهم الثاني في قضية وادي النطرون هو الفلسطيني حسام عبد الله إبراهيم الصايغ، والمتهم رقم 35 هو الفلسطيني حسن سلامة. حسام استشهد عام 2008 أثناء حرب إسرائيل على غزة، وحسن سلامة معتقل في إسرائيل منذ 1996، أي منذ 16 عامًا!
فضلاً عن أن المبالغة في الحديث عن عن قوات فلسطينية كثيفة احتلت الشريط الحدودي بطول 600 كيلومتر، وقامت بكل هذا التخريب والإختراق، بالتعاون مع الإخوان الخونة، ثم لا نعرف عن ذلك إلا الآن، يطرح أسئلة كثيرة عن جلوس عمر سليمان قائد المخابرات العامة مع مرسي - الهارب الخائن - أثناء الثورة، ثم تعاون طنطاوي مع قيادات الإخوان بعدها، ومن قبل ومن بعد كان المشير السيسي هو قائد المخابرات الحربية المسئول الأول عن تلك المعلومات! 
وعلى هامش القضية يستمر التجويد، بين من يتحدث عن فرسان مالطة، ومن يتحدث عن مؤامرة شفرات أبلة فاهيتا وإعلان بيبسي، وبين من ينشر "وثيقة" رهيبة تكشف قيادة أحمد الجعبري للقوة الحمساوية المهاجمة، رغم أنه قد اغتالته إسرائيل بدوره!
سُنة الحياة هي أن الهيستريا تأخذ وقتها ثم تهدأ، وسُنة الثورة في مصر هي أن الشعب قَلاب، والشعب ما زال يريد مطالب يصعب تحقيقها على أي جهة، وبعد حين - طال أو قَصُر - سيعود الشعب للهتاف بما يريد، وحينها سيعلو صوت الجوع والفقر والبطالة على صوت المعركة، ولن يبقى من يصدق هذه الأفورة إلا أمثال مدام إيمان عبد العزيز – حزب الكرامة الناصري – القليوبية!

ليست هناك تعليقات: