مع قوى الثورة على تنوعها ضد الحكم العسكري/ قوى الثورة المضادة، هنا يبدو الخصم أكثر وضوحًا من الحليف، ثمة ثوار ليسوا بثوار، أخوة أعداء، محسوبون علينا وهم علينا، حروفهم معنا، ومضامينهم مع السيسي، ولذلك علينا إعادة الفرز، والبحث عن إجابات.
الاصطفاف ضرورة ومسؤولية، وكل من يتصور أنه سيتنزل من عليائه متأففا ليضع يده في يد آخر، وهو مغمض العينين، مسدود الأنف والأذن والحنجرة، مثل عبد السلام النابلسي وهو يلعب دور رئيس فرقة "البيانولا" فليهنأ بعصاته الخشبية، وأوهامه اللزجة بكونه حسب الله السادس عشر، وليرح نفسه ويريحنا.
يتساوى في ذلك كونه إخوانا، أم ليبراليا، إن كان في مصر ليبراليين، أم من اليسار الرجعي التقليدي، الذين يقفون من الواقع مسافة ابتعاد الكوكب الجديد عن أقرب المتطلعين لسكناه من أهل الأرض.
الاشتراكيون الثوريون، أطلقوا بيانين لتوضيح الأمر، وتعريف المعرف، الذي بات واجبا وضروريا من كثرة ما أغرقتنا الآلة الإعلامية الجبارة للنظام، والمتعاونون معها من الثوار المتقاعدين، بتفاصيل ليس أولها مؤامرة يناير ولن يكون آخرها "الاشتراكيون الثوريون إخوان!!"
الرفاق قالوا إن الفاشية العسكرية هي الخصم الحقيقي، وإن الاخوان والعسكر ليسوا سواء، ولا يعني إدراجهم في شعار واحد سوى الانحياز الضمني للدولة العسكرية، وطالبوا بالاصطفاف الوطني وتجاوز الخلاف.
الكلام واضح، ردود الأفعال أيضا جاءت واضحة، البيان أثار حفيظة الفلول، وقطاعات من المحسوبين على الثورة في آن، الفريقان اعترضوا، هل هما فريقان؟
الواقع أنهما فريق واحد، خطاب واحد، مصالح واحدة، ولا ينبغي لنا منذ الآن أن نؤمل في هذا الاتجاه، تضامنا أو عقلا، ثمة من نزلوا معنا بفعل الدفع الاجتماعي، شاركونا الهتاف، مواجهة الرصاص، والخيل والجمال.. والحمير، إلا أنهما الآن في المربع الآخر، تجاوزتهم الثورة.. بالغباء أو بالخيانة !!
لم يعد الوقت يسمح بـ"المناهدة"، ربما نحتاج أن نصبر على بعضنا البعض، لنتفاهم، إلا أن المشهد الآن بات واضحا بما يكفي، تجاوزنا مرحلة التفهيم، من يتصور أن 30/ 6 ثورة، و3 /7 ليس انقلابا، والجيش لم يبيت النية، ولم يخطط لثورة مضادة، ومؤسسات الدولة لم تفشل مرسي، فهذا ليس غيبا، ولا يحتاج إلى من يناقشه، لقد اختار صاحبنا المربع "عسكر"، لكنه يخجل من الإفصاح داخل مجتمعه النضالي، ربما ليجد من يرد عليه السلام على المقهى ليلا، ويشاركه "البوستات" و"التويتات" !!
أيضا من يتصور أن الحدث، في 30/ 6، لم يكن بالتعقيد والتركيب الذي يسمح بالانخداع والانجرار، والذي كان أول المنخدعين فيه هم الإخوان أنفسهم الذين تصوروا يوم 3 /7 صباحا أن الجيش نزل ليحمي الشرعية، والذين رفضوا طوال شهرين كاملين تصديق كل النصائح والتسريبات التي وصلت إلى قصر الاتحادية، ومكتب الإرشاد، تفيد صراحة بأن العسكر قادمون، وأنه ثمة ما يدبر، ممول، ومسمم بأموال الخليج، والتحالفات الإقليمية والدولية، ضد "يناير" قبل الإخوان، وأنهم سيكونون هم ومعارضوهم سلما لعودة رجال مبارك، أقول أن من يتصور أن 30/ 6 خطيئة تستوجب ما هو أكثر من الاعتذار عن سوء التقدير السياسي من الجميع، وأولهم الإخوان أنفسهم، وأنه على من يتراجع أن يعلن توبته إلى الله، ويبدي أسفا وندما، ويحمل التراب ويضع على رأسه ووجهه، إلى آخر هذه الكربلائيات الساذجة، هذا الصنف بدوره عليه أن يبحث عن "النابلسي" في شارع محمد علي ويجلس إلى جواره في انتظار حفل "طهور".
النقاء الأيديولوجي، مثل النقاء العرقي، محض وهم وخيال، لا يوجد صف لم تخترقه الثورة المضادة، ولا يوجد صف يخلو من رجال حقيقيين، تحالف 30/ 6 ضم إسلاميين وعلمانيين، يمينا ويسارا ووسطا، أزهريين، وكنسيين، وإخوانا سابقين، وفلولا، بل وثوارا بكل أسف، بدوره الاصطفاف الذي نرجوه، ونعد له، ونبذل مساعينا تجاهه، من شأنه أن يضم الجميع، ممن لم يزالوا على حلم الثورة ووعيها، لم تلوثهم المزايدات والمرارات التاريخية والأيدولوجية، ولم تجندهم المصالح الفردية، والمكاسب الرخيصة.
إن أولى خطوات هذا الاصطفاف هو ترتيب البيت الثوري من الداخل، وتجاوز التعميمات، لا الإخوان كلهم واحد، ولا القوى المدنية، لا الشباب كلهم واحد ولا العجائز، لا من نزلوا 30/ 6 كلهم واحد، ولا من لم ينزلوا جميعهم فعلوا عن وعي وإدراك، المسألة أكثر تعقيدا من الإجابات الجاهزة، التي لن تصب بدورها سوى في مصلحة الجاثم على صدر البلاد بقوة السلاح، ينتظر المزيد من الخلاف والتخبط بين رفقاء الثورة، ليهنأ بالمزيد من الاستمرار والسلب والنهب بين رجاله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق